مسألة تحريف الكتاب المقدس
الرخص
النبوية الأربعة في قراءة
ذاك واقع النبي في تنزيل القران .
وهذا واقع الأمة في
قراءته ، على زمن النبي وبعده ، قبل ان جمع عثمان المصحف الأميري .
استن النبي العربي
لامته مبادئ أربعة لتلاوة القران قد تكون صيغا متنوعة لحديث واحد : ( انزل القران
على سبعة أحرف). وقد عمل الصحابة والامة بهذه الرخصة أو الرخص نحوا من نصف قرن قبل
ان يجمع عثمان الأمة على قراءة القران بحرف واحد ، ولغة واحدة ، وقراءة واحدة في
مصحف واحد، هو المصحف العثماني الذي لم يبقى غيره .
وحديث نزول القران
على سبعة أحرف شائع متواتر نقلته جميع كتب الحديث وجميع كتب التفسير : ( انزل
القران على سبعة أحرف) ويزيد بعضهم (فاقرأوا ما تيسر منها) . ويزيد بعضهم (كلها شاف
كاف آيها قرأت أصبت فمن قرأ منها حرفاً فهو كما قرأ فأيما حرف قرأوا
فقد أصابوا 000 كلها شاف كاف ما لم يختم آية عذاب برحمة ،آو آية رحمة بعذاب
كقوله : هلم وتعال. راجع: الطبري 1/20-45 .
بحسب هذا الحديث
كان النزول نفسه على سبعة أحرف . وهناك صيغة أخرى تجعل قراءة القران على سبعة أحرف
، وهي ذات مغزى : ( ان الله امرني ان أقرأ القران على سبعة أحرف) فهي تعني انه نزل
على حرف وقرئ على سبعة . وسواء جاء
الحديث بالصيغة الأولى أم الأخرى فهو حديث ذو شؤون وشجون .
والأخبار ، عن اختلاف الصحابة في زمن النبي على
قراءة القران بنصوص مختلفة، متواترة عديدة : نقتصر منها على بعضها .
نقل الطبري عن زيد
بن ارقم : ( جاء رجل إلى رسول الله فقال: أقرأني عبد الله بن مسعود ، أقرأنيها زيد
وأقرأنيها ابي بن كعب فاختلف قراءتهم
: فبقراءة آيهم آخذ؟ قال، فسكت رسول، الله وعلي إلى جانبه،فقال علي: ليقرأ كل إنسان كما علم ، كل حسن
جميل. الطبري 1/24.
في حديث أخرجه
الستة عن الزهري وغيره (انهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ
سورة الفرقان في حياة رسول الله 00 فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنها رسول الله . فكدت
أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم
فلما سلم لببته بردائه فقلت:
من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها ؟ قال أقرأنيها رسول الله . فقلت : كذبت !
فوالله ان رسول الله . لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها . فانطلقت به اقوده
إلى رسول الله فقلت : يا رسول الله سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حرف لم تقرئنيها
، وأنت أقرأتني سورة الفرقان . فقال رسول الله أرسله يا عمر فقال: أقرأ يا هشام.
فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها فقال رسول الله هكذا أنزلت ! ثم قال رسول الله أقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني رسول الله . فقال رسول الله
هكذا أنزلت. ثم قال رسول الله : (ان هذا القران انزل على سبعة أتحرف فاقرأوا ما تيسر منه) . راجع الطبري 1/24
وابن حجر في الفتح 12/248 والبخاري 8/215 و3/226 والخصومات 2/61 واستتابة المرتدين
4/198 وجامع الترمذي 11/60 وسنن النسائي 1/149 شرح صحيح مسلم للنووي 6/99.
سؤال: لو ان
الاختلاف الواقع في القران هو اختلاف فقط في الألفاظ دون المعاني ، فلماذا فكر ابن
الخطاب ان يساور ابن حكيم أثناء صلاتها سمعه يقرأ القران على أحرف كثيرة؟.
ان عمر بن الخطاب
وهشام بن حكيم كلاهما قرشي من قبيلة واحدة ذو لهجة واحدة مع هذا اختلفت قرأتهما
للقران ،فهل يعقل بان يكون هذا الاختلاف هو اختلاف في الألفاظ دون المعاني؟؟.
هذا الحديث يبين ان الاختلاف في النص القرآني بلغ مبلغاً كبيراً
كاد منه عمر ان يقتل صاحبه؛ ويشهد ان الاختلاف في القراءة ، ليس فقط من القراء ، بل
هو أيضا من النبي نفسه الذي ثبت قراءتين بأحرف متعددة لنص واحد!.
لقد أدخلت هذه التوسعة النبوية في القراءات والأحرف المتعددة
والمختلفة الشك إلى نفس عمر بن
الخطاب ( قرأ رجل عند عمر بن الخطاب فغير عليه. فقال: لقد قرأت على رسول الله فلم
يغير علي. قال: فاختصما عند النبي . فقال : يا رسول الله ،آلم تقرئني آية كذا وكذا؟
قال: بلى قال: فوقع في صدر عمر شئ . (الشك) فعرف رسول الله ذلك في وجهه ، فضرب صدره
وقال : ابعد شيطاناً - قالها ثلاثة مرات- ثم قال : يا عمر ، ان القران كله صواب ما
لم تجعل رحمة عذاباً آو عذاباً رحمة . راجع الطبري 1/25.
هنا يذهب النبي في التوسعة في قراءة القران إلى أقصى مداها
يوسع ما وسعه في اختلاف الألفاظ والنصوص، ما لم تؤدي إلى تناقض في المعاني . وهذه
التوسعة توقع عمر في شك منها، يكون معه بحاجة إلى طرد الشيطان من صدره ثلاثاً.
وقد ساور الشك والارتياب من هذه التوسعة في القراءة بأحرف
مختلفة الصحابي ابي بن كعب اكثر من مرة .
وقد روى عنه قال: روى مسلم بمسنده عن ابي بن كعب قال: كنت في
المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة
صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله فقلت: ان هذا قرأ قراءة
أنكرتها عليه، ودخل الآخر وقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله فقرآ، فحسن النبي
شانهما ، فاسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله ما
قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقاً ، كأنما انظر إلى الله فقال لي: يا ابي، أرسل آلي
ان اقرأ القران على حرف فرددت إليه، ان هون على أمتي، فرد آلي الثانية: اقرأه على
حرفين، فرددت إليه ان هون على أمتي، فرد آلي الثالثة: اقرأه على سبعة أتحرف. راجع
صحيح مسلم 2/561-562 وصحيح مسلم بشرح النووي 6/102-103 مسند احمد 5/127 و148 وتفسير
الطبري 1/46-38 .
عن آبى بن كعب قال:
دخلت المسجد فصليت فقرأت النحل . ثم جاء رجل فقرأها خلاف قراءتنا ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فدخل نفسي من الشك والتكذيب اشد ما كنت في
الجاهلية . فأخذت بأيدهما فأتيت بهما
النبي . فقلت: يا رسول الله استقرئ هذين . فقرأ أحدهما ، فقال: أصبت . ثم استقرئ الأخر فقال :أصبت فدخل قلبي
اشد مما كان في الجاهلية من الشك والتكذيب . فضرب رسول الله صدري وقال: أعاذك الله
من الشك واخسأ عنك الشيطان. راجع الطبري 1/ 38.
ووصل الشك في
تلك التوسعة النبوية إلى كُتاب الوحي أنفسهم، فقد اخبر سعيد بن المسيب : ان
الذي ذكر الله ( إنما يعلمه بشر)
النحل إنما افتتن انه كان يكتب الوحي ، فكان يملي عليه رسول الله ( سميع عليم آو
عزيز حكيم ) آو غير ذلك من خواتم الآية . ثم يشتغل عنه رسول الله وهو على الوحي ،
فيستفهم رسول الله (العزيز حكيم آو سميع عليم)؟ فيقول له رسول الله : آي ذلك كتبت
فهو كذلك. راجع الطبري 1/54.
عن عبد الله قال: أقرأني رسول الله سورة حم .ورحت إلى المسجد
عشية فجلس آلي رهط. فقلت لرجل من الرهط اقرأ علي، فإذا هو يقرأ حروفاً لا أقرؤها .
فقلت له: من اقرأكها؟ قال أقرأني رسول الله فانطلقنا إلى رسول الله وإذا عنده رجل،
فقلت له: اختلفنا في قراءتنا فإذا
وجه رسول الله قد تغير ، ووجد في نفسه حين ذكرت له الاختلاف ، فقال:إنما هلك من
قبلكم الاختلاف. ثم اسر إلى علي فقال
علي: ان رسول الله يأمركم ان يقرأ كل رجل منكم كما علم.فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ
حروفاً لا يقرؤها صاحبه. راجع المستدرك 223- 224 . وراجع صحيح البخاري بحاشية السدي
باب فضائل القران3/237 وفتح الباري 9/80-81.
الى هذا الحد وصلت
الحالة في زمن النبي . وهو بنفسه يقر الاختلاف في ألفاظ القران ، حتى جاء الحديث
المتواتر يكرس الوضع ويجعله مخرجا علويا بحديث ( الأحرف السبعة)