ثالثا : التصاريح القرآنية عن مصدر القران العربي
التصريح الأول : ان القران من ( الصحف الأولى ) .
انه تصريح ثلاثي ، لا يدع مجالا للشك في مصدره ان هذا القران لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم
وموسى الأعلى 18-19 او لم يتنبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفيّ النجم 37-38 او لم تأتهم بينة
ما في الصحف الأولى طه133. ان واقع نسبة القران العربي للصحف الأولى هو نبأ عن ذلك وهو بينة عليه .
وهذا التصريح الثلاثي يأتي في سورة النجم 37-38 بعد وصف رؤيا ملاك الوحي في نزلتين ، مما يدل على
ان القران العربي وحي من الصحف الأولى يؤيده قوله : ( هذا نذير من النذر الأولى) النجم 56.
فالقران العربي هو ( من الصحف الأولى ) ( من النذر الأولى)
التصريح الثاني : تنزيل رب العالمين هو في زبر الأولين .
التصريح الضخم الذي يعلن ان تنزيل رب العالمين في القران هو من زبر الأولين : ( وانه لتنزيل رب العالمين
نزل به الروح الأمين ، بلسان عربي مبين ، على قلبك لتكون من المنذرين وانه لفي زبر الأولين : او لم يكن
لهم آية ان يعلمه علماء بني إسرائيل) ؟ الشعراء 193-197.
بمقارنة هذا النص بتصريح (الشورى 52) يتضح ان الله أرسل إلى محمد روحا من أمره يصفه بالروح الامين
تمييزا عن غيره ، فخاطبه بلسان عربيا مبين ، وأمره بالايمان بالكتاب الذي جعله نورا يهدي به من يشاء من عباده
وهذا الأمر بالايمان بالكتاب هو تنزيل رب العالمين على قلبك لتكون من المنذرين والتنزيل الذي ينذر به هو في زبر الأولين .
ويستشهد
على ان القران العربي في زبر الأولين
بشهادة ( علماء بني إسرائيل ) أي
أولى العلم قائما بالقسط
وهم النصارى من بني إسرائيل ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون الأعراف 158 قابل الصف
14 . فشهادة هؤلاء النصارى بان تنزيل رب العالمين في القران العربي هو من زبر الأولين أي كتبهم
كالتوراة والإنجيل هي آيه لهم على صحة دعوة محمد بالقران العربي.
وهم يستطيعون ان يشهدوا على مطابقة القران العربي للمثل الذي عندهم ، بين أيديهم ؛ لا لكتاب في السماء
ما من سبيل لهم للوصول اليه .
فالقران العربي ينقل للعرب تنزيل رب العالمين من زبر الأولين كما أمره الروح الأمين بلسان عربي مبين .
هذا مصدره ومصدر تنزيله.
التصريح الثالث : إمامة الكتاب للقران العربي
التصريح مزدوج في إمامة الكتاب للقران العربي : ومن قبله كتاب موسى إمام ورحمة : وهذا كتاب مصدق لسانا
عربيا الأحقاف 12 . ومن قبله أيضا الكتاب المنير الذي يجادل المشركين بعلمه وهداه لقمان 20 فاطر 25 الحج
إن إمامة الكتاب التوراة والإنجيل للقران العربي كاملة فلا يختلف عنه إلا باللسان العربي .
ويقتصر دور القران العربي على التصديق لسانا عربيا : هذه هي حاله فالكتاب الذي عند أهل الكتاب هو
مصدر القران : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله الأحقاف 10.
التصريح الرابع: أشراف أئمة الكتاب على تعريبه بالقران .
يقول : ولقد آتينا موسى الكتاب : فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لنبي إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون
بأمرنا السجدة 23-24.
ان الله جعل الكتاب هدى لبني إسرائيل وجعل منهم أئمة يهدون بأمره تعالى الى هدى الكتاب فما على محمد ان
يشك في لقائه الكتاب بواسطتهم .
وهؤلاء الأئمة هم ( الراسخون في العلم ) من ( اولي العلم قائما بالقسط ) أي النصارى من بني إسرائيل
الأعراف 158 والصف 14.
فهؤلاء الأئمة النصارى هم الذين يشرفون على لقاء محمد بالكتاب ، وعلى نقل الكتاب الى القران العربي :
( وانه لتنزيل رب العالمين …. وانه لفي زبر الأولين : او لم تن لهم آية ان يعلمه علماء بني إسرائيل )
الشعراء 193 فالشهادات متواترة مؤتلفة ويدل على أشراف أئمة النصارى على نقل الكتاب إلى القران
العربي تصريحه بأن القران نفسه هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم العنكبوت 47 وتصريحه بأن
(الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) الأنعام 20 البقرة 146 أي معرفة أبوية مصدرية .
تصريح خامس : مرادفات التنزيل تفسر معناه
رأينا أن تعبير التنزيل في لغة القران من متشابهاته فلا يقطع بمعنى محدود.
والان نرى ان مرادفاته لا تساعد على تحديد معناه .
1) التنزيل هو تيسير القران للعرب :
( ولقد يسرنا القران للذكر ، فهل من مذكر) القمر 17 و23 و32 و40) . فهو تيسير عربي لذلك الكتاب :
( فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين، وتنذر قوما ) مريم 97 فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون الدخان 58
لاحظ دقة التعبير يسرناه بلسانك .
2) التنزيل هو تصريف الآيات في القران للعرب :
ولقد صرفناه بينهم ليذكروا الفرقان 50. لقد صرفه وصرف فيه : ولقد صرفنا في هذا القران ليذكروا
الإسراء 41 .
وصرف فيه من كل مثل : ولقد صرفنا في هذا القران للناس من كل مثل الكهف 55.
وبيانه بالأمثال لم يحملهم على الهداية : ولقد صرفنا في هذا القران للناس من كل مثل ، فأبى اكثر الناس الا
كفورا الإسراء 89 كما صرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون او يحدث لهم ذكرا طه 113 . فالتعريف دليل
المقدرة البيانية ولا يحمل معنى التنزيل : ( وكذلك نصرف الآيات ) الأنعام 105 الأعراف 57 . التصريف في
البيان والتبيين ولا يقطع بمعنى الوحي والتنزيل : انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدقون الأنعام 46 .
3) التنزيل هو تبيين آيات الله للعرب :
( يبين الله لكم الآيات ) البقرة 219 و266 النور 18 و 58 و61 ( يبين الله لكم آياته ) البقرة 242 ال عمران
103 مائدة 92 نور 59
والتبيين يتعلق بلسان القوم اكثر منه بالتنزيل : ( وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم ) إبراهيم 4 .
وموضوع هذا البيان نوعان الأول : ( وما أنزلنا عليك الكتاب الا لتبيين لهم ما اختلفوا فيه ) النحل 64 والثاني
( وأنزلنا إليك الذكر لتبيين للناس ما انزل إليهم ، ولعلهم يتفكرون) النحل 44.
فالقران هو بيان الكتاب الذي انزل إليهم واختلفوا فيه إلى يهود ونصارى (النمل 76) .
وهو أيضا بيان للعرب : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ) النساء 25 .
فالقران هو تبيان الكتاب المنزل قبله ، بلسان محمد ، ولسان قومه
4) التنزيل هو ( تفصيل الكتاب) المنزل من قبل :
( وما كان هذا القران ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه قبله وتفصيل الكتاب ، لا ريب فيه
من رب العالمين ) يونس 37. وهو يفصل جملة وتفصيلا : وكذلك تفصل الآيات أنعام 55 أعراف 31 و 173
يونس 24 الروم 28 فالصلة القائمة بين الكتاب والقران هي صلة التنزيل في الكتاب بتفصيله في القران :
تنزيل من الرحمان الرحيم ، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا أي عربت فصلت 2-3
فالتنزيل ( كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن خبير حكيم ) هود 1 .
فالتفصيل في لغة القران يعني التعريب : ولو جعلناه قرانا أعجميا لقالوا : لولا فصلت آياته فصلت 44 .
وهذا هو القول الفصل في معنى التنزيل في القران : انه تفصيل الكتاب أي تعريب الكتاب بحسب المثل الأحقاف
فقوله : ( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا ) النحل 113 يعني : ( انا جعلناه قرآنا عربيا ) الزخرف 2-3 .
فالقرآن العربي هو نقل الكتاب المنزل قبله الى العربية بالتيسير والتصريف والتبيين والتفصيل أي بالتعريب؛ وقوله المتواتر أنزلناه يعني ( جعلناه ) . هذا هو تنزيل القران بلغته واصطلاحه .
التصريح السادس: واسطة الهداية والبعثة وواسطة القران.
في القران العربي ظاهرتان متقاربتان ، لكنهما تختلفان معنى ومضمونا.
الأولى يصرح فيها : ( انا أنزلناه في ليلية القدر ) القدر1 انا أنزلناه في ليلة مباركة ….. أمرا من عندنا، انا كنا
مرسلين الدخان 1-5 شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس البقرة 185 . هنا يظهر ان القران نزل
جملة واحدة .
ويصرح أيضا : ( قرانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) الإسراء 106 أي نزلناه مفرقا في
عشرين سنه او وثلاث لتقرأه على الناس على مكث مهل وتؤدة ليفهموه وانزلناه تنزيلا شيئا بعد شيء على
حسب المصالح (الجلالان) . يؤيد ذلك رده على الكفار : ( وقال الذين كفروا : لولا نزل عليه القران جملة واحدة
كذلك لنثبت يه فؤادك ، ورتلناه ترتيلا الفرقان 32 أي نزلناه ( كذلك) مفرقا لنثبت به فؤادك ( أي نقوي قلبك )
ورتلناه ترتيلا ( أتينا به شيئا بعد شيء بتمهل وتؤدة لتيسير فهمه وحفظه ) الجلالان.
وهنا يظهر ان القران نزل منجما ، مفرقا مدى عشرين سنة وثلاث.
لتفسير تلك الظاهرة القرآنية الغريبة المتعارضة طلعوا بنظرية تقول نزول القران جملة واحدة ، ليلة القدر ،
من شهر رمضان ، الى بيت العزة ، في السماء الدنيا ؛ ثم نجمه جبريل على محمد مدة عشرين سنة وثلاث .
انها نظرية متعارضة في ذاتها ولا أساس لها في القران وهي تكثر من الوسائط في تنزيل القران مما يعطل
أعجازه في التنزيل.
والجواب الصحيح هو في سورة الدخان : ( انا أنزلناه في ليلة مباركة ….. أمرا من عندنا ) الدخان 1-5
فالذي نزل الى محمد ليلة القدر من شهر رمضان هو الأمر بالايمان بالكتاب (الشورى 52) . وهذا ما يصرح به
مرارا ، كقوله : ( وأمرت ان أكون من المسلمين ، وان أتلو القران ) معهم النمل 91 .
هناك موقفان متباينان : ظهور ملاك في رؤيا غار حراء لمحمد يأمره بالايمان بالكتاب والدعوة له بين العرب
ثم تفصيل الكتاب أي تعريبه بلسان قومه لكي يفهموه . والواسطة تختلف بين الموقفين .
وهذه هي الظاهرة الثانية : يعلن بتواتر قل نزله روح القدس من ربك بالحق النحل 102 نزل به الروح الامين
بلسان عربي مبين، على قلبك لتكون من المنذرين الشعراء 194-195 قول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش
مكين ، مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون لقد رآه بالأفق المبين ، وما هو على الغيب بضنين التكوير
19-24 وانه لقول رسول كريم ، ما هو بشاعر ! … ولا بقول كاهن ! ) الحاقة 40-42.
ففي هذه كلها ، الرسول الكريم ، الروح الامين ، هو الملاك الذي أتاه في رؤيا غار حراء يأمره بالايمان بالكتاب
الشورى 52 ، والدعوة له الشورى15 .
وهو غير الذي يتلقى القران عنه : ( وانك لتلقي القران من لدن حكيم عليم) النمل 6 .
يتضح معناها من قوله : ( كتاب أحكمت آياته ، ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) هود1. فقد تم تفصيل الكتاب )
أي تعريبه ، بواسطة خبير حكيم، غير الروح الامين الذي رآه في غار حراء. ويتضح السر بالتصريح التالي .
وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله .
يتحدى لاثبات صحته وأعجازه ( بحديث مثله ) الطور 34 لا يأتون بمثله الإسراء 88 ( فأتوا بعشر سور
مثله) هود 12 فأتوا بسورة مثله يونس 38 بل ( بسورة من مثله) البقرة 23.
ولكن هذا التحدي بمثله ساقط لان مثله موجود قبله : ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) الأحقاف 10 .
وفي وجود هذا المثل قبل القران العربي سره ، كما يظهر أيضا من تصريحه : ( أفمن كان على بينه من ربه
ويتلوه شاهد منه ، ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر من به الأحزاب فالنار
موعده : فلا تكن في مرية منه انه الحق من ربك ولكن اكثر الناس لا يؤمنون) هود 17 .
لقد تضاربت أراء المفسرين في فهم الآية لغموض الضمائر . والقرائن العديدة تشير بأنه يقسم الناس في
موقفهم من القرآن إلى أهل الكتاب الذين يؤمنون به لأنهم على بينة من ربهم , وإلى الأحزاب الذين يكفرون
به وهم من اليهود والمشركين . فما على محمد أن يكون في مرية منه في شك وريبة لأنه يتلوه شاهد منه
ومن قبله كتاب موسي إماما ورحمة .
قيل : الشاهد هو جبريل أو الملك أو على قول الشيعة علي ابن ابي طالب . والأصح هو فهم قوله : ويتلوه
شاهد منه تعالى وذلك على ضوء قوله : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله .... ومن قبله كتاب موسى
إماما ورحمة , وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا الأحقاف 10 , 12 وهكذا يفسر القرآن بعضه بعضا حيث
الموقف واحد والشاهد واحد .
قال البيضاوي : وقرئ كتاب بالنصب , عطفا على الضمير في يتلوه أي يتلو القرآن شاهد ممن كان على
بينة دالة على أنه حق كقوله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ويقرأ من فبل القرآن كتاب التوراة
إماما أي كتابا مؤتمنا به في الدين .
وهكذا إن مثل القرآن موجود عند بني إسرائيل النصارى وهذا المثـــل هو القرآن الذي يذكره القرآن العربي
ويتلوه شاهد من بني إسرائيل النصارى على محمد , فما عليه أن يكون في مرية منه . وذلك مثل قوله : فلا
تكن في مرية من لقائه السجدة 24 : أنه يلقى الكتاب نفسه بواسطة هذا المثل الذي يتلوه الشاهد الإسرائيلي
النصراني . وهذا الشاهد هو الحكيم العليم الذي يتلقى محمد منه القرآن النمل 6 وهو الحكيم الخبير الذي
يقوم بتفصيله قرآنا عربيا هود 1
{ كون الشاهد نصرانيا لا يدل على أنه غير عربي : لأن ورقة ابن نوفل استاذ محمد كان قس النصارى في
مكة . لذلك فقوله : لسان الذي يلحدون إليه أعجمي, وهذا لسان عربي مبين النحل 103
لا ينطبق على الشاهد النصراني ؛ إنما يقصد شخصا آخــــــر }
فذاك المثل الذي يتلوه الشاهد الإسرائيلي النصراني هو القرآن - قرآن الكتاب الإمام والكتاب المنير والذي
يفصله القرآن العربي للعرب . وسر القرآن العربي هو ذاك المثل الذي هو القرآن .