الفصل العاشر
خطية موسى
قال المعترض الغير مؤمن : زعموا أن موسى استعفى واستقال من النبوَّة والرسالة، فاشتد غضب الله عليه حيث قال للرب: أرغب منك يا سيدي أن ترسل غيري (كما في خروج 4), فكيف يُتصوَّر غضب الله على موسى مع أنه من أنبيائه وأصفيائه، وغضبه يكون على أعدائه؟ وكذلك حرمانه مع أخيه هرون عن دخول الأرض المقدسة وإعراض الله عنهما في آخر حياتهما ,
وللرد نقول: ورد في الخروج 4:10 - 15 أن موسى قال للرب: أنا ثقيل الفم واللسان فقال الرب: من صنع للإنسان فماً، أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيراً أو أعمى؟ أما هو أنا الرب؟ فالآن اذهب, وأنا أكون مع فمك، وأعلّمك ما تتكلم به , فقال: اسمع أيها السيد، أرسِلْ بيد من ترسل! فحمي غضب الرب على موسى، وقال: أليس هرون اللاوي أخاك؟ إنه هو يتكلم، وأيضاً ها هو خارج لاستقبالك ,, وأنا الآن مع فمك ومع فمه , فموسى لم يرد التوجُّه الى فرعون لثقل لسانه، إقراراً بعجزه وتواضعاً منه، ولم يُحجم عن طاعة أمر ربه,
وقد جاء اعتذار موسى في القرآن، ففي الشعراء 26:12 -15 قال رب إني أخاف أن يكذبوني ويضيق صدري ولا ينطلق لساني، فأَرْسل إلى هرون, ولهم عليَّ ذنب، فأخاف أن يقتلوني, قال: كلا فاذهبا بآياتنا، إنّا معكم مستمعون , هذا يدل على أنه لما أمر الله موسى، اعتذر عن التوجُّه بسبب العُقدة التي في لسانه، وبأنه قتل أحد المصريين، وطلب من الله أن يرسل إلى أخيه هرون بأن يبلغ الرسالة، فأخبره الله أنه سيكون معه، وأمره أن يتوجَّه مع أخيه هرون، وهي قصة مأخوذة من التوراة التي ذكرت أن الله غضب عليه، لأنه كان يجب طاعة الأمر حالًا وسريعاً، بدون اعتذار ولا إظهار عجز، لأن من يكون الله معه هو في غنى عن كل شيء, فإذا كان ضعيفاً وكان الله معه صار قوياً، وإذا كان جاهلًا أصبح حكيماً، وإذا كان ألكن أصبح فصيحاً,
على أن القرآن نسب خطايا أخرى إلى موسى غير ما ذُكر، فنسب إليه:
1 - أنه قتل, في القصص 28:15 ، 16 ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته وهذا من عدوه، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، فوكزه موسى فقضى عليه, قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مبين, قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي , فقتل المصري قتل عمد وعدوان، واعترف : هذا من عمل الشيطان وقال: إني ظلمت نفسي وقوله في الشعراء 26:20\: فعلتها إذاً وأنا من الضالين , وغاية ما اعتذر عنه المفسرون أن ذلك كان قبل النبوة (الكشاف في تفسير الشعراء 20),
2 - ورد في الشعراء 26:43 قال لهم موسى:'ألقوا ما أنتم ملقون` , فقال علماء الإسلام إنه أذن لهم في السحر، وإظهاره حرام، فيكون إذنه أيضاً حراماً, وأجابوا عنه بعدة أجوبة منها أن السحر كان جائزاً، وهو جواب في غير محله, ومنها أنه أراد إظهار معجزته في عصاه وتلقفها لما أفكوه,
3 - ورد في الأعراف 7:150 ، 151 : ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسِفاً قال: بئسما خلفتموني من بعدي, أعجلتم أمر ربكم؟ وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرُّه إليه, قال: رب اغفر لي ولأخي , فموسى الذي كان مشهوراً بالوداعة والحِلم وقع في ضدهما,
4 - ورد في الكهف 18:71 ، 74 قول موسى للخضر: فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها (أي الخضر) قال: أخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئاً إمراً ,,, لقد جئت شيئاً نكراً , مع أن فعل الخضر لم يكن منكراً لأنه كان بأمر من الله حسب دعواهم, وفي (عدد 75) قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ , قال البيضاوي في تفسيره لهذه الآيات: زاد فيه 'لك` مكافحة بالعتاب على رفض الوصية، ووسماً بقلة الثبات والصبر لما تكرر من الاشمئزاز والاستنكار، ولم يرعو بالتذكير أول مرة حتى زاد في الاستنكار ثاني مرة ,
لقد نسَب القرآن إلى سيدنا موسى القتل، وشدّ شعر رأس أخيه وجرّه كما يجر البهيمة، واستقباحه أمر الله، وعدم ثباته وعدم صبره وعدم ارعوائه بالتذكير، وطلبه من الله أن يرسل أخاه إلى فرعون, أما التوراة فلم تذكر سوى اعتذاره بثقل لسانه, ولا يُخفى أن خطيئة واحدة مما نُسب إليه تكفي لحرمانه من دخول أرض الموعد، فإن الله قدوس طاهر يعاقب على أقل خطية، فإن عدله وقداسته يستلزمان عقاب أصغر الخطايا، ما لم يُكفَّر عنها بالذبيحة,