المبدأ العام

الانجيل والقرآن يدعوان الى الحوار

 

كل دعوة موجهة للناس هى بحد ذاتها دعوة للحوار , والانجيل والقرآن دعوة للناس _ فهما دعوة للحوار .

والقرآن نفسه  ينتسب دائما الى الكتاب وأهله  : (( فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لاتعلمون بالبينات والزبر )) النحل 43 -  44 , ويدعو نبيه نفسه لمحاورة اهل الكتاب : (( فان كنت فى شك مما أنزلنا اليك , فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك )) يونس 94  . وفى مثل هذه الاوامر ارشاد لنا وتحريض  وترغيب

فالقرآن والانجيل كذلك يدعوان الى الحوار .

 

 

اولا : الانجيل يدعو جميع الناس  الى الحوار

 

1- باختيار ميدان دعوته  بين بنى اسرائيل

 

ا جمع الانجيل بأحرفه الثلاثة , حرف متى ومرقس ولوقا , على ان دعوة يسوع المسيح بالانجيل كان ميدانها الاساسى فى الجليل : (( وبعد ما ألقى يوحنا المعمدان فى السجن , آتى يسوع الى الجليل يد عو بأنجيل الله .قال : لقد تم الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل )) مرقس 1: 14-  15  .

 

واختار السيد المسيح الجليل ميدان دعوته الاكبر لانه  ( جليل الامم )  حيث يمتزج المشركون باهل الكتاب , فيسمعون كلام الله من فمه . فيحقق التاريخ نبؤة اشعياء العظيم فى دعوة المسيح : (( ولما سمع يسوع ان يوحنا قد قبض عليه , انطلق الى الجليل . ثم ترك الناصرة وآتى فسكن كفر ناحوم على شاطئ البحر ... ليتم ما قيل فى اشعياء النبى  قال :

 

الشعب  الساكن   فى الظلمة    ابصر  نورا  عظيما  والمفيمون فى بقعة الموت وظله   اشرق عليهم النور

 

ومنذ ئذ   شرع  يسوع  يدعو   ويقول (( توبوا فقد اقترب ملكوت الله )) متى 3 : 12 -  15 .

فالنبوة والانجيل يسميان ميدان دعوة المسيح (( جليل الامم ))  فالامميون يسمعون الانجيل من يسوع نفسه مثل اهل الكتاب ,

 

2- المشركون يتبعون يسوع

 

هذه لوحة عامة عن حركة الدعوة : (( وكان يطوف الجليل كله يعلم فى جوامعهم , ويدعو بانجيل الملكوت , ويشفى كل مرض و كل ضعف فى الشعب . فذاع خبره فى سوريا كلها ... وتبعته جموع غفيرة من الجليل والمدن العشر واورشليم واليهودية وعبر الاردن ))  متى 10 : 23-  25

 

فهو يذكر بين اتباع المسيح جموعا من سوريا الكبرى كلها ويخص بالذكر (( المدن العشر )) وهى عشر مدن انشأها الاستعمار السورى والرومانى فى شرق الاردن مابين عمان ودمشق يستعمرها المشركون _  فالمشركون من المدن العشر يتبعون يسوع .

 

3-   رحلات يسوع الى ارض المشركين

 

يتوهم كثيرون ان السيد المسيح اقتصر دعوته على بنى اسرائيل . وفاتهم ان المشركين فى سوريا الكبرى وخصوصا فى المدن العشر اتوا الى يسوع يسمعون دعوته . وفاتهم ان يسوع نفسه قام باربع رحلات الى ارض المشركين للدعوة بالانجيل : رحلة اولى الى شرق بحيرة طبرية فى منطقة جرش (مرقس 4: 35 , 5: 43 )  رحلة ثانية الى نواحى صور وصيدا (مرقس 7: 24-  30 )  رحلة ثالثة ما بين المدن العشر الوثنية فى شرق الاردن  (7: 31 , 8 : 26 )  رحلة رابعة الى ارض المشركين فى منطقة بانياس وجبل الشيخ , حيث كشف لصحابته سر شخصيته وسر رسالته (مرقس 8 : 27 -  9 :30 )  فقد قسم يسوع دعوته بين اهل الكتاب والمشركين المجاورين شرقا وغربا جنوبا وشمالا . اما قول المسيح : (( لم ات الا للخراف الضالة من بنى اسرائيل _ فهو قول مخصوص _ بظرف مخصوص _ لمعنى مخصوص تدل عليه قرائن النص , فلا يصح فيه التعميم كما تدل احداث الانجيل وتلك الرحلات .

 

4-   المسيح يدعو لتأسيس ملكوت الله فى العالم كله

 

كان بنو اسرائيل يظنون ان المسيح يخصهم وحدهم , وان ملكوت الله الذى يؤسسه هو دولتهم القومية العالمية . فكشف لهم(( اسرار ملكوت السماوات ))  متى 13 : 11  بأمثال كاشفة من الادب الرفيع الذى عز نظيره فى الاداب والاديان  متى 13  كله .

 

ففى مثل الزؤان بين القمح , يرينا ان ابن البشر-  وهو لقب يسوع فى الانجيل-  يزرع فى العالم قمحا جيدا , لكن عدو الله ابليس يندس ويزرع بينه زؤانا ويفسر هذه الاستعارة التمثيلية بقوله (( الذى يزرع الزرع الجيد هو ابن البشر اى يسوع , والحقل هو العالم  والزرع الجيد هم بنو الملكوت _ والزؤان هم بنو الشرير (اى ابليس ) والعدو الذى زرعه هو الشيطان والحصاد هو منتهى الدهر والحصا دون هم الملائكة فكما ان الزؤان يجمع ويحرق فى النار كذلك يكون فى منتهى الدهر  متى 13 : 24- 30 

ان حقل الدعوة المسيحية هو العالم كله.

 

فالدعوة الانجيلية موجهة للعالم أ جمع وان قامت بين بنى اسرائيل . فالمسيح يدعو لتأسيس ملكوت الله فى العالم كله .

 

5-   صحابة المسيح بامر منه سيشهدون بالانجيل للمشركين كلهم

 

اقنصر يسوع تدريب صحابته بالرسالة على بنى اسرائيل ( متى 10: 5 )  لكنه اخبرهم بما ينتظرهم عندما سيرسلهم الى العالم كله ينقلون دعوته بين اهل الكتاب فى مهاجرهم  وبين الامميين فى مواطنهم :

 (( احذروا من الناس ! فانهم سيسلمونكم الى المحافل (الوثنية) ويجلدونكم فى مجامعهم (اليهودية)!

وستسافرون الى الولاة والملوك من اجلى لتشهدوا امامهم وامام الوثنيين ( متى 10 : 17 )

 

فدعوة المسيح موجهة من اصلها الى المشركين ايضا فى العالم كله .

 

6-   المسيح يربط الشهادة العالمية لدعوته باستشهاده

 

قبل استشهاده _ وكل دعوة سماوية تتم فى الاستشهاد على انواع _ يعلن يسوع للجماهير المحتشدة فى الهيكل , للحج الاكبر فى فصحهم معنى استشهاده فى دعوته  (( الان دينونة هذا العالم ! الان رئيس هذا العالم (ابليس) يلقى خارجا ! وانا متى رفعت عن الارض اجتذبت الي  الجميع -  قال يسوع هذا ليدل على اى ميتة كان مزمعا ان يموتها (يوحنا 12 : 31- 32)  يربط السيد المسيح الشرك والكفر فى العالم بعمل ابليس . ويعلن ان استشهاده دينونة للعالم الكافر ونهاية لسلطان ابليس عليه . لذلك يكون استشهاده  شهادة تجتذب العالم الى الايمان .

 

واول من اعترض على صلب المسيح لما تنبأ لهم عنه كان اليهود انفسهم , (( فاجابه الجمع : لقد علمنا من الشريعة ان المسيح يحيا الى الابد : فكيف تقول انت : ينبغى ان يرفع ( يصلب ) ابن البشر؟ من هو هذا ابن البشر ؟ . فقال لهم يسوع : ان النور معكم الى حين... فمادام النور معكم فآمنوا بالنور لتكونوا ابناء النور ))  ( يوحنا 12 : 34- 36 ) .

 

ان سر صلب المسيح نور , يكشفه المسيح النور لان الاستشهاد اعظم شهادة للدعوة , وشها د ة الد م لاترد : وانا متى ارتفعت عن الارض ( بالصلب ) اجتذبت الي الجميع )) _  فالاعتراض على صلب المسيح سير فى الظلام , لا سلوك فى النور . لان المسيح يربط الشهادة العالمية الفاعلة لدعوته_ باستشها ده

 

7-   بعثة رسل المسيح بالانجيل الى العالم كله

 

بعد قيامته من الموت والقبر وقبل ارتفاعه حيا الى السماء (( دنا يسوع منهم وكلمهم . قال : لقد اوتيت كل سلطان فى السماء وعلى الارض , فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم ... وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر ))  خاتمة متى .

 

وفى حرف مرقس نقرأ (( ثم قال لهم : اذهبوا فى العالم أجمع وأدعوا بالانجيل الخليقة كلها , فمن آمن وأعتمد خلص ومن لا يؤمن يهلك ))

 

(( وهاهى ذى المعجزات التى تشهد للمؤمنين : بأسمى يخرجون الشياطين ! وبالسنة جديدة ينطقون !

والحيات بايديهم يأحذون ! واذا شربوا سما قاتلا فلا يتضررون ! ويضعون ايديهم على المرضى فيبرئون ! ))

 

(( ومن بعد ما كلمهم الرب يسوع ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله ))     (( واما هم فخرجوا ودعوا

                    فى كل مكان , والرب يؤازرهم  ويؤيد الدعوة  بالمعجزات التى   تصحبها ))     خاتمة مرقس

 

وهكذا بعد ان سلم يسوع صحابته الانجيل ودربهم على الرسالة بين بنى اسرائيل واعطى دعوته شهادة الدم , المعجزة الكبرى التى لاترد , بعثهم فى العالم أ جمع يدعون بالانجيل الخليقة كلها ,

 

فالانجيل يدعوا جميع الناس الى الحوار

 

ولوقا تابع الصحابة وتتبع الانجيل بسيرة رسل المسيح فى دعوتهم وفى سفر أعمال الرسل يرينا كيف اكتسحت المسيحية فى ظرف عشرين سنة العالم الاسرائيلى والسورى واليونانى والرومانى لا نه تحقق ذلك بنفسه واشترك فيه . ولم يذكر شيئا عن دعوة رسل المسيح فى العوالم الشرقية والا فريقية , لانها لم يطلع عليها بنفسه . بل ذكرها جملة فى انتشار الرسل الحواريين فى العالمين . وفى مطلع تاريخه يذكر سر نجاح دعوتهم بتأييد الروح القدس لهم وقد أرسله عليهم المسيح نفسه من السماء فملاهم قوة ونورا

فآتى العالم الى طاعة الايمان بسلطان الكلمة والمعجزة وبالروح القدس وبكمال اليقين (افسس 1: 5 

(( والله يؤيد شهادتهم بالآيات والخوارق وانواع المعجزات وبتوزيع مواهب الروح القدس على حسب مشيئته (عب 2: 4 )

 

فتمت على يد جماعة من الامميين _ ما عدا بولس_ معجزة انتشار المسيحية فى العالم بأمر المسيح نفسه وفد وصفها الاديب الكبير العقاد بقوله :

 

وبعد فمن الحق ان نقول : ان معجزة المسيح الكبرى هى هذه المعجزة التاريخية التى بقيت على الزمن : رجل ينشأ فى بيت نجار فى قرية خاملة بين شعب مقهور _ يفتح بالكلمة دولا تضيع فى اضوائها دولة الرومان ! ولاينفضى عليه من الزمن فى انجاز هذه الفتوح ما قضاه الجبابرة فى ضم اقليم واحد قد يخضع الى حين ثم يتمرد ويخلع النير ولا يخضع كما خضع الناس للكلمة بالقلوب والاجسام (حياة محمد 197 )

الصفحة الرئيسية