تهمة
شائعة على صحة الانجيل
الذى بين أيدى المسيحيين اليوم : ان
القرآن يذكر الانجيل الذى نزل على
عيسى بصيغة المفرد المُعلم ولا يعرف له
تعدداً :فالانجيل واحد بنظر
القرآن
.
ونحن
نرى عند المسيحيين كما يقرون هم أنفسهم ان
عندهم أربعة أناجيل
فهى
منحولة اذن ومحرفة , واقعان يتناقضان , ما بين
الانجيل والقرآن .
على
رسلكم يا قوم : الواقعان لا يتناقضان
والتاريخان
يتشابهان وعلى ضوء البرهان يقوم اليقين
والايمان .
أجل
ان القرآن لا يذكر الانجيل الا مفردا .
فهو فى عرفه واحد .
والاناجيل
الاربعة تذكر أيضا ان الانجيل واحد :
(( وبعدما القى يوحنا فى السجن , اتى يسوع الى
الجليل يدعو بأنجيل الله . قال لقد تم الزمان
واقترب ملكوت الله, فتوبوا
وآمنوا بالانجيل )) مرقس
1 : 14- 15
وكان
يطوف فى الجليل كله , يعلم فى جوامعهم ويبشر
بانجيل الملكوت )) متى
4 : 23
وفى
محسنة ليسوع قال : (( الحق أقول لكم : انه
حيثما دعى
بالانجيل فى العالم كله يُخبر أيضا
بما فعلت هذه تذكارا لها ))
متى 25: 13
وقبل
رفعه الى السماء أوصى تلاميذه : (( إذهبوا فى
العالم اجمع , وادعوا بالانجيل
الخليقة كلها )) مرقس 16 :
15
وبولس
فى الدعوة بالمسيحية يدعوا للانجيل الواحد :
(( أنا لا أستحى بالانجيل ,
لأنه قدرة الله لخلاص كل من يؤمن , من أهل
الكتاب أولا ثم من الامميين ))
روميه 1: 16
وفى
معيشة رسل الانجيل يقول : هكذا رتب الرب : ان
الذين يدعون بالانجيل ,
يعيشون من الانجيل )) 1 كو 9: 14
وفى
وصيته الاخيرة لتلميذه تيموثاوس يقول : (( لا
تستحى بالشهادة لربنا ولا بى انا أسيره , بل
اشترك فى مشقات الانجيل ,
على حسب قوة الله )) تيم
1: 8
هذا
هو الواقع الانجيلى :
فالاناجيل الاربعة , مع رسائل الرسل الذين
يدعون بالانجيل , تذكر الانجيل دائما
بالمفرد الُعلم ! فهو فى عرف الاناجيل
الاربعة ودعاة المسيحية , إنجيل
المسيح واحد وإن دونوه بأربعة (( أحرف )) أو
نصوص بإتفاق المعانى وإختلاف الالفاظ
بسبب اختلاف البيئات الاربع التى دون
الانجيل فيها , ولها قبل غيرها .
عن
شهادة الاناجيل الاربعة , نعرف اذن ان
الانجيل واحد بأربعة أحرف .
فهل
فى ذلك التعدد شبهة على صحة انجيل المسيح
الواحد ؟
ثانيا
: نزول الانجيل على أربعة
أحرف , ونزول القرآن على سبعة أحرف .
من
القدر الذى يربط تاريخ تدوين القرآن , بتاريخ
تدوين الانجيل , نصل الى هذه المقارنة
اللطيفة .
مشهور
الحديث الشريف فى نزول القرآن
(( على سبعة أحرف ))
نقل
السيوطى فى الاتقان 1: 46 :
ورد حديث نزول القرآن على سبعة أحرف من رواية
جمع من الصحابة .... وهؤلاء واحد وعشرون
صحابيا . وقد نص أبو عبيد على تواتره , وأخرج
ابو يعلى فى مسنده ان عثمان قال على المنبر :
ا
ذكر الله رجلا سمع النبى قال : ( ان القرآن
أنزل على سبعة أحرف كلها شاف
كاف
لما
قام فقاموا حتى لم يُحصوا , فشهدوا بذلك ,
فقال وانا أشهد .
وعلق
على هذا الحديث بقوله : : اخُتلف
فى معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولا
... ( منها ) ان المراد سبعة أوجه
من المعانى المتفقة بألفاظ
مختلفة نحو أفبل وتعال , وهلم وعجل وإسرع
... والى هذا ذهب سفيلن ابن عُيينة وابن جرير (
الطبرى ) وابن وهب وخلائق . ونسبه ابن عبد
البر لأكثر العلماء ... قال ابن عبد البر : الحروف
التى نزل عليها القرآن , إنها
معان متفق
مفهومها ,
مختلف مسموعها
لا
يكون فى شئ منها معنى وضده , ولا وجه يخالف
معنى وجه ينفيه ويضاده ( كالرحمة التى هى
خلاف العذاب وضده )
وينهى
السيوطى بحثه بقوله : وقد ظن كثير من العوام
ان المراد بالاحرف السبع هو القراءات السبع
لمصحف عثمان وهو جهل قبيح
1: 51
و
الطبرى شيخ المفسرين , يصدر تفسيره
( نشر الاخوين شاكر- بيروت ) بشرح الحديث
الشهير يبدأ ويعرفه : ( ان
اختلاف الاحرف السبعة هو اختلاف الالفاظ
باتفاق المعانى ) 1:
48
ثم
يرد على من فسره غير هذا التفسير كما نقل
السيوطى . ويرد خصوصا على من تذرع بالاية :
(( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير
الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) النساء 82
ليرفض تفسيره فقال
انها تقصد اختلاف المعانى والاحكام , لا
اختلاف الالفاظ والتعابير بدليل اختلاف
الصحابة كل فى قراءته وتصويب النبى لهم
جميعا 1: 48
اذن
قبل تدوين عثمان , كان للقرآن سبعة احرف اى
سبعة نصوص بإتفاق المعانى .
ويعرض
الطبرى للسؤال البديهى :
فإن قال قائل ما بال الاحرف الستة غير موجودة
إن كان الامر على ما وصفت , وقد أقرهن
رسول الله وأمر الامة بالقراءة بهن . وهى
مأمورة بحفظها : فذلك تضييع ما قد أمروا
بحفظه ؟ أم ما
القصة فى ذلك ؟
قيل
له لم تنسخ فترفع , ولا ضيعتها الامة ! ولكن
الامة امرت بحفظ القرآن وخيرت فى قرأءته
وحفظه
بأى تلك الاحرف شاءت . ورأت
لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف
واحد – قراءته بحرف واحد ورفض القراءة
بالاحرف الستة الباقية
1: 59
والعلة
التى أوجبت اتلاف الاحرف او النصوص القرآنية
الستة كانت إختلاف المسلمين واقتتالهم على
أفضلية حرفهم
من مكة بحضور الخليفة الى الثغور فى
معارك القتال والفتح 1:62 -
ويقول : ان الاحرف الستة الاخرى أسقطها
عثمان ومنع من تلاوتها , ولاحاجة بنا الى
معرفتها 1:
66
ومن
الذين تابعوا الطبرى فى تفسيره الصحيح
لحديث الاحرف السبعة المتواتر الزنجا
نى وقال
المراد بالاحرف السبعة أوجه من المعانى
المتفقة وبالالفاظ مختلفة .
وابو
جعفر النحاس فى كتاب الناسخ والمنسوخ يقول :
يفهم من سلف الامة وخيار الائمة ان معنى نزل
القرآن على سبعة أحرف من انه نزل بسبع لغات
وأُمر بقراءته على سبعة ألسن بإختلاف
الالفاظ وإتفا ق المعانى
ومن
الروايات الثابتة عن عمر ابن الخطاب ,
وعبدالله بن مسعود , وابى بن كعب
, وسائر من قدمنا الرواية عنهم , انهم
تماروا فى القرآن , فخالف
بعضهم بعضا فى نفس التلاوة , دون ما فى
ذلك من المعانى .
وانهم
احتكموا الى النبى – فإستقرأ
كل رجل منهم ثم صوب جميعهم فى قراءتهم على
إختلافها , حتى ارتاب بعضهم لتصويبه
إياهم , فقال
رسول الله للذى
ارتاب منهم عند
تصويبهم جميعا :
ان
الله أمرنى ان أقرأ القرآن على سبعة أحرف .
من
هذا العرض الصريح لحديث الاحرف السبعة و جمع
القرآن العثمانى نستخلص الحقائق التالية :
الاولى
: كان للقرآن قبل عثمان سبعة
أحرف أو سبعة نصوص متفقة المعانى مختلفة
الالفاظ
الثانية
: أتلف
الخليفة عثمان بن عفان ستة نصوص مختلفة
للقرآن الواحد واحتفظ بنص واحد فر ضه على
الامة , وهو النص الوحيد الذى نقرأ به القرآن
حتى اليوم .
الثالثة
: لم
تكن لجان عثمان معصومة فى إختيار النص
الافضل : إنما عملت برأيها .
ونعرف
من الاناجيل الاربعة القائمة فى المسيحية
حتى اليوم , وبشهادة التاريخ المسيحى كله : ان
الانجيل الواحد دون
بأربعة أحرف او نصوص - الانجيل بحسب متى
- الانجيل بحسب مرقس
- الانجيل بحسب لوقا
- الانجيل بحسب يوحنا
.
وبحسب
تعبير لغة الحديث الاسلامى نترجم هذا الواقع
بقولنا
((
نزل الانجيل على أربعة أحرف ))
بإختلاف الالفاظ وإتفاق المعانى -
ولم يختلف فيها المسيحيون
ولم يقتتلوا عليها , مع ان كل واحد منها
ظهر فى مكان وفى زمان غير الاخرين . بل قبلوها
جميعهم بسبب رسوليتها التى تشهد بصحتها ,
وصحة وحيها , وصحة تدوينها لانجيل المسيح
.
وصدور
تدوينها عن الرسل او كتبتهم شاهد لعصمتها , لتأييدهم
بالروح القدس . لذلك لم يكن
المسيحيون بحاجة الى إتلاف
حرف من تلك الحروف الاربعة للانجيل –
لأن الاحرف الاربعة رسولية قدسية موحى بها
وهى تتمتع بعصمة الوحى .
وبعد
عهد الرسل وتداول الاحرف الاربعة المنزلة
حاول بعض المسيحيين , عن تقى أو عن هوى
وضع أناجيل منحولة بأسم الرسل وشاعت بين
المسيحيين لكنهم
لم يعترفوا بها أناجيل صحيحة ومع ذلك لم
يتلفوها
لأنه
ليس فى وجودها خطر على الانجيل الصحيح فى
أحرفه الاربعة .
من
هذا الواقع التاريخى نستنتج :
اولا
: ان الانجيل الواحد نزل بأربعة أحرف أو نصوص بإختلاف
الالفاظ وإتفاق المعانى .
ثانيا
: ان صحابة المسيح وكنيسته من بعدهم حفظت
(( الذكر )) المسيحى
بنصوصه الاربعة , وكانت وفية
أكثر من صحابة محمد وجماعته الذين أتلفوا
ستة نصوص او أحرف للقرآن , واكتفت بتدوين
ونقل وحفظ الحرف العثمانى وحده .
ففى
المسيحيين أكثر من المسلمين نصح الاية :
((
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))
الحجر 9
ثالثا
: لم تكن لجان عثمان معصومة فى
إختيار الحرف الافضل للقرآن , بينما أحرف
الانجيل الاربعة تحوى الشهادة فيها لعصمتها
.
رابعا
: الاحرف الاربعة للانجيل الواحد بإختلاف
الالفاظ وإتفاق المعانى هى شهادة قاطعة لصحة
الوحى الانجيلى , لإن أربع
شهادات , مختلفة الالفاظ متفقة المعانى –
أفضل من شهادة واحدة تقوم على نص واحد
لا له ولا عليه
لمعرفة الوحى القرآنى معرفة علمية .
وفى
الشرع العام : على فم شاهدين أو ثلاثة تقوم كل
حجة .
وهكذا
يقول الايمان والعلم :
نزل
القرآن على سبعة أحرف – فلم يحفظ منها الا
حرف واحد .
ونزل
الانجيل على أربعة أحرف – فحفظت جميعا .
فالانجيل
واحد بأربعة أحرف
بإختلاف الالفاظ وإتفاق المعانى
فليس فى تعد د نصوص الانجيل الواحد اى
شبهة على صحته – بل وجود أربع شهادات للوحى
الانجيلى تثبت
صحته .
وتلك
هى بعض المواقف الراهنة
(( للانجيل فى القرآن ))
والقواعد الصحيحة المنبثقة
من صميم شهادة القرآن للكتاب عامة والانجيل
خاصة , فى بناء الحوار الاسلامى المسيحى
الصحيح .