ثانيا : القرآن يدعو اهل الكتاب خصوصا الى الحوار

 

القرآن دعوة عامة للمشركين العرب الى الايمان بالتوحيد الكتابى دين ابراهيم وموسى وعيسى , الذى شرعه للعرب [الشورى 13 ] وهذه هى الوحدة الجذرية بين اهل القرآن واهل الكتاب.

 

القرآن دعوة خاصة لاهل الكتاب الى الحوار

 

(( ان هذا القرآن يقص على بنى اسرائيل اكثر الذى هم فيه يختلفون )) [النمل 76 ] اهل الكتاب هم اليهود والنصارى _  ففيم هم يختلفون ؟؟؟

 

أليس خلافهم فى المسيح وأمه اللذين جعلهما الله (( آية للعالمين )) ؟ فالقرآن يدعو اهل الكتاب من اليهود الى الايمان بالمسيح : (( وقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل , وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس : أفكلما جاءكم رسول بما لاتهوى انفسكم  استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقل تقتلون ))  ! [ البقرة87 ].

 

والقرآن يدعو ايضا اهل الكتاب من المسيحيين للكف عن الغلو فى شأن المسيح : (( يا اهل الكناب , لاتغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق  ! انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم , وروح منه )) [ النساء 170 ] _   فالقرآن دعوة خاصة لاهل الكتاب الى الحوار

 

الحوار هو الجدال بالتى هى احسن مع أهل الانجيل

 

يحدد القرآن الحوار بأنه الجدال بالتى هى أحسن _  ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى احسن [ النحل 125 ]

 

لكن هذا الجدال بالحسنى هو مخصوص باهل الانجيل  من دون اليهود من اهل الكتاب , الذين ظلموا بكفرهم بالمسيح وبمحمد (( النبى الامى الذى يؤمن بالله وكلمته ))    [الاعراف 157 ]

(( ولاتجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن- الا الذين ظلموا منهم-  وقولوا : آمنا بالذى انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون ))   [العنكبوت 46 ]

فهو يجيز الجدال مع اليهود بغير الحسنى  لآنهم ظلموا فلعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم [المائدة 81 ]  _  لكن القرآن لايجيز الجدال مع اهل الانجيل الا بالحسنى . وهذا الجدال بالحسنى مع اهل الانجيل هو الامر للمسلمين بالقول بوحدة التنزيل  ووحدة الاله  ووحدة الاسلام فيما بينهم وبين اهل الانجيل .

 

القرآن يشهد مع اهل الانجيل المقسطين بالاسلام

 

الاسلام قائم قبل القرآن بنص القرآن القاطع (هو سماكم المسلمين من قبل وفى هذا) القرآن [الحج 78 ]

والنصارى يعلنون لمحمد عند دعوتهم للايمان (( انا كنا من قبله مسلمين ))  [القصص 53 ] _ انهم مسلمون منذ اعلان الحواريين , صحابة المسيح , اسلامهم لما سأل عيسى : (( من أنصارى الى الله ؟ قال الحواريون : نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد باننا مسلمون ))  [ آل عمران 52  ]

 

والقرآن نفسه يشهد بالاسلام بشهادتهم نفسها (( شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط , لا اله الا هو العزيز الحكيم ان الدين عند الله الاسلام )) [ آل عمران 18 ] _ سنرى ان القرآن يراد ف بين اهل الكتاب و اهل الذكر  وأولى العلم  ويقسمهم الى فريقين :   اليهود    الظالمين

[العنكبوت 46 ] , والنصارى المقسطين . فهؤلاء النصارى المقسطين هم الذين يشهدون مع الله وملائكته (( ان الدين عند الله الاسلام ))   والقرآن يشهد بشهادتهم .

 

القرآن مع اولئك النصارى أمة واحدة

 

يختم القرآن ذكر أنبياء الكتاب بقوله : (( والتى أحصنت فرجها , فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين : ان هذه أمتكم أمة واحدة وان ربكم فأعبدون ))  [ الانبياء91 ]  فالذين يؤمنون بالمسيح وامه آية للعالمين هم اهل القرآن واهل الانجيل .

 

انهم (( امة واحدة )) مع انبياء الله منذ نوح الى ابن مريم , والقرآن يختم ذكرهم بقوله : (( وجعلنا ابن مريم وامه اية !  وآويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين : يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا انى بما تعملون عليم . وان هذه امتكم امة واحدة, وانا ربكم فأتقون ))   [ المؤمنون 51-  53  ]

 

فالايمان بالمسيح وأمه _  بعد التوحيد الكتابى الواحد _  هو الذى يجعل اهل القرآن واهل الانجيل فى عرف القرآن نفسه , امة واحدة .

 

الامم الثلاث الكتابية فى عرف القرآن

 

ان القرآن صريح كل الصراحة فى التمييز بين اليهود والنصارى من اهل الكتاب وفى طريقة الحوار بالحسنى مع كل فريق . فهو بعد ان يذكر أمة محمد بأنها ( خير أمة أخرجت للناس )  [آل عمران 10 ]

ويذكر اليهود بأنهم ضربت عليهم الذلة والمسكنة لانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء بغير وجه حق  [ آل عمران 111 ]   ,  يقول فى النصارى : (( ليسوا سواء : من اهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء اليل وهم يسجدون , يؤمنون بالله واليوم الاخر , ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات. وأولئك من الصالحين وما يفعلوه من خير فلن يكفروه . والله عليم بالمتقين ))

[آل عمران 113 , 114 ]  فالصالحون من اهل الكتاب هم فالايمان والاحسان جماعة واحدة مع المتقين من العرب الذين آمنوا بالدعوة القرآنية . فهم فى الاسلام أمة واحدة .

 

تكفيرات القرآن لاهل الكتاب مخصوصة لايصح تعميمها

 

عندما يقول القرآن : (( ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البرية )) [ البينة 6]   فالتكفير للمشركين مطلق بينما هو مخصوص بحق اهل الكتاب كما يتضح من حرف التبعيض : (( الذين كفروا من اهل الكتاب ))  فهو يقصد اليهود من دون النصارى

_  لان القرآن فى سورة المائدة وهى من أواخر السور نزولا ان لم تكن الاخيرة , يعلن أشتراك اليهود والمشركين فى الكفر بالدعوة القرآنية وعداوة المسلمين , بينما يعلن ايمان النصارى ومودتهم : (( لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ! ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا اللذين قالوا : انا نصارى !  ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون. واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون : ربنا آمنا فأكتبنا مع الشاهدين ! )) [ المائدة 84- 86 ] .

هذه شهادة    صريحة بإيمان النصارى  (( بما عرفوا من الحق ))   فى الدعوة القرآنية .

 

لذلك فتكفيرات القرآن لبعض النصارى القائلين (( بالثلاثة ))  [ النساء 170 ]  او بأن (( الله هو المسيح, عيسى ابن مريم )) [ النساء 19 و 75 ]  هى تكفيرات مخصوصة بفئات منهم , كفرتها المسيحية من قبل القرآن .

 

فهو لايأخذ على اهل الانجيل الا الغلو فى شأن المسيح : (( يا أهل الكتاب , لاتغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق : انما المسيح عيسى ابن مريم , رسول الله , وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه )) [ النساء 170 ]

 

وهذا الاعلان لايمان القرآن بالمسيح هو موضوع الحوار بين أهل القرآن وأهل الانجيل .

 

الشهادة الواحدة الجامعة لاهل القرآن وأهل الانجيل

 

انهم متفقون جميعا على هذه الشهادة الواحدة الجامعة :

 (( أشهد أن لااله الا الله , وأن المسيح عيسى ابن مريم , رسول الله , وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه ))

 

انهم يتفقون جميعا على حرف هذه الشهادة ويختلفون فى تأويلها والخلاف فى التأويل كان قائما بين ((النصارى )) والمسيحيين فى عهد ((الفترة ))  بين المسيح ومحمد .

 

ولما جاء وفد نجران المسيحى _ وهم من أهل الغلو فى شأن المسيح  _  وكان أعظم الوفود وأخطرها ليفاوض النبى العربى فى نبوة المسيح من الله , كان ختام الحوار معهم بالحسنى , قول القرآن : ((قل :يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم : ألا نعبد الا الله , ولا نشرك به شيئا , ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله ! فان تولوا , فقولوا : اشهدوا بانا مسلمون )) [ آل عمران 64 ]

 

فالكلمة السواء بين اهل القرآن واهل الانجيل تنحصر فى تأويل تلك الشهادة الواحدة الجامعة . التى يتفقون جميعهم على حرفها .

 

والخلاف بين اهل الانجيل واهل القرآن على تأويل تلك الشهادة الواحدة الجامعة , لا يمنع أنهم  أمة واحدة فى اصل الاسلام وبنص القرآن القاطع : (( وقولوا : آمنا بالذى أنزل الينا والذى أنزل اليكم , والهنا والهكم واحد , ونحن له مسلمون )) [ العنكبوت 46 ] اى الاله واحد والتنزيل واحد والاسلام واحد بين أهل القرآن وأهل الانجيل .

 

والدعوة القرآنية لاهل الانجيل (( الى كلمة سواء )) والامر بجدالهم (( بالتى هى أحسن ))

هو الحوار بعينه والمفروض بنص الفرآن نفسه .

 

وبما ان الانجيل والفرآن يدعوان معا الى الحوار وأقرب الحوار ما قام بين اهل الانجيل واهل القرآن ذلك لأنهم أمة واحدة   في اصل الإسلام القرآني الكتابي .

 فما على المسيحيين والمسلمين جميعا الا أقامة هذا الحوار لا بلغة الماضي بل  بالتي هي أحسن  

.

 

وهذه الصفة القرآنية للحوار الاسلامى المسيحى المطلوب والمفروض معا   هي الشرط الأساسي للحوار الصحيح فيما بينهم .. وعليه كل حوار ليس  بالتي هي أحسن من كلا الطرفين     هو حوار فاشل وغير صحيح .

الصفحة الرئيسية