النسخ في القرآن الكريم
مفهومه وتاريخه ودعاواه
الأستاذ الدكتور محمد صالح علي مصطفى
الفهرس
المبحث الأول : مفهوم النسخ في اللغة والاصطلاح عند المتقدمين والمتأخرين :
-النسخ في الاصطلاح عند المتأخرين
- النسخ في الاصطلاح عند المتقدمين
المبحث الثاني: تاريخ النسخ رجاله ومصنفاته في قرن الصحابة والتابعين وقرون التدوين:
المبحث الثالث: دعاوى النسخ بين النسخ والأحكام:
-قسمة الأقارب واليتامى والمساكين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، أحكم كتابه المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وبعد:
هذه ورقات أصولها محاضرات ألقيتها على طلبة الدراسات العليا بقسم القرآن وعلومه، ثم أعدت النظر فيها لنقلها من مقام المخاطبة إلى مقام المكاتبة، واكتفيت هنا بعرض ثلاثة مباحث منها:
المبحث الأول: مفهوم النسخ، ويتضمن التعريف اللغوي والاصطلاحي عند المتقدمين من السلف، وعند المتأخرين من الخلف.
وتوسعت في هذا المبحث بذكر أدلة النسخ وطرق معرفته واعتراض نفاته. وتركت جوانب أخرى درج الكتاب على بحثها مثل: أقسام النسخ وأنواعه، وشروطه، والفرق بينه وبين البداء والتخصيص...
والمبحث الثاني: عرض موجز لتاريخ النسخ خلال قرونه المتتالية، من قرن الصحابة والتابعين، ثم قرون التدوين إلى قرننا القريب الذي عاصرناه وودعناه قبل ثمانية أعوام.
والمبحث الثالث: إجمال لدعاوى النسخ المنقولة، والمردودة والمقبولة. مع بيان وجه النسخ ووجه الإحكام في المشهورة منها.
وبالله نهتدي ، وبه نستعين .
المبحث الأول: مفهوم النسخ في اللغة والاصطلاح عند المتقدمين والمتأخرين:
أيستعمل النسخ لمعان أفاده الراغب في مفرداته، منها: "إزالة الشيء بشيء يتعقبه كنسخ الشمس الظل والظل الشمس والشيب الشباب...
ونسخ كالكتاب: إزالة الحكم بحكم يتعقبه، قال تعالى:
{ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}[1]
قيل معناه: ما نزيل العمل بها أو نحذفها عن قلوب العباد.
وقيل معناه: ما نوجده وننزله، من قولهم: نسخت الكتاب"[2].
ويأتي النسخ بمعنى التبديل أو التحويل على ما حكاه الزركشي[3]، يشهد له قوله تعالى: {وإذا بدلنا آية مكان آية}[4].
والآية مشهورة في دلالتها على النسخ، وقد ورد فيها "بدلنا" بمعنى نسخنا.
النسخ في معناه الاصطلاحي قريب من معناه اللغوي، وهو الرفع والمحو والإزالة والحذف والتبديل والتحويل وكذا الإيجاد والتنزيل.. والمعاني المذكورة الاعتبار فيها للمنسوخ، عدا المعنى الأخير فالاعتبار للناسخ.
الأصوليون المتأخرون يعرفون النسخ بقولهم:
هو: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه.
أو هو: رفع حكم شرعي بخطاب جديد.
أو هو: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر[5].
وتعاريف أخرى نحوها تتفق مع حقيقة النسخ وهي: الإزالة أو الرفع، وتأخر الناسخ عن المنسوخ.
يقول ولي الله الدهلوي:
(إنهم كانوا يستعملون النسخ بمعناه اللغوي المعروف الذي هو إزالة شيء، لا بمعنى مصطلح الأصوليين الخاص، فمعنى النسخ عندهم:إزالة بعض الأوصاف في آية بآية أخرى سواء كان ذلك بياناً لانتهاء مدة العمل بِآية من الآيات الكريمة، أو صرف الكلام عن المعنى المتبادر إلى غير المتبادر، أو بيان أن القيد اتفاق وليس احترازياً أو تخصيصاً للعموم، أو بيان الفارق بين المنصوص والمقيس عليه ظاهراً، أو إزالة عادة من العادات الجاهلية، أو رفع شريعة من الشرائع السابقة)1.
وعلى هذا فإن للنسخ مصطلحين أو مفهومين:
الأول: مفهوم السلف المتقدمين وهم الصحابة والتابعون.
والثاني: مفهوم الخلف المتأخرين.
وبين المفهومين قليل من الاشتراك والوفاق وكثير من الخلاف والفراق. فكل منهما إزالة حكم بآخر جزئياً أو كلياً، والفرق الكبير بينهما هو أن النسخ بمفهوم المتأخرين لا يكون إلا في حكم تقرر حكمه من قبل، ثم تقرر إزالة ذلك الحكم من بعد. أي أن المتأخر وحده ينسخ المتقدم، فالتراخي الزمني شرط أساسي في عملية النسخ. والنسخ بهذا المفهوم-وإن كان جائزاً شرعاً ممكناً عقلاً-
يتعذر إثباته ولو في واقعة واحدة، وسنرى ذلك في عرض دعاوى النسخ، حيث نجدها تتردد بين النسخ والإحكام، ويصعب الجزم بالنسخ.
ومعلوم أن النسخ لا يكون إلا بالقطع واليقين.
وهذا الذي يرد على النسخ بهذا المفهوم لا يرد على مفهوم السلف...
وحصل أن علم السلف نقل إلينا وفي جملته الناسخ والمنسوخ بمفهومهم، فحكمنا عليه بمفهوم الخلف قبولاً ورداً، أي إننا رددنا وخطأنا بسبب اختلاف المصطلح.
وفي ذلك تحكم وتجاوز في حق من نقلوا إلينا الدين، وفيهم كبار الصحابة والتابعين.
وقد وددت لو أن المتأخرين تركوا تسمية النسخ على فهم السلف ومرادهم، فهم أولى به لسبقهم –وللسابق الأولوية والأحقية- وعند المتأخرين سعة في الأسماء ليسموا مفهومهم باسم آخر يناسبهم.
وليتركوا سعة المفهوم السلفي على سعته.
ومعنى الاتساع السلفي أنه يعني النسخ المعروف، ويشمل تخصيص العام، وتقييد المطلق، وبيان المبهم، وتفصيل المجمل... ونحوه مما سبقت الإشارة إليه في النص الذي نقلناه قبل قليل[6].
والصعيد المشترك بين المفهومين هو أن: النسخ يشبه تخصيص الحكم ببعض الأزمان، والتخصيص يشبه النسخ في رفع الحكم عن بعض الأفراد. ولكن مساحة الخلاف أوسع وأكبر، ومع ذلك فإن أصحاب المفهومين يمثلون مثبتي النسخ في مقابل النفاة المنكرين.
والحق ليس مع المكثرين الذين يذهبون إلى النسخ اعتماداً على مجرد الرواية دون اهتمام يذكر بصحة المتن والسند، أو يذهبون للنسخ اعتمادا على تصور عقلي واجتهاد ظني لمدر تعارض ظاهري .
والحق ليس كذلك مع من ينكر النسخ ويتأول الآيات الصريحة الشاهدة، ويدفع الوقائع الكثيرة الثابتة.
لكن السؤال القائم هو: من هم المعتدلون على سواء السبيل؟ وما هو ميزانهم؟ وما هي ضوابطهم وشروطهم الموضوعة؟ وقد بدأها الشافعي وأتمها من نهج نهجه فهل أفادت في شيء يذكر[7]؟
والذي يستوقفني أكثر هو أن النسخ بمفهوم المتأخرين يقتضي عدم الاعتماد على العقل، وأن النقل الصحيح هو وحده طريق المعرفة.
لكن الذي حصل غيره، أي إن العقل كان العمد ففتح باباً للنسخ لا يوصد. يقول الدهلوي: (وهكذا اتسع باب النسخ عندهم وتوسعوا في موضوعة، وكان للعقل فيه مجال متسع وللاختلاف فيه مكان واسع.
ولذلك بلغت الآيات المنسوخة خمسمائة آية، بل إذا حققت النظر تجدها غير محصورة بعدد)[8].
والحد الذي ذكره في العدد كبير، وأكبر منه ما نقله غيره حيث بلغ به خمسمائة وخمساً وستين.
الذي نقل القول الأخير –وهو عبد المتعال الجبري- استكثره ومهد به ليبني عليه قوله بنفي النسخ والنهي عنه، كما يفيد عنوان كتابه: "لا نسخ في القرآن... لماذا؟"
وقد رد على استدلال المثبتين فحمل معنى الآية في أدلة النسخ على معنى المعجزة التي يظهرها شاهدة على صحة الرسالة وصدق الرسول[9].
وكتابة المذكور تتمة لرسالته المقدمة لدرجة الماجستير بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة عام 1368هـ/1949م.
وعنوانها: "النسخ في الشريعة الإسلامية كما أفهمه".
وقوله: "كما أفهمه" بينه تحت عنوان الغلاف بقوله:
لا منسوخ في القرآن.
ولا نسخ في السنة المنزلة[10].
ومن أشهر الذاهبين من المعاصرين هذا المذهب في إنكار النسخ محمد الغزالي في كتابه: "نظرات في القرآن"، وكذا محمد أبو زهرة في كتابه: "مصادر الفقه الإسلامي"، قال لا ناسخ ولا منسوخ بل الأحكام جميعها متكاملة ثابتة.
وكذلك محمد الخضري فقد رد دعاوى النسخ كلها[11].
ومن صنيع المعاصرين ما نشروه في مصر من تفسير وسيط أرادوه لعامة المسلمين، ولدعوة غير المسلمين بعد ترجمته. وقد ذكرواً في مقدمته: أن القرآن لا ناسخ ولا منسوخ.
وأما اشهر المتقدمين فهو أبو مسلم الأصفهاني المعروف بابن بحر، وضمن مذهبه في تفسيره المشهور حيث رد النسخ ووجه إحكام الآيات المنسوخة.
وقد وجدت الفخر الرازي في تفسيره الكبير ينقل عنه ويسكت عليه وكأنه يشايعه، ومن ذلك ما في تفسير قوله تعالى:
{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}[12].
ولا بد أن أشير إلى أن كثيراً من الخلاف بين المثبتين والمنكرين هو صوري أي في الاسم وليس في المسمى.
فالذي نسميه نسخاً يسميه ابن بحر وأبو زهرة والغزالي والخضري والجبري: تدرجاً في التشريع ولا يعدم أحدهم تبريراً وتخريجاً لتوجيه الإحكام!
والخلاف الحقيقي واقع مع بعض أهل التفريط الذين جعلوا النسخ ذريعة لهدم الشريعة، مثل احمد أمين الذي طلب ترك بعض أحكام القرآن بحجة عجيبة وكبرت كلمة قالها، قال: (إذا كانت أحكام تبدلت في أقل من ربع قرن فإن حكمة التبديل أظهر بعد مرور أربعة عشر قرناً)[13].
وهذا الجور في التفريط مقابل بإفراط أن هلال السعيدي النحوي الذي قال: (ولو راجع من أنكر النسخ في القرآن ورفع حكم بحكم –وقد اعترض سنته وخاصم عقله رأيه- لعلم أن القائل هذا القول غير مؤمن بل هو كافر جاحد لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يلزمه الرجوع عن هذا المذهب أو القتل)[14].
مثبتو النسخ استدلوا عليه بجملة آيات، وعدد كبير من الوقائع.
ومن الآيات الدالة تصريحاً أو تضميناً ما يلي:
{ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}[15].
{وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر}[16].
{فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم}[17].
{يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتب}[18].
والآية الثانية نص في مفهوم النسخ القرآني للتصريح بقوله: {والله أعلم بما ينزل}.
فدلالتها على موضوع النسخ دلالة صريحة ظاهرة، بينما الآية الأولى دون ذلك في الدلالة، وإن كان صرح فيها بلفظ (ننسخ) المأخوذة منه مصطلح النسخ.
والفرق أن لفظ النسخ عام يشمل آيات التنزيل وآيات التكوين[19]، بخلاف لفظ التبديل الخاص بالتنزيل.
ودلالة الآية الثالثة هي من حيث إن التحريم كان بديل التحليل، أي إنه أزيل حكم وأنزل آخر.
والآية الأخيرة أدخلت المحو والإثبات –وهما معنى النسخ- في عموم المشيئة الفاعلة. فهما يقعان بتأثير هذه المشيئة.
وهناك آيات أخرى كثيرة تصلح أدلة للنسخ، وفيما سقناه كفاية المكتفي.
ذكر أين حزم أربعة من طرق معرفة النسخ، جملتها:
إجماع متيقن.
تأخر أحد الأمرين مع عدم إمكان استعمال الأمرين معاَ.
نص بأن هذا الأمر ناسخ وذاك منسوخ.
الحالة الموافقة للحالة المتيقن منها.
ثم قال رحمه الله: (فمن ادعى نسخاً بوجه غير هذه الوجوه الأربعة فقد افترى إثماً عظيماً)[20].
والطريق الثالث أي المنصوص عليه –ويدخل فيه الطريق الأول إذا كان الإجماع فيه قائماً على نص- هو العماد في المعرفة والتبين، ولا مجال للطريق الثاني والرابع أي للقياس والعقل وكذا الإجماع الذي لا يقوم على نص[21]... وما ذكره فيها يفتح الباب ليدخل مع النسخ ما ليس منه. بل يكون ثمة ذريعة للنسخ بالتشهي ولمجرد تصور التعارض.
ولا يعني ما ذكرته أن ابن حزم تساهل في النسخ، يدل على ذلك تشديده في شأن النسخ، قال رحمه الله:
(لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة هذا منسوخ إلا بيقين. لأن الله عز وجل يقولِ:
{وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}[22].
وقال تعالى:
{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}[23].
فكل ما أنزل الله تعالى في القرآن أو على لسان نبيه ففرض اتباعه. فمن قال في شيء من ذلك إنه منسوخ فقد أوجب أن لا يطاع ذلك الأمر، وأسقط لزوم اتباعه.
وهذه معصية لله تعالى مجردة، وخلاف مكشوف. إلا أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفتر مبطل، ومن استجاز خلاف ما قلنا فقوله يؤول إلى إبطال الشريعة كلها، لأنه لا فرق بين دعواه النسخ في آية ما أو حديث ما وبين دعوى غيره النسخ في آية أخرى وحديث آخر.
فعلى هذا لا يصح شيء من القرآن والسنة، وهذا خروج على الإسلام.
وكل ما ثبت بيقين فلا يبطل بالظنون، ولا يجوز أن نسقط طاعة أمر أمرنا به الله تعالى ورسوله إلا بيقين نسخ لا شك فيه)[24].
وفي الذي ذكره رحمه الله تأكيد لأهمية النسخ، وأنه بمكان كبير وشأن خطير لتعلقه بدليل التكليف والعمل به فعلا وتركاً. والعمل صائر إلى الناسخ دون المنسوخ، ومثل هذا عظيم الضرورة والخطورة.
ولذلك أغلظ علي رضي الله عنه على قاص في المسجد.
قال له: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟
قال: الله أعلم!
قال: هلكت وأهلكت[25].
أي أهلكت نفسك بعدم علمك، وأهلكت غيرك ممن تابعك في جهلك بالناسخ والمنسوخ.
هذا وإن علم النسخ من أعجب العلوم وأغربها فهو بين طرفين إفراطاً وتفريطاً من غلو في النفي والإثبات. ولا توجد بين أيدينا دراسات منهجية كافية من موسوعية تجمع الشتات، أو موضوعية تبت وتحسم تأصيلاًً وتفصيلاً لتصل بهذا العلم إلى قرار معلوم سليم.
وكثير من المصادر المتخصصة والمراجع التي تناولت موضوع النسخ –وهي التفاسير وعلوم القرآن وأصول الفقه- اهتمت بالجمع والتكديس والتكريس، وفي أحيان كثيرة غلب ضعف النقل ووهم العقل حتى كبر هذا العلم ورماً وعظم سقماً، أو تكدر على طالبيه، وخفي عن المحتاجين إليه، واختلط فيه الزبد بالزبدة.
ومن الشواهد الدالة على مبلغ التساهل دعاوى هبة الله بن سلامة الضرير وقد أورد في كتابه اكثر من مائتين وثلاثين دعوة نسخ، ونسخ بآية السيف[26] نصفها!!
ومن الطرائف ما حكي عنه في قوله تعالى:
{ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما و أسيرا{
قال هبة الله: (منسوخ من هذه الجملة {أسيرا}.
فقالت ابنته: أخطأت يا أبت في هذا الكتاب!
فقال لها: وكيف يا بنية؟
قالت: أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعاً)[27].
المبحث الثاني: تاريخ النسخ رجاله ومصنفاته في قرون الصحابة والتابعين وقرون التدوين:
هذه جولة سريعة في تاريخ النسخ لتتبع بعض رجاله ومصنفاته البالغة أكثر من ثمانين، بدأ بالقرن الأول لعهد الصحابة والتابعين، وما يليهم من قرون في عهد التصنيف والتدوين[28].
وهو عهد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وكان الدافع إلى معرفة النسخ عندهم هو العمل بالقرآن ليحترزوا من العمل بما رفع من أحكام.
ولذا بدأ علم النسخ مع علم التفسير الذي نقلوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وفهموه بسبب قربهم من التنزيل، ومعرفتهم بأسباب النزول.
وكان وسيلة حفظه السماع، ووسيلة نقله الرواية.
ويدخل التابعون في هذا العهد، فهم تلاميذ الصحابة، واشتهر منهم في هذا الميدان:
مجاهد هو أبو الحجاج مجاهد بن جبر المتوفى سنة 103هـ.
عكرمة هو أبو عبد الله البربري 107هـ.
قتادة بن دعامة السدوسي 117هـ أو 118هـ
له: "الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى". والكتاب جمع عن قتادة بتحقيق صالح الضامن، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت 1406هـ= 1985م، الطبعة الثانية.
وهو بداية عهد التدوين، والمصنفات في هذا القرن وما يليه من قرون بعضها مطبوع أو مخطوط. وكثير منها مفقود لم يصل إلينا ذكرتها المراجع والمعاجم.
ومن المصنفين في القرن الثاني:
أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المتوفى سنة124هـ، والكتاب المنسوب إليه باسم: "الناسخ والمنسوخ" مخطوط بدار الكتب المصرية.
أبو النضر سعيد بن أبي عروبة 133هـ، سمع من قتادة، وقد نسب الزركشي كتابه لقتادة.
عطاء بن مسلم بن ميسرة الخراساني 135هـ.
أبو النضر محمد بن السائب بن بسر الكلبي 146هـ.
أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشر البلخي 150هـ.
أبو علي الحسين بن واقد المروزي 159هـ.
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم 182هـ.
أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة204هـ. تناول الناسخ والمنسوخ في كتابه: "أحكام القرآن"، الذي جمعه البيهقي المتوفى سنة 458هـ. والشافعي حرر مدلول النسخ وميزه من التخصيص والتقييد والتفصيل والبيان.
أبو نصر عبد الوهاب بن عطاء العجلي الخفاف 204هـ.
أبو محمد حجاج بن محمد الأعور 206هـ.
أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي 224هـ. لكتابة مخطوطتان مصورتان بجامعة الإمام برقم 602ف، 2783ف.
أبو محمد حسن بن علي بن فضال الكوفي 224هـ.
محمد بن سعد العوفي –من شيوخ الطبري-230هـ.
جعفر بن مبشر (بشر) بن أحمد الثقفي المعتزلي 230هـ.
أبو الحارث سريح بن يونس ين إبراهيم المروزي 236هـ.
أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل 241هـ.
أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني 275هـ.
أبو إسحاق إبراهيم بن أسحق الحربي 275هـ.
أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز الكجي292هـ
الحسين بن منصور الحلاج المتوفى سنة 309هـ.
أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني 316هـ.
أبو عبد الله الزبير بن أحمد بن سليمان الزبيري 317هـ.
أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول التنوخي 318هـ.
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حزم 320ه. كتابه: "معرفة الناسخ والمنسوخ"، مطبوع بهامش تفسير الجلالين، طبعة الحلبي عام 1303هـ، ومطبوع باسم: "الناسخ والمنسوخ في القرآن"، تحقيق د/ عبد الغفار سليمان البنداري، الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية ببيروت 1406هـ= 1986م.
أبو بكر محمد بن عثمان الشيباني المعروف بالجعد 322هـ.
أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار "ابن الأنباري" 328هـ.
أبو الحسين أحمد بن جعفر "ابن المنادي" 336هـ.
أبو جعفر أحمد بن محمد "ابن النحاس" 338هـ. كتابه مطبوع بمصر عام 1357هـ، وقبلها طبع عام 1323هـ، باسم: "الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم مما اجتمع عليه واختلف فيه عن العلماء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين والفقهاء وشرح ما ذكروه بيناً وما فيه من اللغة والنظر". وللكتاب مخطوطة مصورة بجامعة الإمام برقم 6023ف باسم: "الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل واختلاف العلماء في ذلك". وقد اشتركت في مناقشة تحقيق عنه لدرجة الدكتوراه عام 1407هـ بقسم القرآن بكلية أصول الدين.
أبو بكر محمد بن عبد الله البردعي المعتزلي 350هـ.
أبو الحكم منذ بن سعيد البلوطي الأندلسي 355هـ.
أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي 368هـ.
أبو الحسين محمد بن محمد النيسابوري 368هـ.
محمد بن علي بن بابويه القمي 381هـ.
أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس "ابن إصبع" المتوفى سنة 402هـ.
أبو القاسم هبة الله بن سلامة الضرير 410هـ. كتابة بعنوان: "الناسخ والمنسوخ" طبع الطبعة الثانية 1387هـ/1967م، الحلبي، وطبع بحاشية أسباب النزول للواحدي، وطبع باسم: " الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل"، تحقيق زهير الشاويش ومحمد كنعان، الطبعة الأولى للمكتب الإسلامي ببيروت 1404هـ= 1984م. وله مخطوطات ومصورات بجامعة الملك سعود بالرياض وبجامعة الإمام برقم 1780، 1876، 1369، 3404، 5124ف.
أبو منصور عبد القاهر بن طاهر الإسفراييني 429هـ. كتابه: " الناسخ والمنسوخ" تحقيق حلمي كامل أسعد عبد الهادي، الطبعة الأولى 1407هـ= 1987م، دار العدوي بعمان. ولكتابه صورة بمعهد المخطوطات العربية، وبجامعة الإمام رقم 595ف باسم: "الناسخ والمنسوخ في القرآن".
أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي 437هـ. كتابه: "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، ومعرفة أصوله، واختلاف الناس فيه" حققه الدكتور أحمد فرحات وطبعته جامعة الإمام. وله كتاب آخر سماه: "الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه".
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري 456هـ.
أبو الوليد سليمان بن خلف التجيبي الباجي 474هـ.
أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس "ابن إصبع" المتوفى سنة 402هـ.
أبو القاسم هبة الله بن سلامة الضرير 410هـ. كتابه بعنوان: "الناسخ والمنسوخ" طبع الطبعة الثانية 1387هـ/1967م، الحلبي، وطبع بحاشية أسباب النزول للواحدي، وطبع باسم: "الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل"، تحقيق زهير الشاويش ومحمد كنعان، الطبعة الأولى للمكتب الإسلامي ببيروت 1404هـ=1984م. وله مخطوطات ومصورات بجامعة الملك سعود بالرياض وبجامعة الإمام برقم 1780، 1876، 1369، 3404، 5124ف.
أبو منصور عبد القاهر بن طاهر الإسفراييني 429هـ. كتابه:" الناسخ والمنسوخ" تحقيق حلمي كامل أسعد عبد الهادي، الطبعة الأولى 1407هـ=1987م، دار العدوي بعمان. ولكتابه صورة بمعهد المخطوطات العربية، وبجامعة الإمام رقم 595ف باسم: "الناسخ والمنسوخ في القرآن.
أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي 437هـ. كتابه:"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخة، ومعرفة أصوله، واختلاف الناس فيه" حققه الدكتور أحمد فرحات وطبعته جامعة الإمام. وله كتاب آخر سماه: "الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه".
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري 456هـ.
أبو الوليد سليمان بن خلف التجيبي الباجي 474هـ.
أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال السعيدي المتوفى سنة 520هـ. كتابه: "الإيجاز في معرفة ما في القرآن من ناسخ ومنسوخ"، مخطوط بدار الكتب المصرية.
أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي 543 أو 547هـ. لكتابه مخطوطة مصورة بجامعة الإمام رقم 6247ف باسم: "الناسخ والمنسوخ".
أبو القاسم محمود بن أبي الحسن النسابوري الغزنوي المتوفى بعد سنة 550هـ. كتابه: "الموجز في الناسخ والمنسوخ" مخطوطة مصورة بجامعة الإمام رقم 3883ف.
أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي 597هـ. له: "نواسخ القرآن"، الطبعة الأولى 1405هـ=1985م دار الكتب العلمية ببيروت، ومطبوع عام 1322 باسم: "أخبار الرسوخ بمقدار الناسخ والمنسوخ"، ومطبوع باسم: "المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ" تحقيق: صالح الضامن، الطبعة الثانية 1406هـ=1986م، مؤسسة الرسالة ببيروت. وله مخطوطتان مصورتان بجامعة الإمام، رقم 896ف، 609ف.
أبو الحسن علي بن محمد "ابن الحصار" المتوفى سنة 611هـ -كتابه من مراجع السيوطي-.
علم الدين، علي بن محمد بن عبد الرحمن السخاوي 643هـ. له كتاب: " الطود الراسخ في المنسوخ والناسخ".
محمد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى المهدي الزيدي المتوفى سنة 728هـ. له مخطوط: "عقود القيان في الناسخ والمنسوخ في القرآن".
شرف الدين، هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم (ابن البارزي) 738هـ. كتابه: "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" تحقيق: د/حاتم صالح الضامن، الطبعة الثانية لمؤسسة الرسالة ببيروت 1403هـ=1983م.
يحيى بن عبد الله بن عبد الملك الواسطي 738هـ.
محمد بن محمد بن محمد زنكي الإسفراييني 747هـ.
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ.
شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن بريدة الأبشيطي 883هـ.
جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911هـ. لم يصلنا كتابه شأن كثير من كتب النسخ المفقودة.
مرعي بن يوسف بن قدامة الكرمي المتوفى سنة 1033هـ. كتابه: "قلائد المرجان في الناسخ والمنسوخ من القرآن"، مخطوط بدار الكتب بالقاهر، وبجامعة الإمام، رقم 2230، ومطبوع بتحقيق: سامي عطا حسن، دار القرآن بالكويت 1400هـ=1980م.
عطية الله بن عطية الأجهوري المتوفى سنة 1190هـ. له مخطوط: "إرشاد الرحمن لأسباب النزول والنسخ والمتشابه من القرآن". وكتاب الأجهوري ليس خالصاً في النسخ، وفي وضعه هنا تغليب لموضوع النسخ على الموضوعين الآخرين وهما: أسباب النزول والمتشابه.
محمد بن سلامة بن عبد الخالق بن حسن الجمل الرشيدي المتوفى سنة 1300هـ. له مخطوط: "عمدة البيان في زبدة نواسخ القرآن".
هذا القرن عاصرناه وودعناه قبل أقل من عقد. ومن مصنفيه:
عبد الرحمن بن محمد القره داغي الكردي المتوفى سنة 1335هـ.
له : "التبيان في الناسخ والمنسوخ".
مصطفى زيد.
كتابه: "النسخ في القرآن الكريم دراسة تشريعية تاريخية نقدية". يقع في مجلدين بلغا 980 صفحه في الطبعة الأولى عام 1383هـ/ 1963م، دار الفكر العربي.
وقد نال بكتابة درجة الدكتوراه من كلية دار العلوم بالقاهرة وكتابه أوسع كتاب في الباب.
محمود حمزة.
كتابه: "دراسات الإحكام والنسخ في القرآن الكريم". الطبعة الأولى نشرتها دار قتيبة ببيروت.
علي حسن العريض.
كتابه: "فتح المنان في نسخ القرآن" طبعة مكتبة الخانجي بالقاهرة 1973م.
شعبان محمد إسماعيل.
كتابه: نظرية النسخ في الشرائع المساوية". طبعة الدجوي عام 1397هـ.
محمد محمود فرغلي.
كتابه: "النسخ بين النفي والإثبات". طبعة دار الكتاب الجامعي 1977م، وطبعة دار النهضة العربية.
وهناك مصنفون غير من ذكرناهم ممن لم نقف على الاسم الكامل أو لم نقف على تاريخ الوفاة والتصنيف، ومن هؤلاء:
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي العامري الإسفرائيني...
كتابه: "الناسخ والمنسوخ" مخطوط بجامعة الإمام برقم 1860. وأظنه موجوداً بمكتبة الحرمين بمكة برقم 15.
... ابن أبي شريف المتوفى سنة 923هـ.
له كتاب: "الآيات التي فيها الناسخ والمنسوخ".
أبو منصور...
كتابه في الآيات الناسخة والمنسوخة. له مخطوط بجامعة الملك سعود برقم 553.
عبد الله بن الحسين بن القاسم الحسني...
له كتاب " الناسخ والمنسوخ". مخطوط بمكتبة برلين برقم 10226.
سعد بن إبراهيم القمي الشيعي...
له كتاب: "ناسخ القرآن ومنسوخه".
أبو مسلم.... المعتزلي المتوفى سنة 321هـ.
له كتاب: "الناسخ والمنسوخ".
كمال الدين بن محمد العبادي الناصري...
له كتاب: "الناسخ والمنسوخ من القرآن".
عبد الله بن عبد الرحمن الأصم الشيعي البصري...
له كتاب: "الناسخ والمنسوخ من القرآن".
وهناك مصنفات لم نقف على ذكر لمؤلفيها، منها:
.......
رسالة في: "الناسخ والمنسوخ في القرآن العظيم"، مخطوطة بجامعة الملك سعود برقم 1363.
.......
رسالة في: "سجدات الكتاب العزيز وبيان الناسخ والمنسوخ". مخطوطة بجامعة الملك سعود برقم 2827.
وإلى جانب هذه المصنفات المتخصصة فإن هناك مصنفات موسوعية دخل فيها النسخ مع علوم القرآن الأخرى، أو دخل مع أصول الفقه.
ونمثل ببعض القدماء والمعاصرين ممن صنف في هذا النوع:
بدر الدين، محمد بن عبد الله الزركشي المتوفى سنه 794هـ.
وكتابه: "البركان في علوم القرآن". طبعة 1391هـ/1973م دار المعرفة، وله مخطوطة مصورة بجامعة الإمام برقم 523ف.
وقد أورد النسخ في النوع الرابع والثلاثين تحت عنوان: معرفة ناسخه ومنسوخه.
جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911هـ.
وكتابه: "الإتقان في علوم القرآن"، طبع أكثر من مرة، وحقق.
وبحث النسخ في النوع السابع والأربعين. وله مخطوطات ومصورات بجامعة الإمام برقم 270ف، 4520ف، 1879، 3321، 3631 438.
جمال الدين، محمد بن أحمد بن سعيد بن مسعود بن عقيلة المكي المتوفى سنة 1150هـ.
كتابه: "الزيادة والإحسان في علوم القرآن".
له نسخ مخطوطة بتركيا، ويحقق لدرجة الماجستير بكلية أصول الدين بقسم القرآن.
وبحث النسخ في النوع التاسع بعد المائة بعنوان: "علم ناسخه ومنسوخه".
محمد عبد العظيم الزرقاني.
كتابه: "مناهل العرفان في علوم القرآن". طبعه الحلبي.
وجعل النسخ في المبحث الرابع عشر.
ولي الله الدهلوي.
في كتابه: "الفوز الكبير في أصول الدين". الطبعة الثانية 1407هـ/1986م، دار الصحوة بالقاهرة وهو معرب عن الفارسية.
وبحث النسخ في الفصل الثاني.
مناع القطان.
في كتابه: "مباحث في علوم القرآن:. طبع مرات عدة منها الطبعة السابعة 1400هـ/ 1980م.
وبحث النسخ تحت عنوان: الناسخ والمنسوخ.
صبحي الصالح.
في كتابه: "مباحث في علوم القرآن". طبع مرات منها الحادية عشرة لدار العلم للملايين 1979م. وقد بحث النسخ في الفصل السادس تحت عنوان: علم الناسخ والمنسوخ.
القصبي محمود زلط.
في كتابه: "التبيان في علوم القرآن". طبعة دار الأنصار.
وقد بحث النسخ في الموضوع السادس.
أبو محمد على بن حزم الأندلسي الظاهري المتوفى سنة 457هـ أو 456هـ.
وبحث النسخ في الباب العشرين من الجزء الرابع من كتابه: "الأحكام في أصول الأحكام". والكتاب طبع 1398هـ/1978م، الطبعة الأولى لدار الفكر العربي. تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز زيدان.
أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الآمدي المتوفى سنة 611هـ.
بحث النسخ في الفصل الأول من الجزء الثالث من كتابه: "الإحكام في أصول الأحكام". وكتابه طبع أكثر من مرة، منها: طبعة الحلبي 1387هـ/1967م، وطبعته قبل ذلك دار المعارف بمصر 1332هـ.
في نهاية هذه الجولة التاريخية مع أصحاب النسخ القائلين به المثبتين له أرى المناسبة في المقابلة بذكر المخالفين وهم النفاة المنكرون للنسخ.
وإنما يكون التمام بذكر الشيء بوجهيه، موافقة ومضادة وقديماً قالوا: "وبضدها تتبين الأشياء".
ولكن سبق القول مني في المبحث الأول، فذكرت نبذة عن نفاة النسخ هناك تغني عن الإعادة هنا.
* * *
المبحث الثالث: دعاوى النسخ بين النسخ والأحكام:
دعاوى النسخ تتفاوت تفاوتاً كبيراً عند المثبتين بين الحد الأدنى المحصور بأفراد الآحاد وبين الحد الأعلى بالمئات أو بما لا يحصى ولا يحصر وفي هذا المعنى أقوال من الشعر والنثر:
(بلغت الآيات المنسوخة إلى خمسمائة آية، بل إذا حققت النظر تجدها غير محصورة بعدد)[29].
قد أكثر الناس في المنسوخ من عدد
وأدخلوا فيه آياً ليس تنحصر[30]
ومعلوم أن الشافعي هو أول من تصدى للتمييز بين النسخ وغيره من وجوه البيان.
ويعد السيوطي أشهر المحققين في غربلة دعاوى النسخ، فقد اقتصر في إتقانه على نحو من عشرين آية ذكرها نثراً ونظمها شعراً، قال:
وهـاك تحـرير آي لا مــزيد لهـا
عشــرين حــررها الحــذاق والكـبـر
على أن يقول:
وزيـد آيــة الاستـئـذان مـن ملـكـت
وآية القسمة الفضلى لمن حضروا
لكن السيوطي ما اقر هذه الزيادة فقال: والأصح في آية الاستئذان والقسمة الإحكام[31].
وقوله في منظومته: (حررها الحذاق والكبر) يشير إلى من سبقه ووافقه كابن العربي.. ثم تبعهما آخرون كالدهلوي الذي ساق العدد المذكور، ورد أكثره، وقال:
(لا يتعين النسخ إلا في خمس آيات)[32].
وأرى أنه يريد الذهاب في التقليل إلى حد أبعد كما يفهم من قوله:
(لا يكاد يوجد شيء في القرآن المتلو منسوخاً في الحكم بحيث لا يبقى حكمه في وجه من الوجوه أو محمل من المحامل، بل لا جرم يوجد حكمه مشروعاً في مرتبه من المراتب، وحال من الأحوال، وزمان من الأزمان)[33].
والزرقاني في مناهله ساق الآيات المذكورة مع إيراد الخلاف في بعضها.
وذكرها مصطفى زيد في كتابه الكبير حيث ختمه بقبول خمس دعاوى في ست آيات.
وكنت أذكرها في محاضراتي وأقبل منها ثلاثاً أجعلها الحد الأدنى في النسخ[34].
وإثبات حد أدنى –ولو في دعوى واحدة- هو الفيصل للفصل بين مثبتي النسخ ونفاته.
وأشير إلى أن إيراد اعتراض على حكم نسخ لا يعني الإحكام المشهورة بل حتى على الدعاوى الثلاث التي قبلتها في الحد الأدنى.
وفيما يلي الدعاوى المشهورة على وجه الإجمال:
الأولى: وجوب التهجد في قيام الليل ثم نسخه في سورة المزمل.
الثانية: وجوب الصدقة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم نسخه في سورة المجادلة.
الثالثة: وجوب الثبات في القتال أمام عشرة أمثال ثم نسخه بمثلين في سورة الأنفال.
ويلي الثلاث اثنتان هما:
الرابعة: عقوبة الزنى في آيتي النساء ونسخها بالحد في سورة النور.
الخامسة: عدم قربان الصلاة حال السكر في سورة النساء باجتناب الخمر مطلقاً في سورة المائدة.
وهذه الدعاوى ليست من مختارات السيوطي ومن معه، واختارها غيرهم كمصطفى زيد [35] وسنوردها في خاتمة هذا المبحث
ويلي هذه الخمس اثنتان أخريان هما:
السادسة: نسخ التخيير بين الفدية والصوم لمن يطيق في سورة البقرة.
السابعة: نسخ جواز الخروج والزواج للمعتدة في سورة البقرة.
ثم يلي هذه العشر والعشرون تنقص وتزيد.
ونود الوقوف قليلاً أمام هذا الحد من العد، استغناء بها عن بقية الدعاوى، لأن استعراض دعاوى النسخ كلها –وهي بالمئات- يشق على النفوس، ويطول بها الكتاب. ثم إن كانت أمثالاً كفانا القياس، وإن كانت دونها ألحقت بها بطريق الأولى، وما كان حاله أظهر كان أيسر وأجدر.
ولم أراع ترتيب السيوطي ومن معه، بل رتبتها بتقديم ما كان احتمال النسخ فيها أقوى وأكبر، وبخاصة في الأوائل منها.
والنهج الذي سأتبعه هو العنونة للدعوى بعنوان مناسب يراعى فيه الحكم المنسوخ، ثم ذكر الآية المنسوخة متبوعة بالآية الناسخة، والختم بوجه النسخ ووجه الإحكام، وكل ذلك بإيجاز واختصار.
والله يتولانا وإخواننا بما يتولى به عباده الصالحين الأخيار الأبرار.
المنسوخ: من المزمل قوله تعالى:
{يا أيها المزمل(1) قم الليل إلا قليلا(2) نصفه أو انقص منه قليلاً(3) أو زد عليه...}[36].
الناسخ: من خاتمة المزمل قوله تعالى:
{إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائِفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القران علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه...}[37].
النسخ: وجه النسخ أن وجوب قيام الليل ارتفع بما تيسر، أي لم يعد واجباً.
الإحكام: وجه الإحكام أن قيام الليل أو التهجد بقي مفروضاً على الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى:
{فتهجد به نافلة لك}[38].
ويكون النسخ قد ورد على فرضية النصف والثلث وما فوق. وحتى هذا الحد لا يسلم بل يرد عليه أن خاتمة السورة بما تيسر له وقدر عليه، وهكذا التكاليف بعامة يكون العمل بالمفروض المقدر على حسب الممكن المقدور عليه لقوله تعالى:
{لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}[39].
الثانية: صدقة المناجاة:
المنسوخ: قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا إذا نجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم(12)}[40].
الناسخ: قوله تعالى:
{ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقت فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون(13)}[41].
النسخ: المنسوخ وجوب صدقة المناجاة. والناسخ إسقاط الصدقة.
الإحكام: وجه الإحكام أن الحكم معلل، أي إن رفع الصدقة كان بسبب أو علة وهي الإشفاق، متى زال الإشفاق عادت الصدقة.
المنسوخ: قوله تعالى:
{يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون(65)}[42].
الناسخ: قوله تعالى:
{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفاً يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين(66)}[43].
النسخ: نسخ وجوب الثبات أمام عشرة أمثال في القتال بوجوب ثبات الواحد أمام اثنين.
الإحكام: وجه الإحكام أن الحكم الجديد معلل بالضعف {وعلم أن فيكم ضعفاً} فلا يسقط الحكم السابق بالكلية بل يعود بذهاب الضعف وعودة القوة.
المنسوخ: قوله تعالى:
{والتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا امسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً(15) واللذان يأتينها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيما(16)}[44].
الناسخ: قوله تعالى:
{الزانية والزاني فاجلدا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين(2)}[45].
النسخ: نسخ عقوبة الزنى من الحبس والإيذاء... بحد الجلد.
الإحكام: يرد على النسخ ما قاله أبو مسلم بنفي التعارض وحمل الفاحشة على معنى السجاف بين النساء، وأن المراد من قوله تعالى: {واللذان يأتيانها} أي يأتيان فاحشة اللواط بين الذكور[46].
وقال غيره: (لا نسخ في ذلك بل هو ممتد إلى الغاية فلما جاءت الغاية بين النبي صلى الله عليه وسلم أن السبيل المدعوة كذا وكذا، فلا نسخ)[47].
الخامسة: وصية الأقارب:
المنسوخ: قوله تعالى:
{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للولدين والعقربين بالمعروف حقاً على المتقين(7)}[48].
الناسخ: قوله تعالى:
{للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقرب ون وللنساء نصيب مما ترك الولدان والأقرب ون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا(7)}[49].
وقوله تعالى:
{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين}[50].
النسخ: نسخ وجوب الوصية للوالدين والأقربين بأحكام المواريث.
الإحكام: وجهه أن الوصية باقية فيمن حرم الميراث.
السادسة: فدية الصوم:
المنسوخ: قوله تعالى:
{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون(184)}[51].
الناسخ: قوله تعالى:
{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}[52].
النسخ: نسخ التخيير بين الفدية والصوم لمن يطيق والناسخ خيرته الصوم.
الإحكام: وجهه أن: "يطيقونه" للفعل بمشقة –يؤيده قراءة: يطوقونه—وهو عذر للفطر والفدية، فهو رخصة وليس نسخاً.
السابعة:خروج المعتدة:
المنسوخ: قوله تعالى:
{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متعاً إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم(240)}[53].
الناسخ: قوله تعالى:
{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهـر وعشـرا فإذا بلغــن أجلهـن فلا جناح عليكم فيـما فعـلن في أنفسهــن بالمعــروف والله بما تعمـلون خبير(234)}[54].
النسخ: وجه النسخ أن الآية الأولى في المتوفى عنها زوجها يجعل لها النفقة والسكنى مدة سنة بشرط عدم خروجها فإن خرجت سقط حقها.
والآية الثانية ناسخة لأنها في ذات الحالة لكنها أفادت وجوب الانتظار أربعة أشهر وعشرة أيام ومنعت الخروج.
الإحكام: لا تعارض بين الآيتين فلا نسخ، لأن الأولى في الوصية، والثانية في بيان العدة.
الثامنة:التوجه في الصلاة:
المنسوخ: قوله تعالى:
{ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله}[55].
الناسخ: قوله تعالى:
{ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}[56].
النسخ: نسخ التوجه لبيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة.
الإحكام: روي أن الآية المنسوخة نزلت متأخرة فكيف تنسخ؟ ويمكن أن تحمل على صلاة الناقلة، أو في الدعاء[57].
التاسعة:تحريم النساء ليلة الصيام:
المنسوخ: قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون(183)}[58].
الناسخ: قوله تعالى:
{أحل لكم ليلة الصيام الرفث على نسائكم}[59].
النسخ: إن صوم من قبلنا لم تبح فيه النساء فأبيحت في شرعنا
الإحكام: دعوى النساء لم تبح في شرع من قبلنا تحتاج لإثبات وبينة، ولا نسخ بغير بينة، فضلاًَ عن أن "شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا" على الخلاف المعروف.
العاشرة والحادية عشرة: القتال في الشهر الحرام:
المنسوخ: قوله تعالى:
{يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير}[60].
وقوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام}[61].
الناسخ: قوله تعالى:
{فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}[62].
وقوله تعالى:
{وقتلوا المشركين كآفة كما يقاتلونكم كافة}[63].
النسخ: نسخ منع القتال في الأشهر الحرم بالأمر به أو إباحته.
الإحكام: في آيتي التوبة عموم لا ينافي خصوص النهي في آية البقرة وآية المائدة.
الثانية عشرة: محاسبة النفس:
المنسوخ: قوله تعالى:
{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}[64].
الناسخ: قوله تعالى:
{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}[65].
النسخ: وجهه أن المحاسبة على خطرات الأنفس الثابتة بالآية الأولى رفعت بالآية التالية.
الإحكام: وجهه أن الآية الثانية مخصصة، وحكم الآية الأولى أصل في الدين لا ينسخ، وذلك أن المحاسبة على ما تخفيه النفس أصل في المسؤولية الجزائية.
الثالثة عشرة: حق التقوى:
المنسوخ: قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته}[66].
الناسخ: قوله تعالى:
{فاتقوا الله ما استطعتم}[67].
النسخ: رفع حق التقوى بالتقوى المستطاعة.
الإحكام: التخصيص ظاهر لأن التقوى المطلوبة حقاً هي المستطاعة، ولا يكلف الله بغير المستطاع.
الرابعة عشرة: قسمة الأقارب واليتامى والمساكين:
المنسوخ: قوله تعالى:
{وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمسكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفاً(8)}[68].
الناسخ: آيات المواريث[69].
النسخ: لكون آيات المواريث هي البديل الذي يلغي القسمة السابقة.
الإحكام: وجهه أن المذكورين في القسمة ليسوا من الوارثين فلا تعارض.
يقول ابن عباس: (هي محكمة والناس تهاونوا بالعمل بها)[70].
الخامسة عشرة: نصيب مولى الموالاة:
المنسوخ: قوله تعالى:
{والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم}[71].
الناسخ: قوله تعالى:
{وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}[72].
النسخ: الآية الأولى في توريث مولى الموالاة. والثانية في أولوية أولي الأرحام وتقديمهم وهذا يعني رفع نصيب مولى الموالاة.
الإحكام: إن تقديم أولي الأرحام لا يعني حرمان غيرهم، ولا يفيد إسقاطهم وإنما هو ترتيب لأصحاب الحقوق.
السادسة عشرة: الإعراض عن الحكم:
المنسوخ: قوله تعالى:
{فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}[73].
الناسخ: قوله تعالى:
{وأن احكم بينهم بما انزل الله}[74].
النسخ: الآية الأولى خيرت بين الحكم والإعراض، والثانية أوجبت الحكم، يعني أنها ألغت الإعراض.
الإحكام: الآية الثانية متممة للحكم في الآية الأولى وليست رافعة للإعراض، يعني: إذا حكمت فاحكم بما أنزل الله.
السابعة عشرة: شهادة غير المسلمين:
المنسوخ: قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصبتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله...}[75].
الناسخ: قوله تعالى:
{وأشهدوا ذوي عدل منكم}[76].
النسخ: إن شهادة ذوي عدل منكم رفعت شهادة آخرين من غيركم.
الإحكام: إن الآية الأولى خاصة بالسفر فلا يعارضها العموم في الآية الثانية.
المنسوخ: قوله تعالى:
{انفروا خفافا وثقالا}[77].
الناسخ: قوله تعالى:
{ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله}[78].
وقوله تعالى:
{وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائِفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون(122)}[79].
النسخ: رفع حكم النفير بالنسبة لمن ورد في الآيتين الناسختين، وهم أصحاب الأعذار وطلبة العلم.
الإحكام: الآيتان مخصصتان للأولى، والتخصيص ليس نسخاً بمفهوم المتأخرين.
التاسعة عشرة: استئذان الأطفال :
المنسوخ: قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء}[80].
الناسخ: قوله تعالى:
{وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كم استأذن الذين من قبلهم}[81].
النسخ: وجوب الاستئذان للبالغين من الأطفال رفع حكم الاستئذان قبل البلوغ.
الإحكام: استئذان الأطفال عمل مشروع وخلق كريم وفطرة سليمة فكيف ينسخ مثله؟
ثم ليس هناك معارضة لأن استئذان البالغين على العموم لا ينافي استئذان غير البالغين في الأوقات الثلاثة.
العشرون: تحريم النساء على الرسول صلى الله عليه وسلم :
المنسوخ: قوله تعالى:
{لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزوج}[82].
الناسخ: قوله تعالى:
{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزوجك التي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عمتك وبنات خالك وبنات خالتك التي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين}[83].
النسخ: تحريم النساء منسوخ بالتحليل.
الإحكام: النسخ غير متحقق لعدم الجزم بالمتأخر من حيث ترتيب النزول[84]، ولو روعي ترتيب المصحف لجاز العكس أي تحريم النساء بعد التحليل.
الواحدة والعشرون: مهور المرتدات :
المنسوخ: قوله تعالى:
{وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزوجهم مثل ما أنفقوا}[85].
الناسخ: قوله تعالى:
{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمسكين وابن السبيل}[86].
النسخ: آية الأنفال ذكرت تخميس الغنائم وأسقطت المهور في آية الممتحنة.
الإحكام: لا تعارض بين الآيتين لأن المهور تدفع ثم تخمس الغنائم.
المنسوخ: قوله تعالى:
{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين(3)}[87].
الناسخ: قوله تعالى:
{وأنكحوا الأيامى منكم}[88].
النسخ: إباحة عقد الزناة بعد منعه.
الإحكام: النكاح في آية النور بمعنى الجماع فلا ترد المعارضة، ولا يرد النسخ.
وأذكر في خاتمة الدعاوى المشهورة أن هناك دعاوى أخرى لها وجه مقبول في العقل أو النقل.
وأضرب لذلك مثلاً في الدعوى التالية:
الثالثة والعشرون: السكر في غير الصلاة :
المنسوخ: قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}[89].
الناسخ: قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه}[90].
النسخ: إباحة الخمر في غير أوقات الصلاة كما يفهم من آية النساء، وهذه الإباحة منسوخة بالتحريم الدائم في آية المائدة.
الإحكام: لا نسخ هنا فالآيتان متكاملتان في باب التدرج التشريعي، ثم إن المفهوم المخالف الذي بني عليه حكم الإباحة لا يصح، لأن النهي عن الخمر في أوقات الصلاة لا يعني الإباحة في بقية الأوقات.
* * *
في ثنايا المباحث الماضية –وبخاصة مفهوم النسخ- جملة من الفوائد والنتائج ثبت ما تيسر منها، حرصاً عليها، وتذكيراً بها، وأهمها:
المطالبة بالعودة بالنسخ إلى مفهوم السلف بمعناه العام الواسع الذي يعني التخصيص والتقييد والتفصيل ونحوها من وجوه البيان، ويشمل كذلك نسخ الخلف المتأخرين.
وينبغي تعريف كل دعوى بإضافتها إلى نوعها، فيقال: نسخ تخصيص، ونسخ تقييد، ونسخ تفصيل أو تفسير، ونسخ رفع جزئي أو كلي.
والسبب في هذه المطالبة أن مفهوم المتأخرين أوقع الناسخ في حرج واضطراب أدى بهم إلى رد بعض روايات الأجلة الكبار الذين نقلوا لنا الدين من صحابة وتابعين وآخرين، لمجرد اختلاف المصطلح.
ولست أرى للمتأخرين حقاً في تغيير مصطلح ليس لهم بل أهله أولى به وأحق.
وبخاصة إذا ترتب عليه ما ترتب.
الفرق الأساس بين السلف والخلف هو أن مفهوم الخلف محصور في إزالة المتأخر للمتقدم وإبطال حكمه، وهذا المفهوم يتعذر إثباته ولا يسلم من الخلاف فيه والاعتراض عليه على الرغم من كثرة دعاواه وشهرتها.
هناك فرق في طرق معرفة النسخ بين السلف والخلف.
فالنسخ في المفهوم السلفي طريق معرفته الصريح الصحيح من النقل والعقل.
أما في المفهوم الخلفي فطريقه النقل لا غير.. ولكن لما أعمل العقل فوضع في غير موضعه خرج النسخ عن الحد والعد وامتلأ سقماً وورماً.
الفرق بين النفاة والمثبتين للنسخ في معظم أشكاله هو في الاسم لا في المسمى، وهو صوري في الظاهر وليس في جوهر النسخ وحقيقته...
ومع ذلك فالنفاة وأهل الإثبات طرفان متباعدان لا يلتقيان، وغريبان لا يتجاوران.
والفرق الكبير هو بين المثبتين أنفسهم بحيث يصعب تصديقه، فليس هو بالآحاد أو العشرات أو حتى بالمئات بل إنه يخرج عن الحد والحصر.. والخطر في هذا الأمر أنه نزاع في الدليل الذي يقوم به وعليه الدين!!
وهذا العلم قد بدأ مع تفسير القرآن، والفقه في الدين، وبدأ تدوينه عام 133هـ أو قبل ذلك أي عام 124هـ، ولا يكاد يخلو –بل لا يخلو- قرن من مصنفات فيه على اختلاف المذاهب والفرق، وعلى امتداد بلاد المسلمين، ومع غنى قرن وفقر آخر –بسبب المد والجزر في الحياة الاجتماعية والسياسية للعالم الإسلامي- فإن المصنفات القديمة والحديثة، المتخصصة منها والموسوعية ينقصها –على الغالب- النهج العلمي في العرض والمعالجة، ويغلب عليه الإفراط والتفريط بلا اعتدال.
وأؤكد هنا على الاعتدال، فالمطالبة بالاعتدال في غاية الأهمية، وأعني المطالبة بتحديد مفهوم النسخ، ووضع قواعده وضوابطه، وتهذيب دعاواه ووزنها بميزان قويم، حتى يستقر هذا العلم على قرار سليم تطمئن إليه النفس، ولا يؤدي إلى تكذيب هذه الأمة لسلفها.
ومتى تحقق هذا المطلب تجلت حكمة النسخ...
وحكمة النسخ تتجلى في التدرج في التشريع حتى الكمال كما قال تعالى:
{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}[91].
ومعلوم أن التدرج التشريعي ضرورة لتربية النفوس، برعاية فطرتها، والسمو بغرائزها، ومعالجة عللها، كشأن البدن الذي ينمو حتى يشب ويشتد ويعالج من الأمراض حتى يبرأ ويشفى.
في ختام موضوع النسخ نسأله تعالى نسخاً:
يمحو به سيئاتنا، ويثبت لنا حسناتنا، ويرفع عنا وزرنا وإصرنا، ويزيل منا م
خوفنا وأحزاننا، ويبدلنا في آخرتنا خيراً من دنيانا: أمناً وأماناً، وجناناً ورضواناًَ.
[1] الآية 106 من سورة البقرة.
[2] "المفردات في غريب القرآن" لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني المتوفى سنة 502هـ، طبعة دار المعرفة. وانظر "معجم مقاييس اللغة" لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفى سنة 395هـ، طبعة دار الكتب العلمية بإيران.
[3] ص 29 من "البرهان في علوم القرآن" لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، طبعة دار المعرفة 1391هـ/1973.
[4] الآية 101 من سورة النحل.
[5] ص 83-84 من "الفوز الكبير في أصول الدين" لولي الله الدهلوي، عربه عن الفارسية سلمان الحسيني الندوي، الطبعة الثالثة 1407هـ/1986م، دار الصحوة بالقاهرة.
[6] العام هو: لفظ وضع للدلالة على أفراد غير محصورين على سبيل الاستغراق.
والمطلق: لفظ وضع للدلالة على فرد شائع غير مقيد لفظاً بأي قيد وتخصيص العام يكون بعدد من المخصصات، منها:
· الاستثناء: كما في قوله تعالى: {ومن كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} (106النحل).
· بدل البعض: كما فيه قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}(97 الأعراف).
· الصفة: كما في قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} (25 النساء).
· الشرط: كما في قوله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا} (93 المائدة).
· الغاية: كما في قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} (187 البقرة).
ومن تقييد المطلق ما في قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم} (3 المائدة).
وقوله تعالى: {أو دماً مسفوحاً} (145 الأنعام).
ومن بيان المبهم ما في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} (102 آل عمران).
وقوله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم} (16 التغابن).
ومن تفصيل المجمل ما في قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} (11 النساء).
وتتمة الآية: {للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك...} (11 النساء).
[7] من الشروط الموضوعة:
- كون المنسوخ حكماً شرعياً غير متصل بالناسخ.
- وأن لا يكون الناسخ بياناً.
- وأن يكون النسخ إلى بدل.
- وأن لا يكون المنسوخ حكماً عقلياً.
[8] ص 84 من "الفوز الكبير".
[9] ص 13 من "لا ننسخ في القرآن... لماذا؟" لعبد المتعال محمد الجبري، الطبعة الأولى 1400هـ/ 1980م، مكتبة وهبة.
[10] انظر صفحة الغلاف من كتاب "النسخ في الشريعة الإسلامية كما أفهمه"لعبد المتعال محمد الجبري، الطبعة الأولى 1380هـ/ 1961م.
[11] راجع ص 235-257 من "نظرات في القرآن" لمحمد االغزالي، الطبعة الرابعة 1383هـ/ 1963م، دار الكتب الحديثة.
[12] انظر تفسير الآية 42 من "تفسير سورة فصلت" لمحمد صالح علي مصطفى تحت الطبع بالمكتب الإسلامي ببيروت.
[13] ص 244 من "نظرات في القرآن".
[14] انظر: ص354 من "النسخ في الشريعة الإسلامية كما أفهمه"نقلا من كتاب "الإيجاز في معرفة ما في القرآن من منسوخ وناسخ" المخطوط بدار الكتب المصرية برقم 1088.
[15] الآية 106 من سورة البقرة.
[16] الآية 101 من سورة النحل.
[17] الآية 160 من سورة النساء.
[18] الآية 39 من سورة الرعد.
[19] الآيات الكونية تجمع كل المخلوقات "ففي كل شيء آية".
والنسخ يطرأ على ما شاء الله منها عن طريق المحو والنسي والتبديل إلى المثيل، أو إلى ما هو أكثر خيراً في الدلالة على ربوبية الله، وما يقتضي ذلك من لزوم عبادته تعالى.
ومن المخلوقات التي نسخت إلى المثيل أو إلى ما هو خير: الماموث والفيل...
ومن المخلوقات المنسوخة المنسية التي ذكرت: الديناصور الذي بقي خفياً زمناً طويلاً ثم ظهرت آثاره وبقاياه.
وكثير من الخلائق سادت ثم بادت فنسيت ولا نعرف عنها شيئاً، فكان نسيانها باقياً مستمراً.
[20] 1/ 590-591 من "الإحكام في أصول الأحكام" لأبي محمد علي بن حزم الأندلسي الظاهري المتوفى سنة 457هـ أو 456هـ، تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز زيدان، الطبعة الأولى 1398هـ/ 1978م، دار الفكر العربي.
[21] راجع الموضوع ص 155-170 من "نظرية النسخ في الشرائع السماوية" للدكتور شعبان محمد إسماعيل، طبعة الدجوي 1397هـ.
[22] الآية 64 من سورة النساء.
[23] الآية 3 من سورة الأعراف.
[24] 1/ 590-591 من "الإحكام في أصول الأحكام".
[25] 2/29 من "البرهان في علوم القرآن".
[26] آية السيف كل آية فيها مشروعية القتال أشهرها الآية 36 من سورة التوبة وهي قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين}.
[27] 2/29 من "البرهان في علوم القرآن".
[28] المصادر الأساس لهذا المبحث:
- "النسخ في القرآن الكريم" للدكتور مصطفى زيد، الطبعة الأولى 1383هـ/ 1963هـ، دار الفكر العربي. انظر الباب الثاني من الجزء الأول ص 287-395.
- الجزء الثاني من "فهرس المخطوطات والمصورات" لعمادة شئون المكتبات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1402هـ/1982م. "معجم مصنفات القرآن الكريم"، للدكتور علي شواخ إسحاق. انظر 4/ 225-247 من رقم 3185 على رقم 3256.
- بعض الكتب المطبوعة والمخطوطة في النسخ وعلوم القرآن وأصول الفقه.
[29] قاله الدهلوي في "الفوز الكبير" ص84. واستشهدنا به في نهاية المبحث الأول.
[30] قاله السيوطي في "الإتقان" 2/23.
[31] "الإتقان" 2/23.
[32] ص 93 من "الفوز الكبير".
[33] ص 139-140 من "يتيمة البيان في شيء من علوم القرآن" لمحمد يوسف البنوري، طبعة 1396هـ/ 1976م، مجلس الدعوة والتحقيق الإسلامي بباكستان.
[34] المحاضرات ألقيت على طلبة الدارسات العليا بقسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين عام 1402هـ، والمستوى الأول من قسم السنة عام 1407هـ.
[35] انظر "النسخ في القرآن الكريم" 2/837.
[36] الآيات 1-4 من سورة المزمل.
[37] الآية 20 من سورة المزمل.
[38] الآية 79 من سورة الإسراء.
[39] الآية 286 من سورة البقرة.
[40] الآية 12 من سورة المجادلة.
[41] الآية 13 من سورة المجادلة.
[42] الآية 65 من سورة الأنفال.
[43] الآية 66 من سورة الأنفال.
[44] الآيتان 15-16 من سورة النساء.
[45] الآية 2 من سورة النور.
[46] "في القرآن الكريم" لمصطفى زيد 2/833-834.
[47] ص 89 من "الفوز الكبير".
[48] الآية 180 من سورة البقرة.
[49] الآية 7 من سورة النساء.
[50] الآية 11 من سورة النساء.
[51] الآية 184 من سورة البقرة.
[52] الآية 185 من سورة البقرة.
[53] الآية 240 من سورة البقرة.
[54] الآية 234 من سورة البقرة.
[55] الآية 115 من سورة البقرة.
[56] الآية 150 من سورة البقرة.
[57] انظر "مناهل العرفان" 2/152 و"دراسات الإحكام والنسخ" ص 138.
[58] الآية 183 من سورة البقرة.
[59] الآية 187 من سورة البقرة.
[60] الآية 217 من سورة البقرة.
[61] الآية 2 من سورة المائدة.
[62] الآية 5 من سورة التوبة.
[63] الآية 36 من سورة التوبة.
[64] الآية 284 من سورة البقرة.
[65] الآية 286 من سورة البقرة.
[66] الآية 102 من سورة آل عمران.
[67] الآية 16 من سورة التغابن.
[68] الآية 8 من سورة النساء.
[69] الآيات 7012 من سورة النساء. وتقدم القول في نسخ آيات المواريث لوصية الأقارب في الدعوى الخامسة.
[70] مناهل العرفان 2/159.
[71] الآية 33 من سورة النساء.
[72] الآية 6 من سورة الأحزاب.
[73] الآية 42 من سورة المائدة.
[74] الآية 49 من سورة المائدة.
[75] الآية 106 من سورة المائدة.
[76] الآية 2 من سورة الطلاق.
[77] الآية 41 من سورة التوبة.
[78] الآية 91 من سورة التوبة.
[79] الآية 122 من سورة التوبة.
[80] الآية 58 من سورة النور.
[81] الآية 59 من سورة النور.
[82] الآية 53 من سورة الأحزاب.
[83] الآية 50 من سورة الأحزاب.
[84] انظر "مناهل العرفان" 2م163، و"النسخ في القرآن الكريم" 2/762.
[85] الآية 11 من سورة الممتحنة.
[86] الآية 41 من سورة الأنفال.
[87] الآية 3 من سورة النور.
[88] الآية 32 من سورة النور.
[89] الآية 43 من سورة النساء.
[90] الآية 90 من سورة المائدة.
[91] الآية 3 من سورة المائدة.