سادساً - حقائق ثابتة عن القيامة
1 - حقائق تاريخية ثابتة:
القبر الفارغ شهادة صامتة لقيامة المسيح، لم يقدر أحد أن يدحضها، فلا اليهود ولا الرومان استطاعوا أن يجيئوا بجسد المسيح أو يوضّحوا أين ذهب. كل ما فعلوه أنهم رفضوا أن يؤمنوا، لا لنقص الأدلة، بل لسوء النيَّة. لقد كانت مشكلتهم مشكلة إرادة تمنع الإيمان، لا مشكلة عقل يحتاج إلى براهين ليقتنغ بالإيمان.
لقد قام المسيح من قبره، وتركه فارغاً. ثم ظهر للكثيرين من أتباعه معاً وعلى انفراد.. هذه شهادة تاريخية صادقة!
2 - حقائق سيكولوجية ثابتة:
إن التغيُّر الهائل الذي حدث في حياة تلاميذ يسوع هو أكبر برهان على القيامة، فقد كان من المستحيل عليهم أن يصرُّوا على تأكيد الحقائق التي رووها لو لم يكن المسيح قد قام من الأموات فعلاً، ولو لم يتأكدوا من هذا تأكيداً جازماً قوياً. ولا نجد في ملاحم الحروب قصصاً تعادل في قوتها قوة شجاعة التلاميذ وصبرهم وبطولتهم وهم يعلنون صدق القيامة محتملين الاضطهاد والموت.
وهل يمكن أن هؤلاء الرسل الذين غيَّروا قيم العالم الأخلاقية، يكونون كذابين؟ وهل يحتملون كل ما احتملوا من تعذيب من أجل كذبة اخترعوها؟
تعال نراقب التغيير الذي جرى في حياة يعقوب أخي الرب الذي لم يكن قبل القيامة يؤمن برسالة أخيه. وبعد القيامة انضم إلى التلاميذ في الكرازة بقيامة يسوع، وكتب في رسالته يقول: يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللّهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ (يعقوب 1: 1) والسر الوحيد لتغيير هذه الحياة هو ما ذكره بولس من أن المسيح المقام ظهر ليعقوب! (1 كورنثوس 15: 17).
وتعالوا نراقب توما وهو يحسب أن موت المسيح موت لملكوته، فقال: لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ (يوحنا 11: 16). لم يكن عند توما إيمان في قيامة المسيح، فلا يمكن أن الذي يقترح أن يموت مع شخص آخر، يتوقع أن يرى هذا الشخص حياً بعد ساعات قليلة. كان توما يعلن نهاية ثقته العقلية بحياة المسيح.. بالنسبة له: مات المسيح ومات ملكوته، فليمُت معه تلاميذه! إنه اليأس!!
ولكن توما ركع عند قدمي المسيح قائلاً: ربي وإلهي (يوحنا 20: 28) لقد رأى المسيح المقام، فتغيَّر تماماً وظل يكرز بالإنجيل إلى أن مات شهيداً.
وهاك وصفاً للتغيير الذي جرى في حياة الرسل، بعد القيامة:
في يوم الصلب امتلأوا جميعهم بالحزن، وفي اليوم الأول من الأسبوع امتلأوا جميعاً بالفرح. في يوم الصلب ملكهم اليأس، وفي اليوم الأول من الأسبوع ضاءت قلوبهم باليقين والرجاء. وعندما جاءتهم رسالة القيامة، أول ما جاءت، كانوا مكذِّبين من العسير إقناعهم.. أما وقد تأكدوا من القيامة فقد استحالت شكوكهم يقيناً. فما الذي أجرى هذا التغيير المذهل في حياتهم في مثل هذا الوقت القصير؟ لو أنهم نقلوا الجسد من القبر ما كان يمكن أن يحدث لهم هذا كلَّه. فإن الخرافات تحتاج لوقت طويل جداً لتتأصَّل.. هذه حقيقة سيكولوجية تستلزم تفسيراً لما حدث!
فكِّرْ في هؤلاء الرجال والنساء، الذين أعطوا العالم أسمى تعاليمه الأخلاقية، والذين طبقوا ما تعلموه في حياتهم، بشهادة أعدائهم.. فكر في جماعةمغمورة من التلاميذ المهزومين الجبناء، المتكّوِرين في علية مغلقة الأبواب، وقد تغيَّروا إلى شجعان لا يُسكتهم الاضطهاد. هل يمكن أن كذبة مصطنعة تُحدث فيهم كل هذا التغيير المذهل؟!
ولا زال هذا التغيير يحدث اليوم، فإن المسيح خلال تسعة عشر قرناً يُجري التغيير نفسه، وهذا برهان صادق يجعلنا نؤمن بالقيامة. إنه برهان ذاتي يشهد للحقيقة الموضوعية أن المسيح قد قام في اليوم الثالث، لأن يسوع الحي وحده هو القادر على إحداث مثل هذا التغيير.
3 - حقائق سوسيولوجية (اجتماعية) ثابتة:
حدثت تغييرات في المجتمع لا يمكن حدوثها بدون قيامة المسيح، أولها تأسيس مؤسسة هي الكنيسة، وجَعْل يوم الأحد يوم العبادة، وممارسة المؤمنين للعشاء الرباني والمعمودية.
(ا) الكنيسة مؤسسة مسيحية:
نتيجة لوعظ التلاميذ عن القيامة تأسّست الكنيسة المسيحية:
فَيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الّزَمَانِ الّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ، مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى الْيَوْمِ الّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا، يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ (أعمال 1: 21 ، 22).
هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللّهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ اللّهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ (أعمال 2: 23 ، 24).
(راجع الشواهد التالية التي تظهر إعلان التلاميذ للقيامة كأساس قامت عليه الكنيسة المسيحية: أعمال الرسل 2: 31 ، 32 ، 3: 14 و15 و26 ، 4: 10 ، 5: 30 ، 10: 39 - 41 ، 13: 29 - 39 ، 17: 30 و31 ، 26: 22 ، 23).
ولا يمكن تفسير قيام الكنيسة بغير الإيمان بالقيامة، فقد لقي التلاميذ الأولون أمرَّ الاضطهاد والتعذيب والموت من اليهود والرومان بسبب إيمانهم لأنهم عرفوا أن ربهم قد قام من القبر.
ولقد كان تعليم القيامة أساس الإيمان المسيحي، فتعليم الكنيسة عن الخلاص يرسو على القيامة، فإنْ لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم هكذا قال بولس! وبفضل هذا الإيمان بالمسيح المقام سمت المسيحية على اليهودية، وانتشرت في كل العالم.
لم تتأسس الكنيسة سنة 32 م بالصدفة، لكن بسبب محدد. ولقد قيل عن أعضاء الكنيسة الأولى في أنطاكية إنهم فتنوا المسكونة (أعمال 17: 6) وكان سبب كل هذا التأثير هو القيامة!
ولو أن حياة المسيح انتهت بالصليب لاستحال أن تنتشر المسيحية، ولما تأسست الكنيسة على أساس أن المسيح هو المخلّص المنتظر، فإن المسيا المصلوب فحسب، لا يمكن أن يخلص. لقد تعيَّن (أي تَبَرهْن) أن المسيح ابن اللّه بقوة القيامة من الأموات (رومية 1: 4).
ولو لم يقم المسيح لصار مجرد نبي صالح لقي حتفه، ولما تأسست كنيسته!
(ب) يوم الأحد يوم عبادة:
كان يوم السبت هو يوم العبادة عند اليهود، لأن اللّه استراح فيه من عمل الخليقة. وكان حفظ السبت وصية من الوصايا العشر، وأحد الأعمدة الهامة في الديانة اليهودية. وكان تقديس السبت من أهم مظاهر حياة اليهود.
وقد اجتمع المسيحيون للعبادة يوم الأحد، تذكاراً لقيامة المسيح يوم الأحد، وغيَّر المسيحيون تقليد العبادة يوم السبت، رغم رسوخه عصوراً طويلة بالعقيدة والممارسة. فإذا عرفنا أن الرسل كانوا يهوداً، لرأينا مقدار الجهد الذي تطلَّبه الأمر لتغيير يوم العبادة بالنسبة لهم. وكيف نجد تفسيراً لتغيير يوم السبت بيوم الأحد إلا بالقيامة؟ لقد كان التلاميذ الأولون يهوداً متمسّكين بالسبت، ولا يمكن تغيير هذا التمسُّك العقائدي والاجتماعي إلا بسبب أقوى، وهو القيامة!
(ج) فريضتان جديدتان:
1 - فريضة العشاء الرباني (أعمال 2: 46 ، متى 26: 26 ، مرقس 14: 22 ، لوقا 22: 19 ، 1 كورنثوس 11: 23 و24).
العشاء الرباني تذكار لموت المسيح، لكنهم كانوا يمارسونه بفرح! (أعمال 2: 46) فكيف نفسّر فرحهم بموت المسيح إلا بالقيامة؟ لقد كانت وليمة العشاء السابق للصلْب ألماً لا يُحتمل للتلاميذ، ولكننا نجدها في العشاء الرباني مصدر فرح. كيف حدث هذا التغيير؟
الإجابة: إنهم لم يحتفلوا بالمصلوب فقط، لكن بالمقام أيضاً، الذي ينتظرون مجيئه ثانية (1 كورنثوس 11: 26). وعندنا عبارة قصيرة بالأرامية كانوا يتلونها وقت ممارسة العشاء الرباني تقول: ماران أثا أي أيها الرب تعال (1 كورنثوس 16: 22). هذا يعني أنهم عرفوا أن المسيح المصلوب قام، وأنه سيجيء مرة أخرى.
2 - فريضة المعمودية (كولوسي 2: 12 ، رومية 6: 1 - 6).
اختلف المسيحيون عن اليهود في أن اليهود مارسوا الختان، بينما مارس المسيحيون المعمودية، حسب أمر المسيح. وكان على كل إنسان أن يموت عن خطاياه ويؤمن بالمسيح المقام، ثم يتعمَّد. ويقول بولس إن المؤمن في المعمودية يتحد بالمسيح، فيموت معه ويقوم معه. فعندما يُوضع في الماء يموت ويُدفن مع المسيح وعندما يخرج من الماء يكون قد قام مع المسيح . ولا يوجد في المسيحيةما هو أقدم من هاتين الفريضتين، وكلتاهما مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً بموت المسيح وقيامته، ولم يكن ممكناً وجودهما في الكنيسة لو لم يكن المسيح قد قام، فهما شاهدان دائمان على قيامة المسيح، التي قامت عليها الكنيسة.
لقد كان أوائل المؤمنين بالمسيحية من أصل يهودي، واليهود معروفون بتمسُّكهم الشديد بشريعة دينهم. لكن هؤلاء المسيحيين الأولين أبدلوا السبت، يوم عبادتهم بالأحد، احتفالاً بقيامة المسيح. وفي يوم الأحد احتفلوا بالعشاء الرباني، لا ذكرى لموت المسيح فقط، بل شكراً على البركات التي يغدقها عليهم المسيح الحي أيضاً. أما المعمودية فإعلان للدفن مع المسيح وللقيامة معه (كولوسي 2: 12).
لقد أضْفَت القيامة معناها على كل ما فعله التلاميذ.