خاتمة تعليم القرآن بحق نفسهأوّلاً: القرآن محكم أم متشابه؟ "حجة مَن قال: القرآن كله محكم (في هود): "كتاب أُحكمت آياته". حجة من قال: القرآن كله متشابه (في الزمر): "نزّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا. حجة من قال: بعضه محكم وبعضه متشابه (في آل عمران): "منه آيات محكمات، هنَّ أم الكتاب، وأخر متشابهات". فالتعارض قائم من صفة القرآن العامة. ثانيًا: القرآن كلام الله نفسه أم العبارة عن كلام الله؟ "حجج من قال بأن كلام الله صوت وحرف ؛ وذلك في عشر آيات: (في الاعراف) وناداهما ربهما: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة. (وفي مريم) وناديناه من جانب الطورالأيمن. (وفي النمل) فلما جاءها نودي أن بورك مَن في النار ومَن حولها، وسبحان الله رب العالمين. يا موسى انه انا الله العزيز الحكيم. (وفي القصص) فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني انا الله رب العالمين. (وفي طه) فلمّا أتاها نودي يا موسى، في أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى. (وفي الشعراء) واذ نادى ربك موسى ان ائت القوم الظالمين. (وفي القصص) وما كنت بجانب الطور اذ نادينا. (وفي النازعات) هل أتاك حديث موسى اذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى – والنداء في اللغة ليس الاّ الصوت – (وفي سبأ) حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ (وفي يس) سلام، قولاً من رب رحيم". ملاحظة خطيرة: ليس في تلك الاستشهادات شاهد واحد بحق القرآن؛ وأكثرها بحق موسى، "وكلم الله موسى تكليمًا"؛ بينما القرآن نزل تنزيلا ً ، ونزل بالواسطة: "قل نزّله روح القدس" (النحل 102) فحاله لا ينطبق على حال غيره، فليس هو من كلام الله بالصوت والحرف؛ ويشهد لذلك تصريحه" "فانه نّزله على قلبك " (2: 97)، "على قلبك لتكون من المنذرين" (الشعراء 194). 2) "في حجج القائلين بأن المسموع عين كلام الله ، لا العبارة عن الكلام. وذلك في اربع آيات: (في البقرة) وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثمّ يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون – وهي بني اسرائيل والتوراة. ( وفي التوبة) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه فأمنه. (وفي البقرة) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، منهم مَن كلم الله. (وفي النساء) وكلّم الله موسى تكليمًا. ملاحظة خطيرة: المفاضلة بين الرسل قائمة على نوعية كلام الله معهم، فامتاز بعضهم بأن "منهم مَن كلم الله" وينص على ان هذا كان مع موسى: "وكلّم الله موسى تكليمًا". فليس هو طريقة محمد والقرآن؛ لأنه تنزيل بالواسطة، لا كلام مباشر من الله لمحمد، فليس القرآن مباشرة تكليم الله لمحمد؛ بل بواسطة جبريل. وهو يسمي القرآن هنا كلام الله، لا على سبيل التكليم، بل على سبيل التبليغ الى المشركين، فالمشرك الضيف يسمع كلام الله من ضيفه، لا من الله نفسه. فليس المسموع من القرآن عين كلام الله، بل عبارة عنه. والقرآن في جميع المواضع لا يسمى حرفيًا كلام الله إلاّ الكتاب فهو "كتاب الله" (23:3؛ 44:5؛ 68:8؛ 36:9؛ 56:30؛ 6:33؛ 101:2؛ 35؛ 29). فالكليم مباشرة هو عين كلام الله المسموع؛ أما التنزيل في القرآن، بواسطة جبريل، فهو عبارة عن كلام الله . ثالثاً: هل القرآن قديم أم مخلوق ؟ "حجج القائلين بقدم القرآن وذلك في اثني عشر موضعًا: (في الاعراف) ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين. (وفي النحل) إنما قولنا لشيء اذا أردناه أن نقول له: كن، فيكون. (وفي يس) انما أمره اذا أراد شيئًا ان يقول له: كن، فيكون. (وفي هود) ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم، وانهم لفي شك منه مريب. (وفي طه) ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزامًا. (وفي حم السجدة) ولو لا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم، وانهم لفي شك منه مريب. (وفي حمعسق) ولولا كلمت سبقت من ربك الى أجل مسمى لقضي بينهم. (وفي الصافات) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين. ( و في هود) وأهلك الاّ من سبق عليه القول. (وفي قد أفلح المؤمنون) وأهلك الاّ من سبق عليه القول. (وفي الكهف) قل: لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي، لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي". ملاحظة خطيرة: ليس في تلك الشهادات واحدة بحق القرآن؛ وأكثرها مصبوب على قضاء الله وقدره، لا على كلامه تعالى في التنزيل سوى آية الكهف، وهي عامة مطلقة، ليست خاصة بالقرآن. فالنتيجة انه ليس في القرآن من شاهد صريح على قدم القرآن في ذات الله. "حجج القائلين بخلق القرآن: فصل اول، في الخلق؛ وذلك في خمسة مواضع: (في الانعام) وخلق كل شيء ، وهو بكل شيء عليم. (وفي الرعد) قل: الله خالق كل شيء. (وفي الفرقان) وخلق كل شيء فقدّره تقديرًا. (وفي الزمر) الله خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل. (وفي حم المؤمن) ذلكم الله ربكم خالق كل شيء، لا اله الاّ هو. "فصل ثان، في الجعل، وذلك في موضعين: (في حم السجدة) ولو جعلناه قرآنا أعجميًّا لقالوا لولا فصلت آياته. (وفي الزخرف) إنا جعلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون. "فصل ثالث: في الحدوث؛ وذلك في خمسة مواضع: (في الكهف) فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا. (وفي الزمر) الله نزّل أحسن الحديث . ملاحظة خطيرة: في الأقوال بالخلق المطلق لما عدا الله استنتاج بخلق القرآن. وفي الجعل تصريح متقارب بخلق القرآن. امّا التصريح المطلق الذي لا شبهة عليه هو قوله مرتين. "ذكر من ربهم محدث"، "ذكر من الرحمن محدث". "حجة من قال بأن القرآن ليس بكلام الله عزّ وجل: (في الحاقة) إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر. (وفي التكوير) انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين. (وفي الشورى) أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء". هذا هو الواقع القرآني في أزلية القرآن أو حدوثه. لا دليل على أزلية القرآن بنص صريح، إنه استنتاج من كونه "كلام الله". والشهادة المتواترة في القرآن أنه كلام الله بالواسطة، فهو مباشرة "قول رسول كريم"، رسول "يوحي بإذنه ما يشاء"، فالوحي من الملاك نفسه بإذن الله. لذلك فهو "ذكر من ربهم محدث"، "ذكر من الرحمن محدث". فالتعارض في أزلية القرآن قائم بين الواقع القرآني المشهود الواضح، وعقيدة بنوها على مطلق مشبوه. فمعط ي ات القرآن عن صفات ذاته مشبوهة متعارضة. ختام القول: شبهات سبعة على الاعجاز في البيان والبلاغة. فالواقع القرآني يشهد بوجود ما يوهم الاختلاف والتناقض؛ ويشهد بتواتر التكرار فيه بلا ضرورة ولا نكتة بيانية معجزة؛ ويشهد بوجود الناسخ والمنسوخ؛ ويشهد بوجود المتشابه فيه؛ ويشهد بأن تعليمه في التوحيد يغلب فيه التشبيه على التنزيه؛ ويشهد بأن البلاغ القرآني هو دين موسى وعيسى يشرعه للعرب (الشورى 13)، وهو الاسلام الذي يشهد به مع الله وملائكته أولو العلم المقسطون من النصارى (آل عمران 18). وهذا بعد تصفية القرآن من الأحرف الستة التي نزل عليها وتلي بها قبل جمعه وتدوينه، وبعد التصفية المزدوجة التي تمت في عرضات القرآن الموسمية حتى وفاة النبي، والتي تمت في التدوين العثماني حيث "ذهب قرآن كثير"، و "غيّر عثمان المصاحف". |