السابق

بحث ثالث

سيرة محمد النبوية

إن العصمة النبوية فى تلقى الوحى و التنزيل تقتضى العصمة فى البلاغ و التبليغ ، لكنها لا تقتضى العصمة فى السلوك حين التنزيل و حين التبليغ . هذا ما نراه فى حياة محمد قبل البعثة ، و فى حياته النبوية بعد البعثة .

أولا : حياة محمد قبل النبوة : " وجدك ضالا فهدى "

لم يولد محمد ، مثل المسيح ، على الهدى و النبوة .

لم يقطع القرآن بحق المسيح أنه ولد نبيا : " قال ( فى مهده ) : انى عبد الله آتانى الكتاب و جعلنى نبيا " ( مريم 30 ) ، و عاش نبيا رسولا فى طفولته كما فى كهولته : " و إذا قال الله : يا عيسى ، ابن مريم ، اذكر نعمتى عليك و على والدتك إذ أيدتك بروح القدس : تكلم الناس فى المهد و كهلا ، و اذ علمتك الكتاب و الحكمة ، و التوراة و الانجيل " ( المائة 110 ، قابل آل عمران 45 – 46 ) . و هذه ميزة استعلى بها المسيح على الأنبياء و المرسلين أجمعين .

و يقطع القرآن و الحديث و السيرة بأن محمدا اهتدى إلى النبوة كهلا فى سن الأربعين ، بعد خمس عشرة سنة من زواجه بخديجة بنت خويلد ، ابنة عم ورقة بن نوفل قس مكة .

ففى القرآن إشارة الى ما قبل البعثة فى قوله : " قل : لو شاء الله ما تلوته عليكم و لا أدراكم به : فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون " ( يونس 16 ) ، فإنه " لم يكن يعلم من نبوته شيئا قبل نزول الوحى عليه " ( دروزة ) .

و التصريح الصريح عن حال محمد قبل البعثة قوله : " ألم يجدك يتيما فآوى ؟ ووجدك ضالا فهدى ؟ ووجدك عائلا فأغنى " ؟ ( الضحى 6 – 8 ) .

علق عليها دروزة 1 بقوله : " إن آيات سورة الضحى ( 6 – 8 ) من أقوى و أوضح النصوص القرآنية فى نشأة النبى صلعم و حياته الى مبدإ الوحى ، إذ تقرر الآيتان الأولى و الثالثة 1 ) ما هو من البدائه المعروفة اليوم من أن النبى كان يتيما ، و انه نشأ فى حضانة رحيمة من جده ثم من عمه أبى طالب ... استمرت حتى انقلبت الى حماية قوية من عمه كما يدل معنى " الايواء " . 2 ) أنه كان فقيرا فأغناه الله و أخبار السيرة التى لا اختلاف فى جوهرها و لا تناقض تذكر ظروف ذلك على ما هو معروف من صلة السيدة خديجة بنت خويلد ر . عن طريق عمله لها فى التجارة ، و اقترانه بها نتيجة لهذه الصلة ... هذه الصلة التى كانت فاتحة عهد جديد ، بل حادثا حاسما فى حياة السيد الرسول صلعم كان له أكبر الأثر فى الاتجاه النهائى الذى اتجه اليه . و تهيأت به نفسه و قواه الروحية لتلقى الرسالة العظمى


1 سيرة الرسول 1 : 28 – 30

و النهوض بها ، إذا أغناه الله عن الضرب فى الأرض فى سبيل الرزق ، فاستطاع أن يتمتع فى جانب السيدة بالحياة العائلية الهنيئة من جهة ، و أن يتفرغ من جهة أخرى بنفسه و قلبه و فكره و روحه للتدبر فى ملكوت الله و آلائه ، و القيام برياضاته أو اعتكافاته الروحية ، فارغ القلب من هموم المعيشة و ضروراتها " – على مثال معلمه ورقة بن نوفل قس مكة الحنيف " النصرانى " .

" أما الآية الثانية أى " وجدك ضالا فهدى " فإنها تقرر فيما نعتقد حالة ذات خطورة و دلالة كبيرتين فى صدد نشأة النبى صلعم الروحية . و لقد قال المفسرون : ان الآية تحتوى اشارة الى حادث تيهان وقع للنبى صلعم فى طفولته أو فى احدى رحلاته ، و رووا فى ذلك روايات . كما قالوا انها تعنى أنه كان غافلا عن الشريعة التى لا تتقرر إلا بالوحى الربانى . أو إنه كان حائرا فى أسلوب العبادة لله . و نفوا عنه على أى حال أن يكون ضالا أى مندمجا فى العقائد و التقاليد الشركية . و النفس لا تطمئن الى رواية تيهان النبى صلعم مضمونا و سندا ، بل انها ليست متسقة مع ما تضمنته الآية على أن المقصود الحيرة فى الطريق التى يجب أن يسار فيها الى الله و عبادته على أفضل وجه . و هو المعنى الذى نراه . و يعضد ذلك جملة : " ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الإيمان ، و لكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا ، و إنك لتهدى الى صراط مستقيم " ( الشورى 52 ) .

 نقول : ان آية الضحى ( 7 ) و آية الشورى ( 52 ) تدلان على هدايتين لمحمد قبل بعثته : الهداية الأولى من ضلال الشرك الى التوحيد الكتابى ، تلك الهداية المقرونة بزواجه من السيدة خديجة ، ابنة عم ورقة بن نوفل قس مكة ، و هو الذي أشار عليها، على حدّ قول السيرة، بذلك الزواج إيلافا لهدايته. والهداية الثانية التي تشير اليها آيتا ( الشورى 15 م 52 ) كانت الى الايمان بالكتاب نفسه ، و الى الانضمام فى سلك النصارى المسلمين : " و أمرت أن أكون من المسلمين و أن أتلو القرآن " ( النمل 91 – 92 ) ، و الى الدعوة للإيمان بالكتاب على طريقة موسى و عيسى معا : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا – و الذى أوحينا اليك – و ما وصينا به ابراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه ... و قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب ، و أمرت لأعدل بينكم " ( الشورى 13 – 15 ) .

ففى آية الضحى ( 7 ) هداية الى التوحيد الكتابى ، فى كنف خديجة وورقة .

و فى آية الشورى ( 52 ) هداية الى تبليغ التوحيد الكتابى على طريقة موسى و عيسى معا ، و هذا ما يسميه الهداية الى ملة ابراهيم " قل : اننى هدانى ربى الى صراط مستقيم ، دينا قيما ، ملة ابراهيم حنيفا ، و ما كان من المشركين " ( الأنعام 161 ) .

لاحظ اقتران التعابير الثلاثة : الصراط المستقيم ، و الدين القيم ، و ملة ابراهيم . و كلها صفات الاسلام " النصرانى " الذى أمر محمد بأن ينضم اليه ، و يتلو مع أصحابه النصارى من بنى اسرائيل قرآن الكتاب : " و أمرت أن اكون من المسلمين و أن أتلو القرآن " ( النمل 91 – 92 ) فالمسلمون موجودون قبل محمد ، و هو ينضم البهم و يتلو معهم " القرآن " قبل القرآن العربى . و ما القرآن العربى سوى نسخة عن " القرآن " الذى معهم : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل ( النصارى ) على مثله " ( الاحقاف 10 ) .

فالهداية الثانية كانت الى النبوة ، نبوة التبليغ : فهو دعى " ليعلمهم الكتاب و الحكمة " أى التوراة و الانجيل ( البقرة 129 و 151 ، آل عمران 164 ، الجمعة 2 ) ، كما تعلمها المسيح من الله ( آل عمران 48 ، المائدة 110 ) .

ثانيا : حياة محمد النبوية : الأزمات الايمانية العشر

يظهر القرآن المكى تأديبا لمحمد فى التوحيد ، قبل أمته . فإن محمدا قد انتابته فى دعوته أزمات ايمانية خانقة ، تدل عليها ظواهر قرآنية غريبة .

ففى القرآن المكى ظواهر غريبة مريبة فى تحذير النبى من الشرك ، و تهديده فى ترك التوحيد ، و تحريضه على الاستقامة ، و أمره بالاستغفار من ذنبه .

الظاهرة الأولى هى تحذير محمد المتواصل من الانزلاق الى الشرك . فمنذ سورة ( القلم ) يقال له : " فلا تطع المكذبين : ودوا لو تدهن فيدهنون " ( 8 – 9 ) – و لا تحذير بدون سبب و يتواتر التحذير : " فلا تدع مع الله إلها آخر " ( الشعراء 213 ، القصص 88 ) .

الظاهرة الثانية هى تهديد النبى من ترك التوحيد و الميل الى الشرك : " فلا تكونن ظهيرا لكافرين ، و لا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت اليك ، و ادع الى ربك ، و لا تكونن من المشركين " ! ( القصص 86 – 87 ) . و تتنوع التهديدات فى سورة ( الانعام ) : " و لا

تكونن من المشركين " ! ( 14 ) ، " فلا تكونن من الجاهلين " ( 35 ) ، " و الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق : فلا تكونن من الممترين " ( 114 ) . و التهديد لمحمد صريح : " لئن أشركت ليحبطن عملك ، و لتكونن من الخاسرين " ( الزمر 65 ) ، و سببه صريح : " فلا تك فى مرية مما يعبد هؤلاء " ( هود 109 ) .

الظاهرة الثالثة هى الأمر بالاستغفار من ذنبه : " و استغفر لذنبك " ( غافر 55 ، محمد 19 ) . و دام هذا الأمر بالاستغفار لذنبه ، حتى آخر سورة نزلت فى المدينة : " فسبح بحمد ربك ، و استغفره إنه كان توابا " ( النصر ) . و التحذيرات و التهديدات المتواترة تدل على أن الذنب الأكبر كان فى شكه من صحة التوحيد : " فلاتك فى مرية مما يعبد هؤلاء " ( هود 109 ) .

الظاهرة الرابعة هى فى دعوة محمد الى الاستقامة فى دعوة التوحيد : " فاستقم كما أمرت ، و من تاب معك " ( هود 112 ) ، " فلذلك فادع ، و استقم كما أمرت " ( الشورى 15 ) .

و هكذا نرى ان القرآن نزل لتثبيت محمد فى التوحيد الكتابى قبل أمته : " و كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ! و جاءك فى هذه الحق و موعظة و ذكرى للمؤمنين " ( هود 120 ) ، " فاستقم كما أمرت ، و من تاب معك " ( هود 112 ) .

ثم ان تلك التحذيرات المتواترة ، و تلك التهديدات المتواصلة ، توضح معنى الازمات الإيمانية التى كان يقاسيها النبى من حين الى حين ، بطريقة متواترة فى " أم مسائل الاسلام جميعا : فى التوحيد " .

1 – الأزمة الايمانية الأولى كانت فى قصة الغلاانيق ، من سورة النجم ، و هى أول سورة أعلنها محمد فى مكة .

ففى ( أسباب نزول ) الآية ( 52 ) من سورة الحج ، " أخرج ابن أبى حاتم و ابن جرير ( الطبرى ) و ابن المنذر ، من طريق بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال : قرأ النبى صلعم بمكة ( النجم ) فلما بلغ : " أفرأيتم اللات و العزى و مناة الثالة الأخرى ... " ألقى الشيطان على لسانه : " تلك الغرانيق العلى ، و ان شفاعتهن لترتجى " . فقال المشركون : ما ذكر آلهتنا

بخبر قبل اليوم ، فسجد ، فسجدوا ، فنزلت : " و ما أنزلنا من قبلك من رسول و لا نبى ، إلا إذا تمنى ( قرأ ) ألقى الشيطان فى أمنيته ( قراءته ) ، فينسخ الله ما يلقى الشيطان ، ثم يحكم الله آياته " ( الحج 52 ) .

و قصة الغرانيق التى يحاول بعضهم انكارها ثابتة بالحديث و القرآن و النص نفسه . قال الاستاذ حسين هيكل ( 1 ) : " حديث الغرانيق أورده ابن سعد فى طبقاته الكبرى ، و الطبرى فى تاريخ الرسل و الملوك ، و أورده كثيرون من المفسرين المسلمين و كتاب السيرة ، و أخذ به جماعته المستشرقين " . قال الحافظ بن حجر : " كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا ، مع ان لها طريقين صحيحين مرسلين أخرجهما ابن جرير الطبرى " . و للقصة فى القرآن سند مبدئى أولا فى آية ( الحج 52 ) التى لا تفهم بدون القصة ، و ثانيا فى آية ( الزمر 45 ) : " و إذا هم يستبشرون " . جاء عنها فى ( اسباب النزول ) للسيوطى : " أخرج ابن المنذر عن مجاهد أنها نزلت فى قراءة النبى صلعم ( النجم ) عند الكعبة ، و فرحهم عند ذكر الآلهة " . و القصة أيضا سند واقعى فى كل التحذيرات من الشرك ، و التهديدات من عاقبته ، التى تتواتر فى القرآن . أخيرا نص الآية المبتور يدل عليها : فإن فعل ( أفرأيتم ) يتعدى الى مفعولين ، و لا يتم المعنى بدونهما كليهما ، و المشهود أن المفعول الأول مذكور ، " اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرة " ، بينما الثانى محذوف ( عن الجلالين ) ، فالجواب ساقط ، كما يظهر ، و لا يسد مسده شىء فى النص . فإجماع القرآن و الحديث و السيرة برهان على صحة قصة الغرانيق . و قد ختموا الرواية هكذا : " جلس محمد فى بيته ، حتى اذا أمسى أتاه جبريل ، فعرض عليه النبى سورة النجم ( و فيها قصة الغرانيق ) فقال جبريل : أوجئتك بهاتين الكلمتين ؟ قال محمد : قلت على الله ما لم يقل " !

2 – الأزمة الإيمانية الثانية : التحذير المتواتر من الشرك .

وقعت الأزمة ما بين سورتى ( الاسراء ) و ( القصص ) . و هذه الأزمة لا تنسجم مع آية الاسراء فالمعراج . يقال للنبى : " و ما كنت ترجو أن يلقى اليك الكتاب ، إلا رحمة من ربك : فلا تكونن ظهيرا للكافرين ! و لا يصدنك عن آيات الله بعد إذا أنزلت اليك ! و ادع


1 حياة محمد – الفصل السادس

إلى ربك و لا تكونن من المشركين ! و لا تدع مع الله إلها آخر ! لا إله إلا هو " ( القصص 86 – 88 ) . تحذير صارخ ، و لا تحذير إلا من واقع !

و يعود القرآن الى التحذير نفسه فى ( الاسراء ) : " لا تجعل مع الله إلها آخر ، فتقعد مذموما مخذولا " ! ( 22 ) . و يكرر : " و لا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا " ( 39 ) . و تعطى السورة سببين لهذه الفتنة . الأول نزغ الشيطان فى نفس الانسان : " و قل لعبادى يقولوا التى هى أحسن . إن الشيطان ينزغ بينهم ، ان الشيطان كان للانسان عدوا مبينا " ( 53 ) . يظهر ان الشيطان يتدخل فى الوحى ، و فى نفس النبى ، تسهيلا لفتنة محمد عما يوحى اليه : " و ان كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا اليك لتفترى علينا غيره ! و إذا لا تخذوك خليلا ! و لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا ! إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات ، ثم لا تجد لك علينا نصيرا " ( 73 – 75 ) . إن الإشارة صريحة : لقد كاد محمد يركن الى المشركين شيئا قليلا .

علق على ذلك الاستاذ دروزة 1 : " سورة القصص تأتى فى الترتيب قبل سورة الاسراء ، و يلمح فى الآيات شىء مما جاء فى آيات ( الاسراء ) بصراحة أكثر ، إذ احتوت أمر للنبى صلعم بأن يشهد الله على المهتدى من الضال ، و تنبيها له بأن لا يظاهر و لا يواد الكافرين ، و بأن لا يدعهم يصدونه عما أنزل الله اليه ، و بأن لا يأتى بأى شىء فيه أى معنى من معانى اشراك أحد غير الله ، مع الله . و يلهم هذا ان النبى صلعم كان يختلج فى نفسه مسايرة الزعماء شيئا ما ، رغبة فى كسبهم الى صفه " .

إن آيات ( القصص ) و ( الاسراء ) تلهم أكثر من مسايرة : إن حملتهما المتواصلة مصبوبة على جعله مع الله إلها آخر ! و لا تحذير إلا من أمر محتمل الوقوع ! إنه التحذير المتواتر لمحمد نفسه من الشرك !

3 – الأزمة الايمانية الثالثة : التردد بين التوحيد العربى و التوحيد " النصرانى " .

كان هم محمد الأكبر " إيلاف قريش " لدعوته . فنزل " لإيلاف قريش ... فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع ، و أمنهم من خوف " . " رب البيت " إما هو إله


1 سيرة الرسول 1 : 197 .

التوحيد ، و إما هو إله الشرك . و حاشا للقرآن و النبى أن يدعوا لشرك . فكان " رب البيت " بالكعبة إله التوحيد . و هذه شهادة قرآنية على التوحيد القائم فى كعبة مكة . و بما انه ليس عند العرب من توحيد فلسفى مستقل ، و بما ان اليهودية كانت بعيدة عن مكة ، فالتوحيد العربى الملتزم فى الكعبة كان توحيدا مسيحيا . وهبه كان عربيا مستقلا . ففى سورة ( قريش ) يظهر تأييد القرآن لتوحيد قومه .

لكن القرآن كان دعوة " نصرانية " . فنزل التصحيح : " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة ... و أمرت أن أكون من المسلمين " ( النمل 91 ) . إن " المسلمين " موجودون بمكة قبل محمد ، و هو يؤمر بالانضمام اليهم . و نعرف أنهم كانوا النصارى من بنى إسرائيل ( الصف 14 ، الاعراف 159 ) . فالآية دليل على صراع فى نفس النبى بين التوحيد العربى ( لعله المسيحى ) و بين التوحيد " النصرانى " الاسلامى . و الآية شهادة قرآنية أيضا على أنتشار التوحيد العربى ( لعله المسيحى ) فى مكة . و هذا الصراع دام حتى نزول قوله : " إن المساجد لله ، فلا تدعوا مع الله أحدا " ! و أنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ! قل : إنما أدعو ربى ، و لا أشرك به أحدا ! ... قل : انى لن يجيرنى من الله أحد ، و لن أجد من دونه ملتحدا " ( الجن 18 – 22 ) .

4 – الأزمة الايمانية الرابعة : فتنة النبى عما يوحى اليه

لقد مر بنا قوله : " و إن كادوا ليفتونك عن الذى أوحينا اليك ، لتفترى علينا غيره ، و اذا لاتخذونك خليلا ! و لولا ان ثبتناك ، لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا ( الاسراء 73 – 74 ) . التصريح واضح : لقد كادوا يفتنون النبى عما يوحى اليه ، و كاد محمد ان يركن اليهم شيئا قليلا .

و نعرف من قصة الغرانيق ان ذلك وقع له ، و اعترف محمد بذلك : " قلت على الله ما لم يقل " !

و تأتى آية التبديل فى التنزيل فتزيد الأمر بيانا : " و إذا بدلنا مكان آية – و الله أعلم بما ينزل – قالوا : انما أنت مفتر ! " ( النحل 101 ) . فالتبديل فى آى القرآن وقع لمحمد ، بنص القرآن القاطع ، و إن كان ذلك بأمر الوحى نفسه . و الحادث مشهود ، لذلك شنع الكافرون على النبى . و هذا التبديل فى آى القرآن يسبب فتنة للناس و أزمة ايمانية لمحمد نفسه.

5 – الأزمة الايمانية الخامسة : الشك من التنزيل القرآنى نفسه

إن فتنة محمد عن الوحى المنزل اليه وصلت فى منتصف العهد الثانى بمكة الى ذروتها ، حتى بلغت الشك من التنزيل القرآنى نفسه : " فإن كنت فى شك مما أنزلنا اليك ، فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك : لقد جاءك الحق من ربك ، فلا تكونن من الممترين ! و لا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله ، فتكونن من الخاسرين " ( يونس 94 – 95 ) .

هذه صورة قاتمة مؤلمة فى الحياة النبوية ، نشاهد فيها ذروة الصراع فى نفس محمد بين الايمان و الشرك ، فى " الشك ... و المرية ... و التكذيب بآيات الله " . أيشك نبى بما يوحى اليه ؟ أجل التصريح مشروط ، لكن التنويه بإمكان الشك فى نفس النبى من وحيه ، دليل أزمة إيمانية يعاينها محمد فى ما يوحى اليه .

و فى هذه الحالة القصوى من الصراع الوجدانى مع الوحى نفسه ، يحيل القرآن محمدا ، على عادته ، الى أساتذته من أهل الكتاب ، ليطمئنوه على صحة الوحى و الاسلام . و يظهر فضل " أولى العلم قائما بالقسط " – أى علماء النصارى من بنى اسرائيل و من تنصر معهم من العرب مثل ورقة بن نوفل ، قس مكة – على محمد ، بإرشاده الى " الحق " و نشله من المرية و الشك . فلا يحيله القرآن الى المعجزة ، بل إلى علماء النصارى ، و محمد يكتفى بذلك و يفخر به على اخصامه : " و يقول الذين كفروا : لست مرسلا ! قل : كفى بالله شهيدا بينى و بينكم و من عنده علم الكتاب " ( الرعد 43 ) .

التجأ اليهم و اطمأن ، فخرج على الناس بهذا البلاغ المبطن بالتحذير : " قل : يا أيها الناس إن كنتم فى شك من دينى ، فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، و لكن أعبد الله الذى يتوفاكم ! و أمرت أن أكون من المؤمنين ! و أن أقم وجهك للدين حنيفا ، و لا تكونن من المشركين ! و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك ، فإن فعلت فإنك اذا من الظالمين " ( يونس 104 – 106 ) . فمن هم " المؤمنون " الذين أمر بالانضمام اليهم ؟ انهم النصارى من بنى إسرائيل كما تشهد كل قرائن القرآن . فالصراع قائم فى نفس محمد بين النصرانية و المسيحية و الشرك العربى . أخيرا وحيه يأمره بالانضمام الى النصارى " المؤمنين " ، " المسلمين " من قبله .

و أزمة الشك من التنزيل القرآنى تزول عنه بالدرس لدى أساتذته : " و كذلك نصرف الآيات – و ليقولوا : درست ! – و لنينه لقوم يعلمون . اتبع ما أوحى اليك من ربك ، لا إله إلا هو ، و أعرض عن المشركين " ( الانعام 105 – 106 ) . فدرس و اطمأن لدى " قوم يعلمون " ، و تبرأ من " الذين لا يعلمون " أى من المشركين ، و طلع على الناس بفعل الايمان و التوبة : " و اذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ! فقل : سلام عليكم ، كتب ربكم على نفسه الرحمة ، أنه من عمل منكم سوءا بجالهة ثم تاب من بعده و أصلح فإنه غفور رحيم ، و كذلك نفصل الآيات ، و لتستبين سبيلا المجرمين . قل : انى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ! قل : لا أتبع أهواءكم ! قد ضللت إذا و ما أنا من المهتدين ! " ( الأنعام 54 – 56 ) . بالدرس لدى " الراسخين فى العلم " صار على بينة من ربه : " قل : إنى على بينة من ربى و كذبتم به ! " ( الأنعام 57 ) ، و ليس بالمعجزة : " ما عندى ما تستعجلون به ... قل : لو ان عندى ما تستعجلون به لقضى الأمر بينى و بينكم " ( الانعام 57 – 58 ) . فالأزمات الايمانية تنتاب النبى من داخل و من خارج .

6 – الأزمة الايمانية السادسة : الفتنة بترك بعض الوحى القرآنى

فى صراع محمد النفسانى بين الايمان و الشرك ، تراكمت عليه أزمة جديدة يصفها بقوله : " فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك ، و ضائق به صدرك ! أن يقولوا : لولا أنزل عليه كنز ! أو جاء معه ملك ! – إنما أنت نذير ! و الله على كل شىء وكيل " ( هود 12 ) . لقد بلغت أزمة الايمان فى نفس محمدا حدا أوشك فيه أن يترك بعض ما يوحى اليه !

و سبب الفتنة الجديدة عجز محمد عن معجزة تؤيده فى دعوته . فيجيب القرآن على لسانه : " ما عندى ما تستعجلون به " . ثم يحدد له معنى نبوته و رسالته : " إنما أنت نذير " ! و ما على النذير اجتراح المعجزة لصحة النبوة و الدعوة .

فشهادته على صحة رسالته ، ليست المعجزة ، بل شهادة أساتذته له ، الذين هم على بينة من ربهم فى كتابهم : " أفمن كان على بينة من ربه – و يتلوه شاهد منه ، و من قبله كتاب موسى إمام و رحمة – أولئك يؤمنون به ! و من يكفر به من الاحزاب فالنار موعده ! فلا تك فى مرية منه ، انه الحق من ربك ، و لكن أكثر الناس لا يؤمنون " ( هود 17 ) . و قوله : " و يتلوه شاهد منه " هو مثل قوله : " و شهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) . فإن شاهدا من بنى إسرائيل النصارى ، " من عنده علم الكتاب " ( الرعد 43 ) يتلو

على محمد " مثل " القرآن العربى ، فما عليه ان يترك بعض ما يوحى اليه ! و يؤمر : " فلا تك فى مرية منه " ! أى من هذا الوحى القرآنى ، النصرانى . و يؤمر أيضا : " فلا تك فى مرية مما يعبد هؤلاء : ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل ، و إنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص " ( هود 109 ) . فلا سبيل الى الشك فى الوحى ، و ترك بعضه ، و لا الى الشك فى الشرك ! لذلك" فاستقم كما أمرت و من تاب معك"! ( هود 112)، بسبب هذا الأمر كان محمد يقول: " شيبتني هود " ! لقد شاب محمد فى صراع الايمان .

7 – الأزمة الايمانية الدائمة : عجز محمد عن معجزة تشهد له

القرآن المكى صراع قائم دائم بين النبى العربى و المشركين من بنى قومه على صحة نبوته ، التى لا تؤيدها فى نظرهم – كما فى نظر أهل الكتاب جميعا – إلا المعجزة . و قد رأينا مع الاستاذ دروزة 1 " موقف القرآن السلبى " من كل معجزة تشهد لمحمد . قال : " وقف الزعماء إزاء هذا الموقف القرآنى من تحديهم ، و أخذوا يطالبون النبى صلعم بالمعجزات و الآيات ، برهانا على صدق دعواه أولا ، ثم أخذوا يدعمون مطالبهم بتحد آخر ، و هو سنة الأنبياء السابقين الذين جاؤوا بالآيات و المعجزات . و قد تكرر طلب الآيات من جانب الجاحدين ، أو بالأحرى زعمائهم ، كثيرا ، حتى حكى القرآن المكى عنهم نحو خمس و عشرين مرة صريحة ، عدا ما حكى عنهم من التحدى الضمنى ، و من التحدى بالأتيان بالعذاب و استعجاله و السؤال عنه " .

و هذا التحدى الدائم بالمعجزة ، دليلا على صحة النبوة و الدعوة – يقابله عجز محمد الدائم عن كل معجزة تشهد له – هما سبب أزمة ايمانية فى نفسه لا تنتهى ! و يتردد صداها فى القرآن المكى كله . فقد منعت عنه المعجزة منعا مبدئيا مطلقا ( الاسراء 59 ) و منعا واقعيا شاملا ( الاسراء 93 ) ، حتى اضطر الى الاقرار الصريح البسيط : " ما عندى ما تستعجلون به ... لو أن عندى ما تستعجلون به لقضى الأمر بينى و بينكم " ( الأنعام 57 – 58 ) . فالتحديات المتواصلة بالمعجزة ، و التصريحات المتواصلة بالعجز عنها ، أزمة ايمانية متواصلة فى ضمير النبى العربى .

فى خضم هذا الصراع النفسانى الدائم ، من العجز القائم عن معجزة تشهد له ، يفهم معنى تحدى محمد للمشركين بأعجاز القرآن ( الاسراء 88 ، يونس 38 ، هود 13 ) . إنه تحد


1 سيرة الرسول 1 : 225 – 226 .

بهداه للمشركين ( القصص 49 ) . و القرآن نفسه ى يرى فى اعجاز القرآن معجزة له : فهو يصرح بأن المعجزة منعت على محمد منعا مبدئيا ( الاسراء 59 ) فى السورة عينها التى يعلن فيها التحدى بإعجاز القرآن ( الاسراء 88 ) الذى يعقب عليه باعلان العجز الواقعى المطلق ( الاسراء 90 – 93 ) . فهذه المحاصرة بالمنع المبدئى و الامتناع الواقعى برهان على أن القرآن نفسه لا يرى فى اعجازه معجزة إلهية له . و لو رأى محمد فى اعجاز القرآن معجزة له لكان هو أول المؤمنين من دون شك فى التنزيل ( يونس 94 ) ، و من دون محاولة لترك بعض ما يوحى اليه ( هود 12 ) و من دون مرية فى الوحى القرآنى ( هود 17 ) و من دون مرية فى ما يعبد أولئك المشركون ( هود 109 ) .

إن أزمات محمد الايمانية برهان قاطع على أن إعجاز القرآن ليس معجزة له .

8 – الأزمة الثامنة : حث النبى على الاستقامة فى الدين .

فى آخر العهد الثانى بمكة ، بعد تلك الأزمات الايمانية المتلاحقة المتراكمة ، أخذ القرآن يحث محمدا على الاستقامة فى الدين بطريقة سافرة : " إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق ، فاعبد الله مخلصا له الدين " ( الزمر 2 ) . و تكرار هذا الأمر ، فى هذه الفترة ، يحمل فى طياته معنى الشك و الريبة فى الاخلاص للدين : " ألا لله الدين الخالص ! و الذين اتخذوا من دونه أولياء – ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى – ان الله يحكم بينهم فى ما هم فيه يختلفون " ( الزمر 3 ) . و نشعر بخوف النبى فى شكه : " قل : إنى أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ! و أمرت أن أكون أول المسلمين . قل : إنى أخاف ، إن عصيت ربى ، عذاب يوم عظيم ! قل : الله أعبد مخلصا له دينى ، فاعبدوا ما شئتم من دونه " ! ( الزمر 11 – 15 ) .

إن الاستقامة فى الاخلاص للاسلام " النصرانى " تعوز النبى ، فيقال له : " فلذلك فأدع و استقم كما أمرت ، و لا تتبع أهواءهم ! و قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب ! و أمرت لأعدل بينكم ! " ( الشورى 15 ) .

و الاستقامة عينها تعوز جماعة محمد فى هذه الفترة : " قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد ، فاستقيموا له ، و استغفروه ! وويل للمشركين " ! ( فصلت 6 ) . و الحث على الاستقامة و الاخلاص يشمل النبى و جماعته معا " " فاستقم كما أمرت ، و من تاب معك ! و لا تطغوا ، إنه بما تعلمون بصير . و لا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار "

( هود 112 – 113 ) . " الذين ظلموا " كناية متواترة عن المشركين و عن اليهود : فهل انضم اليهود الى المشركين فى فتنة النبى عن دعوته ، منذ العهد المكى ؟

ان حث القرآن المتواتر على الاستقامة و الاخلاص ، فى آخر العهد الثانى بمكة ، دليل على أن أزمة الايمان قد بلغت ذروتها فى نفس محمد و جماعته ، حتى اضطر الى الهجرة الشخصية الى الطائف . علق الزمخشرى على ( هود 112 ) : " عن ابن عباس : " ما نزلت على رسول الله آية كانت أشد و لا أشق عليه من هذه الآية . و لهذا كان يقول : ( شيبتنى هود ) . قيل : ما الذى شيبك فيها ؟ قال : ( فاستقم كما أمرت ) ! ثم قال : أفتقر الى الله بصحة العزم " !

إن الافتقار المشهود للاستقامة و الاخلاص فى الدين الذى يدعو اليه ليس من الأعجاز فى الشخصية النبوية .

9 – الأزمة الايمانية التاسعة : التبديل فى آى القرآن

بعد الهجرة الشخصية الخاطفة الفاشلة الى الطائف ، قضى محمد السنتين الأخيرتين بمكة فى أزمة ايمانية عاتية ، نجم عنها ارتداد بعض جماعته عن الاسلام .

جاء فى سورة ( النحل 98 – 101 ) : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ... و إذا بدلنا آية مكان آية – و الله أعلم بما ينزل – قالوا : إنما أنت مفتر " !

إن تبديل آية بآية فى تنزيل القرآن أمر واقع ، بشهادة هذا النص القاطع . أما اقتران التبديل بالاستعاذة من الشيطان فى تلاوة القرآن ، فهو يوحى بأن التبديل فى القرآن كان يوسوسه الشيطان ! أإلى هذا الحد يصل سلطانه ؟ و لهذا شاهد فى سورة ( الحج 52 ) .

 و هذا التبديل اطلع عليه المسلمون و المشركون : فشنّع المشركون على النبى ، و حمل ذلك بعض المسلمين على الارتداد على الاسلام ! علق على ذلك السيد دروزة 1 : " إننا نرجح أن حادث الارتداد الذى أشارت اليه الآيات ( النحل 106- 109 ) كان بسبب و ظروف ما حكته الآيات التي سبقت هذه الآيات من تبديل آية بآية . و روح الآيات ، مضمونها فى الجملة ، يلهم أنها نزلت فى صدد حادث له صلة بالقرآن ، و يلهم أنه أوحى للنبى صلعم


1 سيرة الرسول 1 : 243 – 244 .

ببعض الايات لتكون مكان بعض آيات أخرى ، لفما تلا الجديدة و أهمل الأولى ، استغل زعماء الكفار ذلك ، فأخذوا يشنعون عليه ، و يهاجمون دعواه كون القرآن وحيا إلهيا ، و ينسبون اليه الافتراء و التعلم من الشخص الأجنبى المعين . و لعلهم قالوا : إن الشيطان هو الذى يوسوس له و يلقى عليه ، لا الملاك ، و أن التبديل دليل ذلك . و توسلوا بالاغراء ، الى جانب الاستغلال و التهويش . و كان من نتيجة ذلك ان ارتد بعضهم نتيجة لهذه الدعاية و استحبابا لمنافع الدنيا معا " . فكانت تلك الردة صدمة لمحمد ، زادته أزمة على أزمة .

10 – الأزمة الايمانية العاشرة : المحو فى آى القرآن

تدوم الأزمات الايمانية فى ضمير محمد حتى آخر العهد بمكة . فبعد أزمة التبديل ، تأتى أزمة المحو فى آى القرآن : " يمحو الله ما يشاء و يثبت . و عنده أم الكتاب " أى أصله ( الرعد 39 ) . فهل كان القرآن العربى المنزل بحاجة الى تنقيح ليطابق أصله ، " أم الكتاب " ؟ و الحدث أمر واقع ، بنص القرآن القاطع . و لنا شاهد من الحديث الذى يروى بأن محمدا كان يراجع جبريل كل سنة فى نص القرآن ، و فى آخر العهد بالمدينة مرتين فى السنة .

و تلك الحالة أوقعت اليأس فى نفس جماعته : " أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو شاء الله لهدى الناس جميعا " ( الرعد 31 ) .

و الأزمة الايمانية ، و الفتنة الناجمة عنها ، ظلتا قائمتين مدة العهد الأخير بمكة كله ، من سورة ( النحل ) الى سورة ( العنكبوت ) ، و هى من آخر ما نزل بمكة : " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا : آمنا ، و هم لا يفتنون ؟ و لقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا ، و ليعلمن الكاذبين " ( العنكبوت 2 – 3 ) .

و حالات الأزمة الايمانية ، و الفتنة عن الاسلام ، و اليأس من الدعوة بمكة ، عجلت كلها بمفاوضات الهجرة الى المدينة .

تلك الأزمات الايمانية العشر أوصلت النبى و جماعته ، فى آخر العهد بمكة ، الى حالة اليأس ( الرعد 31 ) حتى جاءهم الفرج بالهجرة الى المدينة .

ان تلك الأزمات الايمانية المتلاحقة التى أوصلت محمدا و جماعته الى اليأس و الهجرة ، لا عهد لنا بمثلها فى سيرة الأنبياء الأولين . فهى لا تدل على اعجاز فى الشخصية النبوية ، بلغ حد المعجزة الإلهية التى تشهد له

السابق