التالي

بحث عاشر

" فيما وقع فيه بغير لغة العرب" (الإتقان 1 : 136)

بدأ السيوطى بحثه بالخلاف فى وقوع الألفاظ الأعجمية فى القرآن، فقال: " اختلفت الأئمة فى وقوع المعرب فى القرآن. فالأكثرون، ومنهم الشافعى وابن جرير (الطبرى) وأبو عبيدة والقاضى أبو بكر (الباقلانى) وابن فارس، على عدم وقوعه فيه ، لقوله تعالى " قرآناً عربياً" ... وذهب آخرون الى وقوعه فيه، وأجابوا عن قوله تعالى قرآناً عربياً بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربياً.. وأقوى ما رأيته للوقوع – وهو اختيارى – ما أخرجه ابن جرير قال: فى القرآن من كل لسان ...

" وقال ابن سلام – بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء، والمنع عن أهل العربية - والصواب عندى مذهب فيه تصديق القولين جميعاً. وذلك ان هذه الاحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء؛ لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها، وحولتها عن ألفاظ العجم الى ألفاظها، فصارت عربية ، ثم نزل بها القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب: فمن قال أنها عربية فهو صادق ؛ ومن قال أعجمية فصادق.

أولاً: جدول الكلمات الأعجمية فى القرآن

" وهذا سرد الألفاظ الواردة فى القرآن من ذلك، مرتبة على حروف المعجم" :

أباريق: فارسية. الابريق معناه طريق الماء، أو صب الماء على هينة - أبّ: هو الحشيش بلغة أهل الغرب - ابلعى ماءك: بالحبشية اى ازدرديه؛ اشربى بلغة الهند -

اخلد: أخلد الى الأرض: ركن بالعبرية - الأرائك: السرر بالحبشية - إذ قال ابراهيم لأبيه آزر : قد يكون علماً. وقد يكون غير علم، وهى بلغتهم: آزرًُ، يا مخطئ - أسباط: بالعبرية كالقبائل بلغة العرب - استبرق: الديباج الغليظ بلغة العجم - أسفار: الكتب، بالسريانية. أو بالنبطية - إصرى: عهدى، بالنبطية - أكواب: أكواز، بالنبطية؛ وانها جرار ليست لها عرى – إل : اسم الله تعالى بالنبطية- أليم: موجع، بالزنجية، أو بالعبرانية – إناه: نضجه، بلسان أهل المغرب؛ بلغة البربر – حميم آن: هو الذى انتهى حره بها، بلغة البربر - من عين آنية: اى حارة بها، بلغة البربر - أوّاه: الموقن، بلسان الحبشة؛ أو الرحيم؛ الدعاء، بالعبرية - أوّاب: المسبح، بلسان الحبشة – أوّبى معه: سبحى، بلسان الحبشة - الجاهلية الأولى ؛ فى المكة الآخرة : بالقبطية، والقبط يسمون الآخرة: الأولى؛ والأولى: الآخرة - بطائنها: ظواهرها بالقبطية. وقوله " بطائنها من استبرق" جمع لغتين أجنبيتين - كيل بعير: اى كيل حمار بالعبرية؛ والبعير كل ما يحمل عليه - بيع: البيعة والكنيسة جعلها بعض العلماء فارسيتين تنّور: فارسى معرّب - وليتبروا تتبيرا: تبره، بالنبطية - فناداها من تحتها : اى بطنها، بالنبطية - الجبْت: الشيطان، بالحبشية - جهنم: قيل عجمية؛ وقيل فارسية؛ وقيل عبرانية. أصلها كهنام – حرم: وجب بالحبشية - حصب جهنم: حطب جهنم بالزنجية - وقولوا: حطة: معناه قولوا: صواباً، بلغتهم العبرية - وحواريون: غسالون بالنبطية. وأصله: هوارى - حوب: إثم بلغة الحبشة - دارست (درست): معناه قارأت (قرأت) بلغة اليهود - درى: المضىء بالحبشية - دينار: بالفارسية - راعنا: سب بلغة اليهود (الأصل السريانى: رعنا اى أرعن) - ربانيون: عبرانية أو سريانية (ومعناها العلماء) - ربيون: سريانية - الرحمان: عبرانى، وأصله بالخاء المعجمة - الرس : عجمى، ومعناه البئر - الرقيم: اللوح بالرومية؛ وقيل الكتاب بها ؛ أو الدواة بها - رمزاً: من المعرّب، وهو تحريك الشفتين بالعبرية - واترك البحر رهواً : سهلاً بلغة النبط؛ ساكناً بالسريانية - الروم: هو أعجمى، اسم لهذا الجيل من الناس - زنجبيل: فارسى - السجل: بلغة الحبشة الرجل؛ السجل: الكتاب، فارسى معرب - بحجارة من سجيل : بالفارسية، أولها حجارة وآخرها طين - سجين: غير عربى - سرادق: فارسى معرب، وأصله " سرادر" وهو الدهليز. والصواب انه بالفارسية " سرابرده" أى ستر

______________________________________

(1) لقد وهموا فى ذلك: فالبيعة سريانية؛ والكنيسة عبرانية

____________________________

الدار - سرياً: نهراً بالسريانية؛ بالنبطية؛ باليونانية - سفرة: قراء بالنبطية - سقر: أعجمية - وادخلوا الباب سجداً : اى مقنّعى الرؤوس بالسريانية - سَكَراً: الخلّ، بلسان الحبشة. (أصله: شكر بالعبرية اى المسكر) - سلسبيل: عجمى - سندس: رقيق الديباج بالفارسية؛ وهو معرب؛ وقيل بالهندية – والفيا سيدها لدى الباب: اى زوجها، بلسان القبط؛ " ولا أعرفها بلغة العرب" - طور سينين: الحسن، بلسان الحبشة. (انه قلب لاسم سيناء، جبل موسى) - سيناء: الحسن بالنبطية (علم لجبل موسى) شطر المسجد: تلقاءَه بلسان الحبش - شهر: انه بالسريانية - الصراط: الطريق بلغة الروم - فصرهنّ: فشققهن بالنبطية؛ قطعهن بالرومية - صلوات: بالعبرانية كنائس اليهود؛ وأصلها "صْلوتا" بالسريانية - طه: يا رجل، بالنبطية، أو بالحبشية - الطاغوت: هو الكاهن بالحبشية - طفق: قصداً بالرومية - طوبى: اسم الجنة بالحبشية؛ وقيل بالهندية - الطور: الجبل بالسريانية، وقيل بالنبطية - طوى: معرب معناه ليلاً؛ وقيل هو رجل بالعبرانية - عبدت بنى اسرائيل: معناه قتلت بلغة النبط - جنات عدن: جنات الكروم، وأعناب بالسريانية؛ وقيل بالرومية - العَرِم: بالحبشية هى المسنات التى تجمع فيها الماء، ثم ينبثق - غساق: البارد المنتن بلسان الترك؛ المنتن بالطحارية - غيض: نقص بلغة الحبشة - فردوس: بستان بالرومية؛ وقيل الكرم بالنبطية وأصله فرداساً - فوم: الحنطة بالعبرية - قراطيس: القرطاس أصله غير عربى - القسط: العدل بالرومية - قسطاس: العدل بالرومية؛ الميزان بلغة الروم - قسورة: الأسد بالحبشية - قِطّنا: كتابنا بالنبطية - قفل: فارسى معرب - القملّ: الدبا، بلسان العبرية والسريانية، " لا أعرفة فى لغة أحد من العرب" - قنطار: انه بالرومية اثنتاعشر ألف وقية؛ بالسريانية ملء جلد ثور ذهباً أو فضة؛ بلغة البربر ألف مثقال؛ ثمانية آلاف مثقال بلسان أهل افريقية - القيوم: لا ينام بالسريانية - كافور: فارسى معرب - كفر عنّا: امحُ عنا، بالنبطية أو بالعبرانية - كفلين: ضعفين بالحبشية - كنز: فارسى معرب - كوّرت: غوّرت بالفارسية - ليْنة: نخلة. " قال الكلبى: لا أعلمها إلا بلسان يهود يثرب" - متكأ: بلسان الحبش الترنج. وقيل هو أعجمى - مرجان: أعجمى - مسك: فارسى - مشكاة: الكوّة بلغة الحبشة - مقاليد: مفاتيح بالفارسية. والاقليد والمقليد فارسى معرب - كتاب مرقوم: مكتوب بالعبرية -

______________________________

(1) والأصح: جنة باليونانية

______________________________

مزجاة: قليلة، بلسان العجم؛ وقيل بلسان القبط - ملكوت: الملك بلسان النبط. (وأصله بالسريانية ملكوتاً) - مناص: فرار بالنبطية - منسأة: العصا بلسان الحبشة - السماء مُنفطر به : ممتلئة به بلسان الحبشة - المُهْل: عكر الزيت بلسان أهل المغرب؛ وقيل بلغة البربر - ناشئة الليل: قيام الليل بالحبشة – نَ: فارسى أصله " أنون" ومعناه: اصنع ما شئت - هدنا: تبنا بالعبرانية - هود: اليهود، أعجمى - يمشون على الأرض هونا: حكماء بالسريانية، وقيل بالعبرانية - هيتَ لك: هلم لك، بالقبطية؛ وقيل بالسريانية؛ وقيل بالحورانية؛ وقيل بالعبرانية وأصله: " هيتلج" اى تعالَ - وراء: أمام بالنبطية، وهى غير عربية - وردة: غير عربية - وزر: الحبل والملجأ بالنبطية – الياقوت: فارسى - لن يحور: لن يرجع، بلغة الحبشة - يسن: يا إنسان بالحبشية؛ وقيل: يا رجل بالحبشية - يصدون. يضجّون بالحبشية - يصهر: ينضج بلسان أهل المغرب - اليمّ: البحر بالسريانية، وقيل بالقبطية - اليهود: أعجمى معرّب، منسوبون الى يهوذا بن يعقوب، بإهمال الدال.

وأنهى السيوطى بقوله: " فهذا ما وقفت عليه من الألفاظ المعربة فى القرآن، بعد الفحص الشديد سنين. ولم تجتمع قبلُ فى كتاب قبل هذا" .

ثانياً: تقييم هذا الواقع القرآنى

فتلك نيّف ومائة كلمة أعجمية دخلت القرآن.

منها ما هو معّرب لأنه لا بديل به فى العربية مثل دينار، ديباج، استبرق، سجيل، الخ. عربوه فاستعرب ودخل الفصحى.

ولكن منها ما هو دخيل ، تستغنى عنه العربية بأفصح منه، كقوله: " ابلعى ماءَك" : اشربى؛ " أسفار" : كتب؛ " إصْرى" عهدى؛ " إناه" : نضجه؛ " من عين آنية" : حارة؛ " أوّبى معه" : سبحى؛ " الجبْت" : الشيطان؛ " حصب" : حطب؛ " حوب" : اثم؛ " درى" : مضىء؛ " الرس" : البئر؛ " الرقيم" : الكتاب ؛ " مرقوم" : مكتوب؛ " طه" : يا

_______________________________

(1) والأصح: اهتدينا؛ فهم يشتقون اسمهم من الهدى، والهدى من اسمهم

___________________________________

رجل؛ " يسن" : يا إنسان؛ " غسّاق" : المنتن؛ " قوم" : حنطة ؛ " قسورة" : الأسد - وكم له من مرادفات فى العربية! - " لينة" : نخلة؛ "مشكاة" : كوّة؛ " منسأة" : عصا؛ " ناشئة الليل" : قيام الليل؛ " لن يحور" : لن يرجع؛ " يصدون" : يضجون؛ " يصهر" : ينضج؛ الخ...

ومنها ما يشوش المعنى بحرفه العربى، كقوله: " الجاهلية الأولى" الى الآخرة؛ " عبدت بنى اسرائيل" : قتلت؟! " دخلوا الباب سجّداً اى مقنّعى الرؤوس؛ " فناداها من تحتها" : اى من بطنها! " وقولوا: حِطه" اى صواباً؛ " سكراً ورزقاً حسناً " اى مسكراً ورزقاً حسناً؛ " فوم" : الحنطة ؛ " قطناً" : كتابنا! " كفرعنا" أو " كفّر عنهم" : محا - فالله تعالى يمحو الإثم ولا يكفّر عنه! " كيل بعير" اى حمار! الخ ...

ومنها ما يزال مستغلقاً لا يُعلم تأويله، مثل سجّين، حَنان، أبّ ...

ثالثاً: النتائج القائمة على هذا الواقع

والنتائج من هذا الواقع القرآنى أنه أدخل تعابير أعجمية كان بغنى عنها فى العربية. وهذا الكلِم الدخيل ليس من الفصاحة العربية فى شىء.

والسؤال المتبادر الى الذهن: ما دخل العربية قبل القرآن فاستعرب؛ أو ما أدخله القرآن فاستعرب؛ وكان كلاهما فصيحاً فى العربية، فلا بأس به. أما الكلم الدخيل، فمن أين مصدره؟ له مصدران لا ثالث لهما: إما دخل الدخيل القرآن قبل تدوينه، لمّا امتد الفتح الاسلامى الى الأقطار - وهذا شبهة على سلامة النص القرآنى واعجازه اللغوى. وإمّا استورده النبى الأمى من أسفاره وأقحمه، على حرفه الأعجمى - ليبهر الناس بعلمه الواسع فى لغات الأعاجم.

والنتيجة الحاسمة أن ما هو دخيل من اللغات بغير لغة الحجاز، وما هو دخيل من غير لغة العرب، هو برهان على علم " النبى الأمى" بلغات العرب، ولغات الأعاجم؛ فليس هو أمّيا على الاطلاق واقحام هذا الدخيل شبهة قائمة على فصاحة لغة القرآن.

وقد حفظ لنا التاريخ مقالة ابن سنان الخفاجى - وهو أمير وأديب وشاعر اندلسى - يردّ بها على (اعجاز القرآن) للرمانى الذى يرى ان اعجاز القرآن راجع إلى فصاحته

___________________________________________

(1) عن عبد الكريم الخطيب: اعجاز القرآن 1 : 347

_______________________________

وبلاغته وتلاؤم نظمه. فأجابه: " ولا فرق بين القرآن وبين فصيح الكلام المختار فى هذه القضية ... ومن رجع الانسان الى نفسه، وكان معه أدنى معرفة بالتأليف المختار، وجد أنّ فى كلام العرب ما يضاهى القرآن فى تأليفه ... ولعلّ أبا الحسن (الرمانى) يتخيّل أن الاعجاز لا يتم إلا بهذه الدعوى الفاسدة . والأمر، بحمد الله، اظهر من ان يعضده بمثل هذا القول الذى ينفر عنه كل من علق من الأدب بشىء ، أو عرف من نقد الكلام طرفاً".

لذلك فابن سنان الخفاجى يقول بالصرفة: " واذا عدنا الى التحقيق، وجدنا وجه اعجاز القرآن صرف العرب عن معارضته، بأن سلبوا العلوم التى بها كانوا يتمكنون من المعارضة فى وقت مرامهم ذلك".

ان قول ابن سنان من مغالاة القائلين بالصرفة. لكن، وان كان القرآن أفصح كلام العربية على الاطلاق، فواقعه لا يشهد بأن اعجازه اللغوى معجزة إلهية.

التالي