بحث أولمعنى نبوءة محمد بحسب القرآنفى أول سورة اعلنها النبى العربى من القرآن ، سورة النجم 1 ، يكشف كيفية اتصاله بملاك الوحى : ــــــ
1 السيوطى : الاتقان 1 : 25 .
لقد رأى محمد ملاك الوحى مرتين. و الملاك نزل إليه ، و لم يصعد محمد بالروح الى الملاك : انها " نزلة أخرى " . لذلك ليس فى تعابير " جنة المأوى " و " سدرة المنتهى " تعابير لأماكن فى السماء ، انما هى إشارات الى أماكن على الأرض : فقد كانت الرؤية نزلة أولى ، و " نزلة أخرى " ، حيث ملاك الوحى " دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى " . و كانت رؤيا " بالفؤاد " ، لا رؤية بالبصر : " ما كذب الفؤاد ما رأى " ، و فيها " ما زاغ البصر و ما طغى " فى رؤياه . و كانت رؤيا عظيمة : " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " ، اى ملاك الوحى . و موضوع الرؤيا لم تحدده السورة ، بل تركته مجملا مبهما : " فأوحى الى عبده ما أوحى " . و القرآن كله يكشف لنا ان موضوع الرؤيا كان " أمرا له من عند الله ، لا القرآن السماوى نزل عليه جملة كما يتوهمون . إن القرآن صريح لا يحتمل تأويلا : " حم . و الكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة – إنا كنا منذرين – فيها يفرق كل أمر حكيم ، أمرا من عندنا : إنا كنا مرسلين " ( الدخان 1 – 5 ) . فتعابير التنزيل كلها فى القرآن تشير الى أن ما " أنزلناه " كان " أمرا من عندنا : إنا كنا مرسلين " اى أنزل اليه أمر الله بالرسالة و الدعوة ، لا بمضمونها و لا بموضوعها . و كانت تلك الليلة المباركة " ليلة القدر ... تنزل الملائككة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر " ( سورة القدر ) " فيها يفرق كل أمر حكيم " ( الدخان ) . فالتكرار المتواتر " إنا أنزلناه " فى سورة الدخان و فى سورة القدر ، كان " أمرا من عندنا " ، لا القرآن نفسه . فالقرآن الذى نزل فى رؤيا غار حراء المزدوجة هو الأمر بتلاوة قرآن الكتاب على العرب فى " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس – و بينات من الهدى و الفرقان " ( البقرة 185 ) . فى لغة القرآن إن الهدى كناية عن الكتاب ، و الفرقان كناية عن السنة التى تفصله . فالقرآن العربى هو " بينات من الهدى و الفرقان " ، لذلك فهو غير " القرآن " الذى نزل فى " شهر رمضان " . هذا كان " أمرا من عندنا : إنا كنا مرسلين " ( الدخان 5 ) . و تعبير " القرآن " يعنى قراءة الكتاب و " تفصيل الكتاب " . و الشواهد متواترة مترادفة فى القرآن على ان " القرآن " الذى نزل فى رؤيا غار حراء كان " أمرا " لا كتابا كقوله : " و أمرت أن أكون من المسلمين و أن أتلو القرآن " معهم ( النمل 91 – 92 ) و كقوله : " إنما أمرت ان اعبد الله و لا أشرك به ؟ إليه أدعو و اليه مآب " ( الرعد 36 ) . هذا هو موضوع رؤيا غار حراء ، فى ليلة مباركة ، ليلة القدر ، من شهر رمضان ، حيث كان محمد معتكفا يصوم و يصلى على عادة الرهبان ، و على طريقة استاذه ورقة بن نوفل ، قس مكة و حنيفها الأكبر فى التحنف و الاعتكاف للصوم و الصلاة . و تكشف لنا سورة الشورى موضوع هذا الأمر الربانى : " و ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا – أو من وراء حجاب – أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء ، إنه على حكيم : و كذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ، ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الايمان ، و لكن جعلناه ، نورا نهدى به من نشاء من عبادنا ، و إنك لتهدى الى صراط مستقيم ، صراط الله " ( 51 – 53 ). ان " روحا من أمرنا " يعنى روحا من عالم الأمر اى ملاكا . و الملاك الرسول " يوحى بإذنه ( تعالى ) ما يشاء " : فالوحى يأتى مباشرة من الملاك ، لا من الله ، لذلك يقول : " و كذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا " . و التعبير عن الارسال بالوحى دليل على انها رؤيا فى المنام ، لا رؤية فى اليقظة . و موضوع هذه الرؤيا صريح : انه هداية الى الايمان بالكتاب ، لأن الله جعله نورا يهدى به من يشاء ، و الملاك يؤكد له أنه " يهدى الى صراط مستقيم " . " و قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب " حيث دين ابراهيم و مموسى و عيسى الذى شرعه للعرب ( الشورى 13 و 15 ) . فرؤيا محمد كانت " أمرا " بالكتاب ، و الانضمام النهائى الى " المسلمين " من قبله ، و تلاوة " قرآن " الكتاب الذى معهم على العرب . فليس فيها تنزيل كتاب جديد على الاطلاق . هذا هو الواقع القرآنى . و الملاحظة الحاسمة أن القرآن لا يذكر لمحمد من اتصال بملاك الوحى ، إلا فى هاتين التنزلتين من رؤيا غار حراء . و القرآن العربى كله ينتسب الى هذه الرؤيا ، فى ليلة مباركة ، هى ليلة القدر ، من شهر رمضان . فمعنى النبوة عند محمد ، بنص القرآن القاطع ، هو الأمر بالايمان بالكتاب : " و قل : آمنت بما أنزل الله من كتاب " ( الشورى 15 ) ، و الدعوة له على طريقة " المسلمين " من قبله ( النمل 91 ) اى النصارى من بنى اسرائيل ، و قسمهم الأكبر ورقة بن نوفل ، استاذ محمد ، الذى كاد ينتحر عند وفاة معلمه . إنها نبوة هداية لدعوة قائمة ، تزعمها و فرضها على العرب . |