الفصل
الثامن
الحمد
للصدق والأمانة
قال لي
سلمان رشدي في مقابلة معه في عام 2002 ، "أذكرُ تسلمي اعدادا هائلة من رسائل
مؤثرة للغاية بعث بها قراء مسلمون لرواية "الآيات الشيطانية" ، وخاصة من
مسلمات أعربن عن شكرهن لي على فتح باب ، كما تعرفين" (1). إي والله اعرف. فقبل اسبوع من ذلك نظمت نساء مؤتمرا
للمسلمين المتعطشين الى الاصلاح في منطقة تورنتو. وكانت غالبية المشاركات لا يرتدين الحجاب ، ولا حتى شكلا جذابا
منه. ولكنهن كن حريصات ما فيه
الكفاية على الاسلام بحيث حضرن صباح يوم رائع من ايام السبت لمناقشة ما تواجهه العقيدة
الاسلامية ـ وموقعهن فيها.
وقف شخص مشاغب على المنصة.
وتساءل خالد ابو الفضل ، البروفيسور في جامعة كاليفورنيا ، لوس انجيليس ،
الذي تبنى كلابا سائبة تحديا للملالي اللؤماء قائلا ، "لماذا أحتاجُ الى 30
الف كتاب في مكتبتي؟ ألأن كل كتاب
منها يقول الشيء نفسه تماما؟
فالطريقة التي نعامل بها نحن المسلمين تراثنا الفكري كبيرة الشبه بالكتب
التي تؤكد كتابا تلو الآخر "الحقيقة البسيطة" متمثلة بالاسلام ، وكفى
الله المؤمنين شر القتال".
فالعلماء المسلمون اليوم "لا بد ان يكونوا اشد ما عرفته البشرية تبلدا
وأكثر ما انجبته ابتعاثا على الملل لأن كل واحد منهم يستطيع ان يقول "سأكتبُ
الأشياء نفسها على وجه التحديد التي قيلت على امتداد السنوات الستمائة
الماضية"" (2).
اطلق
الحاضرون ضحكات خافتة. وفي
الطريق الى مقعد شاغر اومأتُ الى صديق مسلم ، مثلي كان يعاشر صبيا يهوديا يرتدي
القلنسوة التقليدية. وقبل أن أجلس
في مقعدي تبادلتُ العناق مع تركية بوسنية لم أرها منذ تزوجت من مكسيكي ذي تربية
كاثوليكية. وهما الآن عضوان في حلقة
من المسلمين الصوفيين في مدينة مكسيكو ستي.
لقد كان هذا جمهورا من المستبعَد أن يعمد الى طرد البروفسيور الفضل في اي
وقت قريب.
أُخِذ الفضل بهذه التظاهرة من مشاعر المحبة وقرر ان يهتك كل الاستار فتساءل
، "هل عرفتُم ذات يوم حضارة تنمو على اساس القاسم المشترك الأصغر؟ حضارة يمكن
ان تكون آمنة بأيدي مغفليها بدلا من عباقرتها؟ فالحضارة يبنيها الفنان والأديب والقدرة على صنع الجمال
والموسيقى واساليب تعبير جديدة.
والحضارة تتقدم حين تكون هناك مكافأة لا فتوى ، على أصالة
الفكر!". أردتُ أن ابدأ موجة
من الهتاف ولكن إذ كان جميع الآخرين في حال من الانتشاء تمالكتُ اعصابي بممارسة
شكل من اشكال "الجهاد الداخلي".
شيء واحد ازعجني. فلو تفوه
بالكلمات الكفاحية التي قالها الفضل شخص غير مسلم لدُقت عنق المتحدث بالمعنى
الاستعاري للكلمة ـ لا على ايدي المتشددين ( فهؤلاء لا يكترثون بالاستعارات )
وانما على ايدي غالبية المعتدلين الحاضرين في القاعة. والحق انه ليس ثمة ما هو اسلامي تحديدا في ذلك. فعندما يكون بمقدور الكوميدي الاميركي
الأسود كريس روك ان يطلق كلمة "نيغر" “niger” ذات
اليمين وذات الشمال خلال نمرته ولكن المطربة جينفر لوبيز تثير ضجة لاستخدامها
الكلمة نفسها دون أي معنى تحقيري وراءها ، لا يكون المسلمون وحدهم المنشغلين
بخفايا سياسة "التمثيل".
ولكن لماذا لا يمكن للتمثيل الصحيح ان يعتمد على قيم مشتركة بدلا من اوجه
شبه سطحية في لون البشرة عند السود والتوجه الجنسي عند المثليين والدين عند
المسلمين؟ أحسبُ ان غالبية النساء
اللواتي استمعن الى الفضل ذلك اليوم سيَسحَقن كل من يأمرهن بإرتداء زنار على
فساتينهن. لماذا ، إذاً ، يريد أي
منا ان يفرض قوالب الصوابية على غير المسلمين؟
أم ان غير المسلمين يمارسون الرقابة الذاتية؟
كان لديَّ سبب للتفكير في هذا السؤال قبل ايام على كلمة الفضل. فان صديقا (لنسمه اليكس) كان يزيِّن
المركز الطلابي لجامعة تورنتو بعلامات رُسمت عليها اشكال اصابع تشير الى اعلى والى
اسفل لمساعدة الطلاب الجدد في معرفة الاتجاهات الصحيحة. وكان اليكس الذي صمم هذه العلامات على كومبيوتره يتباهى برسم
الاصابع دون استخدام اللون الابيض.
ففي احدى العلامات كان الاصبع اسود وفي علامة اخرى كان رماديا ( اقرب ما
حققته طابعته الى اللون الأسمر .
وعندما أراني اليكس العلامات ابتسمتُ مشجعةً ، ثم ذكر مقالة في صحيفة ذلك
اليوم عن التطرف الاسلامي في الدنمارك (3).
وشجب الصحيفة قائلة انها "تقوم بتنميط المسلمين كافة".
بعدما قرأتُ المقابلة اعربتُ عن اختلافي مع اليكس وقلتُ "أعتقد انهم
يسلطون الضوء على اشياء مقلقة حقا".
وعلى الفور اتفق مع استيائي من استغلال بعض المسلمين لليبرالية الدنمارك ،
ومن سكوت الغالبية الذين يشكلون الاسلام السائد على سلوكهم. وتذكَّر اليكس احصائية في المقالة تقول
ان المسلمين يستهلكون 40 في المائة من الاعانات الاجتماعية التي تقدمها الدنمارك
رغم انهم يشكلون 5 في المائة فقط من السكان. وهذا أمر مقلق لأنه عندما تدفع الدولة لكي يعيش مارقون ، يتوفر
لهم الوقت من اجل اعداد خططهم وتنفيذها.
لا استطيع القول إن كانت الاحصائية دقيقة ولكن من الواضح انها كدَّرت
اليكس. ومع ذلك فهو في حرصه على عدم
الاساءة الى المسلمة التي في داخلي اتهم الصحيفة بالتعدي صحفيا. لقد كان تدليس اليكس "غير
المؤذي" يضاهي انعدام الصدق والأمانة عند ما لا يُحصى من المسلمين.
إذا كنتَ من امثال اليكس فأرجوك ان تسمع. هناك اكثر من طريقة واحدة لاستغلال الاسلام. بعض المسلمين يستغلونه سيفا وهم اوغاد
لقيامهم بذلك. ولكن مسلمين لا يقلون
عن هذا البعض ـ أو حتى أكثر ـ يستغلون الاسلام درعا ، وهذا مدمِّر ايضا. فهذه الدرع تحمي المسلمين من مراجعة
الذات وغير المسلمين من الذنب.
وكثيرا ما يخاطب المسلمون غير المسلمين واعظين اياهم ، "لا يحق لكم
وضع ديني موضع تساؤل. فانكم لن
تفهوا الاسلام ابدا". ( من بين
المعاني المتعددة لهذا القول: أنا كمسلم لا أشعر بالثقة ، لا أُريد ان افهم من اين
"انت" ) "لقد مارستم
العرقية بحق شعبي في السابق وستعمدون الى تصويرنا مجددا على اننا "مصدر
إشكال" ( الفحوى: نحن المسلمين
لا قدرة لنا ، وهذا ما علَّمني استاذي في موضوع الدراسات الثقافية ).
رأيتُ هذه اللعبة مرات كثيرة حتى غدوتُ بارعة في وصفها. ولذا سأقولها بلا تزويق: منذ بداية شبابي والمسلمون في الغرب
يرضعون حليب الجهل العام بالاسلام نائحين في مطالبتهم بالاعتراف لهم بالأحقية في
كل الأحوال وبأي ثمن. وقد لاحظ
معلقون آخرون ذلك. فحتى قبل 11
سبتمبر ( ايلول ) كتبت الصحافية البريطانية ياسمين علي باي براون "ان الفكرة
القائلة بأن مجتمعنا مجرد تعاهد بين جماعات على عدم التدخل ، ليست فكرة خاطئة فحسب
بل وفكرة مستحيلة ايضا. فنحن جميعا
مرتبطون ببعضنا بعضا بالضرورة" (4).
وعليه يجب ان نلقي الدرع جانبا ونقبل بالحق الطبيعي لأي مجتمع منفتح ، وهو
ان من الجائز لنا ان نطرح اسئلة على بعضنا بعضا ، احيانا اسئلة محدَّدة ، واحيانا
اسئلة تُثار في العلن.
بهذه الروح ينبغي ان لا نسمح لوصفات التعدد الثقافي ان تخدِّر عقولنا اكثر
مما فعلت. ولكن هذا ما نفعله. وعلى سبيل المثال ان مشروعا بعنوان
"المسلمون في الساحات العامة الاميركية" يشيد بالخيمة الواسعة التي
تستظل بها الجمهرة الواسعة من الناخبين المسلمين في الولايات المتحدة. ويزمِّر موقع المشروع على الانترنت انه
"ابجديا ، يمتد اعضاؤنا من الالبان والافغان والجزائريين من جهة الى اليمنيين
والزنجباريين من الجهة الاخرى. وما
يدعو الى ارتياح البعض منا حقيقة ان احساسا جديدا بالتضامن الاسلامي يتبلور...هنا
في الولايات المتحدة" (5).
فالانقسامات القديمة تتبدد والوحدة تنبثق من التعدد. ان مشروع "المسلمون في الساحات
العامة الاميركية" يروي حكاية
نضج من النمط الكلاسيكي.
سوى ان هناك مشكلة واحدة:
ففي آخر نظرة على موقع المشروع يظهر ان مجلسه الاستشاري لا يضم امرأة في
عضويته. يضاف الى ذلك ان المشروع نشر في موقعه ، صور 25 "زعيما وطنيا
مسلما" تنادوا للمشاركة في فريق عمل ذي مهمة محدَّدة شكَّله المشروع ، ولم
تكن هناك امرأة بينهم. لا يهمني
وجود اعداد متساوية من الجنسين من باب المظاهر فقط ولكن شكواي تتعلق بعدم اتخاذ
خطوات ضرورية لتقويض الاسلام القَبَلي.
وازاء السجل البائس للعالم الاسلامي المعاصر في مجال حقوق الانسان ، التي
تشمل حقوق المرأة ، فان سؤالي هو الآتي:
غياب المرأة يعني نقص التعددية ونقص التغيير. هل نبه أحد هؤلاء المسلمين في الساحات العامة الاميركية الى الثغرة
الكبيرة في "تنوعهم" أم ان تنبيههم سيُفسد جَذَل المتمهرجين بتعددهم
الثقافي؟
أُريد ان اسوق مثالا قديما آخر يبين كيف يجري تنويمنا نحن في الغرب بمسكنات
التعدد الثقافي. ففي عام 1994 القى
نائب رئيس الوزراء الماليزي حينذاك انور ابراهيم محاضرة في جامعة جورجتاون بعنوان
"الحاجة الى حوار حضاري".
واعترف انور الذي أُودع السجن لاحقا بأن "الجهل والظلم والفساد
والنفاق والانحطاط الاخلاقي متفشية تماما في المجتمعات الاسلامية المعاصرة"
(6). ولكنه حذر من "ان
"المستهلك الساذج لما تنشره وسائل الاعلام الجماهيرية اليوم سيخرج بانطباع
مفاده ان العالم الاسلامي ليس مأهولا إلا باصوليين متشددين وخطرين". والحقيقة ان الحضارة الاسلامية
"انتجت الكثير من قصص الحب".
واورد انور كمثال على ذلك قصة "مجنون ليلى. وقال "ان القصة تروي ان هذا الشاب كان موضع استهزاء
وسخرية لهيامه بحب البنت لأن ليلى كانت بنظر العالم بشعة في مظهرها الجسدي. وردا على ذلك كان الشاب دائما يجيب: "لكي يرى المرء جمال ليلى يحتاج الى
عين مجنون"". آو ، ليلى
الدميمة وجدت الحب ـ يا له من حدث زاخر بالمعاني الروحية السامية.
وإذ أُخاطر بإفساد رومانسية هذه اللحظة أتساءل: هل عند ليلى خيار البقاء عازبة على ان تتزوج من مجنون؟ هل يُسمح لها بالرحيل عن البلاد من دون
موافقته؟ هل تستطيع ان تختار المهنة التي ترغب فيها؟ هل تستطيع ان تزاول مهنة ما اصلا؟ هل طرح غير المسلمين الذين
استمعوا الى المحاضرة أياً من هذه الاسئلة؟
انور ابراهيم ما كان ليذوب تحت وطأة الاستجواب. فهو يريد الالتزام بحقوق الانسان ، وهذا ما أخاف زعيمه ، رئيس
الوزراء الماليزي الذي رماه في السجن لاحقا لإسكاته. لماذا هذا الأدب الجم تجاه قصص حلوة يمكن ان تنمّ عن حقائق
بشعة؟
ملحوظة لغير المسلمين:
تجرأوا على افساد رومانسية اللحظة.
فعندما يصر المسلمون على "أننا انظمة ديمقراطية بطريقتنا
الخاصة" ليس عليكم إلا ان
تطرحوا سؤالا واحدا: ما هي الحقوق
التي تتمتع بها حقا المرأة والأقليات الدينية؟ لا ريب في انكم سوف تسمعون في معرض الرد ان على الغرب ان يلقي
نظرة فاحصة على الطريقة التي يمتهن بها المرأة من خلال الأثداء الاصطناعية وتصغير
البطن بالشد والسحب من اجل ان تكون مقبولة اجتماعيا. موافقون ، فعلى الغرب ان يلقي نظرة متمعنة. ولكني طيلة سنوات عملي ناشطة نسوية في
الغرب لم التق قط فتاة تبرَّأ منها والداها لأنها رفضت ان تحشو صدرها بأثداء
مصنوعة من مادة السليكون ـ ولكن آباء عدة رفضوا بناتهم لمقاومتهن ختان البضر. وغير المسلمين لا يسدون خدمة للعالم
بالتزام جانب الصمت الأخلاقي ما أن يبدأ المسلمون بالحديث. تجرأوا على افساد اللحظة.
إسألوا ادعياء الفكر من آخر زمن ـ الناشطين من اجل السلام مثلا ـ لماذا
يتحالفون مع شخصيات معينة ويتوقعون منا ان نصفق لهم. ففي يناير ( كانون الثاني ) 2003 عندما كان مجلس الأمن الدولي
يناقش سبل نزع اسلحة صدام حسين ، تابعتُ احتجاجا نظَّمه مناهضو الحرب في تورنتو. الخطيب الأخير في ذلك اليوم ـ قائد فريق
الأحلام المناهض للحرب ، إذا شئتم ـ ينشر صحيفة تُسبِّح بحمد الثيوقراطية من النمط
الايراني (7). وكان علي ان اتساءل
ما إذا كان للجماهير المزمِّرة والمصفِّرة والمصفِّقة الحق القانوني اصلا في
التجمع لو حقق أمثاله مراميهم. عصر
ذلك اليوم نفسه في واشنطن دي. سي ، اعطى مناهضون للحرب ، الكلمة الى رجل دين مسلم
كان قد اعلن في اكتوبر ( تشرين الأول ) 2001 "ان الصهاينة في هوليود ،
والصهاينة في نيويورك والصهاينة في دي. سي" يتآمرون ضد المسلمين (8). وإذا كان على الولايات المتحدة ان تعيد النظر في تحالفاتها فان
على الغربيين التقدميين ان يحذوا حذوها ولكن المرء لن يعرف زيف بعض الشراكات ما لم
يتجرأ على إفساد اللحظة بالسؤال.
إسألوا عن الأموال التي تتبرعون بها للأعمال الخيرية. فطبقا لموقع "النساء في ظل القوانين
الاسلامية" هناك "وكالات مانحة" لا يُعرف عددها تقوم دون ان تدري
بتمويل مدارس دينية ومكاتب للعمل الاجتماعي يديرها اصوليون. والاصوليون بدورهم ، يشددون "الضغط
على الرجال لحضور الجوامع وعلى النساء للتحجب". وهم يعملون من اجل "الغاء المدارس المختلطة وتحريم العلوم
والألعاب الرياضية والفنون على الفتيات ، وتدريس مناهج تربوية تشجع على كره
الآخرين" (9). ولا تنخدعوا
بالاسماء المحايدة في الظاهر. فان
مؤسسة الاحسان الدولية
The Benevolent International Foundation ومنظمة الرحمة للاغاثة الدولية the Mercy International relief Organization ومؤسسة الاغاثة العالمية Global Relief Foundation ـ كلها اسماء وديعة ، وكلها
مشتَبَه بضلوعها في اعمال ارهابية اسلامية (10). ثم هناك منظمة الرعاية الانسانية الدولية Human Concern International وهي جمعية خيرية اسلامية تتخذ من
اوتاوا مقرا لها. وتمكَّن مديرها
الاقليمي لباكستان الذي كان في حينه مواطنا كنديا يُدعى احمد سعيد خضر ، من اقناع
كنديين مسلمين لفترة من الوقت بالتبرع بمجوهرات وشيكات "للتخفيف من معاناة
الانسانية". ويبدو انه لم يخطر
ببالهم قط ان هذا الشخص قد يكون ناشطا كبيرا في شبكة "القاعدة" . وبعد ان القت السلطات الباكستانية القبض
على خضر بسبب مشاركته في مؤامرة لتنفيذ عمليات تفجير في عام 1995 قررت منظمة
الرعاية الانسانية فصله. وفتح خضر ،
فور اطلاق سراحه ، جمعية خيرية منافسة باسم لا يقل وداعة هو "المنظمة الدولية
للمشاريع الصحية والتعليمية" Health and education Projects International. اني لا احثكم على الكف عن تقديم التبرعات بل احضكم على الكف عن
الوثوق بأن تبرعاتكم تذهب الى مَنْ يستحقها. تجرأوا على إفساد اللحظة.
انتم تغتبطون لملاحقة السياسيين بالاسئلة الصعبة ، اليس كذلك؟ فهذا عمل لا يُخيفكم بقدر ما تُخيفكم
محاسبة المسلمين ، اليس كذلك؟ حسنا. إذا كنتَ مواطنا اميركيا ، كيف تعرف ان
الدولارات التي تدفعها كضرائب لا تذهب لتمويل كتب مدرسية تروج العدوان في
افغانستان ، مثلما كانت تفعل خلال حقبة ريغان بواسطة الوكالة الاميركية للتنمية
الدولية؟ هل استنطقتَ نائب منطقتِك
في الكونغرس لتزويدك بالمعلومات؟
وإذا كنتَ تعيش في النرويج هل تعلم ان مدارس تعليم اللغة الانجليزية التي
تُديرها ولايتُك ( تديرها من جيبك ) تقوم احيانا بعزل النساء المسلمات عن الرجال
المسلمين والتخلف بذلك عن تثقيف هؤلاء المهاجرين بأبسط مقومات التعددية ، وهو
التعليم المختَلَط؟ وأنتم يا سكان هولندا ، كيف تضمنون ان شبكة الارسال الاسلامية
الهولندية لم تعد تزود محطتكم التلفزيونية العامة ، نيدرلاند 1 ، بمواد تقطر
كراهية ، كما فعلت في 11 سبتمبر ( اليول ) 2001؟ ولسكان كندا اقول انكم ينبغي ان تعرفوا ان مجموعة ممولة من
الحكومة الفيدرالية هي Toronto Response for Youth (TRY) ، نظمت بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لاعتداءات 11 سبتمبر (
ايلول ) ورشات عمل حول ضرورة التسامح.
ولكن المجموعة نسبت الصور النمطية التي تروجها وسائل الاعلام عن المسلمين
وغيرهم الى "شركات يديرها في الغالب ذكور قوقاز أو يهود"؟ أهذا موقف مناهض للعنصرية؟ ولمن؟ لأليس وعلي في بلاد العجائب؟ هل نستطيع ان نحاول انفاق اموالنا على مساع أكثر أمانة؟
بعضكم قد يتبرم مع نفسه قائلا ، "ولكن الحقيقة ان بيضا ويهودا يديرون
كل الشركات متعددة الجنسية التي تملك وسائل الاعلام. فهل قول الحقيقة يجعلنا عنصريين؟" (11) بصرف النظر عن الرجل الأسود المدعو
ريتشارد بارسونز الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة تايم وارنر ، واوبرا
وينفراي وسوني ميتا وكوينسي جونز ، لنفترض انكم على صواب في القول ان بيضا ويهودا
يسيطرون على مفاصل الثقافة السائدة.
وما دمنا نلعب بموجب هذه القواعد يكون من واجبي ان اكشف المزيد عن مجموعة TRY ، ذلك المشروع المناهض للعنصرية. فان غالبية رؤساء الورشات كانوا اصحاب اسماء مسلمة. وربما ينبغي ان نستغرب لأن مناهضة
العنصرية ترتدي شكل معاداة السامية عندما يكون مسلمون في موقع المسؤولية. أم ان تحديدي لمعالم شخصية هؤلاء الأفراد
يضعني في مصاف العنصريين؟ ألا تتحدد
شخصية المناهضين للعنصرية بتخيُّل بشرة بيضاء وقلنسوة يهودية وراء تنميطات وسائل
الاعلام؟ هل هم أكثر أم اقل عنصرية
مني ، أم انهم بكل بساطة على القدر نفسه من العنصرية؟ تستطيعون ان تروا ما تؤول اليه مثل هذه المنازلة من رتابة
مملة.
الأجدى بكثير ان نسأل لماذا ان استجواب البعض ( المسلمين على سبيل المثال )
استجوابا مشروعا ، ينطوي على تهمة العنصرية في حين ان استجواب البعض الآخر (
الاميركيين غير المسلمين على سبيل الماثل ) استجوابا مشروعا ، لا يحمل معه هذه
التهمة. فلا اميركا ذات لون واحد
ولا الاسلام احادي اللون. ولا هي
ولا هو "عرق" بالمعنى
النوعي المتزمت للكلمة. فأين
الإشكال؟ ثلاثة اشياء على الأقل.
اولا ، ان الاميركيين يعتبرون ان ما يحدِّد كيانهم هو فكرة ـ فكرة
الحرية. ورغم ان بلدهم ليس منزَّها
من العنصرية فان فكرة الحرية لا تمت بصلة الى العنصرية. ولهذا السبب ، من بين اسباب اخرى ، لن يكون من المنطقي وصف
مستجوبي اميركا بأنهم "عنصريون".
ولأن تهمة العنصرية الماحقة لا تُلصق بمنتقدي اميركا فان نقدهم لها يبدو
مباحا ، وهو مباح بالفعل ـ مثلما ينبغي ان يكون مباحا نقد الامة الاسلامية
المتنوعة ديموغرافيا ( سكانيا ).
والمسلمون الذين يوجهون تهمة العنصرية تلقائيا لمن يستجوب الاسلام هم
انفسهم يكرسون الخرافة القائلة اننا جميعا نأتي من مكان واحد. ولا يمكن تحميل اليهود أو البيض مسؤولية
هذا التنميط.
ثمة سبب ثان يسوغ استجواب الاميركيين غير المسلمين ـ والغربيين عموما ـ
ولكنه لا يصح على المسلمين.
فالغربيون ليس من عادتهم الاعتداء عليك جسديا لاختلافك مع الحكومة. والاميركيون لا يرحبون كلهم بالحقيقة
الماثلة في ان مجلة نيويورك تايمز ماغازين سخرت من تقدير مكتب التحقيقات الفيدرالي
لعدد المجندين في شبكة "القاعدة" العاملين في اميركا واصفة هذا التقدير
بأنه "تخمين طائش بهذا القدر أو ذاك" (12). ولكن هل أُحرقت مكاتب المجلة ، كما حدث في نيجيريا عندما
استثار معلق ، المسلمين الحاكمين عن غير قصد؟ وكانت قنوات كابل اميركية مختلفة بثت اعلانات تجارية تسأل ،
"أي سيارة سيقود المسيح؟" غامزة من قناة الاوليغارشية النفطية. كما بثت هذه القنوات اتهام نلسن مانديلا
لجورج دبليو بوش بوصفه "رئيسا غير قادر على التفكير السليم" (13). ولكن هل سُحبت تراخيص هذه القنوات أو
تعرض صحافيوها الى الاعتداء؟ ومن
باب المقارنة فان العربية السعودية والكويت والاردن طردت صحافيي قناة
"الجزيرة" لانتقادهم
انظمة الحكم في هذه البلدان.
ما يشهد على حجم النقد الذاتي الذي تحملته الولايات المتحدة ان جيللو
بيافرا ، المغني الرئيسي في فرقة "دايد كنديز" Dead Kennedys لموسيقى البانك
إبان الثمانينات ، قام بعد 11 سبتمبر ( ايلول ) بجولة في مدن اميركا الشمالية ردد
خلالها اغنية صارخة عن بوش. وسخر
بيافرا من خنَّة بوش وهو ينقل عن الرئيس اقوالا مليئة بالاخطاء النحوية ، ليدخل
السرور المخلوط بالدهشة في نفوس مستمعيه.
ان الله نفسه لا ينجو من المداعبة الخشنة في بعض مناطق الولايات
المتحدة. وقد تابعتُ ذات مرة رجلا
في فينيس بيتش بولاية كاليفورنيا ، يغني نسخته الخاصة من نشيد "الله يبارك
اميركا" بعد تحويرها. فهاكم
استمتعوا بها:
الله يبارك سروالي الداخلي
سجلوا اني أُحب
الدخول في سروالي الداخلي
وان أُحسُ بسروالي الداخلي
بين ردفيَّ حين أركب ، أو أقود الدراجة.....(14)
صاحبنا قد يكون أحمق ولكن سرواله الداخلي لم يخضع لتفتيش ضباط غاضبين من
مكتب التحقيقات الفيدرالي ولا ردفاه تعرضا لركلات الانجيليين المسيحيين. ليحاول واحدكم التصديح باغنية مرحة عن الله
في بلد مسلم. فنحن نعرف الهستيريا
التي تنفجر عندما تُروى نكات عن النبي محمد ـ فما بالكم بالله!
أعودُ الى الحديث عن اميركا فاقول ان رجال الرئيس ينقضُّون متى يستطيعون
الانقضاض. اعتقالات اعتباطية ،
عمليات تفتيش عشوائية ، مصادرات غير مبرَّرة ، هواتف ملغومة بأجهزة تنصت ، رسائل
مفتوحة ، وثائق حكومية مصنَّفة:
الولايات المتحدة ساحة لكل هذه التجاوزات. والجنود في قاعدة عسكرية بولاية كاليفورنيا يجوز لهم اطلاق
النار بهدف القتل إذا تجاوز الناشطون المناهضون للحرب الحدود المسموح بها. ولدى البنتاغون مكتب ارتباط لأغراض
الترفيه يعقد صفقات مع هوليود من اجل تزيين صورة الجيش الاميركي على حساب الحقيقة
التاريخية. وأمرت ولاية فلوريدا ،
التي يحكمها شقيق جورج دبليو بوش الأصغر جب ، سائق سيارة مؤخرا بتسليم اللوحة التي
تشير الى رخصة القيادة لأن الحروف المكتوبة عليها تعني كلمة "ملحد" ATHEIST . وان محطة
"كلير تشانل" Clear Channel ، وهي
اكبر شبكة اذاعية في اميركا مقرها بولاية تكساس ، الى جانب كونها من مؤازري الرئيس
ماليا ، محضت دعمها للحرب على الارهاب بالتوقف عن بث نحو 160 اغنية ولحنا يمكن ان
تجرح مشاعر الاميركيين بعد ما حدث في 11 سبتمبير ( ايلول ). إذاً ، ان الرقابة البوليسية متفشية في
ارض الحرية.
ولكن الشيء نفسه
يمكن ان يُقال عن توثيق هذه الرقابة توثيقا يوميا. فأنا وانتم نعرف تفاهات اميركا لأننا نسمع عنها طوال الوقت
(15). ومن الطبيعي ان نحمل على بلد
ما عندما نكون عارفين بسوءاته ، ومن الطبيعي ان نذيع هذه السوءات عندما نعرف اننا
لن نُعاقب على ذلك بقطع ألسُننا أو أذرعنا أو رؤوسنا. وينبغي ان يتساءل المسلمون إن كانت مثل هذه الترفيات ( تُسمى
في الغرب "حقوق" ) تسهم في ما يجعل من الطبيعي لنا ان نلوم اميركا
واسرائيل دون ان تمتد تمحيصاتنا لتشمل البلدان الاسلامية. وغير المسلمين ينبغي ان يستفهموا لماذا
لا يطرحون علينا هذا السؤال في احيان أكثر.
والآن ما يتعلق
بالسبب الأخير وراء كوننا نعتبر من اللائق انتقاد الاميركيين وليس انتقاد
المسلمين. فالولايات المتحدة لن
تستمع الى تعداد يسرد عليها سلبياتها فحسب بل ان الولايات المتحدة ستقر بالمسؤولية
عن البعض منها ايضا. وحتى عندما
يتعلق الأمر بأقدس الأقداس عندهم ، وهو المال ، فان الاميركيين يعمدون احيانا الى
مراجعة أنفسهم بشفافية لتصحيح الحال.
وطيلة صيف 2002 دأبت محطة "سي ان بي سي" CNBC ، وهي القناة المالية المفضلة في الولايات المتحدة ، على تغطية
عمليات الاحتيال والتلاعب بالحسابات في شركة انرون العملاقة للطاقة. وتساءل احد البرامج المصوَّرة "اين
حدث الخلل؟". وبعد مرور ستة
أشهر اعلنت مجلة "تايم" اسماء شخصياتها لذلك العام: انهم اولئك الذين فضحوا اميركا
الرأسمالية. وكانوا جميعهم من
النساء. وكان لديهن جميعا نظام
قضائي وسياسي يستطيعن الاعتماد عليه ، ابدى على ما يبدو اهتماما بما كن يريدَّن
توصيله. أين في العالم الاسلامي
تجدون نساء يجري الاحتفاء بهن لفضحهن الفساد؟ لا مكان. ليس
بعد.
يتوقف علينا نحن في الغرب اسقاط التهم الرجعية بالعنصرية التي تُوجَّه ضد
مَنْ يميطون اللثام عن سلبيات الاسلام ويقودون الحملة من اجل التغيير.
وإحداث التغيير يعني عدم تفسير القرآن تفسيرا حرفيا ، وكذلك عدم النظر الى
التعدد الثقافي نظرة احادية جامدة.
إذ لماذا ينبغي السكوت على ختان البنات بالإكراه؟ لماذا تدير الشرطة ظهرها عندما يهدد أب (
أو أُم ) بقتل ابنته التي تختار الزواج خارج اطار الدين؟ لماذا يفلت سائق سيارة اجرة مسلم يغتصب
امرأة متخلفة عقليا ، بذريعة "الحساسية الثقافية"؟ وترديدا لرأي البروفيسور الالماني
والمسلم المؤمن ، بسام طيبي ، لماذا ينبغي ان تكون حقوق الانسان مُلك غير
المسلمين؟ (16)
وفيما ينحني
الغربيون للتعدد الثقافي نتصرف نحن وكأن كل شيء مباح. فاننا ننظر الى استعدادنا للتفهم والمراعاة على انه دليل قوة
بل وحتى شكل من أشكال التفوق الثقافي ( رغم ان قلة منا سيعترف بهذا الجزء ). ولكن الاصوليين يعدُّون غرائزنا التي
تجنح الى إشراك الآخرين دليل ضعف يجعلنا رخوين ومائعين وتائهين. والاصوليون يمقتون الضعف ، وهم يعتقدون
ان الضعيف يستحق أن يُقهر. المفارقة
، إذاً ، اننا كلما زدنا حرصا على التهدئة والترضية ، زاد ازدراؤهم لهذا
"الضعف" فينا. ولعل
المفارقة التي لا مفارقة بعدها اننا لكي ندافع عن تنوعنا سيتعين علينا ان نكون أقل
تسامحا. وسيتعين علينا ، على اقل
تقدير ، أن نكون أشد يقظة.
واليقظة تتطلب
ان نطرح سؤالا روحيا ( ولكن ليس بالضرورة سؤالا دينيا ): اية قيمة هادية يمكن للغالبية منا أن
نعيش بها؟ ومن حشد الايديولوجيات
والأديان التي يعج بها هذا العالم ، أي مصفاة تستخلص حق الجميع تقريبا في حرية
التعبير؟ ان كلمة فضفاضة مثل
"التسامح" أو تعبيرا زئبقيا مثل "الاحترام المتبادل" لن يصلح
كقيمة هادية. إذ لماذا التسامح مع
التعصب المصمم على ممارسة العنف؟
اين هو المتبادَل في هذا الشكل من أشكال "الاحترام
المتبادَل"؟ أمين معلوف وهو
روائي في فرنسا ، يشخِّص المسألة بكل دقة:
"ان التقاليد لا تستحق الاحترام إلا بقدر ما تكون محتَرَمة ـ أي تماما
بقدر ما هي نفسها تحترم الحقوق الأساسية للرجل والمرأة" (17). ونحن الغربيين المسلمين وغير المسلمين
علينا ان نحدِّد القيمة التي تعكس هذا الموقف وننطلق من هذه النقطة لمراجعة
الماضي. وكل ما لا يدفع المجتمع في
اتجاه هذه القيمة ينبغي عدم التسامح معه.
وكان الله يُحب المحسنين.
مثل هذه الشبكة
الواسعة التي تُستخدم في مجرى عملية المراجعة ستصطاد تأويلات معينة للاسلام ،
وليكن ذلك. وأنا بصدد استحضار مثال
مثير لكنه مثال صادق على ما يمكن التسامح معه إذا أردنا صون حرية التعبير لأكبر
عدد ممكن من الناس. ففي عام 1999
اصدرت "محكمة الشريعة في المملكة المتحدة" التي عينت نفسها بنفسها
محكمةً كهذه ، حكما بالاعدام على الكاتب المسرحي تَرَنس ماكنولي. إذ ان مسرحيته "عيد الجسد" Corpus Christi صوَّرت المسيح
على انه رجل مثلي. وتظاهر عدة
مسيحيين ضد "عيد الجسد"
امام مبنى المسرح خلال عرضها الأول في مدينة ادنبرة ممارسين حقهم في حرية
التعبير. ومضى الشيخ عمر بن بكري
محمد ، احد قضاة محكمة الشريعة ، ابعد من ذلك باستخدامه ورقة الشرف. وإذ شجب الشيخ عمر "كنيسة
انجلترا" بسبب "اهمال شرف مريم العذراء وعيسى اليسوع" ، وقع فتوى ضد ماكنولي ثم قام
بتوزيعها في لندن (18). أهذه حرية
تعبير؟ نعم ، بمعنى ما. ولكن لو نُفذت الفتوى لأسفرت عن ازهاق
روح ماكنولي قاضية على حريته في التعبير وليس محجِّمَةً اياها فحسب.
وللانصاف فان
الفتوى اكدت ان ماكنولي ينبغي أن لا يُعدَم إلا في دولة اسلامية ، وانها أعطته
مخرجا: يمكن للكاتب المسرحي ،
بالاهتداء الى الاسلام ، ان يفلت من قطع رأسه. ولأن مثل هذه التوبة حل نصفي فانها تقضي رغم ذلك بموته ولكن
"عائلته سترعاها الدولة الاسلامية التي تنفذ الحكم وهو يمكن أن يُدفَن في
مقبرة مسلمة" (19). أبشروا يا
جماعة الخير!
أعطوني سببا
وجيها واحدا لماذا ينبغي ان يُسمَح للشيخ عمر بالبقاء في بريطانيا بعد أن افتى
بموت انسان. يدَّعي المجلس الاسلامي
في بريطانيا ان الشيخ عمر لا يمثل اكثر من الف مسلم من مجموع مليوني مسلم في
بريطانيا. إذا كان هذا صحيحا فليس
ثمة ما يستدعي توجس المسلمين في بريطانيا ـ بل المسلمين في الغرب بأكمله ـ من ملاحقته
قضائيا وابعاده لأن كل اشكال الاسلام التي تحترم حرية عدم الايمان ، وتحترم حرية
الفرد في السير بالطريق الذي يختاره ، ستبقى صامدة. اسلام الصحراء وحده الذي لن يصمد ، وأليس حريا بنا ان نتنفس
جميعا الصعداء لمثل هذا المصير؟
أقترحُ ان نتفق
نحن في الغرب على الفردية بوصفها قيمة هادية. وعندما نحتفي بالفردية فاننا نسمح لغالبية البشر أن
يكونوا ما يختارون ، سيان أن يكونوا معتنقي ديانة أو ارواحا حرة أو الاثنين. وعند
كثير من الغربيين قد تبدو "الفردية" شديدة القرب من النزعة الفردية أو
"الفردانية" الاميركية.
وهي لا يتعين ان تكون ذلك.
فان "الفردانية" ـ لا يهمني شيء سوى ذاتي ـ تختلف عن
"الفردية" ـ أنا مَنْ أنا ومجتمعي يستفيد من هذا التفرد وهذه
الخصوصية. وسؤالي لاوروبا غير
المسلمة هو: هل تعتقدين ان مسلميك
الستة عشر مليونا قادرون على المساهمة كأفراد؟ السؤال هو ليس ما إذا كانوا قادرين وانما ما إذا كنتِ أنتِ
تؤمنين بأنهم قادرون.
يا أوروبا ،
لماذا تترددين في تصور المسلمين مواطنين كاملين؟ ان كثيرا من العائلات المسلمة عاشت في المانيا منذ الحرب
العالمية الثانية فلماذا يُشار اليها على ان افرادها مهاجرون من الجيل الثاني أو
الجيل الثالث وليسوا المانا؟ لماذا
لا تتخلصين من عقدة النقاء العرقي التي تستحوذ عليكِ ـ عقدة تدَّعين استنكارك لها عند اسرائيل رغم ان اسرائيل منحت
جنسيتها للاجانب منذ زمن بعيد؟
أُناشدُكِ يا أوروبا ألا تبتكري حلفا غير مقدس بين القَبَلية الصحراوية
وقَبَلياتِك. تخلصي من تحفظاتِكِ
وتعلمي من النموذج التعددي لأميركا الشمالية حيث يمكن للمسلمين ان يصبحوا مواطنين
مندمجين. هل تريدين للتعددية ان
تعيد النظر بقدرتها على الاستيعاب ، فتسير أميركا على خطاها وتعيد النظر بتعدديتها
هي؟ إنكِ ستفعلين ذلك نكاية
بالاميركيين دون شك ، ولكنكِ ستخذلين ايضا أجدادك الليبراليين من ابن رشد الى
اراسموس ومن كانط الى فولتير. (
ولنكن صريحين ، ان فولتير كان سيرفع نخبا لذلك اليانكي الفظ الذي حول نشيد
"الله يبارك اميركا" الى اغنية عن سرواله الداخلي ).
يا اوروبا ، هل
سلَّمتِ بالاشاعة القائلة ان زمنكِ قد مضى ولا نصيب لك في المستقبل؟ لقد استشطتِ غضبا على الحرب الاميركية
الاخيرة في العراق ، ولكن الهجرة القادمة من بلاد المسلمين ينبغي ان تكون قضية لا
تقل استقطابا عندكِ. فان بقاءك كتلة
اقتصادية متميزة يتوقف على المهاجرين على الأقل بقدر ما يتوقف عليه مستقبل اميركا
الشمالية. وأنت لديكِ مصلحة ذاتية
في مساعدة المسلمين العرب على التأقلم لقبول الديمقراطية قبل ان يتدفقوا بأعداد
اكبر على مدننا. فلماذا لا تتحشدين
ضد الانظمة العربية التي تسيطر فيها اقليات سنية على اغلبيات شيعية؟ فأنا ، مثلي مثل كثير من الاوروبيين ،
عندي حساسية من الطائفية المذهبية ولكن اين موقفك المناهض للابارتهايد ( بمعنى
التمييز المذهبي ) في هذه الحالات؟
ما الذي تقولينه
لرامي خوري ، الصحافي الفلسطيني الذي يكتب ان لا وجود لمؤسسات مدنية مستقلة ذات
مصداقية في غالبية دول الخليج وسوريا والعراق ولييبا ، وانها تعمل تحت رقابة شديدة
من الدولة في السودان والجزائر وتونس واليمن؟ يا اوروبا ، ان اقتصاداتكِ تعاني من المشاكل حاليا. نعم ، اقتصاداتكِ تعاني الآن وبالطبع ينبغي ان تحاذري من العنصرية
المعادية للعرب التي يمكن ان تذكيها الازمة الاقتصادية. ولكن احذري من العنصرية التي تأتي من الافراط في المراعاة
والتعويض. فان وصف الصهاينة بأنهم
امبرياليون اوروبيون أو نازيون ليس السبيل الى راحة ضميرك المثقَل بل دعم حقوق
الانسان هو السبيل الى ذلك. مَنْ ذا
الذي يمنعكِ من تنظيم تظاهرات ضخمة في الشوارع ضد انتهاك الحريات الانسانية
العامة؟
لعل لديكِ ما
يغريك بأن تقولي لي انها ليست حريات كونية عامة. لعلكِ توصلتِ في ثورتكِ العارمة على العولمة ـ عملية يُفتَرَض
بانها توحد انماط الحياة ـ الى ان "كونية الحريات" تعبير أنيق ملطَّف عن
واحدية الثقافة. كوني واقعية. في ظل "واحدية" العولمة لا
يجبرني احد على ارتياد تلك الأماكن المتوَّجة بالاطواق الذهبية ( في اشارة الى
مطاعم ماكدونالد المميزة بهذه اليافطة ) تحت طائلة الاعدام. فان بمقدوري أن اختار الامتناع عن
قراءة قائمة الوجبات في مطعم ماكدونالد.
باستطاعتي ان اختار الطرب على انغام نصرت فاتح علي خان وان ارتدي قميصا
عليه شعار يندد باستغلال العمال الى آخر قطرة من عرق جبينهم ، وان استقل القطار
راحلة للمشاركة في هذا الاحتجاج أو ذاك دون ان يتعين عليَّ اولا ان اقنع والدي
بالموافقة على سفري. اما في ظل
الواحدية الناجمة عن "نزعة التأسيس" الاسلامية فلا استطيع الاختيار ،
ولا انتم تستطيعون الاختيار.
ومساواة شرور اسلام الصحراء بآثام العولمة خطأ يرتكبه المتخَمون
بالامتيازات ، اولئك الذين لم يعرفوا قط أي شيء أسوأ من اهوال التسويق لبيعهم
بضاعة ما.
يا اوروبا ، هل
استبدت بكِ تعقيدات الثقافة بحيث ضاعت عليكِ يقينيات الحضارة؟ وهذه كلمة ملغومة ، كلمة
"الحضارة". ولكن ، كما
بينتُ ، فان المسلمين يشتركون في
الحضارة الغربية ، وهم قاموا بدور القابلة المأذونة للنهضة الاوروبية ، موظفين
طوال الوقت يهودا ومسيحيين وغيرهم من الذين بدورهم استعاروا على نطاق واسع من
التقاليد الإغريقية والبيزنطية والثقافات المحيطة. ومسؤوليتنا العالمية الآن هي ليست تحديد هوية هذا وهوية ذاك بل
ان ننقل الى الاجيال القادمة ما ندين به جميعا لبعضنا بعضا.
بهذه النية أُريد ان اختتم حيث ابتدأتُ: بتقدير ما فعله الغربي لي ـ بل للكثير من المسلمين. فأنا مدينة للغرب برغبتي في المساعدة على اصلاح الاسلام. وبكل صدق ، يا شقيقاتي واشقائي في الاسلام ، فأنتم ايضا مدينون له.
1
ـ مقابلة مع سلمان رشدي ، تورنتو ، 20 سبتمبر ( ايلول ) 2002. "انقر" هنا لقراءة النص الكامل.
2 ـ خالد ابو الفضل ( كلمة
القاهام امام المجلس الكندي للنساء المسلمات ) ، تورنتو ، 14 سبتمبر ( ايلول )
2002.
3 ـ المقالة ذات
العلاقة هي بقلم دانيل بايبس Daniel Pipes ولارس هيدغارد
Lars Hedegaard بعنوان
“Muslim extremism: Denmark’s had enough,” National Post, August 7, 2002.
4 ـ Yasmin Alibhai-Brown, After
Multiculturalism (London, Foreign Policy Centre, 2000) p.7.
5 ـ Sulayman S. Nyang, “Why the Public square?”
www.projectmaps.com
6 ـ
انور ابراهيم ، "الحاجة الى حوار حضاري" ، محاضرة في جامعة جورجتاون ،
واشنطن دي. سي ، 6 اكتوبر ( تشرين الأول ) 1994.
7 ـ
قمتُ بالدعاية لهذه الصحيفة بذكر اسمها ولكني سأُشير الى أي درجة ينحو ناشرها ظفار
بنغاش باللائمة على الجميع باستثناء المسلمين عن ازمة الاسلام. ففي طبعة 15 نوفمبر
( تشرين الثاني ) 2002 من برنامج "حصانة دبلوماسية" الذي تبثه قناة تي
في اونتاريو ، قال بنغاش "ان المستعمرين حرموا المسلمين من مصيرهم ، وان
المسليمن يناضلون ضد ذلك".
سأل
الصحافي الذي كان يجري القمابلة معه ، انه "لو لم توجد اسرائيل وكانت الشيشان
مستقلة ، ولو كانت كشمير دولةمستقلة ، ولو حصلت اميركا على كل نفطها من اقليم
البرتا بدلا من العربية السعودية واعادت قواتها الى بلدها ، هل تقول ان كل شيء
سيكون على ما يُرام في العالم الاسلامي؟" فكان جواب بنغاش ، "بالتأكيد ،
لن تكون عندهم مشكلة ، انهم ما زالوا لا يواجهون مشكلة".
8 ـ عبد
المعين موسى كما ينقل عنه ديفيد كورن
“ Capital Games,” The Nation, February 10, 2002, p. 2 of online
version.
9 ـ www.wluml.org,
found under “Part One: The context of our Struggle”
10 ـ ماثيو
أي. ليفيت Mathew A. Levitt شهادة امام لجنة النشاط المصرفي والاسكان والشؤون الحضرية التابعة
لمجلس الشيوخ الاميركي ( اللجنةالفرعية للتجارة الدولية والشؤون المالية ) ، حول
دور الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية في تمويل النشاطات الارهابية ، 1
اغسطس ( آب ) 2002.
11 ـ في كتابها "في عالم مشتعل" World on Fire (New York: Doubleday, 2003 ) تكتب الاكاديمية من جامعة يال ،
ايمي تشوا
Amy Chua انه "إذا كان الاميركيون
اليهود يُعتبرون اقلية اثنية في الولايات المتحدة فهم لا يسيطرون قطعا على
الاقتصاد الاميركي...وليس هناك يهودي بين أثرى عشرة اميركيين".
12 ـ “Numbers in the News: Is there really an army of terrorists in our midst?” New York Times Magazine, February 26, 2002, p. 12.
13 ـ “Mandela
condemns US stance on Iraq,” www.bbc.co.k, January 30, 2003.
14 ـ هذا المشهد الادائي صوره السينمائي المستقل مايك داوني Mike Downie والبروفسيور في العلوم السياسية رون
ديبرت Ron
Diebert وبثه برنامج Big Ideas على قناة تي في اونتاريو TVOntario ، 24 نوفمبر ( تشرين الثاني )
2002. [ انظر الفيديو كليب ].
15 ـ مثال ساطع آخر على هذه النقطة يظهر في صفحة الشكر والتقدير من كتاب The America the Rest of the
World Knows
(Toronto:
McClelland & Stewart, 2003)
. فان مؤلف الكتاب الصحافي بيتر
سكوين Peter
Scowen الذي يعمل في صحيفة تورنتو ستار
Toronto Star يحمل على اميركا بوصفها انتهازية وخادعة وعموما تنتهك مُثُلها
ذاتها المحبة للحرية. ولكن سكوين في
التعبير عن شكره يقول ، "بعنقي دين لقسم ارشيفات الأمن القومي الذي اجبرت
جهوده التي لا تكل وزارات ووكالات مختلفة في حكوم الولايات المتحدة على تقديم
وثائق قيمة للغاية على مضض وجعلها متاحة على شبكة الانترنت" ( ص 6 ). ان سكوين مثال ممتاز على شخص يستطيع ان
ينتقد الولايات المتحدة بكل سهولة لأنها بلد يعري نفسه امام خصومه وليس فقط امام
المعجبين به.
16 ـ للاطلاع
على المزيد انظر عمل بسام طيبي:
Bssam Tibi, The
Challenge of Fundamentalism: Political Islam and the New World Disorder (Berkley:
University of California Press, 1998), p. 205.
17 ـ Amin Maaluf, In the Name of Identity: Violence and the Need to belong (New York: Arcade Publishing, 2001), p. 106.
18 ـ James Lyons, “Islamic court
condemns author who depicts Jesus as homosexual,” The Independent,
October 30, 1999, p. 1 of online version.
19 ـ جيمس ليونز ، المصدر السابق.
ردا على الشيخ عمر اصدرت مجموعتان للدفاع عن حقوق المثليين هما
Lesbian
Avengers و Outrage "فتوى
شاذة" ضده. وقيل ان الفتوى
حكمت على عمر بكري محمد "بتعذيبه من خلال اللواط به دون توقف لمدة الف
عام". مسكين ذلك الشخص الذي سيتولى تعذيبه بهذه الطريقة.