سادسا : المسيح وحده علمُ وعِلمْ الساعة
هذا أيضا دور فريد للمسيح فى القرآن يدل على سمو رسالته وعلى سمو شخصيته
وسيرجع المسيح ثانية الى الأرض لقيام الساعة .
وهو وحده بين الأنبياء والأولياء له دور فى قيام الساعة الزخرف 61 قال
الجلالان : وانه عيسي لعِلْم الساعة تعُلم بنزوله .
وعِلم الساعة من خصائص الله عز وجل : وأن الله عنده علم الساعة لقمان 24
وهنا يظهر أنه يشرك المسيح فى علم الساعة .
قال البيضاوى : وأنه لعلْم للساعة لأن حدوثها ونزوله من أشراط الساعة ويعُلم
به دنوها وقرئ لعَلمُ اى أنه العلامة .
والمسيح عَلمُ للساعة اى علامة كما فسره الزمخشرى والبيضاوى
فقد جعل الله رجوع المسيح فى اليوم الآخرعلامة لحضور الساعة . وأنه لعلم
للساعة اى شرط من أشراطها يُعلم بها , فسمى الشرط علماً لحصول العلم به . وقرأ ابن
عباس لعلمْ وهو العلامة .
نلاحظ أنهم فى تفسيرهم يميلون الى قراءة لعْلمُ بمعنى شرطها ؛ ولا يستنبطون
معنى القراءة الفضلى لعلْم _ وقول القرآن ان المسيح علْم للساعة يجعله يعلمها كما
يعلمها الله .
ففى المعنى لعلمُ يكون المسيح برجوعه علامة لقيام الساعة . وهذا دور فريد لا
يعطيه القرآن إلا للمسيح وحده من دون المرسلين أجمعين ؛ وفى هذا المعنى برهان سمو
رسالته على الرسالات كلها : فهى الخاتمة فى يوم الدين نفسه .
وفى المعنى لعِلْم يشترك المسيح مع الله فى علم الساعة الذى هو من غيب الله
وحده . فلا يطلع على غيب الله إلا المسيح وحده من دون المخلوقين أجمعين وفى هذا
المعنى برهان سمو شخصية المسيح على خلق الله كلهم .
وقد نقلوا فى الحديث عن النبى هذه الأقوال :
يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا{ الثعلبى : عرائس المجالس 403 }
ولا مهدى إلا عيسي ابن مريم فى يوم الدين { ابن ماجة : السنن 2: 275 }
ولن يخزى الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها { الترمذى : نوادر الاصول 156
وفى صيغة آخرى : وعيسي ابن مريم آخرها }
وعن ابى هريرة : ألا أن ابن مريم , ليس بينى وبينه نبى ولا رسول ألا أنه
خليفتى فى أمتى من بعدى { السيوطى : الاعلام بحكم عيسي }
بحسب هذين الحديثين الآخرين , سيد أمة محمد فى آخر الزمان هو المسيح نفسه .
وكما يدعو القرآن مع التوحيد , للمسيح كذلك ستكون أمة محمد أمة للمسيح قبل يوم
الدين .
يدرس الاسلام كما ُيدرس وشي الثوب ... ويسرى على كتاب الله القرآن فى ليلة
فلا يبقى فى الأرض منه آية { الهندى : منتخب كنز العمال 6 :11 , ابن ماجه : السنن 2
: 259 , الشعرانى : مختصر تذكرة الامام القرطبى 170 }
لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث جاء { الهندى : منتخب كنز العمال 6 :
15 }
بدء الاسلام غريبا وسيعود كما بدء عن ابى هريرة وأنس ابن مالك { ابن ماجة :
السنن 2 : 248- 249 , الشعرانى : الكتاب نفسه 179 , الحلبى : إنسان العيون 2 : 77 }
ليس بينى وبين عيسي نبى وذلك من قبل ومن بعد .
ان المسيح ابن مريم خارج يوم القيامة , وليستغن به الناس عن سواه { ابن حنبل
: المسند 2 : 240 , 272 , 493 , 538 والهندى : منتخب كنز العمال 6 : 55- 57 }
نتسائل بحسب هذه الحاديث النبوية هل يُدرس القرآن والاسلام القرآنى قبل يوم
الدين , فلا يبقى إلا المسيح ودينه , فتتبعه أمة محمد أيضا ؟
وقد استنبط الصوفية من ميزة المسيح هذه أقوالا تدل على دور المسيح فى تاريخ
البشرية والنبوة .
قال ابن العربى : وأنه سيد الاولياء { ابن العربى : عنقاء مغرب 76 }
وله فى الفتوحات المكية 4 : 215 : فالختم ختمان : ختم واحد فى العالم يختم
الله به الولاية المحمدية فلا يكون فىالأولياء المحمديين أكبر منه . ومن ثم ختم آخر
يختم به الله الولاية العامة من آدم الى آخر ولى : وهو عيسي عليه السلام ؛ وهو ختم
الاولياء .
والمسيح هو سيد الأولياء وختم الأولياء .
وابن العربى يرى فى المسيح ختم الولاية وختم الملك وختم النبوة { الفتوحات
المكية 2 : 55 }
قال الختم ختمان : ختم يختم به الله الولاية المطلقة , وختم يختم به الولاية
المحمدية { ختم الولاية المحمدية هو ابن العربى نفسه }
وأما ختم الولاية على الإطلاق فهو عيسي عليه السلام : وهو الولى بالنبوة
المطلقة . فينزل فى آخر الزمان وارثا خاتما و لا ولى بعده بنبوة مطلقة كما أن محمدا
خاتمة النبوة لا نبوة تشريع بعده وكان اول هذا الامر نبى وهو آدم وآخره نبى وهو
عيسي – وهو عليه السلام من هذا الوجه خاتم الأنبياء فجمع الله له بين ختم الولاية
والنبوة وهذه ميزة للمسيح وحده على الرسل أجمعين .
وقال فى الفتوحات المكية 3 : 568- 569 وأما خاتمية عيسي عليه السلام فله
ختام دورة الملك وهو آخر رسول يظهر ويظهر بصورة آدم فى نشئه ... ثم أن عيسي اذا نزل
الى الأرض فى آخر الزمان , أعطاه الله ختم الولاية الكبرى من آدم الى آخر نبى ومن
ثم فله ختم دورة الملك وختم الولاية العامة فهو من الخواتم فى العالم .
والمسيح عند الصوفية المسلمين وإمامهم ابن عربى هو ختم وختام الولاية وختم
وختام الملك وختم وختام النبوة والرسالة .
فالمسيح هو سيد الملوك وسيد الأولياء وسيد الأنبياء _ وإذا كان محمد خاتم
النبيين نسبيا فالمسيح هو خاتمة الأنبياء على الإطلاق كما هو خاتم الأولياء على
الإطلاق .
هذا هو دور المسيح عِلما وعّلماً للساعة