بحث ثان
هل من تحريف فى الكتاب والانجيل ؟
( القاعدة الرابعة فى الحوار الاسلامى المسيحى )
نفتح هذا البحث كما سنختمه بعد استقراء القرآن , بهذا
التحدى الصارخ : اننا نتحدى
ايا كان ان يرينا فى القرآن آية واحدة تتهم النصارى بالتحريف او تلقى على
الانجيل شبهة التحريف , وذلك تصريحا او تلميحا !!.
قد يذكر القرآن لليهود ,
ولليهود
وحدهم
تحريفا
فى الكتاب . وسندرس
هنا معناه
ومداه .
لكنه
لاينسب للنصارى والانجيل اى شبهة من تحريف .
وشبهة التحريف عند اليهود تأتى فى المدينة ,
ولا ذكر لها فى القرآن المكى , فهى من زمن
الصراع بين محمد واليهود فى العهد المد نى الاول
, لان تصفية اليهود من المدينة كانت قد تمت فى مطلع العهد الثانى بالمدينة .
وسنرى ان التحريف المذكور انما هو تأويل فاسد لآية النبى الآمى او نعت النبى فى
التوراة , ولآية جلد الزانى بدل رجمه .
تأخذ شبهة التحريف فى القرآن ثلاثة اشكال
: كتمان بعض الكتاب عن الناس , واللى بالالسن طعنا فى الدين , وتحريف الكلم عن
مواضعه .
اولا : تهمة كتمان بعض الكتاب عن الناس .
السورة الاولى من المدينة هى البقرة وفيها صور للصراع
الذى نشب بين محمد واليهود على زعامة
المدينة . وبالتالى على صحة نبوة محمد ,
التى ظل اليهود يكفرون بها طيلة عهد الدعوة القرآنية . وفيها يتهم اليهود بكتمان
الحق الذى فى التوراة .
1-
(( يا بنى اسرائيل ... امنوا بما انزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا اول كافر به !
ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا , واياى فأتقون ! ولا تلبسوا الحق بالباطل ,
وتكتموا الحق وانتم تعلمون ... أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم , وانتم تتلون
الكتاب
أفلا تعقلون )) ؟! [ البقرة 40-44 ]
.
فالقرآن يردع اليهود عن الكفر به قبل الجميع مع انه (( مصدق لما معهم )) :
فالقرآن اذن يصدق ما هو مع بنى اسرائيل من
الكتاب , وهذا التصديق شاهد انه لاتحريف عندهم .
ويقول : (( لا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا )) فآيات
الكتاب الذى مع اليهود لم تزل آيات الله فى زمن محمد
ويقول : (( وأنتم تتلون الكتاب )) : فالكتاب الذى معهم
لم يزل كناب الله ولو دخله تحريف لما نوه
بتلاوته شاهدا عليهم
ثم يتهمهم (( بتلبيس الحق بالباطل )) اى كما قال الجلالان : (( ولا تخلطوا الحق
الذى انزلت عليكم بالباطل الذى تفترونه )) فتلبيس الحق
بالباطل
هو ادق تحديد للتأويل الباطل . فالقرآن
اذن يشهد هنا ان بنى اسرائيل يتلون فى الكتاب الحق
المنزل , وان فسروه على هواهم
فالكتاب الذى مع بنى
اسرائيل هو الحق فى زمن محمد
ثم يقول القرآن تلبيس الحق بالباطل , بكتمان الحق : والاثنان يفسر بعضهما بعضا ,
يقول : (( ولا تكتموا الحق وانتم تعلمون )) اى لاتكتموا الحق الذى فى الكتاب .
فما هو هذا الحق الذى يكتمونه ؟ قال الجلالان
ولاتكتموا نعت محمد وانتم تعلمون انه حق . فقد كان محمد يستشهد بالتوراة
على صحة نبوته , فينكر اليهود علبه ذلك . فالخلاف فى
التأويل لا فى كتمان النص او تحريفه .
2-
(( ام تقولون : ان ايراهيم واسماعيل..........
كانوا هودا _ او نصارى _ قل : أأنتم أعلم ام الله ؟ ومن اظلم
ممن كتم شهادة
عنده من الله ! وما الله
بغافل عما تعملون ))
[ البقرة
140 ] .
الجدال قائم بين محمد واليهود على الهدى
[135- 141] كان
اليهود
يشتقون الهدى
من اسمهم
فيقولون : ((كونوا هودا تهتدوا )) [135 ]
فرد عليهم القرآن ان الهدى فى الاسلام الذى
يؤمن بما اوتى موسى وعيسى وما اوتى النبييون من
ربهم , لانفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون [136]
فيردون عليه : ان ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب كانوا هودا [140] – فيرد عليهم
ان اليهودية من موسى , لذلك الاباء والاسباط لم يكونوا يهودا ( بالمعنى الدينى )
– هذه هى شهادة التوراة : ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله [140] –
فالقرآن يستشهد بالتوراة التى معهم فى زمن محمد
ويتهم اليهود بكنمان شهادة التوراة [ الكتمان هنا معنويا وبالتأويل
المغلوط ] .
واستشهاد القرآن بالتوراة دليل على صحتها كما هى فى ايديهم .
3- (( اللذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ايناءهم , وان فريقا منهم
ليكنمون الحق وهم يعلمون )) [146]
الجدال مع اليهود على نبوة محمد
. قال الجلالان : اهل الكتاب يعرفون محمدا كما يعرفون ابناءهم بنعته فى كتبهم .
وان فريقا منهم لبكتمون الحق اى نعت محمد , وهم يعلمون .
فظاهر الكتمان المقصود هو التأويل الفاسد
للتوراة التى تشهد لمحمد . وما يكتمه فريق يفضحه فريق آخر _ فلا خوف على
النص لا من الكتمان المادى ولا من الكتمان المعنوى اى التأويل .
مناورة الكتمان بالتأويل المغلوط هى من فريق فقط
فهى فاشلة ولا تمس نص التوراة فى شئ .
4- (( ان اللذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى
الكتاب , اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون )) [البقرة159] .
ان القرآن يلعن الفريق من اليهود الذى يكتم معنى الكتاب عن الناس
وهب انهم يكتمون النص نفسه فلا خوف على تحريفه _ فالفريق الاخر بالمرصاد .
5- (( ان اللذين يكنمون ما انزل الله من الكتاب , ويشترون به ثمنا قليلا .....
اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى , والعذاب بالمغفرة , فما أصبرهم على النار !
ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق , وان الذين أختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد !!
))
[البقرة174- 176] .
هنا يظهر
شقاق الفريقين على أختلافهم فى فهم الكتاب .
ففريق متهم بتأويلهم الفاسد أشتروا الضلالة بالهدى . والفريق الاخر بقى على الهدى
فى حفظ الكتاب وتأويله وفى الاية شهادة مزدوجة
على صحة الكتاب المتداول فى الحجاز على زمن محمد : ان فريقا منهم يكتمون ما انزل
الله من الكتاب
فالقرآن يشهد ان الكتاب فى زمنه منزل من الله
ويشهد ايضا ان الله نزل الكتاب بالحق كما وصل الى زمان محمد والقرآن .
وفى سورة ال عمران يظل الجدل قائما بين محمد واليهود
على صحة رسالته , يستشهد محمد بالكتاب فينكرون عليه صحة شهادته :
·
(( ودت طائفة من اهل الكتاب لو يضلونكم ... يا اهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل
, وتكتمون الحق وانتم تعلمون 69-70 )) _ قال الجلالان : لم تخلطون الحق بالباطل
وتكتمون الحق اى نعت محمد , وانتم تعلممون انه حق _
فالخطاب كله بحق اليهود وهم ينكرون تأويل محمد
لشهادة الكتاب له . تهمة الكتاب كلها تدور حول صفة محمد النبوية فى الكتاب
.
·
(( واذ أخذ الله ميثاق الذين أوتو الكتاب : لتبيننه للناس ولا تكتمونه , فنبذوه
وراء ظهورهم , وأشتروا به ثمنا قليلا , أفبئس ما يشترون 187)) .
الاية فى خطاب بحق اليهود أيضا :
ان كتمان حقيقة الكتاب خصوصا فى صفة محمد النبوية _ هو ضد الميثاق الذى اخذه الله
فى التوراة على اليهود , ان يظهروا الحقيقة ولا
يكتمونها بتأويلهم
وتلك شهادة على صحة الكتاب
وفى سورة النساء هذه الاية فى خطاب اليهود : ((
الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل , ويكتمون ما آتاهم الله من فضله , واعددنا
للكافرين عذابا مهينا 36 )) _ قال الجلالان : يكتمون ما آتاهم الله من فضله و من
العلم والمال , وهم اليهود _ فاليهود يمنعون علمهم
ومالهم عن محمد _ تلك هى التهمة .
وفى سورة المائدة
هذه الاية فى نفاق اليهود : (( واذا جاؤوكم
قالوا : امنا ! وقد دخلوا بالكفر , وهم قد خرجوا به ! والله اعلم بما كانوا
يكتمون 64))
فقد اتخذوا
دعوة محمد
(( هزوءا ولعبا )) هم
(( الذين جعل منهم القردة والخنازير 60- 63 )) .
تلك هى تهمة الكتمان فى دعوة القرآن : انها تقتصر على خلاف محمد واليهود
فى دلالة الكتاب على صحة نبوة محمد
انها قضية تفسير وتأويل
وليس
فيها ما يمس نص الكتاب الذى يعلن القرآن مرارا صحته فى عهد القرآن.
ثانيا : تهمة اللى باللسان فى تلاوة الكتاب .
ترد التهمة فى آيتان يفسر بعضهما بعضا :
(( وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب , لنحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب
, ويقولون : هو من عند الله ؟ _ وما هو من عند الله . ويقولون على الله الكذب وهم
يعلمون ))
[ال عمران 78] .
(( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه , ويقولون : سمعنا وعصينا ! وسمع غير
مسمع ! وراعنا ! ليا بألسنتهم , وطعنا بالدين ))
[النساء45] .
النص صريح ان فريقا (( من الذين هادوا )) يلوون السنتهم فى تلاوة الكتاب اى
يقرؤون بغير القراءة
الصحيحة , ويعتبرون قراءتهم هى المنزلة , وما هى
بالمنزلة . ويعطى مثالا على تلاعبهم فى الكلام قولهم (( راعنا )) اذا لفظوها ((
راعنا )) عنت بلغة اليهود : ارعن !!
فالتهمة هنا هى قراءة مشبوهة لآيات فى الكتاب :
يقصدون بها غير ما قصده الله بها فى كتابه العزيز .
واختلاف القراءات , سواء كانت صحيحة او مشبوهة , شئ مألوف فى التوراة
والانجيل والقرآن
واختلاف القراءات لايمس حرف النص , فالنص سالم .
وهذا اللى باللسان فى تلاوة الكتاب [ اى القراءة
المختلفة ] يجمعها فى الاية الى تحريف الكلم عن موضعه - النساء45
فيكون التحريف المقصود بالتهمة القرآنية هو القراءة المختلفة .
وهذه شهادة سلبية على سلامة نص الكتاب من التحريف .
ونلاحظ ان من يقوم بذلك التلاعب فى قراءة الكتاب
انما هو فريق من الذين هادوا لا كلهم , ولا دخل للنصارى فى التهمة كلها
على الاطلاق
.
ثالثا : تهمة التحريف نفسها .
ترد تهمة التحريف فى خمسة مواضع :
·
فى سورة البقرة :
(( افتطمعون ان يؤمنوا لكم , وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من
بعد ما عقلوه وهم يعلمون 75))
.
قال الجلالان : افتطمعون ايها المؤمنون ان يؤمن لكم اليهود وقد كانت طائفة منهم
يسمعون كلام الله فى التوراة , ثم يحرفونه
اى يغيرونه من بعد ما عقلوه , وهم يعلمون )) .
قال البيضاوى : (( أفتطمعون ان يصدقكونكم _ يعنى اليهود _
وقد كانت طائفة من اسلافهم يسمعون كلام الله اى التوراة ثم يحرفونه كنعت محمد ,
واية الرجم . او تأويله ثم يفسرونه بما
يشتهون. وقيل هؤلاء من السبعين المختارين(على
زمن موسى ) .. من بعد ما عقلوه اى فهموه ولم يبق لهم فيه ريبة _ ومعنى الاية ان
احبار هؤلاء ومقدميهم كانوا على هذه الحالة ! فما ظنك بسفلتهم وجهالهم , وانهم ان
كفروا وحرفوا ففيهم سابقة فى ذلك )) .
مامعنى (( يلوون السنتهم بالكتاب )) ؟؟؟؟
قال البيضاوى : يفتلون السنتهم بقراءة الكتاب ... او يعطفونها بشبه الكتاب .
قال الجلالان : يعطفونها بقراءته عن المنزل الى ما حرفوه من نعت النبى .
قال الزمخشرى : يفتلون السنتهم بقراءة الكتاب ... ويجوز ان يراد – يعطفون السنتهم
بشبه الكتاب لثحسيوا ذلك الشبه من الكتاب .
هنا يظهر معنيان لما ورد سابقا
الاول
فتل اللسان
فى التلاوة نفسها -
اى قراءة مغلوطة فهى اذن لاتمس النص .
الثانى
تعقيب التلاوة
بشبه عليها -
والمعنى
الثانى
تفسير والتفسير لايمس النص .
فالحديث هنا عن تحريف فريق من اليهود للتوراة على زمن موسى _ وهب انه يقصد
تحريفهم على زمن محمد _ التحريف واقع من فريق
لايقرهم الفريق الاخر عليه .
والفريق المنافق لايغير النص نفسه بل يغير معناه و كما
يقول البيضاوى : يؤولونه ويفسرونه بما
يشتهون
وآنى لهم ان يغيروا
من النص والفريق الاخر لهم بالمرصاد !!
وتهمة التحريف اى التأويل تنحصر كلها وعلى اجماع المفسرين فى امرين :
( نعت محمد واية الرجم ) فمحمد يرى صفة نبوته فى الكتاب واليهود لا يرونها _
اذن الخلاف فى التأويل لا فى تغيير النص
وقد فسر بعض اليهود رجم الزانى والزانية بالتحميم والضرب
بدل الرجم كما سنرى _ فالخلاف بين محمد وفريق من اليهود
فى تأويل التوراة لافى تحريف نصها _ كما تدل القرينة فى قوله : (( يحرفونه
من بعد ما عقلوه وهم يعلمون )) اى من بعد ما فهموه حق فهمه .
فليس التحريف المذكور فى اية البقرة من تحريف للحرف والنص,
وذلك بنص القرآن القاطع فى الاية 121 (( الذين اتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ,
اولئك يؤمنون به )) قال الجلالان : يتلونه حق تلاوته اى
يقرؤنه كما انزل وهذه الاية البقرة 121 تقطع
قطعا ميرءا كل تهمة بتحربف – وعلى كل حال فالكلام فى اليهود وتوراتهم , لا
فى النصارى وانجيلهم .
·
فى سورة النساء :
(( من الذين هادوا , يحرفون الكلم عن مواضعه !! ويقولون : سمعنا وعصينا ! واسمع
غير مسمع !! وراعنا!1 ليا بالسنتهم وطعنا فى الدين . ولو انهم قالوا : سمعنا
واطعنا ! واسمع وانظرنا ! لكان خيرا لهم . لكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا
قليلا 45)) .
أوجز البيضاوى موقف المفسرين جميعا بقوله :
من الذين هادوا قوم ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) اى يميلونه عن مواضعه التى
وضعه الله فيها بازالته عنها واثبات غيره فيها . او يؤولونه على ما يشتهون
فيميلونه عما انزل الله فيه .
كل القرائن القرآنية تدل على ان التحريف المقصود هو تأويل المعنى لا تغيير النص
فا لفا علون بعضهم ( من
الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ) فالبعض الاخر لايقرونهم فى ذلك , لانهم بنص
القرآن القاطع : (( يتلون الكتاب حق تلاوته )) اى (( كما انزل )) .
ثم ان المفسرين يترددون بين تغيير النص او تأويل
المعنى
فلا احد يجزم بتغيير حرف النص .
والقرآن يقول : ((عن مواضعه )) ويسمى ذلك (( ليا بالسنتهم )) ويعطى على ذلك ثلاث
امثلة : ( سمعنا وعصيتا و اسمع غير مسمع
وراعنا ) من هذه الامثلة نفهم ان التحريف لا يقع على
حرف التوراة
نفسه
بل يقع فى كلام اليهود انفسهم فى مخاطبة النبى :
فهم يتلاعبون فى كلامهم مابين لغتهم والعربية كقولهم فى (( راعنا )) : (( رعنا ))
اى يا ارعن فى لغتهم . فالتحريف يقصد كلام اليهود مع
النبى لا كلام التوراة , بدليل قوله ((
طعنا فى الدين )) .
وهب ان التحريف المقصود به هو التوراة نفسها
فالاية تفسر التحريف بقولها : ليا بالسنتهم , اى يقرؤون التوراة فى
المواضع المقصودة بقراءة غير صحيحة . فالتحريف المقصود
يعنى القراءة غير
الصحيحة
والنص يبقى سالما بلا تغيير _ لذلك كله فتفسير التحريف هنا انه
تغيير فى النص ذاته تنفيه كل القرائن القرآنية القريبة والبعيدة .
لذلك ايضا يرفض الرازى المفسر الكبير _ تفسير التحريف
بمعنى تغيير النص ذاته
قال : لان الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغيير اللفظ
[ فى تفسير المائدة 44] .
وهو نفسه موقف صحيح البخارى :
يحرفون الكلم عن مواضعه اى يزيلونه وليس احد يزيل لفظ كتاب من الله تعالى ,
ولكنهم يتأولونه على غير تأويله [ احمد امين : ضحى الاسلام 346- 358]
فليس من تحريف فى التوراة , ولا من يفرحون او يحزنون _ والنصارى وانجيلهم براء من
ذلك
·
فى سورة المائدة :
(( ولقد أخذنا ميثاق بنى اسرائيل ... فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم
قاسية , يحرفون الكلم عن مواضعه ! ونسوا حظا مما ذكروا به ! ولا تزال تطلع على
خائنة منهم ! فأ عف عنهم واصفح , ان الله يحب المحسنين 13- 14)) .
فى اية المائدة 14 نجد تعبير اية النساء نفسه 45
. وتعليقنا عليه واحد ونلاحظ ان التهمة منسوبة الى اليهود لا الى النصارى
وانجيلهم .
والرازى الكبير يفهمها مثل صحيح البخارى , يقول: ان المراد بالتحريف القاء الشبهة
الباطلة , والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ عن معناه الحق الى معنى باطل , بوجوه
الحيل اللفظية _ كما يفعل اهل البدع فى زماننا هذا بالايات المخالفة لمذهبهم
وهذا هو الاصح
ولنا هنا قرينة على صحة
تفسير البخارى والرازى من الاية 16 التى تليها فى
الخطاب نفسه لليهود : (( يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا
مما كنتم تخفون من الكتاب
, ويعفو عن كثير )) فالقرآن يقرن التحريف
بالاخفاء , اخفاء المعنى المقصود , لان النص كان
شائعا متواترا فى العالمين قبل
بعثة محمد
وهب حاول ذلك بعضهم فى الحجاز , فهل ينطلى ذلك عل اليهود كلهم فى دولة الفرس وفى
دولة الروم ؟
وموضوع التحريف فى اية المائدة 14 هو دائما صفة محمد فى التوراة
. فالنبى العربى يتهم اليهود او بالحرى فريقا منهم بتأويل شهادة التوراة
بحقه تأويلا غير صحيح . والخلاف بين محمد واليهود هو
على تفسير النبى الموعود . تقول التوراة
(( بالنبى الاتى )) مثل موسى
وقرأها محمد (( النبى الامى )) فانكروا ذلك عليه
كما انكروه من قبل على عيسى ابن مريم .
وفى الحالين فتفسير اليهود للاية فى التوراة لايمس حرفها .
والنصارى فى ذلك كله براء من التهمة . فلا يعنيهم القرآن على الاطلاق .
·
فى سورة المائدة
النص
الاخير فى التحريف المزعوم : (( ومن الذين هادوا , سماعون للكذب , سماعون
لقوم آخرين لم يأتوك . يحرفون الكلم من بعد مواضعه . يقولون : ان اوتيتم هذا
فخذوه وان لم تأتوه فاحذروا 44 – فالتحريف هنا مقرون
بقصة يشير اليها النص .
فسره الزمخشرى : روى ان شريفا من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان وحدهما الرجم فى
التوراة . فكرهو رجمهما لتشرفهما فبعثوا رهطا منهم الى بنى قريظة ليسألوا رسول
الله عن ذلك
وقالوا : ان امركم محمد بالجلد والتحميم اقبلوا , وان امركم بالرجم فلا
تقبلوا . وارسلوا الزانيين معهم . فامرهم بالرجم , وآبوا ان يأخذوا به . فجعل
بينه وبينهم حكما ابن صوريا ( من فدك ) فشهد بالرجم _ وقالوا فى ختام القصة ان
النبى بعد شهادة الحبر اليهودى من فدك امر برجمهما . ورجموهما عند باب المسجد
لاقامة حد التوراة عليهما .
واسباب النزول كلها والمحدثون والمفسرون كلهم يقرنون التحريف المذكورفى سورة
المائدة بقصة الزانيين من خيبر .
فالتهمة مقصورة على
اية فى التوراة والتحريف المقصود هو
تفسير الرجم بالجلد وليس تغيير النص
وهم فريق من الذين هادوا لا
من جميعهم بشهادة فتوى ابن
صوريا
واقامة محمد الحد على الزانيين بدون اعتراض ولا قتال لكن فى اعراض ظاهر .
ولنا على معنى التحريف المقصود قوله :
(( ألم تر الى الذين أوتو نصيبا من الكتاب , يدعون كتاب الله ليحكم بينهم , ثم
يتولى فريق منهم وهم معرضون )) [ ال عمران23] _ قال الجلالان : نزل فى اليهود ,
زنى منهم اثنان , وتحاكموا الى النبى . فحكم عليهما بالرجم . فجئ بالتوراة فوجد
فيها الرجم , فرجما , فغضبوا .
فلو كان فى التوراة نفسها تحريف لما سماها (( كتاب الله ))
. واستشهاد محمد بتلاوة التوراة شاهد
على انه يعتبرها (( كتاب الله )) فى زمانه
والتحريف المقصود هو فى تأويل ابة واحدة
وهذه هى قصة التحريف التى تملأ القرآن من ال عمران الى المائدة !!!!
لذلك ينقض الرازى معنى التحريف بتغيير اللفظ ويفسر التحريف المقصود بالتأويل
الباطل
[ التحريف يحتمل التأويل الباطل , ويحتنل تغيير اللفظ, وقد بينا فيما تقدم ان
التفسير الاول أولى لان الكتاب المنقول بالتواتر لايتأتى فيه تغيير اللفظ ]
المائدة 44 .
فمن تأويل فريق من اليهود لاية الرجم بالجلد _ آية واحدة _ أطلق القوم تهمة
التحريف اللفظى على التوراة كلها فما أظلمهم بحق كتاب من كتب الله ...
والخلاف الآخر فى موضوع التحريف هو قراءة نبوءة موسى فى (( النبى الآتى )) بمعنى
(( النبى الآمى )) كما قرآها محمد ومن معه فأنكر اليهود ذلك .
وهكذا تنحصر تهمة التحريف بحق فريق من اليهود فى لفظين من آيتين فى التوراة
: تأويل اليهود الرجم بالجلد وقراءة محمد النبى الامى بدل النبى الآتى .
تلك هى التهمة الضخمة التى تملأ الكتب وصحف التفسير , والتى بها يتشدقون . انهم
يعملون بحسب المثل الدارج , من زبيبة خمارة . ومن الحبة قبة !!!!!!!!!
وفاتهم اسلوب القرآن فى البيان : التخصيص فى مظهر التعميم .
يذكر القرآن بعض آية من التوراة بلفظ التعميم : يحرفون الكلم عن مواضعه
[النساء45] او : يحرفون الكلم من بعد مواضعه الما ئدة 44
وهو يقصد التخصيص كما تدل القرأئن كلها
وأخذها القوم بمعنى التعميم
وهذا تفسير خاطئ مغرض لبيان القرآن
مثال يقول : (( ام يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله
))
[النساء53] فسره الجلالان
: يحسدون
الناس
اى النبى
وعلى ما أتاهم الله من فضله اى من النبوة
وكثرة النساء
فالتخصيص فى معرض التعميم اسلوب قرآنى فات القوم فى تفسير القرآن
وهذه الشهادة القرآنية فى (( الذين يتلون الكتاب حق تلاونه )) اى يقرؤونه كما
انزل الجلالان انما هى شهادة قاطعة
على نفى التحريف وعلى استحالته فى (( كتاب الله ))
كما يسمبه القرآن فى ايامه .
وهذا ما يراه ايضا احمد امين
فى
ضحى الاسلام 1: 358
وذهبت طائفة آخرى من آئمة الحديث والفقه والكلام
الى ان التبديل وقع فى التأويل لا فى التنزيل .... ومن حجة هؤلاء ان
التوراة قد طبقت مشارق الارض ومغاربها [قبل ظهور محمد والقرآن]
ولا يعلم عدد نسخها الا الله , ومن الممتنع ان يقع التواطؤ على التبديل
والتغيير فى جميع تلك النسخ , بحيث لاتبقى فى الارض نسخة الا مبدلة ومغيرة ,
والتغيير على منهاج واحد _ وهذا مايحيله العقل ويشهد
ببطلانه
قالوا : وقد بين الله تعالى لنبيه
عليه السلام محتجا على اليهود بها : (( فآتوا
بالتوراة فآتلوها , ان كنتم صادقين ))
.
فالقول بتحريف الكتاب [التوراة والانجيل]
استنادا الى متشابه القرآن
فى استخدام لفظ التحريف
على التعميم فى موضع التخصيص هو
تحد مفضوح للمنطق والتاريخ وللقرآن نفسه
.
·
لايقول القرآن بتحريف لفظى فى التوراة .
·
على كل حال ان شبهة التحريف السخيفة لاتقصد النصارى وانجيلهم على الاطلاق .
وكما استفتحنا البحث نختمه :
اننا نتحدى اى كان ان يرينا آية واحدة من القرآن تتهم المسيحيين تصريحا او تلميحا
بتحريف الانجيل او بعضه .
وسلامة الانجيل من التحريف هى القاعدة الرابعة فى الحوار الاسلامى المسيحى .