بحث سادس عرضات القرآن السنوية على جبريل لتنقيح القرآن فى تنزيل القرآن ميزة ما بين الواقع و الخرافة ، أشار اليها العلماء : و هى عرضات القرآن السنوية على جبريل : " و المعتمد أن جبريل كان يعارضه فى رمضان ، بما ينزل به طول السنة" (1) . أولا – واليك هذه القصة الغريبة كما أثبتها السيوطى فى ( الاتقان 1 : 51 ) : ــــــــــــــــــــــــ ( 1 ) الاتقان : 1 : 41 – فى آخر الصفحة . " أخرج ابن اشته ( فى المصاحف ) و ابن أبى شيبة فى ( فضائله ) من طريق ابن سيرين عن عبيدة السلمانى قال ، القراءة التى عرضت على النبى صلعم فى العام الذىقبض فيه هى القراءة التى يقرأها الناس اليوم . " و أخرج ابن اشته عن ابن سيرين قال : كان جبريل يعارض النبى ص كل سنة فى شهر رمضان مرة . فلما كان العام الذى قبض فيه عارضه مرتين . فيرون ان تكون قراءتنا هذه على العرضة الأخيرة " . هذا هو الواقع الذى يعلمون : كان جبريل ، كل سنة ، فى شهر رمضان ، يستعرض القرآن مع النبى . إن صح ما يعلمون فما معنى هذا الواقع ؟ معناه المحتوم انه فى بحر السنة دخل القرآن ما ليس منه فاضطر جبريل الى تنقيحه ، أو كان التنزيل الأول ناقصا فجرى تكميله . و تنزيل بحاجة كل سنة إلى استعراض و تنقيح هل هو من الاعجاز فى التنزيل ! و لإكمال الرواية أشركوا زيدا بن ثابت فى العرضة الأخيرة : " و قال البغوى فى ( شرح السنة ) يقال : إن زيدا بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التى بين فيها ما نسخ و ما بقى ، و كتبها للرسول ص و قرأها عليه . و كان يقرىء الناس بها حتى مات . و لذلك اعتمده أبو بكر و عمر فى جمعه ، وولاه عثمان كتابة المصاحف " . فميزات العرضة الأخيرة أنها كانت مرتين ، و بين فيها ما نسخ و ما بقى من القرآن ، و أن زيدا حضرها و كان شاهدا لها ، و ان زيدا كتب القرآن الباقى فيها و قرأه على النبى . و نرى هنا تهافت الرواية ، فهى كلها قيل عن قيل ، بلا سند و لا شاهد . و ما فضل زيد على أبى بكر الصديق ، و خصوصا على عمر بن الخطاب الذى طالما نزل القرآن على ما قال ؟ إنها رواية موضوعة لبيان حسن اختيار زيد لوضع المصحف العثمانى ، و هو الذى استنكر و استكبر إمكانية جمع القرآن بعد الرخص النبوية الأربع بتلاوته على سبعة أحرف ، بقراءات مختلفة لكل حرف ، و بجميع لغات العرب المختلفة ، مع الرخصة الكبرى بقراءته بالمعنى من دون الحرف المنزل . لكن الواقع التاريخى الذى يتراءى من خلال هذه الرواية أن النبى كان ينقح ما نزل من القرآن فى بحر السنة ، كما كان فحول الشعراء ينقحون حولياتهم . و هذا التنقيح السنوى المتواصل ليس من " دلائل الاعجاز " فى القرآن . و الدلائل القرآنية على تنقيح القرآن السنوى المتواصل هى : 1 ) التبديل فى آى القرآن : " و اذا بدلنا آية مكان آية – و الله أعلم بما ينزل – قالوا : إنما أنت مفتر " ! ( النحل 101 ) . 2 و 3 ) النسخ فى آى القرآن أو النسيان المفروض : " ما ننسخ من آية – أو ننسها – نأت بخير منها ، أو مثلها " ( البقرة 106 ) . و امكان الاتيان " بخير منها " يرفع صفة الاعجاز عنها و عن غيرها . 4 ) المحو من آى القرآن : " يمحو الله ما يشاء و يثبت ، و عنده أم الكتاب " ( الرعد 39 ) ؟ فالمحو من التنزيل ، و النسيان الذى يفعله الله فيه ، و النسخ منه ، و التبديل فيه ، كلها دلائل قرآنية قائمة على تنقيح القرآن المتواصل . فليس الاعجاز فى النظم و البيان من التنزيل نفسه ، بل من عمل النبى ، أو عمل جبريل ، " و لم يقل أحد ان كلام غير الله معجز فى ذاته " ، على حد قول ابن حزم . و يأتى الحديث فيؤيد القرآن فى هذه الظاهرة الغريبة . يقول دروزة (1) : " هذه الآيات ( البقرة 106 و النحل 101 ) تفيد أنه وقع بعض التبديل و النسخ فى بعض آيات القرآن ، فى عهدى النبى المكى و المدنى ، بوحى الله . مما هو مؤيد بأحاديث عديدة ، مثل حديث مروى عن أبى موسى الأشعرى جاء فيه : ( نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت ) ، و مثل حديث أخرجه الطبرانى عن ابن عمر جاء فيه : ( ان النبى أقرأ رجلين سورة فكانا يقرأان بها ، فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف ، فأصبحا غاديين على رسول الله فذكرا له ذلك ، فقال : إنها مما نسخ فالهوا عنها ) ، و مثل حديث رواه البخارى عن أنس : ( انه نزل فى قصة أصحاب بئر معونة قرآن قرأناه ثم رفع ) " . ــــــــــــــــــــــــ ( 1 ) القرآن المجيد ص 90
|