مسألة تحريف الكتاب المقدس

 

معنى نزول القران على سبعة أحرف

 

سبعة نصوص مختلفة بمعنى  واحد

كما انزل الإنجيل على أربعة أحرف { أربعة بشائر} مختلفة الألفاظ متفقة المعاني. هكذا انزل القران على سبعة أحرف مختلفة الألفاظ متفقة المعاني .

لقد اختلفوا في نوع الاختلاف بين هذه الأحرف السبعة اهو في الألفاظ أم في المعاني؟.

قال بعضهم: هو في المعاني، بتنوعها إلى أمر وزجر وترغيب وترهيب وقصص ومثل، ونحو ذلك من الأقوال. راجع الطبري 1/47.

أما اكثر العلماء فهم على انه اختلاف الألفاظ ذاتها، واتفاق المعاني . 

روى الأزهري عن أبي العباس انه سئل عن قوله على سبعة أتحرف؟ فقال: ما هي إلا اللغات.

وقال الأمام عبد الرحمن بن الجوزي : المراد بالحديث انزل القران على سبعة لغات .

وقد ذهب إلى هذا القول ابن الأثير في النهاية . وابن قتيبة فيتأويل مشاكل القران {الاختلاف  نوعان :اختلاف تغاير ، واختلاف تضاد.فاختلاف التضاد لا يجوز. ولست واجده  بحمد الله في شيء من القران. راجع تأويل مشاكل القران لابن قتيبة 31.

وشيخ  المفسرين الطبري ، يرى ان ( اختلاف الأحرف السبعة هو اختلاف الألفاظ باتفاق المعاني . طبري 1/48.

يبدأ الطبري عرضه الطويل بقوله : ان القراءة بالأحرف السبعة لم تكن أمر إيجاب وفرض بل كانت أمر إباحة ورخصة طبري 1/64.

وقال{ ان الأحرف الستة الآخر أسقطها عثمان ومنع من تلاوتها ولا حاجة بنا إلى معرفتها} طبري 1/66.

لان الحكمة  في جمع الناس على حرف واحد ,والصواب ما فعل عثمان} طبري 1/63. بعد ان وصلت الحالة إلى أقصاها من الاختلاف والاقتتال !.

ويلتفت الطبري إلى اعتراض بديهي فيقول{ فان قال قائل : ما بال الأحرف الستة غير موجودة ان كان أمر في ذلك على ما وصفت وقد اقرهن رسول الله وأمر بالقراءة بهن الأمة  وهي مأمورة بحفظها فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه؟ أما ما القصة في ذلك؟ قيل له: لم تُنسخ فترفع ولا ضيعتها الأمة ولكن الأمة أمرت بحفظ القرآن وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف شاءت. فرأت- لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد- قراءته بحرف واحد ورفض القراءة بالأحلاف الستة الباقية} طبري 1/59.

فأتلفت  واندثرت. وكانت العلة الموجبة تفاقم الخلاف على القراءة بين أهل الأمصار, وتكفيرهم بعضهم بعضاً في القراءة والاقتتال على أفضلية  القراءة  من مكة بحضرة الخليفة إلى الثغور في معارك القتال} طبري 1/62.

فلم يسلم آلا الحرف الذي أراده عثمان  وان يكن عثمان وجماعة غير معصومين في تفضيل الحرف الأفضل المعجز الذي انزل به القرآن!.

ويرد الطبري بعد تعريفه هذا للأحرف السبعة على اعتراض قوم مستشهدين بهذه الآية { أفلا يتدبرون القران, ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً  كثيراً} نساء 82 أنها تقصد اختلاف المعاني والأحكام لا اختلاف الألفاظ والتعبير بدليل اختلاف الصحابة كل في قراءته  وتصويب النبي لهم جميعاً. طبري 1/48.

ويرد على من قال أنها لغات سبع في حرف واحد في كلمة واحدة { بأنها باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني } 1/57.

ويرد فيهم الأحرف السبعة أنها القراءات السبع الشائعة اليوم على المصحف العثماني,{ وان اختلاف القراءة في الرفع والجر والنصب ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة , كما هي القراءة اليوم, ليس من الأحرف السبعة في شيء . وان المراء فيها لا يوجب كفراً} راجع طبري 1/65.

من الذين تابعوا الطبري في تفسيره ابو عبد الله الزنجاني, قال: {المراد بالأحرف السبعة اوجه من المعاني المتفقة , بالألفاظ المختلفة}. مما يجمعها سبعة نصوص مختلفة لقرآن واحد. وأبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ . قال {يُفهم من سلف الآمة وخيار الأئمة ان معنى نزول القرآن على سبعة أحرف من انه نزل بسبع لغات وأمر بقراءته على سبعة السن باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني }.

إذن  تعدد نصوص القرآن, مع اتفاق المعاني،ناتج وواضح من حديث الأحرف السبعة؛  وبعض التبديل في المعاني والأحكام ظاهر من الناسخ والمنسوخ الذي أسقطه عثمان  وما بقي من مصحفه !.

وبعد الطبري  تضاربت الآراء وتعددت في فهم الحديث المذكور. فجاء السيوطي خاتمة المحققين  فعقد في إتقانه فصلاً قيماً يعدد فيه تفاسيرهم المتضاربة . بدأ فأكد صحة الحديث بشهادة واحد وعشرين صحابيا ذكروه. وينقل خبر استفتاء شعبي آجراه  الخليفة عثمان في المسجد فشهد جميع الحاضرين بصحته وهد هو علياً معهم على الإجماع عليه. ثم استهل تفسير الحديث بأغرب منه فقال: ليس المراد بالأحرف السبعة حقيقة العدد بل المراد التيسير والتسهيل والسعة .

وقال اختلف في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولاً 000وانه من المشكل الذي لا يدرى معناه. لان الحرف يصدق لغةً على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى وعلى الجهة.

ويختصر ما جاء مطولاً في الطبري: ان المراد سبعة اوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة , نحو اقبل وتعال وهلم وعجل واسرع 000 والى هذا ذهب سفيان بن عينية وابن جرير الطبري وابن وهب وخلائق. ونسبه ابن عبد البر لاكثر العلماء. ويدل له ما أخرجه احمد والطبراني من حديث ابي بكرة  ان جبريل قال { يا محمد  أقرأ القران على حرف. فقال ميكائل استزده0000 حتى بلغ سبعة أتحرف. وقال كلٍ شاف كاف ما لم تخلط آية عذاب برحمة وآية رحمة بعذاب , نحو قولك: تعال واقبل وهلم واذهب واسرع وعجل . هذا اللفظ رواية احمد, وإسناده جيد. واخرج احمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه. وعند ابي داود عن ابي بن كعب: قلت {سميعاً عليماً} آو {عزيزاً حكيماً} ما لم تخلط آية عذاب برحمة وآية رحمة بعذاب وعند احمد من حديث ابو هريرة {انزل القران على سبعة أتحرف مثل: عليماً حكيماً آو : غفوراً رحيماً. وعنده أيضا من حديث عمر بأن القران كله صواب ما لم تجعل مغفرةً عذاباً وعذاباً مغفرة.  قال ابن عبد البر: إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف الذي نزل القران عليها, أنها معاني متفق مفهومها مختلف مسموعها , لا يكون في شيء منها معنى وضده  ولا وجه يخالف معنى وجه خلافا ينفه ويضاده   كالرحمة التي هي خلاف العذاب, وضده. ثم اسند عن ابي بكر انه كان يقرأ

 { كلما اضاء لهم مشوا فيه} مروا فيه سعوا فيه.وكان ابن مسعود يقرأ{ الذين آمنوا افطرونا } أمهلونا, أخرونا. وينقل الطبري مثلاً على تصرف انس بن مالك في قراءته, فقد قرأ {ان ناشئة الليل هي اشد وطئاً واصوب ميلاً }

( مزمل 6) فقال له بعضهم: يا آبا حمزة : إنما هي أقوم! فقال: أقوم واصوب وأهيأ واحد. طبري 1"/52.

وينقل السيوطي للحديث معنى آخر يعيد فيه نسبة الأحرف السبعة إلى أصحابها الأول: أنها سبع قراءات لسبعة من الصحابة: ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس  وآبى بن كعب . راجع أتفان 1/50.

وهذه القراءات كانت قبل إصدار عثمان النسخة الموحدة, فهي سبع نسخ مختلفة لقرآن واحد, فالسيوطي يزيد{ وقد ظن كثيراً من العوام ان المراد بها القراءات السبع المصحف العثماني وهو جهل قبيح} إتقان/51.

وهكذا بلغت التوسعة في قراءة القرآن على سبعة أتحرف مختلفة في ألفاظها ، مؤتلفة في معانيها، مداها البعيد، لا يحدها في زعمه، وامثالهم على زعمهم، سوى تناقض المعنى  كالفرق بين الرحمة والعذاب. فقد كان يكفيهم في زمن الرسول وفي حضرته وبتأييد منه ان يحافظوا على سلامة المعنى دون سلامة الحرف والنص . ونحن نتساءل : كيف يتفق هذا الحديث النبوي! وهذا العمل الصحابي، مع معجزة حفظ القرآن ومعجزة أعجازه ؟؟.

وقد اتفق المسلمون على ان أصحاب النبي تماروا في هذه الأحرف، والنبي بين أظهرهم، فنهاهم عن ذلك والح في نهيهم . فلما توفى النبي استمر أصحابه يقرأون القران على هذه الأحرف السبعة ، كل يقرأ على الحرف الذي سمعه من النبي ، فأشدت الخلاف والمراء في ذلك حتى كادت تقع الفتنة بين الناس، ولا سيما في جيوش المسلمين .

فرفع الأمر إلى عثمان فجزع له واشفق . فجمع لهم المصحف الأمام وأذاعه في الأمصار أتمر بما عداه من المصاحف فمحي محواً. وعلى هذا محيت من الأحرف السبعة الأحرف الستة ولم يبقى آلا حرف واحد هو الذي نقرأه في مصحف عثمان. وهو حرف قريش. وهو الحرف الذي عادت فاختلف لهجات القراء فيه  فمد بعضهم وقصر بعضهم، وفخم فريق ورقق فريق, ونقلت طائفة وأثبتت طائفة . ثم أورد الأستاذ ما ورد في الجزء الأول من تفسير الطبري لتأييد رأيه}.

وهكذا فحديث الأحرف السبعة التي تختلف بالألفاظ فتكون السنةً مختلفة ذات نصوص مختلفة يبعث أشكالا ضخماً على وحدة القران مع تعدد نصوصه إلى سبعة، وعلى صحة النص العثماني بعد إسقاط الحروف الستة، وعلى أفضلية أعجاز الحرف العثماني دون سواه . وهذا الأشكال الضخم تنبه له أدباء العصر . فكان أهون ما عندهم انهم نفوه آو كادوا. قال أحدهم : { والتوفيق بين هذه الأحاديث الكثيرة، التي تكاد تتفق في معناها ، وما ذكرنا من تفسير للأحرف السبعة عسير. ولكن لتفهم الأحاديث على آي وجه شاء الناس. أما الذي نعتقد ان من الخير فهمه هو عدم جواز هذا التبديل والتعديل في القران.

عودة للصفحة الرئيسية