تمهيد
1 - حفظ نبي الإسلام للديانة المسيحيّة مركزها، وأيّد جلالها، وأثبت صحة الكثير من تعاليمها، ونادى بوجوب تقديس أوامرها والعمل بها، واحترام كتبها المنزلة، فكان بذلك شاهداً لها، ومؤيداً لصدقها. وسيأتي ذلك تفصيلاً، وحسبنا هنا أن نورد بعض آيات تصرح به:
جاء في سورة يونس 10: 37 : وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الّذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ويقول البيضاوي في تفسير هذه الآية: إنّ القرآن جاء مطابقاً لما تَقدَّمه من الكتب الإلهية ... وتفصيل ما حقق وأثبت من العقائد والشرائع .
وجاء في فاطر35: 31 : وَالّذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ. ويقول البيضاوي في تفسيره: حقه مصدقاً لما تقدمه من الكتب السماوية .
وجاء في المائدة 5: 46-4 8 : وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ. ويقول البيضاوي أيضاً في تفسيره: والآية تدل على أنّ الإنجيل يشتمل على الأحكام. وأنزلنا إليك الكتاب بالحق أي القرآن مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ورقيباً على سائر الكتب يحفظها عن التغيير ويشهد لها بالصحة والثبات ,
2 - لم يهاجم القرآن المسيحيّة التي أسّسها المسيح ونشرها رسله القديسون، ولكنه هاجم بِدعاً خاصة كانت قد ظهرت عند ظهوره، ونادت بتعاليم لا تقرّها المسيحية، فحاربها كما حاربتها المسيحية من قبل ومن بعد، وكلنا يعلم أنّ الشرق - وقت ظهور الإسلام - كان مرتعاً خصيباً للاضطرابات الدينية والخلافات المذهبية، فقد كانت الحرب لا تزال مستعرة بين اليهودية والمسيحية من جهة، وكانت الفِرق المبتدعة الخارجة عن النصرانية تتحارب مع بعضها من جهة ثانية، كما كانت الوثنية تنازع هاتين الديانتين - اليهودية والمسيحية - من جهة ثالثة. وكل من يطّلع على تاريخ الهرطقات يقف متحيراً إزاء ما كان بين هذه الديانات والمذاهب من تطاحن وعداوة وبغضاء، أشار إليها القرآن بقوله في المائدة 5: 14: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فقد كانت كل فرقة تكذّب الأخرى وتكفّرها.