رسالة أفسس
كنيسة السيدة العذراء بالفجالة
أفسس هى عاصمة المقاطعة الرومانية المسماة آسيا، وهى فى آسيا الصغرى (تركيا حاليا). وكانت أفسس ملتقى للطرق التجارية، وأشتهرت بهيكلها العظيم للإلهة أرطاميس، وهى إلهة تمثل أماً لها فى صدرها كثير من الثُدىّ فهى مرضعة جميع البهائم والحيوانات. وتعتبر أرطاميس إلهة القمر عند اليونان وتقابل ديانا عند الرومان. وكان أهل أفسس متهافتين على الوثنية والسحر والخلاعة (أع19:19).
كتبها بولس الرسول من سجن روما (السجن الأول سنة 62 – سنة 63م) حين أُذِنَ له أن يستأجر بيتا لمدة سنتين (أع30:28). وهناك كتب رسائل الأسر الأول وهى: أفسس وفيلبى وكولوسى وفليمون. وبهذا تحوّل السجن الى كرازة إنتشرت عبر الأجيال ولآلاف السنين.
ورسالة أفسس تكلمنا عن مفهوم الكنيسة، وكيف أن كل منا لا يحيا كفرد منعزل بل كل منا هو عضو فى الجسد المقدس (جسد المسيح). وهى تختلف مثلاً عن الرسائل الأخرى كغلاطية وكورنثوس، فلا توجد فى أفسس أخطاء عقائدية أو أخطاء سلوكية يعالجها الرسول فى رسالته. لذلك لا توجد نبرة غضب كالتى نجدها فى رسائل (غل، 1كو، 2كو) ولكن الرسول وهو فى فرحه بهذه الكنيسة يبحث عن النمو الروحى لمن هم سالكون فى الطريق الصحيح. وهذا النمو فى نظر بولس هو نمو بلا حدود، فيطلب أن نمتلىء إلى كل ملء الله (3 :19). وليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم (3: 17). فالمسيحى الحقيقى يجب أن ينمو دائماً.
تأسيس كنيسة أفسس:
كان بأفسس كثير من اليهود لهم الجنسية الرومانية. وكرز لهم بولس الرسول فى زيارته لأفسس حوالى سنة 54م فى نهاية رحلته التبشيرية الثانية. وكرز بولس فى المجمع اليهودى وترك أكيلا وبرسكيلا يكملان عمله (أع18: 21). وفى غيبته جاء أبلوس من الأسكندرية، وكان من تلاميذ يوحنا المعمدان. وجاهر بما عرفه عن السيد المسيح فى المجمع. وقام أكيلا وبرسكيلا بتعليمه طريق الرب بأكثر تدقيق (أع24:18 –26) ورجع بولس الرسول إلى أفسس حسب وعده فى خريف سنة 54م فى رحلته التبشيرية الثالثة حيث وجد بعض التلاميذ لم يقبلوا سوى معمودية يوحنا فبشرهم بالسيد المسيح وعمدهم وإذ وضع يده عليهم حل الروح القدس عليهم فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون (أع19: 3-9).
وعظ بولس الرسول فى مجمع اليهود 3 أشهر ولما قاومه اليهود اعتزلهم (أع19: 8-12). وظل يعلَِّم فى مدرسة تيرانس سنتين لليهود ولليونانيين. فقبل كثير من اليهود والأمم الإيمان. ونتيجة الإيمان أحرق كثيرون من السحرة كتب السحر (أع19:19). ولما انهارت عبادة أرطاميس قام صنَّاع الفضة بثورة (أع19: 24-29).
وتأسست فى أفسس كنيسة عظيمة لها قسوسها (أع20) (تقع ميليتس جنوب أفسس) وبعد أن ترك بولس أفسس خدم فيها تلميذه تيموثاوس (اتى1: 3). وأرسل بولس هذه الرسالة الى أفسس بيد تلميذه تيخيكس (أف 6: 21+ 2تى 12:4). وأفسس هى أحدى الكنائس السبع التى أرسل لها السيد المسيح رسائل فى سفر الرؤيا. وفى أفسس قضى القديس يوحنا اللاهوتى أواخر أيامه، وتنيح فى جزيرة بطمس وهى فى مقابل أفسس. وفى سنة 431م انعقد فيها مجمع مسكونى. وصارت أفسس الآن قرية أفيس ولايوجد بها مسيحيون تنفيذاً لنبوة السيد المسيح أنه سيزحزح منارتها لأنها تركت محبتها الأولى رؤ 2: 5.
السر:
يتحدث الرسول فى رسالة أفسس عن السر الذى أعلنه له المسيح شخصياً. ويقصد به خلاص الأمم مع اليهود (أف2: 14). ووحدة اليهود مع الأمم ستكون نموذجاً لما سيتم فى توحيد كل العالم فى المسيح، إذ تنتهى كل عداوة بين البشر، وكانت أصعب عداوة هى التى بين اليهود والأمم. عموماً فالله خلق العالم فى وحدة، فالله خلق آدم واحد، ومنه أُخِذت حواء، ومن كليهما أتى الأولاد، أى كل الخليقة هى جسد آدم. والمفروض أن تكون هناك وحدة بين البشر. ولكن الخطية سببت الانقسام وقام قايين وقتل أخيه. ولكن المسيح أتى ليعيد هذه الوحدة، (يو17: 21)، أتى المسيح ليجعل الكل واحد فى جسده، أى سيجعل كل اثنين متنافرين متخاصمين واحداً. بل أن المسيح قد وحدّ السمائيين بالأرضيين (أف 10:1). وصار هو رأساً لكليهما. لذلك نجد فى (رؤ9:5) أن السمائيين صاروا يسبحون على الخلاص الذى تم للأرضيين، هم صاروا يتكلمون بالنيابة عنا، ويفرحون لنا، فلقد صرنا واحدا. وهذه الوحدة تمت الإشارة لها رمزياً فى حادثتين. الأولى إلتقى فيها المسيح بسفينتين، وكان صيد سمك وفير وكان هذا فى بداية خدمة السيد المسيح (لو1:5ـ10) والثانية كانت فى نهاية أيام المسيح على الأرض بالجسد، وكانت بعد القيامة إذ التقى بسفينة واحدة (يو21: 3ـ11) والسمك رمز للمؤمنين، والسفينة رمز للكنيسة، التى كانت سفينتين قبل عمل السيد المسيح الفدائى، وصارت سفينة واحدة أى كنيسة واحدة بعد أن أتم المسيح عمله " جعل الاثنين واحدا " (أف14:2).
ونلاحظ أن بولس يذكر أيضاً فى رسالة كولوسى كلمة السر الذى عرفه، لكنه فى كولوسى يقصد سر المسيح. ففى أفسس يكلمنا بولس عن الكنيسة جسد المسيح أنها عائلة واحدة، بل جسد واحد يجمعها الله من وسط العالم، من كل شعب ولسان وأمة، وسيستمر فى جمعها عبر السنين إلى أن تكمل، وهو يعدها لمصير أبدى مجيد. إذاً وفى أفسس يتكلم عن الكنيسة (أف 5: 22-32 +أف 1: 23) وأنها جسد المسيح الواحد. أماّ فى كولوسى فهو يتكلم عن من هو المسيح وأنه رأس هذه الكنيسة، وأنه مصدر كل بركات ونعم هذه الكنيسة، هو بلاهوته وسلطانه كان فيما قبل الخليقة، وهو أزلى، خلق الكل. وبعد فدائه صار مصدراً لكل خيرات الكنيسة إذ هو رأس الكنيسة (هذا هو السر فى كولوسي). وهناك تكامل فى المعنيين (راجع الآيات كو15:1ـ20 مع أف1: 17-23) لترى أزلية المسيح وسلطانه على كل الخليقة. إذاً أفسس تتحدث عن الكنيسة جسد المسيح، وكولوسى تتحدث عن المسيح رأس الكنيسة.
|
|
حل في جسد المسيح كل ملء اللاهوت (كو 9:2)
المسيح الرأس صار مصدراً لكل البركات والنعم لكنيسته |
|
||
|
|
|
جسدى أنا المحدود |
نحن مملوؤن فيه كو10:2 |
|
|
||
ثباتنا فى المسيح (بالمعمودية + حياة توبة + تناول)
|
هناك تشابه فى الكلمات والآيات بين رسالتى أفسس وكولوسى. والسبب أن الموضوعين متكاملين (الكنيسة جسد المسيح، والمسيح رأس الكنيسة). لذلك طلب بولس الرسول أن يتبادل شعبا كولوسى وأفسس الرسالتين لقراءتهما. خصوصاً أن تيخيكس كان حاملاً للرسالتين (أف 21:6+ كو7:4).
رسالة أفسس كانت مرسلة أصلا إلى أفسس وإلى لاودكية وإلى المدن المحيطة بهما. فهى رسالة دورية مرسلة لكنائس آسيا الصغرى. ولم تكن أفسس أكبر وأشهر كنيسة فى المنطقة بل كانت لاودكية هى الأشهر مع أن أفسس كانت عاصمة أقليم أومقاطعة آسيا.
ولقد وردت الآية الأولى (أف1:1) فى أقدم النسخ هكذا:
"بولس، رسول يسوع المسيح بمشيئة الله، إلى القديسين الذين فى... والمؤمنين فى المسيح يسوع" أى وُجِدَ مكان كلمة أفسس فارغاً. وذلك حتى يكتب اسم المدينة المرسلة إليها فى المكان الفارغ ووُجدت رسائل مكتوب فيها فى المكان الفارغ اسم مدينة أفسس أى إن الرسالة كانت تنسخ ويكتب فى المكان الفارغ اسم المكان المرسلة إليه وما يؤكد صحة هذا الرأى أن الرسالة خلت تمامًا من وجود أى تحيات إلى أشخاص بالذات من الموجودين سواء فى أفسس أو لاودكية. لذلك حين يقول بولس الرسول فى (كو4: 16) "ومتى قُرِئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقُرأ أيضاً فى كنيسة اللاودكين والتي من لاودكية تقرأونها أنتم أيضًا" فهو يقصد بالرسالة التي من لاودكية رسالته إلى أفسس (المعروفة بهذا الاسم حالياً). ونلاحظ جغرافياً أن أفسس ولاودكية مدينتان متقاربتان.
الفكر العام فى الرسالة
الكنيسة جسد المسيح
1ـ الكنيسة جسد المسيح كما أن الخليقة جسد آدم :
(أف1: 22، 23 + 2 :16 + 4: 12 + 5: 30) العالم كله هو جسد آدم. كلٌ منا عبارة عن جزء من آدم ولأن رأسنا آدم مات فنحن كلنا نموت. وبنفس المنطق فنحن فى المسيح خليقة جديدة (أف2: 10 + 2كو5: 17).
ولأن رأسنا حى، فالكنيسة حية ونحن ننتمى لجسد المسيح الحى بالمعمودية والتى بها نموت ونقوم ثابتين فى المسيح ونكون أعضاء فى جسد المسيح. وكرمز لهذا رأينا نوحاً كرأس لجسد جديد كانت له حياة إذ نجا من الطوفان بالفلك (رمز المعمودية) وصار رأساً جديدة للخليقة.
2ـ كل منّا ينتمى لجسد المسيح بالمعمودية: (أف5: 26)
وهذا تنبأ عنه حزقيال (16: 1-9) "رأيتك مدوسة بدمك... فحممتك بالماء وغسلت عنك دماءَكِ ومسحتك بالزيت" (هنا نرى المعمودية وزيت الميرون). وهنا نسمع فى (أف5: 26) "لكى يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء". وبالمعمودية مات الإنسان العتيق ووُلد الإنسان الجديد ومع إحتكاكنا بالعالم نُحيى الإنسان العتيق إذ نعود نمارس الخطية لذلك كان هناك سر التوبة وهو الموت عن الخطية، وهنا نسمع "أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد... وتلبسوا الإنسان الجديد" (أف4: 22-24) فنظل ثابتين فى جسد المسيح إن عشنا حياة التوبة. وطبعاً يضاف لهذا التناول من جسد الرب ودمه لنثبت فيه.
3ـ الكنيسة عروس المسيح: (أف5: 23 –32)
أحبها وأسلم ذاته لأجلها لكى يقدسها وكما خرجت حواء من جنب آدم إذ وقع عليه نعاس، خرجت الكنيسة من جنب المسيح المطعون (دم للتقديس – وماء للمعمودية خرجا منه) إذ مات على الصليب. لذلك قيل هنا إن الكنيسة أعضاء جسمه من لحمه وعظامه (أف5: 30) كما قيل عن حواء. ولذلك نجد الرسول هنا يعقد مقارنة بين المسيح وكنيسته والرجل وزوجته.
4ـ تعبير "فى المسيح" + "كلنا أعضاء جسد المسيح" : (أف1:1، 3+4: 11)
ورد تعبير "فى المسيح" فى هذه الرسالة أكثر من 20 مرة. وهو تعبير خاص ببولس الرسول يشير لاتحادنا بالمسيح وثباتنا فيه (وهذا يتم بالمعمودية ثم بحياة التوبة والتناول). وكل منا حينما يثبت فى المسيح يصير عضواً فى جسد المسيح "لأننا أعضاء جسمه" (أف30:5). وأعضاء الجسم لكل منها عمل يختلف عن الآخر. ولكن الكل يتكامل ليكون الجسم صحيحاً. وهذا ما نراه هنا "أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض..." (أف4: 11) والهدف "تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح" (أف12:4) فالكل يخدم الكل، ويحدث التكامل.
5ـ لكل عضو عملة ووظيفتة: (أف2: 10 +4: 11، 16)
والروح القدس هو الذى يوزع الأدوار ويعطى المواهب (1كو11:12). وهو الذى يعمل فى الأسرار. وهدف الأسرار هو تكوين جسد المسيح. فبالمعمودية نولد فى الجسد وبالميرون يحل الروح القدس علينا، وهو الذى يبكتنا ويعلمنا... وفى الإعتراف تمحى خطايانا وبالتناول نثبت فى الجسد فتكون لنا الحياة. والكهنوت خادم كل الأسرار. وفى سر الزواج تتكون خلية متكاثرة لينمو جسد المسيح عددياً ثم يعطى الروح المواهب لكل عضو فينمو الجسد روحياً. وكل عضو له مواهب تختلف عن الآخر "ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضاً " (1بط4: 10).
6ـ الأعضاء تترابط فى محبة: (أف4: 15، 16)
فالجسد مشبه هنا بأعضاء ترتبط بعضها ببعض بمفاصل (هى المحبة التى يربط بها الروح القدس الأعضاء معاً) ونجد فى تشبيه المفاصل أن كل عضو حر فى حركته، لكنه مرتبط مع باقى الأعضاء بمفاصل. فيصبح جسداً واحداً. وهكذا الكنيسة جسد المسيح.
7ـ الجسد الذى نحصل عليه هو جسد جديد: (أف2: 10+2: 14ـ16+4: 22–24)
هنا نرى موت الإنسان العتيق، وأننا خُلقنا فى المسيح خلقة جديدة. ولكن لنا حرية الإرادة فى أن نعود للإنسان العتيق أو نحيا بالجديد. فالتوبة قرار حر بأن نموت عن الخطايا التى فى العالم، ونحيا للمسيح.
8 ـ قامة ملء المسيح : (أف4: 13)
هذا التعبير خاص برسالة أفسس التى تُكلمنا عن الكنيسة جسد المسيح. لذلك فهذا التعبير لا يخص الفرد بل هو خاص بالكنيسة جسد المسيح. ونحن المؤمنين نملأ هذا الجسد، فكل عضو منا هو عضو فى هذا الجسد. ولذلك يسمى الكنيسة إنسان كامل أى إنسان واحد، وليس أناس متعددين وكيف يحدث الامتلاء؟
9ـ الأمتلاء يحدث بالنمو: (أف4: 15) "ننمو فى كل شىء"
كل عضو ينمو. كطفل ينمو، نجد أن كل أعضائه تنمو. ولو توقف عضو أوأكثر عن النمو، لما كان هذا الجسد طبيعاً. سيكون عاجزاً. أما لو نما كل عضو بطريقة طبيعية لامتلأ الجسم، وقام بوظيفته. وعمل جسد المسيح على الأرض هو أن يمجد أبانا السماوى
(مت5: 16) ويكون هذا بأن نُظهر صورة المسيح للناس.
أمثلة عملية:
v الكنيسة هى جسد المسيح، يعطيها المسيح مواهب، لكل واحد موهبته أو وزناته، وهى تتكامل ليكون جسد المسيح كاملاً.
v يشير لهذا ثوب يوسف الملون، ذو الألوان المتعددة، وكما هو معروف فيوسف يشير للمسيح الذى سلمه اخوتة وباعوه ثم ملك عليهم. والآب أعطى الكنيسة عروساً للمسيح كما أعطى يعقوب إبنه ثوباً ملوناً. فالألوان تشير لتعدد المواهب فى الكنيسة.
v كان قوس قزح متعدد الألوان يشير للكنيسة:
1. كان علامة أن الله يريد الحياة لأولاده.
2. سقوط ضوء الشمس الأبيض (والمسيح شمس البر مل4: 2) على قطرات الماء الباقية فى الجو من المطر(والمطر يشير للروح القدس) (هو6: 1-3 + أش44: 3-4 + يو7: 37- 39). وكما تحلل ذرات المطر الضوء الأبيض لألوان متعددة. هكذا يعطى الروح القدس المؤمنين مواهب متعددة ومختلفة تتكامل معاً.
v تجربة علمية : يقسم قرص الى 4 أقسام ويقسم كل قسم إلى 7 أقسام ويلون كل جزء بأحد ألوان الطيف ويكرر هذا مع بقية الثلاثة أجزاء للدائرة ويدار القرص بسرعة كبيرة جدًا فنجد أن اللون الأبيض هو اللون الذى يظهر. فكأن الألوان حين تتكامل يظهر اللون الأبيض ثانية.
ولو حدث أن كل عضو فى الكنيسة كان نموه الروحى طبيعياً وقام بدوره المكلف به (عمله المخلوق لأجله 10:2) بحسب مواهبه ووزناته، لظهر المسيح فى هذه الكنيسة، ولتمجد الله. أماّ لو كانت الألوان على القرص غير متطابقة مع ألوان الطيف لظهر لون آخر غير اللون الأبيض عند دوران القرص أى لو لم يقم كل واحد بعمله بأمانة لما ظهر المسيح ولما تمجد الله.
مثال آخر: فى فرقة موسيقية، لو عزف كل عازف بطريقة صحيحة لظهرت قطعة موسيقية رائعة. ولو أخطأ أحد لصدر صوت نشاز من الفرقة.
مثال آخر: نحن نرى رائحة المسيح الزكية (2كو2: 15) فلو كان كل منا ثابتاً فى المسيح ويحيا فى قداسة، لإنتشرت رائحة المسيح الزكية فى كل مكان.
إذاً قامة ملء المسيح هى أن يقوم كل عضو بدوره، يثبت فى المسيح، يقوم بعمله الذى يمجد به الله حسب مواهبه، وينمو نمواً طبيعياً. هنا تفوح رائحة المسيح الزكية من هذا المكان، هنا يسمع الناس صوت المسيح، هنا يرى الناس المسيح، هنا نرى قامة ملء المسيح. جسد المسيح أى كنيسته إمتلأ بأعضاء نامية قادرة أن تظهر جسد المسيح فى شكله الحقيقى الذى يريده الله... والنتيجة مجد إسم الله.
10ـ الكنيسة سماوية
رأس الكنيسة فى السماء (20:1) وأبونا سماوى ونحن مسكن لله (22:2). بل وأن الكنيسة تحيا فى السماويات 2: 6 فما يحدث للرأس يحدث للجسد. لكن ما نأخذه الآن هو عربون (14:1). وحروب الشيطان ضد الكنيسة هى لأجل أن يبعدها عن هذه السماويات (12:6) لكن الله أعطانا أسلحة نحارب بها إبليس ونطرده عنا 10:6-18. لذلك تحيا الكنيسة فرحة مسبحة على ما نالته (1: 6، 12،14).
11ـ المسيح صار رأساً للسمائيين والأرضيين: (أف10:1+ 14:2)
المسيح يجمع من هو ثابت فيه من الملائكة والبشر، ويجعل الكل جسده (فهناك ملائكة سقطوا وهم صاروا شياطين، وهناك بشر رفضوا المسيح) وبجسده هذا سيقدم الخضوع للآب عن حب للآب. علامة حب هؤلاء (جسد المسيح) سيكون خضوعهم والمسيح رأس لهم (1كو28:15) وعلامة حب الآب لهم أنه سيفيض من خيره عليهم. ويكون المسيح نور هذا الجسد، لذلك لا يحتاجون لشمس تنير لهم (رؤ22: 5) أما من تمرد على الله ورفض المسيح (شياطين أو بشر) فسيكون مصيرهم الظلمة الخارجية أى خارج الجسد حيث لا نور (مت 30:25) بل سيكون نصيبهم بحيرة متقدة بالنار (رؤ10:20، 15) جسد المسيح من السمائيين والأرضيين سيخضعون عن حب، أما المتمردون فسيضعهم الله تحت قدميه (مز 110: 1) سيخضعون قهراً.
12ـ الروح القدس فى الرسالة:
كان تجسد المسيح هو بذرة الكنيسة، هو أخذ جسداً من الإنسان، فكان جسده إنساناً كاملاً ولكن بدون خطية، فهو جسدنا بمعنى أنه إتحد بالإنسان إتحاداً كاملاً، وبهذا الجسد صُلب
(1بط2: 24) ومات فأنهى العقوبة التى علينا، وهكذا تصالحنا مع الله وصرنا مقدسين فى المسيح وأبناء الله بجسد المسيح. ثم قام بجسدنا وصعد به للسماويات فالمسيح ليس منفصلاً عن الكنيسة، كل ما عمله كان لحساب الكنيسة، التى صارت جسده وهو رأسها. وكان صعود المسيح للسماء كباكورة لصعود الكنيسة جسده للسماء. ونحن بالمعمودية نموت معه ونقوم معه ونتحد به، ثم بالتناول نتحد بجسده. وما يفصلنا عنه هو الخطية ولكن شكراً لله فهناك سر التوبة والإعتراف الذى به نرجع للثبات فيه ولذلك أرسل الله الروح القدس للكنيسة فهو الذى يعمل فى الأسرار ليثبتنا فى جسد المسيح. وأن كان المسيح قد أتحد بنا بجسده، إذاً ففى جسد المسيح يتلاقى المسيح بالإنسان فى إتحاد، وهذا معنى عمانوئيل " الله معنا " أنتم فىّ وأنا فيكم (يو14: 20+ غل 2: 20) والمسيح يجمع الكنيسة كإنسان واحد له قامة المسيح، بل أن المسيح وحّد السمائيين مع الأرضيين أف 1: 10 لذلك نصلى فى القداس الغريغورى " الذى ثبت قيام صفوف غير المتجسدين (الملائكة) فى البشر". وبهذا نفهم أن القداس توجد فيه صفوف الملائكة مع صفوف البشر، الكل قائمون أمام الله. وبالروح القدس ينكشف لنا هذا السر، بل إنكشف هذا السر للسمائيين أنفسهم (10:3، 11) والروح القدس هو الذى يعمل على تأسيس هذا الجسد السرى للمسيح أى الكنيسة.
أ. هو ختم: (1: 13) سرى غير منظور، والختم يختم به العبيد أو قطيع الماشية علامة التبعية والملكية. ونحن صرنا ملكاً لله ومن قطيعه. والختم لايكرر والروح حل على التلاميذ على هيئة ألسنة نار دون أن يتغير شىء فى مظهرهم الخارجى أمام الناس. لكن الروح له مفاعيل واضحة (يو3 : 8).
ب. هو عربون ميراثنا : (1: 14) ما نحصل عليه الآن جزء من كل ما سنحصل عليه فى السماء وكل ما يعطيه الروح القدس لنا الآن من تعزية وفرح... ما هو إلاّ عربون.
ت. لمدح مجده : (1 :12) عمل الروح أن يعطينا أن نشعر بمجد الله وعظمته ومقدار محبته لنا وعمله لنا فنشكره ونسبحه. ومدح مجد الله صفة ملازمة لنوال البنوة والنعمة. لايمكن أن يكون هناك مسيحى قد تذوق عمل الله ولا يمدح مجده وعمله. فإذا كف الإنسان عن التسبيح تنحصر الروح وتكتئب. فلقد صارت هناك شركة بين الروح وبين الله الذى هو مصدرها، فهى خُلقت لتسبح مجده وتحمده (مز3:22) والخليقة الجديدة تنمو وتزدهر بقدر تسبحتها. وبقدر تسبحتها تقترب لله أكثر وتتقوى وتتجدد.
ث. يعطينا الحكمة والمعرفة : (16:1-18+14:3-19).
ج. والروح إذاً يعطينا أن نعرف أسرار عمل المسيح ومحبته لنا. والروح يشرح لنا بعض المعانى الغامضة علينا والتى هى أكبر من قدراتنا الفكرية والعقلية وتحتاج إلى تأييد الروح القدس مثل "كل ملء الله"، " يحل المسيح بالإيمان فى قلوبنا ".
ح. والروح القدس يملأ الكنيسة بعد قيامة المسيح وصعوده وجلوسه عن يمين الآب فهو فاض بملئة من المسيح الرأس الممجد فى السماء على الكنيسة التى هى جسده ليصير ملء الله فى الكنيسة التى هى جسد المسيح (23:1). وهذا شرحه بولس الرسول فى (10:4-16)، أن المسيح نزل للجحيم ثم صعد لكى يملأ كنيسته من الروح القدس ومواهبه فأعطى للبعض أن يكونوا رسلاً والبعض... صارت الكنيسة هى المحل أو الهيكل الذى فيه يسكن الروح القدس إبتداءً من يوم الخمسين وبلا إنقطاع إلى أن يكتمل جسد المسيح بأكتمال عمل الروح القدس فى العالم ليجمع كل شىء فى المسيح ويكمل إعداد العروس لتزف للعريس السماوى يسوع المسيح فى مجيئه الثانى المجيد (رؤ7:19+17:22).
خ. الروح القدس يحزن وينطفىء إذا قاومه الإنسان واختار طريق الخطية والعالم. ويفرح ويملأ الإنسان لو تجاوب مع صوته وقدم توبة وعاش شاكراً مسبحاً (أف30:4+18:5-21+اتس19:5).
د. الروح يجمع أعضاء الجسد فى محبة (أف16:4). لذلك لا يُعرف المؤمن خارج الكنيسة ومنعزلاً عن إخوته، خارجاً عن الجسد. الإنسان الجديد يُعرف أنه إنسان جديد كعضو فى الكنيسة جسد المسيح، له دوره فى بنيان جسد المسيح.
ذ. من يمتلىء من الروح القدس سيحقق الهدف المخلوق لأجله (أف10:2) وينمو نمواً مستمراً، ولو كل عضو إمتلأ ستتحقق قامة ملء المسيح. أماّ من يحزن الروح فهو لن ينمو. بل أن سبب الشقاق والتناحر والأحزاب أن الكل ليس ممتلئاً بعد من الروح القدس، وإلاّ فأين المفاصل أى رباطات المحبة؟
ر. لقد صارت الكنيسة سماء ثانية ففيها يسكن الله (1كو16:3، 17+أف19:2-22) والروح القدس هو عنصر البناء السرى. والرَبْطْ الذى يربط ويشد أزر البناء كله. والكنيسة بذلك تصير جسماً (جسداً) روحانياً غير منظور وفيه يسكن الله (1بط3:2-5). وقطعاً فالروح يربط الكنيسة بالمحبة فهو روح المحبة (رو5:5) والكنيسة هى جسد الرب لا يعيش فيها المؤمن منفصلاً عن المسيح ولا عن اخوته (15:4، 16). هنا نرى المحبة تجمع أعضاء الجسد.
13 ـ الجسد الجديد : (أف14:2-16وقارن مع 2كو17:5)
فأعضاء الكنيسة جسد المسيح قد جازوا الموت والقيامة مع المسيح بالمعمودية وقبلوا الروح القدس. والإنسان الذى قام فى المعمودية هو إنسان جديد وعضو فى جسد المسيح. لذلك تتغذى الكنيسة دائماً على جسد المسيح فتتحد به وهو يدبرها فهو رأسها. يقودها فى بر وقداسة (أف22:4-24). وهذا الإنسان الجديد مخلوق بحسب الله أى على شبه الله. على شكله أو صورته، فى المحبة والقداسة. فالله قدوس والله محبة. ولأن الله قدوس فهو يعطى للإنسان الجديد أن يشتهى السماويات ولا يفرح بالأرضيات ولأنه محبة فهو يعطى للإنسان الجديد أن يحب الله ويحب كل إنسان حتى عدوه. إذاً الكنيسة فى المعمودية تلد بقوة الله إنسانا ًجديداً على صورة الله فى البر وقداسة الحق، إنساناً يكون لابساً المسيح (رو14:13+أف24:4).
آية1: بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله إلى القديسين الذين في افسس والمؤمنين في المسيح يسوع.
بمشيئة الله: فى رسائل أخرى مثل كورنثوس تعنى أن الله إختاره لكى يكون رسولاً فعليهم طاعته، وفى هذا رد على من يشكك فى رسوليته (وهذا كان منتشراً فى كورنثوس) أماّ هنا مع كنيسة مثل أفسس بلا مشاكل ولاهرطقات فهى تحمل معنى التواضع، أى الله أراد أن يعطينى هذا أن أحقق غايته الإلهية فى تكوين كنيسة من اليهود والأمم، أنا غير المستحق. وقارن مع (أف8:3+1كو9:15).
إلى القديسين: أى الذين أُفرزوا وصاروا مقدسين فى نظر الناس لأنهم خاصين بالله. وبولس يطلق لقب قديسين على كل من تعمدوا وحل عليهم الروح القدس. وهى صفة فيها إمتياز ومسئولية. وهو يدعو الأمم بهذه الصفة فقد صار الكل قديسين بالمعمودية والميرون، التى بهما نالوا إمكانيات الحياة المقدسة. وتعنى قديسين أنه صار عليهم ختم ملكية الله آية13. هم صاروا ملكاً لله.
المؤمنين: ما يميز شعب أفسس شدة إيمانهم (15:1).
فى المسيح: أى ثابتين فى المسيح ثبات الغصن فى الكرمة، متحدين به، يستمدون منه حياتهم ويعيشون به وثباتهم هذا بدأ فى المعمودية ويستمر بحياة التوبة والتناول.
آية 2: نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح.
الرسول يساوى ويوحد بين الآب والإبن، فمنهما يصدر النعمة والسلام. والنعمة هى كل ما يعمله الله فينا. والسلام هو الحالة الروحية الناجمة عن ذلك.
آية3: مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح.
مبارك: تعنى الشكر لله وأنه مستحق أن نمجده ونعظمه. وهذه الكلمة فى العهد الجديد صارت مخصصة لله لتمجيده فقط، ولايوصف بها إنسان. بكل الحب يبارك بولس الآب على عطاياه ومقاصده التى كانت منذ الأزل، ويصلى شاكراً الله فهو أبو ربنا يسوع المسيح، وكأنه يشكر الآب على محبته، إذ أرسل لنا إبنه، وأرسل لنا الروح القدس (البركات الروحية مصدرها الروح القدس). وقوله مبارك الله تعنى مديحه كإله البركات ومعطيها. الذى باركنا بكل بركة: فمنه وحده البركة وإليه تعود بالمدح والشكر. فبولس يباركه أى يمجده لأنه أعطانا كل بركة. والإنسان يتبارك حينما يعطى البركة لله. ونحن حين نبارك الله لا نزيده بل نعترف بما هو له. وقوله بكل بركة: أى لا توجد بركات قد حجزها الله عنا، ما نعرفه وما لانعرفه. بركة روحية: أى منسكبة من الروح القدس، وهى سبب غنى المسيحية. ونحن ننال عطايا الآب خلال إتحادنا بالأبن وذلك بفعل الروح القدس. ونحن ننال بفيض ماهو للإبن عندما نثبت فيه أى فى المسيح والروح القدس هو الذى يثبتنا فى المسيح. فالآب يريد أن يعطينا بركات، والإبن نثبت فيه فنصير أبناءً. والروح يثبتنا فى المسيح. والروح القدس الذى ينسكب فينا يملأنا بركات روحية. والروح القدس هو أكبر عطية سماوية إنسكبت علينا من السموات، وهو يعطينا معونة لتكون سيرتنا سماوية. ولأننا نشتهى وننتظر البركات السماوية نصلى "كما فى السماء كذلك على الأرض". وقوله بركة روحية فهذا تمييز عن البركات المادية التى كانت لإسرائيل القديم فى العهد القديم والتى إنحصرت فى بركات الأرض وميراث الأرض "تأكلون خير الأرض" (أش19:1) + "أرض تفيض لبناً وعسلاً" (خر8:3). لكن هذه البركات والأفراح المادية تنتهى بنهاية المؤثر الخارجى، أو بالموت. أما البركة الروحية فهى فى جعل حياتنا مقدسة ومملوءة سلاماً وفرحا ًومحبة وتعزية، ننتظر تحقيق وعوده المقدسة، أن مجده عتيد أن يستعلن فينا، أنه لى وأنا له. هذه الأفراح الروحية لاتنتهى بالموت ولابالمؤثرات الخارجية فمنبعها هو الروح القدس الساكن فينا. وليس معنى أن الله يعطى خيرات روحية أنه يحرمنا من البركات المادية، فالله مصدر لكليهما (الروحية والمادية).
فى السماويات: ما أخذناه نحن فى المسيح كان عطايا سماوية، نأخذ العربون الآن، والباقى فى السماوات ولكن هذا لمن غلب وكانت له حياة سماوية على الأرض (فى20:3).
فى المسيح: كل بركة نأخذها هى ليست خارجاً عن المسيح، لايمكن تذوق هذه البركات خارجاً عن المسيح. والله لايشمخ عليه (غل7:6). فلا يمكن أن نأخذ هذه البركات ونحن فى طريق الخطية، فهذا يفصلنا عن المسيح، وتضيع منا البركات المادية والروحية. وفى هذه الآية الرسول يبارك الآب والابن والروح القدس.
آية4: كما اختارنا فيه قبل تاسيس العالم لنكون قديسين و بلا لوم قدامه في المحبة.
كما: الله باركنا وهذا نراه فيما يأتى أنه، اختارنا فيه: الله رتب فى تدبيره الأزلى أن ترتبط البشرية بابنه الذى سيتجسد فى وقت معين محدد، يحمل جسدها وتثبت فيه، تموت معه، وتقوم معه، وترتفع معه للسماويات وتبقى فى خلود لاتحادها بالإبن (وهذا طبعاً لمن يختار المسيح ويؤمن به ويستمر ثابتاً فيه بحياة التوبة).
اختارنا: نحن الذين آمنا. وقوله إختارنا إشارة لأنه لا فضل لنا، وليس لفضل فينا (1كو27:1ـ29). وقطعاً فالله إختار من بسابق علمه عرف أنه سيقبل الإيمان بالمسيح ولن يكون من خاصة العالم (رو29:8) فالله يختار أزلياً من يعلم بسابق علمه بتجاوبه معه. الإنسان كلاعب ألقيت له كرة فهو له الحق أن يمسكها أو يتركها، ولكن يجب أن ترمى إليه الكرة أولاً، فيد الله تقدم لنا الإيمان بالمسيح، ونحن أحرار فى أن نمسك به أو نرفضه. اختارنا فيه: على أساس الإيمان بالمسيح. قبل تأسيس العالم: إذاً فالله لم يغير قصده حينما أخطأ الإنسان، بل كان كل شىء مُعد حتى قبل خلق الإنسان. فالله قبل أن يخلق الإنسان صمم له حياته الأبدية عن طريق الفداء.
لنكون قدسين وبلا لوم: قديسين هى صفة إيجابية، وبلا لوم هى صفة سلبية وهكذا كانت صفات الذبائح التى تقدم، فيلزم أن تكون بلا عيب، وهكذا يجب أن نقدم أنفسنا ذبائح حية بلا خطية فيقدسنا المسيح، ونحمل سماته فى القداسة ويكمل ضعفاتنا فنظهر أمام الله بلا عيب وبلا لوم. لكن الله لا يقدس من لا يريد أن يتقدس، لكن من يقدم نفسه ذبيحة حية يتحد بالمسيح الذبيح المصلوب فيحمل سماته ويسير فى طريقه. بلا لوم: كيف والمسيح وحده هو الذى بلا لوم أى بلا خطية، أجاب المسيح "اثبتوا فىَّ وأنا فيكم" وهذا بالإيمان والمعمودية وأن نجاهد فى حياتنا أن نظل ثابتين فى المسيح، بأن لا نخطىء، وإذا أخطأنا نقدم توبة سريعة، ومن هو ثابت فى المسيح، الله لا يراه فى خطاياه، بل يرى المسيح الذى هو ثابت فيه، والذى هو وحده بلا لوم.
قدامه: فالله يفرح بأولاده وهم بلا عيب قدامه، بل هو الذى صالحنا لنفسه كالعريس الذى يفرح بعروسه المزينة، والكنيسة زينتها هى قداستها. فى المحبة: لا يمكن قبول التقديس إلاّ على أساس المحبة، المحبة هى علامة إلتصاقنا به واتحادنا معه وتشبهنا به، فلذلك يجب أن نحب الله والإخوة (أف17:3، 18). والمحبة هى أولاً محبة الله لنا ثم محبتنا له، لأنه أحبنا أولاً. محبة الله لنا ظهرت فى صليبه ومحبتنا له تظهر فى طاعة الوصية. الله لن يرانا قديسين وبلا لوم إلا إذا رأى فينا محبة، فالمحبة تستر كثرة من الخطايا. أما الإنسان الخالى من المحبة فهو غير ممتلىء من الروح، فلا يكون ثابتاً فى المسيح وبالتالى لا يمكن أن يكون بلا لوم. (فأول ثمار الروح المحبة، وحيث لا محبة لا امتلاء من الروح. وإذا لم يكن إمتلاء من الروح فلا ثبات فى المسيح، فالروح هو الذى يثبتنا فيه).
آيه5: " اذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته "
هنا نفهم أن الله إختارنا وقدسنا لنستعيد بنوتنا له التى فقدها آدم بخطيته ونحن نحصل على البنوة بالمعمودية التى فيها:
1. موت مع المسيح فتغفر خطايانا.
2. قيامة مع المسيح متحدين معه، فنصير أبناء لأنه هو الابن.
فعيننا: عَيَّنَ من علم بسابق علمه أنه سيتجاوب معه، وهذا تم أزلياً حتى قبل خلقة آدم وسقوطه. ففكرة الفداء فكرة أزلية فى تدبير الله (رو29:8).
حسب مسرة مشيئته: المسرة هنا راجعة لله الذى يُسَّرْ بعودتنا له كأبناء، وهى أيضاً عائدة علينا، فنحن نفرح بعودتنا للأحضان الإلهية كأبناء. عموماً كل مشيئات الله فيها مسرة له ولأولاده، فهو لا يشاء سوى ما فيه الخير (رو28:8). والله يفرح بأولاده (أش18:65، 19).
آية 6: لمدح مجد نعمته التي انعم بها علينا في المحبوب.
لمدح مجد نعمته: عمل الفداء ظهرت فيه نعمة الله وعظمة قوته التى بها انتشلنا من ظلام اليأس. وأمام عمل الله ماذا يقدم الإنسان لله إلا الشكر والتسبيح. ولاحظ أن الله لا يحتاج لتمجيدنا وتسبيحنا له، بل حينما نمجد نزداد تقوى وتنفتح أعيننا على ما عمله الله لنا، والمجد الذى أعده لنا كأبناء. حينما نكتشف محبة الله وفرحته برجوعنا له كأبناء ألن نعلن فرحتنا بهذا الإله المحب. ولكن لن يستطيع أحد أن يسبحَّ ما لم تنفتح عيناه على محبة الله (استنارة) وهذه الاستنارة تأتى بالروح القدس بعد المعمودية. وما يغلقها هو الخطية، فالمستعبد للخطية لا يمكنه أن يسبح "على أنهار بابل (فى العبودية).. سألنا الذين سبونا أقوال التسبيح.. كيف نسبح تسبحة الرب فى أرض غريبة.. هناك فى أرض العبودية علقوا قيثاراتهم (كفوا عن التسبيح)" (مز1:137-4) ولا حل سوى التوبة والرجوع من أرض العبودية أى ترك الخطية.
ونأتى للنقطة الثالثة بعد المعمودية والتوبة ألاّ وهى التغصب على التسبيح وهذا ما نسميه جهاد. وأمام الجهاد تنسكب النعمة فأتلذذ بالتسبيح. وكلما زاد تمجيدنا وتسبيحنا لله كلما عرفنا مجد الله ومجد نعمته أكثر فأكثر، إذ ستنفتح أعيننا أكثر وأكثر، كلما سبحنا امتلأنا من الروح القدس، وكلما امتلأنا تنفتح أعيننا ونعرف الله أكثر فيزداد تسبيحنا إذ نعرف عظمته ومجده وهكذا... إن تمجيد الله وتسبيحه هو أمر حتمى على المؤمن حتى يفرح بالله. بل إن نعمة الله صارت هدفاً للمديح والتسبيح والتمجيد من السمائيين، فالسمائيون أيضاً يسبحون الله على عظيم عمله مع الإنسان (رؤ8:5-14).
التى أنعم: غفران الخطايا والتبنى والمصالحة وميراث ملكوت الله.
فى المحبوب: ويسميه الرسول فى (كو13:1) "ابن محبته".
الله الآب طبيعته المحبة = الله محبة فهو يشع محبة ويفيض محبة. وهذة المحبة تنسكب فى الأبن
المحبوب بالروح القدس= روح المحبة. فالمحبة بين الآب والابن هى طبيعة الله. وهى تعبير عن الاتحاد.والابن المحبوب قال عنه الآب "هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت" (مت17:3+5:17).
ولما تجسد الابن دخل المؤمنون (البشر) فى مجال محبة الآب بالبنوة التى حصلوا عليها فى المعمودية، فصرنا فيه محبوبين من الله الآب (اتس4:1+2تس13:2). وقول الكتاب عن الابن المحبوب فيه إثبات للثالوث. فقبل أن يخلق الله السماء (الملائكة) والأرض (البشر) من كان يحب لو قلنا إنه بدأ الحب بعد أن خلق المخلوقات لكان متغيراً، والله غير متغير.
آية 7: الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته.
هذه امتداد للآية السابقة والمسيح افتدانا من غضب الله وعقابة (رو18:1). وكلمة فدية تعنى يحرر مقابل فدية، أى ثمن يُدفع لتحرير مخطوف. غنى نعمتة: الله قادر أن يدفع الثمن بحسب غناه، والثمن الذى دُفع ليس مالاً، بل بحسب غناه فى محبته دفع الثمن دم المسيح. ولذلك يسمى الفادى. وبهذا ألغى الموت الروحى كنتيجة للخطية وعتقنا من عبودية الخطية وأعطانا حياة، بل من غنى نعمته أعطانا مجداً فى السماء، وأجساداً ممجدة على شكل جسد مجده (في3: 21).
آية 8: التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة.
التى أجزلها: أى عطاء مجانى بفيض. والله أعطى هذا العطاء بكل حكمة وفطنة، الحكمة: حكمة الله فى تخطيطه ليعطينا المجد. والفطنة: هي كيف نفذ الله خطته. الفطنة هي الأعمال التى تُعمل. والله يعطينا أيضاً حكمة وفطنة. حكمة بها ندرك النعمة التى أعطاها لنا، فبدون هذه الحكمة لظلت النعمة التى أخذناها مستورة عنا. وبالحكمة ندرك حكمة الله أى دقة مقاصده ونفرز الحق بسهولة، والفطنة هى الوعى المتفتح لإدراك ما يريده الله لنا. الحكمة خاصة لإدراك المبادىء، والفطنة لإدراك الأعمال، وبها ندرك ما هى الأعمال المطلوب أن نعملها حتى لا نخسر ما أعده لنا. ويقول سفر الأمثال " إن الفطنة هى بنت الحكمة ". ومعنى الآية أن الله أفاض علينا من نعمته (آية7) ومعها كل حكمة (آية8) لنفهم ما أخذناه.
آية 9: إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه.
إذ عرفنا: إذ أعطانا الحكمة والفطنة بهما نعرف مقاصد الله، وما يجب أن نفعله، ونفهم أعمال الله من ناحيتنا. فالله يرفع أبنائه للسماويات ويهبهم سر معرفته كهبة إلهية وكإعلان سماوى. يعلن ذاته للنفس البشرية فتتعرف على أسراره. سر مشيئته: الفداء كان أمراً مخفياً منذ الأزل وصار مستعلناً على الصليب.
آية10: لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شئ في المسيح ما في السماوات وما على الارض في ذاك.
لتدبير: الله يدبر أمور العالم وأمور كنيسته كما يرتب إنسان أمور بيته. وبالنسبة للكنيسة فالله يستخدم إناساً يختارهم لترتيبها (1بط10:4) + (تى5:1-7). ملء الأزمنة: تعنى أن الأحداث نضجت والظروف صارت مستعدة والعالم مستعداً ليأتى المسيح وينفذ خطته. وحينما يأتى الوقت المحدد من الله والمسمى هنا ملء الأزمنة. عمل الله يبلغ كماله على مستوى الفعل المنظور وتتضح خطة الله أمامنا. وكانت خطة الله الخاصة بنهاية الأزمنة، وهدف الله النهائى أن يجمع كل شىء ما فى السماء وما على الأرض تحت رأس واحد هو المسيح = فى ذاك: أى فى المسيح وقارن مع (كو19:1، 20). فنرى أن المسيح سوف يجمع كل أجزاء الخليقة فى وحدة، بعدما خلفته الخطية من انقسام وشقاق وتفتت، وسيصنع صلحاً بعد أن أثمرت الخطية عداوة. بل سيصنع صلحاً ووحدة بين السمائيين والأرضيين. وسيعيد الصلح بين الله والإنسان حينما تكون الخليقة بنفس فكر الله، وذلك سيكون عن طريق الوحدة بين المسيح والإنسان (1كو28:15).
آية 11: الذي فيه أيضًا نلنا نصيبًا معينين سابقًا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته.
أيضاً: هى إضافة للآية10 أى نلنا بالإضافة لما قلناه نصيباً سمائياً. نصيباً: اليهود أخذوا أرض الميعاد أيام يشوع بالقرعة، لكن كان عليهم أن يحاربوا ويجاهدوا ليحصلوا عليها. والله بفداء المسيح أعطانا نصيباً سمائياً لكن علينا أن نجاهد لنحصل عليه. الذى فيه: أى فى المسيح وهى عائدة على في ذاك آية 10.
نلنا: وفى آية 12 يقول "نحن الذين" ويقصد بهذا الذين سبقوا وكان الرب نصيبا لهم وهم كانوا نصيباً للرب وبولس كان واحداً من اليهود (تث20:4) وعاد بولس فى آية 13 ليقول "الذى فيه أيضاً أنتم " فالمسيح أتى ليجمع الكل معاً يهوداً وأممًا.
حسب قصد الذى يعمل: حسب خطة الله الأزلية سبق الله واختار اليهود أولاً ليكونوا خاصته، ثم أتى ليجمع الكل معًا. وقصد الله أن يعيد الكل للبنوة والمجد.
معينين سابقاً: سبق الله وعيَّن الشعب اليهودى كشعب خاص له. ولكن اتضح بعد المسيح أن قصد الله هو أن يجمع الكل. رأى مشيئته: الرأى هو ما ينشأ عن المداولة مع النفس والتصميم عن طريقة تنفيذ المشيئة. فمشيئة الله أن يجمع الكل فى المسيح. وكان الرأى أن يكون ذلك بالفداء. هنا نلمح تصميم الله رأياً ومشيئة بصورة مطلقة. ونلاحظ أن الأنبياء سبق وتنبأوا فى العهد القديم عن فداء المسيح، مما يثبت أزلية خطة الله.
آية12: لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح.
معنى آية 11، 12 أن الله اختار اليهود، الذين قد سبق رجاؤنا فى المسيح، لينطلقوا بالاعتراف والشكر والتسسبيح لمجد الله، وليكونوا نوراً للعالم، فيمجد الله بقية الأمم الوثنية لأنه هكذا بارك الله شعبة، ليعرف الله فى العالم كله.
آية 13: الذي فيه أيضًا أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضًا إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس.
أنتم: هنا يستعرض الرسول عمل الله مع الأمم بعد أن أعلن عن عمل الله مع اليهود. والرسول فى الرسالة لأفسس يستعرض عمل الله مع الأمم على 3 مراحل يبدأ كل منها بقوله "أنتم" (13:1+1:2+11:2).
الذى فيه: فى المسيح صار نصيب الأمم مثل نصيب اليهود الذين سبقوهم.
إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس: فالختم هو حلول الروح القدس، فالختم هو علامة يضعها صاحب القطيع على قطيعه لإثبات ملكيته، أو يضعها السيد على عبده لإثبات ملكيته للعبد. فهو إعطاء المالك بَصْمَتَهُ. وكان الوثنيون يَسِمُون أنفسهم بعلامة فى جسدهم تحمل اسم الإله الذى ينتمون إليه. وكان الختان هو ختم العهد القديم، علامة أن المختون صار من شعب الله. هذا الختم غير منظور للبشر الآن، لكنه منظور لله وللملائكة والسمائيين. والروح القدس يحل على المُعمّد فى سر الميرون فيصير من شعب الله.
ويسمى موعد الآب (أع2: 33، 38، 39). فالمسيح وعد به وأسماه هكذا (لو49:24). "ها أنا ارسل إليكم موعد أبى" فالله وعد به فى العهد القديم بواسطة أنبيائه (يؤ2: 28، 29) + (أش1:44-4). بل إن السيد المسيح قال "خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو7:16). فلماذا هو موعد الآب، ولماذا خير لنا أن ينطلق المسيح ليرسله ؟
1. الروح يعمل فى الأسرار التى تكون جسد المسيح. فهو يلدنا فى المعمودية وهو يثبتنا فى المسيح الابن (2كو21:1،22). وهو يشهد لأرواحنا أننا أبناء الله (رو16:8). فالمسيح بصعوده تمجدت الطبيعة البشرية فى شخص المسيح وصار ممكناً أن يُرسل لنا الروح القدس.
2. لو بقى المسيح بالجسد، لتعلقنا به جسدياً ولم نعرفه كإله (كما حدث مع مريم المجدلية) أما الروح القدس الآن فهو يعرفنا بالمسيح وبإمكانياتة كإله (يو14:16).
3. هو يبكت على خطية.. ويعطى المعونة (يو8:16+رو26:8).
4. هو يعيد تشكيل صورتنا لنكون على شكل المسيح (غل19:4) ونكون خليقة جديدة (2كو17:5). وهذه الخليقة بها نخلص (غل15:6).
5. الروح القدس مشبّه بالماء، ونحن من تراب الأرض، فيعطينا أن يكون لنا ثمار (غل22:5، 23). وهو الذى يعطى المواهب (1كو12+أف11:4) وبدون الروح القدس نصبح أرضاً بور لا نصلح لشىء، بلا ثمار ولا مواهب.
6. هو يعلمنا ويذكّرنا بكل كلام السيد المسيح، وهو المعزى فى ضيقاتنا.
7. يربط الكنيسة فى محبة، ويكون كل عضو، عضو حى.
8. إذ سمعتم كلمة الحق: التى كرزت بها أنا بولس لكم فى أفسس وآمنتم بها.
إنجيل خلاصكم: بشارة الرسول هى إنجيل فهى بشارة مفرحة بالخلاص
آية 14: الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده.
هذه الآية تجمع اليهود والأمم، عربون ميراثنا: العربون هو إعطاء جزء من الكل. فبالروح القدس نلنا بعض الخيرات الأبدية. ولكن فى الحياة الأبدية سننال المجد السماوى. الله يعطينا الروح القدس يعزينا ويطمئننا ويفرحنا ويذيقنا مسبقاً نصيبنا المعد لنا فوق ويعرفنا بنوع الحياة التى دعينا إليها، لذلك ما نحصل عليه هنا هو عَيِّنَةSAMPLE من الذى سنحصل عليه فوق. فما يعطيه لنا الآن الروح القدس.. فرح/ سلام/ محبة/ تعزية/ سلطان على الخطية/ بنوة/ تذوق للمجد.. بل الامتلاء من الروح القدس... كل هذا ما هو إلا عينة. أما فى السماء فسنحصل على الكل لذلك يقول الكتاب " لأن الخروف...يقتادهم إلى ينابيع ماء حيه..." (رؤ17:7). وهذا هو الملء الكامل من الروح لذلك فمن يتذوق الآن أفراح السماء فمن المؤكد أن يحصل على الكل فى السماء ومن هو محروم من أفراح السماء هنا لانشغاله بالأرضيات سيُحرم من الكل فوق أيضاً. فلنجاهد لنتذوق السمائيات هنا ونحن على الأرض. ولكن حتى فى السماء سنمتلىء يوماً عن يوم. شبه أحدهم العربون بأنه خاتم الخُطبة كتأكيد للعروس على الزواج. إعطاء الروح القدس الآن هو عربون الميراث الآبدى. وأسماه الرسول باكورة الروح (رو8: 23، 24). ومن له الباكورة يشتهى السماويات، ومن هو كالعذراى الجاهلات أفرغ آنيته من الروح القدس فهو يتشبث بالأرضيات ويفزع من ذكر الإنتقال.
لفداء المقتنى: من ضمن ما أخذناه هنا كعينة أو كعربون، التبنى. فالفداء لم يكتمل (المسيح قام بالعمل كاملاً، أى عمله الفدائى، ولكن بالنسبة لنا فنحن لم نحصل بعد على كل بركات الفداء بالكامل)، فالبنوة الآن غير كاملة، أما الفداء الكامل فهو حين نلبس الجسد المُمجد الذى به لا نخطئ، فأبناء الله الكاملين لا يستطيعوا أن يخطئوا (1يو9:3). نحن الآن صار لنا سلطان على الخطية (رو14:6). لكننا بسبب ضعف الجسد مازلنا نخطئ. وحين نحصل على الجسد الذى لا يخطئ فى السماء سنكون أبناء الله بالكامل. وقوله هنا الفداء المقتنى عبّر عنه سابقاً بقوله التبنى فداء الأجساد (رو23:8)، أي تتميم الفداء الكامل للإنسان. فالمقتنى: هو الإنسان الذي اشتراه الله بدمه. والفداء يكتمل بتحرير الإنسان من الموت والفساد وحصوله على الجسد المُمجد. والروح القدس الذي فينا يعدنا للتغيير الأخير الذي فيه فداء أجسادنا. وهذا الفداء الأخير سيؤدي لمدح مجد الله؛ لمدح مجده: إذ يسبح المفديون بكل قلوبهم وألسنتهم ويمدحون مجده العظيم على غنى نعمته الفائق الذي أعطاها لنا في المسيح، أى الله أعطى لنا نعمته فى المسيح.
آيات 16،15: لذلك أنا أيضاً إذ قد سمعت بإيمانكم بالرب يسوع ومحبتكم نحو جميع القديسين.لا أزال شاكراً لأجلكم ذاكراً إياكم في صلواتي.
كانت عطاياهم لفقراء الكنيسة كبيرة وفى حب. وإقتران المحبة بالإيمان هذا علامة على أن إيمانهم إيمان حى. فالمحبة أولاً ثم العطايا. ذاكراً إياكم فى صلواتى: هذه هى الكنيسة التى فيها كل واحد مشغول بالآخر، وهذا ما يفرح قلب الله، لأن المحبة تشبه محبة الله الذى كان فى مجده مشغولاً بخلاص الإنسان الذى يموت ويهلك. فالله يحب الكل وعلينا أن نتشبه بالله ونصلى لأجل الكل. بل أن بولس يطلب الصلاة لأجل الملوك وبينهم نيرون مضهد المسيحية (اتى2:2).
آيات 18،17: كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته. مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين.
صلاة يطلب فيها الرسول المعرفة والاستعلان لأهل أفسس لإدراك دقائق أسرار الفداء الذى تم، وهذه لا ندركها بعقولنا فقط. إله ربنا يسوع المسيح: المسيح بسبب تجسده دخل البشرية كمخلوق، فالله هو إلهه بسبب وضع الجسد. ولهذا قال المسيح "أبى وأبيكم إلهى وإلهكم" (يو17:20). وقوله هنا "إلهكم" يفرحنا، فبعد أن كنا مطرودين بسبب الخطية صار لنا بالفداء قبولاً عند الله وعدنا للحظيرة الإلهية. حقاً الله هو إله كل الخليقة، ولكن قوله "إلهكم" تشير هنا لرضا الله علينا بعد الفداء. ولكن لماذا يستخدم بولس هذا التعبير هنا أى "إله ربنا يسوع المسيح"؟ لاحظ أنه يطلب لهم أن الله يعطيهم روح الحكمة أى يطلب لهم حلول الروح القدس أو الأمتلاء منه أو عمله فيهم بقوة. والروح القدس ما كان سينسكب على البشر لولا تجسد المسيح، وانسكابه على جسده أولاً0 وصار الروح القدس ينسكب علينا بشروط:
1. أن لا نقاومه ونسمع له.
2. أن نهتم بهذا ونطلب لأجله بلجاجة.
أبو المجد: هذه مثل رب المجد (1كو8:2) وإله المجد (أع2:7) وتعنى إله كل مجد وأصل كل مجد. والمجد هو النور والبهاء الإلهى.
روح الحكمة والإعلان فى معرفته: عمل الله يقصر دونه أعظم العقول ويحار أمامه الفهم، لذلك نحتاج أن نطلب من الله ليعطينا فهماً حين نطلب، فأمور الله لا يعرفها إلا روح الله (1كو9:2-11). والله روح ولا يُعرف إلاّ بالروح. والله وهبنا روحه القدوس.
روح الحكمة: حينما يعمل الروح فى الفكر يعطيه انفتاحاً وفهماً. وحينما يعمل فى الروح الإنسانية يعطيها تسامى عن الأرضيات وإدراك السماويات، وحينما يعمل فى القلب يعطيه حباً لله وللجميع فالقلب مركز المشاعر، وحينما يعمل فى الجسد يعطيه طهارة وعفة. والمقصود هنا أنه حين يعمل فى الفكر والعقل الإنسانى يعطيه فهماً للأمور الإلهية وفهماً لمشيئة الله وخطط الله. بالإجمال فالروح القدس يعطى للإنسان سلوكاً بالقداسة. وراجع الآيات (3:3-11) فما قاله الرسول فيها ناشىء من روح الحكمة الذى أعطاه له الله. ولذلك يصلى حتى يكون لنا مثلما كان له. ولكن مهما عرفنا الآن فنحن نعرف قليلاً جداً (1كو12:13) ومعرفة الله تزيد النعمة والسلام، (2بط2:1) بل هى الحياة الأبدية (يو3:17). وحينما يعمل روح الحكمة فيهم "تستنير عيون أذهانهم" = أى تكون لهم فى وعيهم القدرة على النظر إلى الأمور التى يستعلنها الروح، فالروح يعلن حقائق جديدة أو تطبيقات تناسب حياتنا للآيات التى نسمعها = الإعلان. وبعيوننا الجسدية نرى الأرضيات الملموسة، ولا نرى الأمور الروحية. ولكن هناك عيون داخلية نرى بها أمور الله غير المستعلنة مثل الخلاص وأموره، نرى الله بالإيمان ونتمسك به. ولقد أرسل البابا أثناسيوس للقديس ديديموس الضرير مدير الإكليركية رسالة قال له فيها "طوباك يا ديديموس فلقد فقدت عينان ترى بهما التراب ولكن لك عينان ترى بهما الله".
مستنيرة: لا رؤية بلا نور، وكل ما يخص الله فهو فى النور فالله نور. وبنور الله ندرك الحقائق الإلهية. والعين المستنيرة قد أنارها الله، وذلك لمن يحفظ وصاياه، ويحب الله ويحب قريبه أى يسلك فى النور. والمعمودية تُسمى سر الاستنارة (عب4:6) إذ خلالها تنفتح بصيرتنا الداخلية بنور الروح القدس. وخلال إيماننا العامل بالمحبة وجهادنا بنعمتة الغنية المجانية تتجدد أذهاننا يوماً فيوم لندخل لأعماق جديدة.
لتعلموا ماهو رجاء دعوته: لنعلم حين يفتح الروح أعين قلوبنا الهدف من دعوتنا. ويعلن لنا الرجاء الذى نتطلع إليه وننتظره، أن نكون مع المسيح فى مجده عند مجيئه. وعمل الروح القدس أن يجعل هذا الرجاء حياً وليس مجرد معلومات نعرفها بالعقل دون أن تكون حقيقية فى قلوبنا. غنى مجد ميراثه فى القديسين: سبق فى آية 14 أن كلمنا عن ميراثنا، فكل القديسين سيتشتركون فى غنى مجد المسيح وميراثه ويكون مصيرنا مرتبط بالمسيح أبدياً. ولكن هنا نسمع أننا سنصير ميراثه فالقديسين هم ميراث المسيح (1مل51:8، 53) + (مز70:78، 71) + (أش25:19) + (يؤ2:3) فإن كان شعب إسرائيل قيل عنهم ميراث الله، فكم وكم قديسى العهد الجديد. وهو ميراث غنى بالمسيح الذى فينا. وقيل هذا عن الأمم (مز8:2). وكوننا ميراث المسيح فهذا يوضح أن لنا قيمة عظيمة عنده. فالناس يتصارعون على الميراث إن كان ثميناً، والمسيح تجسد ومات وصارع الشيطان على الصليب ليأخذنا منه، ونصير ميراثه، وكونه يصارع لأجلنا إذن نحن نستحق فى نظره هذا، ونحن لنا قيمة عظيمة عنده. بل هو مازال يصارع ليأخذ ما يستطيع أن يأخذه من يد إبليس،لذلك قيل عنه خرج غالباً ولكى يغلب (رؤ2:6). وكوننا غالبين عنده ولنا هذه القيمة أن يكون ميراثه، فهذا ما يفرحنا حقيقة.
آيات 20،19: وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته. الذي عمله في المسيح اذ اقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات.
عظمة قدرته: بعد أن تكلم عن رجاء الدعوة قد يقول أحد.. وهل يمكن أن تحدث لى هذه المعجزة؟ ويؤكد بولس الرسول أن الله قدير وأن قدرته غير المحدودة هى متجهة إلينا نحن المؤمنين لتعمل لأجلنا وتعمل فينا عمله القوى القدير الذى بدأ بالصليب ويكمله فينا لأجل خلاصنا، فالمسيح ما كان محتاجاً أصلاً أن يتجسد ويموت ويقوم، إنما كل ما عمله كان لأجلنا. وما مقياس قدرة الله الفائقة من نحونا؟ الأجابة: على حسب عمل شدة قوته التى عملها فى إقامة المسيح بمجد عظيم. فقوته الجبارة هذه التى أقامت المسيح ستعمل فينا. وبنفس القدرة يقيمنا:
أولاً: من موت الخطية.
ثانياً: من الأموات.
وبنفس القدرة سيصعدنا للسماوات. ولأن نفس القوة التى أقامت المسيح ستقيمنا استخدم نفس الألفاظ عن المسيح وعنا:
إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه فى السماويات (20:1).
وأقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات فى المسيح يسوع (6:2).
ونلاحظ هنا أن بولس يستخدم أوصافاً عديدة وقوية ليعبّر بها عن إمكانيات الله التى يستخدمها واستخدمها لأجل خلاصنا. استخدمها مع المسيح لكى يقيمه وسيجعل نفس هذه القوة تعمل لحساب الإنسان فيحيا إلى الأبد بعد أن يقوم من الأموات. عظمة قدرته الفائقة.. عمل شدة قوته.
عن يمينه: المعنى أن إنسانية المسيح تمجدت بمجد اللاهوت الفائق الوصف. واليمين فى المفهوم اليهودى يعنى القوة والمجد... وراجع شكل المسيح فى (رؤ10:1-20).
آية 21: فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يُسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل ايضًا.
المسيح فوق كل رتب الملائكة التى نعرفها الآن والتى سنعرفها فى السماء (فى المستقبل) (فى9:2-11) فهناك مخلوقات سماوية سمعنا عنها وهناك من لم نسمع بها.
آية22: وأخضع كل شئ تحت قدميه واياه جعل راسًا فوق كل شئ للكنيسة.
يقول الرسول فى (عب8:2) "على أننا الآن لسنا نرى الكل بعد مخضعاً له"، فهناك من يرفض الله ويتمرد على أحكامه، بل حتى نحن شعبه نخالف وصاياه فى بعض الأحيان. وقارن مع (مز5:8، 6) فالخضوع النهائى سيكون فى اليوم الأخير (1كو24:15- 28) + (عب8:2). راجع نقطة رقم (11) في المقدمة. فالمسيح هو رأس الجسد أى الكنيسة، هو رأس كل شئ، كل خليقة سماوية أو أرضية، فهو خالق الكل، به كان كل شئ (يو3:1+ كو16:1، 17). المسيح بموته وقيامته وبالمعمودية ولدنا ثانية ولادة جديدة فنشأت خليقة جديدة هى الكنيسة التى هى جسده، وبهذا صار المسيح رأس الخليقة الجديدة ومحتفظاً بسيادتة كرأس لكل خليقة أخرى، فهو قد خلق الكل، ما فى السماء وما على الأرض وهو كرأس لهذا الجسد (من السمائيين والكنيسة) سيقدم الخضوع للآب (1كو24:15-28). هناك من سيخضع عن حب إذ اكتشف محبته، وهناك من سيخضع بالقهر وهؤلاء هم إبليس ومن تمرد معه من البشر.
آية 23: التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل.
للكنيسة.. التى هى جسده ملء الذى يملأ الكل فى الكل: وبالإنجليزية Which is His body، the fullness of Him Who fills all In all فالكنيسة هى ملؤه، أى أن جسد المسيح يكتمل بالكنيسة، وبكل ما فى السموات وما فى الأرض (10:1). فهو الرأس والكنيسة الجسد، ولا يوجد جسد بدون رأس ولا رأس بدون جسد. إذاً الكنيسة = جسده: هى مرتبطة بالمسيح رباطاً ذاتياً كيانياً حياً أبدياً. الكنيسة هى جسد المسيح، وهى ملء المسيح من ناحية ناسوته. فكأن الكنيسة يكمل بها عمل المسيح، أو كأن عمل المسيح الكامل يتحقق بواسطة الكنيسة. وكما يكمل الرأس بالجسد أو كما يكمل الجسد بالرأس، أو كما يحدث التكامل بين الرأس والجسد معاً، هكذا أيضاً الأمر بالنسبة للمسيح والكنيسة. والمسيح هو الرأس الذى يدبر والكنيسة هى الأعضاء التى تعمل، لذلك أعطى المسيح للكنيسة الروح القدس الذى يعطيها:
1. أن تترابط بمحبة وفى وحدة كجسد واحد (16:4).
2. المواهب التى تحتاجها لبنيانها (رو5:12، 6 + أف 11:4).
3. القوة لكى تؤدى عملها (16:4 + رو 26:8).
فالكنيسة هى المجال لإتمام عمل المسيح (أف11،10:4). ولأن الكنيسة جسد المسيح قال المسيح لشاول حينما إضطهد الكنيسة "لماذا تضطهدنى" (أع4:9) وراجع أيضاً (مت30:25ـ40).
الذى يملأ الكل فى الكل:
المسيح يحل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً (كو9:2) أى فى جسده.ونظراً لإتحاد المؤمنين به جسدياً (فالمؤمن المعَّمد، والذى حَلَّ عليه الروح القدس فى سر الميرون والذى يتناول من جسد المسيح ودمه صار متحداً بالمسيح وثابتاً فيه).
صار المسيح الذى حلَّ فيه كل الملء (كو19:1)، صار مصدراً لكل البركات والقوة والنعم والمجد والمواهب والسلطان الذى فى الكنيسة.
فكل نعمة آخذها، هى نتيجة إتحادى بالمسيح، لذلك يقول المسيح "إثبتوا فىّ وأنا فيكم" فنحن إن لم نكن ثابتين فيه سنخسر كل هذه البركات. والمواهب الروحية التى يعطيها المسيح للكنيسة الآن هى لبنيان الكنيسة (جسده) وتدبيرها. والكنيسة وقد امتلأت به صارت تملأ الكل به وذلك من خلال الأسرار التى أعطى المسيح للكنيسة سلطاناً عليها (يو16،14:1). والمسيح صعد إلى السموات حقاً، ولكن الكنيسة هى جسده، وهو بقى على الأرض فى أشخاص المؤمنين أى جسده ولأن جسد المسيح متحد بلاهوته فنحن حينما نشترك فى جسد المسيح فى الإفخارستيا فإننا نأخذ حياة الله بالجسد (يو57:6). وإذ نتحد بهذا الجسد ونصبح أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30:5) نحيا بالمسيح فينا (غل20:2). فالمسيح هو مصدر حياتى وقوة حياتى، ولأنه هو القدوس فهو يقدس الفكر والمشاعر وينير الذهن ويملأ الحياة بحضوره المحيى فتكون الحياة سماوية حقاً.
والمسيح هو يملأ الكنيسة. إن كل ما للمسيح من قوة ومواهب ونعمة يقدمه لكنيسته. وبهذا تصبح شريكة لسيدها فى كل ما يملك حتى تستطيع أن تتمم عمله المبارك فى هذا العالم. النعم والمواهب الإلهية الكائنة فى المسيح تصبح منتقلة للكنيسة حيث يكون ملء المسيح متصلاً ومتحولاً إليها حتى يقال عنها إنها ملؤه. والكنيسة تجاهد لهذا الوضع الأمثل، وهذا هو النمو الكامل حين تبلغ القامة الكاملة لملء المسيح، ليس على المستوى الفردى وإنما كجسد متحد معاً، على أساس تقبل كل مؤمن من المواهب والنعم التى تُكَمَّلَهُ هو فى ذاته، وتؤهله للتكامل مع الآخرين لبلوغ الكل المتحد لبناء الجسد ليبلغ إلى قامة ملء المسيح، أى تصير الكنيسة هى التعبير الكامل للمسيح (أف12،10:4). وكما ملأ المسيح بلاهوته جسده الذى أخذه من العذراء هكذا يملأ كنيسته، وكما اتحد بجسده هكذا يتحد بكنيسته ويملأها ملئاً كلياً، ولكنها لا تحده. يملأها بمواهبه التى لا تُحد، ويملأها بروحه الذى لا يُحد، ويملأها بوجوده الذى لا يُحد. وهكذا كما تمتلىء حجرة من نور الشمس، فالحجرة ستمتلئ ولكن الحجرة لا تحد الشمس. وتصور الكنيسة عبارة عن منزل به ملايين الحجرات (المؤمنين)، والشمس تملأ هذه الحجرات بنورها وحرارتها، ولكن هذه الحجرات لا تحد الشمس. الابن "مملوء نعمة حقاً ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا " (يو14:1-16) فالكنيسة تمتلىء نعمة حقاً.
نرى فى هذا الإصحاح كيف أن المسيح بصليبه وَحَّدَ السمائيين والأرضيين وصار رأساً لكليهما (أف10:1) نرى الصلح الذى تم بين السماء والأرض بالصليب، ونرى الصلح الذى تم بين اليهود والأمم، وكيف جعلهما المسيح واحداً. راجع آيات 16،14. إذاً تم الصلح بين الله والناس وبين الناس والناس.
نرى فى هذا الإصحاح الصليب بخشبتيه الرأسية والأفقية:
الرأسية تشير لوحدتنا مع المسيح، نقوم معه ونجلس معه فى السماويات آية 6.
والأفقية تشير لوحدتنا مع إخوتنا وكيف يصير الإثنين واحداً آية 14.
الرأسية نرى فيها مصالحتنا مع الله آية 16.
والأفقية نرى فيها مصالحتنا مع إخوتنا (اليهود والأمم كمثال) فى المسيح أيات 16،15 هذه الوحدة مع المسيح وهذا التصالح الذى تم بالصليب، أدى لأن يملأ المسيح الكل فى الكل (23:1).
آية 1: وأنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا.
هنا يصور الأمم فى خطاياهم، أنهم فى حالة موت، موت روحى بسبب الخطية أى منفصل عن حياة الله (كالابن الضال كان ميتاً وهو منفصل عن أبيه) (لو32:15). وفى آيات 5،3 يضع اليهود ونفسه أيضاً تحت الحكم، فالكل أغلق عليه في الموت فى إنتظار المسيح الذى سيحيى الجميع. وهذه الآية نجد الرد عليها فى آية 5 "أحيانا مع المسيح" وكانت حالة الموت هذه حالة عبودية كاملة للشيطان وفساد كامل لجسدنا، إذ كنا نتمم شهواتنا. وقبل المسيح كان الكل فى حالة موت، بل لا يعرفون معنى الحياة فى الله وعلامتها الأعمال الحية (فالأعمال الحية الصالحة علامة الحياة مع الله).
وبعد المسيح، حقاً نحن نموت ولكن ليس بمعنى الإنفصال عن الله، ولكن كنوم أو رقاد، وهذا ما قاله السيد المسيح "لعازر.. نام"، " الفتاة نائمة" (يو11:11) + (مت24:9). والنوم يعقبه إستيقاظ، لذلك نسمى الموت حالياً رقاد فهناك قيامة.
الخطية: هى حالة الطبيعة البشرية الساقطة للكل، يهوداً وأمماً، هى حالة عداوة مع الله، هذه الطبيعة الخاطئة ورثناها من آدم. الذنوب = هى حالة التعدى والسقوط بالإرادة نتيجة الطبيعة الساقطة. والمسيح مات ليشفينى من كليهما:
1. طبيعتى الفاسدة الساقطة.
2. لغفران خطاياى التى أسقط فيها الآن.
آية 2: "التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في ابناء المعصية"
من لا يسلك بحسب الله منقاداً لنعمته فهو حتماً سالك تحت تسلط القوى الشريرة المضادة لله ويقسمها بولس هنا إلى:
1. العالم.
2. رئيس سلطان الهواء.
3. روح العصيان الذى فى الناس.
سلكتم فيها قبلاً: شعب أفسس تسلطت عليه هذه القوى الشريرة فسلك فى الخطايا والذنوب قبل أن يؤمنوا بالمسيح. ولكن بعد إيمانهم بالمسيح تغيرت أحوالهم، فالنعمة تعطى سلطاناً على الخطية، فلا تعود تستعبد المؤمن (رو14:6) وللأسف فمازال بعض المؤمنين مستعبدين للخطية وفى حالة فساد وموت.
حسب دهر هذا العالم: الأصل يعنى سلسلة من أجيال الزمن، فيها كل جيل يتلو جيل آخر، أى هذه القصة تتكرر من أيام آدم للآن، اى على مر الدهور، إن الفساد الذى فى العالم كان يفرض سلطته على البشر. وما الذى فى العالم؟ قوانين العالم قد ترغم الناس على إنكار المسيح كما حدث أيام إضطهاد الدولة الرومانية للمسيحيين. والضغوط الإقتصادية قد تدفع الإنسان للسرقة، والإباحية التى فى العالم قد تدعو الإنسان للخطية، والمبادىء الفلسفية الإلحادية قد تدعو لإنكار الله.. ألخ. لكن من هو ثابت فى المسيح لا يمكن أن تسود عليه هذه الضغوط، ولن يسقط ولن يفسد. أمَا من انفصل عن المسيح بإرادته وصار ليس ثابتاً فى المسيح فسيسقط ويفسد، كعضو من جسد الإنسان تم قطعة (إصبع مثلاً) فهو لابد وسيفسد خلال ساعات فالدم لا يسرى فيه.
رئيس سلطان الهواء: تعبير عن الشيطان وجنوده الذى بعد أن كان فى السماء كالملائكة هبط إلى الأرض. وقوله إنه رئيس سلطان الهواء قد يعنى أن الشيطان تأثيره كالهواء، يلمس كل إنسان تأثيره ولكن لا يراه أحد، ولا يدرى مصدره أحد. هو قوة تتخلل الوجود وتنتشر فيه وتؤثر فيه وغير مرئية، ولكن يعمل ويؤثر فى أبناء المعصية. وقد تعنى كما كان اليهود يتصورون أن الهواء هو مسكن للشياطين. وإبليس وجنوده فى الهواء المحيط بنا يحاولون منعنا من الوصول لله (ولكن نحن بالصلاة باسم يسوع المسيح وبالإيمان نغلب قوات الشر فلا تستطيع أن تعوقنا عن الوصول لله). واليهود فهموا هذا من (تك6:1-8). إذ حين تَكَوَّنَ الهواء فى اليوم الثانى للخليقة، كان هذا اليوم هو اليوم الوحيد الذى لم يُذكر فيه هذه العبارة المتكررة " ورأى الله.. أنه حسن" كما تكررت فى بقية الأيام، فقالوا إن الشيطان اتخذ الهواء مسكناً له وكان اليهود يقولون إن الشيطان يوجد فى 3 أماكن:
1. الهواء حيث تنطلق نفس الإنسان بعد موته.
2. المياه حيث يخاف الإنسان الغرق.
3. البرية القاحلة حيث يهلك الإنسان.
ولكى يؤكد الله كمال نصرة المسيح على الشيطان فلقد :
1. صُلِبَ فى الهواء معلقاً على الصليب ليهزمه فى عرينه، وقيل إنه سنخطف جميعاً فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء (1تس17:4). وبهذا ما عاد للشيطان سلطان على النفس المنتقلة، فالمسيح بصليبه طَهَّرَ الهواء كما يقول القديس أثناسيوس.
2. لم يَعُدْ الماء الآن مخيفاً بل نحن نولد من الماء والروح فى المعمودية.
3. أمّا بالنسبة للبرية فقد هزم المسيح إبليس فى البرية، وأصبحت البرية أماكن الرهبان القديسين كبرية شيهيت.
المعصية: المعصية هى خطية الشيطان نفسه ومازال يعمل فيمن يتبعه بأن يجعله عاصياً مثله. روح إبليس المتمردة مازالت تعمل فى بعض الناس. وكل من لا يؤمن بالمسيح حتى الآن فهو خاضع لسلطان الشر وابناً للمعصية وميت روحياً. وإبليس يجد مكاناً فى أبناء المعصية أمّا أبناء الطاعة فلا يقدر عليهم. وطبيعة المعصية هذه نرثها من آدم "بالخطية ولدتنى أمى". ولكن فى المعمودية تموت الطبيعة القديمة ويولد إنساناً جديداً.
آية 3: الذين نحن أيضًا جميعًا تصرفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والافكار وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضًا.
هنا يضع الرسول اليهود ومنهم هو نفسه مع الأمم تحت قائمة الخطاة المحتاجين لعمل المسيح. أبناء غضب: حركنا غضب الله بتصرفاتنا. فى شهوات جسدنا الذى كان بالطبيعة ساقط وعاصى وشهوانى ولم يستطيع حتى الناموس أن يسيطر على هذه الشهوات. نحن.. كنا: يقصد نفسه ومعه اليهود.
وإبليس يذكّرنا فقط بلذة الخطية ولا يذكّرنا بتبعاتها من حزن وكآبة وألم وفقدان البركة نتيجة غضب الله.
عاملين مشيئات الجسد والأفكار: نرى هنا بولس الرسول يشرح أن الإنسان كان فى منتهى التسيب، فكل ما يطرأ على فكره يتحرك له جسده خاضعاً. وهنا نرى أن الفكر أصلاً هو سبب الخطية، لأن الشيطان قوة عقلية شديدة التزييف " كذاب وأبو الكذاب" (يو44:8). وهو يزين للإنسان الخطية التى تتفق مع رغبات ومشيئات الجسد الضعيف. والإنسان إمّا ينفذ : عاملين. أو يرفض ولذلك أعطى الله الروح القدس للإنسان وهو روح الحكمة والفهم والمشورة والحق، لا كناصح فقط بل شريك حياة له القدرة، وهو يعطى قوة تعين على تطهير الحياة فلا يعود للشيطان مدخل فى الإنسان، وإن دخل خلسة لا يجد استجابة ولا راحة فيهرب مهزوماً. ولكن من يظل يستجيب لصوت الشيطان رافضاً صوت الروح القدس يحزن الروح القدس ويطفئه.
بالطبيعة: أى الحال الذى وُجدنا فيه، خاضعين لشهواتنا. لذلك كنا أبناء غضب. كان هذا حال الإنسان بدون نعمة المسيح. فبخطية آدم ضعفت كل قوى الإنسان، إرادته وعقله وقوة إدراكه، ولكن ظلت الطبيعة البشرية محتفظة ببعض النور الإلهى الذى يدفعها للإيمان، ومن يؤمن ويعتمد يخرج من طبيعته ويلبس الإنسان الجديد. ونلاحظ أن الجسد ليس شراً ولكن الشر أن يخضع الجسد للشهوات والأفكار المقاومة، ومن يخضع لشهوات طبيعته يصبح ابنها (يو44:8) + (1يو10،8:3). أمَا من يقاوم من أولاد الله ويحسب نفسه ميتاً عن الشهوة يجد قوة النعمة تعين بل يصبح خليقة جديدة.
آيات 5،4: الله الذي هو غني في الرحمة من اجل محبته الكثيرة التي احبنا بها.و نحن اموات بالخطايا احيانا مع المسيح بالنعمة انتم مخلصون.
الله المملوء رحمة ينقذ الإنسان الغارق فى شقاوته وفى الموت يعيش. ومن محبته يقول "أحيانا/ أقامنا / أجلسنا معه فى السماويات".
بالنعمة أنتم مخلصون: النعمة هى عطية مجانية، فالله من محبته أعطانا الخلاص والحياة مجاناً، فالمسيح مات عنا ونحن بعد خطاة أى دون أى إستحقاق منا أى مجاناً. وهكذا حل الروح القدس علينا مجاناً، فمن كان يستحق هذا، وأى عمل نعمله به نستحق أن يحل علينا الروح القدس. كان كل ما أخذناه ليس فى مقابل أعمال صالحة عملناها، ولكن أعطى الله ما أعطاه لنا من محبته. ولو كان الله قد أعطى ما أعطاه فى مقابل أعمال صالحة فما هى الأعمال الصالحة التى عملها الأمم حتى يعطيهم الله الخلاص. ولكن: بعد أن ندخل الإيمان يجب أن نعمل أعمالاً صالحة حتى تستمر النعمة منسكبة علينا، أمَا من يحيا فى استهتار فهو غير مستحق للنعمة.
هنا يجب أن نفرق بين إستعمالين لكلمة النعمة:
1) فداء المسيح وإرساله للروح القدس كان نعمة مجانية ليس فى مقابل أعمال.
2) تغيير طبيعتى من طبيعة الإنسان العتيق الفاسد إلى الإنسان الجديد هذا يكون بعمل النعمة، وهذه النعمة تستوجب أن نجاهد لأجلها.
بالنعمة أنتم مخلصون:
1. كيف نخلص؟ نحن لنا خلقتين: الأولى كأولاد لآدم، والثانية هى الخليقة الجديدة فى المسيح. بالأولى نموت، وبالثانية نخلص كقول الرسول "لأنه فى المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة" (غل15:6). إذاً الخلاص هو بالخليقة الجديدة.
2. كيف نحصل على الخليقة الجديدة؟ فى المسيح يسوع كقول الرسول: "إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة " (2كو17:5).
3. كيف نصير فى المسيح يسوع؟ ذلك بأن نتحد بالمسيح وذلك كقول الرسول "كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته" (رو3:6-5) إذاً بالمعمودية نتحد بالمسيح.
4. هل يظل المُعمّد متحداً بالمسيح مهما فعل ؟ قطعاً لا وإلا ما كان السيد المسيح يوصينا "اثبتوا فىّ وأنا فيكم". فما يفصلنا عن المسيح هو الخطية كقول الرسول "أية خلطة للبر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة، وأى اتفاق للمسيح مع بليعال" (2كو15،14:6).
5. وهل لو أخطأ المؤمن تنتهى علاقته مع المسيح؟ قطعاً لا، فكما يقول الرسول: " دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية.. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو7:1-9). فالمقصود أن يحيا المؤمن بسلوك جديد يتناسب مع الحياة الجديدة التى نالها فى المسيح يسوع (رو4:6). "وإن أخطأ فالتوبة والاعتراف يمحوان خطيته"، أى على المؤمن أن يحيا حياة التوبة وأن يجاهد عمره كله.
6. ما معنى الجهاد؟ هناك نوعان:
أ) جهاد سلبى : يقول عنه الرسول "احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية" (رو11:6)+ "أميتوا أعضاءكم التى على الأرض الزنا …" (كو5:3).
ب) جهاد إيجابى: كالصوم والصلاة التى قال عنها الرسول "صلوا بلا انقطاع" (1تس17:5). والسيد يوصى "إلى الآن لم تطلبوا شيئاً بإسمى. أطلبوا تأخذوا" (يو24:16). ويقول السيد "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15). إذاً فالسيد يعلمنا أن نصلى وأن نطلب.
7. ماذا نطلب فى الصلاة؟ أهم ما نطلبه هو الروح القدس (لو13:11).
وما أهمية أن نطلب الروح القدس؟ هو الذى يعيننا (رو26:8) + "إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو13:8). الله مصدر لا نهائى للنعمة والبركة وبالصلاة أستمد المعونة من هذا المصدر اللانهائى.
8. وما هو نصيب المؤمن الذى لا يجاهد ويرتد؟ فلنسمع قول بولس الرسول عن مثل هذا المرتد "ديماس قد تركنى إذ أحب العالم الحاضر" (2تى10:4) ومصير المرتدين هو الهلاك كما يقول الرسول "لأن كثيرون يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك الذين الههم بطنهم.. الذين يفتكرون فى الأرضيات" (فى19،18:3).
9. أما المؤمن فجهاده أن تكون سيرته فى السموات أى حياته سماوية (فى20:3).
10. وهذا معنى قول السيد المسيح "من وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجلى يجدها" (مت39:10).
آية 6: "واقامنا معه و اجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع"
قارن هذه الآية بما قاله فى 20:1 فنرى أن ما حدث للمسيح هو ما سوف يحدث لنا، فهو قام وجلس عن يمين الآب لحساب البشر.
أقامنا معهُ: لقد متنا مع المسيح وقمنا معهُ (كو12:2+1:3) + (رو3:6-5) بعد أن أكمل العقوبة عنا. والمسيح هو الذى قام بالجسد وجلس فى السماء. وكعربون لهذا القيام والجلوس نقوم نحن الآن من موت الخطية ونتذوق الحياة السماوية، هذه هى قيامة النفس وتتم بالإيمان بالسيد المسيح وخضوع إرادتنا لإرادة الله. ونلاحظ أن هناك قيامتان. الأولى: قيامة من موت الخطية (يو25:5). والقيامة الثانية: هى القيامة من الأموات (يو29،28:5). ومن يقوم القيامة الأولى يكون له نصيب فى القيامة الثانية، لأن من يقوم من موت الخطية هو فى نظر الله حى، صار يحيا بحياة المسيح الذى اتحد به فى المعمودية "المسيح يحيا فىّ" (غل20:2). وهذا سر الخلاص، "أننا نخلص بحياته" (رو10:5). فبالمعمودية نحصل على حياة المسيح لكنها تظل مستترة فينا (كو3:3). تظهر حين نموت وندفن ثم نقوم بجسد ممجد، مثل بذرة حية حين تدفن فى التراب تُخرج شجرة حية، أمَا من يرتد فيكون بذرة أكلها السوس إذا دفنت لا تُخرج شجرة. والخاطىء يكون ميتاً، أما لو قدم توبة يعود للحياة (الابن الضال لو32:15).
أجلسنا معه: نحن لم نجلس فى السماويات حتى الآن، بل المسيح وحده الذى جلس فى السماويات عن يمين الآب، فى مجد لا يوصف. ولكن حين نقول إنه أجلسنا، فالجلوس معناه الراحة مؤقتًأ في التعزيات التي يسكبها علينا، فما نحصل عليه الآن هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء، فهناك الفرح والمجد الكاملين والمسيح كان باكورة وكان سابق، ونحن سنلحقه بعد القيامة. هو دخل السماء وجلس عن يمين الآب بجسدنا، وهذا معنى أنه ذهب ليعد لنا مكاناً (يو3،2:14). لقد صار لنا ممثل بالجسد فى السماء، ولكن هذه الآية لا تعنى أننا فى السماء الآن. ولكن حتى نقوم مع المسيح ونجلس فى السماويات يلزمنا أن نموت معهُ، أى نحسب أنفسنا أمواتاً، ونقدم أنفسنا ذبائح حية "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ" (غل20:2). وجلوسنا فى السماويات تم التعبير عنه بجلوسنا فى عرشه (رؤ21:3). وأجلسنا جاءت بصورة الفعل الماضى، كما كان يفعل الأنبياء حين يتكلمون بصيغة الماضى عن أشياء ستحدث فى المستقبل، وذلك كتأكيد، أى أن ما يقولونه محقق كأنه حدث. فكلام الله لا يسقط أبداً.
آية 7: ليظهر في الدهور الاتية غنى نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح يسوع.
حين نحصل على الجسد المُمجد، على صورة جسد مجد المسيح (فى21:3 + 1يو2:3).
ليُظْهِرْ: حين نحصل على الجسد المُمجد فى السماء سيظهر لنا مدى رحمة الله ومحبته ونعمته تجاه الكنيسة، حين يشركنا معه فى مجده الإلهى الفائق. ولكن كل هذا المجد لن يحصل عليه إلاّ من كان ثابتاً فى المسيح الآن = فى المسيح يسوع. فلا قيامة ولا صعود للسماء ولا مجد إن لم نكن فى المسيح يسوع.
غنى نعمته الفائق: الفائق أى يفوق كل فكر وكل تصور.
باللطف: إشارة لمنتهى رقة الله وعذوبته فى عطاياه، فلنسبحه ونمجده.
قصة طريفة: دَخَلَت إلى أحد الأماكن التى كان يوجد بها أحد المؤمنين المسيحيين، إمرأة تقول أنها تعرف المستقبل، وأصرت على أن تكشف المستقبل بطريقتها لهذا المسيحى فرفض وأشار لها على هذه الأيات السابقة:
(أف 3:2) وقال لها هذا هو الماضى بالنسبة لى
(أف 4:2-6) وقال لها هذا هو الحاضر الذى أحياه
(أف 7:2) وقال لها وهذا هو المستقبل الذى أرجوه
ففزعت المرأة حين سمعت ورأت كلام الكتاب المقدس.
أيات 9،8: انكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد.
لأنكم بالنعمة مخلصون: راجع تفسير (أف2: 5).
وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد: كل من يفتخر بأعماله أو بحياته الجديدة ينسى أن الله هو الذى قدم كل شىء هوالذى صنع الفداء دون أن نستحق، وهو الذى أرسل لنا الروح القدس المعين. وهو الذى يعطينا الإرادة الصالحة. حقاً يجب أن نجاهد ولكن النعمة هى التى تغيرنا لنصير طبيعة جديدة. فالأعمال ليست هى التى تخلصنا بل النعمة التى تغير طبيعتنا فنصير خليقة جديدة. قول الرسول هنا يشبه قول السيد "فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك (الافتخار بالعمل والبر الذى صنعت) ما تفعل يمينك (البر الذى صنعته)" (مت3:6). بالإيمان: حتى الإيمان هو هبة من الله، وكل دورنا أننا أمَا نقبله أو نرفضه. والإيمان هو المدخل، فكل ما نحصل عليه من نعمة، الوسيلة الوحيدة لحصولنا عليه هو الإيمان، والإيمان هو الثقة فى شخص المسيح والثبات فيه.
ليس من أعمال: ولاحظ أنه يقول "كيلا يفتخر أحد" ولم يقل كيلا يعمل أحد. فلابد أن نعمل ونجاهد، ولكن دون ان نفتخر وإلاّ سقطنا فى الكبرياء. علينا أن ننسب كل عمل صالح لله فهو مصدر كل عمل صالح (يع17:1). ولكن لابد أن نعمل فالنعمة لا تنسكب على إنسان متكاسل لا يريد أن يعمل. ولاحظ الرسول بولس نفسه حين يقول "لا أنا بل نعمة الله التى معى، فهذا لأنه قال قبلها" أنا تعبت أكثر منهم جميعهم" (1كو 10:15). فالنعمة تطلب ما هو من جانبنا، فالمسيح لم يحوّل الماء إلى خمر إلا بعد أن جاهد الناس فى ملء الأجران. وأطعم الجموع ليس من فراغ بل من خمس خبزات وسمكتين كانت هى كل ما مع الشعب. وفى مثال الوزنات عاقب السيد صاحب الوزنة الواحدة لأنه لم يعمل ولم يتاجر ويربح.
بل إنه فى آية 10 يقول إن الله خلقنا لأجل أعمال صالحة. إذن علينا أن نعمل أعمالاً صالحة ولا نكون كسالى. ولكن مع ما قلناه من أهمية الأعمال، فعلى من يعمل ألا يظن أنه مستحق بهذا للخلاص : ذلك ليس منكم: أى الخلاص ليس منا بل هو عطية ونعمة من الله. لأنكم بالنعمة مخلصون: مخلصون وردت فى صيغة الماضى الذى مازال مستمراً، فالمسيح بدأ خلاصنا فى الماضى، كما أنه مازال يخلصنا فى الحاضر. هو يخلصنا يوماً فيوماً وسيتمم خلاصنا فى المستقبل.
الخلاصة: الخلاص هو عطية من الله مجانية، والأعمال التى يتكلم عنها هى أعمال ما قبل الإيمان، سواء كانت أعمال ناموسية أو أعمال بر ذاتى. أما بعد الإيمان فيجب أن نعمل أعمال صالحة لنستحق انسكاب النعمة علينا. ولاحظ قول الرسول بولس "نحن عاملان مع الله" (1كو 9:3).
آية 10: لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها.
الله خلقنا فى البدء حين وُلِدنا من أبوينا. ثم خلقنا ثانية حين وُلِدنا من الماء والروح فى المعمودية (2كو18،17:5). وخلقتنا الثانية أعظم، فالأولى كان الله يقول كُنْ فيكون، أمَا الثانية فاستلزمت الصليب: مخلوقين فى المسيح يسوع. وهنا فالرسول يؤكد أهمية الأعمال الصالحة. فالتعليم بأن الإيمان فقط يخلص، قد يدفع للكسل ثم الفساد الخلقى ثم الإباحية، حقاً فى المسيح يسوع أى من هو فى المسيح يسوع، تكون طبيعته الجديدة قادرة أن تعمل أعمالاً صالحة. ولكن كيف نكون فى المسيح يسوع، ذلك بأن نغصب أنفسنا على فعل الخير
(مت12:11). فملكوت السموات يغصب، لذلك علينا أن نجاهد. بل أن الله قبل أن يخلقنا أعدَّ لنا الأعمال الصالحة التى يجب أن نعملها والتى خلقنا حتى نتممها. فلنصلى دائماً "ما العمل الذى تريدنى أن اخدمك به يارب" ولأحرص على أن أقدم خدمات دائماً، وأن تكون أعمالى لمجد اسم الله، ولأغصب نفسى على فعل الخير دائماً. وطالما نحن فى المسيح فنحن نعمل الأعمال به (فى13:2) + (يو5:15). والأعمال الصالحة هى مثل خدمة الإنجيل وخدمة المحتاجين والشهادة للمسيح وهى المحبة الباذلة وترك محبة العالم بل أن نُصْلَبْ للعالم. ومن يغصب نفسه ويجاهد يعطيه الله طبيعة جديدة يستطيع بها أن يتمم هذه الأعمال بالمسيح الذى فيه، وبدون تغصب، بل سيجد فرحاً فى عمله هذا [فما يبدأ بالتغصب (جهاد) ينتهى بالفرح (نعمة)]. وفى النهاية نجلس فى السماويات معه.
آية 11: لذلك اذكروا أنكم أنتم الأمم قبلاً في الجسد المدعوين غرلة من المدعو ختانًا مصنوعًا باليد في الجسد.
كان اليهود يحتقرون الأمم ويسمونهم كلاباً، ويعتبرون أنهم وحدهم هم شعب الله، ولهم موسى العظيم صانع العجائب، ولهم الناموس وعهد الختان وهم أولاد إبراهيم وحدهم. وكان اليهود يفتخرون بالختان مع أنه مصنوع باليد وكان الرجل يفتخر على المرأة لأنه مختون ويصلى شاكراً الله أنه لم يخلقه أممى أو عبد أو امرأة. وبولس المسيحى يرى الآن أنها مجرد علامة جسدية تصنع باليد فى مقابل الختان بالروح وهو المعمودية وحلول الروح القدس وهذه تأثيرها فى القلب. وشتان بين ما يصنعه الله وبين ما يصنع باليد. وكان اليونانيون أيضاً يعتزون بجنسيتهم ويعتبرون أنفسهم أبناء الآلهة ويسمون غيرهم برابرة (وهكذا كان الرومان أيضاً). وقال شعراء اليونان أنهم ذرية الله (أع28:17). والعجيب أن يجمع الله المتنافرون أى الأمم واليهود فى كنيسة واحدة. المدعوين غرلة: هكذا كان اليهود يطلقون إسم غرلة على الأمم إحتقاراً لهم. من المدعو ختاناً: يقصد اليهود فهم الذين أطلقوا اسم غرلة على الأمم.
آية 12: انكم كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح اجنبيين عن رعوية اسرائيل وغرباء عن عهود الموعد لا رجاء لكم و بلا اله في العالم.
الآية السابقة تشرح وجه نظر اليهود فى الأمم. وهنا نرى وجهه نظر بولس المسيحى فى الأمم. فى ذلك الوقت: قبل إيمانكم. بلا إله فى العالم: أى بلا معرفة عنه. فلم يكن لهم إيمان اليهود الذين كانوا على رجاء، ولهم النبوات التي تعطيهم هذا الرجاء في مجيء المسيح المخلص. وكان لهم رجاء فى حياة بعد الموت. أما الأمم فماذا كان رجاؤهم بعد الموت إلا العدم مثل الحيوانات. أجنبيين عن رعوية إسرائيل: ليس لهم حقوق شعب إسرائيل الذى كان الله يقيم وسطهم ومجده حالٌ فى هيكلهم. وغرباء عن عهود الموعد: هذه التى أعطاها الله لأبائهم إبراهيم وإسحق ويعقوب وداود. ونلاحظ أن اليهود فهموا رعوية إسرائيل بطريقة خطأ، فهم فهموها بمفهوم جسدى سياسى ولم يفهموا مغزاها الروحى وأنها على أساس الإيمان بالله الحى كإيمان إبراهيم.
آية 13: ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح.
البعيد هو الأممى (أش19:57) + (أع39:2). والقريب هو اليهودى. ولكن بالمسيح صار الأمم واليهود كلاهما قريبين، على الصليب تقابل اليهود مع الأمم، ليفدى المسيح الجميع. والدم الواحد غسل الاثنين.
آيات 15،14: لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط. أي العداوة مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً.
هو سلامنا: لم يقل يعطينا السلام وإلاّ كان المسيح خارجاً عنا، بل صار المسيح فينا، يحيا فينا (غل20:2). وصارت حياته فينا مصدر سلامنا وخلاصنا، بل صار كل شىء لنا. السلام صار نابعاً من وجود المسيح فينا، صار حياتنا وسلامنا وهذا السلام يملأ القلب ويفوق كل عقل (فى7:4). سلاماً جمع اليهود والأمم داخل الكنيسة، سلاماً وَحَّدَ الكل فى المسيح، فلقد سقط سور العداوة التى دخلت لحياة البشر بسبب الخطية، وهذه العداوة ناتجة عن العداوة التى حدثت بين الله والإنسان بسبب الخطية، ومثال لهذه العداوة، العداوة التى كانت بين اليهود والأمم، لذلك أقام اليهود داخل الهيكل حائط السياج المتوسط: ليفصل بين اليهود والأمم. وكان هذا الحائط بين الدار الخارجية والدار الداخلية. فكان بعض الأمم يحضرون الصلوات داخل الهيكل لكى يتعرفوا على يهوة الإله العظيم، ولكن عليهم ألاّ يعبروا الحائط المتوسط وإلاّ يقتلوا. وكان هناك لافتة كبيرة على هذا الحائط منقوشة على حجر مكتوب عليه:
الذى يعبر هذا السور يقتل
وقد إكتشف عالم أثار فرنسى هذا الحجر سنة 1871م. فكان الحائط شاهداً على العداوة بين اليهود والأمم والتى أزالها المسيح.
وأبطل ناموس الوصايا فى فرائض بجسده: فالمسيح أبطل فرائض الناموس التى كانت سبباً فى العداوة بين الأمم واليهود، مثل عدم الأكل مع الأمم، فكان اليهودى يمتنع عن أن يأكل مع أممى، وكان اليهود مهتمين جداً بالغسلات والتطهيرات،" فهم إذا تلامسوا مع أممى لابد ان يغتسلوا. وكانت الحيوانات النجسة التى يأكلها الأمم لا يأكلها اليهود. والختان علامة اليهود كان الأمم لا يمارسونه. والمسيح أبطل كل هذا بأن تممه بجسده ثم مات على الصليب حاملاً جميع خطايانا، وبموته أبطل فرائض الناموس على الإنسان. ولكنه قطعاً لم يبطل الوصايا العشر ولا كل الوصايا الأخلاقية. ولاحظ دقة قول الرسول أبطل ناموس الوصايا فى فرائض فهو أبطل ناموس الفرائض فقط وليس ناموس الوصايا الأخلاقية.
جعل الاثنين واحداً… يخلق الإثنين فى نفسه إنساناً واحداً جديداً: كان اليهودى مثلاً تمثالاً من فضة، وكان الأممى تمثالاً من رصاص، وأعاد الله سبكهما ليخرج تمثال من ذهب من كل منهما. فاليهودى لم يصر أممى، والأممى لم يصر يهودى، بل وُهِبَ الإثنان طبيعة جديدة، فالمسيح وحد البشرية فى إنسان جديد له طبيعة جديدة بخلقة جديدة = يخلق الإثنين فى نفسه: أى صاروا فى المسيح يسوع. لقد وحد المسيح الجميع فيه بلا سور متوسط.
جعل الإثنين واحداً: وصلت العداوة بين اليهود والأمم لدرجة أن أطلق اليهود على الأمم لفظ الكلاب، وقال اليونانيين عن الآخرين ومنهم اليهود برابرة. ولقد صالح المسيح كليهما وجعل منهما واحداً. فصار أهل فيلبى وأهل كورنثوس يجمعون أموالاً لفقراء أورشليم، علامة على الوحدة والصلح بين الإثنين. ولكن كان هذا الصلح رمزاً للصلح بين أى إثنين كانوا فى حالة عداء وخصام. فالمسيح وَحَّدّ بين الجميع إذ غير الطبيعة القديمة، طبيعة الكراهية والعداء إلى طبيعة جديدة هى طبيعة المحبة. وصارت المحبة تملأ قلوب أبناء الله لأن الروح القدس يسكبها فى قلوبهم (غل22:5) + (رو5:5). وما كان ممكناً ذلك قبل الفداء وإرسال الروح القدس. فالمحبة التى ملأت قلوب أبناء الله راجعة للصلح الذى تم بين الله والإنسان بفداء المسيح، ثم إرسال الروح القدس.
جعل الاثنين واحداً : رقم 1 يدل على الوحدة وعدم الإنقسام، لذلك فهو يشير لله الواحد. ورقم 2 صار يدل على الإنقسام الذى صار بالخطية ولكنه أيضاً صار يدل على التجسد، فالمسيح جعل الإثنين واحداً. هو جاء لأجل أن يعيد الوحدة المفقودة بسبب الخطية (يو20:17-23). وهذا حدث رمزياً فى أن أول لقاء بين المسيح وتلاميذه كان فى سفينتين لو 2:5. وآخر لقاء معهم كان فى سفينة واحدة (يو1:21-12).
جعل الإثنين واحداً: واضح أن الرسول يقصد الصلح بين اليهود والأمم، وما تم من وحدة بينهم. ولكن كنيستنا الأرثوذكسية رأت أن الصلح والوحدة اللذان تما ليسا فقط بين أرضيين وأرضيين، بل بين السمائيين والأرضيين، فسبحت التسبحة الشهيرة
فلنسبح اسم الرب … لأنه بالمجد قد تمجد
جعل الاثنين واحداً.. أى السماء والأرض
فالكنيسة رأت أن الصلح بين السماء والأرض أهم من الصلح بين الأرضيين والأرضيين. والمسيح صار رأساً للسمائيين والأرضيين (أف10:1) بعد أن وحدهما فى جسده الواحد الذى صار هو رأساً لهُ. فالسماء كانت فى حالة خصام مع الأرض بسبب خطايا البشر وتعدياتهم ضد الله. ولكن بعد أن صار البشر فى حالة توبة ورجوع إلى الله فرح السمائيين بالبشر وبتوبتهم (لو7:15). وصاروا يسبحون باسم البشر على الخلاص الذى تم (رؤ9:5-14).
آية 16: ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلا العداوة به.
تكملة الآية السابقة، فكلا اليهودى والأممى قد خلقا من جديد. المسيح بموته صالح الشعبين معاً، وصالح بينهما وبين الله، ووحدهما فى جسده الواحد، فهو بهذا الجسد أزال العداوة بينهما. ونلاحظ أن المسيح قتل العداوة ولكنها تستيقظ ثانية مع فسادنا وإنحرافنا. ونلاحظ أن هدف المسيح هو مصالحة الجميع وتوحيدهم به ليصالح العالم كله بالله.
آية 17: فجاء وبشركم بسلام أنتم البعيدين والقريبين.
البعدين: الأمم الذين لا يعرفون الله. والقريبين: هم اليهود لأنهم كانوا يعرفون الله ويتوقعون مجىء المسيا. والتسمية بعيدين وقريبين من (إش21:57). والمسيح وحد البعيدين والقريبين كنموذج لسر الوحدة التى بدأت تسرى فى جسم البشرية. والسلام الذى بشرنا به المسيح هو الروح القدس الذى سيرسله، والروح يملأ القلب سلاماً. على أن السلام يعنى أيضاً السلام بين كل الناس أما الأشرار فلا يوجد لهم سلاماً (إش21:57).
آية 18: لأن به لنا كلينا قدومًا في روح واحد إلى الآب.
كلينا: أى اثنين فى خصام (اليهود والأمم كمثال). بالمسيح صار سلام واحد للاثنين، ولهم إنجيل واحد، وروح واحد به يعتمدون. وبذلك صار لهما كليهما دخول أو قدوم واحد بالروح الواحد إلى الآب. قدوم: وهو تعبير رسمى يستخدم للدخول إلى القصور الملكية أو إلى محاكم القضاء، إذ ينادى على الإسم فيذهب المقَّدم ويمسك بيد المنادَى عليه، ويدخل إلى الملك أو إلى القاضى ويقدمه إليه. والمسيح صار هو الباب والطريق. بل هو يعدنا لنكون لائقين أن نقابل الآب، وذلك بأن نكون فى المسيح، لابسين المسيح (رو14:13) ويعطينا أن نكون فى فكر واحد ورأى واحد، هو يكملنا، وبهذا يمكن أن نكون فيه بلا لوم ولا شكوى (أف4:1). وبهذا يمكننا أن نتقدم للآب. فليس أحد يأتى إلى الآب إلا به (يو6:14). والمسيح حين يقف أمام الآب نقف نحن فيه، فهو فينا ونحن فيه. ولكن السؤال هل نحن فيه فعلاً، هل متنا عن شهواتنا، هل لنا الإيمان القوى به. هل نحن مملوئين من الروح لنكون روح واحد وجسد واحد وفكر واحد ومحبة واحدة تربطنا جميعاً.
فى هذه الآية نرى الثالوث لأن به (بالمسيح)،... فى روح واحد... إلى الآب. فبدون الثالوث لا يوجد لنا كيان روحى، فالمصالحة هى إقتراب للآب خلال الأبن المتجسد وذلك فى الروح. والمسيح هو الذى يسكب الروح من الآب.
فى روح واحد: الروح القدس هو الذى يثبتنا فى المسيح الابن (2كو21:1). وبهذا نصير أبناء. والمسيح يأخذنى فيه للآب. والروح الواحد هو فى كلينا (أمم ويهود) والروح الذى فى الأمم هو الذى فى اليهود. لقد صار فينا كلنا روح واحد، يثبتنا كلنا فى المسيح (يثبت كلينا فى المسيح) هذه العبارة تشير للوحدة التى صارت بين أعضاء الكنيسة. وهذا هو منظر مزمور 133 الذى يصور شعب الكنيسة فى حب ووحدة والروح ينسكب من الرأس (المسيح) على الشعب أى الكنيسة (هنا هى اللحية لأنها شعر كثير ملتصق بالرأس). هذا المنظر تصوره الكنيسة.
فالشعب مجتمع ليصلى فى روح واحد، فينسكب عليهم الروح القدس، والروح يعمل فى الأسرار ليحولها إلى جسد المسيح ودمه فيثبتنا فى المسيح الذى يحملنا إلى حضن الآب.
آية 19: فلستم إذًا بعد غرباء ونزلاً بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله.
فلستم: يقولها الرسول للأمم لقد صار الأمم كما اليهود أعضاء رسميين فى بيت الله بعد أن كانوا غرباء: هذه عكس عضو مواطن فى الدولة. نزلاً: أى ضيف على صاحب البيت وهى عكس ابن البيت. رعية: معناها مواطنون بيت الله: الكنيسة التى تضم قديسى العهد القديم وقديسى العهد الجديد. وبيت الله هو هيكل الله. حقاً لقد صرنا أقرباء الله بالجسد إذ تجسد المسيح
آية 20: مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية.
حجر الزاوية: هو الحجر الذى يربط حائطين معاً، والمسيح هو الذى ربط العهد القديم بمؤمنيه والعهد الجديد بمؤمنيه. وصار رأساً للكنيسة الواحدة.
وفى الرسم المقابل تجد رسماً لما يقال له حجر الزاوية. ففى كل بناء مقبى أى على شكل قبو يتحتم أن يكون فيه بالنهاية حجر واحد ذات شكل واحد أساسى.
ويعتبر حجر الزاوية أهم حَجَرَةْ فى المبنى كله. توضع فى مكان واحد دائماً، لتحكم ربط البناء كله وإلا يسقط، ويسمون هذا الحجر بالإنجليزية key stone ولو رفع هذا الحجر يسقط المبنى فى الحال.
على أساس الرسل والأنبياء: أى على أساس التعاليم التى وضعها الرسل والأنبياء أى الكرازة بالمسيح، والإيمان السليم بالمسيح (غل7:1-9). فلا يوجد أساس سوى المسيح (1كو11:3). والرسل هم أول من آمنوا وأول من تدعم الإيمان بواسطتهم. والكنيسة تسمى رسولية لأنها متمسكة بتعليم الرسل. والأنبياء هم أنبياء العهد القديم الذين تنبأوا عن المسيح. ويوحنا شاهد فى الرؤيا أسماء الرسل الـ 12 على الأساسات وأسماء الـ 12 سبطاً (الذين أتى منهم الأنبياء) على الأبواب. فبنبوات الأنبياء أُعَّدَ الطريق للمسيح، وهم مهدوا طريق الإيمان به. (1بط11،10:1). وكان أيضاً فى كنيسة العهد الجديد أنبياء (1كو 28:12) + (أع1:13-4).
آيات 22،21: الذي فيه كل البناء مركبا معا ينمو هيكلاً مقدساً في الرب. الذي فيه أنتم أيضاً مبنيون معا مسكناً لله في الروح.
هنا نرى عمل الثالوث فى تأسيس الكنيسة، فهى مسكن الله. الله يسكن فيها الذى فيه: فى الرب (الابن)... مسكناً لله: (الآب)... فى الروح وتم تصوير المؤمن بحجارة حية (1بط5:2). يبنى منها البيت، مسكن الله. ونحن نصير حجارة حية لأن المسيح يحيا فينا (غل20:2) + (فى21:1). وقوله فى الرب: فلا حياة لنا إن لم نكن ثابتين فى الرب يسوع. وقوله فى الروح: لأننا نولد من الماء والروح وبالروح نثبت فى المسيح، ويكون المسيح حياتنا، فنكون حجارة حية، وينمو البيت فالكنيسة تبنى وتنمو بعمل الثالوث. والكنيسة تتكون منا أى الأحجار الحية. والله يكون الكنيسة لتكون مسكناً لهُ، أى ليحل فيها ويكون مجداً فى وسطها زك5:2. ليكون الله الكل فى الكل، وحتى يحل الله فى كنيسته يجب أن تبنى أولاً. والبناء له شقين:
1. بناء داخلى لكل مؤمن، ليكون حجراً حياً،وهذا يتم بأن يكون ثابتاً فى المسيح مملوءاً بالروح.
2. المبنى ككل يبنى، يزداد عددياً، وينمو عدد المؤمنين، ويترابطون فى محبة، وهذه يعملها الروح القدس الذى يربط الكل معاً (يربط بينهم بمفاصل هى المحبة). فالكنيسة لا تفهم أن يحيا فرد فيها منعزلاً، مثل هذا يكون عضواً ميتاً. الله يريد مجتمع مقدس (الكنيسة) ليسكن وسطه ويستريح فيه ويحل فيه.
حجر الزاوية كما هو موضح من الرسم السابق يأتى على الرأس، فى رأس المبنى وهو يمسك جميع الأحجار. ينمو = تشير للنمو الداخلى لكل مؤمن، والنمو العددى للكنيسة. البناء مركباً = يُشَبَّه التئام المؤمنين معاً بالإيمان والمحبة برص الحجارة (الحية 1بط 5،4:2). والحجر ينحت أولاً (إشارة لتهذيب المؤمن بالتجارب). ومادة اللصق هى المحبة. على المستوى الفردى فكل مؤمن هو هيكل الله والروح القدس يسكن فيه (يو23:14). وعلى مستوى الكنيسة فهى جسد المسيح والله يسكن فى كنيسته.
الذى فيه = بواسطة إتحادكم بالمسيح، فأنتم مبنيون مع المؤمنين الآخرين لكى تصبحوا هيكلاً يسكن فيه الله، بواسطة عمل الروح القدس. أنتم = يا شعب أفسس أو ياقراء الرسالة فى كل زمان. مسكناً لله فى الروح = الروح هو الوسيلة التى يبنى بها الله بيته الجديد. فالروح القدس هو الذى يبنى نفوس المؤمنين وينميهم، ويضع فى قلوبنا المحبة التى بها نرتبط معاً (رو5:5). وهو الذى يعطينا أن نصرخ كلنا يا أبا الآب فنشعر بالوحدة والأخوة والبنوة جميعاً لله الآب. إذاً الروح هو الذى يعطى اللياقة للمسكن ليحل الله فيه.
مبنيون معاً = نحن نُبنى ولكن ليس أفراداً. بل معاً. وإلاّ فلا مبنى أو بيت ونلاحظ أن الآية 21 قالت هيكلاً مقدساً فى الرب (يسوع) والآية 22 قالت مسكناً لله فى الروح فالروح القدس الذى هيأ جسد المسيح فى بطن العذراء مازال يهيىء جسد المسيح أى كنيسته. فالمسيح موجود فى كنيسته التى هى جسده. والروح مالىء الكنيسة ويعمل فى أعضائها ليهيئهم كجسد للمسيح وهيكل لله.
آية 1: بسبب هذا أنا بولس أسير المسيح يسوع لأجلكم أيها الأمم.
أسير المسيح لأجلكم أيها الأمم: هذه لها عدة تفسيرات:
1. بسبب بشارة بولس بأن المسيح جعل الأمم واليهود شعباً واحداً، وأنه قَبِلَ الأمم، سجنوا بولس وثاروا عليه فى أورشليم، ومن أورشليم أُرسِلَ للمحاكمة فى روما. وكان هناك فى الأسر الأول سنة 62م حين كتب هذه الرسالة. فقوله هنا أسير المسيح أى أنه مأسور وسجين بسبب كرازته بالمسيح وسط الأمم، وأن الأمم صاروا مقبولين لدى الله كاليهود.
2. هناك نظرة أعمق للأمور، فبولس تصوَّر أنه ليس فى يد اليهود أو الرومان بل هو فى يد الرب ضابط الكل. بولس ليس فى يد نيرون ولا رؤساء الكهنة اليهود ولا فى يد عسكرى مربوط معه بسلسلة، بل هو فى يد الله، هذا يتفق مع قول السيد المسيح "لم يكن لك علىَّ سلطان البته إن لم تكن قد أعطيت من فوق" (يو11:19). وهكذا يجب أن نفكر مثل بولس، فكما أن الله هو الذى سمح بسجن بولس، هكذا فى كل أمور حياتنا، نحن لسنا فى يد إنسان مهما كان مركزه، بل نحن فى يد الله، هو يحمينا. حتى تجارب الشيطان هى بسماح من الله. ونحن لسنا فى يد جرثومة تصيبنا بمرض، بل نحن فى يد الله، ولا نحن خاضعين لحادثة عرضية، بل نحن فى يد الله.
3. وهناك ما هو أعمق من ذلك، فبولس يتصور أنه أسير حب المسيح، محصور بمحبة المسيح. ويتساءل كيف أرد لك يارب محبتك وجميلك، فأنت لا تحتاج لشىء. لذلك سأرد جميلك لأولادك الذين أحببتهم وصلبت لأجلهم، أى سأكرز لهم مهما حدث لى، حتى لو قتلت. لذلك قال أنه مديون لليونانين والبرابرة... (رو14:1). أنا أخذت منك الكثير يارب، وسأحاول أن أرد لهؤلاء الذين تريد أنت خلاصهم. سأرد جميلك عن طريقهم = لأجلكم أيها الأمم.
وقوله أنه أسير فى الرب تعنى حالة الوجود الدائم فى المسيح.
وقوله أنا وتكرارها يؤكد اعتزازه برسالته التى كلفه بها المسيح واعتزازه بسجنه لأجل هذه الرسالة، لقد إعتبر لقب أسير يسوع المسيح شرفاً لهُ ومعنى كلامهُ هنا أن المسيح مات لأجل محبته لهم، وهو أيضاً مأسور وسجين لأجل محبته لهم وان هذا شىء يُفْرِحَهُ.
آية 2: إن كنتم قد سمعتم بتدبير نعمة الله المعطاة لي لأجلكم.
يتحدث هنا أن الله أرسله إلى الأمم وكان هذا تدبير نعمة الله: وكلمة تدبير كلمة خاصة بتدبير البيت أو الكنيسة أو الدير. والله دَبَّر أن يكون كنيسته شاملة الجميع يهوداً وأمم على السواء. ودَبَّرَ أن الأمم لا يحفظوا ناموس الفرائض. المعطاة لى: الله استأمن بولس على نشر هذا الإنجيل حين ظهر لهُ ثم أرسلهُ ليعلم الأمم أن الله اختارهم للمجد. وبسبب بشارته هذه للأمم هو مسجون. فمن تدبير الله أنه ظهر لبولس وان الله أرسله لحنانيا.
آية 3: إنه بإعلان عرفني بالسر كما سبقت فكتبت بالإيجاز.
إنه بإعلان: (غل12،11:1). ربما أثناء سفره إلى دمشق، أو وهو يصلى فى الهيكل (أع21:22). او وهو يصلى عموماً. أو وهو مختطف للسماء الثالثة. عموماً هى معرفة موهوبة من الله بوضوح. السر = هو قبول الأمم وإنهم صاروا شركاء الجسد والمجد والميراث. ولقد سبق المسيح وقال لى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة (يو16:10). وكان يقصد بهذا الأمم. بالإيجاز: ما قلته فى إصحاح 1، 2 هو إيجاز، وهو قليل جداً بالنسبة لهذا السر العظيم.
آية 4: الذي بحسبه حينما تقرأونه تقدرون أن تفهموا درايتي بسر المسيح.
المعنى أنكم لو قرأتم ثانية ما قلته فى إصحاحى 2،1 ستفهمون ما أعنيه بسر المسيح: أى السر الخاص بالمسيح من نحو الآخرين، وإرادته فى قبول الأمم كشركاء فى الجسد. هو سر فلم يكن أحد يعرفه سوى الله. وحتى يحكموا على أن بولس له دراية، فمن المؤكد أنه انكشف لهم هم أيضاً هذا السر.
آية 5: الذي في أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح.
كثير من الأنبياء إن لم يكن كلهم تنبأوا عن دخول الأمم للإيمان (أش10:11) + (مز117). ولكن لم يقل أحدهم إنهم سيتساووا مع اليهود فى البنوة والميراث والمجد وأن يصير الاثنان واحداً فى جسد واحد. لم يكن يهودى واحد يتصور ان الأمم الذين يسمونهم كلاب سيكونون شركاء المجد والميراث وهذا يعنى = الذى فى أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر. لذلك فكلمة أنبيائه هنا هى عن أنبياء العهد الجديد فهى أتت بعد الرسل. بالروح: الروح القدس هو الذى أعلمهم، فهو روح الإعلان حسب وعد المسيح"هو يعلمكم كل شئ" (يو26:14 + 13:1).
آية 6: إن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالإنجيل.
هنا يكشف الرسول عن ما هو السر الذى أشار إليه فى (آية3،4) موعده: أى الروح القدس (لو49:24). وهذا حدث أولاً مع كرنيليوس.
شركاء فى الميراث: شركاء اليهود فى الميراث المعد.
شركاء فى الجسد: أى فى جسد المسيح الذى وُهِبَ للكنيسة أن تعيش به وفيه أى الكنيسة الواحدة.
فى المسيح بالإنجيل: الروح لا يُسكب إلا على من هم فى المسيح، أى من آمن ببشارة الإنجيل واعتمد "من آمن واعتمد خلص" (مر16:16) ولذلك الكنيسة لا تعطى سر الميرون إلاّ بعد المعمودية أى بعد أن نتحد بالمسيح.
آية 7: الذي صرت أنا خادمًا له حسب موهبة نعمة الله المعطاة لي حسب فعل قوته.
الذى صرت أنا خادماً له: أى خادماً للإنجيل (آية6). والمفهوم أن بولس صار خادماً لإنجيل الأمم كما صار بطرس خادماً لإنجيل الختان. موهبة نعمة الله = أى الرسولية وهذا يتضح من أية 8. حسب فعل قوته = كل ما حدث ليس بقوتى بل هى قوة الله التى حولتنى من مضطهد للكنيسة إلى كارز بإسم المسيح جاب أوروبا كلها. كارزاً وسط أهوال من الاضطهادات. بولس يشهد هنا أن عمل الله فيه ومعه كان قوياً جداً. فالله الذى يكلف أحد بعمل يعطيه المواهب والقوة اللازمة، بل هى قوة ترفعه ضد ضعفات جسده (2كو9:12). وقوة الله إختبرها بولس أيضاً مع الأمم الذين تحولوا من الوثنية إلى مؤمنين قديسين لهم مواهب. حقاً بولس غرس وأبلوس روى لكن قوة الإنماء كانت من الله.
آية 8: لي أنا أصغر جميع القديسين أعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يُستقصى.
هنا نرى كيف أعانته هذه القوة وهذه النعمة. أصغر جميع القديسين وترجمتها حسب أصلها اليونانى أصغر من أصغر جميع القديسين. والقديسين هنا هم كل المؤمنين المسيحيين، فهو فى تواضعه يلغى وجوده، بل هو حين قال "حسب فعل قوته" أية 7 تذكر أعمال الله القوية والعجيبة معه. وكيف أنقذه من كل الأهوال التى صادفته (2كو11). وكيف كانت كرازته مؤثرة.. ولما تذكر عمل الله معه تصاغر فى عينى نفسه. لذلك علينا أن لا ننشغل بما عملناه ولكن بعمل الله معنا فنتصاغر فى أعين أنفسنا ولا نسقط فى فخ الكبرياء. وهذا هو الشعور الصحيح الذى يجب أن يكون داخلنا أننا لا شئ.. مجرد عبيد بطالون. ولا نتفاخر بأى شئ عملناه. بل علينا أن لا نَرْضَى عن أنفسنا أبداً، فإذا كان هناك عمل جيد عملناه فلننسبه لله ونقول الله فعل كذا وكذا. ومن يشعر بالرضى عن نفسه سريعاً ما يسقط فى الكبرياء، أو إدانة الله عن اى تجربة يتعرض لها فيقول "أنا يارب عملت لك كذا وكذا فلماذا تسمح بهذا الألم" لكن المسيح حتى يحمينا من هذا الفخ قال لنا قولوا إننا عبيد بطالون.. فإن أتى الألم، نقول أننا نستحقه، إن أتى النجاح نقول من الله. والحقيقة هى إننا خطاه، ومن انفتحت عينه سيرى هذا، ويقول مع بولس "الخطاة الذين أولهم أنا" ولاحظ أن الفريسي الذى استضاف المسيح وعمل كذا وكذا لم يخلص، بل خلصت المرأة الخاطئة التى بكت محتقرة نفسها.
بغنى المسيح الذى لا يستقصى: النعمة التى أعطيت لبولس هى أن يبشر الأمم الذين كانوا فى منتهى الجهل بغنى المسيح، وهذا فوق قدرات البشر. وكل ما يتصور بولس الرسول غنى المسيح العجيب وتدبيره ومحبته وقدرته يتصاغر فى عينى نفسه ويرى انه الأصغر. وبولس يبشر بالمسيح الغنى فى مجده، ولكن لقد صار كل ماله هو لنا، فقد صرنا شركاء الميراث آية6. وهذا معنى أن المسيح صار وارثا (عب2:1). أن جسد المسيح ورث المجد، ونحن جسده، فمجده صار لنا لذلك قال المسيح "وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى" (يو22:17). الذى لا يستقصى: هذه مثل ما لم يره عين وما لم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه (1كو9:2).
آية 9: وأنير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح.
وأنير: هذه هى رسالتى أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح. فإذا أنار الله عينيه وعرف السر، وجد نفسه ملتزماً أن يقود الجميع لمعرفة هذا السر، سر حب الله للجميع، بل هو يكشف هذا السر حتى للسمائيين، فقد كان مكتوماً عن الكل. الكنيسة الواحدة تعلن هذا للسمائيين (آيات11،10) منذ الدهور: هنا نرى أزلية خطة الله. فى الله: كان الله حافظاً هذا السر فى نفسه. السر المكتوم أن البشر سيكون ميراثهم فى السماء. خالق الجميع: أى الأمم واليهود وكل رتب الملائكة. بيسوع المسيح: المسيح خلق آدم وكل الخليقة. ويخلقنا الآن ثانية فى المعمودية.
آيات 10، 11: لكي يعرف الان عند الرؤساء و السلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة. حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا.
لكى يُعرّف: لكى عائدة على الآية السابقة، أى أن بولس يكرز ليُعْلم السمائيين أيضاً بالسر. فبكرازة بولس الرسول عَرِف الملائكة السر الذى كان مكتوماً. بواسطة الكنيسة: فى الكنيسة الواحدة فقط ظهرت وتحققت رحمة الله.
حكمة الله المتنوعة: الله له خطة أزلية ينفذها، وهذه كانت غير معلنة حتى للملائكة ماذا كان يرى الملائكة؟ هم رأوا الله يخلق الجنة فى مئات الملايين من السنين ثم يخلق آدم ليسكن الجنة الأرضية. فتصوروا أن مكانهم السماء، أما آدم ونسله يكون مكانهم الجنة. ثم يسقط آدم ويطرد من الجنة، وحزن الملائكة إذ صار مصير آدم مجرد أرض ملعونة. ثم يختار الله إبراهيم ويعطيه كنعان ميراثاً ويهمل الأمم ثم يكون لليهود شعباً لهُ، وينحدر الأمم من فساد لفساد، فظن الملائكة إن الله لا يمكن أن يقبلهم أو يتعامل معهم. وظن الملائكة إن أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان التقى هو قطعة أرض يعطيها له الله ليزرعها. وإذا بالمسيح يتجسد ويقبل الأمم ويحولهم من الفساد لقديسين صالحين. إذا بالملائكة يرون أن من يموت بعد المسيح صار يذهب للفردوس (للمؤمنين الأبرار قطعاً). وإذ بهم يرون المسيح يُكَوَّنْ جسداً واحداً من السمائيين والأرضيين، إذاً لقد صار هناك وحدة بين السمائيين والأرضيين. بل إكتشفوا بكرازة بولس الرسول أن البشر الذين صاروا جسد المسيح، صار ميراثهم السماء مثل الملائكة. هم كانوا يتصورون أن أقصى ما يمكن أن يصل إليه البشر هو ميراث الأرض. فسمعوا من كرازة بولس، ومن شكل الكنيسة الواحدة أن البشر صارت السماء ميراثاً لهم.
لقد صار الملائكة الآن يشاهدون كيف أن الله يكون الجسد من السمائيين والأرضيين ليكون مكانهم السماء، ومن يتمرد ويرفض يكون خارج الجسد فى الظلمة الخارجية.
حكمة الله المتنوعة: هى قبول اليهود ورفض الأمم فترة. ثم قبول الأمم ورفض اليهود ثم عودة اليهود فى نهاية الأزمنة (رو25:11-36).
حسب قصد الدهور: كل ما عُمِلَ فى الفداء. وقبول اليهود لفترة ثم قبول الأمم كان فى قصد الله قبل الدهور، أى منذ الأزل. وظهرت الآن حكمته. صنعه: أى أكمله وأتمه أو حققه فى المسيح. ومن حكمة الله أن الكنيسة تستلم أعمال لله وتخبر بها. وحينما تظهر الكنيسة فى السماء، جالسة فى السماء سيعرف السمائيين مقدار حكمة الله وتدبيره حين يظهر غنى نعمته على الكنيسة.
آية 12: الذي به لنا جراءة و قدوم بإيمانه عن ثقة.
الذى به: بالمسيح (من آية 11). بعد أن حَلَّقَ الرسول فى الأبدية نجده ينزل ليأخذ بيدنا ويشرح لنا أنه بالمسيح لنا قدوم لدى الآب (أف18:2). ونتكلم معهُ بجرأة قائلين له أبانا. بإيمانه: أى بالإيمان بالمسيح لنا هذه الجرأة.
عن ثقة: بعد أن رأينا خطة الله وحبه وتدبيره، الذى دبر لنا بفدائه أن نرث أمجاد السماء، وعرفنا أنها خطة أزلية، أى أن محبة الله لنا أزلية، ألا نتقدم عن ثقة، هل مازلنا نشك فى محبة الله. وقطعاً فإن الإيمان بالمسيح هو الطريق لثباتنا فيه واتحادنا به ووجودنا فيه، وهذا ما يشفع لنا فى أن نقف أمام الله فى ثقه. وبولس فى ثقته هذه يثق أن الكرازة للأمم ستتم رغماً عن سجنه (آية13).
آية 13: لذلك أطلب أن لا تكلوا في شدائدي لأجلكم التي هي مجدكم.
لذلك: هذه الآية إذاً مبنية على السابقة والمعنى لأن لى ثقة أقول الآتي.. بولس يكتب من سجن روما، وقد يُحكم عليه بالموت فى المحاكمة، وهنا يدعوهم ألاَّ يكلوا ويخوروا فى إيمانهم بسبب آلامه، إذ أن آلامه كانت بسببهم. وإذا فهمتم أن الله يحبنا وله خطة أزلية سيتممها ولن يفشل، فلماذا أنتم حزانى على قيودى التى كانت بسبب كرازتى لكم، فبسببها كان إيمانكم وبالتالى مجدكم، إذاً نفهم أن الآلام صارت مجداً للإنسان بعد أن كانت هواناً، الله من محبته لا يسمح لنا بألم إن لم يكن هذا الألم هو الطريق الوحيد للمجد. فالآم بولس ستكون لمجده هو ولمجدهم هم أيضاً. فآلامه كانت بسبب كرازته لهم وإيمانهم. عموماً فأى تجربة يسمح بها الله هى طريقى للمجد، الضيقة لم تعد عقوبة بل الطريق للسماء، بل هى الطريق الوحيد للسماء، وبها تنفذ خطة الله. هو بدأ فى1:3. بأنه أسير الرب ثم شرح أن الله لهُ خطة أزلية، لذا نفهم أن آلام الرسول لن تعطل الخدمة، بل هى جزء من خطة الله، فخطة الله لن يعطلها القيود، بل بما أن الله سمح بها لأحد خدامه فهو قادر أن يحولها للمجد وللخير لهذا الخادم بل لآخرين. الله قادر أن يخرج من الجافى حلاوة.
أيات 14-19: بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح. الذي منه تسمى كل عشيرة في السماوات وعلى الارض. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن. ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم. وأنتم متأصلون و متأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو. و تعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا الى كل ملء الله.
تبدأ هذه الآيات الرائعة بأن بولس الرسول يحنى ركبتيه أى يصلى من أجلهم آية 14... فلماذا يصلى ؟ نفهم هذا من آية 19 لكى يمتلئوا إلى كل ملء الله: ماذا يعنى كل ملء الله ؟ تصور أن جسد المسيح الذى حلَّ فيه كل ملء اللاهوت أنه خزان ضخم جداً جداً. وإنني أنا مجرد آنية صغيرة متصلة بهذا الخزان. هذا اتصال تم بسبب تجسد المسيح ثم فدائه ثم بالمعمودية التى تجعلنا نموت معهُ ونقوم متحدين به ثابتين فيه. ثم بحلول الروح القدس علينا ليثبتنا فى المسيح. ثم بالتناول المستمر.
وباتحادنا بالمسيح صار هو قادراً أن يملأنا كما يملأ هذا الخزان الضخم الآنية الصغيرة المتصلة به. ما يحدد ما تأخذه الآنية، محدوديتها. وبماذا نمتلئ؟ من الحكمة والقداسة والبر. لقد كان سليمان مثال الحكمة وداود مثال للوداعة ويوحنا مثال للمحبة. ولكن المسيح قادر أن يملأنى من كل هذا. بل يجعلنى صورة له، أى ألبس المسيح أى تكون لى كل الفضائل التى للمسيح. بل يملأنى أيضاً محبة وفرح وسلام وغيرة... والأهم من هذا كله.. هو أن الله يسكن عندى (1كو16:3) + (يو23:14) بل يملأنى فيصير الله هو مصدر كل شىء أحتاجه. وجوده فى داخلى هو مصدر شبعى وفرحى وسلامى لذلك قال الرسول عن المسيح أنه سلامنا، أى وجوده فى داخلى صار مصدر سلامى. وبنفس المفهوم قال إشعياء عن الله أنه.. خلاصى وقوتى وترنيمتى وقد صار لى خلاصاً (إش2:12). وقوله ملء.. إذاً لن يكون هناك مكان لشىء لآخر، أى لن أحتاج لمصدر فرح خارجى أو شبع خارجى، لن أحتاج لآخر، فلا مكان لآخر، فهو يملأنى. هذا سيتم بالكامل فى السماء. ولكن هنا نأخذ العربون على الأرض، أى نتذوق شىء من هذا هنا على الأرض وهناك من جرب هذا الشعور، أنه ما عاد يحتاج لشىء من هذا العالم. إن من يمتلئ من الله يصبح هدفه الوحيد وغايته الوحيدة هو الله.. لماذا؟
ببساطة لأنه اختبر هذا الشعور الممتع بإن الله فى داخله نبع أفراح وسلام وتعزيات. بل هو صار يطلب المزيد من الامتلاء. وأماّ من لم يختبر فهو مازال يسعى للشبع من هذا العالم الذى قيل عنه "من يشرب من هذا الماء يعطش" (يو4: 13). وقيل عنه أنه قبض الريح (جا17:1) أى ما يشبه ظاهرة السراب.
إن من يمتلىء بالله لا يعود يحتاج لشىء من هذا العالم. هذا ما يطلبه بولس الرسول لنا. ولاحظ أن الفرح الذى يعطيه الله هو فرح حقيقى، ؟أما ما يعطيه العالم فهو أفراح غاشة تزول بزوال المؤثر الخارجى. ومن هنا نفهم لماذا قيل أن محبة العالم عداوة لله (يع4:4). والسبب ببساطة أن من يحب العالم ويسعى وراء شهواته لم يكتشف بعد حلاوة الشبع والملء من الله، لم يتذوق هذا الإنسان العربون الذى يعطيه الله لنا الآن، ومن لم يتذوق العربون فى هذه الأرض، فهو لن يحصل على شئ فى السماء. إن الأكل والشرب.. ألخ ليسوا عداوة لله، ولكن إذا كان العالم فقط هو الذى يشبعك بملذاته، فلن تبحث عن الله. إذاً ماذا ستفعل فى السماء؟ إذا لم تكتشف أن الله قادر أن يشبعك ويفرحك، إذاً ستسير وراء إله آخر يشبعك فى هذا العالم. لذلك فمحبة العالم عداوة لله.
وكيف نصل لكل ملء الله؟ تعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة
ماذا يعنى التعبير: محبة المسيح الفائقة المعرفة؟
يعنى ببساطة أننا سندرك أشياء فائقة وسامية جداً لو تذوقنا محبة المسيح.
مثال: رجل غنى له قصر مملوء من التحف الرائعة، فإن أسهل طريقة حتى يمكننى أن أرى كل هذا المجد الذى فى داخل القصر، هى أن أدخل فى علاقة حب مع صاحب القصر، فيدعونى هو بدالة المحبة والصداقة للدخول إلى قصره. هكذا إذ دخلنا فى علاقة حب مع الله، فالله سيكشف لى عن أمجاد السماء (1كو9:2-12) إذاً فالروح القدس الذى فينا مستعد أن يكشف لنا كل شىء حتى أعماق الله. بل أن الروح القدس هو الذى يعطينا المحبة (غل22:5) + (رو5:5). وكلما زادت المحبة زاد الإدراك، وشعرنا بأمجاد السماء كما فى لغز أو مرآة الآن (1كو12:13). ولكن ما علاقة المعرفة الفائقة بكل ملء الله؟ المعرفة ليست فقط فى معرفة المجد الذى أعده لنا الله بل هى معرفة الله نفسه، وماذا يمكن أن يعطينى الله وكلما عرفنا الله سنعرف أنه وحده قادر أن يفرحنا ويشبعنا، فنطلب أن نزداد فى الملء. هذا معنى أن الله سيصير غايتنا الوحيدة، لن نريد غيره، لأننا سنعرف الفرح الحقيقى واللذة الحقيقية، ما عاد العالم يخدعنا بملذاته بعد أن عرفنا الحق، والحق حررنا من الباطل أى كل ملذات العالم
(يو32:8). لهذا قال السيد المسيح "وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو3:17). فللأسف فإن معظم الناس لا تعرف طريقاً للشبع سوى ملذات العالم حتى وما هو خاطئ منها، ولم يكتشف أحد منهم أن الله هو المشبع الوحيد، وهذا ما جعل الله يعاتب الناس (أر13:2).
مثال: ولد شحاذ فقير لا يعرف طريقاً للطعام الذى يشبعه سوى القمامة الملقاة فى الشوارع. وعرض عليه أحد الأغنياء إسم وجبة فخمة يعطيها له على أن يمتنع عن الأكل من القمامة. من المؤكد أنه سيرفض فهو لا يفهم حتى إسم هذه المأكولات الفخمة. ولكنه يوم يتذوقها سيحتقر تماماً مأكولات القمامة. وهذا معنى مثل السيد المسيح عن الإنسان الذى وجد لؤلؤة كثيرة الثمن، فمضى وباع كل ما كان يملكه من لآلىء. فاللآلىء، أو مأكولات القمامة، هو ما يُشبِعْ الناس الآن من ملذات العالم، لكن يوم نعرف المسيح اللؤلؤة كثيرة الثمن سأطلبه وحده، ولو طلبته سأُعطى "أسألوا تعطوا" وإذا سألت سأمتلىء من الله. فالمهم أن أعرف محبة المسيح وهذه تنقلنى للإدراك بل حتى فى السماء ستبقى معرفتنا محدودة لأننا سنظل محدودين كبشر أمام الله غير المحدود. وكلما أعرف الله أكثر أفرح وأطلب الإتساع لأعرف أكثر وأفرح أكثر وهكذا بلا نهاية. وهذه هى الحياة الأبدية أن نظل نعرف جديداً عن الله، ونتسع فنفرح ونطلب فنمتلىء. وهذا ما يطلبه الرسول لأهل أفسس أن يعرفوه ويتذوقوه من الآن.
آية 14: بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح.
بسبب هذا: بسبب ثقة بولس أن الله قبل الأمم وأحبهم، وأنه يحول كل شىء لمجدهم حتى سجنه هو. هذه الثقة جعلت بولس يصلى لأجلهم = أحنى ركبتىَّ: فالوضع الأمثل للصلاة هو إحناء الركبة أو الوقوف بخشوع مع رفع الأيادى على هيئة صليب، كما فعل موسى فى حربه مع عماليق (خر12:17). فالصلاة بإسترخاء لا تأتى بنتيجة (نش3: 2،1). وبولس يصلى طالباً لهم:
1. أن يتأيدوا بالقوة بروح الله أية 17.
2. أن يدركوا المحبة وتكون لهم المحبة أية 18.
لذلك يقول لدى أبى ربنا يسوع المسيح: فبسبب بنوة المسيح للآب صرنا كلنا أبناء لله. وحينما إتحدنا بالأبن صار الآب يحبنا بالحب الذى يحب الآب إبنه به. صارت محبته التى تنسكب فى إبنه، صارت تنسكب فينا أيضاً. وبولس يصلى أن نكتشف هذا الحب. وبسبب إتحادنا بالإبن صار الروح القدس يحل فينا. لذلك فالرسول يذكر أن الآب هو أبى ربنا يسوع المسيح لأن بنوة المسيح للآب وإتحادنا بالمسيح. صارا هما الطريق الوحيد لما يطلبه أى
1. إكتشاف محبة الآب لنا.
2. تدعيم وقوة الروح القدس لنا. كأن بولس فى صلاته هذه يُذكّر الآب بأنه شعب أفسس صاروا عروساً لإبنه، وبهذه الدالة يطلب أن يتمتع الكل بمحبة الآب.
آية 15 : الذي منه تسمى كل عشيرة في السماوات وعلى الأرض.
الذى تسمى منه كل عشيرة فى السموات وعلى الأرض: الإسم فى العبرية يشير للكيان والحياة والشخصية والقدرة. فالمعنى أن الله هو خالق العالم كله ما فى السماء وما على الأرض بقوته. والرسول يريد أن يقول لأهل أفسس " يا شعب أفسس لا تخجلوا أن تطلبوا من الله أن تمتلئوا لكل ملء الله، وتمتلئوا من معرفته ومحبته، فهم أبوكم. ونفهم هذا من قوله لدى أبى ربنا يسوع المسيح فى الآية السابقة، وقوله هنا كل عشيرة. فهو أى الله صار بيسوع المسيح أبا لنا جميعاً. فلنحذف كل عشيرة ونضع مكانها كنيستنا أو عائلاتنا... الله صار أباً لنا جميعاً فلنطلب منه بلا خجل. وكلمة عشيرة أصلها Patria أى أبوة. فكل أبوة (جسدية أو روحية) هى مستمدة من الآب. وتنتمى لله كأب. فالآب أصل كل حياة. وكل قوة فى الوجود لجميع الكائنات بمختلف فصائلها سواء ملائكة أم بشر. وكلمة تسمى = تستمد إسمها وكيانها أو تأخذ وجودها وحياتها وقوتها منه. هو مصدر كياننا، هو أبونا، هكذا قال السيد صلوا هكذا" أبانا الذى...
آية 16: لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن.
أن تتأيدوا بالقوة بروحه = هذه قطعاً لمن إعتمد وحِلَّ عليه الروح القدس، وصار له إنسان داخلى جديد = الإنسان الباطن. وهذا الإنسان الداخلى إماّ أن ينمو أو يضمحل ويضعف. والرسول يطلب لهم أن يمتلئوا من الروح القدس ليدعم إنسانهم الباطن هذا. والروح يبكت على الخطية وعلى البر ويدعمنا لنترك الخطية ونسلك فى البر. وهو يعطينا حياة المسيح وبره نحيا بهما. ولكن الروح القدس يعطى لمن يتجاوب معه ويقرر أن يصلب شهواته، هذا يعطيه الروح قوة تجعل الشهوة الخاطئة ميتة فيه. ومن ماتت الخطية فيه يكون صالحاً لسكنى المسيح فيه أية 17. الروح القدس يبكت بمعنى أنه يقنع المؤمن بان يترك طريق الخطية ويسلك فى البر، ومن يتجاوب معه يعطيه قوة، فهو يعين ضعفانا (رو26:8). والروح يسكب محبة الله فينا (رو5:5) وبهذا يزيل محبة العالم ويضع بدلاً منها محبة الله، فبدلاً من ان ينجذب المؤمن للعالم يصير يشتهى الجلوس مع الله الذى أحبه، أماّ الكراهية فهى رائحة نتانة، معها لا يسكن الله. وإذا إمتلاء القلب من المحبة يكون مستعداً لسكنى المسيح فيه آية 17 أما القلب المنقسم بين محبة الله ومحبة العالم لن يسكن فيه المسيح. والروح القدس يميت محبة العالم (لمن يحاول ويريد) فى القلب يسكن فيه المسيح أية 17. والمسيح كعريس للنفس حتى يسكن فيها يريد تجديد الداخل ويكون هذا بأن يسمح الله ببعض التجارب حتى إذا فنى إنساننا الخارجى يتجدد الداخل يوماً فيوم (2كو16:4)، وحتى لا يفشل المؤمن وسط التجربة يعطيه الروح القدس عزاء ومساندة ومعونة حتى تتم عملية تجديد الداخل إستعداداً ليحل المسيح فىالقلب آية 17. والآن كيف نفنى الإنسان الخارجى حتى يتجدد الداخل ؟
1. أحيا كميت أمام الخطية (رو11:6) + (كو5:3).
2. الحياة فى زهد وأصوام وهذا منهج كنيستنا الأرثوذكسية.
3. قبول الصليب الذى يساعدنا به الله لكى يفنى إنساننا الخارجى.. بشكر.
بحسب غنى مجده: الله مشتاق أن يؤيدك بقوة روحه القدوس، ولكن إلى أى مدى؟ هنا الإجابة بحسب غنى مجده: أى لا حدود لهذا التدعيم وبسخاء لا يوصف. ولكن الروح القدس مستعد أن ينسكب ويملأ ويدعم ويؤيد القلب المنفتح له، الذى يريده، والذى يطلبه، فالروح القدس يعطيه الله لمن يسألونه (لو13:11).
آية 17: ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم.
ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم: إذاً صلاة الرسول أن يدعمنا الروح القدس ويؤيدنا حتى يحل المسيح فى قلوبنا. وهذا ما شرحه الرسول فى (غل20:2). "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ. فما أحياه الآن فى الجسد فإنما أحياه فى الإيمان.." وحين يحل المسيح فى داخلى يملك على عواطفى ومشاعرى. ويتربع على عرش قلبى ويعلن ملكوته فىَّ ويتخذ قلبى مسكناً لهُ والقلب هو جماع العواطف والأحاسيس والإرادة والضمير والفهم، فأحبه ولا أحب سواه. وحلول المسيح فى القلب هو شىء لا يرى بل هو بالإيمان ولكن لنراجع (غل20:2). فكلما مارسنا عملية صلب الجسد مع الأهواء والشهوات كلما كانت لنا حياة المسيح. وحل المسيح فى قلوبنا بالإيمان. عموماً فالإيمان هو المدخل لحياة المسيح فينا، وبلا إيمان لا يكون لنا أى شىء من هذه البركات، فبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب6:11). ومن يحيا فىالمسيح، من يكون المسيح ساكناً فى قلبه يمتلىء بالروح. مثل هذا يتأصل فى المحبة.
آية 18: وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو.
متأصلون فى المحبة Rooted. متأسسون: الأساس الذى نبنى عليه فأساس علاقتنا مع الله هى المحبة، الله محبة ولا يطيق الكراهية. فالمسيحى الذى يريد أن يقيم علاقة مع الله يجب أن يفهم أن أساس العلاقة مع الله هو المحبة، ويبدأ بقرار أن يجاهد ليسلك بالمحبة، بل لا يكفى الأساس، لكن أن يتعمق فيها. عموماً كل ما يجاهد الإنسان ليحيا بالمحبة سيدخل إلى أعماق المحبة. إن المحبة أسمى من الزهد والتقشف وأى شىء أخر. أى شىء غير المحبة هو كرائحة نتانة أمام الله،لن نصل إلى أى أعماق يريدها الله لنا، ولا لهذه التى يطلبها الرسول لنا إن لم تكن المحبة هى أساس علاقتنا مع الله ومع كل الناس حتى أعدائى. والروح القدس حقاً هو الذى يسكب المحبة فينا، ولكن لمن يجاهد.
كيف نصل لمحبة الله؟
1. الطلب فى الصلاة للإمتلاء من الروح القدس.
2. عشرة الله لأوقات طويلة، فى صلوات وتسابيح طويلة ودراسة كلمة الله. والروح القدس يحكى لك عن الله فتحبه ومن يزرع بالكرم (وقت طويل مع الله) سيحصد بالكرم.
كيف نصل لمحبة الناس؟ يقول السيد المسيح "أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم". فمحبة الأعداء هى نعمة يعطيها الله لمن يجاهد بأن:
1. يتكلم حسناً عن كل الناس حتى أعدائه.
2. يقدم خدمة لكل إنسان.
3. يطلب الخير فى صلواته لكل إنسان.
حتى تدركوا مع جميع القديسين: ما يقوله بولس هو متاح لكل المؤمنين. من يحيا فى المسيح ممتلئاً من الروح القدس يتأصل فى المحبة، فالروح القدس يفتح عينيه فيدرك محبة الله التى لا تُدرك بالعقل. بل يملأ المؤمن بالمحبة فهو روح المحبة رو5:5. فعوضاً عن الشهوات العالمية التى ماتت، يحل مكانها أشواق للسمائيات ولله، وحينما نكتشف محبة المسيح يملأ القلب فرح عجيب.. فالمحبة تتحول إلى فرح. وكلما زادت المحبة لله يزداد الفرح الذى يملأ القلب، وهذه أسماها الرسول كل ملء الله، أى كل البركات، بركات الله التى يريد ويحب الله ان يعطيها للإنسان. والله يُسَّر بأن يفرح أولاده. فمن يتخذ قراره بأن يؤسس حياته ويثبتها على أساس المحبة (فالمسيح لا يحتمل ولا يحل فى قلب مملوء كراهية وحسد وبغضة وشهوة إنتقام أو تجريح وإساءة لسمعة الآخرين) من يجاهد أن يسلك فى محبة يعطيه الله أن يمتلىء قلبه بالمحبة كعطية منه، عطية سماوية ومن يحصل على المحبة كعطية من الله ينعم بعطية الإدراك الروحى والمعرفة الفائقة. وعلى هذا الأساس يصل لدرجة " كل ملء الله".
العرض والطول والعمق والعلو: هى محبة بلا حدود، حدودها هى حدود الله نفسه، فالله محبة، والله غير محدود. محبة الله لا توصف ولا تدرك. لذلك يصفها الرسول بهذه الصفات العرض والطول... ألخ. ليبين مدى اتساعها وشمولها كل البشر. وأن المسيح يغفر جميع الخطايا، ومحبته تشملنا حتى أعماقنا وأن لها سمو فائق يعلو إدراك البشر.
العرض: محبة المسيح تضم فى عرضها كل البشر.
الطول: محبة المسيح هى من الأزل وإلى الأبد.
العمق: محبة المسيح لا يصل لعمقها مخلوق، هى عميقة عمق الهاوية التى نزلنا إليها بالخطية فنزل إلينا لينتشلنا.
العلو: لا يمكن لعدو أن يرتفع إليه. علو محبته هو علو عرش المسيح فى السماء. وهو فى علو محبته سيأخذنا لهذه السماء ولن يعوقه عن ذلك عدو حاسد.
آية 19: وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله.
حين تعرفون هذه المحبة العجيبة سوف تدركون عن خبرة مقدار المحبة التى أحبنا بها المسيح والتى تعلو عن كل إدراك بشرى. وعند ذلك سوف تشعرون بحبكم الشديد نحو الله، وتمتلئوا من حب الله. وحين ذلك يصل المؤمن لحالة الإدراك الفائق = الفائقة المعرفة.. وبالتالى يمتلىء إلى كل ملء الله = ملء بركات الله ومواهبه، وملء إشراقه وفيض محبته، وعمق حكمته وسمو قداسته وعظمة قدرته وغنى مجده، مما يفوق كل إدراك.
آية 20: والقادر أن يفعل فوق كل شيء أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر بحسب القوة التي تعمل فينا.
بعد كل ما قاله الرسول، تصور أن من يسمع سيسأل وهل هذا ممكن لى أنا الخاطىء؟ وفعلاً فإن ما صلى بولس لأجله أن نمتليء إلى كل ملء الله هو طلب عجيب. ولكن الله يعطينا أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر. فهو يعطينا بحسب القوة التى تعمل فينا = أى قوة الروح القدس الذى يؤيدنا. وقوة الروح القدس غير محدودة. إذاً فلنطلب بثقة.
آية 21: له المجد في الكنيسة في المسيح يسوع إلى جميع أجيال دهر الدهور آمين.
أمام عطايا الله العجيبة لا نملك سوى أن نسبحه. والكنيسة التى فى المسيح يسوع هى التى تمجد الله. وعلى كل جيل أن يورث الجيل الذى يليه لغة التسبيح والتمجيد لله. بل أن تسبيح وتمجيد الله سيكون عملنا فى السماء. وعلينا أن نتعلمه على الأرض. ولنلاحظ أن أهم ما يمجد الله ليس ألسنتنا بل أعمالنا "لكى يرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات" (مت16:5). فالآب يتمجد فى الكنيسة عروس المسيح.
قدم الرسول فى الإصحاحات الثلاثة السابقة مقاصد الله من نحو الإنسان من قبل تأسيس العالم. وبيدأ هنا يعطى صورة لما يجب أن يكون عليه الإنسان ليكون حسب قصد الله لذلك يبدأ الإصحاح الرابع بحرف فـ: فأطلب.
آية 1: فأطلب إليكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم بها.
فأطلب: أى تطبيقاً لمبادئ الإيمان التى أعلنتها سابقاً أطلب منكم كذا وكذا وجاءت أطلب فى اليونانية بمعنى أرجوكم رجاءً حاراً وأتوسل وأتضرع. لأن هذه المسألة تخص حياتهم كمسيحيين، نحن دعينا لدعوة سامية عليا لامتيازات سامية.
أنا الأسير فى الرب: راجع تفسير (أية 1:3). ونقول أيضاً فى هذه الآية فى هذا الإصحاح أن الرسول يقصد أنه بالرغم من السلسلة التى تقيد يديه فهو فى حرية فى المسيح ويفتخر بعلاقته بالرب، وبخدمته التى سببت له هذه الألام. وهى دعوة لكل من يسمعه أن يحتمل الألم لأجل المسيح، ودعوة لهم أن يسمعوا كلماته وينفذونها، فهو احتمل آلامه لأجلهم فعليهم أن يتحملوا بعضهم البعض فى محبة لبنيان الكنيسة، وإن فعلوا يطيبون خاطره ولا تعود السلسلة فى يديه سبب ألم بل سبب فرح. أن تسلكوا كما يحق للدعوة: ليرتفع السلوك إلى مستوى الدعوة. فالمدعو فى المسيح يُستأمن على حمل اسم المسيح والتكلم باسمه. نحن مدعوين لمجد سماوى عظيم، وعلينا نتصرف كما يليق بهذه الدعوة.
آية 2: بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضا في المحبة.
بكل تواضع: التواضع هو أساس الفضائل الأخرى. هو أن أشعر بأننى لا شىء بل تراب، بل أحقر من التراب، فالتراب لا يخطئ.. لكن هذه نصف الحقيقة. والنصف الآخر أننى أساوى ما دُفِعَ فىّ أى دم المسيح، إذاً أنا لى قيمة غالية جداً. إذاً علينا أن نفهم أننا بدون المسيح لا شئ. وبالتالى كيف ننظر باحتقار لمن هم أقل منّا.. فنحن وهم بدون المسيح أقل من التراب. وكل ما أخذناه هو من نعمة الله.
1. أخذناه مجاناً من الله، فلا فضل لى فيما أنا فيه من مميزات عن الآخرين.
2. علينا أن نشكر الله على ما أعطاه لنا، لا أن ننتفخ بما حصلنا عليه.
3. بل ما أخذناه هو وزنات لابد أن نتاجر بها ونربح لحساب مجد الله لا أن ننتفخ بها.
4. ونموذج التواضع الذى يجب أن نقتدي به هو السيد المسيح.
5. إذا كان المسيح له المجد تواضع هكذا، فعلىّّ أن أحسب نفسى لا أستحق شئ مما أنا فيه.
بل علينا أن نذكر أن من حصل على 10 وزنات مُطالب بعشر وزنات أخر. ولكن من عنده خمس وزنات لم يطالب سوى بخمس وزنات أخر. وعكس التواضع هو الكبرياء والاعتداد بالذات. وهنا نجد الإنسان لا يعتمد على الله، بل على نفسه. والوجه الآخر للعملة (أى الكبرياء) هو صغر النفس أى شعور الإنسان أنه غير قادر على عمل شىء. ببساطة لأنه أيضاً لا يعتمد على الله. وغالباً فكل متكبر يعانى من صغر النفس. أماّ بولس الرسول فيقول "أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى" (فى13:4).
ووداعة: كل متواضع لابد أن يكون وديع. والوداعة هى ما ينكشف عن المتواضع فى تعامله مع الناس، هى رقة فى المشاعر وبلا عنف. والوداعة هى صاحبة الميل الثانى والخد الآخر. وإنسان لطيف مثل هذا يحبه الناس أى يرث الأرض (مت5:5).
طول أناة: أى طويل النَفَس، صبور ومحتمل. وهى صفة هامة للمدبر والمعلم والرئيس المسئول. ولكن فى بعض الأحيان تستوجب الأمور الحزم (1كو21:4). وطول الأناة يكون بطئ الغضب.
محتملين: من يحتمل هو طويل الأناة، لا يُجازى عن الخطأ. فهو يتعامل فى محبة.
آية 3: مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام.
مجتهدين: أى ابذلوا كل جهد فى سبيل ذلك.
أن تحفظوا وحدانية الروح: لم يقل أن تقيموا بل تحفظوا فهى قائمة فعلاً بإيماننا ومعموديتنا. والروح القدس الذى قبلناه والجسد المقدس الذى نأكله. ووحدانية الروح تتم لو خضع الجميع للروح القدس الواحد. وبهذا يصير الكل فى محبة ولهم فكر واحد وهذا يأتى لو نفذنا الشروط السابقة أى التواضع والوداعة وطول الأناة واحتمال اختلاف الفكر والعادات. فى الجسد البشرى توجد روح تجمع الأعضاء معاً رغم تنوعها، والروح القدس يعمل هذا العمل فى جسد المسيح، فهو يوحد الكل فى جسد واحد وما يحطم وحدانية الروح، الكبرياء الذى يجعل الإنسان لا يسمع لصوت الروح القدس بل تجده معجباً برأيه، مثل هذا الإنسان حينما تكلمه يقول لك " أنا رأيى كده" ومن هنا نفهم أن سبب الشقاقات والخصومات.. الأنا.
برباط السلام: وحدانية الروح لا يمكن أن تقوم فى جو الخصام والعداوة (1كو3:3). والمسيح هو سلامنا (2: 15،14) فلا سلام حقيقى خارج المسيح.
آية 4: جسد واحد وروح واحد كما دعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد.
جسد واحد: تعبير عن الكنيسة جسد المسيح. وهى جماعة مقدسة فى تنظيم كنسى، تتناول من جسد الرب ودمه وبهذا نتحد معاً كأفراد ونتحد بالمسيح (1كو17:10).
روح واحد: هو الروح القدس الذى جمعهم معاً فى جسد واحد. وهو يطرد روح الشر وروح الانقسام. ونلاحظ أنه يمكن أن يكون هناك جسد واحد، ولكن ليس روح واحد كمن يدخل فى صداقة مع هراطقة.
رجاء دعوتكم الواحد: أى رجاء الحياة الأبدية. وهو رجاء واحد لكل من يؤمن والمعنى أنه كما أنكم لكم رجاء واحد فى حياة أبدية هكذا كونوا جسداً واحداً وروحاً واحداً. ولا يوجد ما يُوَحَّدْ الجماعات قدر الرجاء الواحد.
آية 5: رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة.
رب واحد: المسيح رأس الكنيسة وهو واحد.
إيمان واحد: لا يمكن أن تتم وحدة إلاّ على أساس الإيمان الواحد بلا انحراف، الإيمان المسلّم مرة للقديسين (يه3). ليس من حق أحد أن يغيره.
معمودية واحدة: هى التى جمعتنا جميعاً فى الجسد الواحد. منها نتقبل الوحدة فى جسد المسيح الواحد، نشاركه موته وننعم بحياته المقامة. والمقصود أن يكون لنا كلنا، أى لكل المسيحيين مفهوم واحد عن المعمودية. فالآن هناك من يستعمل الرش وهناك من يستعمل التغطيس. وهناك من يقول أن المعمودية تعطى البنوة، وهناك من يقول إنها مجرد علامة ظاهرية. وهذا لا يفرح قلب الله.
آية 6: إله وأب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم.
أبوة الله تظهر فى جوانب ثلاثة شرحها هنا:
على الكل: أى رئاسته الأبوية، عينه على الكل ويشرف على الكل ويعتنى بالكل كأب.
بالكل: هو يعمل بنا. فى محبته كأب يعمل بنا كأعضاء فى جسد ابنه المحبوب.
فى الكل: هو يسكن فى داخلنا (يو23:14) وهو يملأ كنيسته (أف22:2) يجمع شمل الجميع كواحد، الكل يأخذ كيانه منه، فإذا كان هو واحد فهم واحد.
آية 7: ولكن لكل واحد منا أعطيت النعمة حسب قياس هبة المسيح.
الكنيسة جسد واحد. ولكن الله يوزع على المؤمنين الأعضاء أنواعاً متعددة من المواهب (1بط10:4). وهذه المواهب موزعة توزيعاً بالغ الدقة بحسب معرفة الله كلى المعرفة. والله يعطى المواهب للشخص بسابق معرفته بالشخص. وبحسب العمل المطلوب منه والذى خُلِقَ ليعمله (أف10:2). ومن يعُطَى اكثر سيُطالَبْ بأكثر.
النعمة: هنا هى الموهبة وليست النعمة التى يحصل عليها كل مؤمن مسيحى.
حسب قياس هبة المسيح: هى هبة مجانية ليست حسب استحقاقنا ولا حسب رغباتنا فالله له قياسات تختلف عن قياسات البشر. وكل واحد ينال بحسب المقياس الذى يقيس به الله نفسه (1كو18:12). فليس لأحد أن يحسد أخيه على ما عنده من مواهب. فالله رأى هذا بحسب مقاييسه، فهو يعلم استعداد كل واحد. والعمل المطلوب من كل واحد وهو يعطينى ما يساعدنى على تأدية عملى بنجاح. ولاحظ أن الدم الذى يذهب للرِجْل أكثر كثيراً من الذى يذهب للأصبع، فهى تحتاج لكل هذا الدم لتؤدى عملها.
الآيات 8-10: لذلك يقول اذ صعد الى العلاء سبى سبيا و اعطى الناس عطايا. وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السفلى. الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل.
الاقتباس من مز 18:68 بحسب الترجمة السبعينية.
نتيجة لسقوط آدم سَبَى الشيطان كل نفوس الراقدين. وصارت نفوس كل من يموت تذهب للجحيم إذ كان الفردوس مغلقاً أمامها. لذلك يقول الرسول أن المسيح نزل أولاً إلى أقسام الأرض السفلى: أى الجحيم أو الهاوية (لذلك تصلى الكنيسة " نزل إلى الجحيم من قبل الصليب ") مكان الأرواح المقيدة فى أسر العدو. وبحسب تقليد الكنيسة فإن المسيح نزل إلى الهاوية (الجحيم) حيث كانت الأرواح البارة فى انتظار ذلك اليوم منذ آدم حتى يوم الصليب، فذهب المسيح وبشرهم (1بط3: 20،19). ثم صعد من الهاوية حاملاً أرواح هؤلاء القديسين الذين كانوا مسبيين فى سبى العدو إبليس، فإعتبر المسيح أنه سَبَى مرة أخرى هؤلاء المسبيين، ولكنه سباهم لحساب النعمة و الملكوت، وخرج من الهاوية منتصراً وقام وصعد للسماء وأعطى الناس الذين على الأرض مواهب أى عطايا أو كرامات، فالمسيح بعد صعوده أرسل للكنيسة الروح القدس.
كان الشيطان يقبض على كل نفس (روح) تنطلق من إنسان بعد موته. وكان المسيح هو أول من لم يقبض عليه الشيطان، وكان هذا معنى قول السيد المسيح " رئيس هذا العالم يأتى وليس له فىّ شئ" (يو30:14). وللآن فالخطاة غير الثابتين فى المسيح مازال إبليس يُلقى القبض على أرواحهم ويذهب بها للجحيم. وقد تعنى سَبَى سبياً أن المسيح بصليبه قد سبى الشيطان وأخذ كل من كان فى يده من نفوس الأبرار. والصورة هنا مستعارة من صور الملوك القدامى المنتصرين، فهم يقودون سباياهم ويوزعون على شعبهم عطايا.
لذلك يقول: الوحى الذى أوحى لداود هذا فى المزمور.
لكى يملأ الكل : تشير للمواهب المختلفة استعداداً لتغيير كل شئ إلى حالة جسد مجده (فى21:3). فهو يملأها لتبلغ تمام كمالها، فهو يكملنا الآن فى انتظار المجد المعَّد لنا. جميع السموات: بولس رأى السماء الثالثة ولكن المسيح الآن فى مجد لم يراه أحد ولا يشاركه فيه أحد. فوق جميع السموات: أى فى أسمى موضع.
آية 11: وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين.
أعظم عطية نالها الإنسان بعد صعود المسيح هو الروح القدس (يو7:16) والآب يعطى الروح باسم الابن. وجميع العطايا يعطيها الآب لتعمل كلها وتخدم لأجل تكوين جسد المسيح الواحد.
رُسُلاً: هم الأعلى رتبة فى الكنيسة فعليهم المسئولية العظمى فى نشر المسيحية وتأسيس الكنائس، الرُسُل هم أول حجارة حية فى البناء. وهم قبل الأنبياء (أنبياء العهد الجديد) فهم يتنبأون بالإضافة إلى عملهم الأساسى وهو التبشير، ولكن الأنبياء ليسوا رُسًلاً. والرسل اختارهم المسيح بنفسه، وأرسلهم ليكرزوا. وهم عاينوا المسيح بالجسد، وكانوا يصنعون عجائب (2كو12:12) (بولس وبطرس أقاما أموات).
أنبياء: متكلمون بالروح بالإعلان ولكن دون غيبوبة، بل وهم صاحين (أع1:13). وهؤلاء ربما لم يعاينوا المسيح بالجسد، ولكن أعطاهم الروح القدس هذه الموهبة للوعظ وتعزية المؤمنين. وانتهى عصر الأنبياء بانتهاء الرسل فهم كانوا مساعدين للرسل (مثال: أغابوس النبى).
مبشرين: هؤلاء كانوا وعاظ مساعدين للرسل مثل فيلبس المبشر (أع21: 9،8). وكان بنات فيلبس يعظن ويتنبأن، وكان عملهم مع غير المؤمنين خارجاً عن الكنيسة فهم غير الرعاة الذين عملهم مع المؤمنين.
رعاة ومعلمين: هؤلاء عملهم داخل الكنائس المحلية، أما الرُسُل فعملهم زرع كنائس جديدة. والمبشرون عملهم مع غير المؤمنين. ولكن ليس على مستوى الرسل.
آية 12: لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح.
بعد أن تؤسس كنيسة يقيموا لها رعاة ومعلمين. فالمؤمنين يحتاجون باستمرار إلى عملية إصلاح وتصحيح وتكميل (1تس10:3+عب13: 21،20). ولكل خادم موهبته المختلفة عن الآخر، ولكن الكل يتكامل معاً: لعمل الخدمة: الكل يقوم بواجبه وخدمته لبنيان جسد المسيح فى وحدة.
آية 13: إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح.
ننتهى: هذا هو هدفنا النهائى، أى كمال الوصول للهدف الذى نسعى إليه وحدانية الإيمان: الكل يتمسك بالإيمان المسلم مرة للقديسين آيه3. والكل يكونون فى اتفاق فكرى وذهنى وروحى. وهذا يكون لو خضع الكل للروح القدس بلا كبرياء وإعجاب بالذات أو التشبث بالخطأ. ونلاحظ أن من له إيمان صحيح سيعرف المسيح بطريقة صحيحة وليست مشوشة. لذلك يضيف قائلاً ومعرفة إبن الله فى الأصل المعرفة الكاملة لابن الله. فوحدانية الإيمان تعطى للكنيسة معرفة حقيقية بإبن الله وشركة معه. وحدانية الإيمان تخدم البلوغ إلى كمال معرفة ابن الله، التى هى الشركة مع المسيح. أماّ الإيمان الخاطئ فيعطى صورة مشوشة عن المسيح. إلى إنسان كامل: إنسان جاءت بالمفرد، لأن المقصود هو الكنيسة ككل، جسد المسيح، فوحدانية الإيمان هى التى تصنع وحدانية للإنسان. فالإنسان فى المسيح الآن لا يُعرف خارج الكنيسة. فالكنيسة هى وحدها الجسد أو الإنسان الجديد الكائن فى المسيح. الإنسان الجديد يُعرف أنه إنسان جديد كعضو فى الكنيسة جسد المسيح. هل نتصور عضو من جسد إنسان يكتب له حياة منفصلاً عن الجسد الأصلى.
إلى قياس قامة ملء المسيح: راجع المقدمة. وتعبير قامة ملء المسيح يُقال عن الكنيسة كلها التى تملأ جسد المسيح ولا يقال على فرد فى الكنيسة مهما كان فقامة ملء المسيح المقصود بها اكتمال كيان الكنيسة، بتكامل أعضائها لتكوين جسد المسيح. قامة المسيح فى ملئه أو قامة المسيح الكامل هى المسيح كرأس... والكنيسة كجسد لهذا الرأس. ولكن حتى يتم هذا فعلى كل فرد أن يكون المسيح يملك عليه بالكامل، أن يموت ويحيا المسيح فيه (غل 20:2). فيكون له فكر المسيح، وتكون أعضاؤه كلها مقدسة للمسيح، والمسيح يحكم عليه فى كل حركة. يكون حجراً حياً فى بناء هيكل جسد المسيح، وبتكامل كل الحجارة الحية يكمل جسد المسيح، وتصل الكنيسة إلى قياس قامة ملء المسيح. وكما أن المسيح مملوء بالله جسدياً (كو9:2). فالكنيسة جسده تكون مملوءة بالله (كو10:2) + (أف22:2).
آية 14: كي لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال.
أطفالاً: غير ثابتين وغير مستقرين فى الرأى والتعليم والإيمان، صغار فى الوعى والبصيرة الروحية. فالصغار فى الروح يسهل على الشيطان أن يخدعهم. وبالمقارنة مع ما سبق، فإنه إماّ أن نثبت فى جسد المسيح بإيمان واحد ومحبة واحدة وروح واحد لبنيان جسد المسيح، وإماّ ننخدع وننجذب للأفكار والتعاليم الغريبة عن الكنيسة. الطريق الوحيد حتى لا نكون أطفالاً محمولين بكل ريح تعليم: هو أن نثبت فى الكنيسة ذات الإيمان الصحيح.
آية 15: بل صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح.
صادقين فى المحبة: speaking truth in love أى نقول الحق فى محبة. فالحق لا يتعارض مع المحبة (ولقد سبق وقال متأصلون ومتأسسون فى المحبة 18:3). أى أن المقصود أن نكلم المخطئ بمحبة، نعلن الخطأ بالحق، ونتكلم دون غش ولكن بدون عنف وصياح وكراهية.
ننمو فى كل شئ: فى القامة والحكمة والمعرفة والنعمة والإيمان والمحبة... فكلما كان المؤمن ناضجاً. كان أفضل فى تأدية العمل الذى خلقه الله لأجله. وكل عضو فى الجسد يجب أن ينمو نمواً طبيعياً ليصبح شكل الجسد مقبول. وهكذا نحن يجب أن ننمو حتى يظهر المسيح فينا، فى كنيسته. وكيف ينمو كل عضو؟ يكمل الرسول إلى ذاك الذى هو الرأس المسيح = وجاءت الترجمة فى الإنجليزية INTO HIM أى فيه بدلاً من إلى ذاك. وربما كانت هذه هى الترجمة الأدق، فلا نمو لأى عضو فى جسد، إذا لم يكن ثابتاً فى الجسد. لذلك يقول السيد المسيح " اثبتوا فىَّ وأنا فيكم". أما من إنفصل عن المسيح (بالخطية) فلن ينمو. ومن ينمو يليق به أن يشهد للمسيح.
آية 16: الذي منه كل الجسد مركبًا معًا ومقترنا بمؤازرة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة.
ربما إن الترجمة الإنجليزية THE JERUSALEM BIBLE هى أوضح ترجمة لهذه الآية:
BY WHOM THE WHOLE BODY IS FITTED AND JOINED TOGETHER، EVERY JOINT ADDING ITS OWN STRENGTH، FOR EACH SEPARATE PART TO WORK ACCORDINC TO ITS FUNCTION.
وبمساعدة هذه الترجمة فلنحاول فهم الآية فى العربية. الذى منه: أى الذى من المسيح (فهذه عائدة على الآية السابقة) كل الجسد مركباً معاً ومقترناً: فالمسيح هو الرأس الذى يتحكم فى كل عضو (كما يحدث فى الجسد عن طريق الأعصاب مع العضلات).
بمؤازرة كل مفصل: المفاصل هى أدوات الربط بين الأعضاء. وإذا فهمنا أن الجسد يبنى فى محبة تجمع بين أعضائه = لبنيانه فى المحبة فيكون الروح القدس هو الذى يجمع الأعضاء فى محبة. بل هو قوة للأعضاء = بمؤازرة. الرسول هنا تصور الجسم عبارة عن أعضاء متصلة ببعضها البعض بمفاصل. وكل مفصل يعطى قوة للعضو بحسب احتياج العضو، فالعضو الكبير غير الصغير. وقوله مؤازرة تعنى أنه لو كان المفصل سليم فنستطيع أن نحرك العضو بطريقة طبيعية، أى أن المفصل يؤازر الذراع مثلاً. ومفصل الذراع يعطى مؤازرة وقوة للذراع أكثر من مفصل الإصبع. لذلك نفهم أن المفصل هو قوة وعمل الروح القدس فى الكنيسة الذى:
1. يربط المؤمنين فى محبة.
2. يعطى للخدام (الأعضاء) مواهب الروح.
3. يعطى كل عضو القوة التى يحتاجها بحسب عمله واحتياجه = حسب عمل على قياس كل جزء. إذاً العضو الصغير يأخذ موهبة صغيرة، فلو أعطى أكثر ينتفخ هذ العضو ويتكبر فيضيع ويهلك.
والأعضاء تأخذ قوة من الروح القدس لتنمو = يحصل نمو الجسد: هدف المواهب التى يعطيها الروح هدفها نمو الجسد = لبنيانه فى المحبة فلا نمو ولا مواهب ولا بنيان بدون محبة.
المسيح كرأس متصل بكل الأعضاء كما تتصل الرأس بالأعضاء فى وحدة غير منفصلة والأعضاء معاً فى الجسم الواحد تأخذ علاقتها ببعضها من الرأس. فالرأس تحدد عمل كل عضو بالنسبة للعضو الآخر ولبقية الأعضاء (فالرأس تعطى إشارة لليد لتتحرك لتمنع شيئاً سيصيب العين مثلاً). والجسد مربوط بمفاصل ورُبُطْ. هكذا نفهم الضرر من خصام عضو مع عضو، فهذا قد يحث شللاً للجسم فتصور أن العين رأت ناراً مشتعلة ولم تخبر اليد الممتدة إليها فسيحترق الجسم كله). والكنيسة تنمو بعمل المسيح فيها وعمل الروح القدس فيها. مقترناً: اقتران العضو بالعضو بدقة وحكمة ليحدث انسجام فى العمل. ومن (كو2:2) نرى أن هذا الاقتران يتم فى المحبة التى ترفع الخلاف بين الأشخاص فى التعليم (الثقافة) والعادات والطباع، فهذه الخلافات تؤدى للخلاف بين الأعضاء، ولكن فى وجود المحبة ترفع عوائق الاقتران بأن تجعل العضو ينسى ما هو لنفسه ويطلب ما فيه منفعة الآخرين.
آية 17: فأقول هذا وأشهد في الرب أن لا تسلكوا في ما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضًا ببطل ذهنهم.
أشهد فى الرب: بولس لا يجد نفسه سوى فى المسيح، مرتبطا به، متحداً به، ثابتاً فيه، والمسيح يعطيه قوة تؤازرة، بل يعطيه حياته. والمعنى طالما أنا فى المسيح فكلامى بالحق وبالإخلاص. ومعنى كلام الرسول قبل أن يقفوا أمام محكمة ضمائرهم ليقيسوا أنفسهم بحسب ما يقوله الرسول قبل أن يقفوا أمام القاضى السماوى.
كما يسلك سائر الأمم: هم كانوا من الأمم وآمنوا وتابوا عن وثنيتهم.
بُطل الذهن: انشغال الذهن وارتباكه فى الأمور الباطلة الزمنية الزائلة عوضاً عن الانشغال بالسماويات. والعبارة فيها إشارة لتفاهة وانحلال الوثنية. فأوثان الأمم هى لا شىء ومن يسير وراءها يصير مثلها لا شئ وباطل.
تدريب: لا تترك عقلك بطال وإلاّ يشغله الشيطان فى النجاسة. بل ردد مزمور أو صلاة يسوع أو آية. وهذا ما يطلبه الرسول فى (كو1:3). إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق... أى انشغلوا بالسماويات.
آية 18: إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم.
مظلمو الفكر: تأتى فى مقابل "مستنيرة عيون أذهانكم 18:1" والظلمة هى ظلمة الخطية، فهبة العقل والفكر هى هبة إلهية اخْتُصَّ بها الإنسان المخلوق على صورة الله وبها يسبح الله إذ يُدرك أعماله. وكل ما يأتى من الله ينير الفكر والقلب الذى هو مركز الشعور والإحساس والمعبرَّ عن الشخصية. وبالتالى فكل بًعد عن الله يطمس معالم العقل. وبالتالى كلما تزداد الخطية يظلم الفكر ويعجز عن الاقتراب إلى الله فيتجنب الله ويرتاح فى الظلام (يو19:3+40:12).
فى (رو1: 19-21) نرى أن الله وضع للإنسان عقلاً يستطيع به أن يدرك الله من خليقته فالعقل جزء منير فى الإنسان يصل به لقرارات صحيحة. ولكن الخطية تبعد الاستنارة وتأتى بالظلمة. "فلا شركة للنور مع الظلمة، وأى خلطة للبر والإثم وأى اتفاق للمسيح مع بليعال" (2كو6: 15،14). فإذا أصر الإنسان على خطيته لا يثبت فيه المسيح، فتضيع منه الاستنارة، فالمسيح هو النور الذى يضئ لأولاد الله حياتهم وفكرهم. ومن فكره مستنير يدرك الله ويتلامس معه بسهولة. أما الذى فى ظلمة لن يرى طريقة ويسقط لأنه منجذب وراء شهوته فقط. فهناك من هو منجذب لشهواته أو أحقاده فقط، هى التى تحركه وبهذا يفصل نفسه عن المسيح النور الحقيقى، ويصير فى ظلمة، لذلك نسمع من الشواذ جنسياً في الغرب هذه النغمة... ما الضرر فيما نعمله، بل ويطالبون فى الغرب الآن أن تسمح البلاد الشرقية بهذا. وهذا القول منتهى الظلمة:
1. هو ظلمة روحية، فهم لم يدركوا أن الله أحرق سدوم وعمورة بسبب هذه الخطية.
2. ظلمة اجتماعية، فهم لا يدركون انحطاط مركزهم أمام الناس الطبيعيين.
3. لا يدركون أن حتى قوانين وأخلاقيات البلاد الشرقية تمنع ذلك. هم لا يروا كل ذلك فشهوتهم فقط هى التى تحركهم.
والكنيسة تسمى المعمودية سر الاستنارة، ففيها يموت الإنسان العتيق، وبها يحيا المسيح فينا، ويكون نوراًُ لنا، به نرى الحقائق بطريقة صحيحة.
متجنبون عن حياة الله: إذ هم تجنبوا الله، تجنبوا الحياة. يعيشون فى الموت غرباء عن الحياة الروحية (أف5:2) + (أش2:9). وكل من يحيا حياة الله لا يطيق الإثم بل يشعر مع كل خطية أن سحابة ظلمة خيمت على عقله فيسرع بالتوبة والاعتراف.
مثال: الخاطئ الذى يحيد عن الله أى يتجنب الله يموت. هذا مثل أعمى، يكون الماء أمامه، ولكنه لا يراه ويموت من العطش. والخاطئ يبعد عن الله والله هو الحياة، هو حياته، وذلك بسبب ظلمة فكره.
لسبب الجهل.. بسبب غلاظة قلوبهم: الخاطئ فى البداية يلومه قلبه بشدة إذ يبكته الروح القدس على خطيته، بل يفقد النوم والراحة. ولا يرتاح إلاّ إذا تاب واعترف. ولكن إن داس على صوت القلب وقاوم صوت الروح القدس وتغاضى عن صراخه فى الداخل واستمر يخطئ، فإنه يطفئ الروح القدس. فالروح يُضرَمْ فيمن يتجاوب معه وينطفئ فيمن يقاومه. وفى هذه الحالة إذ ينطفىء الروح يتقسى القلب وتخمد ثورته، ومع المزيد من الخطايا يجف جفافاً وهذه هى غلظة القلب. وغليظ القلب يفقد الإحساس والشعور والعواطف ويصير جاهلاً والجهل ناتج عن إطفاء الروح، فالروح هو الذى يعلم كل شىء (يو26:14).
آية 19: الذين إذ هم قد فقدوا الحس أسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع.
من تجنبوا حياة الله وإظلمت أفكارهم وعشعش الجهل فيهم بسبب غلاظة قلبهم، هؤلاء يكونوا قد فقدوا الحس: باليونانية تعدوا الشعور بالألم. والألم يدفع الإنسان للطبيب والدواء، وحيث لا ألم فلا تفكير فى العلاج، وهذا يعنى الموت، فمن لا يشعر بالعطش سيموت ومن لا يشعر بالجوع سيموت، ومن فقد الإحساس بالألم لن يفكر فى علاج، إذاً سيموت. هذا يعنى أن الخطأ موجود لكنه لا يراه. ومن فقد إحساسه بأى تأنيب أو تبكيت يكون معرضاً للسقوط أكثر وأكثر، فهو ما عاد يهتم بما يسئ إلى سمعته أو شرفه أو حياته، بل تسوقه شهوته للزنا بل يطمع فى امرأة غيره (إر8:5) = كل نجاسة فى الطمع هكذا كل من عاش نجساً. الدعارة = كل ممارسة جنسية خاطئة.
آية 20: وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا.
لم تتعلموا المسيح: لم يقل تتعلموا من المسيح، فالمسيح يعلمنا ذاته حياً فيناً.
فكر بولس الرسول أن المسيح فينا (غل20:2) فنحن لا نتعلم من مصدر خارجى. لكن حتى نسمع من المسيح ونتعلمه هناك شرط الثبات فيه. تتعلموا المسيح: تكون لكم حياة المسيح وتصرفات وفضائل المسيح، ببساطة أن نلبس المسيح (رو14:13).
آية 21: إن كنتم قد سمعتموه وعُلمتم فيه كما هو حق في يسوع.
إن كنتم قد سمعتموه: إن لا تفيد الشك فبولس نفسه هو الذى كرز لهم وعلمهم وقدَّم لهم المسيح، لكنها تفيد التأكيد. ومن عرف المسيح فهو يستطيع أن يميز الحق من الباطل. وهم تعلموا الحق إذ هم فى المسيح. ولكن مع الإصرار على الخطية ينطفئ الروح ويقل الثبات فى المسيح، فلا نعود نسمع ولا نعرف المسيح.
كما هو حق فى يسوع: لأن الحق هو فى يسوع AS THE TRUTH IS IN JESUS.
آية 22: أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور.
هذا هو جواب إن كنتم قد سمعتموه آية21. فطالما سمعتم تحتم عليكم أن تخلعوا الإنسان العتيق الفاسد: أى حتى تثبتوا فى المسيح عليكم أن تمتنعوا عن كل تصرفاتكم القديمة، أى أن تموتوا عن خطاياكم (رو11:6)، أى أن تميتوا أعضاءكم التى على الأرض (كو5:3) أى أن تقفوا أمام شهواتكم الخاطئة التى هى الإنسان العتيق الفاسد كأموات، والروح يعين من يفعل ذلك (رو13:8).وهذا هو الجهاد السلبى. وأن تجاهدوا جهاداً إيجابياً، أى بالصلوات والأصوام ودرس الكتاب والتسابيح والخدمة.. وبجهاد ويقظة نخلع الإنسان العتيق أى يموت فينا ونلبس الجديد (2كو16:4) الذى على شكل المسيح (رو14:13) والبداية تحتاج نية صادقة وتصميم وإيمان حي، وبعد ذلك جهاد طويل.
شهوات الغرور: الغرور أصلها المخادعة، فالشهوات المخادعة لها علاقة بالإنسان العتيق، وهى تأتى فى شكل مخادع، مُصَوَّرَةْ للإنسان أن فيها سعادة ولذة، فإذا ما سقط فيها يشعر بالغم والضيق وبأنه خُدِعَ. ومن يستسلم لهذه الشهوات يستعبده الشيطان ويذله.. هنا على الأرض يكون الإنسان فى هم وقلق وغم. وفى لحظة الموت يقبض عليه الشيطان.. ويأخذه للجحيم. وقارن بين موسى وسنة 120 سنة ونضارته لم تفارقه وداود وعمره سبعون عاماً وغير قادر على الحركة ويأتوا له بحاضنه (تث7:34 +امل1:1،2).
آية 23: وتتجددوا بروح ذهنكم.
تتجددوا بروح ذهنكم: قارن مع (رو2:12) ومع (أف18:1) "مستنيرة عيون أذهانكم". فالله خلق ذهن الإنسان ذهناً نقياً مستنيراً يدرك به الحقائق الإلهية ويدرك به إرادة الله. ولكن الخطية والعصيان والتعدى جعلته عتيق ولبسته ظلمة الخطية فصار أحمقاً غبياً، لا يدرك الحقائق حتى البسيط منها. والرسول يطلب أن نستعيد الذهن المستنير، ويصير الذهن العتيق، ذهناً جديدًا: تتجددوا وهذا ما أراده الله منذ البدء أن يكون لنا الذهن المستنير.. وكيف يكون هذا؟
بروح ذهنكم: هذا التجديد يحدث بالروح القدس وتوجيهه، وبحسب العمق الروحى الذى استنار بالتعاليم الروحية الصحيحة من قبل الروح القدس، أماّ حينما ينحاز الإنسان لشهوات جسده يظلم ذهنه. وحينما ينفتح الذهن بالروح القدس يفهم كلمة الله وأمور الله. فالذهن المظلم إذا بدأ صاحبه حياة روحية أى بدأ يصلى ويقرأ فى الكتاب المقدس ويحيا فى الكنيسة، سيبدأ صراع بين الحياة القديمة والاشتياق إليها، وبين الحياة الجديدة. لكن مع الوقت يبدأ الإنسان ينفر من الطريق القديم ويرتاح للطريق الجديد. والطريق القديم قد لا يكون فيه خطية واضحة، كمن يريد أن يحيا فى أحد الأندية العالمية تاركاً كنيسته، مفضلاً شلة النادى عن الكنيسة، إلاّ أن هذه تقود للظلمة أيضاً إذ فيها ينفصل الإنسان عن الله. والاستنارة لا تحدث إلا بالعشرة مع الله فى حياة روحية يوجهها الروح.
آية 24: وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق.
كلما تعمقنا فى درس كلمة الله وفى الصلاة وفى الأعمال الصالحة، يتجدد الذهن ونتغير عن شكلنا إلى صورة المسيح (الإنسان الجديد). وهذا يحدث عموماً كلما زاد التصاقنا بالمسيح وسيكمل فى السماء. ولاحظ أن من يلتصق بالمسيح ستكون له صورة المسيح، ومن يعيش فى الأندية ستكون لها صورتها.. وهكذا.
راجع (2كو16:4) + (رو14:13) + (غل19:4) + (1كو15: 45، 47، 49).
ونحن نصل إلى صورة الكمال والقداسة، صورة المسيح هنا على الأرض، فى محبته ووداعته وتواضعه وقداسته ونقاوته، فهو يفيض علينا من طبيعته ليجعلنا سماويين أكثر واكثر وشركاء الطبيعة الإلهية أى شركاء فى هذه الصفات فتكون له صورة مجده فى السماء.
أبونا آدم ورثنا عنه الإنسان العتيق، والمسيح آدم الأخير أخذنا منه الإنسان الجديد. فبالمعمودية نخلع الإنسان العتيق إذ نموت مع المسيح ونلبس الجديد إذ نقوم معهُ. وخلال رحلة حياتنا علينا أن نجاهد ليموت هذا الإنسان العتيق أو الأصح ليظل ميتاً، أما إذا أيقظناه بأعمال الخطية وتجاوبنا مع الشهوات الخاطئة واستهنا بدم المسيح نطفئ الروح، ونحزنه، فيكف عن المؤازرة والنصيحة فتخدعنا الحية بمكرها ونفقد الخلاص. وليس فقط علينا أن نميت الإنسان العتيق بل نمارس أعمال بر ونجاهد لنحيا فى قداسة. البر: هو فى تعاملنا مع الناس فى بر وعدل، هو ما فقدناه بسقوط أبونا آدم. القداسة هى ما نحتاجها لنحيا مع الله.
آية 25: لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لأننا بعضنا أعضاء البعض.
لذلك: كيف نعيش فى قداسة الحق وفى البر كما قال فى آية 24؟
اطرحوا: اخلعوا القشرة الخارجية من الكذب لأنه لا يليق بالحق الذى تعيشون فيه، والحق هو المسيح، والمسيح هو حياتنا. لذلك فلنترك الغش والكذب فهذا تعدَّ على الحق، والحق هو المسيح (رؤ15:22+7:21). والشيطان هو الكذاب وأبو الكذاب أى والد الكذب فى قلوب الناس، وهو الذى يوحى به، لذلك علينا أن لا نستهين بخطية الكذب. أماّ المسيح فهو الحق ويوحى به (يو12:8). فمن يكذب كأنه يعترف أنه ليس أهلاً للمسيح ولا للحياة معه ولا يستحق الحياة الأبدية.
تكلموا كل واحد بالصدق مع قريبه = مأخوذة من (زك 8: 16، 17). إذاً لابد أن تكون كلمة المسيحى هى الحق بعينه. لأن بعضنا أعضاء بعض: أننا نكون جسداً واحداً للمسيح. ولكى يبنى الجسد يجب أن يبنى على الحق. فلو غشت العين الِرجْلْ يسقط الإنسان فى حفرة وينكسر، وتمتد اليد لجمرة النار وتمسكها فتحترق.
آية 26: اغضبوا ولا تخطئوا لا تغرب الشمس على غيظكم.
اغضبوا ولا تخطئوا: (مز5:4 سبعينية). قد يغضب الإنسان على ابن عاق أو إهانة أو حق مسلوب أو لإنسان مظلوم. ولكن من يغضب عليه أن لا يخطئ أى يشتم أو يعلن أو يفكر فى الانتقام أو تتولد مشاعر الكراهية والعداوة فى قلبه. وحتى لا يحدث هذا يقول= لا تغرب الشمس على غيظكم: لكن هناك من يرفض أن يسامح العمر كله من أخطأ فى حقه. وهناك غضب مقدس كالذى يصدر بسبب الغيرة على مجد الله والكنيسة. ومن المسئول عن الحفاظ على حق أو من الرؤساء ضد الإهمال.
آية 27: ولا تعطوا إبليس مكانا.
إذا تحول الغضب إلى ثورة وحقد وعداوة نعطى لإبليس مكاناً. فسلاحه العداء. والقلب المملوء غيظاً وحقداً يصبح صيداً سهلاً للشياطين.
آية 28: لا يسرق السارق في ما بعد بل بالحري يتعب عاملاً الصالح بيديه ليكون له أن يعطي من له احتياج.
(1كو10:6،11) السارقون لا يرثون الملكوت.
آية 29: لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحا للبنيان حسب الحاجة كي يعطي نعمة للسامعين.
عوضاً عن أن نتكلم كلاماً ردياً يعثر الآخرين فلنتكلم كلاماً بناءً للبناء، لنتحدث بما يمجد الله. فالشفاه التى تنطق بإسم الرب قبيح بها أن تتكلم بالباطل (راجع يع1:3-12). ونحن سندان على كلماتنا كما على أفعالنا. عموماً فالفكر غير المنشغل بالله، يستلمه الشيطان فيخرج كلاماً رديئاً.
آية 30: ولا تـُحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء.
سبق فى آية 29 أن حدثنا الرسول عن الكلام الردىء، وهنا يتكلم عن إحزان الروح القدس. إذاً هناك علاقة بينهما. فالروح القدس يوحى بالكلام الحسن والتسبيح، فإن فعلنا نمتلىء بالروح إذ سيفرح الروح بنا ويملأنا لأننا تجاوبنا معهُ.
أماّ الكلام الردئ فهو لا يحزن الناس فقط بل يحزن الروح القدس فينطفئ فينا. وإن صمت الروح القدس فينا تكلم الشيطان، وفقدنا السلام والفرح. وإن نطقنا بما يوحى به الشيطان من كلام سفه أو إدانة أو كلام بطال يحزن الروح وينطفئ. قارن قول السيد المسيح "الإنسان الصالح من الكنز الصالح فى القلب يخرج الصالحات والإنسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور" (مت35:12) ومن هذا نفهم أن ما فى القلب يقود اللسان.. قارن هذا مع قول معلمنا يعقوب الرسول أن اللسان يقود الجسد كله كدفة تدير سفينة (يع2:3-12). فكيف نوفق بينهما؟
ببساطة العملية هى كدائرة. لو بدأ اللسان بتسبيح الله يمتلئ القلب فرحاً.ومن هذا الكنز يزداد التسبيح وهكذا. وإذا تكلم الإنسان كلام بطال يمتلئ القلب شهوات نجسة، مما يزيد اللسان كلاماً بطالاً، فيمتلئ القلب بالأكثر شهوات نجسة وهكذا.
ولو إنسان أصابه مرض وبدأ يشكو مرضه لكل إنسان يمتلئ القلب تذمراً، وهذا التذمر فى القلب يقود اللسان لمزيد من الشكوى، بل قد يشتكى الله نفسه.
ختمتم: قطعان الماشية تختم كعلامة ملكية. والعبيد يختمون كعلامة ملكية. والله اشترانا بدمه ووضع علينا ختمه علامة ملكية وهى علامة لا تزول، لذلك فلا تكرار لسر الميرون. فيوم اعتمدنا ومسحنا بالميرون ختم الروح القدس على قلوبنا وهذا الختم يجعلنا فى القطيع الملوكى. به أخذنا السمة التى تعطينا أن نكون أولاد الله. المسيح وضع علينا ختم ملكيته، فصرنا مخصصين له بسكنى الروح القدس فينا. يوم الفداء: يوم يكمل فداءنا بحصولنا على الجسد الممجد. فالفداء له مرحلتين. وما حصلنا عليه الآن هو العربون.
آية 31: ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث.
المرارة: هى شعور داخل النفس بالضيق والتذمر وعدم الرضى. وقد يكون هذا الشعور ضد إنسان يكرهه أو ضد الظروف. ومن له هذه الروح هو عسير المصالحة. ولا تناسبه سكنى الروح فيه.
السخط: المرارة هى مشاعر داخلية لا تكون ظاهرة، والسخط هو ظهورها فى حالة هياج فى الطبع وعدم الاحتمال، وقلة الصبر. والإنسان المملوء مرارة يكون متهيئاً للانفعال المشتعل ويؤدى هذا للغضب والصياح والتجديف.
الصياح: هو الشجار بلا سبب مع تعلية الصوت، وهو نوع من الإعلان عن الذات بعد شعور بالنقص.
التجديف: فيه يسلم الإنسان نفسه للشيطان ويتكلم بلسانه.
الخبث: المكر السئ.
آية 32: وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضا في المسيح.
ما هو علاج ما سبق من مرارة وسخط...ألخ؟ نقطتان هامتان.
1. الصراخ لله ليرفع حالة المرارة.
2. ممارسة أعمال إيجابية أى محاولة أن نكون لطفاء مع الناس. نحاول أن نرسم ابتسامه على شفاهنا دائماً حتى لو بالتغصب ونحن نتكلم مع الناس. وهذا لا يسمى رياء، بل فى هذه الحالة يسمى جهاد، فالجهاد هو أن نغصب أنفسنا على عمل ما هو صحيح. ومعاملة الناس بابتسامة شئ صحيح.
بعد أن تحدث الرسول عن سلوك المؤمن وسط اخوته يتحدث هنا عن سلوكه وسط المجتمع الفاسد الذى يحاول أن يغويه بخطاياه. ويقول للمؤمن.. لقد صرت مختاراً ونوراً تكشف الظلام، فلا تنجذب للظلام ثانية، هو يذكر الكنيسة بمقامها الجديد ولكنه لم يدعو لاعتزال المجتمع بل رفض الشر.
آية1: فكونوا متمثلين بالله كأولاد أحباء.
هذه الآية تتمة للآية الأخيرة فى الإصحاح السابق. أى هى دعوة أن نكون متسامحين شفوقين فى محبة = كونوا متمثلين بالله: والله محبة. فلنسامح بعضنا كما يسامحنا اله (مت33:18-35). فعلينا كأولاد أحباء أن نتمثل بأبينا فى محبته وتسامحه. وهذا ما عَلَّمَ به المسيح فى نهاية الصلاة الربانية (مت12:6).
آية 2: واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضا وأسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة.
وصية بولس أن نسلك فى المحبة فى كل قول وتصرف. وهو يقول فى المحبة ولم يقل بالمحبة. وهذا يعنى أن تكون المحبة هى الإطار الذى نسلك فيه، وخارجه يمتنع التصرف. وأسلم نفسه لأجلنا: علامة محبته قرباناً وذبيحة وهذا تفسير أسلم نفسه. رائحة طيبة: أى قبلKا بسرور. وكما مات المسيح ليغفر خطايانا علينا أن نغفر لبعضنا. ومن يغصب نفسه على التسامح ويغفر لمن اخطأ إليه يصير كذبيحة لها رائحة طيبة أمام الله. فنحن نشارك المسيح كهنوته بتقديم حياتنا ذبيحة حب عن الآخرين كما صنع هو. فلنتمثل بمحبة المسيح.
آية 3: وأما الزنا وكل نجاسة أو طمع فلا يسم بينكم كما يليق بقديسين.
الزنا وكل نجاسة: يشير لكل التصرفات الجنسية اللا أخلاقية وكانت تمارس عند الوثنيين فى الهياكل (وهذا ينطبق على الصور الفاضحة فى الإنترنت والدِش).
أو طمع: (كو19:4) كان الطمع يشير للزنا مع زوجات الغير. وراجع أيضاً (1تس3:4-7). ولكن الطمع هنا هو عدم الشبع والاكتفاء بالأمور المادية. (وهذا لهُ علاقة بالزنا، فكلاهما يطلق لنفسه العنان إماّ بشهوة محبة المال أو للشهوه الجنسية ولا يعود فى القلب مكاناً لله) والرسول أطلق على الطمع فى آية 5 عبادة أوثان، فالفضة والذهب صارا آلهة لبعض الناس، (أف5:5) + (كو5:3). وهو عبادة أوثان لأن الطماع صار يعتمد على أمواله فى تأمين مستقبله، إذ هو خائف من المستقبل لكن الله هو الذى يضمن المستقبل، وإلا صار المال إلهاً لهذا الإنسان يضمن له المستقبل. وهناك من قال عن الطمع زنا روحى فهو يفصل بين المؤمن والفضيلة.
لا يُسم: أى لا تتحادثوا فيه ولا تقولوا كلمات خارجة بأفواهكم، فهذا مما يثير الشهوات لدى المتكلم والسامع. كما يليق بقديسين: قديسين أى مخصصين لله، ومن تخصص لله لا يليق به مثل هذه التصرفات.
آية 4: ولا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل التي لا تليق بل بالحري الشكر.
القباحة: السلوك المشين سواء بالأفعال أو بالأقوال. وكما اتخذ الصياح قبل ذلك علامة على الغضب. نرى هنا كلام القباحة علامة على الشهوة. واللسان القبيح يقود الجسد لإثارة الشهوة والزنا. السفاهة: الكلام الفارغ الذى لا يهدف لشئ. أو الخارج عن حدود اللياقة والتعقل بلا إحساس بالعيب.
الهزل: كلام منحل يثير الضحك والرسول لا يتصد الضحك البرئ.
الشكر: كلام النعمة المفيد وخصوصاً المديح والتسبيح لله.
آية 5: فإنكم تعلمون هذا أن كل زان أو نجس أو طماع الذي هو عابد للأوثان ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله.
فإنكم تعلمون: هم يعرفون من كرازته سابقاً ما يقوله هنا ولكن قطعاً فالتوبة مقبولة وتهيئ الإنسان للملكوت. عبادة أوثان: راجع آية 3.
ملكوت المسيح والله: فى النص اليونانى كلمة الله أتت بدون أداة تعريف. إذاً كلمة الله ليست معطوفة على كلمة المسيح. إذاً نحن لسنا أمام ملكوت لله وملكوت آخر للمسيح، بل هو ملكوت الله الواحد، هو ملكوت المسيح الذى هو الله. هذا إشارة لأن المسيح ليس مجرد إنسان بل لأنه هو الله، فبعمله الفدائى أهلنا لملكوته.
آية 6: لا يغركم أحد بكلام باطل لأنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية.
لا يغركم: فى أصلها لا يغشكم، أى لا يصور لكم أحد أن وراء الخطية سعادة فهذا خداع لأن وراء الخطية غضب الله، وإذا غضب الله ينزع الفرح والسلام.
كلام باطل: هناك من يتكلم كلاماً غاشاً يستخف فيه بخطية الزنا والنجاسة ويدعو الآخرين لها على أنها ليست شريرة، بل فيها متعة وتسبب سعادة. وهذه هى النظرة الوثنية لهذه الأمور، والوثنيون يحاولون خداع أهل أفسس بكلامهم. وهذا الخداع مستمر للآن، فالشيطان يستخدم بعض الناس ليوقع أولاده الله بنفس المنطق.
آية 7: فلا تكونوا شركاءهم.
فلنشترك نحن فى أعمال البر والقداسة، ولنشترك مع الملائكة والسمائيين فى التسبيح. ولننفصل عن شركة البطالين الذين بمنظرهم الضاحك قد يخدعون البسطاء.
ولنعلم أن فى وقت بولس الرسول كان هناك بعض الفلافسة والهراطقة يدعون للزنا على أنه شئ عادى وضرورى، ومازال للآن من يغويهم الشيطان على مثل هذه الأقوال الغاشة والدعوة للزنا ويخدعون بها البسطاء.
آية 8: لأنكم كنتم قبلا ظلمة وأما الآن فنور في الرب اسلكوا كأولاد نور.
كنتم قبلاً ظلمة: كانوا تجسيداً للظلمة، كان الظلام فيهم ويسلكون فيه بل كانوا مصدراً للإظلام، هذا يعنى إنسان يسير فى الخطية ويدعو الآخرين للخطية فيحول النور الذى فيهم لظلمة. أما الآن فنور فى الرب: صرتم تجسيداً للنور، النور الذى يظهر فيهم هو نور المسيح الذى فيهم. نور الحياة فى المسيح (لاتحادهم بالمسيح) فى الفكر والقلب والضمير، فى محبتهم وإيمانهم ورجائهم، فى تسبيحهم وسلامهم وفرحهم، فى صلواتهم وشكرهم المستمر، صاروا خليقة جدية تحيا فى السماء. أولاد نور: لقد ولدوا من الله ولادة جديدة، والله نور، فهم أولاد نور. ومن يسلك كأولاد نور أى يطيع وصايا الله، فلا يهرب من الله ويختبئ كما فعل آدم، فمن يسلك فى النور لا يخجل، أماّ من يسلك فى الخطية فهو فى ظلمة. كل من لا يستطيع إعلان ما يعمله فهو فى الظلمة يسلك وليس فى النور.
آية 9: لأن ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق.
ثمر الروح هو محبة فرح سلام... (غل 22:5،23). وهذا ينتج فينا إن كنا نسلك كأولاد نور (انظر آية8). ومن يفعل يشرق النور فى قلبه فُيظهر له ما هو الحق فيتبعه وما هو باطل فيتركه. ثمر الروح يظهر فى أولاد النور أية 8 أى أولاد المعمودية، فالروح يعطى استنارة. لكن على المؤمن أن يغصب نفسه ليسلك بحسب وصايا المسيح. وبعد ذلك يشرق النور فى داخله، فيسلك بالنور الذى فى داخله. ثمر الروح يظهر فى من يعمل صلاح وبر وحق. صلاح: هو سلوك نحو الآخرين. البر: أى يسلك بالعدل ولا يظلم أحد وبلا طمع فى الناس وبسلوك مستقيم. والحق: البعد عن الكذب والخداع والضلال. عموماً المولود من النور يظَهَرْ للناس حبه للخير والحق وبعده عن أى ضلال.
آية 10: مختبرين ما هو مرضي عند الرب.
الأخلاقيات المسيحية ليست وصايا بل هى بحث عن إرضاء الله، وهو إله محب يتوق لأن تكون لأبنائه نفس سجاياه الرفيعة حتى يسروا قلبه. وما الذى سوف يختبره من يرضى الله = مختبرين: كل من يرضى الله سيشعر بالراحة، فحين يفرح الله يملأ قلب من أرضاه فرحاً وسلاماً ورضى، والله يريد المحبة والوادعة والتسامح.. أماّ من يسلك سلوكاً خاطئاً فسيفقد سلامه فوراً، بذلك يكون الحزن والغم وفقدان السلام علامة على عدم رضا الله.
آيات 11 ـ 14: ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها. لأن الأمور الحادثة منهم سراً ذكرها أيضاً قبيح. ولكن الكل إذا توبخ يظهر بالنور لأن كل ما أظهر فهو نور. لذلك يقول استيقظ أيها النائم و قم من الأموات فيضيء لك المسيح.
أعمال الظلمة: لها مظاهر كاذبة تَعِدْ باللذة ولكنها أم التعب. تُغرى بالسعادة وهى تخبئ التعاسة تحت نقابها فهى مخادعة وغير مثمرة.
وبخوها: هذه لابد أن تفهم بطريقة صحيحة. فلن يكون عمل المسيحى أن يعمل واعظاً فى المجتمع وكل عمل خاطئ يقف ويبكته ويوبخ عليه. وكلمة وبخوها يظهر معناها من الإنجليزية EXPOSE THEM أى أظهروها ويكون ذلك بأن نلقى عليها، أو نعرضها للنور، وذلك بأن نسلك فى النور، فالضلال ينكشف عن طريق إظهار الحق. السلوك فى النور يفضح من يسلك فى الخطأ دون أن نتكلم كلمة واحدة. أماّ داخل الكنيسة فعلى المسئولين والخدام علاج الأخطاء التى يرونها فى أولادهم، وأن يظهروا لهم الآلام التى تنشأ من ورائها. وقطعاً فالمفروض أن يكون فى الواعظ نور المسيح لكى يكون كلامه مؤثراً.
ذكرها أيضاً قبيح: الأعمال القبيحة التى تمارس سراً. ذكرها شئ قبيح. فلا يصح حتى مجرد ذكرها أمام الجميع، فهى أشياء يخجل الناس من الكلام فيها. لذلك فالتوبيخ يجب أن يكون سراً. أماّ لو كان الخطأ مُعلًنْ، فاللوم من المسئول يجب أن يكون علناً. ويدينه علناً. كما حدث من بولس تجاه خاطئ كورنثوس (1كو5) ليرتدع الجميع.
ولكن الكل إذا توبخ يظهر بالنور: الكل أى كل خاطئ يجب أن توضح خطاياه وتفضح سواء علناً (إن كانت خطية علنية) أو سراً (إن كانت خطية سراً). والخطية تفضح بالنور، إما بسلوكنا (وسط المجتمع) أو بتوبيخ أولادنا وتعليمهم (داخل الكنيسة).
لأن كل ما أظهر فهو نور: هذه تتضح معناها من الترجمات الإنجليزية وتعنى أنه لو توبخت أعمال الظلمة التى فى إنسان ربما يخجل من نفسه ويتوب فيتحول إلى نور.
أستيقظ أيها النائم: هذا قول مقتبس من (إش2:9+19:26+1:60). لذلك يقول: أى بفم الأنبياء الموحى لهم بالروح القدس. وقطعاً فالآية كما أوردها بولس الرسول هنا لم تَرِدْ بنصها فى العهد القديم. ولكن بولس لا يهتم باللفظ ولكن بالمعنى، فالمعنى موجود فى أيات إشعياء. ويقصد بهذا أن نور المسيح الموعود به فى (إش2:9) قد أتى... فعليك أيها الخاطئ أن تستيقظ فتشعر بنور المسيح القادر أن يكشف لك عن الظلمات التى أنت فيها، والتى جعلتك ميتاً روحياً = قم من الأموات. والخاطئ يشبة النائم:
1. فكلاهما فى ظلمة.
2. وكلاهما بلا عمل مثمر.
3. الخاطئ يحيا فى لذة الخطية التى هى كأضغاث أحلام ليس لها قيام.
4. وكلاهما لا يشعر بما حوله حتى ولو كان هناك خطر، والخطر بالنسبة للخاطئ هو غضب الله، ولكنه مستمر فى خطيته (نومه) غير مصدق أن هناك خطر آت. وقيل أن الآية 14 هى ترنيمة تقال وقت المعمودية.
آية 15: فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء.
المسيح هو النور وهو أقنوم الحكمة، وإتباع وصاياه هو منتهى الحكمة، لأن من يتبع وصاياه سيحيا فى سلام على الأرض وتكون له حياة أبدية. والله يعطى لأولاده أن يكونوا حكماء. أماّ الجهل فهو مجموع الأوصاف الشريرة والأعمال الشريرة والفاسدة. والمدقق لا يسمح بدخول الخطايا الصغيرة (الثعالب الصغيرة نش15:2) فمن يسمح لنفسه بالخطايا الصغيرة، فهو مع الوقت سيسمح لنفسه بالخطايا الكبيرة.
آية 16: مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة.
مفتدين الوقت: الأب لو خُطِفَ ابنه المحبوب يكون على استعداد أن يدفع أية فدية ليحرر ابنه ويسترده، فابنه غالٍ جداً فى نظره. والرسول باستخدام هذا التعبير يُعلن أن الوقت غالٍ جداً. وأن حياتنا الزمنية هى ثروتنا الحقيقية. فعلامة التعقل هو افتداء الوقت. فأهمية حياتنا الحالية هى فى كونها علة حياتنا الأبدية أو هلاكنا الأبدى. فانظر لأهمية الوقت وكيف تستثمره فمن يسلك فى النور، ويحيا حياة سماوية الآن سيكمل ما بدأه على الأرض فى السماء ويكون نصيبه فى النور فى السماء. أما من يسلك فى الباطل والمسليات الفارغة، أو فى خطايا وظلمة هذا العالم سيكون مكانه فى الظلمة الخارجية ويضيع إكليله السماوى. وما هو الثمن المطلوب لنفتدى الوقت؟ الموضوع يحتاج تدريب لزيادة الأوقات التى نقضيها مع الله، وسهر الليالى فى الصلاة والتسبيح ودراسة الكتاب المقدس، وبخدمة باذلة لله ولأولاد الله ومن يفعل سيبدأ حياته الأبدية من الآن وسيشعر بأنه يحيا فى السماويات وسيكون له كنزاً سماوياً من الآن، هو بهذا سيكون يعمل لحساب أبديته، هو بهذا سيكون يتذوق عربون الأبدية.
الأيام شريرة: بولس الرسول هنا كأب يحذر أولاده لمحبته لهم وكأنه يقول لهم يا أولادى باقى أيام قليلة وينتهى العالم بالإضافة لأن هذا العالم مملوء شراً = الأيام شريرة: لأنها تخدع الإنسان فينجذب للزمنيات كمن هو لن يموت أبداً، ثم تطلب نفسه فجأة. لذلك إن لم ننتهز فرصة الوقت يضيع لحساب العالم الشرير فلنستثمره ليصير وقتاً للسماويات، ولنبدأ حياتنا الأبدية من الآن.
آية 17: من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب.
من أجل ذلك: من أجل أن الوقت ثمين جداً وقصير للغاية، ولأجل أن الأيام شريرة، والعالم يريد أن يبتلعنا فنهلك. لا تضيعوا الوقت فى الفراغ والكسل، بل عليكم أن تدركوا مشيئة الله وتستغلوا كل فرصة لتعرفوا إرادته وبذلك تكونوا حكماء فى تصرفاتكم. أغبياء: من ينجذبوا لملذات العالم الشرير الخاطئ.
آية 18: ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح.
الخمر هى إحدى خداعات العدو لينسى الإنسان ما يضايقه ويحصل على ساعات فرح، لكنه فرح ظاهرى غاش ليس من ورائه سوى تخريب الحياة وغياب العقل والمقارنة بين الروح والخمر :
1. يتصور المرء أن فى الخمر فرح ونسيان لهمومه وهذا خداع فالفرح الحقيقى هو ثمر للروح القدس.
2. فى كليهما (الروح القدس والخمر) يخضع الإنسان تحت تأثير قوة تسيطر عليه وعلى إرادته وسلوكه.
3. السكران يصدر كلمات مجنونة، أماّ الممتلىء بالروح فهو يسبح.
بل امتلئوا بالروح: الروح هو الذى يعطى الفرح الحقيقى. والروح القدس موجود وحاضر بفعل العماد والميرون. ولكن علينا أن نجاهد لنمتلئ أو نهيئ له الحرية للعمل بلا عائق حتى الملء، علينا أن نضرم الموهبة التى حصلنا عليها بالجهاد والتوبة والصلاة. والامتلاء بالروح لا يعنى حلولاً خارجياً نتقبله وإنما هو قبول عمل الروح فينا والتمتع بقوته العاملة داخل النفس، فالروح يعطى للإنسان قدر استعداده وقدر ما يفتح قلبه وقدر ما يطلب. وبالصلاة تتقابل أرواحنا مع روح الله وعدم التوبة معناها مقاومة روح الله. إن من يمتلئ من الروح يفرح كمن شرب خمر الروح. وقوله امتلاء أى لا مكان لشيء آخر، فالروح يملأ المؤمن بفرح لا يحتاج معهُ لفرح من الخارج. وإن دعانى أحد لوسيلة أخرى للفرح سأرفض كمن يدعوك للطعام وبطنك ممتلئة جداً، وفى حالة شبع كامل، بالتأكيد سترفض. وبشكل عام يكون المعنى.. لا تفرحوا بملذات العالم، بل حاولوا أن تكتشفوا أفراح الروح القدس، وما الخطورة على من لم يكتشف أفراح الروح القدس؟ الشيطان مستعد أن يجعلك تعمل معجزات لكن لا تكتشف الوسيلة التى بها تحصل على أفراح الروح القدس.. لماذا ؟ لأن الشيطان يعرف أن العالم ملئ بالآلام والتجارب. فماذا يفعل الإنسان المختبر لأفراح الروح القدس وقت التجربة، هو يجرى إلى مخدعه ليصلى ويمتلئ تعزية وفرح وقت الضيقة. أما الذى لم يختبر أفراح الروح القدس، فهو يكون صيدٌ ثمين لإبليس. فإبليس سيشكو الله فى أذن مثل هذا الإنسان، مصوراً له قسوة الله الذى سمح له بهذه التجربة، فيصطدم هذا الإنسان بالله ويترك الله فيضيع ويزداد حزناً على حزن إلى أن يهلك. لذلك فالملذات هى سلاح إبليس يلهى بها أولاد الله عن أن يكتشفوا أفراح وتعزيات الروح القدس التى يجدونها فى التسبيح والصلاة فى المخدع.
ومن يسكر بالخمر يغنى ويتمايل ويصيح بطرق غير محترمة وغير لائقة، أماّ من يفرح بالروح فهو يسبح، ومن يسبح يزداد امتلاءً وحينئذ يفرح أكثر فيسبح. وهكذا.
آيات 19-21: مكلمين بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب. شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح لله والآب. خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله.
فى الآية السابقة يطلب الرسول منا أن نمتلئ بالروح، والروح هو روح الله إذا هو عطية من الله، وعطايا الله هى نعمة يعطيها لنا مجاناً. لكن لا توجد نعمة بلا جهاد. وهذه الآيات تشرح الجهاد المطلوب منا لنمتلئ بالروح. فكيف نمتلئ؟
1. نتكلم بالمزامير ونسبح فى القلب.
2. شاكرين.
3. خاضعين فى خوف الله.
مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير: المعنى تسبيح صف والرد من الصف الآخر بالتبادل (كما فى التسبحة رُبع بحرى شمال الكنيسة، ورُبع قبلى يمين الكنيسة) وكم من إنسان تحرك قلبه نحو الله بفعل الألحان والتسبيح والترانيم. والخمر المسكر يتلف الجسد ويعقد اللسان ويوقف التفكير، أما الخمر الروحى فيطلق اللسان بالتسبيح ويتكلم الإنسان بالحكمة ويمتلئ الإنسان عزاءً وفرحاً لا ينزعه أحد منه (يو22:16). ولاحظ أنه إذا امتلأنا بالروح ستكون أحاديثنا روحية وتسليتنا ترديد التسابيح والألحان وإذا بدأنا بترديد التسابيح والألحان نمتلئ بالروح.. وهلم جرا. والبداية بالتغصب. بمزامير: المزامير هى ترانيم أوصى بها الروح القدس (مز1:45) + (2تى16:3) + (2بط21:1) لذلك فترديد المزامير يُساعد على الامتلاء بالروح فهى كلماته.
فى قلوبكم: يجب أن يكون الترتيل ليس باللسان فقط. بل بإصغاء شديد وتأمل وفهم. فتخرج الكلمات من القلب كأنها صلاة. وهناك من يسبح بشفتيه أماّ قلبه فيجول هنا وهناك (1كو15:14) + (أش 13:29).
شاكرين كل حين على كل حال: وهكذا نصلى فى صلاة الشكر، نشكر دائماً وعلى كل حال. فلا شئ يسر الله مثل قلب شاكر. لذلك تعلمنا الكنيسة أن نبدأ كل صلواتنا بالشكر، إن فى أفراح أو أحزان. ولنلاحظ أن الأحزان ليست حقيقية، فلا شئ قادر أن يلحق بنا حزناً، إن كان الله فى داخلنا، متمتعين بعمله فينا، وبمحبته التى تحصرنا. وعمل روحه فينا وسكناه فينا وإعداد الله مكاناً لأحبائه فى السماء. إن فهمنا هذا فلماذا لا نشكر دائمًا. والمسيح حين شفى العشرة البرص رجع واحد فقط منهم ليشكر وفرح به المسيح وسأل عن الباقى لماذا هل المسيح يحتاج للشكر؟ لا لكن نفهم أن المسيح يريدنا أن نعود بالشكر لنحصل على المزيد. فهو أعطى للأبرص شفاء جسده ولما عاد بالشكر حصل على ما هو أثمن بكثير إذ قال له المسيح "قم وامض إيمانك خلصك" (لو 17 :19). فالمسيح يريد أن يزيدنا نعمة فوق نعمة (يو1 :16). والشكر المستمر يجعل القلب فى حالة استعداد وقبول لعمل الله المفرح، ومثل هذا يزيده الله نعمة فوق نعمة. لذلك قال القديس إسحق "ليست عطية بلا زيادة إلاّ التى بلا شكر" أمّا التذمر فيقسي القلب، فيحول أيامنا لأيام شريرة عوضاً عن أن تكون أيام بركة وعلينا أن لا نتوقف عن الشكر حتى فى أيام الضيق والتجارب، فالشكر فى الألم يعتبر ذبيحة شكر بها نشترك مع المسيح فى صليبه. وهكذا يقول هوشع "نقدم عجول شفاهنا" (هو2:14) والمعنى أن التسبيح فى الألم هو مثل ذبائح المحرقات.
فى اسم ربنا يسوع: لا شكر حقيقى من القلب إن لم أكن ثابتاً فى المسيح.
خاضعين بعضكم لبعض: هذا مبدأ يقيم السلام بين الجميع، خصوصاً داخل الأسرة الواحدة. وهذه وصية الكنيسة للعروسين فى صلاة الإكليل "فليخضع كل منكما لصاحبه" وهذا مما يساعد على الامتلاء بالروح. والخضوع للآخر ليس هو الخنوع، بل القلب المتسع الذى يقبل رأى الآخر فى محبة، طالما ليس فى رأى الآخر خطية = فى خوف الله. أماّ القلب الضيق فهو لا يقبل رأى المخالف لهُ.
والخضوع هو تمثل خطوات المسيح الذى أطاع حتى الموت، فعلينا أن نخضع فى خوف الله للاخوة أى نخدمهم بلا أنانية. فقوله فى خوف الله تعنى:
1. الخضوع للآخر إن كان رأيه لا يخالف وصايا الله.
2. خدمة الآخرين بمحبة خوفاً من التعرض لغضب الله لمن يحيا فى أنانية.
3. علاقاتنا مع الناس لن تكون سليمة إن لم نضع خوف الله فى قلوبنا. إذاً علينا أولاً أن نحيا فى تقوى وصلاح.
4. إن كنا نخاف الحكام وغضب الحكام، فلنخف بالأولى من الله ونتشبه بالمسيح ونقدم الخدمة للآخرين وهذا ما نسميه خدمة الميل الثانى.
"إن كانت الكنيسة الجامعة كما أعلنها الرسول فى هذه الرسالة هى كشف عن سر المسيح، أى سر حب الله الفائق للبشرية. ففى الأسرة المسيحية والبيت المسيحى ظلاً لبيت الله الأبدى. ونرى فى الوحدة الزوجية أيقونة للوحدة بين السيد المسيح وعروسه الكنيسة، والأولى أى الوحدة الزوجية تستمد كيانها من الثانية".
آية 22 : أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب.
فى آية 21 دعا الجميع لأن يكونوا خاضعين لبعضهم، وهنا رأى أن أهم مكان نرى فيه هذا الخضوع هو الأسرة. حيث يجب أن تخضع الزوجة لزوجها. ويرى الأولاد هذا فيتعلموا الخضوع لأبيهم وأمهم وتصير الأسرة فى وحدتها نموذج لما تكون عليه الكنيسة المتحدة فى محبة، وهذا هو موضوع رسالة أفسس. فالرسول بعد أن تكلم عن الكنيسة وكيف تصل للوحدة المستهدفة، ابتدأ هنا بالأسرة كوحدة اجتماعية قائمة بذاتها، ولكنها نموذج لوحدة الكنيسة.
كما للرب: أى تخضع كما للرب، فالرجل رأس المرأة كما أن المسيح هو رأس الكنيسة، والله خلق الرجل أولاً وجعله رأساً للمرأة، فإذا خضعت المرأة لرجلها فهى تطيع الرب الذى خلق الأسرة لتكون هكذا، بل بهذا تستقيم الأسرة ويسودها السلام كما قلنا. وليس معنى خضوع الزوجة أنها أقل، فالابن خضع للآب وهما متساويان. ويسوع كان خاضعاً لأمه وليوسف النجار (لو51:2). مع كونه خالقهما ومخلصهما. والخضوع ليس استسلاماً ولا طاعة عمياء دون تفكير، بل باتساع قلب وقبول لإرادة الغير بفكر ناضج متزن. والابن خضع للآب علامة المحبة بينهما. وعلى الزوج والزوجة أن يشعر كلاهما أنهما خاضعين للرب أى لسيد واحد.
آية23: لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة و هو مخلص الجسد.
رأس المرأة: فى القيادة والتدبير. ولكن التشبيه بالمسيح كرأس للكنيسة هو درس للرجل حتى لا يفهم كلام الرسول أنه يعطيه الحق أن يسيطر على زوجته بل عليه أن يحبها ويبذل نفسه لأجلها كما فعل المسيح لكنيسته، فالمسيح ملك على كنيسته بمحبته وصليبه، فرئاسة الرجل لزوجته ليست دكتاتورية بل فى محبة.
وهو مخلص الجسد: قد نفهم هذا أن الرجل عليه أن يحافظ على زوجته كما خلَّص المسيح كنيسته. لكن بولس يقول هذا لنعرف الفارق فى التشبيه بين المسيح والكنيسة وبين الرجل والمرأة. فهنا يعطى كرامة فائقة للمسيح مخلص الجميع.
آية24: ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شئ.
الصورة المثالية للأسرة، هى صورة الحب، وحب الرجل لزوجته يظهر فى بذله نفسه عنها، وحب المرأة لزوجها يظهر فى خضوعها له.
آية 25: أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها.
على الرجل أن يحب امرأته كما يحب جسده. وهذا يلغى من الزوجة الشعور بالدونية. بل على الرجل الذى شعر بمحبة المسيح له أن يحب زوجته بنفس المحبة. والمسيح أحب الكنيسة وهى بعد فى خطاياها، لذلك على الرجل أن يحب امرأته لا لأن فيها كل المواصفات الجميلة لكن لأنها زوجته.
آية 26: لكي يقدسها مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة.
لكى يقدسها: بدمه والتقديس يعنى التكريس عن طريق تسليم النفس لله.
مطهراً: التطهير يسبق التقديس. لكن الرسول قَدَمَ العمل الإيجابى على السلبى.
بغسل الماء: أى المعمودية (ى5:3).
بالكلمة: الأصل اليونانى بدون الـ أى "بغسل الماء وكلمة" فما هى الكلمة المقصودة هناك عدة آراء :
1. ربما الكلمة هى أمر المسيح عمدوهم باسم الآب... (مت 19:28). فيقول الكاهن فى العماد "أعمدك يا فلان باسم الآب.. باسم الابن.. باسم الروح القدس.
2. ربما الكلمة هى الإنجيل والقراءات التى تُقرأ أثناء العماد.
3. ربما الكلمة هى كلمات الإيمان التى يرددها المعمد قبل عماده.
4. ربما الكلمة هى كلمة الله التى تلد الإنسان ثانية (1بط27:1). وهى تنقى السامع(يو3:15).
5. ربما الكلمة هى المسيح نفسه كلمة الله الذى يقدس كنيسته.. وربما كل هذا.
آية 27: لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شئ من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب.
غرض التطهير والتقديس أن يحضرها لنفسه: وهذا سيتم بعد انتهاء الحياة الحاضرة. وفى طقس الزواج اليهودى كانت هناك فترة بين عقد الزواج واستلام العروس، هكذا وقع السيد عقد الزوجية بدمه الطاهر على الصليب، اشترانا وقبلنا عروساً لهُ. وفى مجيئه الأخير يتسلم العروس وكأنه يحضر عروسه لنفسه.
كنيسة مجيدة: فى أصلها اليونانى "كنيسة فى حالة مجد" (أى ليست صفة).
لا دنس فيها: المسيح غسلها وطهرها وقدسها لأنه أحبها، ليس لأنها تستحق فهى كانت فى حالة ظلام. غضن: كرمشة أو تجعد الوجه الناتج عن الفقر والحرمان وهذا إشارة للأثار المترتبة على الخطية. لكن المسيح جَمَّلَ كنيسته وزينها (رؤ8:19) + (حز2:16-14) + (نش15:1،16). وهذا ينطبق على من يعيش أميناً طاهراً، وليس من هذا العالم، يعيش فى العالم غريباً عن ملذاته وخطاياه.
آية 28: كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم من يحب امرأته يحب نفسه.
على الرجل أن يحب امرأته بالرغم من أى قصور فيها فهى قد صارت جزءً حياً فيه، بسر الزيجة صار الزوجان جسداً واحداً.
آية 29: فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه كما الرب أيضا للكنيسة.
المسيح يقوت كنيسته ويرعاها وهكذا على الرجل أن يصنع مع امرأته.
آية 30: لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه.
الكنيسة أخذت من جنب المسيح كما أخذت حواء من جنب آدم. فقال "هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى" (تك22:2،23). وحينما نقوم سنقوم بجسد يشبه جسد المسيح الذى قام به من الأموات، له لحم وعظام ممجدة (لو39:24). ونحن الآن جسده متحدين به بعد المعمودية (رو5:6). ونتناول من جسده ودمه.
آية 31: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه و يلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا.
علاقة الرجل بزوجته أقوى من علاقته بأبيه وأمه، فهو يتركهما، ولكن لا يترك زوجته، وبهذا لا يصير حراً وهى لا تصير حرة بل صار هناك شركة فى الرأى والقرار بينهما بموافقة مشتركة. وعلى نفس التشبيه ترك المسيح مجد أبيه إذ أخلى ذاته عن أمجاده آخذاً شكل العبد (مع أنه يبقى واحداً مع أبيه فى الجوهر بلا انفصال) وترك المسيح أمه أى الشعب اليهودى الذى أخذ منه جسده. ليلتصق بكنيسته عروسه ويصير واحداً معها، يصيران جسداً واحداً، كما خرجت حواء من جنب آدم ليصيرا أيضاً جسداً واحداً.
آية 32: هذا السر عظيم ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة.
سر عظيم: العلاقة بين المسيح وكنيسته كانت سراً إلى أن كشفه الله لنا. وكما أن اتحاد المسيح بكنيسته سر عظيم فعلى نفس المثال يكون اتحاد الرجل بإمرأته، فسر اتحاد الرجل بزوجته سر عظيم فهو صورة مصغرة للمسيح مع كنيسته.
آية 33: وأما أنتم الأفراد فليحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه وأما المرأة فلتهب رجلها.
المرأة فَلْتَهَبْ رجلها: أى توقره فى مهابة بلا إحساس بالتدنى.
المسيحية رفعت الزواج من المستوى الشهوانى الجسدى لمستوى الحب المقدس الطاهر. وكما يطهر المسيح كنيسته من كل عيب هكذا على الزوجين أن تكون حياتهما طاهرة مقدسة.
وواضح أن تعدد الزوجات كان منتشراً فى أيام بولس الرسول، لكن كلام بولس عن علاقة بين زوج وزوجة واحدة، هو عودة لنظام الزوجة الواحدة وإشارة ضمنية لشريعة الزوجة الواحدة هكذا فى موضوع العبودية فهو لم يدينها (أى بولس لم يدين العبودية) مباشرة إلاّ أنه قدم المبادئ والمثل الأخلاقية التى تعمل كالخميرة فى العجين حتى يأتى الوقت وتختفى هذه الآفات الاجتماعية كما تختفى الظلمة أمام النور الباهر.
آيات 1-3 : أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق. أكرم أباك و أمك التي هي أول وصية بوعد. لكي يكون لكم خير و تكونوا طوال الأعمار على الأرض.
يستمر الرسول فى مخاطبته للبيت المسيحى. أطيعوا فى الرب: إذاً الطاعة مستمدة من الروح المسيحية كما أطاع المسيح أباه حتى الموت. وكما أوصى الله فى الوصايا العشر. وهذه الوصية هى أول وصية بوعد. يكون لكم خير: أى أن من يطيع يعيش تحت خيرية الله، متمتعً بخيراته. أكرم = أى أحب واحترم وأطع وقدم المعونة. ومعنى أن بولس يشير لهذه الوصية، إذاً فنحن ملزمون بالناموس الأخلاقى، فما تم إلغاؤه هو الناموس الطقسى والفرائض. بل إن وصية إكرام الوالدين هى وصية بحسب الناموس الطبيعى، فالابن يكرم أباه وأمه اللذان سهرا لأجله. بل أن المسيح خضع لأبويه بالجسد (أمه وأبوه بالتبنى). والناموس كان يعاقب من يهين أباه وأمه (خر15:21-17) + (لا9:20) + (تث16:27) + (أم17:30) + (خر12:20) + (تث16:5، 7:22). وأهمية هذه الوصية أن من لا يستطيع أن يكرم أباه وأمه اللذان ربياه وسهرا عليه، فهو لن يستطيع أن يكرم الله الذى لم يره. فإكرام الوالدين هو نموذج لإكرام الله. فى الرب: أى علينا أن نميز ما هو للرب فنطيعه وما ليس للرب فلا نطيعه. ففى (لو51:2) نجد المسيح يعلن أنه يطيع أباه السماوى أكثر منهما.
وتكونوا طوال الأعمار: فالرسول يكلم أولاداً صغار روحياً كما كان الآب السماوى يكلم أطفالاً صغار روحياً فى العهد القديم، وطول العمر يحببهم فى الوصية. والمسيح مع أنه أطاع الوصية إلاّ أنه صُلِبَ ومات وعمره 33 سنة فقط. ولكنه قام على مستوى أبدى. وهذا ما يحدث لنا لو أطعنا الوصية. فطول العمر على الأرض ليس هو المهم بل أن تكون لنا حياة أبدية.
آية 4: وأنتم أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره.
لا تغيظوا: بالإهمال وعدم الاكتراث بالتربية أو بالتمييز والقسوة والظلم وإلقاء التهم جزافاً مع أن الولد قد يكون بريئاً منها. وهذا يدفع للتمرد والعدوانية والتخريب. بتأديب الرب: أى بحسب وصايا الرب يسوع، فالمسيح هو قائد الفكر والتدبير. وبذلك يكون الولد خائفاً الرب، مطيعاً للرب أولاً. ولذلك فمن المهم أن يهتم الأباء بأن يصلى أبناءهم ويذهبون للكنيسة.
آيات 5-9: ايها العبيد اطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف و رعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح. لا بخدمة العين كمن يرضي الناس بل كعبيد المسيح عاملين مشيئة الله من القلب. خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس. عالمين ان مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان ام حرا. و انتم ايها السادة افعلوا لهم هذه الامور تاركين التهديد عالمين ان سيدكم انتم ايضا في السماوات و ليس عنده محاباة.
وفيها يوجه الرسول حديثه للعبيد بعد أن تكلم عن الأسرة ليضع العبيد فى وسط الأسرة. ونلاحظ أن الرسول لم يقف ثائراً على الأوضاع الاجتماعية السائدة، إنما مصلحاً لها بهدوء وفاعلية. وهو لم يطلب ثورة العبيد ضد السادة، إنما طالبهم بكسب رضا سادتهم، وعلى العبد أن يحب سيده وأن يخدمه بقلب مخلص من أجل الرب. وهذا يؤثر بشدة فى السادة، وبهذا يصير العبيد معلمين لسادتهم. ووعد العبد الذى يفعل ذلك بالخير الأبدى.
أطيعوا سادتكم حسب الجسد: بحسب النظام القائم وقتئذ، ولكن عليهم أن يكونوا بحسب الروح فى طاعة للمسيح. فالسيد الحقيقى فوق الكل هو المسيح فلا نخافه. حسب الجسد = فسيد الأرواح هو الله فقط.
فى بساطه قلوبكم: يمكن للإنسان أن يخدم بخوف ورعده ولكن بإرادة غير صالحة ويغش سيده خفيه وهذا لا يوافق الرسول عليه. ولكن على العبد أن يكون أميناً ليرضى الرب. وكلمة بساطة تعنى أنه على العبد أن يكون له هدف واحد هو إرضاء الرب بأمانته وطاعته. وهذا الكلام موجه لكل عامل ولكل موظف وكل خادم، فعلى كل واحد أن يرضى الله بأمانته. والآن لا يوجد عبيد، لكن يوجد عمال وموظفين وفى الكنائس يوجد خدام، وعلى كل واحد أن يخدم فى عمله بأمانة ليرضى اله.
بخوف ورعدة: هنا حول الرسول نظر العبد من خدمة سيده لخدمة المسيح، وإذا كان فى خدمته يخدم المسيح فهو لابد أن يخدم بخوف ورعدة معبراً عن محبته للمسيح، وهو سينال مكافأته من المسيح بحسب الآية 8. وقوله بخوف ورعدة قد تشير أيضاً لإظهار الاهتمام بتنفيذ الأوامر. عبداً كان أم حراً: ففى الأبدية نرى الكل وقد صاروا سواء وهذا درس للسادة، فالعبودية هى وضع مؤقت على الأرض. وإن طلب الرسول من الزوجة أن تخضع لرجلها وهى ليست أقل منه، فهو يفعل نفس الشىء مع العبيد. ولقد صار كثير من العبيد أساقفة وكهنة وكارزين بالحق. لا بخدمة العين: أى خدمة فى الظاهر فقط أمام أعين سيده وبهذا ينال رضى سيده وليس رضى الرب. كما للرب: خدمة صادرة من القلب. افعلوا لهم هذه الأمور: فى آية 9 يقدم الرسول نصيحة للسادة. وقوله افعلوا لهم هذه الأمور، أى أيها السادة افعلوا لعبيدكم نظير هذه الأمور التى ذكرتها للعبيد أن يفعلوها معكم. أى تصرفوا بنفس المبادئ، فعلى السيد أن يهتم بعبده ويخدمه ويسلك معه بروح المحبة والرحمة، وهنا نرى أن السيد عليه واجبات تجاه عبده. عالمين أن سيدكم: إذاً أنتم وهم عبيد لله، أى لسيد واحد وهو يعامل الكل بعدل بغض النظر عن القوانين البشرية التى جعلت هناك سادة وعبيد. ومعنى كلام الرسول أن على السيد أن يعامل عبده كمن يعامل المسيح، كما قال للعبد أن يخدم سيده كمن يخدم المسيح. وهذه الوصية فى زمان بولس الرسول كانت وصية خطيرة لأن السادة كانوا يعتبرون العبيد من دم آخر وليس لهم أى حقوق، ومتى شاءوا يقتلونهم. ففى نظر الرومان فى ذلك الزمان أن العبد يفضل قليلاً عن الحيوان، وإذا قتل سيد عبده لا يحاسبه أحد.
آية 10: أخيرًا يا اخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته.
هناك حروب داخلية تحارب الإنسان فى فكره وضميره وعواطفه لمحاولة زعزعة إيمانه وصده عن المسيح. ولكن هل يتركنا الله فى هذه الحرب؟ قطعاً الله لا يترك كنيسته بل زودها بأسلحة كافية وهذا موضوع الآيات القادمة.
تَقَوّوْا : جاءت الكلمة فى اليونانية مبنية للمجهول، فنحن لا يمكننا أن نتقوى من أنفسنا ولكن الله يعطى قوة لمن يجاهد (أف20:3). والقديس يوحنا فم الذهب فسر الكلمة قائلاً تقووا بالرجاء الذى فيكم، أى لا تخافوا بل إلقوا رجاءكم على الرب وهو سيجعل كل شئ سهلاً. ونلاحظ أن القوة التى يعطيها الله لمن يجاهد برجاء ليست بالقوة الهينة بل هى بحسب شدة قوته. فالله قوى للذين يَدْعونه وقوته غير محدودة. والجهاد المطلوب نوعان لنثبت فى المسيح:
1. إيجابى : كالصلاة والصوم ودراسة الكتاب.. أن أحاول أن أعمل أعمال بر.
2. سلبى : هو قرار بالامتناع عن الخطية ورفضها. أن أقف كميت أمامها.
وبهذا الجهاد الإيجابى والسلبى يلتصق المؤمن بالله. والله مصدر لا نهائى للقوة.
آية 11: ” البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس ”
السلاح: هو جهاد مستمر للبقاء بجانب الله متمسكين به مصلين له ثابتين فى المسيح. والمسيح الذى فينا هو الذى يغلب. نحن لا قِبَلَ لنا بمحاربة إبليس، ما علينا سوى الثبات فى المسيح الذى خرج غالباً (بصليبه) ومازال يغلب (فينا) (رؤ2:6). وهذا السلاح هو سلاح كامل: أى لا مكان للضعف مع هذا السلاح، هو سلاح قادر أن يغطينى بالكامل ولا يترك مكاناً ضعيفاً. فقوة المسيح لا نهائية، لا يستطيع العالم ولا رئيسه إبليس أن يواجهها. ومن يجاهد ويحاول أن يفعل هذا سيجد قوة المسيح الجبارة تسانده وحينئذ عليه بتواضع أن ينسب القوة لله وليس لنفسه ومن يواظب على الصلاة لا يدنو منه إبليس (راجع قصة الشهيدة يوستينة).
تثبتوا: تكسبوا موقفكم تجاه مكايد إبليس: أى خداعه، فهو يُكْسِبْ الخطية ثوب اللذة والسعادة، ومن يصدقه يجد نفسه فى مصيدة إبليس، والخطية أو اللذة كانت الطعم الذى أوقعه داخل المصيدة. ومن دخل المصيدة لن يجد سوى الهم. ومن مكايد إبليس وخداعاته أنه يصور نفسه بأنه لا يقهر ويدس اليأس فى نفس الخاطئ ويصور لهُ أن الله لن يغفر، ويشكك الناس فى كلام الله ووعوده.
آية 12: فإن مصارعتنا ليست مع دم و لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات.
مصارعتنا: هى مصارعة فكرية وليست جسدية، فهى تشكيك فى الله وفى كل شىء وهى أفكار شهوانية وهى أفكار حسد وغيرة وكراهية وهى عدم محبة للآخر وهى حرب مع عدو قوى، يستخدم الوسيلة التى يراها مناسبة ليسقط كل واحد.
الرؤساء والسلاطين: هم أصلاً درجات من الملائكة ولكن سقط بعضاً منهم فصاروا شياطين. والمسيح قال عن الشيطان رئيس هذا العالم (يو30:14) + (يو11:16).
ولاة العالم: هم الشياطين الذين يحكمون العالم عن طريق إيحاءات الخطية وأسلحتهم المال واللذات والكرامة. وهدفهم إسقاطنا فى الخطية واستعبادنا. ولنرى قوة الشيطان راجع
(دا12:10-14). ولكن فلنثق أن كل أسلحته خداع ومظاهر زائلة.
على ظلمة هذا الدهر: ما يوجد فى هذا العالم من ألام وشرور. وهذا الوصف قاله المسيح أولاً (لو52:22،53). فالعالم كان قبل المسيح ظلمة. فالظلمة كناية عن عمل الشيطان، أماّ المسيح فنقلنا من الظلمة إلى النور (كو13:1). لذلك فأولاد الله ليسوا فى ظلمة بل فى نور.
فى السماويات: المسيح جعل كنيسته تعيش فى السماء (أف6:2). والسماء هنا ليست مكاناً بل حالة ووجود فقط. فالكنيسة التى تحيا السماويات معرضه لحروب إبليس ليجذبها من السماويات، وهذا من حسد إبليس. والسيد قال "ملكوت الله داخلكم" (لو21:17). فإذا كان ملكوت الله داخلنا، فالفرح والسلام والمحبة داخلنا لأن المسيح يملك على القلب، وهذه هى السماويات التى نحياها.
آية 13: من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا.
الله لم يتركنا بمفردنا ضد إبليس، بل أعطانا أسلحة نواجهه بها. وسلاح الله الكامل هو قوة الله الموهوبة لنا لكي نغلب بها. اليوم الشرير: هى الحياة الحاضرة (غل4:1). ويسميها العالم الحاضر الشرير وذلك بسبب الشر الذى يرتكب فيه ويسميه اليوم نظراً لقصر الحياة. ويسميه الشرير بسبب حرب الشيطان الشريرة المستمرة لنا. ولاحظ أنه فى الأبدية لا حروب ضدنا.
وبعد أن تتمموا كل شئ أن تثبتوا: الأسلحة تحتاج للتدريب لنستعملها بمهارة إذاً المطلوب.
1. التدريب المستمر على استخدام الأسلحة.
2. استعمال هذه الأسلحة باستمرار سواء انتصرنا أو انهزمنا.
فلو حدث وانتصرنا على الشيطان فى إحدى الجولات، فليس معنى هذا أن الحرب انتهت، بل هو سيعود ثانية، إماّ بنفس الحيلة أو بغيرها. وهكذا قيل عن حرب إبليس مع السيد المسيح فبعد أن انتصر المسيح عليه قيل عن إبليس أنه فارقه إلى حين لو 13:4. ولو حدث وخسرتم جولة، أى سقطتم فلا يأس، بل قوموا وعاودوا استخدام الأسلحة بلا يأس. فاليأس لغة يشجع عليها إبليس، وهذا كذب، فالله مستعد لقبول التوبة. ليس معنى سقوطنا أنها النهاية، لا بل علينا أن نثبت. ولنسمع قول النبى "لا تشمتى بى يا عدوتى إذا سقطت أقوم" (مى8:7). إذاً معنى قول الرسول أنه سواء انتصرتم أو سقطتم اثبتوا واستمروا فى المعركة، وهذه المعركة لن تنتهى إلاّ بنهاية الحياة على الأرض. إذاً فلنثبت ممسكين بأسلحتنا ولنستخدمها حتى النهاية حتى لا نهلك.
آية 14: فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق ولابسين درع البر.
فاثبتوا = داود سقط إذ ألقى أسلحته أى كف عن صلواته ومزاميره.
ممنطقين أحقاءكم = هذا ما يفعله الجندى الرومانى، إذ كان يشد حقوية بمنطقة جلدية تعطى للظهر شيئاً من الصلابة، وهكذا كان يفعل العامل أو حامل الأثقال أو المسافر كاستعداد للسفر (خر11:12). وهكذا قال السيد "منطقوا أحقاءكم" (لو35:12). فنحن مسافرين للسماء. إذاً المنطقة تلبس فى حالتين:
1. الاستعداد للسفر. فنحن فى أرض غربة، نستعد للسفر إلى السماء، لأبديتنا.
2. الاستعداد لعمل شاق، ونحن فى حرب مستمرة ضد إبليس، فهو لا يكف عن الحرب.
بالحق: حين نمنطق حقوينا بالحق يكون المعنى أن الحق هو الذى يحكم كل حركاتنا. به نتمسك ونحبه، ولا يستطيع أحد أن يثنينا عن عزمنا ورجائنا. والحق ضد الباطل، والباطل هو هذا العالم بكل ما فيه (جا2:1 + 11:2) فمن يتمنطق بالباطل هو من يجرى وراء الشهوات والمال، وإذا عرف إبليس نقطة ضعف أحد يهاجمه منها. أماّ من يتمسك ويتمنطق بالحق لن يعرف إبليس له مدخلاً. ومن فهم أن العالم باطل لن يتعلق بشىء. أماّ من يتمسك بالحق فهو يتمسك بالمسيح (يو6:14) فيكون المسيح هو مصدر عفتنا ونقاوتنا. فالحق هو معرفة المسيح ومعرفة وصاياه والتمسك بتعاليمه وتنفيذها، والحق هو الكتاب المقدس وهو السماء. والتمسك بالمسيح يجعلنا نرفض الغش والكذب. الحق منبعث من طبيعة الله ويعطى قوة لمن يتمسك به بأمانة وإخلاص. فلنتمسك به كمسافرين ومحاربين.
لابسين درع البر: من يلتزم بحياة البر، ويجاهد لكى يحيا فى فضلية ويجاهد لكى يسلك باستقامة روحياً وأخلاقياً يكون المسيح هو درعاً لهُ يحميه من سهام العدو الملتهبة ناراً والموجهة لكل أولاد الله (مز4:120). والله يعطينا إذا تمسكنا بالبر قوة لنرفض كل خطية يعرضها علينا إبليس. ولاحظ أن الدرع يحيط بالصدر أى القلب فيحيمه من خداعات إبليس وأسلحته كالشهوات. أماّ من يريد أن يسلك فى الخطأ فلن يحميه المسيح.
آية 15: وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام.
من يحذو (يلبس حذاء) رجله باستعداد إنجيل السلام أى يكون مستعداً أن يتحرك بحسب مشئية الله المعلنة فى إنجيله، وهو إنجيل السلام، أى هو الاستعداد القلبى أن نسلك بالسلام مع كل الناس، فرسالة الإنجيل هى نزع روح الخصام والكراهية. المطلوب إذاً أن نحيا متمسكين بكلمة الله مستعدين بحياة السلام التى نحياها وبحياة الحب لكل أحد. وعلاقة الحذاء بكل هذا، إن العالم مملوء بأشواك الكراهية... وبدون حذاء تدمى أرجلنا أشواك الكراهية، أى من يحيا فى كراهية للآخرين يفقد السلام فى حياته.
آية 16: حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة.
فوق الكل: هذه تشير للأهمية المطلقة للإيمان. والترس: هو لحماية الجسم من السهام المصوبة ضده. هو يحمى الرأس أى الأفكار ويحمى اليدين أى الأعمال ويحمى الرجلين أى الاتجاهات. الترس يمسكه المحارب بيده اليسرى هو بطول الجسم لحمايته. ولنلاحظ أننا معرضون لحروب تشكيك فى الله وفى محبته وفى زوال العالم وفى أنه باطل. فعلينا أن نقف بإيمان فى صلاتنا ونعلن ثقتنا فى محبة الله وأبوته لنا ونعلنها بقوة. وهذا الإعلان الذى بإيمان يجعل إبليس يهرب فى خزى (راجع 1يو4:5)
خطوات إبليس ليبعد إنساناً عن الكنيسة تبدأ بإثارة المشاكل حوله، ثم تشكيكه فى محبة الله لهُ قائلاً... إذا كان الله يحبك فلماذا سمح لك بهذه الآلام. وتأتى بعد ذلك الخطوة التالية.. إذا كان الله قاسياً عليك هكذا ولا يحبك فلماذا تذهب إلى الكنيسة.. فلتترك الكنيسة.. وحينئذ ينفرد إبليس بهذه النفس الضالة. ولكن علينا إذا بدأت هذه الحرب وهذا التشكيك أن نقف لنصلى فى ثقة، أننا يارب أولادك واثقين فى محبتك وما تسمح به هو للخير حتى إذا لم نكن فاهمين، ونحن نحبك.. ابعد هذا العدو عنا يارب.
سهام الشرير الملتهبة: هى سهام إثارة الشهوات والأحقاد كأنها نار داخلية.
آية 17: وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله.
خذوا : يد الله امتدت بالخلاص يوم الصليب، فعلينا أن نمد أيدينا لنمسك بهذا الخلاص وننشغل به ونضع رجاؤنا فيه، وفى التمتع بالميراث السماوى. ولكن هناك من ليس عنده وقت أو اهتمام ليأخذ من الله. وكيف نمسك بالخلاص؟ هذا يكون بالرجاء.. قل فى قلبك هذا الكلام وردده "الله يحبنى وقد أعد لى مكاناً فى السماء". وهذا الانشغال بالخلاص يكون لنا خوذه تحمى رؤوسنا (اى عقولنا) من أفكار اليأس وكل فكر خاطئ (1تس8:5).
سيف الروح الذى هو كلمة الله = كلمة الله تصرع إبليس. وسيف الروح هو كلمة الله فى يد الروح القدس الذى يُذَكَّرنا بها. نُطقها يجعل الشيطان فى مواجهة قوة الله، فكلمة الله تحمل قوة الله، كلمة الله لها قوة القطع، بين ما هو حق وما هو كذب وفاسد، بين ما هو لله وما هو ضد الله، لذلك لا يحتملها الشيطان. والمسيح قاوم إبليس على الجبل مستخدماً كلمة الله.
آية 18: مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين.
أبقى الرسول الصلاة للنهاية فبدونها لا نحصل على أى سلاح من الأسلحة السابقة، وقد أبقاها للنهاية لتظل فى الذاكرة. الأسلحة السابقة هى عطايا إلهية لا ننعم بها بدون صلاة. ومن يصلى ويقرأ كتابه المقدس أى يكون على صلة بالرب يحميه المسيح. والصلاة قادرة على استدعاء معونة عاجلة من السماء (دا11:10،12) فهى سلاح فعال.
بكل صلاة: هذه مثل قولنا بكل إخلاص وبكل محبة، والمعنى أن تكون الصلاة بكل قوة وبكل غيرة وبكل عمق وحرارة، ومحبة عميقة. والصلاة تكون مقدمة لله بلا طلب وعناصرها الشكر والتسبيح والتمجيد لله على أعماله ومحبته.
وطلبة: هى صلاة خاصة بتغطية احتياجات الإنسان أو الآخرين، هى طلبة لله لأجل كل محتاج، ولكل من فى ضيقة (روحية أو جسدية). ويندرج تحت بند الطلبة الصلوات التى نرفعها لغفران خطايانا.
لأجل جميع القديسين: العدو يُحارب الأفراد ويحارب الكنيسة ككل. لذلك يجب على الكنيسة أن تحارب فى صلواتها كجسد واحد، ويهتم كل فرد بالآخرين، نحن لسنا فى معزل عن اخوتنا بل إن الصلاة هى وسيلة اتصال بين المؤمنين، هى وسيلة غير منظورة، فالروح القدس يوصل بينهم، بين من يُصلَِّى ومن يُصلَّى لأجله، فتحل قوة المسيح على الجميع.
كل وقت: أى صلاة دائمة بلا انقطاع (1تس17:5) + (لو1:18)، وهذه علينا أن ندرب أنفسنا عليها (تدريب: ردد صلاة يسوع ألاف المرات فى اليوم وهى يارب يسوع المسيح إرحمنى أنا الخاطئ) وهذه لمن يثابر عليها يستطيع أن يمارس عمله بينما يبقى القلب متصلاً بالله مسبحاً إياه.
فى الروح = هى أن الروح القدس يمدنا بما نقوله فهو يشفع فينا بأنات لا ينطق بها (رو26:8). ومن يصلى بالروح يجد لذة ولا يشعر بالملل (تدريب:- قف وسط صلاتك مرّات وتأمل بهدوء حتى يعطيك الروح القدس ما تقوله.. أى لا تظل متكلماً فى صلاتك طول الوقت، وهكذا فى قراءتك للكتاب المقدس، قف وتأمل، فتعطى للروح القدس أن يتكلم فى داخلك). والروح يعطى إشتياق شديد لله للحديث معه ولسماعه، وهنا لا يشعر الإنسان بالوقت ولا بالتعب، بل تأتى لمن يصلى بالروح قوة خفية تمده بالكلام والأفكار وهذه ترتد على الإنسان بالنمو والعمق والفهم والخبرة.
ساهرين لهذا بعينه: نسهر فى جهادنا كما سهر الرب يصلى (لو12:6) ليضع النموذج الكامل لنا (يو12:13-14). ولو بدأ الإنسان يصلى سيصاب بالملل، فلو صمم أن لا يكف عن الصلاة ويخترق حاجز الملل، تدخل الصلاة فى طبيعة جديدة ويأخذ الإنسان خبرات روحية للنمو ويصلى بلا ملل.
آية 19: ولأجلي لكي يعطى لي كلام عند افتتاح فمي لأعلم جهارا بسر الإنجيل.
هنا بولس يريد أن يشرك شعب أفسس فى الاهتمام بالكرازة والصلاة لأجلها، ويطلب أن يعطيه الله بصلواتهم كلاماً مؤثراً فيمن يسمع فيؤمن. ولذلك تصلى الكنيسة عن البطريرك والأساقفة والكهنة وكل الخدام والشمامسة، والبطريرك يصلى لأجل الشعب هكذا، فالكنيسة تحيا بالصلوات المشتركة، فيطلب كل واحد عن بناء الآخرين. لأُعلِم جهاراً بسر الإنجيل: أى لأكشف سر الإنجيل. وفى هذا مخاطرة كبيرة بحياته ولذلك فهو محتاج لمؤازرة الروح القدس. سر الإنجيل: الأمم شركاء الميراث والجسد الواحد والإنجيل.
آية 20: الذي لأجله أنا سفير في سلاسل لكي أجاهر فيه كما يجب أن أتكلم.
الذى لأجله: أى لأجل الإنجيل، هو مربوط بسلاسل، ورغم ذلك يود أن يكرز وهو مربوط. وكان المسجون مثل بولس تُرْبَطْ يده اليمنى فى يد حارس (اليسرى) ولكن كان له أن يستأجر بيتاً على أن يظل مربوطاً فى يد الحارس. بولس لا يشتهى أن يتحرر من السلسلة، بل أن يجاهر بالإنجيل.
آيات 22،21: ولكن لكي تعلموا أنتم أيضاً احوالي ماذا أفعل يعرفكم في كل شيء تيخيكس الأخ الحبيب والخادم الأمين في الرب. الذي أرسلته إليكم لهذا بعينه لكي تعلموا أحوالنا و لكي يعزي قلوبكم.
أنتم أيضاً: بولس لم يضيع وقت الرسالة فى الكلام عن نفسه فهذا تركه لتيخيكس، بل تكلم عن ما يخصهم ويخص خلاص أنفسهم فى كل الرسالة وقوله أحوالى = أى ما يخصنى، يقوله لكم تيخيكس الذى لم يتركنى حتى فى سجنى بل يود لو يتبعنى حتى الموت. ولقد وردت هذه الصيغة نفسها فى رسالة كولوسى لذلك نفهم أن بولس كتبهما معاً وأعطاهما لتيخيكس ليوصلهما (كو7:4-18) وتيخيكس سيشرح لهم نجاح وامتداد كرازة بولس حتى إلى بيت قيصر.
آية 23: سلام على الأخوة و محبة بإيمان من الله الآب و الرب يسوع المسيح.
سلامٌ على الإخوة: لأنها رسالة دورية ستمر على كل الناس فى مقاطعة وادى ليكوس، جعل السلام فيها بصيغة الغائب. ومحبة بإيمان: الإيمان والمحبة مرتبطان، فالمحبة هى ثمر الإيمان الحى، الإيمان العامل بالمحبة (غل 6:5) (فمن يؤمن بالحياة الأبدية كيف يتصارع على شىء تافه، بل هو سيحيا بالمحبة).
من الله الآب والرب يسوع: هنا نرى التساوى بين الآب والمسيح فكلاهما مصدر للسلام على قدم المساواة.
آية 24: النعمة مع جميع الذين يحبون ربنا يسوع المسيح في عدم فساد امين كتبت الى اهل افسس من رومية على يد تيخيكس.
بدأ الرسالة بالنعمة وها هو يختمها بالنعمة. مع جميع الذين يحبون: فلا نعمة بدون محبة. فى عدم فساد، هذه قد تعنى:-
1. البركة والنعمة التى يطلبها لهم الرسول يطلبها لتدوم معهم للأبد كالميراث المعد لنا.
2. أى فى طهارة أو من أجل الأمور غير الفاسدة، اى ليس من أجل الغنى والمجد العالمى والكنوز التى تفسد بل خلال الفضيلة.
3. قد تكون راجعة للمحبة، فمن يحب المسيح لن يفسد أو أن هذه المحبة باقية للأبد، محبة لا تضعف ولا تفسد، محبة ثابتة لا تتزعزع، ليست مجرد عاطفة إنسانية عابرة بل محبة قوية بكل الكيان تظهر بالطاعة لوصايا المسيح.
4. هناك من أرجع عدم الفساد إلى المجد الذى فيه يسوع المسيح وبهذا يصير معنى الآيه هكذا "الذين يحبون المسيح الذى هو فى مجد أبدى بلا فساد" وإلى هذا المجد غير الفاسد، الكنيسة مدعوة فهى جسده.
عموماً فمن يحيا فى محبة وطهارة غير فاسدة فهو مدعو لمجد أبدى غير فاسد