"مفهوم الوحي"
وسأقصر
حديثي علي عرض مفهوم الوحي من وجهة نظر مسيحية
وانتظر
أن
يقوم أحد الأعزاء الدارسين من المسلمين بكتابة مداخلة عن "مفهوم الوحي في
الإسلام".
ليس
بهدف الرد أو المقارنة أو المفاضلة
بل
بهدف أن يفهم أحدنا
الآخر
بطريقة افضل ويفهم كل منا كيف يفكر الآخر.
وفهم
أحدنا للآخر سيقلل من سوء
الفهم
ويعمق الصداقة والتقارب.
كلمة
"وحي"
تعني أن الله يقدم لإنسان (نبي أو رسول) رسالة ليوصلها
إلى
كل البشر.
أما
كيف يتم ذلك (حسب المفهوم المسيحي)؟
فهذا
ما شرحه
الرسول
بطرس في رسالته الثانية قائلاً:
"لأنه
لم تأت نبوة قط
بمشيئة
إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس"
-
ومن هذه الآية الواضحة نري الأتي:
1-
النبوة (الوحي) لا تأتي
بمشيئة
إنسان (النبي أو الرسول) بل بمشيئة الله.
2-
الذي يتكلم بالنبوة إلى
البشر
هم (أناس الله).
3-
الدافع للكتابة والمحدد لموضوع الكتابة هو (الروح
القدس
=
روح الله)
الذي
ساقهم (دفعهم للكتابة) وليس أي دافع شخصي.
ونري
في
الوحي المسيحي انه ليس وحياً حرفياً
(Verbal Inspiration)
بمعني
الوحي الذي
فيه
يملي الله الكاتب نصاً محدداً وكلمات معينة .
بل
هو وحي معني
(Meaning Inspiration)
بمعني
أن الروح القدس (روح الله) يقود الكاتب إلى كتابة (أفكار
ومعاني
محددة)
ويترك
للكاتب الحرية لاستخدام كلماته الخاصة وثقافته الخاصة
وأسلوبه
الشخصي للتعبير عن تلك الأفكار،
لكن
الروح القدس (روح الله) يحفظه من
الخطأ
في توصيل فكر الله.
-
إذن الوحي يشمل 3 جوانب :
1.
الروح
القدس
(روح
الله) الذي يقدم الفكر والمضمون ويحفظ الكاتب من الزلل.
2.
النبي أو
الرسول
الذي يعبر عن تلك الأفكار بأسلوبه الشخصي.
3.
القارئ أو المتلقي الذي
يفهم
هذه الأفكار.
-
إذن الوحي المسيحي وحي ديناميكي يتفاعل فيه 3 عناصر :
1-
الله
2-والنبي
3-والمتلقي
وبذلك
تصل الرسالة من الله للبشر
بطريقة
تفاعلية لذلك نقرأ التعبير المسيحي عن كلمة الله أنها (حية).
-
ترفض
المسيحية
فكرة الوحي الإملائي
(Mechanical Inspiration)
لأنه
وأن كان فيه الجزء
الإلهي
إلا أن دور النبي والقارئ في التفاعل مع الوحي يكون غائباً
وسيقتصر
دور
النبي
علي كونه كاتب يملي نصاً فيكتبه
وهذا
الإملاء من وجهة نظر المسيحية يلاشي
دور
الكاتب
ويجعل
من القارئ أسيراً للنص المملي،
وليس
للكاتب أو القارئ أن
يتفاعلا
أو يتجاوبا مع فكر الله في الوحي.
-
وتقبل المسيحية بسهولة ترجمة
الوحي
إلى لغات متعددة
حيث
ان الترجمة (الدقيقة والأمينة) ستوصل فكر الله
للقارئ
(وهو
المطلوب)
وكلما
وجدت ترجمة أدق لا مانع من استخدامها بشرط صحتها
ومطابقتها
لمحتويات النص الذي كتبه الرسول.
أعزائي
أرجو
أن أكون قد وفقت في عرض فكر المسيحية عن الوحي
وانتظر
من أحد الأخوة
الدارسين
من الجانب المسلم أن يقدم لنا عرضا لمفهوم الوحي في الإسلام
لا
لكي نتقارع الحجج ونتعارك عن أي المفهومين افضل
بل
لكي يعرف
أحدنا
الآخر بطريقة هادئة خالية من العصبية والتناحر
فالفهم
المتبادل هو هدفنا
والتواصل
رغم الاختلاف غايتنا.
الوحي شرعا : إعلام الله ، رسولا من رسله أو نبيا من أنبيائه ، ما يشاء من كلام أو معنى بطريقة تفيد النبي أو الرسول العلم اليقين القاطع بما أعلمه الله به" ( 13 ) .
أو هو " كلام الله تعالى المنزل على نبي من أنبيائه"( 14 ).
نلاحظ أن هذا التعريف قد جاء بمعنى "الموحى"(أسم المفعول).
ومن مجمل النصوص القرآنية فقد عرفه الأستاذ الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد بأنه" عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من الله بواسطة أو بغير واسطة ، والأول بصوت يتمثل لسمعه أو بغير صوت"( 15 )
: ب - موضوع الوحي وكيفيته
يتضح لنا من الكتاب المسلمين أن موضوع أو مضمون الوحي هو كلام الله الموحى إلى محمد(أو الرسل والأنبياء قبله) لكي يبلغه إلى الناس،وان مجموع ما أوحى إليه يؤلف كتاب الله وهو "القرآن"ونفهم من ذلك أن القرآن هو كلمة الله ذاتها أو بمعنى آخر أن الوحي في الإسلام يكون القرآن الذي أصبح موضوع إيمان المسلم فلابد لنا ، إذن من التعرف إليه والإطلاع على مضمونه
كيفية الوحي
تختصر آية قرآنية كيفية اتصال الله بالإنسان وهى :"وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ،أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بأذنه ما يشاء انه على حكيم "(الشورى: 51) فاستنادا إلى الآيات القرآنية والحديث استخلص المسلمون أنواع الوحي المختلفة ، وميزوا طرق الوحي فمنها ما كان بغير واسطة ومنها ما كان بواسطة
الوحي بواسطة
ويتم ذلك كما تذكر الآية " من وراء حجاب " أي أن الله يسمع كلامه دون أن يراه السامع وهذا ما حدث لموسى في الطور . أو أن يتم بإرسال ملاك ترى صورته المعينة ، أو يتراءى للرسول بشكل رجل ، ويسمع كلامه ، فيوحي إلى الرسول ما أمره الله أن يوحيه إليه...وهذا ما يحدث لأكثر الأنبياء ، وكما حدث خصوصا لمحمد ( 22 )
نزول الوحي على محمد
يستند الكتاب المسلمون إلى القرآن والحديث ليصفوا لنا تطور نفسية محمد أمام الوحي الإلهي .ويعتقدون بأن الله اتبع عدة مراحل في تهيئة هذه النفسية حتى يستطيع قبول هذا الوحي. فلقد جاء في الحديث على لسان عائشة زوجته:"أول ما بدء به رسول الله ..من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" ( 23 ).ويبدو ، حسب رأي المسلمين ، أن محمدا كان في الأربعين من عمره عندما كلمه جبريل لأول مرة في غار حراء فقال له: "أقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم ،الذي علم بالقلم ،علم الإنسان ما لم يعلم"( العلق:1-5)
وفتر الوحي الإلهي بعد ذلك خلال ثلاث سنوات . فأصاب محمد الحزن الشديد ،لكنه كان يزداد شوقا للوحي ،ولكن الله أنزل عليه الآيات التالية في سورة المدثر:"يا أيها المدثر ،قم فأنذر ،وربك فكبر ،وثيابك فطهر،والرجز فأهجر، ولا تمنن تستكثر، ولربك فأصبر"(المدثر: 1-7). ثم هدئ روعه، فأصبح في استعداد لملاقاة الملاك جبرائيل الذي كان صوته يشبه صلصلة الجرس، كما ورد في الحديث قوله:"أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده على فيفصم عنى (ينكشف، ينجلي) وقد وعيت عنه ما قال .وأحيانا يتمثل لي الملاك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول ".ثم حمى الوحي وتتابع خلال عشرين سنة في أمكنة مختلفة
أما حالته لدى نزول الوحي ، فقد وصفته عائشة بقولها:"ولقد رأيته ينزل علية الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه ،وان جبينه ليتفصد عرقا" .كما كان يشعر أحيانا بثقل كبير وكان محمد في جميع الحالات واعيا لا يخلط أبدا " بين شخصيته الإنسانية المأمورة المتلقية وشخصية الوحي الآمرة المتعالية " ( 24 ). ويتعلم بدقة ما يلقنه الملاك ثم يحمل الوحي إلى قومه دون أن يكون له أي تدخل في مضمون الوحي وألفاظه(يونس:15- 16، الأنعام: 5.)