الجزء الأول الإعجاز فى التنزيل توطئة الإعجاز الأول يكون فى التنزيل " و إنه لتنزيل رب العالمين ... و إنه لفى زبر الأولين " ( الشعراء 192 – 196 ) " قل : نزله روح القدس من ربك بالحق " ( النحل 102 ) " و لو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس ، فلمسوه بأيديهم ، لقال الذين كفروا : إن هذا إلا سحر مبين " ( الانعام 7 ) قبل الإعجاز فى اللفظ و النظم ، فى الاسلوب و البيان ، إن الإعجاز الأول المطلوب يكون فى التنزيل نفسه . فإذا لم يكن من اعجاز فى كيفية التنزيل و طرقه ، فالإعجاز فى النظم و البيان ، مهما بلغ ، لا يرفع التنزيل نفسه الى الإعجاز المطلق الذى نسميه معجزة . و الموقف الحق فى قصة اعجاز القرآن و معجزته ، ما حكاه ابن حزم فى ( الفصل ) : " لم يقل أحد إن كلام غير الله معجز . لكن لما قاله الله تعالى ، و جعله كلاما له ، أصاره معجزا ، و منع من مماثلته " . هذه شبهة أولى : إن الأعجاز ليس فى الكلام ذاته – و هو المطلوب – بل فى كونه صادرا عن الله نفسه . فالاعجاز الحق هو فى كلام الله المباشر ، لا فى كلام الله بالواسطة . و القرآن كلام الله بواسطة جبريل : " قل : نزله روح القدس من ربك بالحق " ( النحل 102 ) . و هذه شبهة ثانية على الأعجاز فى التنزيل . و الأعجاز الحق ما كان تنزيلا مبتدئا ، لا تفصيل التنزيل القائم . و القرآن يشهد على نفسه أنه تفصيل التنزيل ، " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) : " و انه كتنزيل رب العالمين ... و إنه لفى زبر الأولين " ( الشعراء 192 و 196 ) . نلاحظ وحدة الضمير ، مما يجعل " تنزيل رب العالمين " فى القرآن ، من " زبر الأولين " . فهو تفصيل التنزيل الموجود قبله . و هذا أكثر من شبهة على إعجاز تنزيله . و الأعجاز الحق فى التنزيل ، ما كان محكما بلا متشابه فيه ، ما يعتريه ناسخ و منسوخ ، ما لا يعرض على جبريل كل سنة لتنقيحه ، ما لا " تبديل " فيه و لا " محو " ... و هذا أكثر من شبهة على إعجاز تنزيله . الأعجاز فى التنزيل يحمل معه الايمان المطلق به ، فلا يعترى نبيه " شك " منه . و التنزيل الذى يعقبه " شك " فى نفس نبيه ، لا يكون معجزا فى ذاته ، و لا معجزا لغيره . فلا يحمل مثل هذا الافتراض : " و لو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس ، فلمسوه بأيديهم ، لقال الذين كفروا : إن هذا إلا سحر مبين " ( الانعام 7 ) فالنتيجة الحاسمة أن الله لم ينزل " كتابا فى قرطاس " . إن الأعجاز الأول يكون فى التنزيل نفسه ، فى كيفيته ، و فى طرقه . |