الجزء الثالثالأعجاز فى الرسالةتوطئةما بين الرسول و الرسالة" لا إكراه فى الدين " الرسول صورة رسالته . و الرسالة صورة رسولها . و سر الرسول و الرسالة بخواتيمهما أكثر من مقدماتهما . إن سورة ( البقرة ) هى مفترق الطرق بين القرآن المكى و رسوله و القرآن المدنى و رسوله . و قد اجتمعتا و افترقا على مبدأين متعارضين ، فى سورة واحدة : فمن جهة " لا إكراه فى الدين " ( البقرة 256 ) ، و من جهة أخرى " كتب عليكم القتال ، و هو كره لكم " ( البقرة 216 ) . و يزيد التعارض ظهورا ، ان مبدا التسامح فى الدين ( 256 ) و رد فى النسق بعد مبدإ القتال فى سبيل الدين ( 216 ) . إن الرسالة المعجزة ليست الرسالة الناجحة مهما كان اسلوبها . إنما الرسالة الإلهية هى التى ترتكز على المعجزة الإلهية ، مهما بدت ظواهرها فاشلة . و قد يكون نجاح الرسالة باستشهاد رسولها شهادة لها . كانت دعوة النبى العربى فى مكة " بالحكمة و الموعظة الحسنة " على طريقة أنبياء الكتاب ، ففشلت لأنهم أعجزوه بمعجزة عجز عنها ، و تحداهم بأعجاز قرآنه ، فما أعجزهم و لا هداهم . فهاجر الى المدينة طريدا شريدا ينجو بنفسه متخفيا ، خيشة الاستشهاد . و نعرف بالمقارنة أن السيد المسيح مشى بدعوته بالمعجزة حتى الاستشهاد ، يحدد زمانه و يصف كيفيته . فتحول الفشل الظاهرى الى نصر مبين بشهادة الدم التى لا ترد . هاجر محمد الى المدينة ليطلع على الناس باسلوب جديد فى الرسالة و الدين ، هو أسلوب الجهاد و القتال فى سبيل الدين ، فكان بذلك " بدعا من الرسل " على غير ما دعونا الله فى أنبياء الكتاب . و نحن ندرس هنا هذا الاسلوب الجديد فى النبوة و الدين ، لنرى مدى الأعجاز فى الرسالة . |