ثانيا : نزول كلمــــة الله في المسيح 

القاعدة العشرون في الحوار الإسلامي المسيحي 

الانجيل هو تنزيل كلام الله على لسان كلمة الله المسيح 

أما المسيح نفسه فهو نزول كلمة الله في عيسى ابن مريم 

وفي فاتحة الانجيل حرف يوحنا وهي آخر صفحة من صفحات الوحي الانجيلي  نرى كيف يسوع المسيح هو كلمة الله  وما هي منزلة  كلمة الله من ذات الله : 

في الأزل كان الكلمة والكلمة كان في الله 

والله كان الكلمة فهو منذ الأزل في الله 

والكلمة صار بشرا  وسكن في  ما بيننا 

وقد شاهدنا مجده  مجد الآب في ابنه الوحيد 

وهو الممتلئ حقيقة ونعمة  ومن ملئه أخذنا نعمة فوق نعمة 

إن الشريعة نزلت بموسى  وبيسوع المسيح الحقيقة والنعمة 

إن الله لم يره أحد قط إلا الإله الإبن الوحيد 

إنه قائم في حضن الآب وهو نفسه قد أظهره 

 الأسم في لغة الكتاب والانجيل  دليل الذات 

ويسوع المسيح هو كلمة الله  وقد فسر الوحي الانجيلي معنى هذا الأسم الذي يكشف عن ذات المسيح .

إن كلمة الله هو كلام الله في ذاته ونطقه الذاتي والكلمة كان في الله ونطق الله في ذاته قديم في الله مثل ذاته فهو منذ الأزل في الله . والنطق الذاتي والذات نفسها واحد في الله  والله كان الكلمة .

وكلمة الله نطق الله الذاتي يصدر من ذات الله  في ذات الله صدورا ذاتيا منطقيا - يسمى في لغة المخلوق ولادة ينبثق عنها أبوة وبنوة لكنها في الله هي ولادة روحية عقلية نطقية ذاتية تسمو على المخلوق ولا تمت للمخلوق بصلة .

لذلك فكلمة الله في ذات الله  بمنزلة الابن الوحيد من ذات الله حيث هي بنوة إلهية ذاتية روحية نطقية ولا يضيرها إذا سميت بلغة المخلوق  ولادة و أبوة و بنوة .

والكلمة صار بشرا أى كلمته ألقاها إلى مريم : ويعنى هذا بلغة الكلام تأنس كلمة الله في عيسى وتجسده من مريم فلم يتحول كلمة الله إلي بشر كلا وحاشا وهذا مستحيل . ولم يصر البشر  عيسى ابن مريم كلمة الله فهذا تأليه  وهو يستحيل على المخلوق .

إنما تأنس كلمة الله من مريم في عيسى كما تتأنس روحنا في جسدنا من أمنا مع وجود الفارق الجوهري أن روح الانسان  مخلوق  وان كلمة الله هو روح منه تعال ألقاه إلى مريم .

فصار كلمة الله يسوع المسيح ابن مريم  وكان يسوع ابن مريم كلمة الله ذات واحدة في شخصية ثنائية .

وهذه الثنائية في شخصية المسيح هي واقع إنجيلي وواقع قرآني معا ولا مجال لمرية في ذلك  .

قال الزمخشري : ولدت مريم من غير مسيس وعيسى روح من الله ألقي إليها المؤمنون 51 

فهو روح ملائكي يتجسد لا روح بشري يولد . وقال الرازي : كان المعنى روح من الأرواح الشريفة القدسية العالية  تفسيره على النساء 170 وهو يفسر روح منه بمعنى ملاك من المقربين ومن يقول بتأنس ملاك في عيسى أليس أصح له أن يقول بتأنس كلمة الله الذاتية  من مريم ؟ 

هذا ما يقول به علم الكلام المسيحي عن الانجيل لتفسير تلك الثنائية في شخصية المسيح وبحسب الواقع الانجيلي : أقنوم واحد في طبيعتين الإلهية والإنسانية  اللاهوت والناسوت .

ولا ينطبق على هذه العقيدة تكفير القرآن : كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم المائدة 17 و 75 

لذلك يحمل السيد المسيح كلمة الله المتأنس مجد الآب في ابنه الوحيد فقد ظهر المسيح ممتلئا حقيقة ونعمة ومن إمتلائه أخذنا كلنا نعمة على نعمة فقد نزل بيسوع المسيح الحقيقة والنعمة

فكلام الله بواسطة كلمة الله هو النعمة والحقيقة على الاطلاق الحقيقة التي تكشف لنا سر الله في ذاته وهذا فوق سلطان النبوة والكتاب وهذه النعمة تؤتينا السلطان أن نكون أبناء الله في الابن الوحيد هو بالبنوة الذاتية أما نحن بالتبني على مثاله وهذا فوق طاقة المخلوق .

وبما أن المسيح في ذاته السامية هو كلمة الله ونطقه الذاتي  فبظهوره بشرا من مريم يكون قد أظهر الله  نفسه لنا في ذاته وهذا هو الكشف الذاتي لسر الله وهو فوق طاقة المخلوق .

وبما أن الله لم يره أحد قط إلا الابن الوحيد القائم في حضن الآب  فبكلامه يكشف لنا كشفا - لا وحيا فقط أو تنزيل-  بل سر الله وهذا الكشف المنزل هو فوق طاقة النبوة والكتاب .

ففي إلقاء كلمة الله إلينا بمريم روحا منه تعالى النساء 170 وفي تأنس كلمة الله بشرا سكن في ما بيننا يوحنا 1 : 14 بلغ التنزيل الإلهي كل مــــــداه حتى الكشف المنزل والكشف الذاتي : ففيه صار تنزيل كلام الله  نزول كلمة الله لقد تجسم التنزيل الإلهي في المسيح فصار شخصا منزلا هو كلمة الله عينه .

ففي المسيح كلام الله هو كلمة الله عينه وكلمة الله هو كلام الله نفسه وبمعنى آخر في المسيح تم نزول كلمة الله الذاتية والمنزلة معا .

والتنزيل المسيحي هو شخص منزل أكثر مما هو كلاما منزلا .

وهذا هو معنى نزول كلمة الله في المسيح بحسب الانجيل 

وتلك هي القاعدة العشرون في الحوار الإسلامي المسيحي 

فختام الوحي الانجيلي هو إعلان المسيح كلمة الله وذروة الوحي القرآني بعد التوحيد الكتابي هو أيضا إعلان المسيح كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه  .

ونري حرف الإيمان واحد في المسيح كلمة الله بين الانجيل والقرآن وهذا الإعلان الجامع المشترك لشخصية المسيح هو محور الحوار الواجب الوجود بين المسيحية والإسلام .

وبما أن الكتاب إمام القرآن هود 17 الأحقاف 12 والقرآن يعلم الكتاب المنير وهداه ويجادل به الناس لقمان 20 الحج 9 وعلى النبي العربي نفسه أن يقتدي بهدى الكتاب وأهله الأنعام 90  وعند الشك مما أوحي إليه أن يسأل الذين يقرآون الكتاب من قبله يونس 94 

وجب علينا أن نسترشد في مشتبه القرآن وفي تأويل معنى الأسم الكريم كلمة الله بهدى الكتاب وأهله عملا بأمره اسألوا أهل الذكر ..... النحل 43 الأنبياء 7 فالقرآن نفسه آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم العنكبوت 49 من أهل الكتاب والذكر الحكيم بينما أهل القرآن في سر الروح - وكلمة الله هو روح منه تعالى - ما أوتيتم من العلم إلا قليلا الاسراء 85 

وفي حقيقة الانجيل والقرآن أن المسيح من حيث هو كلمته وروح منه أسمى من بشر أنه من عالم الروح المطلق .

وحول هذا الجامع المشترك والمحور الرئيسي قد جمعنا القواعد العشرين في سبيل الحوار الإسلامي المسيحي .

وهي إجتهاد مؤمن بالأمة الواحدة الأنبياء 92 المؤمنون 53 : وإذا أصاب فله آجران أجر الإيمان و أجر الإجتهاد وإن أخطأ فله أجر الإيمان ولا يُكفـــــر مؤمن مخلص في إجتهاده : وعلى الله قصد السبيل النحل 9 وقل ربي زدني علما طه 144

خاتمة

والمدخل إلى الحوار الإسلامي المسيحي هو هذه الشهادة الجامعة بين أهل الانجيل وأهل القرآن :

أشهد أن لا إله إلا الله وأن المسيح عيسى ابن مريم رسول الله - وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه  النساء 170 

أجل يُجمع المسلمون والمسيحيون على حرف الشهادة لكنهم قد يختلفون في تأويله .

ولا يصح تأويل كلمة الله بمعزل عن مرادفه روح منه لأن كلمة الله ليس كلام الله أو أمر الله إنما هو روح منه  فهو ذات .

إن كلمة الله من حيث هو روح منه هو حديثه النفساني نطقه الذاتي الذي لا ينفصل عن ذاته . وكلمة الله الذاتية في نظر المسلمين والمسيحيين على السواء كما نقل الرازي على آل عمران 39 هي صفة قديمة قائمة في ذات الله .

وفصل الخطاب :

أن تلك الشهادة الجامعة بين أهل الانجيل وأهل القرآن هى المدخل إلى الحوار الإسلامي المسيحي

الصفحة الرئيسية