الفصل الرابع عشر
خطايا محمد
1 - ديانة محمد قبل نبوته
قلنا في الفصل السادس إنّ أبوي محمد وعمّه كانوا مشركين بالله، وإنه لما أراد الاستغفار لهم نهاه الله، بل زجره زجراً أبكاه, أما محمد فقد كان على ديانة أمته وعشيرته وقبيلته، فصرف أربعين سنة في العبادة الوثنية يعبد اللات والعزى ومناة, والدليل على ذلك ما ورد في سورة الضحى (93: 7 ، 8): وجدك ضالًا فهدى، ووجدك عائلًا فأغنى , فهذه العبارة ناطقة بأنه كان على عبادة أهله وعشيرته, والضلالة من أعظم المعاصي، وكل معصية في النار, وتقدم حكم الإشراك, أما الأنبياء الذين اصطفاهم الله لتبليغ رسالته فكانوا من الأمة الإسرائيلية التي اصطفاها الله على العالمين، وميّزها بامتيازات خصوصية، فخصّها بحراسة كتبه وإقامة فرائض عبادته,
ولنورد ما قاله مفسّروهم تعليقاً على الضحى 7 ، 8: قال بعضهم إنه كان على دين قومه، يعبد اللات والعزى، كما هو صريح العبارة القرآنية, غير أن الزمخشري ردَّ عليهم بأن قال: ومن قال كان على أمر قومه أربعين سنة؟ فإن أراد أنه على خلوّهم عن العلوم السمعية فنعم، وإن أراد أنه كان على دين قومه فمعاذ الله! (الكشاف في تفسير الضحى 93:7 ، 8),
قلنا إذا لم يكن على دين قومه، فماذا كان دينه؟ لقد كان على دين عشيرته, وقد أورد في جمع الجوامع في الجزء الثاني أقوالًا عن دينه فقال: اختلف العلماء هل كان محمد مكلَّفاً قبل النبؤة بشرع؟ فمنهم من نفى ذلك، ومنهم من أثبته, واختلف المُثبِت في تعيين ذلك الشرع، فقيل انه كان مكلفاً بشرع نوح، أي كان على دين نوح, وقيل كان على دين إبراهيم, وقيل كان على دين موسى, وقيل كان على دين عيسى, وقالوا غير ذلك ,
وقد كانوا في غنى عن هذا ما دام القرآن قال بصريح اللفظ إنه كان ضالًا, بل إذا سلَّمنا بأنه كان على دين أحد أولئك الأنبياء أولي العزم، فكان الواجب عليه حض قومه على التشبُّه والاقتداء به، لأن دين موسى وعيسى هو حق كامل، بل لم يكن داعٍ ولا باعث الى الإتيان بطريقة أخرى وديانة جديدة ,
قال البيضاوي: وجدك ضالًا عن علم الحكم والأحكام, فهدى فعلَّمك بالوحي والإلهام والتوفيق للنظر (البيضاوي في تفسير الضحى 93:7),