الشبهة الخامسة : آية النساء ُتكذب شبهة شائعة عن قتل المسيح
يقول فريق من علماء المسلمين : لم يقُتل أحد بدل المسيح بل هي إشاعة كاذبة أرجف بها
اليهود وصدقها قومهم , فكذبها القرآن فى آية النساء .
وهذا القول ينقض قصة الشبه التي اختلقها الفريق الآخر – والقول أن المسيح لم يقتل
ولم يمت بل هى إشاعة كاذبة أطلقها اليهود , هو قول ينقض صريح القرآن الذى يؤكد موت
المسيح قبل رفعه إلي السماء فى آيات مريم وآل عمران والمائدة .
ولا تجوز فرية علي شعوب مختلفة كالرومان واليهود والنصارى الذين يشهدون جميعهم موت
المسيح وقتله واستشهاده ولعدة مئات من السنين , حتى جاءت آية النساء تفتح جديدا في
التاريخ المتواتر إذا فهمها القوم حسب ما يشتهون – لكن فهم آية النساء حق فهمه
يبــــــــدد كل تلك الشبهـــــــــــــــات .
التفسير الصحيح لآية النساء في قتل المسيح
تعارض آية النساء مع سائر آيات القرآن بشأن آخرة المسيح تحملنا علي تدبر ظاهرها
ليضتح باطنها كما أمرنا القرآن : أفلا يتدبرون القرآن ؟ ولو كان من عند غير الله
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا النساء 81 قابل 47 : 24 , 23 : 69 , 38 : 29 – يزول
التعارض إذا ما تدبرنا هذه الآية المتشابهة في اسلوبها اللغوى والموضوعى والبيانى
والكلامى .
الأسلوب اللغوي : يقوم على معنى شُبه لهم أنهم قتلوه وصلبوه والتعبير شُبه لهم لا
يعنى كما رأينا إلقاء شبه المسيح علي
غيره وقتل هذا الغير المشبوه
. بل كما قال الزمخشري أفضل من فسر لغة القرآن وبيانه : خُيل إليهم والمعنى
توهموا ووهموا أنهم قتلوه وصلبوه واعتقدوا بموته بينما الحقيقة أن المسيح حي لأن
الله رفعه إليه .
الأسلوب الموضوعي : ما هي غاية القرآن في هذه الآية ؟ بما ان القرآن قبلها وبعدها
يؤكد موت المسيح ثم رفعه حيا للسماء فليس المقصود نفى القتل والصلب بل هو الرد علي
تبجح اليهود بقتله وافحامهم بتأكيد رفعه حيا الي الله .
قال البيضاوى : وقد ذمهم الله تعالي بما دل عليه الكلام من جرأتهم علي الله وقصدهم
قتل نبيه المؤيد بالمعجزات القاهرة الظاهرة وتبجحهم به !!
وما تشابه من قصد القرآن في آية النساء , يظهر في آية آل عمران : ومكروا (اليهود )
ومكر الله , والله خير الماكرين : إذ قال الله يا عيسي ابن مريم إني متوفيك ورافعك
إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين أتبعوك فوق الذين كفروا إلي يوم القيامة
54, 55 – فقد مكر اليهود لقتل المسيح والقضاء عليه نهائيا قضاءا مبرما فكان مكر
الله أكبر إذ توفاه ثم رفعه إليه .
ومن انسجام آية النساء وآية آل عمران في الموضوع الواحد يظهر جليا أن موضوع آية
النساء ليس نفي القتل والصلب بل الرد علي مكرهم بمكر الله الذي إذ رفع المسيح حيا
إلي السماء بعد قتله وصلبه ؛ وفوت عليهم مكرهم وقتلهم له . والمسيح حي خالد في
السماء مهما تبجح اليهود وقالوا بقتله وصلبه !!
وسباق التعابير في آية النساء يؤيد ما نذهب إليه : وأن الذين اختلفوا فيه لفي شك
منه : واليهود أنفسهم مختلفون في القضاء النهائي علي المسيح : ما لهم به من علم إلا
إتباع الظن : والذين منهم يؤكدون القضاء المبرم علي المسيح ليس لهم إلا الظنون وأن
بعض الظن إثم
وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه – وما قتلوه يقينا فقد رفعه الله إليه
وقتل اليهود له يصير معدوما ولا فرصة لهم فى ذلك بسبب وجود المسيح حيا عند الله
ولسان الحال
ما قتلوه وما صلبوه وما
تخلصوا منه – فالمسيح حي يشهد بفشل مكرهم ويشهد لقدرة الله عز وجل وحكمته : وكان
الله عزيزا حكيما فقد رفع المسيح إليه بعد موته .
الأسلوب البياني : على نوعان
المقابلة الصحيحة بين أمرين و قابلية الخصم بينهما خطأ – فيصدر أحدهما بأداة نفى لا
لنفى حقيقته بل لإظهار فضل الآخر على الأول : يقابل القرآن بين قتل المسيح وصلبه
وبين رفعه حيا إلي الله فيصدر القتل والصلب بشكل نفى لإثبات فضل رفع المسيح علي
مكرهم بقتله وصلبه ويؤيد ذلك بقوله وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه .
وهو اسلوب سامي عبري عربي متواتر في القرآن والكتاب : جاء في التوراة سفر تكوين 45
: 8 في خطاب يوسف لاخوته ليس أنتم ارساتموني إلي ههنا بل الله فهل ينكر يوسف قيام
اخوته ببيعه للتجار العابرين كلا بل يقابل بين قصدهم وعملهم وبين قصد وعمل الله
ليظهر فضل الله علي عمل العبد
وفي الأنبياء قول هوشع 6 :6 لا أريد ذبيحة بل رحمة – والله فرض عليهم الذبيحة وكيف
لا يريدها ؟ وإنما يقابل بين الذبيحة وبين الرحمة
فتصدر الذبيحة بشكل نفى والرحمة بشكل توكيد ليظهر فضل الرحمة علي الذبيحة .
وعلى غرار ذلك يقابل القرآن بين تبجح اليهود
بقتل المسيح وصلبه وبين إيمانه برفع المسيح حيا إلي السماء – فيصدر تبجحهم
بشكل نفي وإيمان القرآن برفع المسيح حيا إلي الله بشكل توكيد لإظهار فضل الله برفع
المسيح على مكر اليهود بقتله وصلبه
لا لإنكار قتله وصلبه وأسلوب المقابلة يتضح من قوله وما قتلوه يقينا بل رفعه
الله إليه .
وهناك أسلوب آخر : الإثبات في معرض النفي كالمدح في معرض القدح , حيث ظاهر الكلام
يكون قدحا وباطنه مدحا أو ظاهره نفيا وباطنه إثباتا .
ومع إيمان القرآن قبل وبعد آية النساء بموت المسيح ورفعه حيا إلي السماء وأمام تبجح
اليهود بقتل المسيح وصلبه – يرد القرآن عليهم بأسلوب النفي والإثبات
: فيظهر نفى ما يقولون ليعلن فضل إيمانه برفع المسيح حيا إلى السماء – ويكون
ظاهر الكلام نفيا وباطنه إثباتا : وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه
, فما قتلهم للمسيح قتلا بل إستشهادا لأن الله رفعه إليه
_ والقرآن في آية النساء انسجاما مع القرآن كله يثبت الموت بالقتل والصلب في معرض
النفي .
وهذا الأسلوب البياني يسمي أيضا : نفي الشيء لإثباته ..
الأسلوب الكلامي
يفضح التعارض الذي يخلقه ظاهر
آية النساء بين آي القرآن وأيضا بين الانجيل والقرآن وبين آية النساء وبين التاريخ
العام .
آية واحدة من آي القرآن الستة ظاهرها ينفي ما يثبته آي القرآن كله عن آخرة المسيح
من أنه مات قبل رفعه حيا إلي السماء ومن الخطل تفسير آى القرآن كله الصريح فى موت
المسيح ورفعه حيا بآية متشابهة .
ومن الخطأ تفسير الكل بالجزء ! والمنطق يقتضى تفسير الجزء بالكل , وتفسير متشابه
القرآن بمحكمه – وتفسير القوم آي القرآن في موت المسيح ورفعه علي ضوء ظاهر آية
النساء يخلق تفاسيرهم المتعارضة التي يظهر تهافتها علي ضوء الواقع القرآني .
وهذا الواقع القرآني يشهد بتعارض ظاهر آية النساء مع سائر آي القرآن في موت المسيح
_ والآحرى التدقيق بباطن آية النساء علي ضوء قرائنها وقرائن سائر الآيات لاتقاء
التناقض في تفسير القرآن _ وهذا ما فعلناه استنادا إلي الواقع القرآني كله .
والانجيل بأحرفه الأربعة مبنى علي قتل المسيح وصلبه وموته ورفعه إلي السماء _
ولماذا نخلق تعارضا بين الانجيل والقرآن , والمسيحية والإسلام , بتفسير مغرض لآية
متشابهة يوضح معناها سائر آي القرآن ؟
وبما أن القرآن ينقل ذكر وفاة المسيح ورفعه عن الذكر الحكيم في الانجيل آل
عمران 58 ويقول هذا ذكر من معي وذكر من قبلي الأنبياء 21
_ ويحيلنا مرارا غلي أهل الذكر للتثبت من صحة الذكر في القرآن : واسألوا أهل
الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر النحل 53 قابل الأنبياء 7 _ ومن التجني
علي القرآن خلق هذا التعارض بينه وبين الانجيل وهو منه براء
قل : كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب
الرعد 45 وعلم الكتاب يؤكد قتل المسيح وصلبه ثم موته ورفعه
والقرآن تفصيل للكتاب وتصديق له .
والتاريخ العام الذي تمثله الوثنية الرومانية واليهودية المجرمة في قتل المسيح ,
والمسيحية المؤمنة بقتله مدة ستماية سنة ونيف قبل القرآن والإسلام _ لا يطعن في
تواتر شهادتها بالإجماع قول آية متشابهة في ظاهرها .
يقول الرازى
: ولو أنكرنا ذلك لكـــــــان طعنـــــا فيما ثبت بالتواتر , والطعن في
التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسي وسائر الأنبياء . وهذا خبر لا يصح فيه
نســــــخ والخبر المتواتر في التاريخ العام لا تنقــضه آيـــة متشابهة وتفسيــر
لها مشبـــــــوه .
لهذا كله نري أن التفسير الصحيح لتعليم القرآن في آخرة المسيح هو ما يقيم الانسجام
بين آى القرآن , وبين الانجيل والقرآن , وبين التاريخ العام والقرآن .
لهذا كله وبناء علي الواقع القرآني نفسه _ نقول إن القرآن يعلِم تعليم الانجيل في
قتل المسيح وصلبه فمونه ورفعه .
وهذه هي القاعدة العاشرة في الحوار الإسلامي المسيحي