مصحف فاطمة في الأحاديث الشريفة
في
حديث عن أبي عبدالله عليه السلام : «
ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا ،
ولا نحتاج إلى أحد حتّى إنّ فيه الجلده ونصف الجلده وثلث الجلدة
وربع الجلدة وأرش الخدش » (1) .
وفي
حديث طويل عن أبي عبدالله عليه السلام :
« وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف
فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث ، مرّات ، والله ما
فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنّما هو شيء أملاها الله وأوى
إليها . قال : قلت : هذا والله العالم ... (2) » .
وفي
حديث آخر : « وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو
قرآن ، ولكنّه كلام من كلام الله أنزل عليها ، إملاء رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ علي (3) .
وعن
أبي عبدالله عليه السلام ، قيل له : إنّ
عبدالله بن الحسن يزعم أنّه ليس عنده من العلم إلا ما عند
النس ، فقال : « صدق والله ما عنده من العلم إلا ما عند الناس ، ولكن عندنا والله
الجامعة فيها الحلال والحرام ، وعندنا الجفر ، أفيدري عبدالله أمسك
بعير أو مسك شاة ؟ وعندنا مصحف فاطمة ، اما والله ما فيه
حرف من القرآن ، ولكنّه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وخطّ علي عليه السلام ، كيف يصنع عبدالله إذا جاء الناس من
كلّ فنّ يسألونه ، أما ترضون أن تكونوا يوم القيامة آخذين بحجزتنا
، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا ، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّه » ؟
(4) .
وعن
حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبدالله عليه
السلام يقول : « تظهر زنادقة سنة ثمانية وعشرين ومائة ،
وذلك لأنّي نظرت في مصحف فاطمة . قال : فقلت : وما مصحف فاطمة ؟
فقال : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى الله عليه
وآله وسلم دخل على فاطمة من وفاته
____________
3
ـ 9 ـ راجع بصائر
الدرجات : 151 ـ 161 .
(2)
بصائر الدرجات : 151
ـ 161 .
(3)
نفس المصدر السابق .
(4)
نفس المصدر السابق .
( 421 )
من الحزن ما
لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ ، فأرسل اليها ملكاً يسلّي عنها غمّها
ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال
لها : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي
. فأعلمته ، فجعل يكتب كلّ ما سمع حتّى أثبت من ذلك
مصحفاً . قال : ثم قال : أما إنّه ليس
الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون » (1) .
وفي
حديث آخر قال له الراوي : فمصحف فاطمة ؟
فسكت طويلاً ثمّ قال : « إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا
لا تريدون ، إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين
يوماً وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرئيل يأتيها
فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها
ونكانه ، ويخبرها (2) .
وعن
أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمد بن
علي عليها السلام عن مصحف فاطمة ، فقال : « أنزل عليها بعد موت
أبيها . قلت : ففيه شيء من القرآن ؟ فقال : ما فيه شيء من القرآن .
قلت فصفه لي ، قال : له دفّتان من زبرجدتين على طول الورق ،
وعرضه حمراوين . قلت : جعلت فداك فصف لي ورقه ، قال : وروقه
من درّ أبيض ، قيل له : كن فكان . قلت : جعلت فداك فما فيه ؟
قال : في خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة ، وفيه خبر
سماءٍ سماءٍ ، وعدد ما في السموات من الملائكة ، وغير ذلك ،
وعدد كلّ م خلق الله مرسلاً وغير مرسل وأسماؤهم ، وأسماء من
أرسل إليهم ، وأسماء من كذّب ومن أجاب ، وأسماء جميع من خلق
الله من المؤمنين والكافرين من الأولّين والآخرين ، وأسماء البلدان ، وصفة كلّ بلد
في شرق الأرض وغربها ، وعدد ما فيها من المؤمنين ، وعدد ما فيها من
الكافرين ، وصفة كلّ من كذّب ، وصفة القرون الاولى وقصصهم ،
ومن ولي من الطواغيت ومدّة ملكهم وعددهم .
وأسماء الأئمّة وصفتهم ، وما يملك كلّ واحدٍ واحدٍ ،
وصفة كبرائهم ، وجميع من ترددّ في
الأدوار .
قلت
: جعلت فداك وكم الأدوار ؟ قال : خمسون
ألف عام . وهي سبعة أدوار ، فيه
____________
أسماء
جميع ما خلق الله وآجالهم ، وصفة أهل الجنّة ، وعدد من يدخلها ، وعدد من يدخل النار
، وأسماء هؤلاء وهؤلاء ، وفيه علم القرآن كما أنزل ، وعلم التوراة
كما انزلت ، وعلم الإنجيل كما انزل كما انزل ، وعلم الزبور
، وعدد كلّ شجرة ومدرة في جميع البلاد » .
قال
أبو جعفر عليه السلام : « ولمّا أراد
الله تعالى أن ينزل عليها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن
يحملوه فينزلون به عليها ، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل ، فهبطوا
به وهي قائمة تصلّي ، فما زالوا قيّاماً حتّى قعدت ، ولمّا فرغت من
صلاتها سلّموا عليها وقالوا : السلام يقرئك السلام ؛ ووضعوا
المصحف في حجرها ، فقالت : لله السلام ومنه السلام وإليه
السلام وعليكم يا رسل الله السلام ، ثمّ عرجوا إلى السماء . فما
زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه حتّى أتت على آخره .
ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله
من الجنّ والإنس ، والطير والوحش ، والأنبياء والملائكة
» .
قلت
: جعلت فداك فلمن صار ذلك المصحف بعد
مضيّها ؟ قال : « دفعته إل أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا
مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين عليهما السلام ، ثم عند أهله حتّى
يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر . فقلت : إنّ هذا العلم كثير !
قال : يا أبا محمد ، إنّ هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من
أوّله ، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثانية ولا تكلّمت بحرف
منه » (1) .
وختاماً
للبحث حول اسم المحدثة نذكر ما قاله
العلامة الهمداني تعليقاً حول الروايات الواردة في هذا المقام
حيث قال تحت عنوان فائدتان : إنّ ما يستفاد من هذا الأخبار في شأن
مصحف فاطمة سلام الله عليها في وجوه مختلفة :
منها
: ما يدلّ على أنّ الله تعالى أرسل
ملكاً أو يأتيها جبرئيل بعد قبض نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم
يحدّها عليه السلام ويكتب عليّ عليه السلام ، كما في الحديث الأوّل
والثاني من البحار .
ومنها
: ما يدلّ على أنّ مصحف فاطمة عليه
السلام كان موجوداً في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما
____________
(1)
دلائل الإمامة
للطبري : 27 ـ 28 .
( 423 )
لاحظت في
حديث « البصائر » بقوله عليه السلام : ولكنّه إملاء رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وخطً عليّ عليه السلام
.
ومنها
: ما يدلّ على أنّ الله عزّ وجلّ أوحى
إليها كا لاحظت في الحديث الثالث من « البصائر » بقوله عليه
السلام : « إنّما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها » . ويستفاد أيضاً أنّ مصحفها
سلام الله عليها يشتمل على جميع الأحكام الشرعيّة من نصف الجلدة أو
جلدة واحدة حتى أرش الخدش ، وأنّ فيه أسماء جميع الناس
والكائنات جميعها من الشجر والمدر وغير ذلك كما في حديث «
دلائل الإمامة » ، وفيه ذكر الحوادث المهمّة إلى يوم القيامة .
ويستفاد أيضاً أنّ من مصادر علوم أهل البيت عليهم
السلام وكانوا يرجعون إليه (1) .
(1)
البحار : 43 | 80 .