4 - إغراء قوم محمد له
لما كان المشركون يرون منه ميلًا الى آلهتهم كانوا يطلبون منه أن يذكر شفاعتهم، فكان كثيراً ما يجيبهم ثم يرجع عن ذلك، ويقول: إن الله نهاه, فورد في سورة الأحزاب 33:1 : يا أيها النبي اتَّقِ الله ولا تطع الكافرين والمنافقين, إن الله كان عليماً حكيماً, واتبع ما يوحى إليك من ربك ,فلو لم يقترف ذنباً لما نُهي عنه, رُوي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه في الموادعة التي كانت بينه وبينهم، وقام منهم ابن أبي ومعتب بن قشير والجد بن قيس، فقالوا له: ارفض ذكر آلهتنا وقُلْ إن لها شفاعة وندعك وربك , فقال: إن الله أنزل عليه ذلك (القرطبي في تفسير الأحزاب 33:1),
ومما يشبه هذه الحادثة قوله في سورة الزمر 39:65 : لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين , وكما أنه كان يقدم على المنكر المنهيّ عنه كان يتأخر عن أداء المأمور به، لأنه كان يخشى بأس قومه, ولما كان يرى أن موافقتهم لم تأت بفائدة ولا ثمرة، كان يتخلص من ذلك بأن يقول: إن الله زجره, فورد في سورة المائدة 5:67 : يا أيها الرسول بَلِّغ ما أُنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته , رُوي عن الحسن أن الله تعالى لما بعث رسوله ضاق ذرعاً، وعرف أن من الناس من يكذبه، فقال هذه العبارة, وقيل نزلت في تعيير اليهود لمحمد فاختشى من تبليغ الرسالة، وعجز عن الظهور أمامهم كنبي لأن عندهم الكتاب، فكان يتروى ويتحرى إلى أن يهتدي إلى الأقرب إلى الصواب, وقال ابن عباس: يعني إن كتمت آية مما أُنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالتي (ابن كثير في تفسير المائدة 5:67), فلو ترك إبلاغ البعض كان كمن لم يبلغ شيئاً مما أنزله الله ,
ومن المعلوم أن الله كان يلهم الأنبياء الصادقين ويقويهم على تبليغ الرسالة، فكانوا أبطالًا في ذلك لتأكُّدهم من صدق رسالتهم ولعدم مبالاتهم براحة أنفسهم, فلا عجب إذا نُشر بعضهم ورُجم البعض الآخر وعُرض للحيوانات المفترسة وغير ذلك,