9 - احتقاره للفقير
اعتاد محمد مراعاة أصحاب الجاه، وعدم الاكتراث بالفقير والمسكين، فمرة قطب وجهه للأعمى ولم يلتفت إليه، مع أنه كان آتياً ليتعلم منه ديانته, ولما عرف أن هذا لا يليق قال إن الله وبخه، فورد في سورة عبس 80:1-10 عبس وتولى إن جاءه الأعمى, وما يدريك لعله يزكى, أو يذَّكر فتنفعه الذكرى, أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى, وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى , رُوي أن ابن مكتوم أتى محمداً هو يتكلم مع عظماء قريش فقال له: اقرئني وعلمني مما علمك الله , فلم يلتفت محمد إليه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنما اتبَّعه الصبيان والعبيد والسفلة , فعبس وجهه وأعرض عنه, وأقبل على القوم الذين كان يكلمهم! (الطبري في تفسير عبس 1-4)
ومما يؤيد ذلك ما ورد في الأنعام 6:52 : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه, ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين , فقالوا جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا محمداً قاعداً مع صهيب وبلال وعمار وخباب، في نفر من ضعفاء المؤمنين, فلما رأوهم حوله حقروهم، فقالوا لمحمد: لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وروائح جبابهم (وكانت عليهم جباب صوف لها رائحة ليس عليهم غيرها) لجالسناك وأخذنا عنك, ونحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء العبيد, فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فأقعدهم حيث شئت , قال: نعم, قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً , فأتى بالصحيفة ودعا علياً ليكتب, ولما راجع نفسه ورأى أنها أحبولة، قال إن جبرائيل نهاه, وقال ابن عباس: إن أناساً من الفقراء كانوا مع النبي، فقال ناس من أشرف الناس: نؤمن لك، وإذا صلينا فأخِرْ هؤلاء الذين معك، فليُصلّوا خلفنا , فكاد أن يجيب الطلب, ولما رأى ما فيه من الظلم وأنه يكون موجباً للقيل والقال، تخلَّص منه بأن قال إن الله نهاه عن ذلك, (ابن كثير في تفسير الأنعام 52),