الفصل الثامن
خطيئة إخوة يوسف
قال المعترض الغير مؤمن : ورد في التكوين 35:22 : وحدث إذْ كان إسرائيل ساكناً في تلك الأرض أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سُريَّة أبيه, وسمع إسرائيل , ومع ذلك لم يَجْر الحدّ والتعزير على رأوبين ,
وللرد نقول: من جهة الحد والتعزير فقد لعنه أبوه، ولم ينس خطيئته وهو مشرف على الموت (تكوين 4)0 ورأوبين هذا لم يكن نبياً ولا رسولًا, نعم لا يُنكر أن أباه كان من المشهورين بالإيمان والتقوى، ولكن النار قد تخلّف الرماد فخلف آدم قايين، وخلف نوح حسب قولهم كنعان وهو شرير, والحقيقة هي أنه خلف حاماً ولم يكن تقياً, ونسب القرآن إلى رأوبين الغدر بأخيه كما ورد في يوسف 12: 8 ، 9 : إذ قالوا ليوسف: وأخوه أحبُّ إلى أبينا منّا، ونحن عصبة0 إن أبانا لفي ضلال مبين, اقتلوا يوسف واطرحوه أرضاً يخْلُ لكم وجه أبيكم - قال المفسرون: لما قوي الحسد وبلغ النهاية من إخوة يوسف قالوا فيما بينهم:'لابد من تبعيد يوسف عن أبيه، وذلك لا يحدث إلا بأحد طريقين: إما القتل مرة واحدة، أو التغريب إلى أرض يحصل اليأس من اجتماعه بأبيه بأن تفترسه الأسود والسباع، أو يموت في تلك الأرض البعيدة` , أما نسبة أبيهم إلى الضلال فهو محض العقوق، وهو من الكبائر, قال قائل منهم: لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت (أي قعر) الجب0 يلتقطه بعض السيارة (الذين يسيرون في الأرض) إن كنتم فاعلين (يوسف 10), قال محمد بن اسحق: اشتمل فعلهم هذا على جرائم كثيرة من قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له، والغدر بالأمانة، وترك العهد، والكذب مع أبيهم , ثم ادعى أن الله عفا عن ذلك كله حتى لا ييأس أحد من رحمة الله ! ومن المعلوم أنه لا يوجد تفاوت في صفات الله، فليست صفة أعظم من صفة أخرى، فرحمة الله ليست أعظم من عدله، وعدل الله يستلزم قصاص المذنب0 ولا يمكن أن الله يعفو عن إخوة يوسف إلا بالكفارة والإيمان والتوبة,
خطايا إخوة يوسف حسب قول المسلمين: جاء في تفسير القرطبي على يوسف 12:15 فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ إن في موضع نصب، أي على أن يجعلوه في غيابة الجب, قيل في القصة: إن يعقوب عليه السلام لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقاً غليظاً ليحفظنه، وسلمه إلى روبيل وقال: يا روبيل! إنه صغير، وتعلم يا بني شفقتي عليه، فإن جاع فأطعمه، وإن عطش فاسقه، وإن أعيا فاحمله ثم عجِّل برده إليَّ, قال: فأخذوا يحملونه على أكتافهم، لا يضعه واحد إلا رفعه آخر، ويعقوب يُشيّعهم ميلًا ثم رجع, فلما انقطع بصر أبيهم عنهم رماه الذي كان يحمله إلى الأرض حتى كاد ينكسر، فالتجأ إلى آخر فوجد عند كل واحد منهم أشد مما عند الآخر من الغيظ والعسف، فاستغاث بروبيل وقال: أنت أكبر إخوتي، والخليفة من بعد والدي عليَّ، وأقرب الإخوة إليَّ، فارحمني وارحم ضعفي فلطمه لطمة شديدة وقال: لا قرابة بيني وبينك، فادع الأحد عشر كوكباً فلتنجك منا , فعلم أن حقدهم من أجل رؤياه، فتعلق بأخيه يهوذا وقال: يا أخي! ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني، وارحم قلب أبيك يعقوب، فما أسرع ما تناسيتم وصيته ونقضتم عهده , فرقّ قلب يهوذا فقال: والله لا يَصِلون إليك أبداً ما دمتُ حياً، ثم قال: يا إخوتاه! إن قتل النفس التي حرم الله من أعظم الخطايا، فردُّوا هذا الصبي إلى أبيه، ونعاهده ألا يحدث والده بشيء مما جرى أبداً, فقال له إخوته: والله ما تريد إلا أن تكون لك المكانة عند يعقوب، والله لئن لم تدعه لنقتلنّك معه، قال: فإن أبيتم إلا ذلك فها هنا هذا الجب الموحش القفر، الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه، فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد وقد استرحتم من دمه، وإن انفلت على أيدي سيارة يذهبون به إلى أرض فهو المراد , فأجمع رأيهم على ذلك,
قال علماء الإسلام: إن رأوبين (روبيل) لطم يوسف لطمة شديدة, والحقيقة هي أنه هو الذي أشار بالرأفة بأخيهم، ويهوذا هو الذي أشار ببيعه، ولم تأخذه عليه شفقة ولا رحمة0 فلا عجب إذا اقترف خطايا أخرى كخطية الزنا, وبيان ذلك أنه كان ليهوذا ابنان: عير وأونان, أما عير فكان شريراً فأماته الرب, ولما كانت شريعة موسى تقول: إنه إذا مات إنسان بدون عقب وجب على أخيه أن يقيم نسلًا له، حتى لا ينطفئ اسمه من عشيرته، تزوج أونان بامرأة أخيه لهذه الغاية, ولكنه أفسد على الأرض لكيلا يعطي نسلًا لأخيه، فقبُح في عيني الرب فأماته0 وكان ليهوذا ابن ثالث اسمه شيلة، فأخبر يهوذا امرأة ابنه، الذي مات بدون عقب، أن تمكث في بيتها إلى أن يكبر الابن الثالث, واتفق أن ماتت امرأة يهوذا، فمضت مدة مديدة ولم يقترن بزوجة0 ولما كانت ثامار امرأة ابنه الذي مات بدون عقب ترغب في إقامة نسل، وكان يهوذا قد ضرب عنها صفحًا، تزيَّت بزيّ زانية وأغرت يهوذا على الزنا بها، وأخذت خاتمه وعصابته وعصاه لتبرئة نفسها مما فعلته، ولتعاقبه على عدم مراعاة الشريعة التي كانت تجيز للعم الاقتران بزوجة ابن أخيه لإقامة النسل, فلما عرف يهوذا حقيقة الأمر قال: إنها أبرُّ مني، لأني حجبْتُ شيلة ابني عنها ولم أعطها له , فيتضح من هذه القصة أن يهوذا وقع في تجربة عظيمة، ولا سيما أنه كان مترملًا,
ومع كل ذلك فلا ننكر أنهما اقترفا إثماً عظيماً، فاستغفرا ربهما عن هذا الإثم، وقال الكتاب المقدس إنه لم يعد يعرفها، فندم كلّ منهما على عمله وتابا0 ولا يصح أن نعتبر كلًا منهما بمنزلة الزاني المصرّ على خطيئته,
قال المعترض الغير مؤمن : لا يتصور أن رذيلًا من الأرذال يعطي عمامته أجرة فعلٍ مثل هذا الفعل الشنيع ,
وللرد نقول: لم يرِدْ في التوراة أن ثامار أخذت عمامة يهوذا، بل أنها أخذت خاتمه وعصابته وعصاه, فالعصابة ليست هي العمامة، بل هي كل ما عُصبت به الرأس من عمامة أو منديل, والظاهر أنها كان منديلًا أو رباطاً على الرأس، فإن غاية ثامار كانت أخذ علامةٍ منه لتبرئة نفسها0
وقال المعترض الغير مؤمن : لماذا قتل الله أونان الذي تزوج ثامار أرملة أخيه؟ ,
وللرد نقول: إن الله عاقبه لأنه كره أخاه المتوفى، وأصرَّ على إطفاء اسمه وذكره، ففعل به الرب ما قصد أن يفعله بأخيه، فإن الحصاد هو من جنس الزرع,
وقال المعترض الغير مؤمن : داود من ذرية فارص بن ثامار المولود منها بالزنا، وابن الزنا لا يدخل في جماعة الرب حتى يمضي عليه الجيل العاشر، كما جاء في التثنية 23:2 , فكيف دخل داود وآباؤه في جماعة الرب، بل صار من رؤساء الأنبياء وصاحب كتاب والهام؟
وللرد نقول: الأمر الوارد في تثنية 23:2 خاص بالذين كانوا يستبيحون الفسق والآثام، فحذر الله بني اسرائيل من دخول أحدهم في جماعة الرب، بل حذرهم من مخالطتهم ومعاشرتهم لئلا تفسد أخلاقهم وآدابهم0 ولو سلمنا بأن المقصود من هذه العبارة العموم، لكان المراد منها أنه لا يجوز الدخول في جماعة الرب لمن يصرّ على الفسق، أما الذي يتوب فإن الله يقبل توبته ويجعله من جماعة المؤمنين به,