ثانيا تعابير متشابهة عن مصدر القران العربي
هناك أربعة تعابير متشابهة عن مصدر القران العربي ، لا ترفع الابهام والغموض في معنى تنزيله .
تعبير أول : ( فلا ! اقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم انه لقران كريم، في كتاب مكنون
لا يمسه الا المطهرون ، تنزيل من رب العالمين ) الواقعة 75-80 . ان القران الكريم هو في كتاب مكنون
ولكن أين هو هذا (الكتاب المكنون) ؟ يقول: ( لا يمسه الا المطهرون)
والطهارة في لغة القران تتعلق بجسد الإنسان اكثر من قلبه والله يحب المطهرين التوبة 109 ويحب المتطهرين ) البقرة 222 فالتعبير ليس كناية عن الملائكة ، بل عن البشر المتطهرين ، المطهرين . وقوله : تنزيل من رب العالمين
يدل على ان ( الكتاب المكنون) قد نزل وليس بعد في السماء إنما هو على الأرض لكن لا يمسه إلا المطهرون .
تعبير ثان : بل هو قران مجيد، في لوح محفوظ البروج 21-22.
هاتان الآيتان هما ختام حديث طويل عن أهل الأخدود ، شهداء نجران النصارى وختام حديث مقتضب يقتصر
على الإشارة: هل أتاك حديث الجنود ، فرعون وثمود. فكفر أهل مكة بالحديثين : بل الذين كفروا في تكذيب
حينئذ يرد عليهم بقوله : والله من ورائهم محيط ثم بقوله : بل هو قران مجيد في لوح محفوظ . فسياق
الحديث كله انه لا يصح لأهل مكة التكذيب به لانه ( في لوح محفوظ) هذا الاستشهاد بمصدر الحديث برهان
على ان اللوح المحفوظ الذي يحويه هو على الأرض لانه لا يعقل أن يحيلهم إلى لوح محفوظ في السماء
لا سبيل لهم اليه. وليس من قرينة في الآية ، ولا في السورة كلها ، تدل على ان هذا اللوح محفوظ في السماء .
تعبير ثالث : لكل اجل كتاب ، يمحو الله ما يشاء ويثبت ؛ وعنده ام الكتاب الرعد 40-41 .
قالوا : ( أم الكتاب : اصله الذي لا يتغير منه شيء، وهو ما كتبه في الأزل ( الجلالان) .
هذا تعريف متناقض : ففي الأزل ، قبل الخلق ، ليس الله بحاجة ان يكتب لذاته، وليس من خلق ليكتب لهم .
وهب ان الله عنده لوح محفوظ هو ام الكتاب الذي ينزل منه على خلقه: فكيف يمحو الله منه ما يشاء ويثبت في
كل اجل عند تنزيل الكتاب؟ هل يبدأ الله ويعيد؟ فليس عنده ام الكتاب في السماء منذ الأزل لان قوله : يمحو الله ما يشاء ويثبت من الكتاب بحسب كل اجل دليل على كتاب على الأرض لا على كتاب في السماء منذ الأزل، لان ما كتبه الله في
الأزل لا يتغير منه شيء : لذلك فان ( ام الكتاب ) أي اصله الذي بموجبه ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) هو قابل
للتبديل والنسخ ، والمحو الإثبات وهذا لا يصح الا في كتاب الله الذي على الأرض . فلا صلة لام الكتاب
بالسماء ولا بالأزل لان هذا يقول بقديمين : الله وكتابه الأزلي.
هذا ما يتضح من قوله أيضا : حم والكتاب المبين : إنا جعلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون وانه في أم الكتاب لدينا
لعلي حكيم الزخرف 1-4 .يقسم على طريقة أهل الكتاب بالكتاب المبين انه جعله قرانا عربيا فالقران العربي ( مجعول ) ؛ والكتاب المبين قد جعل قرانا عربيا . وبما ان القران العربي ( تصديق الذي بين يديه) قبله وتفصيل الكتاب
يونس 37 فالكتاب المبين الذي جعل قرانا عربيا هو الذي بين يديه أي قبله وفي قوله : وانه في ام الكتاب لدينا
لعلي حكيم ، إن لفظ لدينا قد يكون في السماء ، او على الأرض، فلا يقطع بمعنى كان وجوده.
فالتصريح لا يعني الا انه جعل الكتاب المبين الذي عند أهل الكتاب قرانا عربيا .ولئلا يطالب بإبراز
( ام الكتاب ) استدرك فقال : ( انه لدينا، لعلي حكيم) ، مثل قوله : ( في لوح محفوظ) ، ومثل قوله :
(لا يمسه إلا المطهرون) أي انه لا يحل للمشركين ان يلمسوه .
ولما أحرجوه قال ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) ان (مثل) القران عند اهل الكتاب ، لا في السماء .
تعبير رابع : كلا ! انها تذكرة ، فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة
عبس 11-16. في هذا الوصف التصريح بالقران واصله انه ذكر من الصحف المكرمة يقابله قوله :
( وان هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى )لأعلى 18-19
ويؤكده قوله : او لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى : فان الصحف المكرمة هي التي بين أيدي أهل الكتاب ، (مرفوعة ) عن الناس ( مطهرة) من المشركين ، او من غير المتطهرين من الكتابيين .
وهو جواب لهم : ( بل يريد كل امرئ ان يؤتى صحفا منشرة ! – كلا ، بل لا يخافون الآخرة ! كلا ، انه تذكرة
فمن شاء ذكره ) المدثر 53-55
فهو يجيب بأن ( الصحف ) المذكورة التي ينقل عنها الذكر هي ( مرفوعة مطهرة) هذا جواب للمشركين .
وجوابه لليهود الكتابيين المطالبين ( بالبينة : رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ، فيها كتب قيمة ) فيجيب :
( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب (اليهود) إلا من بعد ما جاءتهم البينة) البينة 1-4 .
فمحمد يتلو صحفا مطهرة، فيها كتب قيمة والقران العربي تذكرة منها ودليل ثالث من اسم السفرة : فهو نقل
كل اجل عند تنزيل الكتاب؟ هل يبدأ الله ويعيد؟ فليس عنده ام الكتاب في السماء منذ الأزل p; سوفريم أي كتبة الكتاب ومهنتهم المقدسة تجعلهم كراما بررة .
القران العربي تذكرة من الصحف المكرمة المرفوعة عن تداول العامة المطهرة من مس غير المطهرين
وهي موجودة بأيدي سفرة بررة . فلا شيء من تلك الأوصاف كلها يوحي بأنها في السماء منذ الأزل .
ان القران العربي تذكرة من الكتاب الموجود عند أهل الكتاب.
ويقطع غموض تلك التعابير الأربعة تصريحه : وشهد شاهدا من بني إسرائيل على مثله ألاحقاف 10: فمثل
القران هو عند بني إسرائيل( النصارى) لان اليهود من بني إسرائيل هم مع المشركين شر البرية البينة 1
فلا يستشهد بهم .
وغموض تلك التعابير المتشابهة ينجلي من تصاريحه الصريحة فى أصل القرآن العربي
فيه .