خامساً - نبوات تتحقق عن موعد مجيء المسيا
1 - زوال القضيب!
لَا يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ (تكوين 49: 10).
وكلمة قضيب تعني عصا السبط أو القبيلة . وقد كان لكل سبط من أسباط إسرائيل الاثنى عشر عصا كُتب عليها اسمه. وهذه الآية تعني أن عصا سبط يهوذا لن تزول حتى يجيء شيلون. وقد رأى علماء اليهود والمسيحيين في اسم شيلون اسماً من أسماء المسيا الآتي .
ونحن نعلم أنه خلال السبي البابلي لمدة سبعين سنة زال السلطان من سبط يهوذا، لكن السبط لم يفقد عصاه أو شخصيتهم القومية المميزة، وكان لهم قضاتهم ومشترعوهم حتى وهم في بلاد السبي (عزرا 1: 5 و 8).
وقد توقَّع اليهود حدوث أمرين حالاً بعد مجيء المسيا:
1 - زوال القضيب، أو عصا سبط يهوذا.
2 - انهيار السلطة القضائية.
وقد جاءت العلامة المنظورة الأولى على بدء زوال القضيب من سبط يهوذا عندما حكم هيرودس الكبير (وهو ليس يهودياً) بعد حكم الأمراء المكابيين الذين كانوا من سبط لاوي، وآخر اليهود الذين حكموا في أورشليم. وقبل محاكمة المسيح بثلاثة وعشرين عاماً لم يعد لمجلس السنهدريم اليهودي حق إصدار أحكام الإعدام، فقد أُخذت منه هذه السلطة! وكان ذلك في عهد أرخيلاوس عام 11 م، وهو ابن هيرودس الكبير وخليفته. ويقول المؤرخ تاسيتوس إن الرومان احتفظوا لأنفسهم بحق الإعدام واستعمال السيف، وتركوا كل ماعدا ذلك. وقد احتفظ مجلس السنهدريم بالحقوق الآتية:
1 - حق الحرمان أو القطع (يوحنا 9: 22).
2 - حق السجن (أعمال 5: 17 ، 18).
3 - حق الضرب بالعصي (أعمال 16: 22).
ويقول التلمود: قبل خراب الهيكل بأكثر من أربعين سنة سلب الرومان حق إصدار حكم الإِعدام من اليهود. ويقول الربي رشمن إن أعضاء السنهدريم وقتها ذرُّوا الرماد على رؤوسهم، ولبسوا المسوح على أجسادهم، وصرخوا: ويل لنا، فقد زال القضيب من سبط يهوذا قبل أن يجيء المسيا (34).
ويقول المؤرخ يوسيفوس (الذي كان شاهد عيان لهذه الأحداث): بعد موت الوالي فستوس، وقبل مجيء الوالي الجديد ألبينوس، أسرع رئيس الكهنة حنان بدعوة مجلس السنهدريم، وأمر بحضور يعقوب أخي يسوع الذي يُدعى المسيح، مع آخرين لمحاكمة سريعة، وأصدر عليهم حكم الموت رجماً. وقد عبَّر الحكماء المحافظون على الشريعة عن استيائهم، وذهب بعضهم إلى ألبينوس نفسه - الذي كان قد ذهب إلى الاسكندرية - وأفادوه بالعمل غير القانوني الذي قام به حنان، بدعوة السنهدريم بغير تصريح من السلطة الرومانية .
وقد أراد أعضاء السنهدريم تفادي الحرج من حرمانهم من إصدار أحكام الموت رجماً. فألغوا حكم الإِعدام، وقالوا: لاحظ أعضاء السنهدريم زيادة عدد القتلة، حتى أصبح إعدامهم جميعاً مستحيلاً، فرأوا من المناسب أن يغيّروا مكان اجتماعهم حتى يتفادوا إصدار حكم الإِعدام . ويقول ميمونيدس: قبل خراب الهيكل الثاني بأربعين سنة توقَّف إصدار حكم الإِعدام في إسرائيل، رغم أن الهيكل كان مازال قائماً، وذلك لأن أعضاء السنهدريم هجروا قاعة الحجارة المنحوتة وصاروا يعقدون اجتماعاتهم في أماكن أخرى (34).
ويقول ليتفوت: قرر أعضاء السنهدريم عدم إصدار أحكام بالإِعدام طالما أن بلادهم واقعة تحت سيادة روما، فإن إصدار حكم بالإِعدام على أحد أولاد إبراهيم، بينما اليهودية تدوسها أقدام الغزاة الرومانيين، إهانة للدم العريق، دم الآباء. لذلك قالوا: فلنترك إذاً قاعة الحجارة المنحوتة، لأنه في خارجها لا يمكن الحكم على أحد بالموت. فلنعلن احتجاجنا على ذلك بهجر هذه القاعة والكفّ عن إصدار الأحكام، لأنه وإن كانت روما تحكم العالم، إلا أنها لا يمكن أن تتحكم في حياة اليهود ونواميسهم .
لقد ضاعت القوة القضائية، وتوقف السنهدريم عن العمل القضائي، وقالوا: ويل لنا، فقد زال القضيب من سبط يهوذا قبل أن يجيء المسيا بينما كان المسيا الناصري الشاب يتمشَّى في وسطهم وهم لا يعلمون!
2 - خراب الهيكل:
وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الّذِي تَطْلُبُونَهُ (ملاخي 3: 1).
هذا الشاهد وأربعة شواهد أخرى تفيد أن المسيا سيأتي وهيكل أورشليم قائم (والشواهد هي: مزمور 118: 26 ، دانيال 9: 26 ، زكريا 11: 13 ، حجي 2: 7 - 9). وهذه النبوة ذات دلالة عظيمة، خصوصاً إذا علمنا أن الهيكل أُخرب سنة 70 م ولم يقم منذ ذلك الوقت!
وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ (دانيال 9: 26).
وهذه النبوة مذهلة، فهي تقدم البرنامج الزمني الآتي:
1 - المسيا يجيء.
2 - المسيا يُقطع (يموت).
3 - تُخرب المدينة (أورشليم) والقدس (الهيكل).
وقد أخرب تيطس الروماني وجيشه أورشليم والهيكل عام 70 م. فإما أن يكون المسيا قد جاء، أو أن تكون النبوة كاذبة!
3 - أسابيع دانيال التسعة والستون:
سَبْعُونَ أُسْبُوعاً قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الْإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِا لْبِرِّ الْأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُّوَةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ.
فَا عْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الْأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا إِلَى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الْأَزْمِنَةِ.
وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا.
وَيُثَبِّتُ عَهْداً مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الْأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الْأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرَِّبِ (دانيال 9: 24 - 27).
تتعلق هذه النبوة بإسرائيل - شعب دانيال، وبأورشليم مدينة دانيال (آية 24).
ويذكر دانيال رئيسين:
(ا) المسيح (آية 25).
(ب) رئيس آتٍ (آية 26).
وتحدد فترة الزمن بتسعين أسبوعاً (آية 24).
(ا) كوحدة زمنية (آية 24).
(ب) مقسَّمة إلى ثلاث حقب: سبعة أسابيع، 62 أسبوعاً، وأسبوع واحد (آيتا 25 ، 27).
وهناك بدء آية محددة للسبعين أسبوعاً (آية 25).
يظهر المسيا في نهاية 69 أسبوعاً (آية 25).
خراب المدينة والقدس بفعل رئيس آت (آية 26).
عهد بين إسرائيل والرئيس الآتي في بداية الأسبوع الأخير (آية 27).
ويُكسَر هذا العهد في منتصف الأسبوع (آية 27).
في نهاية السبعين أسبوعاً يؤتى بالبر الأبدي لإسرائيل (آية 24).
والآن تعالوا ندرس الوقت المتضمَّن في النبوة:
كلمة أسبوع في العبرية هي سبوع وتعني سبعة . وعلى هذا فإن سبعين أسبوعاً هي سبعين سبعة. وكان اليهود يتحدثون عن أسبوع أيام أو أسبوع سنين (راجع اللاويين 25: 2 - 8). وهناك ما يجعلنا نقرر أن أسابيع دانيال هي أسابيع سنين:
(ا) كان دانيال يفكر في أسابيع السنين في أوائل هذا الأصحاح (9: 1 ، 2).
(ب) كان دانيال يعلم أن السبي البابلي يرجع إلى عدم حفظ سنة اليوبيل: ولما كان اليهود في السبي 70 سنة، فيكون عدم حفظهم لليوبيل قد استمر 490 سنة (اللاويين 26: 32 - 35 ، 2 أخبار أيام 36: 21 ، دانيال 9: 24).
(ج) تشير القرينة إلى أن المقصود هنا سنوات.
(د) في دانيال 10: 2 و 3 يتحدث دانيال عن ثلاثة أسابيع أيام . فلو أنه قصد هنا أسابيع أيام لقال ذلك.
(ه ) في وسط الأسبوع (آية 27) يظهر أن المقصود ثلاث سنوات ونصف. وقد جاءت الفكرة نفسها في الرؤيا 13: 4 - 7 على أنها تستغرق 42 شهراً، أي ثلاث سنوات ونصف، وفي الرؤيا 12: 6 نجدها 1260 أي ثلاث سنوات ونصف، فالسنة الكتابية هي 360 يوماً.
أما بداية السبعين أسبوعاً فنجدها عن الملك أرتحشستا (نحميا 2: 1 - 8) وتاريخها كالآتي:
(ا) في شهر نيسان، في السنة العشرين لأرتحشستا الملك .
(ب) ارتقى أرتحشستا العرش عام 465 ق.م. وعلى هذا فإن نحميا 2: 1 يكون في 445 ق.م.
(ج) عندما لا يحدّد الكاتب العبري يوم الشهر يكون المقصود عادة اليوم الأول من الشهر.
(د) يكون اليوم حسب تقويمنا هو 14 مارس (آذار) 445 ق. م.
وقد استغرق إعادة المدينة 49 سنة (آية 25). وقد انتهت النبوة اليهودية في العهد القديم بملاخي الذي جاء بعد 49 سنة من صدور أمر أرتحشستا في 445 ق. م.
وجاء آخر نبي في العهد القديم (ملاخي) 49 سنة بعد عام 445 ق. م.
وهكذا نجد أن التسعة والستين أسبوعاً.
1 - تحويل الأسابيع إلى أيام.
(ا) 69 أسبوعاً 7 سنوات 360 يوماً = 173 ، 880 يوماً.
(ب) 173 ، 880 يوماً من 14 مارس 445 ق. م تنتهي في 6 أبريل عام 32 م..
2 - قال السير روبرت أندرسون: بعد حسابات كثيرة وجدنا أن 10 نيسان في التقويم اليولياني هو 6 أبريل 32 م. فما هي المدة بين إصدار الأمر بإعادة بناء أورشليم وبين مجيء المسيح الرئيس - أي بين 445 ق. م. و32 م؟ إنها بالضبط 173 ، 880 يوماً، أو 69 أسبوعاً من السنين النبوية .
وهاك الحساب بتقويمنا الحالي:
من 445 ق م إلى 32 م 476 سنة (من ق. م إلى 1 م سنة واحدة).
476 365 يوماً = 740،173 يوماً
إضافة السنوات الكبيسة = 116 يوماً
14 مارس - 6 أبريل = 24 يوماً
_________________________________
المجموع 880،173 يوماً
حوادث هامة في نهاية ال 69 أسبوعاً:
1 - المناداة بالملك والملكوت.
والتاريخ المذكور أعلاه هو اليوم الذي حقق فيه المسيح نبوة زكريا 9: 9 (قارن لوقا 19: 28 - 44).
وهناك حادثتان هامتان بعد ال 69 أسبوعاً وقبل الأسبوع السبعين:
(ا) قطع المسيح الرئيس (صلبه).
(ب) خراب المدينة والقدس (أخرب تيطس أورشليم عام 70 م).
ومهما كان حسابك للتواريخ (حتى لو رفضت حسابات السير روبرت أندرسون) فإنك تجد أن المسيا يجب أن يجيء قبل خراب أورشليم.