الفصل الثاني:
كتاب غير مُحرّف
جئنا في البحث السابق ببعض الآيات التي تفيد تنزيل الكتاب المقدس ووحيه، وهي صريحة كما رآها القارئ، لا تحتاج إلى تعليق أو شرح وزيادة بيان. ولكن بقي عامة المسلمين على اعتقاد أنّ الكتاب المقدس قد لعبت به الأيدي، وضاعت قيمته بالحذف تارة وبالزيادة تارة أخرى، ونراهم يسلكون في دعواهم هذه دروباً يتكلفون في سبيلها كثيراً من الإجهاد والمشقة، مع أنهم لا يسندونها إلى زمان معلوم، أو مكان معيّن، أو فاعل معروف. وهم بعدم إسنادهم هذا قد أسقطوا دعواهم، فدعوى المدَّعي، مجرَّدة عن كل بيِّنة وبرهان، لا تكون مسنداً للحكم، لأنّ التحريف صفة عارضة، وحَدَثٌ يجب أن يُسند إلى فاعل وزمان ومكان، ويجب أيضاً لإثباته أن يُظهِروا لنا الكتاب الحقيقي الذي لم تلعب به الأيدي.
على أنّ هذا التحريف المزعوم أمر لم يكن - ولن يكون - في الاستطاعة حدوثه، لانتشار الكتاب بأيدي المؤمنين في كثير من جهات الدنيا، قبل الإسلام وبعده, فلو أُريد تغييره أو تبديله، أو تحريفه بالزيادة عليه أو النقص منه، للزم جمع كل نسخه وتحريفها، أو إبدالها بسواها، وهذا - كما يظهر لأول وهلة لكل ذي عقل سليم - أمر مستحيل، لتفاوت الشعوب المؤمنة بالكتاب: في اللغة والبيئة. ولن يمكن إتمام مثل هذا التحريف إلا إذا تواطأ الجميع عليه، وهذا أيضاً أمر مستحيل. ولو وقع لكان عثرة للناس، ومفسدة للعقيدة، ومضيعة لقداسة الكتاب، ودافعاً إلى الحط من قيمته ككتاب منزل، لأنّ إبدال حرف واحد في سفر مقدس يفضي إلى الشك فيه كله، فالعيب في البعض يذهب بصحة الكل، وصانع التمثال لا يعبده!
والكتاب إن كان قد حُرِّف حقيقة - كما يزعمون - فإمّا أن يكون هذا التحريف قد وقع قبل ظهور الإسلام وإمّا بعده. والآن لنرى ما يقول القرآن في هذا: