مسألة تحريف الكتاب المقدس
ثالثا صلة
محمد بالكتاب المنزل
وهذا السر يكشفه لنا منذ سورة (القلم) ، الثانية في تاريخ
النزول. فقد رأينا انه يتحدى المشركين المجرمين (بالمسلمين) من قبله ، وبدراسة الكتاب معهم ، وكتابة
الغيب المنزل فيه : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ …. أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ …ام عندهم الغيب فهم يكتبون . القلم
35 –37.
ويرد على المشركين الكافرين بدعوته ، بأنها من الكتب المقدسة التي يدرسها ،
وينذرهم بها :
( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا
إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ
وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ
لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وَمَا
آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ
مِنْ نَذِيرٍ . سبإ 43-44.
فلا يحق لهم تكفير
محمد ، ولا اتهامه بالأفاك المفترى ، او السحر، لان الحق الذي جاءهم به هو من( كتب
يدرسها ) ويستعلي بها عليهم .
(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ. لقمان 20
أما محمد فهو يجادل الناس بهدى الكتاب المنير وعلمه .
وقصة (درس) الكتاب المنزل قبله صريحة في قوله : ( وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ
الْآيَاتِ –
وَلِيَقُولُوا: دَرَسْتَ ! -
وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . انعام 105.
فهو لا يرد التهمة ، بل يبين الغاية من درس الكتاب : انها بيان
الكتاب المنزل للناس ، كما يتضح من قوله في السرة عينها : (وَهَذَا كِتَابٌ
أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ
تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ
كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ). أنعام 155-156.
غفل بنو قومه عن دراسة الكتاب ، أي التوراة والإنجيل، فدرسهما
محمد، ونقل تنزيلهما في القران ، بأمر ملاك الله له في رؤيا غار حراء .
فالقران العربي
تنزيل لأنه ( تفصيل الكتاب) (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ
الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ). يونس 10 أي تعريب التنزيل الكتابي : ( وانه لتنزيل
رب العالمين … وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) كما يشهد النصارى من علماء بني إسرائيل
(الشعراء 193-197).
فمحمد (درس) الكتاب ، كما ( درسوا ما فيه ) الأعراف 168، ليبينه
بتفصيله في القران العربي ( لقوم يعلمون) ، او لقوم كانوا عن دراسته غافلين .
يرد بعضهم على هذا الاستنتاج المحكم بقوله : ( وما كنت تتلو من
قبله من كتاب ، ولا تخطه بيمينك ، واذا لارتاب المبطلون) العنكبوت 48 .
لكن فاتهم ما بعدها : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا
العلم ) العنكبوت 49. وتعبير (الذين أوتوا العلم ) اصطلاح عنده ، كناية عن أهل
الكتاب (المقسطين) ، (المحسنين) أي النصارى.
فإذا كان محمد لا يخط الكتاب بيده ، ولا يتلو الكتاب بنفسه ،
فهذا لا يمنع انه (درسه) على أهله
وأئمتهم ، (فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)
السجدة 23-24 ؛ لذلك فالقران (هو آيات بينا في صدورهم) ؛ لا بل (وَشَهِدَ شَاهِدٌ
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) الأحقاف 10 : إن (مثل) القران موجود قبله، وينقله
للعربية ( حكيم خبير) .
وقوله : ( ما كنت
تتلو من قبله من كتاب) ، يفسره تصريحه لليهود الذين طالبوه ( بالبينة :
رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً ، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ -
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ
الْبَيِّنَةُ) البينة 2-5
لقد أعطاهم البينة
المطلوبة : فهو يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً ، فِيهَا كُتُبٌ
قَيِّمَةٌ !.
فمن قرائن القران المتنوعة
المتواترة يتضح ان صلة محمد بالكتاب الذي انزل قبله ، كانت صلة (درس) ، وتدريس لكي
(يعلمهم الكتاب والحكمة) .