النفس والروح فى القرآن
رسالتى هذه قد تكون طويلة بعض الشئ ، وأرجو لمن سيقرأها أن يتروى فى إبداء رأيه ، وأن يعود إلى آيات القرآن الكريم آية آية وردت فيها كلمة نفس أو مشتاقتها ، وهى حوالى 297 آية . المسألة كما يظهر من العنوان عاليه ، هو سرد أمور تتعلق بالنفس والروح تتبعتها فى قراءاتى مضيفا إليها بعض الإجتهادات التى تحتاج إلى مناقشة ولو أن غالبيتها لها مراجع من أقوال القدماء كابن القيم والقرطبى ، مع بعض التعديل ، علما بأنى بهذا لا أزكى نفسى أبدا ولكنى أريد التوصل للمفهوم الصحيح .
أولا : يقول الدكتور أمين الخولى ومن بعده الدكتورة بنت الشاطئ عليهما وآخرون ، أنه لا يرد فى القرآن كلمة بلفظ مختلف تكون مرادفة لكلمة أخرى، فكل كلمة تحوى معنا خاصا بها ، وقد يشتبه الأمر لوجود شئ من الترابط بينهما ، وذلك كالنفس والروح مثلا التى نحن بصددهما . فقد اختلط الأمر على كثيرين يطلقون على النفس معنى الروح ، والعجيب أن كلمة نفس ومشتقاتها قد بلغ ما يقرب من 297 مرة فى القرآن ، وبتدبرها جميعا دون اعتماد لأقوال مسبقة ، يستنتج المرء ، أن النفس هي الجسد الحى فسيولوجيا متعلقة به الروح، فإذا قبضت الروح وانتقض الجسد كان الموت ، أما إذا قبضت الروح وظل الجسد حيا كان النوم كما هو واضح فى سورة الزمر الآية رقم 42 "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها ، فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون" . فعناصر هذه الآية هى : 1 – الوفاة 2 – الموت 3 – النوم 4 – الإمساك 5 – الإرسال والإنسان يتكون من جسد وروح ، وفى الدعاء الذى ذكره لنا رسول الله حينما نستيقظ ، "الحمد لله الذى رد على روحى وأذن لى بذكره" ، وكذلك حديث الرسول واضح حينما أعرس المسلمين ونام بلال فلم يوقظهم ، وهنا قال عليه الصلاة والسلام ما معناه أن الله يقبض الأرواح حين يشاء ويردها للأجسام حين يشاء . ومن هذا القبيل فحديث الرسول الذى يفيد بأن الروح لا تنفخ فى الجنين إلا بعد أربعة أشهر ، فهل مشروع الإنسان الجديد يعتبر ميتا أثناء هذه الأشهر الأربعة ؟ أم أن الحياة تدب فيه من ساعة أن ينزل الماء – ماء الرجل – على بييضة المرأة الهامدة لكى تهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج . بمعنى أن هناك حياة فسيولوجية بدون وجود الروح فيها .
فإذا قبضت الروح وانتقض الجسد فسيلوجيا كان الموت ، أما إذا قبضت الروح ولم ينتقض الجسد كان النوم ، فإذا أمسكت الروح أثناء النوم مات النائم فى فراشه ، وإذا أرسلت إلى أجل مسمى استيقظ من نومه . نستنتج من كل هذا أن النفس شئ والروح شئ ، ولكن لما كانت الروح متعلقة بالنفس فهنا كان الخلط ، وأصبح القول الدراج "طلعت روحه" لمن يموت ، يقال فقط على الميت ، بالرغم من أنه ينطبق أيضا على النائم . هذا المفهوم ليس جديدا فقد قال به كثيرون . ولكنى أود الإنتقال إلى أن هذا المفهوم لم يتضح تماما إلا بعد أن وجدت المعاجم التى جمعت كل ما ورد من آيات عن النفس ومشتقاتها ، ولذلك نجد هذا الخلط فى كثير من كتب الأقدمين ككتاب الروح لابن القيم مثلا . إذا اعتمدت صحة هذا الفهم ، فأود العودة إلى ثلاث آيات بالذات وردت فى كتاب الله الكريم .
الأولى : فى سورة الأنعام رقم 93 "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شئ ، ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ، ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ، اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن ءاياته تستكبرون" صدق الله العظيم .
الثانية : فى سورة الأعراف رقم 122 "وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ، قالوا بلى ، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين" صدق الله العظيم . وسأرجئ الكلام عن هذه الآية لآخر الرسالة لأنه سيطول .
الثالثة : من سورة الفجر الثلاثة آيات الأخيرة من السورة "ياأيتها النفس المطمئنة * إرجعى إلى ربك راضية مرضية * فادخلى فى عبادى * وادخلى جنتى" صدق الله العظيم .
أما بالنسبة لآية سورة الأنعام ، فبمراجعة بعض التفاسير وجدت هناك قولان أحدهما يعتمد الخلط بين الروح والنفس ، فيقول بأن معنى أخرجوا أنفسكم ، أى أخرجوا أرواحكم . ولا أدرى كيف تتحدى الملائكة الكافرين فى غمرات الموت طالبة منهم إخراج أرواحهم "كيف ؟؟؟ !!!" . والقول الآخر وهو الذى أميل إليه ويستند إلى فهمنا هذا عن النفس والروح ، يقول ، أى أخرجوا أنفسكم من هذا الموقف الذى وصلتم إليه بكفركم وعنادكم وكذبكم على الله وقولكم على الله غير الحق ، فقد كنتم تتحايلون من قبل للخروج من أى مأزق أو مصيبة تقعون فيها . وهنا يكون التحدى له معناه .
آيات سورة الفجر : يقول البعض استنادا لحديث للرسول عليه الصلاة والسلام بأن قول "يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعى إلى ربك راضية مرضية" تقوله الملائكة للأرواح حين الموت ، وهذا فهم خاطئ لم يقل به الرسول عليه الصلاة والسلام ، وإنما قال ، تقوله لهم الملائكة حين الموت ، فإما أن يكون ذلك قبل قبض الروح ، أو بعد إعادتها لسؤال الملائكة فى القبر . وبالطبع هذا الفهم الدارج ناتج عن عدم التفرقة بين النفس والروح . أما يوم القيامة فهذا القول قد يكون من الملائكة أو من الله سبحانه وتعالى مباشرة ، بعد أن تعود الأرواح إلى الأجساد وتكتمل النفس ، لأن بقية الآيات تدل على ذلك "ارجعى إلى ربك راضية مرضية * فادخلى فى عبادى * وادخلى جنتى" ، فهل التى ستدخل فى العبودية لله وكذلك جنته ، هى النفس بعد عودة الروح إليها أم الروح فقط ؟
نأتى إلى آية سورة الأعراف : وما سأذكره ليس بدعا من عندى ، وإنما ذكره ابن القيم فى كتاب الروح ، ولم يقطع به ، وبهذا المفهوم للنفس والروح ، فأنا أميل إليه ، وأرجو استدراكى إن كنت مخطئا ، والحقيقة أن كل ما ذكرته سابقا هو مقدمة لما بعد . يقول ابن القيم أن آية سورة الأعراف تفهم بطريقة أخرى غير الفهم الدارج لها من أن الله سبحانه وتعالى مسح على ظهر سيدنا آدم وأخرج منه ذريته وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم …. وهذا الفهم الدارج للأسف لايستند إلى حديث صحيح للرسول عليه الصلاة والسلام ولا إلى سياق الآية الكريمة . فبالنسبة لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام ، فالحديث المعتمد فى هذا الموقف هو عن القدر وليس عن أخذ الميثاق . " ….. هؤلاء للجنة ولا أبالى وهؤلاء للنار ولا أبالى …." . أما بالنسبة للآية : فالتفسير الآخر لأخذ الميثاق ، هو أن هذا يحدث فى الدنيا لأنه استشهاد على النفس ، والنفس لاتكون مكتملة إلا فى الدنيا ، فكينونة الإنسان وتطور خلقه من نطفة وعلقة ومضغة وعظام ولحم ، كل هذا تشهده كل نفس ، فترى فيه عظمة الخالق ، وتنطق إما بلسان المقال أو بلسان الحال "… قالوا بلى …." ، على وجود رب عظيم قادر . فبالنسبة للمكذبين الضالين ، فإنكارهم فى الدنيا إن دل فإنما يدل على فقد البصر والبصيرة ، كالذى يرى الشمس بازغة وينكر رؤيتها . سأورد فيما بعد ما ذكره ابن القيم فى هذا الفهم الجديد ، غير أنى أضيف إليه بأن أنفسهم لايمكن أن تكون معنى للذر الذى يقول به كثير من المفسرين ، فالله سبحانه وتعالى يقول "…. وأشهدهم على أنفسهم …" ، وبعد ورود كلمة نفس ومشتقاتها كما سبق أن ذكرت 297 مرة فى القرآن الكريم ، وبتدبر الآيات البينات التى وردت بها ، من المستحيل أن نقول الآن أن كلمة أنفسهم ، أنها الذر بعد مسح ظهر سيدنا آدم . وعلى هذا يكون معنى "وإذ أخذ الله من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم …" ، أى أن الله سبحانه وتعالى قضى فى خلقته لبنى آدم أن تكون الذرية من ظهورهم ، وهذا ما وصلنا إليه الآن علميا . ومن الأدلة التى وردت فى قول ابن القيم :
1 - أن سياق الآية لم يقل آدم ولكن قال بنى آدم . 2 – لم يقل السياق أيضا من ظهره ولكن قال من ظهورهم وكذلك كلمة ذريتهم . 3 – الإضافة الجديدة فى كلمة أنفسهم ، كما ذكرت سابقا ، أن من استقراء القرآن ، فالنفس لا تكتمل إلا إذا كانت جسدا حيا وروحا متعلقة به لا ذرا . 4 – الإستشهاد والتكليف والمساءلة لاتكون إلا لعاقل مدرك لهذا العهد والميثاق الذى يؤخذ عليه وهذا لايحدث إلا للنفس المتكاملة . أرجو بهذا أن أكون قد بينت ما أود مناقشته مع أى من المتحاورين الأفاضل ، وإذا كان هذا الفهم صحيحا ، فهذا يستدعى منا تدبر آيات القرآن التى وردت بها كلمة النفس ومشتقاتها . اللهم أرنا الحق حقا ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا ، وارزقنا اجتنابه اللهم لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .