موت المسيح
المجيء الثاني وموعده:
"وأما ذلك اليوم وتلك الساعة، فلا يعلم
بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن إلا الآب، انظروا واسهروا وصلوا
لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت" مر13: 32-33. أي أن موعد المجيء الثاني لا
يعلم به أحد، وهنا سوف نركز على نقطتين:
ستغل البعض ما جاء في النص السابق وقالوا:
إذا كان المسيح هو الله فكيف لا يعرف ذلك اليوم؟ فهل حقاً لا يعلم المسيح تلك
الساعة؟ وهل في هذا دليل على عدم إلوهيته؟
- لكي نفسر هذا النص أو غيره من
النصوص يجب:
أ - أن نفسره في ضوء كل الكتاب المقدس أي
نفسر النصوص الإلهية بالنصوص الإلهية، أي قارنين الروحيات بالروحيات.
ب - إذا فسرنا هذا النص حرفياً، فهو يعني أن
المسيح لا يعلم اليوم والساعة، وهذا لا يستقيم مع الكثير من نصوص الكتاب المقدس
التي تتحدث عن المسيح، الإله المتجسد العارف بكل شئ.
جـ - إذا لا نستطيع أن نأخذ هذه الآية على
معناها الظاهر، بل يجب أن نبحث عن المقصود من ورائها.
لم يذكر كلمة (ولا الابن) سوى إنجيل مرقس،
وهو يركز على المسيح باعتبار ناسوته فالمسيح كما أنه إله تام، فهو إنسان تام، وهو
باعتبار كونه إنساناً، لا يعرف اليوم أو الساعة، ولذلك لم يقل المسيح أنا لا أعلم
ذلك اليوم، كما قال من قبل "أنا والآب واحد"، بل قال ولا (الابن) أي
الابن باعتبار الناسوت، ولو كان يقصد الابن من حيث هو أزلي، ففي قوله إلا الآب
يظهر كأنه ينفي المعرفة عن الروح القدس وهو الأقنوم الثالث من اللاهوت، وهو روح
الله، وكيف يمكن أن نتصور الله يعرف أمراً لا يعرفه روحه؟ إذن فالمسيح لا يتكلم عن
نفسه من حيث هو إله، ولكن من حيث هو إنسان، وبهذه الصفة لا يعرف زمن القيامة"
(57).
وقال القديس أثناسيوس: إن السيد المسيح قال
لتلاميذه عن يوم وساعة مجيئه أنه لا يعرفها أحد ولا الابن لئلا يسألوه عن هذا السر
الذي لا يجوز لهم أن يطلعوا عليه، كما يقول صاحب السر إني لا أعلم هذه المسألة،
أني لا أعلمها علماً مباح به، لأن بطرس قال له: يارب أنت تعلم كل شئ" (58).
لماذا أخفى الله هذه الساعة عن
تلاميذه؟
قال المسيح لتلاميذه عندما سألوه هل في ذلك
الوقت ترد الملك لإسرائيل، قال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات
التي جعلها الله في سلطانه" أع1: 6-7، ولم يكن من المناسب أن يعرف التلاميذ
كل شئ، وقد قال لهم المسيح: "إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا
تستطيعون أن تحتملوا الآن" يو16: 12.
فلو علم التلاميذ بهذا الموعد لفترت همتهم في
الكرازة، ولو علم المؤمنون هذه الساعة لفتر نشاطهم الروحي، وبلا شك سوف يؤجل
الخطاة توبتهم، ولهذا أخفيت عنا ساعة المجيء حتى نضع قول المسيح: "انظروا،
اسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون ذلك الوقت مر13: 33. وهكذا نحيا كل حين:
أ - ساهرين: وقد أوضح المسيح ذلك
في مثل العشر عذارى (مت25: 1-13)، ومثل العبيد الذين أعطاهم سيدهم الوزنات وطالبهم
بالعمل حتى مجيئه (مت25: 14-30).
ب - منتظرين: 1كو1: 7.
جـ مستعدين: مت 25: 1-46، يع 5:
7-8.
د - مقدسين: 1تس5: 23، 1تي6: 14،
2بط3: 14.
هـ - مصلين: مر13: 33
إن عقيدة المجيء الثاني للمسيح حقيقة لا شك
فيها، ولأنها حقيقة مؤكدة، فقد أجمع عليها المسيحيون في كل العصور. وهذه الحقيقة
معلنة بكل وضوح في الكتاب المقدس وقد ذكرتها إصحاحات كاملة مثل مت24، 25، مر13،
لو21، 1كو15.
(1) حقيقية المجيء الثاني:
لقد شهد لحقيقة المجيء الثاني:
1 - المسيح نفسه: ففي إنجيل متى قال المسيح:
"وحينئذ تظهر علامات ابن الإنسان في السماء، وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض
ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير" مت30:24، وأيضاً
مت31:25، لو27:21، وفي سفر الرؤيا: "ها آتي سريعاً وأجرتي معي لأجازي كل واحد
كما يكون عمله" رؤ12:22.
2 - التلاميذ والرسل:
- الرسول يوحنا: سجل في إنجيله قول المسيح:
"إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجئ فماذا لك " يو22:21، وفي رسالته الأولى
قال: "ولكن نعلم أنه إذا أُظهر سنكون مثله لأننا سنراه كما هو" 1يو2:3،
وفي الترجمة التفسيرية (كتاب الحياة): "فإننا متأكدون أننا عندما يعود المسيح
ظاهراً سنكون مثله لأننا سنراه على حقيقته". وفي رؤ7:1 "هوذا يأتي مع
السحاب وستنظره كل عين".
- الرسول بطرس: يتحدث عن ذلك: "لكي تكون
تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني، مع أنه يمتحن بالنار، توجد للمدح
والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح" 1بط7:1.
ويؤكد أنه : "متى ظهر رئيس الرعاة -أي
المسيح- تنالون إكليل المجد" 1بط4:5.
ويحض المؤمنين أن يحيوا "منتظرين
وطالبين سرعة مجيء الرب" 2بط3:.12.
الرسول بولس: يلفت أنظارنا أننا يجب أن نكون
متوقعين استعلان ربنا يسوع المسيح (1كو1: 7)، وأن لا نحكم في شئ "حتى يأتي
الرب" 1كو4: 5، ويجب أن تكون سيرتنا في السماوات التي ننتظر مخلصاً هو الرب
يسوع المسيح" في3: 20، وعلينا كمؤمنين "أن نحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم
إلى ظهور ربنا يسوع المسيح" 1تي6: 14، وأن نعيش " منتظرين الرجاء
المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" تي2: 13 ويفتخر الرسول
بولس بأنه قد وضع له "إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان
العادل، وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره" 2تي 4: 8. أقرأ: 1كو15: 23،
1تس1: 10، 1تس2: 9، عب9: 28.
3 0 الملائكة:
بعد قيامة المسيح من الموت، وظهوره لتلاميذه
مدة أربعين يوماً (أع1: )، نرى هذا المشهد لصعود المسيح، "فيما كانوا يشخصون
إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان وقفا بهم بلباس أبيض (ملاكان) وقالا: أيها الرجال
الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى
السماء، سيأتي هكذاكما رأيتموه منطلقاً إلى السماء" أع1: 10-11.
(2) بعض العبارات التي وصف بها
المجيء الثاني في الكتاب المقدس: (50)
أ - استعلان: وهذا يوضح ظهور المسيح في مجده
(1كو1: 7، 2تس1: 7، 1بط1: 7،13، 1بط4: 13).
ب - ظهور: اعلان أن ظهور المسيح هو مجيء الرب
(2تس2: 8، 1تي6: 14، 2تي4: 1،8، تي2: 13).
جـ - مجيء: وهو أكثر التعبيرات استخداماً في
العهد الجديد (مت24: 3-29، 1كو15: 23، 1تس2: 19، 1تس3: 13، 1تس4: 15، 1تس5: 23،
2تس2: 1-9، يع5: 7-8، 2بط1: 16، 2بط3: 4-8، 1يو2: 28).
ملحوظة: لقد ذكرنا هنا أهم وأشهر التعبيرات،
دون أن نضع في الاعتبار الاختلافات التي يراعا البعض بينها.
(3) كيفية المجيء:
من خلال الكتاب المقدس نرى أن هذا المجيء:
أ - شخصي: أي أن المسيح سوف يأتي شخصياً
بذاته، وليس آخر بهديه أو روحه أو تعليمه كما يرى الغلام وأتباعه.
(يو14: 3، يو21: 22-23، أع1: 1-11، 1تس4:
16-17، تي3: 20-21، عب9: 28، يع5: 7، 2بط3: 3-4، 1يو2: 38، 1يو3: 2-3).
ب - علانيته: أي ظاهر ومرئى (مت24:27-30،
مت25: 31-46، لو17: 24، أع1: 9-11،2كو5: 10، رؤ19: 11).
جـ - مفاجئ: أي في وقت غير معروف وغي متوقع
(مت24: 26-58، مت25: 1-2، مر13: 33-37، لو21:34-36، 2بط3: 10).
هـ - مع الملائكة: (مت16:27، مت25: 31،
2تس1:7، يه14).
فهل تنطبق هذه الصفات على القادياني يوم أن
جاء إلى العالم، هل صاحبت مجيئه جوقة من الملائكة..