3 - تقرُّب محمد لقومه على حساب الحق
أرسل الله أنبياءه ورسله إلى أقوام اعتادوا على فعل كل ما هو مناقض لتعاليم الله, ومع ذلك لم يفكر نبي منهم أن يقدم أي تنازل من أجل استرضاء قومه, فمن يقرأ سفري الملوك يرى موقف إيليا ثم موقف ميخا النبيين، وكل منهما يواجه وحده أربع مائة نبي كاذب والحاكم والشعب، ورغم ذلك لم يتنازل أيٌّ منهما قيد أنملة عن الحق، ولا حاول أن يجد حلًا يرضي جميع الأطراف,
فإذا نظرنا لموقف محمد من قومه وأصحابه نجده غير ذلك, كان لسلمان الفارسي أصحاب وثنيون، فحكى لمحمد عنهم، فقال محمد: إنهم في النار , فحزن سلمان لذلك حزناً شديداً, ولما رأى محمد ذلك قال: إن الله أنزل عليه: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (البقرة 62), ففرح سلمان لذلك فرحاً شديداً حتى قال كأنه رُفع من فوقي جبل (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية),
ويقول جواد علي في كتابه تاريخ الحرب قبل الإسلام (جزء 5) إن الصابئين كانوا يعبدون الكواكب، ويصلّون سبع صلوات، خمسٌ منها تتفق مع صلوات المسلمين، ويصومون شهراً كل عام، ويصلّون على موتاهم ويغسلونهم ويكفّنونهم كالمسلمين، وكانوا يحجّون ويعتمرون ويسعون بين الصفا والمروة, وبعد انتشار الإسلام تحرج بعض الناس من الطواف والسعي بين الصفا والمروة، لأنهم كانوا يرون أنها من أمور الجاهلية, فقال لهم محمد: إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوَّف بهما (صحيح البخاري - كتاب التفسير في تفسير البقرة 158),
أخرج ابن مردويه من طريق عمر بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال لمحمد: ألست تقوم مقام إبراهيم خليل الرحمن؟ قال: بلى, قال عمر: فلِمَ لا تتخذ من مقامه مصلى؟ فخاف محمد لو رفض قد يتركه عمر، وهو الذي أعزّ الإسلام, فوافق على الاقتراح رغم أن كثيرين شكوا فيه، فقال: إن الله أنزل عليه: واتخِذوا من مقام إبراهيم مصلَّى (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 125),
وقال ابن عباس: كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصومون يومه، حتى إذا أمسى طعم من الطعام فيما بينه وبين العتمة حتى إذا صليت حرم عليهم الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة، وإن عمر بن الخطاب بينما هو نائم، إذا سوّلت له نفسه، فأتى أهله لبعض حاجته، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه، كأشدّ ما رأيت من الملامة، ثم أتى محمداً فقال: إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، فإنها زيَّنت لي فواقعت أهلي، هل تجد لي من رخصة؟ قال: لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر , فلما بلغ بيته، أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن، فقال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ا لصِيَّامِ ا لرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ إلى عَلِمَ ا للَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ يعني بذلك الذي فعل عمر بن الخطاب، فأنزل الله عفوه، فقال: فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) إلى مِنَ ا لخَيْطِ ا لْأَسْوَدِ فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح (تفسير الطبري للبقرة 187),
وأباح محمد لقومه زواج المتعة، أباحه في غزوتي خيبر وعام الفتح، ثم حرمه في حجة الوداع, وكان تحريمه لأنه إذا أُبيح كان أقرب للزنا منه للزواج! وزواج المتعة هو أن يعقد الرجل على المرأة لزمن محدد يتمتع فيه بها (يوماً أو أسبوعاً أو شهراً) لقاء مبلغ من المال، وبمجرد انتهاء الأجل ينتهي العقد تلقائياً, وفقهاء السنّة جميعاً يُجمعون على تحريمه تحريماً قاطعاً مستندين إلى حديث الرسول في حجة الوداع يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة , ويُجمع أغلب فقهاء السنّة (رغم وصفهم لهذا الزواج بالزنا) على استبعاد عقوبة الرجم لوجود شبهة ناتجة - (عما رُوي عن بعض الصحابة وبعض التابعين أن زواج المتعة حلال، واشتهر ذلك عن ابن عباس), غير أن الأمر اختلف بالنسبة لأغلب فقهاء الشيعة حيث أباحوه، وفسروا نصاً قرآنياً بما يفيد الإباحة، ونفوا أن تكون السنَّة ناسخة للقرآن، وردَّ عليهم فقهاء السنّة برأي آخر في تفسير النص، وبمناقشات مستفيضة عن جواز نسخ السنّة لأحكام القرآن، مستدلّين بحكم الرسول بالرجم في الزنا، بينما النص القرآني لا يتجاوز الجلْد، ولم يرد حكم الرجم في القرآن على الإطلاق! (راجع كتاب فقه السنّة للشيخ سيد سابق),
وجاء في أسباب النزول لجلال الدين السيوطي للبقرة 223 نساؤكم حرث لكم فأْتوا حرثكم أنَّى شئتم - جاء عمر إلى محمد فقال: يا رسول الله حوَّلتُ رَحْلي الليلة, فلم يرد عليه شيئاً, ثم ادعى أن الله أنزل عليه هذه الآية, وأخرج البخاري عن ابن عمر: أُنزلت هذه الآية في إتيان النساء في أدبارهن, وأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عنه، قال: إنما أُنزلت نساؤكم حرث لكم رخصةً في إتيان الدُّبر, وأُخرج أيضاً عنه أن رجلًا أصاب امرأة في دبُرها في زمن رسول الله، فأنكر ذلك الناس، فأنزل الله نساؤكم حرث لكم ,
أليس مخجلًا أن ينكر الناس إتيان المرأة في دبرها، فيسارع رسول الله بالقول الذي يصبح رخصة في إتيان الدبر على رواية الطبراني!! (انظر كتاب عِشْرة النساء - للنَّسائي)
وكان محمد لا يستنكف عن التعبّد لآلهة قومه للتقرب منهم، ثم ينقلب عليها لما يرى عدم الفوز بمرغوبه، فورد في سورة الإسراء 17:73 : وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك لتفتري علينا غيره، وإذاً لاتخذوك خليلًا , قيل كان سبب نزولها إن محمداً كان يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريش، وقالوا: لا ندعك حتى تلم بآلهتنا وتمسها, فحدَّث نفسه: ما عليَّ أن ألمّ بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر والله يعلم أني لها كاره (القرطبي في تفسير الإسراء 17:73), وقيل طلبوا منه أن يذكر آلهتهم حتى يَسْلموا ويتبعوه، فحدَّث نفسه، فنزلت هذه العبارة, وقال ابن عباس: قدم وفد ثقيف على محمد، فقالوا:'نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال`، قال:'وما هنّ؟` قالوا:'لا نجبي في الصلاة، (أي لا ننحني) ولا نكسر أصنامنا بأيدينا، وأن تمتّعنا باللات سنة من غير أن نعبدها`, فقال محمد:'لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود, وأما ألا تكسروا أصنامكم بأيديكم فذاك لكم، وأما الطاغية (يعني اللات والعزى) فإني غير ممتّعكم بها`, فقالوا:'يا رسول الله، إنّا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعْطِ غيرنا، فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا، فقُل الله أمرني بذلك`, فسكت محمد, فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك، فقال: وإن كادوا أي همُّوا ليفتنونك أي ليصرفونك عن الذي أوحينا إليك (أسباب النزول للسيوطي - سبب نزول الإسراء 17:73),
وقال البيضاوي: نزلت في ثقيف، قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالًا نفتخر بها على العرب: لا نعشّر ولا نحشر ولا نجبي في صلاتنا، وأن تمتعنا باللات سنةً، وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب: لِمَ فعلت ذلك؟ فقُل إن الله أمرني ,
وقيل نزلت في قريش، قالوا: لا نمكنّك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسّها بيدك , وهذا هو سبب ما ورد في الإسراء 39: ولا تجعل مع الله الهاً آخر فتُلقَى في جهنم ملوماً مدحوراً ,
وأنت تعلم أنه لما كان أحد ملوك بني إسرائيل يعقد عهداً مع أحد المشركين كان الله يعاقبه بأن يسلمه ليد أعدائه، فيذلونه ويخربون مملكته ويَسْبون رعاياه ونساءه وأولاده، بل كثيراً ما كان الله يعاقب من يعزم على التحالف مع المشركين، أو من يُظهر ليناً لهم وتساهلًا معهم، لأن الله يطلب من كل إنسان، ولا سيما أنبياؤه تسليم كل القلب والفكر والقوة لله, ومحمد أظهر غاية التساهل مع المشركين ووافقهم على أوثانهم,