2 - محمد يمدح آلهة قريش
ومن الأدلة على ميله إلى الأصنام، مدحه آلهة قريش وتقديم العبادة لها, وأغرب من ذلك اعتذار الله عنه وتسلية خاطره, وهذا هو الفرق بين القرآن والتوراة، فلم يذكر الله في التوراة خطيئة صغيرة ولا كبيرة إلا أوضح شناعتها وبشاعتها ومرارتها وعقابها، بخلاف القرآن الذي يستخفّ بها كأنها لا شيء, وعلى هذا لما وقع محمد في عبادة الأوثان ومدح اللات والعزى، قال إن الله عزّاه بأن أنزل عليه في سورة الحج 22:25 : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنّى ألقَى الشيطان في أمنيته، فينسَخ الله ما يُلقي الشيطان ثم يُحكِم الله آياته، والله عليم حكيم ,
قال ابن عباس وجميع المفسرين، سواء كانوا متقدمين أو متأخرين: لما رأى محمد تولِيّ قومه عنه، وشقَّ عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله، تمنّى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه، لحرصه على إيمانهم, فكان يوماً في مجلسٍ لقريش، فأنزل الله سورة النجم فقرأها محمد, حتى بلغ أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدّث به نفسه ويتمنّاه، وهو: تلك الغرانيق العُلَى وإن شفاعتهنّ لتُرتَجى , فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به, ومضى محمد في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخرها المسلمون بسجوده، وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد، غير الوليد بن المغيرة وأبي أحيحة سعيد بن العاصي، فانهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود, وتفرقت قريش وقد سرَّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، ويقولون: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر , وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويُميت ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل محمد لها نصيباً فنحن معه , فلما أمسى محمد أتاه جبريل فقال: يا محمد، ماذا صنعت؟ لقد تلوْتَ على الناس ما لم آتِك به من الله , فحزن محمد حزناً شديداً، وخاف من الله تعالى خوفاً كبيراً، فقال: إن الله أنزل هذه العبارة ليعزيه، وكان به رحيماً, وقد كان لهذه الحادثة طنة ورنة في عصره، والدليل على ذلك قولهم: وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب محمد، وبلغهم سجود قريش , وقيل: قد أسلمت قريش وأهل مكة , فرجع أكثرهم إلى عشائرهم، وقالوا: هم أحبُّ الينا! , حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي سمعوه من إسلام أهل مكة كان باطلًا، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوارٍ أو مستخفياً, فلما نزلت هذه العبارات قالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله، فغيَّر ذلك , وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان محمد قد وقعا في فم كل مشرك، فازدادوا شراً إلى ما كانوا عليه، وشدة على من أسلم (الرازي في تفسيره للحج 52),
قال ابن عباس تعليقاً على الحج 52 : في رواية عطاء أن شيطاناً يقال له الأبيض أتاه على صورة جبريل عليه السلام وألقى عليه هذه الكلمة فقرأها، فلما بلغ إلى تلك الكلمة قال جبريل عليه السلام: أنا ما جئتك بهذه, قال رسول الله إنه أتاني آتٍ على صورتك فألقاها على لساني (الرازي في تفسيره للحج 52),
والقول: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا إذا تمنى (أي أحب شيئاً واشتهاه وحدَّث به نفسه مما لم يُؤمر به) ألقَى الشيطانُ في أمنيته (أي في مراده), هذا هو نص جميع أقوال المفسرين والعلماء، فكان محمد يظن ثبوت الرئاسة له على قومه بقوله هذا, ولكن لما رأى أنهم اتخذوا ذلك سلاحاً طعنوه به، وزادوا رسوخاً وثبوتاً على دينهم، أضرب عن هذه الطريقة, ومع أن جميع المفسرين ذكروا العبارة التي حاول بها إغراء قومه على اتِّباعه ومدح بها آلهتهم، وهي قوله: تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لتُرتجى إلا أنهم حذفوها من نص القرآن، مع أنه صلى بها,
واعتذر بعض المفسرين عنه بقولهم: إن الشيطان نطق بها على لسانه , ونقول: إن كان الأمر هكذا، فما المانع من أن يكون الشيطان هو الذي نطق بباقي القرآن على لسانه؟ ولا سيما أنه ورد في الحديث: إنه ليُغان على قلبي، فأستغفر الله في اليوم مائة مرة , وقوله يُغان أي أن الشيطان يغشى قلبه (مشكاة المصابيح - تحقيق الألباني حديث رقم 2324),
ومع أن التوراة ذكرت للأنبياء بعض الخطايا والهفوات، إلا أنه لم يظهر نبي من الأنبياء الصادقين، يساير الناس على شركهم وعبادتهم الكاذبة, ولا مقارنة بين خطيئته وخطيئة سيدنا سليمان، الذي عبدت زوجاته الأجنبيات آلهتهن، ولم يقع هو في هذه العبادة, ومع ذلك عاقبه الله أشد عقاب، فمزق مملكته وأتى عليها بالرزايا والبلايا وسفك الدماء, وهذا بخلاف محمد، فانه لما وقع في عبادة الأصنام، قال إن الله أنزل عليه بعض الأقوال لتعزيته وتسليته, وحاشا لله من ذلك,
وورد في الإسراء 17:90-93 : وقالوا لن نؤمن لك حتى تُفجّر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، فتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا، أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء, ولن نؤمن لرقيك حتى تُنزل علينا كتاباً نقرؤه, قل: سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولًا ,
قال ابن عباس: إن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحرث، وأبا البختري، والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبهاً ابني الحجاج، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد , فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك , فجاءهم محمد سريعاً وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء، وكان حريصاً يحب رشدهم، حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد، إنا بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا والله لا نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك, لقد شتمت الآباء، وعبْتَ الدين، وسفَّهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرّقت الجماعة, وما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك, فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالًا، جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالًا, وإن كنت تريد الشرف سوَّدناك علينا, وإن كان هذا الذي بك رئي تراه قد غلب عليك لا تستطيع ردَّه، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه ونعذر فيك , (وكانوا يسمُّون التابع من الجن الرئي),
فقال محمد: ما بي ما تقولون, ما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولًا، وأنزل عليَّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً , قالوا: يا محمد، إن كنت غير قابل منّا ما عرضنا عليك، فقد علمتَ أنه ليس أحدٌ أضيق بلاداً ولا أشد عيشاً منا، فسَلْ لنا ربك الذي بعثك فليُسيِّر عنا هذه الجبال التي قد ضيَّقت علينا، ويبسط لنا بلادنا، ويفجر لنا الأنهار كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا مَن مضى مِن آبائنا وليكن منهم قصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل؟ فإن صدقوك صدقناك , فقال محمد: ما بهذا بُعثت، فقد بلغتكم ما أُرسلتُ به , قالوا: فإن لم تفعل هذا فسَلْ لنا ربك أن يبعث مَلَكاً يصدقك، واسأله أن يجعل لك جنات وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضة، يعينك بها على ما تريد، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمس , فقال: ما بُعثتُ بهذا , قالوا: فأسقِط السماء كما زعمتَ أن ربك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلا أن تفعل , وقال قائل منهم: لن نؤمن حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلًا ,
فلما قالوا ذلك قام محمد، وقام معه عبد الله بن أبي أمية، (وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب) فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل، ثم سألوك أن تعمل ما تخوّفهم به من العذاب فلم تفعل، فوالله ما أؤمن لك أبداً حتى تتخذ إلى السماء مرقى ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها، فتأتي بنسخة منشورة معك، ونفر من الملائكة , وفي رواية: وأربعة من الملائكة يشهدون لك بما تقول , فانصرف محمد الى أهله حزيناً (الطبري في تفسيره للإسراء 17:90-93),
وهم معذورون إذا قاوموه ونبذوه, ولو كان قرآنه وحياً لما تأخر عن تأييده بمعجزة كما فعل كل الأنبياء الصادقين, وليس ذلك فقط، بل انه كثيراً ما كان يعجز عن إجابة أسئلة المستفهمين، وكان يقول إن جبريل كان يغيب عنه, روى البخاري أن محمداً قال لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا؟ فقال في سورة مريم: وما نتنزَّل إلا بأمر بك (وكان جبريل قد أبطأ عنه أربعين يوماً), ولما سأله قريش عن أصحاب الكهف أبطأ خمس عشرة ليلة لا يجيئه في ذلك وحي, ولا يصح أن يكون هذا حال نبي! (أسباب النزول - للسيوطي - سبب نزول الكهف 18:23 ، 24 ومريم 19:64),