عن النسخ في القران
رابعا القول بنسخ شرع القران لشرع التوراة والإنجيل ينقض القران.
في هذا الباب للقران ثلاثة مواقف . وفيها جميعا لا ذكر لنسخ شرع بشرع .
1) في الموقف الأول يعلن انه ينقل للعرب شرع الكتاب وسننه : شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ .42 الشورى 13 .
في هذه الآية ثلاثة تصاريح : الأول ان الشرع من نوح آلي إبراهيم إلى موسى الى عيسى إلى محمد هو واحد ؛ الثاني ان القران يشرع للعرب شرع الكتاب ؛ الثالث انه لا يصح تفريق في الشرع بين شرع إبراهيم وشرع موسى وشرع عيسى وشرع محمد. فالقران الذي يشرع للعرب شرع الكتاب لا ينسخ شرعه شرع الكتاب .
2) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . النساء 26 .
فسره الجلالين : " يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : أي طرائق الأنبياء في التحليل والتحريم فتتبعوهم وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ .
فالقران الذي يهدي العرب ويبين لهم سنن (طرائق) الأنبياء الذين قبلهم في التحريم والتحليل ، كيف ندعي انه ينسخ شرائع الأنبياء في التحليل والتحريم ؟.
في الموقف الثاني يعلن القران استقلال كل أمة في شرعها .
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ. ال عمران 46.
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ال عمران 46-49.
ولما فارق محمد قبلة اهل الكتاب جاء : وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شيء قدير .
قال العوفي عن ابن عباس "ولكل وجهة هو موليها" يعني بذلك أهل الأديان يقول لكل قبيلة قبلة يرضونها ووجهة الله حيث توجه المؤمنون وقال أبو العالبة: لليهودي وجهة هو موليها وللنصراني وجهة هو موليها وهداكم أنتم أيتها الأمة إلى القبلة.
لكل أمة إذن قبلة مستقلة : فلا تنسخ قبلة قبلة . والقبلة عنوان الدين .
ولما شرع الحج الى مكة ، بدل بيت المقدس ، جاء :
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحد فله اسلموا . الحج 34.
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ) الحج 67.
تحويل الحج من بيت المقدس إلى مكة ليس تحويلا في الإسلام : فلا داعي للنزاع في الأمر . والمبدأ العام : لكل أمة مناسك وحج ، كما لكل أمة شرع مستقل .
فسره الجلالين : لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا شريعة هُمْ عاملون بها.
وهكذا يشرع القران جملة وتفصيلا استقلال الأمم الثلاثة في شرعها .وفي هذا الموقف أيضا لا ينسخ القران شرعا بشرع!.
وهكذا كيفما تأملنا القران في موقفه كلها لا نجد أساسا لشبهة النسخ لشرع بشرع آخر . والمقالة بذلك بدعة في الإسلام ، وفرية على القران .