القرآن و المسيحية
ما هو موقف القرآن الحقيقي من المسيحية ؟
يكفّر المسيحية كما نعرفها منذ عصره إلى عصرنا وهو براء من ذلك
الظاهرة الاولى
أن القرآن لا يذكر على الاطلاق اسم مسيحيين
إنما يعرف النصارى فنتج عن هذا الواقع الترادف بين اسم نصارى واسم
مسيحيين وهو
بخلاف الواقع التاريخي في عهد الفترة ما بين الانجيل والقرآن كما أثبتنـــاه في
كتابنا القرآن دعوة نصرانية
والظاهرة
المتشابهة أن القرآن يذكر النصارى ما بين الثناء المحبّب والحملة عليهم يقول ومن
الذين قالوا انا نصارى أخذنا
ميثاقهم
فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلي يوم القيامة المائدة
14 ويقول ولتجدن أقربهم مودة
للذين آمنوا
الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون وإذا سمعوا
ما انزل إلي الرسول ترى
أعينهم تفيض
من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون:
ربنا آمنا
فاكتبنا مع الشاهدين000 فأثابهم ربهم بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين
فيها وذلك جزاء المحسنين المائدة 85- 88
في أسلوب القرآن بالتخصيص في معرض التعميم أو التعميم في
معرض التخصيص فيتمسك الغافلون بظاهر الحرف فيتشابه عليهم المعنى مثال ذلك قوله ولو
أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم المائدة 65
فظاهره يشمل جميع أهل الكتاب مع انه يقرر وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما
أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه لا يشترون بآيات اللّه ثمنا قليلا أولئك
لهم أجرهم عند أن الله سريع الحساب آل عمران 199
ويقول : قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله و الله شهيد على
ما تعملون ؟ قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجآ وأنتم
شهداء وما الله بغافل عما تعملون آل عمران 88-89 مع انه يصرح للحال : ليسوا
سواء: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون : يؤمنون
باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات
وأولئك من الصالحين آل عمران 113-114 أليست هذه الأمة الكتابية على الإسلام
الصحيح ؟
ونرى التعريف بها كاملا في الأعراف 158 ، الصف 14 فأسلوب
التعبير قد يوهم أحيانا التكفير بخلاف ما تواتر من تمييز في التقرير
أن اللّه هو المسيح ابن مريم المائدة
19 و 75 لقد كفر الذين قالوا : أن الله ثالث ثلاثة المائدة 76
ولا تقولوا : ثلاثة انتهوا
خيرا لكم إنما اللّه اله واحد النساء 170
فظاهر
التعبير يوهم أنه تكفير للمسيحية جمعاء في عقيدة التثليث وعقيدة إلهية المسيح من
حيث هو كلمته وروح منه تعالى وعليه القوم إلى اليوم مع أن حرف التكفير مع أسباب
النزول تشير صراحة بخلاف ما يتوهمون : انها تكفيرات عقب بها القرآن على مجادلة وفد
نجران وفى إجماع المفسرين أن وفد نجران كان على البدعة اليعقوبية التي حرمتها
المسيحية الرسمية سنة 51 في المجمع المسكوني الخلقيدونى فجدال القرآن كله مع
المسيحية محصور ببدعة مسيحية
مع ذلك فهم يطلقون على المسيحية
جمعاء ما جاء في القرآن بحق بدعة حرمت الكنيسة المسيحية مقالتها قبل تكفير القرآن
لها
وهذا منتهى الظلم بحق القرآن
وحق المسيحية على السواء فتاريخ السيرة النبوية وواقع الدعوة القرآنية يشهدان:
أولا بأن " القرآن دعوة نصرانية " لا مسيحية كما في كتابنا القرآن دعوة نصرانية
فكل ما في القرآن من ثناء ووحدة في الدعوة ينتمي إلى تلك الأمة
النصرانية التي كانت قائمة في عهد الفترة ما بين الانجيل والقرآن و ذابت في الإسلام
ثانيا بأن
الدعوة القرآنية لم تتصل في جميع أدوارها إلا بأهل البدعة اليعقوبية فى المسيحية
من الحبشة إلى وفد نجران إلى أهل مؤتة و تبوك من مشارف الشام فكل ما جاء في
القرآن كله مع تكفيره للمقالات الأربع يقتصر على تلك البدعة في المسيحية ولا
ينطبق إلا عليها
ثالثا فتاريخ
السيرة النبوية وواقع الدعوة القرآنية هما خير شاهد على أنهما لم يتصلا
بالمسيحية الرسمية إطلاقا لا في الجزيرة ولا خارجها ليس إذن في القرآن من موقف
سلبي جحودي للمسيحية انه لا يخاطبها ولا يذكرها إلا في آية الروم لذلك فكل
ما في القرآن بشأن المسيحية يقتصر على بدعة ولا يشمل المسيحية الرسمية كلها هذا
هو موقف القرآن الحقيقي من المسيحية الذي ندرسه في هذا الكتاب وهو الناحية الثانية
في سبيل الحوار الإسلامي المسيحي
تنويه الناحية الأولى : كانت تحيد ماهية الإسلام
والدعوة القرآنية له وكتابنا السابق أوضح أن القرآن دعوة نصرانية مع التمييز
الواجب بين النصرانية وبين المسيحية والنصرانية قوميا في بني إسرائيل ودينيا لا
تؤمن بإلهية المسيح بينما المسيحية في جميع فرقها قامت بين الأمميين وتؤمن بالمسيح
ابن الله براءة 31
على تاريخ الحوار بين الإسلام والمسيحية قامت شبهه مزدوجة أفسدته في
أصله وفى تطوره الشبهة الأولى أن الحوار القائم في القرآن بين الإسلام والمسيحية
حوار محصور مع بدعة مسيحية يمثلها وفد نجران إلى النبي وجماعة الراهب أبى عامر في
المدينة وأهل مؤتة وتبوك في مشارف الشام وحوار مع بدعة مسيحية لا يمثل المسيحية
الرسمية على الاطلاق فالحوار القرآني معها مفقود لا وجود له في القرآن
والشبهة الثانية التي أفسدت الحوار التاريخي حتى اليوم فجعلته جدالا وقتالا هي
ظروف نشأته التاريخية : فقد نشأ الحوار الفعلي بل الصراع العملي بين الإسلام
والمسيحية في ظروف الفتح الإسلامي لديار المسيحية فتأثر بها التأثر السئ الذي
عانينا منه اليوم
لقد بدأ الحوار بل الصراع بين الإسلام والمسيحية لا مع وفد
نجران إلى النبى ، فى عام الوفود 631م بل فى زمن فتح الشام مع مدرسة يحي الدمشقي
التي كانت سبب نشأة الكلام الإسلامي على غرارها فكان صراعا في الكلام لا حوارا
في الايمان ودام الحال على ذلك المنوال إلى الآن
فهذا الحوار التاريخي كان فاسدا في روحه وغايته من ظروف نشأته وكان
ناقصا في أسلوبه يعتمد النظريات الكلامية والفلسفية في صراع الملتين وأهل الانجيل
وأهل القرآن هم أهل الكتاب فلا يصح حوار فيما بينهم إلا على أساس الكتابين و بالتي
هي أحسن بحسب أمر القرآن العنكبوت 46 وعلى أساس البحث الاستقرائي لا البرهان
النظرى
هذا هو الأسلوب الجديد الذي نعتمده
بدروسنا في سبيل الحوار الإسلامي المسيحي وهو فتح جديد لا نظن على حدّ علمنا
أن أحدا سبقنا إليه عبر التاريخ
فقبل الجدال الذي قام بين الملتين يجب استنطاق القرآن لمعرفة موقفه الحقيقي من المسيحية الرسمية لا من أهل بدعة في المسيحية لجأت إلى الجزيرة العربية أما هربا من دين الدولة و أما سعيا وراء دعوة وكان خطأ الحوار من الجانبين حتى اليوم بتطبيق أحكام القرآن في بدعة على المسيحية الرسمية جمعاء ،مع اختلافها إلى بروتستانتية و أرثوذكسية وكاثوليكية قد تختلف في الفروع وتأتلف في الأصول فآن لنا أن ننتقل من الجدال في الكلام إلى الحوار في الايمان لنعرف أن المسيحية والإسلام ملتان من أمة واحدة الأنبياء 91 المؤمنون 53 على دين واحد وشهادة واحدة للّه وللمسيح مهما اختلف التأويل لحرف التنزيل
تنويه : الخلاف بين الأرثوذوكسية
والكاثوليكية هو في محوره خلاف على الخلافة والخلاف بينهما وبين البروتستانتية على
الكتاب والسنة تقول البروتستانتية بالكتاب من دون السنة وهو الخلاف نفسه القائم في
الإسلام بين السنة والشيعة والخوارج
فما هو موقف القرآن من المسيحية؟
ففى معرفته على حقيقته الصراط المستقيم الى الحوار القويم بين الإسلام والمسيحية