مسألة تحريف الكتاب المقدس
ترد لفظة نسخ في
أربع آيات قرآنية لا غير :
1 ) {هذا كتابنا
ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون} الجاثية 29 .
الأمر هنا في هذه الآية يتعلق بملائكة الله الذين ينسخون أفعال البشر ليوم
الدين .
3 ) وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى
أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي
الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ والله عليم حكيم . الحج 52.
عن سعيد بن جبير
قال: قرأ رسول الله بمكة النجم فلما
بلغ هذا الموضع " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى " قال فألقى الشيطان
على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتجى قالوا ما ذكر آلهتنا بخير قبل
اليوم فسجد وسجدوا فأنزل الله عز وجل هذه الآية " وما أرسلنا من قبلك رسول ولا نبي
إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله
آياته والله عليم حكيم " .
كان رسول الله قد
اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبه وأحزنه ضلالهم فكان يتمنى هداهم فلما
أنزل الله سورة النجم قال " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر
وله الأنثى " ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت فقال وإنهن لهن
الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته فوقعت
هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة وذلت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا إن محمدا
قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه فلما بلغ رسول الله آخر النجم سجد وسجد كل من حضره
من مسلم أو مشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا فرفع ملء كفه تراب فسجد
عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله فأما المسلمون
فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الذي
ألقى الشيطان في مسامع المشركين فاطمأنت أنفسهم لما ألقى الشيطان في أمنية رسول
الله وحدثهم به الشيطان أن رسول الله قد قرأها في السورة فسجدوا لتعظيم آلهتهم ففشت
تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين
عثمان بن مظعون وأصحابه وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا مع رسول الله
وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا
بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته وحفظه من القرية
وقال الله " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في
أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم .
فالنسخ المذكور هنا هو اذن من خصائص القران في تنزيله ، ولا يعني نسخ كتاب
بكتاب ، او شرع بشرع. والنسخ عند كل رسول ( او نبي) من قبل محمد يتعلق بنسخ ما
يلقيه الشيطان في الوحي ، لا بأحكام الكتاب.
4 ) مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ
مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
.البقرة 106 .
تلك هي آية النسخ
الشهيرة . وهي صريحة وواضحة انها تحصر نسخ آية بآية في القران نفسه .
عن ابن عباس "ما ننسخ من آية" ما نبدل من آية وقال ابن جريج عن مجاهد "ما
ننسخ من آية" أي ما نمحو من آية وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "ما ننسخ من آية" قال
نثبت خطها ونبدل حكمها .
عن الضحاك في قوله
: "ما ننسخ من آية" ما ننسك وقال عطاء أما "ما ننسخ" فما نترك من القرآن . وقال
السدى "ما ننسخ من آية" نسخها قبضها وقال ابن أبي حاتم: يعني قبضها رفعها مثل قوله
"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وقوله "لو كان لابن آدم واديان من ذهب
لابتغى لهما ثالثا" وقال ابن جرير "ما ننسخ من آية" ما ينقل من حكم آية إلى غيره
فنبدله ونغيره وذلك أن يحول الحلال حراما والحرام حلالا والمباح محظورا والمحظور
مباحا ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة فأما
الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ.
وأصل النسخ من نسخ
الكتاب وهو نقله من نسخة أخرى إلى غيرها فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره إنما هو
تحويله ونقل عبارة إلى غيرها وسواء نسخ حكمها أو خطها إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة
.
فالنسخ اذن من
خصائص القران في تنزيله ، ولا علاقة له على الإطلاق بنسخ كتاب منزل بكتاب آخر ، أو
بنسخ شرع منزل بشرع آخر!.
هذا هو الواقع
القرآني في لغة النسخ . ان القران يحصر آية النسخ في آياته وأحكامه .
فالاستناد إلى آية
النسخ للقول بنسخ كتاب بكتاب او شرع
بشرع هو فرية على القران، والقران منها براء .