الشبهة الثانية : معنى الوفاة فى لغة القرآن
بسبب التعارض الظاهر بين آية النساء وسائر القرآن يجتهد القوم فى تفسير معنى الوفاة
على ثلاثة معان إلا الموت .
قال بعضهم : ان الوفاة فى لغة القرآن لا تعنى الموت بل وفاة النوم استنادا الى
آيتين , وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه الأنعام 60
الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها , فيمسك التى قضى عليها الموت
, ويرسل الآخرى الى آجل غير مسمى الزمر 42 – والقرآن على حد قولهم يأخذ الوفاة
بالمعن المجازى لا المعنى الحقيقى .
وفات هؤلاء ان القرآن يستعمل كلمة الوفاة بمعنى الموت الحقيقى نحو 25 مرة ولا يعدل
الى المعنى المجازى إلا لقرينة لفظية . كما فى الآيتين اللتين ذكروهما يتوفاكم
بالليل والتى لم تمت فى منامها .
الموت بمعناه الحقيقى كما فى :
وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم المائدة 120 والوفاة هنا عكس الحياة وهى تعنى الموت
الحقيقى .
خلقكم ثم يتوفاكم النحل 70 والوفاة عكس الولادة وهى تعنى الموت .
يتوفاكم ملاك الموت آلم السجدة 11 والقرينة الظاهرة تعنى الوت .
حتى يتوفاهن الموت النساء 14
والقرينة الظاهرة تعنى الوت .
والله يتوفى الأنفس حين موتها الزمر 42
والقرينة الظاهرة تعنى وفاة الوت .
ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأديارهم ! وذوقوا عذاب
الحريق الأنفال 51 والقرينة المعنوية هنا وفاة الموت .
فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذى يتوفاكم يونس 104 اى يقبض
أرواحكم الجلالان : والقرينة
المعنوية هنا وفاة الموت .
الذين تتوفاهم الملائكة ظالمين أنفسهم فألقوا السلم النحل 28 اى إنقادوا وإستسلموا
عند الموت الجلالان
المعنوية تعنى وفاة الموت .
الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون : سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون
النحل 32 اى يقولون لهم عند الموت الجلالان والقرينة المعنوية تعنى وفاة الموت .
وإما نرينك بعض الذى نعدهم أو
نتوفينك فإلينا مرجعهم يونس 46 : إن قرينة إلينا مرجعهم دليل على أن الوفاة بمعنى
الموت .
وان ما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب الرعد 42
: إن قرينة وعلينا الحساب دليل على وفاة الموت .
فاصبر ان وعد الله حق : وإما نرينك
بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون غافر 77 نتوفينك قبل ثعذيبهم
فإلينا يرجعون فنعذبهم أشد العذاب الجلالان : والقرائن اللفظية والمعنوية تعنى وفاة
الموت .
توفنى مسلما والحقنى بالصالحين يوسف 101 والقرينة الظاهرة تعنى وفاة الوت .
فآمنا بربنا
وأغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار آل عمران 93 اى أقبض أرواحنا
مع الصالحين الجلالان وقرينة مع الأبرار تعنى وفاة الموت .
قالوا : انا الى
ربنا منقلبون وما تنقم منا ( يا فرعون ) الا ان آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ! ربنا
أفرغ علبنا صبرا وتوفنا مسلمين الأعراف 125 والقرائن اللفظية والمعنوية تدل على
وفاة الموت .
يا أيها الناس إن
كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ..... ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم
ومنكم من يتوفى ومنكم من يُرد الى أرذل العمر الحج 5 قال الجلالان ومنكم من يتوفى
يموت قبل بلوغ الأشد والقرائن
اللفظية والمعنوية كلها تؤكد ان معنىالوفاة هو الموت .
والذين ُيتوفون
منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراَ البقرة 234 قال الجلالان :
يتوفون : يموتون
وهذا ما تدل عليه القرائن .
والذين يُتوفون
منكم ويذرون أزواجا , وصية لأزواجهم متاعاَ الى الحول البقرة 240 اى الى تمام الحول
من وتهم الواجب عليهن تربصه الجلالان كما تدل عليه القرائن .
تلك هى الآيات
التى ترد فيها الوفاة وها نحن نرى أنها فى كلها معنى الموت , إلا فى الآيتين
المذكورتين الأنعام 60 الزمر 42 لقرينة لفظية ظاهرة صريحة تحمل الوفاة من المعنى
الحقيقى الذى لها فى كل القرآن الى معنى مجازى .
وتفسير الوفاة
بمعنى النوم هو إفتراء على القرآن – حيث أن الآيات التى تذكر موت المسيح لا توجد اى قرينة لفظية أو معنوية تحولها من المعنى الحقيقى
الذى لها فى كل القرآن وفى آيات وفاة المسيح
الى معنى مجازى .
وقال بعضهم كما
ذهب إليه الزمخشرى والبيضاوى : ان الوفاة بمعنى الإستيفاء
من توفى الشئ وإستوفى الشئ اى أخذه كاملا .
قال البيضاوى إنى
متوفيك آل عمران 55 مستوفى أجلــــك ومؤخرك الى أجلـــك المسمى عاصما إياك من قتلهم
.. أو قابضك من الأرض من توفى ماله . أو متوفيك نائما إذ روى أنه رفع نائما أو
مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج لعالم الملكوت . وقيل أماته الله سبع ساعات ثم
رفعه الى السماء واليه ذهبت النصارى .
ينقل البيضاوى
خمسة تفاسير : ومنها معنى الوت الذى لامفر منه وأنت ترى التفاسير الأربعة الباقية
تمحلات على اللفظ لإستدراج المعنى الى ما يقصدون لا الى ما يعنيه ظاهر اللفظ وباطنه
.
والواقع القرآنى
لا يرد اسم الوفاة على الإطلاق بعنى الإستيفاء ولكن فعل وفّى وحده يرد بمعنى الوفاء
– وليس من قرينة لفظية أو معنوية فى آيات وفاة المسيح تعنى الإستيفاء أو الوفاء بل
كل القرائن اللفظية والمعنوية فيها تعنى وفاة الموت .
وقسر بعضهم وفاة
المسيح بمعنى النوم , إذ رفعه الله فى حالة نوم الى السماء – وقد رأينا ورود الوفاة
بالمعنى المجازى النوم والمنام فى موضعين فقط الأنعام 60 والزمر 42 وبقرينة لفظية
تحولها من المعنى الحقيقى الى المعنى المجازى ذلك من أصل 25 موضعا تعنى كلها وفاة
الموت وبالمعنى الحقيقي له
وما نقله
البيضاوى وغيره : رفع نائما لا أصل له فى الانجيل ولا فى القرآن . وتفسير الوفاة
بمعنى الموت فى موت المسيح تهريج لا تخريج والوفاة فى لغة القرآن تعنى الموت
الحقيقي كما تشهد به آيات القرآن كلها كما نقلناها .
وفى تفسير متوفيك
آل عمران 55 يقول الرازى : متوفيك : مميتك وهو مروى عن ابن عباس ومحمد بن اسحاق ؛
قالوا مع وهب : توفى ثلاث ساعات ثم رفع ؛ ومع محمد بن اسحاق : توفى سبع ساعات ثم
أحياه الله ورفعه – ونقل السيوطى فى الإتقان 116 متوفيك : مميتك .
ومن جمع آية النساء الى آية آل عمران يتضح أن المسيح مات ولم يشتبهوا فى موته ولم يمت أحد بدلا منه – وما نفى القتل والصلب فى آية النساء إلا لإثباته فى حقيقته وبحسب الإسلوب البيانى كما سنرى : نفى الشئ لإيجابه .