ثالثاً - لو أن اللّه صار إنساناً
لأجرى المعجزات فوق الطبيعية
1 - شهادات كتابية:
اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا رَأَيْتُمَا وَسَمِعْتُمَا: إِنَّ الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصَ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينَ يُبَشَّرُونَ (لوقا 7: 22).
فالمعجزات التي أجراها المسيح تُظهر سلطانه في ميادين كثيرة، مثل سلطانه على الطبيعة وعلى الأمراض وعلى الشياطين وعلى الموت. وكانت هذه المعجزات تحقيقاً للنبوات عن المسيح في العهد القديم.
ونقدم هنا معجزات في ميدان الشفاء الجسدي:
أبرص - متى 8: 2 - 4 ، مرقس 1: 40 - 45 ، لوقا 5: 12 - 15.
مفلوج - متى 9: 2 - 8 ، مرقس 2: 3 - 12 ، لوقا 5: 18 - 26.
مريض بالحمى (حماة بطرس) - متى 8: 14 - 17 ، مرقس 1: 29 - 31.
ضعف جسدي - يوحنا 5: 1 - 9.
يد يابسة - متى 12: 9 - 13 ، مرقس 3: 1 - 6 ، لوقا 6: 6 - 11.
صمم وخرس - مرقس 7: 31 - 37.
العمى - مرقس 8: 22 - 25 ، يوحنا 9 ، مرقس 10: 46 - 52.
عشرة برص - لوقا 17: 11 - 19.
أذن ملخس المقطوعة لوقا 22: 47 -51.
نزيف دموي - متى 9: 20 - 22 ، مرقس 5: 25 - 34 ، لوقا 8: 43 - 48.
إستسقاء - لوقا 14: 2 - 4.
معجزات في ميدان الطبيعة:
تحويل الماء إلى خمر - يوحنا 2: 1 - 11.
إسكات عاصفة - متى 8: 23 - 27 ، مرقس 4: 35 - 41 ، لوقا 8: 22 - 25.
زيادة الطعام ليكفي 5000 - متى 14: 15 - 21 ، مرقس 6: 34 - 44 ، لوقا 9: 11 - 17 ، يوحنا 6: 1 - 14 وليكفي 4000 - متى 15: 32 - 39 ، مرقس 8: 1 - 9.
السير على الماء - متى 14: 22 ، 23 ، مرقس 6: 45 - 52 ، يوحنا 6: 19.
النقود من السمكة - متى 17: 24 - 27.
شجرة التين تيبس في الحال - متى 21: 18 - 22 ، مرقس 11: 12 - 14.
معجزات إقامة موتى:
إقامة ابنة يايرس - متى 9: 18 - 26 ، مرقس 5: 35 - 43 ، لوقا 8: 41 - 56.
ابن أرملة نايين - لوقا 7: 11 - 15.
لعازر - يوحنا 11: 1 - 44.
2 - شهادات وتعليقات على معجزاته:
قال بول لتل: كان للمسيح سلطان عظيم على الطبيعة، لا يمكن أن يكون إلا للّه خالق قُوَى الطبيعة (24).
ويقول كلايف لويس في كتابه المعجزات : ستبقى كل أساسيات الديانة الهندوسية باقية لو نزعْتَ الجانب المعجزي منها، وهكذا الحال مع ديانات أخرى. ولكنك لا تقدر أن تفعل هذا مع المسيحية، فإنها قصة المسيح، المعجزة العظيمة (25).
ويقول برنارد رام: في الديانات المختلفة يؤمن الناس بالمعجزات لأنهم قد آمنوا بالدين، أما الكتاب المقدس فإن المعجزات فيه جزء من وسائل تأسيس الدين الحقيقي. وهذا فارق بالغ الأهمية، فلقد ظهرت إسرائيل في الوجود بسلسلة من المعجزات، وأُعطي الناموس محاطاً بمعجزات، وصاحبت رسائل الأنبياء معجزات. وجاء المسيح، لا واعظاً فقط، بل صانع معجزات أيضاً، وهكذا كان الرسل يصنعون معجزات. لقد برهنت المعجزات صدق الرسالة (26).
ويميّز فيليب شاف بين قصص المعجزات السحرية المذكورة في القصص السوقية وغيرها من الكتابات الأسطورية، وبين معجزات الكتاب المقدس، فيقول إن معجزات الكتاب المقدس جاءت طبيعية ببساطة ويُسر، حتى إننا ندعوها أعمال اللّه (7).
ويقول جرفث توماس إن كلمة أعمال اللّه تعني أنها ثمر طبيعي لحياته وتعبير طبيعي عن نفسه، فلا بد أن شخصاً مثل المسيح يُجري الأعمال الخارقة (29).
ويمضي فيليب شاف ليقول: كانت كل معجزاته مظهراً لشخصه، فأجراها كلها ببساطة كأعمال عادية يعملها كل يوم. وقد دفعه إلى عملها كلها أطهر الدوافع، لمجد اللّه ولخير الناس. إنها معجزات محبة ورحمة، عامرة بالتوجيهات والتعاليم المتَّسقة مع شخصيته ورسالته (6).
ويقول ف. تشيز: تذخر كل الأناجيل بمعجزات المسيح، لكن لو جمعناها معاً لاكتشفنا فيها وحدة غير مرسومة، ولوجدنا أنها تجدد كل نواحي حياة الإنسان ليستعيد سلامه العقلي والروحي والجسدي. ولا تعرض الأناجيل معجزات المسيح لتظهر قوته أو عظمته، ولو أنها فعلت ذلك لظهرت غير طبيعية. إنها تعبير عن محبته ورحمته للناس (5).
ويقول جارفي: تتفق المعجزات تماماً مع شخصية المسيح ورسالته، فهي ليست دليلاً خارجياً، بل هي جزء لا يتجزأ من إعلان محبة الآب السماوي ورحمته ونعمته في المسيح يسوع ابن اللّه الحبيب وفادي البشر الحنون الكريم .
ويقول توماس جريفث: بالنسبة لنا نحن، المسيح نفسه هو أعظم معجزة، والتفكير المنطقي السليم هو أن نبدأ من المسيح إلى المعجزات، وليس من المعجزات إلى المسيح .
3 - شهادات يهودية قديمة لمعجزاته:
يقول أثلبرت ستوفر: نجد في كتابات اليهود القديمة الكثير من الإِشارات لمعجزات المسيح، سواء في كتبهم الدينية أو تواريخهم، فيقول المعلم أليعازر بن هيرانوس (سكن في اللد سنة 95 م): إن معجزات يسوع فنون سحرية . وفي كتابات السنهدريم (من سنة 95 - 110 م) نفي لمعجزات المسيح باعتبارها من أعمال السحر لتضليل إسرائيل. ونحو سنة 110 م نقرأ جدال بين يهود فلسطين إن كان يجوز إجراء الشفاء باسم يسوع. وهذا بالطبع يعني اعترافهم بأن يسوع كان يشفي (8).
ونجد في كتابات الإمبراطور جوليان المرتدّ عن المسيحية (361 - 363 م) وأحد الأعداء الألدّاء للمسيحية، قوله: يسوع، الذي مضى على زمنه نحو 300 سنة، لم يعمل شيئاً في حياته يستحق الشهرة، إلا إذا ظنَّ أحد أن شفاء أعرج أو أعمى أو مجنون في قرى بيت صيدا وبيت عنيا شيء عظيم (6). وهو بهذا يشهد - دون قصد - أن يسوع عمل المعجزات في بيت صيدا وبيت عنيا!
ويشهد القرآن للمسيح بعمل المعجزات وإقامة الموتى وغير ذلك (المائدة 110).
ويذكر من المعجزات: الخلق والابراء والإحياء وعلم الغيب، لأن اللّه أيده بروح القدس (المائدة 113) وهذا ما لم يحدث لأحد من الأنبياء قبله ولا بعده (الرازي). ويقول الجلالان: فأبرأ في يوم خمسين ألفاً بالدعاء بشرط الإيمان .
4 - معجزاته لا لَبْسَ فيها:
فقد أجرى يسوع معجزاته أمام الجمهور الناقد المتفحّص. وعندما أقام لعازر من الموت لم ينكر أعداؤه المعجزة، ولم يحاولوا أن يكذبوها، بل أرادوا أن يقتلوه ويقتلوا لعازر، البرهان الصادق على حدوث المعجزة! (يوحنا 11: 48) وكان هدفهم أن يمنعوا الناس من الإيمان بالمسيح.
لقد عرف معاصرو المسيح قدرته على عمل المعجزات، ولكن أعداءه نسبوا هذه القوة إلى الأرواح الشريرة، بينما أدرك أصحابه أنها قوة اللّه. (متى 12: 24). وقد أجاب المسيح على اتهام أعدائه هذا بقوله: كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تُخْرَبُ، وَكُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى ذَاتِهِ لَا يَثْبُتُ. فَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يُخْرِجُ الشَّيْطَانَ فَقَدِ انْقَسَمَ عَلَى ذَاتِهِ. فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟ (متى 12: 25 و26).
صحيح أن الديانات المختلفة تعزو معجزاتٍ لمؤسسيها، لكن أكاذيبهم لا يجب أن تجعلنا نكذّب المعجزات التي أجراها المسيح. فإن بعض الناس يرفضون المعجزات بحُجة أنها ضد القوانين الطبيعية، ولكن القوانين الطبيعية ليست علّة الأشياء، بل هي مجرد وصف لما يسمح اللّه بحدوثه. فعندما نتحدث عن معجزات يسوع نرى تدخُّل اللّه ليوجّه قوانين الطبيعة وسَيْر الأحداث. والمعجزات هي إحدى وسائل اللّه للاتصال بنا، وإيماننا بها يتوقف على إيماننا به.
ولو أننا سمحنا للفكر العلمي عن انتظام واستمرارية الطبيعة، أن يغلق الطريق أمامنا، فإن إيماننا بالمعجزات سيكون مستحيلاً. ولكننا لو فعلنا هذا نكون قد قررنا النتيجة قبل أن نفحص الأدلّة! إن العلم يقدر أن يقول إن المعجزات لا تحدث في النظام الطبيعي العادي، ولكنه لا يقدر أن يمنع المعجزات، لأن القوانين الطبيعية ليست علّة الأشياء، وبالتالي فهي لا تمنعها.
ويقول فيليب شاف: المعجزات أشياء فوق الطبيعة وليست ضدها. إنها تعبير عن قانون أعلى، تخضع له القوانين الأدنى .
ويقول جون برودوس: خذ الأناجيل وادرسها. لو أن المسيح لم يعمل المعجزات فإنه بالتأكيد يكون قد قال الكثير من الكذب. إما أنه تكلَّم كما لم يتكلم أحد قطّ، وأن شخصيته هي بلا عيب، وأنه صنع معجزات، أو أنه كذب علينا! .
وقال الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه حياة المسيح (كتاب الهلال يناير 1958):
من الحق أن نقول إن معجزة المسيح الكبرى هي هذه المعجزة التاريخية التي بقيت على الزمن ولم تنْقَضِ بانقضاء أيامها في عصر الميلاد: رجل ينشأ في بيت نجار في قرية خاملة بين شعب مقهور، يفتح بالكلمة دولاً تضيع في أطوائها دولة الرومان، ولا ينقضي عليه من الزمن في إنجاز هذه الفتوح ما قضاه الجبابرة في ضم إقليم واحد، قد يخضع إلى حين ثم يتمرد ويخلع النير، ولا يخضع كما خضع الناس للكلمة بالقلوب والأجسام.
وتم على يد هذا الرسول نقيض ما يتم على أيدي الوثنية في صولتها وسلطانها، فإن الوثنية تتغلب لأنها دين الدولة الغالبة، أما هذه الرسالة - رسالة الملكوت السماوي - فقد نشأت في عشيرة قبيلة ذليلة، تحكمها تارة دولة الرومان الغربية، وتحكمها تارة أخرى دولة الرومان الشرقية، فلم يمض غير أجيال معدودات حتى غزت الدولتين واستوت على العاصمتين، وصحَّ ما رووه عن جوليان - سواء قاله أو لم يقله - فانتصر الجليلي بملكوته السماوي على ممالك القياصر، وضم القياصر إلى حاشيته، فمنه يأخذون ما أخذوه باسم قيصر وما أخذوه باسم اللّه! .
ويختم الأستاذ عباس العقاد كتابه هذا بقوله:
وبعد، فهذا الكتاب مقصور على غرض واحد، وهو جلاء العبقرية المسيحية في صورة عصرية، نفهمها الآن كما نفهم العبقريات على أقدارها وأسرارها، وقد قلَّ فيها نظير هذه العبقرية العالية في تواريخ الأزمان قاطبة. ولا يزال هذا الغرض المجيد متَّسعاً للتوفية والتجلية من نواح عدة، فإن كُتب لنا أن نُوفَّق لزيادة شيء إلى هذه الذخيرة القدسية، فذلك حسبنا وكفى .