غزوة ماسبيرو المباركة !!!

 
 


بقلم | سيد القمني

أعيد هنا الإشارة إلى موضوعات سبق لي نشرها قبل ثورة الغضب المصري ،أعيد الإشارة هنا لأن الأحداث تعيد نفسها ، وليس هناك جديد لا في السؤال ولا في الجواب ، وكلما أمسكت القلم لأكتب أكتشف أن الأحداث الجديدة هي تكرار لأحداث قديمة ، وأني كتبت بشأنها من قبل، ووضعت مع النقد وبعد التحليل والفحص مع الكنس والمسح ، الحلول الممكنة التي ترضي المسلم الطبيعي وتنزع عنه أشواكه من أجل تلاحم وطني ، وترضي بقية الأطراف من أصحاب الديانات الأخرى ، وكانت كفيلة بعدم تكرار ذات الأحداث .
كالسابق تماما يساهم الشعب والحكومة في هذه الأحداث بهمة ونشاط غير معهود فيهم إلا في الكوارث ، كُل بنصيبه وما استطاع إليه سبيلا ، مساهمات تؤكد ما زدنا وعدنا فيه ، أنه مالم تتغير بنية التفكير فلن نبني وطنا بحال، فالشعب يهدم الكنائس ويحرقها ويقتل أصحابها ، رغم سقوط نظام مبارك والعادلي ، لأن الخلل في الناس ، في الشعب ، الشعب الذى يرى غاية أمانيه أن يدفن وهو يحج في بلاد الحجاز وليس في وطنه ، أصبح الوطن في بلاد أخرى غريبة ، أصبحت وجهتنا القدسية والسياسية عند من احتلوا بلادنا وهتكوا أعراضنا واستعبدونا أربعة عشر قرنا ، وعندما سقط الصنم لم تسقط بنية التفكير فلم يسقط النظام وطرائقه المعهودة ،حتى لو تغيرت الوجوه ، لأنه محمي بجهل شارعنا المسلم بأبسط مبادئ التفكير فقط ولا أقول العلمي أو المنطقي ، وكتابنا العلمانيون يخشون الآقتراب أو المساس بالشعب وهم يصدحون ليل نهار بقدرات هذا الشعب الخفية الألطاف ، بينما كان عليهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ووطنهم كي يجدوا العلاج ويعترفوا بهدوء أنهم أمام شعب في معظمه شديد التخلف وشديد الغرائزية وشديد القسوة ، وأن هنا مكمن الكارثة وأن هنا يجب أن تتوجه الأبحاث ، لأن شباب الغضب في أيام الثورة كانوا أبناء ثقافة الحريات في بلاد الغرب ، فكانوا هم من عرف وهم من علم وهم من أصبحوا أبناء للإنسانية كلها عبر نوافذ الحرية الكاملة بدخولهم دنيا الشبكة المعلوماتية ، كان هؤلاء أبناء الطبقة الوسطى ولكنها طبقة في طور التخليق لم يكتمل نضجها لتقوم بدورها التاريخي كحامل ورافعة للتغيير ، بدلالة استلام الثورة والوطن من قبل الغوغاء والموتورين ، بل كانت بنية التفكير هذه هي سر انتكاسة الثورة ، التي ثبت الآن أنها كانت بروفة ثورة ، وأنه لو سقط عمرو أو مبارك فسيأتي بالضرورة عمرو أو مبارك آخر ، هذا يلبس بدلة عسكرية والثاني يلبس عمامة ، لا فرق ، مادمنا كالحشرات التي تمارس دورة حياة ثابتة لا تتغير ، فنعيد إحياء سر تخلفنا بعد كل ثورة ، لنعود لذات الشرنقة التي خرجنا منها.
ذات الأسئلة التي أفنينا العمر للإجابة عليها عادت لتطرح نفسها مع مزيد من الانتكاس ، إلى هدف الأهداف وغاية الُمنى والمُراد بتقطيع الأوصال والذبح والجلد والسمل والقتل صبراً ، إنهم يطلبون تطبيق الحدود ، بعد أن لاعبونا زمنا بتطورهم إلى دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية ، وعندما وجدوا أن زمان التمكين قد هل هلاله وبانت بشائره وعلاماته ، أفصحوا قبل أن يركبوا .
في غزوة ماسبيرو المباركة ، علمت أننا ولله الحمد لازلنا حريصون على تأكيد سيادة عمرو الفاتح ، بعد أن كنا نمارس ذكرى فتح العرب لبلادنا في في تمثيلية هزلية يقوم فيها محافظ العريش ( أول محطة للجيش الغازي ) بتسليم مفتاح ضخم لمدينة العريش إلى إمام الأزهر أو من ينوب عنه في احتفالية تلفزيونية بائسة وموجعة لحد القرف والقيئ .... وأصبح الهزل جداً .
في غزوة ماسبيرو عبرات ونذر لذوي الألباب ولغيرهم من الضالين أنى يؤفكون ، فقد تمكن جيش عمرو من قمع أعداء الله من المصريين الدخلاء على العقل الحجازي ، وانتصرنا بحمده تعالي ببركة دعاء الله أكبر ورجال جيشنا الأماجد يقتلون الدخلاء ويقطعون منهم كل بنان ويهرسون عظامهم ولحمهم تقربا إلى الرحمان الرحيم .
ان دم شهداء الوطن لم يسفك لأن أصحابه قد خانوا الوطن ، إنما لأنهم خرجوا يعلنونها سلمية بهدف وطن متماسك ، يحتجون على حرق بيوت يذكر فيها اسم الله وليس طلبا لفحش أو فجور ، وجيش الوطن متمترس سلفا حولهم يعطيهم الطمأنينة ويريح قلوب المتظاهرين فهم في حماية درعهم الواقي وسيفهم الماضي ، فإذ بهم مرة أخرى أمام جيش ابن النابغة عمرو الفاتح ، لقد عاد ابن النابغة يستمتع بفتحنا من جديد رغم أننا لم نعد بكراً بل ثيبا وبالثلاثة .
إن المشهد العظيم لجنود عمرو وهم يقتلون الأعداء في ماسبيرو ، يذكرنا بالزمن الجميل عندما فتحوا الوطن واستباحوا دماءه وأعراضه بل وتاريخه بل ولغته ، كل هذا مقابل أن يعرفونا على الله ، يعني علشان يعرفني على ربنا ياخد أرضي وبلدي وينط على نسواني ، تأتي هنا مباشرة صيحات الله أكبر وهي تدوي من أسود الإسلام في ماسبيرو ، وهم يفترسون أبناء مصرفي فتح مجيد يذكرنا بجداتنا وأطفالنا وهم يساقون عبيداً للحجاز ليتم توزيعهم على السادة العرب حتى بلغت سبايانا اليمن ، والجيش الفاتح لم يصل بلبيس بعد . ردد جنودنا بارك الله فيهم هتاف الله أكبر ليس لعمل مجيد تم إنجازه ولا لفتح يوسع علينا الحدود ، وانما لعملية إبادة جماعية لأبناء وطنهم الذين خرجوا يستغيثون بجيش الوطن فأكتشفوا خطأهم ، وعلموا أن هذا ليس جيش مصر إنما هو جيش عمرو يقاتل الشرك والكفران. عرفوا أن أبصارهم غير سليمة عندما طحنتهم مدرعات من ظنوه جيشهم ، لحم في عظم في أمعاء ، فأوقفت الصوت وخرس اللسان ليسكت عبيد السلطان عن الكلام المباح .
( يعني لو لم عمرو ماجاش على الأقل كُنا بقينا طلاينة / عبارة سمعتها من عامل البوفية تعليقا على محاضرتي ) ، لم يلتفت المصريون أن قبولهم بعمر هو استبدال لمحتل بمحتل ، ولطريقة حياة وتفكير كاملة بطرائق أُخرى مغايرة ، للبداوة ومنطقها بدلا لبلاد الزرع ومنطقها ، كان ذلك هو الصك لكل فاتح من بعده ، لنبكي مع كل متغير موتانا منذ استعربنا وتأسلمنا . فقد كنا مصريين لكن جيش عمرو جعلنا عربا وفي درجة أدني في التصنيف العروبي فأصبحنا موالي للسيد العربي بعد أن أسلمنا ، وأصبح أصحاب البلد ممن لم يسلموا يعيشون في ذمة السيد الغازي ضيوفا ثقلاء وعلى مضض وكراهة ، وتظل هذه عقيدة سائدة فهناك سادة فاتحين جاءوا من خارج الحدود وليسوا أغراباً لأنهم استولوا على مصر غنيمة وميراثا في أولاد الفاتحين ، وهناك فى الوطن أغراب مفتوحين ، وقد أثبت جيشنا أنه على العهد ثابت وعلى العقيدة محافظ .
مئة ألف مصري مسيحي هاجروا إلى أوروبا وأمريكا خلال الأربعة شهور الماضية خوفاً من الهدير الإسلامي ، وقبلتهم هذه الدول التي لاتقبل بهذا العدد الهائل إلا للكفاءات ، فهل هناك مصيبة وكارثة أكبر من ذلك على مصر وهي في حال تحتاج فية إلى كفاءاتها القليلة والمحدودة ، هل يرى جيشنا الوطني أننا لسنا بحاجة لكفاءات وأنه يكفينا أن لدينا القرآن والبخاري وبركة دُعا الوالدين ؟ جيشنا يؤكد أن الوضع كما هو عليه ، وأن عقيدته تطوف هائمة في بلد الحجاز حول المواضع المقدسة ، وهناك ينبوع خير عظيم ينهمر في كل الاتجاهات بفضل البترودولار وجنة ابن عبدالوهاب ، لتمزيق مصر ثأراً للدرعية ، رحم الله إبراهيم باشا فاتح الدرعية له المجد فقد كان يعرف عدو مصر الحقيقي وكانت لديه بوصلة مصرية رغم أن أصوله لم تكن مصرية ، بينما المصري في نعيم العبودية للحجاز ينعم .
عادت مصر بثورة الغضب إلى صدارة المشهد العالمي لشهريين متواليين كالحلم الجميل رغم دموية المشهد وأوجاعه ، وفجأة تغيرت مصر لتعود ميراثاً للسيد الفاتح وأنه على المفتوح أن يقبل بقوانين الفاتح وشروطه ، أويرحل عن بلاده ، وقفز كل السفلة والمنحطين وبائعي الأوطان في أسواق النخاسة والمتاجرين بكل شيئ حتى الوطن وحتى الضمائر ، وبدلا أن يثبت جيشنا أنه الدرع الواقي لمصر فيفعل القانون إزاء هؤلاء ، إذ به يستحضر عتاتهم ليحلوا له المشكلة الطائفية ، وبعدها يقرر ضرب الأعداء في مقتل بعد أن ضاعت منه البوصلة المصرية ، ليشن غزوة العار على أبناء وطنه في سابقة هي الأولى في تاريخ مصر الحديث والمعاصر .
إن ماحدث في ماسبيرو هو إعلان أن عمرو لازال يحكمنا غازيا فأخطأت المدافع الجهة وضاعت منها الخريطة وفقدت التاريخ والبصر والبصيرة لتقتل مصريين مظاليم عزل استجابة لنوازع غرائزية عقائدية بدائية .
إن ابن النابغة قد عاد فهل ستدعون بنيامين يسلمه مصر مرة أخرى ؟

الصفحة الرئيسية