أولاً - أهمية القيامة
تقوم كل ديانات العالم العظمى على افتراضات فلسفية، ما عدا أربع منها، تعتمد على شخصيات أكثر مما تعتمد على الفلسفات. والمسيحية وحدها هي التي تنادي بأن قبر مؤسسها فارغ. إبراهيم أب اليهودية - مات منذ نحو 1900 ق. م دون أن يدَّعي أحد أنه قام.
وفي الكتابات الأولى القديمة عن بوذا نقرأ عن موته، ثم التعليق بأنه بهذا الموت لا يبقى بعده شيء بالمرة .
ولقد مات نبي الإسلام في الثامن من يونيو 632 م بالمدينة في الحادية والستين من عمره، ويزور قبره اليوم ملايين المسلمين. وكل هذه الملايين من أتباع اليهودية أو البوذية أو الإسلام يقرون بأن مؤسسي دياناتهم قد ماتوا، ولم يقم أحد منهم من تراب الأرض.
وتقوم المسيحية على حقيقة قيامة المسيح، فقد قال هو إنه ذاهب لأورشليم ليُصلب وفي اليوم الثالث يقوم. ولو أن القيامة باطلة لكانت المسيحية كلها باطلة، ولو أنها صحيحة لوجب أن نصدق كل ما قاله المسيح.
وتوضح القيامة أن المسيح هو فعلاً ابن اللّه لأنه أولاً قام من الموت بقوته الشخصية. كان له السلطان أن يبذل نفسه للموت، وله السلطان أن يأخذها أيضاً (يوحنا 10: 18). ولا تناقض هنا بين القول إن الآب أقامه أو أنه أقام نفسه، فإن الابن قادر أن يفعل كل ما يفعله الآب، كما يُعزى الخَلْق وغيره من الأعمال إلى الآب وإلى الابن وإلى الروح القدس.
ثانياً إن المسيح قد أعلن أنه ابن اللّه، وقيامته تصديق من الآب على صدق ما أعلنه المسيح. فلو أن المسيح بقي في قبره، رغم إعلانه أنه سيقوم، لكان هذا يعني أن اللّه لم يوافق على ذلك الإعلان بأنه ابن اللّه. أما وقد أقامه من الموت، فهذا معناه أن اللّه يقول: أنت ابني، وإنني اليوم أعلن هذه الحقيقة على الملأ.
ولقد بنى بطرس موعظته، يوم الخمسين، على حقيقة القيامة، حتى أنه لو انتفت القيامة لسقطت العقيدة المسيحية كلها. ويوضح بطرس أن القيامة: (1) توضيح لموت المسيح. (2) تحقيق للنبوات عن المسيا المخلِّص الآتي. (3) شهد بها الرسل جميعاً. (4) سرّ انسكاب الروح القدس. (5) شهادة على مكانة يسوع الناصري كالمسيح الملك. وهكذا نرى أن كل ما قاله بطرس عن المسيح يعتمد ويقوم على حقيقة القيامة، فبناء الموعظة المسيحية الأولى مؤسس على القيامة.
ويقول أدولف هارناك، أحد منكري قيامة المسيح: نَبَعت ثقة التلاميذ الوطيدة في المسيح من إيمانهم بأنه لم يبق في القبر، ولكن اللّه أقامه. ولقد رأوا بأنفسهم أنه قام يقيناً، كما رأوا أنه مات يقيناً، فأصبحت القيامة هي الموضوع الرئيسي لكرازتهم (10).
ولقد أثَّرت حقيقة القيامة على حياة المسيحيين الأولين. فتراها متغلغلة في كل العهد الجديد، ومرسومة على القبور في سراديب روما (الكاتاكومبز) وملحَّنة في الترانيم القديمة، ومأخوذة كأساس لكل كتابات الدفاع عن المسيحية في القرون الأربعة الأولى، وكمركز لكل عظات الآباء قبل مجمع نيقية وبعده، وكعقيدة راسخة في كل قوانين الإيمان. لقد كان مركز الفكر المسيحي يسوع والقيامة ، فإن الإيمان بالقيامة نسيج كيان الكنيسة، ومن أجمل ما قيل: صار قبر المسيح الفارغ مهد الكنيسة .
ويقول سبارو سمبسون: لو لم يكن المسيح قد قام لبقيت شوكة الموت المؤلمة ومعها كل نتائج الخطية، ولبقي المؤمنون بالمسيح بَعْدُ في خطاياهم كما كانوا قبل سماعهم باسم يسوع! وفوق هذا كله لصار المسيح كاذباً، فإنه قدَّم أوراق اعتماده كمخلّص للعالم على أنه المخلص الحي المقام .
وقد دار الهجوم كله ضد المسيحية حول القيامة، لأن المسيحيين جعلوها أساس إيمانهم، التي بدونها لا يكون لإيمانهم أساس!
والمسيحية ديانة تاريخية، تعلن أن اللّه عمل في تاريخ البشر، وعلى هذا فإن صدق القيامة تاريخياً دليل قوي على صدق المسيحية!
ولقد قامت القيامة كقلعة للإيمان المسيحي، قلبت العالم كله في القرن الأول الميلادي،ورفعت المسيحية فوق اليهودية، وفوق كل ديانات حوض البحر الأبيض المتوسط. وما أصدق القول: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ! (1 كورنثوس 15: 17).