ملخص تاريخ الشعب اليهودي
الذي جاء منه المسيح
1. أختار الله إبراهيم أبو الآباء ليكون أباً للشعب الذي سيولد منه المسيح بالجسد وبهذا "ففي إبراهيم ستتبارك كل الأمم" (تك18:18).
2. طلب الله من إبراهيم أن يترك أرضه وعشيرته ويذهب لأرض كنعان وهناك ولد إسحق وإسحق ولد يعقوب. وكان وعد الله أن يولد المسيح من نسل إسحق ومن نسل يعقوب (تك4:26+ تك14:28).
3. كان ليعقوب (12) ولداً منهم يهوذا وكان وعد الله أن المسيح يكون من نسل يهوذا (تك10:49).
4. نزل يعقوب وأولاده إلى أرض مصر وعاشوا فيها أكثر من 200 سنة ذاقوا في نهايتها العبودية على يد فرعون إلى أن خلصهم موسى.
5. خرج الشعب اليهودي من أرض مصر بقيادة موسى وتاهوا بسبب غضب الله عليهم لغلاظة قلوبهم في سيناء لمدة 40سنة، مات موسى في نهايتها وترك قيادة الشعب ليشوع الذي دخل بهم لأرض الميعاد.
6. استمر اليهود في كنعان أرض الميعاد في حكم قبلي، كلٌ يتبع رئيس سبطه، وكانوا إذا أخطأوا يُرسل الله عليهم أحد الشعوب المحيطة بهم ليذلهم ويؤدبهم إلى أن يتوبوا فيرسل لهم الله قاضٍ يخلصهم من الغزاة، وتسمى هذه الفترة بحكم القضاة وانتهت بصموئيل النبي.
7. طلب الشعب ملكاً وأعطاهم الله ملكاً بحسب إختيارهم وعلى حسب قلبهم وهو شاول، ولكنه لم يكن بحسب قلب الله، وأسس شاول مملكة صغيرة وسط الأسباط ثم رفضه الله بسبب أخطائه الكثيرة.
8. اختار الله داود ليؤسس المملكة. وكان مملكة كبيرة ضمت الأسباط جميعاً. وكان بذلك داود هو المؤسس الحقيقي للمملكة اليهودية سنة 1050ق.م تقريباً. وملك داود لمدة 40سنة. وخلفه ابنه سليمان لمدة 40سنة. وكان وعد الله أن المسيح سيكون من نسل يسى وداود (إش1:11+ مز11:132+ مز3:89،27+ إش7:9+ أر5:23+ أر15:33)
9. خلف سليمان إبنه رحبعام الذي لحماقته انقسمت المملكة في أيامه إلى مملكتين:
المملكة الشمالية وإسمها إسرائيل وتتكون من 10 أسباط.
المملكة الجنوبة وإسمها يهوذا وتتكون من سبطين هما يهوذا وبنيامين ومعهم سبط لاوي.
وكانت عاصمة إسرائيل هي السامرة وعاصمة يهوذا هي أورشليم.
10. استمر كرسي داود يحكم يهوذا حتى سنة 586ق.م. أما مملكة إسرائيل فهي رفضت مشورة الله بأن تكون العبادة في أورشليم في هيكل الله. وأقام ملك إسرائيل المنشق هيكلين في إسرائيل وضع فيهم عجول ذهبية، وكان ذلك خوفاً من نزول شعبه للعبادة في هيكل أورشليم فيميلوا بقلوبهم لكرسي داود ويثوروا عليه. ولكن أدت هذه الهياكل لإنحراف شعب إسرائيل سريعاً إلى الوثنية وكثرت الاغتيالات السياسية والإنقلابات العسكرية في مملكة إسرائيل، وتوالت الأسر الحاكمة على عرش إسرائيل حتى انتهت دولة إسرائيل إلى سبي أشور سنة 727ق.م. وقام ملك أشور بنقل شعب إسرائيل إلى بلاد أشور المختلفة وأتى بشعوب وثنية لتسكن في أرض إسرائيل مع بقية من شعب إسرائيل الذين تركهم ملك أشور في أرض إسرائيل وتكون من هذا الخليط شعب السامرة الذي كانت ديانته مزيجاً من اليهودية والوثنية. لذلك كان اليهود يحتقرون السامريين.
11. أما كرسي داود فكان في أورشليم حيث الهيكل وعبادة الله بحسب قلب الله، أحسن حالاً، واستمر نسل داود على كرسي داود حتى سنة 606ق.م حين أتى نبوخذ نصر ملك بابل وأخذ بعض شعب يهوذا للسبي في بابل وأخضع ملك يهوذا له، وسمح الله بهذا لانتشار الوثنية في يهوذا.
12. استمر نبوخذ نصر في سياسته بأخذ سبايا إلى بابل وذلك حتى سنة 586ق.م حين حاصر نبوخذ نصر أورشليم وأسقطها وهدمها وهدم الهيكل وأخذ سبايا كثيرين حتى لم يبقى في يهوذا سوى فقراء ومساكين الأرض، ويسمى هذا بسبي بابل.
13. سقطت مملكة بابل بيد كورش الملك الفارسي سنة 538ق.م وهذا سمح بعودة اليهود لأرضهم سنة 536ق.م. فعاد عدد كبير من شعب يهوذا وقلة من شعب إسرائيل الذي تشتت بيد ملك أشور وسمح لهم كورش ببناء الهيكل لكن ظل اليهود تحت حكم فارس الذي كان يعين لهم والياً من قبله.
14. سقطت دولة فارس وقام مكانها دولة اليونان التي ظلت تحكم اليهود بدلاً من فارس. وتوالي حكم الملوك اليونان على أورشليم وكان أخرهم أنطيوخس إبيفانيوس الذي اضطهدهم بشدة.
15. قامت الثورة المكابية ضد أنطيوخس إبيفانيوس وهزموه، ثم حكم المكابيين اليهود فترة من الزمن حتى جاء الرومان وأخضعوا أورشليم لحكمهم. وبدأت الدولة المكابية سنة 167ق.م.
16. استمر المكابيين حتى سنة 37ق.م. وبعدها قام هيرودس الكبير الأدومي ملكاً على اليهودية تحت يد الرومانيين من سنة 37ق.م حتى مات سنة 4ق.م.
17. ولد المسيح سنة 4ق.م . من اليهود في زمن هيرودس الكبير الخاضع للرومان
1050 ق.م تأسيس مملكة داود
إنقسام المملكة
سنة 727ق.م إسرائيل تذهب لسبي أشور
سنة 586ق.م يهوذا تذهب لسبي بابل
سنة 536ق.م العودة من السبي
سنة 333ق.م حكم اليونان لأورشليم
سنة 167ق.م حكم المكابيين اليهود
سنة 37ق.م حكم هيرودس تحت يد الرومان
سنة 4ق.م ولادة المسيح
ملخص لتاريخ أباطرة الدولة الرومانية
التي ظهر المسيح في أيامها
كانت روما في القرن الأول ق.م. هي القوة الوحيدة في عالم البحر المتوسط، والخليفة لإمبراطورية الإسكندر الأكبر المترامية الأطراف. وفي الفترة بين القرنين الأول ق.م. والأول ب.م. زادت رقعة الإمبراطورية وبلغت أقصاها أثناء حكم تراجان (68-117م) فامتدت من اسكتلندا في الشمال حتى السودان في الجنوب وشملت معظم أوروبا من البرتغال غرباً حتى جبال القوقاز شرقاً وضمت بريطانيا وألمانيا. وكانت أيام ولادة المسيح أيام سلام أغلقت فيها هياكل الحرب وفتحت هياكل السلام. واتجهت روما إلى مد الطرق الكثيرة التي كانت تربط أطراف العالم القديم. وقد كانت الأسفار عبر تلك الطرق في بدئها خطرة بسبب قطاع الطرق لكنها أصبحت آمنة بعد ذلك بفضل القائد الروماني بومبي سنة 64ق.م الذي نجح في القضاء على قطاع الطرق في الطرق البرية وعلى القراصنة في البحر المتوسط.
وبهذا صار الجو مناسباً لإنتشار المسيحية في العالم، فالعالم كله صار دولة واحدة، طرقها ممهدة، خاضعة للقيصر الروماني الذي صورته مسكوكة على العملة. واللغة السائدة هي اليونانية منذ نشرها الإسكندر والإنجيل كتب باليونانية التي يفهمها الغالبية وكان قد سبق ترجمة العهد القديم لليونانية منذ عدة عقود فيما يُعرف بالترجمة السبعينية.
وكان هناك ولاة تعينهم روما. وهناك ملوك وولاة وطنيون مثل هيرودس الكبير وهيرودس أغريباس وكانوا يمثلون أمام الإمبراطور أو مجلس الشيوخ SENATUS كلما دعت الضرورة.
لقب قيصر :
هو لقب رسمي للأباطرة اشتق من اسم يوليوس قيصر Julius Caesar الذي اغتيل سنة 44ق.م. وقد ذكر هذا اللقب في العهد الجديد نحو 30 مرة. ولقب به أربعة أباطرة هم أغسطس (لو1:2) وطيباريوس (لو1:3) وكلوديوس (أع28:11،2:18) ونيرون (أع8:25)
أوغسطس 27ق.م
طيباريوس 14م
جايوس (كاليجولا) 37م
كلوديوس 41م
نيرون 54م
68م
فسباسيان 69م
تيطس 79م
دوميتيان 81م
96م
هو جايوس أوكتافيوس ابن أخ يوليوس، واتخذه له إبناً بالتبني، وبعد مقتل يوليوس إشترك أوكتافيوس مع أنطونيوس ولبيدوس في الحكم فترة من الوقت، وبعد هذا حارب أوكتافيوس أنطونيوس وأنتصر عليه في معركة إكتيوم البحرية سنة 31ق.م. وعلى إثر هذه المعركة انتحر أنطونيوس وكليوباترا بعد حصار الإسكندرية. وبعد هذا إنفرد اوكتافيوس بالحكم وفي سنة 27ق.م منحه مجلس الشيوخ لقب أوغسطس وهو اسم لاتيني معناه (الجدير بالاحترام كإله) واللقب يلمح بالألوهية. وقد توارث هذا اللقب القياصرة من بعده (أع1:27). ومن (أع25:25،1:27) نفهم أن نيرون الإمبراطور في ذلك الوقت قد لقب بالأوغسطس. وأعلن أوغسطوس قيصر الإمبراطورية سنة 23ق.م. وفي مدة حكمه وُلِدَ المسيح.
كان إبناً بالتبني لأوغسطس. كان حاد الطباع، وقد طرد اليهود من روما لفترة ما. وقد بنى الوالي هيرودس أنتيباس مدينة طبرية على بحر الجليل إكراماً لاسمه. وبدأت خدمة المسيح في السنة الخامسة عشرة من حكمه (لو1:3). وكان عملة الجزية التى قدمها اليهود للمسيح تحمل صورته والكتابة التي كانت عليها ترجمتها "طيباريوس قيصر ابن أوغسطس الإلهي" (مت17:22) وصلب المسيح في أيامه حيث كان بيلاطس البنطي والياً على اليهودية. وقد مال في أواخر أيامه للقسوة والديكتاتورية وعجل كاليجولا خليفته باغتياله.
كان مضطرباً ذهنياً كمجنون. وكانت أيامه أسوأ أيام الإمبراطورية. أصر على إقامة تمثال هائل له في أورشليم جلب حقد اليهود عليه. واغتاله جنوده سنة 41م.
كان قديراً كإمبراطور، وسع الإمبراطورية، فضم موريتانيا وأعلن اليهودية كولاية رومانية وغزا بريطانيا. بدأ حكمه بالعطف على اليهود، ثم طردهم مع جماعة من المسيحيين من روما (أع2:18،3). حدثت في أيامه عدة مجاعات منها المجاعة العظيمة التي دامت ثلاث سنين وتنبأ بها أغابوس (أع28:11), وقد وقع كلوديوس ضحية تآمر نساء القصر فقتلته الإمبراطورة أجريبينا سنة 54م لتضمن خلافة العرش لابنها نيرون إذ كانت أمالها أن تتخذه أداة تحكم هي بها المملكة.
كان إبناً لكلوديوس بالتبني. بدأ حكمه بفترة من الحكم الصالح وذلك بتأثير معلمه الفيلسوف سينيكا. ولكن الشاب الصغير نيرون الذي صار سيداً للعالم وهو في سن السادسة عشرة سرعان ما انقلب إلى كابوس مخيف واشتهر بالفساد والفجور، تملكته الرغبة في أن يبرع كمغني ولاعب قيثارة وسائق عربة حربية، وإندفع للهو والفساد، وسادت أيامه الاغتيالات والمؤامرات، وكان من ضحيتها أمه أجريبينا التي ماتت وهي تلعن ابنها بل قتل معلمه سينيكا. واشهر جرائمه أنه أحرق روما سنة 64م. فلقد احترقت عشرة أحياء من جملة 14 حياً في المدينة. وكان في خياله أن يبني روما من جديد. وبينما كانت النيران تتصاعد بعنف وصراخ الضحايا يرتفع إلى أجواء المدينة كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق وبيده آلة طرب يغني عليها أشعار هوميروس في وصف حريق طروادة. وقد هلك آلاف عديدة من البشر في هذا الحريق. وحينما إمتدت أصابع الاتهام له جعل من المسيحيين كبش فداء واتخذت الحادثة ذريعة لبداية اضطهاد دموي للكنيسة استمر أربع سنوات تجرع فيها المسيحيون كل صنوف التعذيب الوحشية التي لم تنته إلا بموته. وكان من ضحاياه الرسولان بطرس وبولس اللذان استشهدا سنة 68م. وبصفة عامة سادت في عهده الفوضى والجريمة فأعلنه مجلس الشيوخ عدواً للشعب. ولاقى حتفه منتحراً في عام 68م مخلفاً وراءه حالة من الإفلاس والفوضى نتيجة بذخه الشديد وكثرة الحروب الأهلية في مدة حكمه. ونيرون هو القيصر الذي أشار إليه سفر الأعمال (21:25+ 32:26).
أعلن فسباسيان إمبراطوراً على روما سنة 69م أثناء ثورة اليهود في فلسطين فأسند إلى ابنه الأكبر تيطس مهمة إخمادها، فحاصرها حصاراً رهيباً ثم سقطت في يده فخربها وخرب جنوده الهيكل، وحملت كنوزه، خاصة المنارة الذهبية ومائدة خبز الوجوه الذهبية وعرضوها في مواكب إنتصار تيطس وفسباسيان. وكان سقوط أورشليم سنة 70م وتم تأليه فسباسيان بأمر من مجلس الشيوخ بعد موته.
فاق أباه في شعبيته أثناء مدة حكمه القصير وغُرِف باسم حبيب الجنس البشري.
هو الابن الأصغر لفسباسيان، كان إداري قدير عظيم طوال فترة حكمه. ولكنه كان مستبداً. وكان يخاطب "بمولانا وإلهنا" واغتيل في مؤامرة سنة 96م. وقد أثار دوميتيان إضطهاداً عنيفاً ضد المسيحيين وهو الذي أمر بإلقاء يوحنا اللاهوتي الحبيب تلميذ المسيح في زيت مغلي ثم نفاه إلى بطمس.
ملوك وحكام اليهودية في أيام المسيح
1- كان آخر ملوك اليونان الذين حكموا اليهودية هو أنطيوخس إبيفانوس أي الشهير ولكن لشدة اضطهاده لليهود أطلقوا عليه إبيمانيس أي المجنون. فهو أجبر اليهود على العبادة الوثنية باضطهاد دموي بل دنس الهيكل.
2- قامت ضده ثورة المكابيين بقيادة متاثياس الكاهن وانتصروا على اليونان ولما مات متاثياس خلفه ابنه يهوذا الملقب بالمكابي الذي طرد اليونانيين ورمموا الهيكل وطهروه وأصلحوا خراب المدينة سنة 165ق.م ومات أنطيوخس أبيفانيوس شر ميتة. ومات يهوذا سنة 161ق.م في الحرب وخلفه أخوه يوناثان ولكن يوناثان هذا عقد ميثاقاً مع الرومانيين (كانت روما قد بدأت تظهر كقوة عالمية، وهذا التحالف كان سقطة للمكابيين) واغتيل يوناثان سنة 144ق.م. وخلفه أخوه سمعان وقتل سنة 135ق.م.
3- بعد قتل سمعان خلفه ابنه يوحنا هركانوس في الولاية والكهنوت معاً واتسع ملكه لولايات عديدة بجانب اليهودية وهدم هيكل السامريين في جبل جرزيم سنة 130ق.م. بعد أن كان قائماً لمدة 200سنة وأجبر يوحنا هركانوس الأدوميين على التهود وختنهم. وجدد الميثاق مع الرومانيين وحصل منهم على منافع كثيرة ومات سنة 107ق.م.
4- خلفه ابنه ارسطوبولوس وهذا أعاد اليهودية مملكة وكان أول من دُعِىَ ملكاً بعد سبي بابل. ولما توفى قام مكانه أخوه إسكندر جنيوس وهذا أجبر الفلسطينيين على التهود سنة 97ق.م.
5- خلفه ابنه هركانوس الثاني سنة 69ق.م. ثم أتى عدة ملوك منهم أريسطوبولس.
6- كان نتيجة الميثاق مع الرومان وإلتجائهم للرومان وصراعهم على المناصب أن روما بدأت تدخل نفسها في أمور أورشليم.
رؤساء يهوذا المكابيين
1) متاثياس 167ق.م
2) يهوذا ابنه 166ق.م
3) يوناثان أخو يهوذا 160ق.م
4) سمعان أخو يهوذا أيضاً 143ق.م
5) هركانوس الأول ابن سمعان 134ق.م
ملوك المكابيين
6) اريستوبولس الأول ابن هركانوس 105ق.م
7) اسكندر يانيوس أخو اريستوبولس 104ق.م
8) الكسندرة امرأته 77ق.م
9) هركانوس الثاني ابن يانيوس 69ق.م
10) اريسطوبولس الثاني ابن يانيوس 67ق.م
11) هركانوس الثاني أيضاً (بواسطة الرومان) 63ق.م
12) أنيتجونوس ابن اريسطوبولس الثاني 47ق.م
وكان هذا آخر ملوك المكابيين وجاء بعده أنتيباتر ثم هيرودس الكبير سنة 37ق.م
7- استعان ارسطوبولس بالرومان ضد أخيه الأكبر هركانوس الثاني. فجاء بومبي (بومبيوس) وأبقى هركانوس على الكرسي غير أنه جعل اليهودية تؤدي الخراج (الجزية) للسلطة الرومانية سنة 63ق.م. بل إن بومبي دخل إلى قدس الأقداس مع بعض أمرائه.
8- قام هركانوس الثاني وصديقه الأدومي أنتيباتر بالإنضمام لقيصر في حربه (هذه الحرب كانت بين يوليوس قيصر وبومبي وانتصر فيها يوليوس قيصر). وإزداد أنتيباتر تودداً لقيصر إلى أن عينه حاكماً على اليهودية (يوليوس قيصر هو الذي عينه) وتمسك هركانوس بمنصبه كرئيس للكهنة أي تقاسموا الملك والكهنوت بعد أن كان الملك والكهنوت في يد شخص واحد في أثناء حكم المكابيين. وكان ذلك سنة 47ق.م.
9- عين أنتيباتر ولديه فازيل وهيرودس حكاماً على أورشليم والجليل وفي سنة 37ق.م. انتحر فازيل، فتقدم هيرودس الأدومي وحاصر أورشليم في نفس السنة واستولى عليها بمساعدة الرومان، وقد منحه مجلس الشيوخ لقب حاكم اليهودية ثم منحه بعد ذلك لقب ملك. وهو المعروف بهيرودس الكبير. وكان في سياسته خاضعاً للرومان. وحين انتصر أوكتافيوس (أغسطس قيصر فيما بعد) على أنطونيوس تحول هيرودس إلى ممالأة أوكتافيوس فنال رضاؤه وثبت ملكه. وهو ليرضي اليهود جدد الهيكل، لكنه في داخله لم يكن يحب اليهود لذلك لم يمانع في إقامة هياكل وثنية، وأقام هياكل لعبادة الإمبراطور. وكان مولعاً بالمشاريع والبناء وأقام مدينة سباسطة على أنقاض مدينة السامرة القديمة إكراماً للإمبراطور (أغسطس باللاتينية هي سيباستوس باليونانية) وأقام مدينة قيصرية تكريماً لقيصر على ساحل البحر المتوسط. وكان قاسياً غادراً، قتل بعض من زوجاته وبعض من أبنائه خوفاً على عرشه وقتل كثيراً من أقربائه، وأصدر أمراً بقتل وجهاء المدينة ساعة موته حتى يعم الحزن المدينة ولا يفرح أحد بموته، وهو الذي أمر بقتل أطفال بيت لحم. وفي أيامه وُلِدَ المسيح. ومات هيرودس سنة 4ق.م.
خلفاء هيرودس الكبير
إنقسمت مملكة هيرودس الكبير إلى أربعة أرباع بعد موته ملك عليها أربعة، كل منهم كان رئيس ربع وهم:
1- أرخيلاوس
2- فيلبس والثلاثة أولاد هيرودس الكبير
3- انتيباس
4- ليسانيوس ليس من أسرة هيرودوس
عموماً بهيرودس هذا تحققت نبوة يعقوب (تك10:49) فلقد انتهي تماماً حكم المكابيين الذين كانوا ملوكاً مستقلين. أما هيرودس فكان خاضعاً لروما وليس من حقه التشريع ولا إصدار أحكام الإعدام مثلاً (يو31:18). وكان هذا بحسب النبوة إيذاناً بمجيء المسيح (شيلون).
1- أرخيلاوس
كان رئيس ربع على اليهودية والسامرة وأدومية. حكم من سنة وفاة والده سنة 4ق.م. أي من السنة التي وُلِدَ فيها المسيح. كان أكثر أولاد هيرودس شراسة لذلك لم تستطع العائلة المقدسة أن تسكن في بيت لحم بعد عودتها من مصر وسكنوا في الجليل (مت22:2).
عينه أوغسطس قيصر رئيس ربع وأمره بإخماد الثورات فكان دموياً مع اليهود فأثار حقدهم. بل تدخل في أمور الكهنوت، فتآمر اليهود ضده وأرسلوا لقيصر يطلبون عزله. وطرده قيصر بعد 10 سنوات من حكمه لسوء إدارته. ومن بعده أصبحت اليهودية تحت حكم الرومان مباشرة، فضمت إلى سوريا وأرسل إليها والٍ روماني ليحكمها.
2- فيلبس
حكم المناطق الشمالية وشمال بحر الجليل (مناطق بتانيا وتراخونيتس وإيطورية واورانيتس) وكان معظم سكانها من الأمم (لو1:3) وقد أعاد بناء مدينة بانياس بالقرب من منابع الأردن وأسماها قيصرية وهي التي عرفت فيما بعد بقيصرية فيلبس تمييزاً لها عن قيصرية الساحل التي أنشأها والده. وكان فيلبس أفضل أبناء هيرودس واستمر حكمه ما يقرب من ثلاثين عاماً تميزت بالهدوء والرخاء ومات بدون وريث فضمت مملكته إلى أغريباس.
3- أنتيباس "هيرودس أنتيباس"
هو الابن الأصغر لهيرودس من زوجته السامرية. حكم على الجليل وبيرية (لو19:3). أنشأ مدينة طبرية على الشاطئ الغربي لبحر الجليل وأطلق عليها الاسم تكريماً لطيباريوس. كان منحل الأخلاق ولذا تزوج من هيروديا زوجة فيلبس أخيه. وكانت هذه الحادثة سبباً في سجن ثم قتل المعمدان، بسبب توبيخه إياه. وقد وصفه السيد المسيح بالثعلب (لو32:13) وهو هيرودس أنتيباس الذي حوكم أمامه المسيح (لو7:23) وكان متزوجاً من ابنة اريتاس الرابع ملك النبطيين العرب، وقد جلب عليه زواجه من هيروديا المتاعب لأنه طلق ابنة اريتاس، مما جعل أريتاس الملك يحاربه ويهزمه سنة 36م وعزلته روما سنة 39 وتم نفيه في بلاد الغال ومات منفياً بعد أن حكم 43سنة. وضمت مملكته إلى أغريباس.
4- ليسانيوس
لم يكن من أسرة هيرودس. وكانت منطقة نفوذه هي الإبلية وكانت خارج حدود مملكة هيرودس.
بعد عزل أرخيلاوس عين الرومان مكانه والياً رومانياً من طبقة الفرسان. وتوالي بعد الولاة الرومان وكان بيلاطس البنطي هو الخامس، وقد وجد الولاة أن الإقامة في أورشليم لا تناسبهم فجعلوا إقامتهم في قيصرية وتركوا أورشليم في حراسة رئيس قوات يقيم في قصر هيرودس وحصن أنطونيا. وكان الوالي يذهب لأورشليم في أيام الأعياد حيث تزدحم المدينة بالحجاج الوافدين من أنحاء البلاد لقضاء العيد، وذلك لحفظ النظام ومنعاً لحدوث اضطرابات أو ثورات. وكانت هذه مهمة الوالي بالإضافة لجمع الضرائب. وكانت له السلطة القضائية العليا، وله أن يعين رئيس الكهنة ويراقب الهيكل ويشرف على أمواله، بل أن ملابس رئيس الكهنة كانت تحفظ طوال السنة في عهدته ويسلمها له في فترة العيد ويستردها بعد إنتهاء العيد. وهذه الأمور زادت من ثورة اليهود على الرومان واستمرت فلسطين مستعمرة رومانية حتى إنقسام الإمبراطورية الرومانية فصارت جزءاً من الإمبراطورية الشرقية التي تحولت إلى المسيحية.
عين بيلاطس والياً رومانياً على اليهودية في السنة الثانية عشرة من حكم طيباريوس. وكان يبغض اليهود فأذلهم وأقام الشعارات الرومانية التي تحمل صورة الإمبراطور في المدينة المقدسة مما يتنافى مع عقائد اليهود وحملهم على الثورة. ذبح عدد من السامريين على جبل جرزيم، وذبح عدداً من الجليليين عند مذبح القربان (لو1:13،2). وقد تزامنت سنوات ولايته مع مدة خدمة السيد المسيح، ولخوفه من ثورة اليهود أمر بصلبه. ومع هذا توالت الشكاوي ضده من اليهود فصدرت الأوامر بعودته إلى روما وخلفه مارسيليوس والياً على اليهودية. ويوسابيوس المؤرخ يقول أن بيلاطس ربما يكون قد انتحر في أيام حكم كاليجولا. ولكن المؤرخ المسيحي العلامة ترتليان يذكر أن بيلاطس كان مسيحياً في قلبه ويؤيد ذلك تقرير أرسله بيلاطس إلى طيباريوس قيصر. والكنائس الشرقية تعتقد أن بيلاطس وزوجته صارا مسيحيين وأن جسده نقل بالقرب من فرنسا.
هو ابن أرسطوبولس وحفيد هيرودس الكبير، تربى في روما وصار ملكاً على اليهودية سنة 41م. وكان موضع عطف الإمبراطور كاليجولا فعينه على شمال شرق فلسطين ومنحه لقب ملك. وبعد نفى أنتيباس ضمت إلى مملكته الجليل وبيريه، وحين تولى كلوديوس الحكم أضاف إلى مملكته السامرة، فصارت مملكته أوسع من مملكة أي ملك آخر بعد سليمان. ولأن جدته كانت يهودية إكتسب رضاء اليهود عليه. وقد اضطهد المسيحيين إرضاء لليهود، فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف وألقى بطرس في السجن إنتظاراً لموت مماثل (أع2:12،3+ أع1:12) وقد مات ميتة شنيعة فضربه الدود وقت أن إدعى الألوهية (أع23:12) وخلفه ابنه أغريباس الثاني. وهو له ابنتين برنيكي (أع13:25) ودروسيللا الزوجة الثالثة لفيلكس الوالي (أع24:24)
أشركوا معه بعض الولاة الرومان. وهم حكم تراخونيتس وأجزاء من الجليل وبيرية. وكان فيلكس من الولاة الذين تزامنوا معه (53-60م) ثم فستوس (60-62م). وحوكم أمامه بولس الرسول واستمر حكمه حتى وقت سقوط أورشليم واشتركت جيوشه مع جيوش تيطس. وكان يعاشر أخته برنيكي كزوجة. وبعد ذلك ذهب ليعيش في روما ومات في مذلة سنة 100م وبموته انتهت أسرة هيرودس.
ملوك وولاة اليهودية في
فترة ما قبل وما بعد المسيح
1- هيرودس الكبير 37ق.م
2- أرخيلاوس ابنه 2ب.م
3- بوبليوس وهو روماني 12
عدة ولاة رومان
4- بيلاطس البنطي وهو روماني 26ب.م
5- أغريباس وهو ابن هيرودس الكبير 41ب.م
6- فاروس وهو روماني 45
7- طيباريوس وهو روماني 46
8- كومانوس وهو روماني 47
9- فيلكس وهو روماني 53
10- فستوس وهو روماني 60
الهيكل اليهودي
صاحب فكرة بناء هيكل هو داود النبي. ولكن الله قال له بل ابنك الخارج من صلبك يبني الهيكل، وهذا فيه رمز لأن المسيح ابن داود هو الذي سيبني الهيكل الحقيقي أي جسده الكنيسة (يو19:2-21)
لكن داود أعد كل شئ لبناء الهيكل ولكن سليمان هو الذي بناه. وتم بناء الهيكل فوق جبل موريا بأورشليم (2صم24) وكان عظيماً. وهدم البابليون هذا الهيكل سنة 586ق.م. أي أنه ظل موجوداً نحو أربعة قرون. ولقد خرب البابليون أورشليم تماماً.
بعد عودة اليهود بسماح من كورش الملك سنة 536 أعيد بناء الهيكل بيد زربابل الوالي المعين من قبل ملك فارس (وكان يهودياً وكان جداً للسيد المسيح مت12:1) ومعه يهوشع رئيساً للكهنة. وكان هذا الهيكل أضخم من الأول ولكنه أقل فخامة وتم البناء حوالي سنة 520ق.م.
تداعي البناء أيام هيرودس الكبير فبدأ هيرودس الكبير إعادة بنائه في السنة الثامنة لملكه. وانتهى بنائه سنة 64 على أيام أغريباس الثاني (يو20:2) وانتهت اللمسات الأخيرة فيه قبل خراب أورشليم مباشرة سنة 70م على يد تيطس. حيث خرب الجنود الرومان الهيكل تماماً، ويقال أن تيطس حاول منعهم إذ كان يقدر القيمة الفنية للبناء لكنه لم يستطع إذ كان الجنود الرومان لا يحبون اليهود وكان تخريب الهيكل علامة نهائية على نهاية الكهنوت اليهودي تماماً ورفض الله لهم نهائياً، وانقطاع الصلة تماماً بين اليهودية والمسيحية إذ كنا نلاحظ أن التلاميذ كانوا بعد صعود المسيح مازالوا يذهبون للهيكل ليصلوا (أع1:3).
الكهنوت اليهودي
كانت وظيفة رئيس الكهنة في ابتداء أمرها ومن أيام هرون تدوم مدة حياة متقلدها، إلاّ أن الدولة الرومانية في وقت المسيح كان لها السلطان في تنصيب وعزل رئيس الكهنة، لذلك توالى تنصيبهم وعزلهم حتى بلغ عدد رؤساء الكهنة في الفترة من أيام هيرودس الكبير حتى سقوط أورشليم 28. وأبرز رؤساء الكهنة في الإنجيل حنان وقيافا.
حنان
كان رئيساً للكهنة في الفترة بين 6-15م وذكر اسمه في العهد الجديد 3 مرات (لو2:3+ يو12:18-24 + أع6:4) وكان نفوذه قوياً. واستمر نفوذه حتى بعد نهاية خدمته، ويؤكد ذلك تولي خمسة من أبنائه لرئاسة الكهنوت.
قيافا
كان صهر حنان (يو13:18). وكان رئيساً للكهنة بمفرده من 18-36م وكان صدوقياً وتعاون مع السلطات الرومانية ومع بيلاطس البنطي. وكان مسئولاً عن الهيكل وأثرى ثراءً فاحشاً. وهو الذي أشار على رؤساء الكهنة والفريسيين أن يموت المسيح عن الشعب (يو49:11). وقد قدم المسيح أمام السنهدريم لمحاكمته برئاسته. وعليه تقع المسئولية العظمى عن صلب المسيح واضطهاد الكنيسة الأولى.
السنهدريم
هو المجلس الكهنوتي الأعلى لليهود، وكان يتكون من 71عضواً، ويطلق على العضو "مشير" وهو اللقب الذي أقترن بيوسف الرامي (مر43:15). وكان رئيس الكهنة هو الرئيس الأعلى للسنهدريم وكان غالباً من الصدوقيين. وكان السنهدريم يعد بمثابة محكمة للعدالة للحكم في مخالفات الناموس (مت22:5+ 59:26+ لو66:22+ أع15:4) وكان في سلطته إصدار الأحكام وتنفيذها، وله الحق في القبض على من يشاء بواسطة أعوانه (مت47:26+ مر43:14+ أع3:4+ 17:5) وكانت له السلطة في إصدار جميع الأحكام ما عدا حكم الإعدام الذي كان يستلزم التصديق عليه من السلطات الرومانية (يو31:18). ولقد قدم المسيح إلى السنهدريم بتهمة التجديف (مت65:26+ يو7:19). كما قدم إليه بطرس ويوحنا كمضلين للشعب (أع2:4-5). وحكم على إسطفانوس بتهمة التجديف (أع11:7) (ربما استغل السنهدريم فرصة غياب الوالي الروماني خارج أورشليم لإحداث ثورة وليقتلوا إسطفانوس) والسنهدريم أتهم بولس بالتعدي على شريعة موسى (أع30:22). وكان السنهدريم أكثر نفوذاً داخل حدود اليهودية. وكانت تصدر منه كافة التعليمات للمجامع الصغرى. وقد انقضت مهمة السنهدريم بعد خراب أورشليم.
المجامع الإقليمية
كانت هذه المجامع منتشرة في كل مدن فلسطين وخارجها في زمن المسيح، وذلك لتيسر العبادة لليهود الساكنين بعيداً عن أورشليم، لكن لم تكن تقدم فيها ذبائح، بل كانت تمارس فيها الصلوات، ويتلى درس من الشريعة، وفي السبت يتلى درس من الأنبياء (لو16:4-20) وكانت في أغلب الأحيان تلقى عظة يقولها الواعظ وهو جالس وهذا ما يسمى بالتعليم (مت23:4+ مر21:1+ 2:6) وفي حضور زائر كان رئيس المجمع يدعوه ليخاطب الجمع إن كان يريد (أع15:13). وكانت تجمع فيه العطايا لصالح الفقراء (مت2:6) وكان اليهودي يوقر المجمع الذي تربى فيه وتعلم الناموس. وكانت لهذه المجامع بعض السلطة تستمدها من مجلس السنهدريم الأعلى في أورشليم، فكان لها حق إصدار الأحكام والعقوبات وفيها ما يصل إلى الجلد والطرد من المجمع (يو22:9). وانتشرت هذه المجامع في كل العالم حيث وُجِدَ يهود. وكان لهذه المجامع بالغ الأثر في إنتشار المسيحية. واستغل بولس الرسول هذه المجامع كثيراً ليبدأ كرازته منها. وغالباً بدأت هذه المجامع بعد خراب هيكل أورشليم على يد ملك بابل وذهابهم للسبي، وهناك أنشأوا هذه المجامع التي انتشرت بعد ذلك. إلاّ أنهم ما كانوا يستطيعون تقديم ذبائح فيها فبحكم الناموس لا يستطيعون تقديم ذبائح إلاّ في المكان الذي حدده الله في أورشليم، وكان الهدف من ذلك وحدتهم وعدم إنحرافهم وراء العبادات الوثنية (تث11:12،13،14)
طوائف اليهود
الكتبة
هم نساخ الشريعة ومفسروها، وهم خبراء الناموس، ويشار لهم أحياناً بالناموسيين (مت35:22) وكانوا مكرسين لتنفيذ الوصايا الناموسية، لذلك كان هناك إرتباط قوي بينهم وبين الفريسيين. وكان من ينال رتبة عالية من الكتبة يسمى ربي مثل غمالائيل (أع34:5) ونيقوديموس (يو1:3). قيل عنهم أن يجلسون على كرسي موسى كمفسرين للناموس. وكانوا مشيري الشعب في الأمور الدينية، وكان منهم أعضاء في السنهدريم، وكان لهم نفوذ قوي، وقد وبخهم السيد المسيح مرات كثيرة بسبب ريائهم (مت5:23-7). وعليهم تقع مسئولية صلب المسيح واضطهاد الكنيسة الأولى. وبعضهم آمن (مت19:8)
الفريسيون
فريسي أي مفرز، فهم كانوا يعتبرون أنفسهم مفروزين عن الشعب لقداستهم. وهم فئة تضم الكهنة والعلمانيين وكانوا يعلمون ويعظون ولكنهم تمسكوا بحرفية الناموس في التفسير والتشدد في حفظ عوائد تسلموها ممن سبقوهم (مت2:15+ مر3:7،5). وكانوا يؤمنون بالقيامة والخلود. ووبخهم المسيح بسبب ريائهم (مت20:5+ 6:16+ لو38:11-54). وكانت لهم يد قوية في صلب المسيح. ولكن كان منهم أفراد مخلصين كبولس الرسول وغمالائيل (أع34:5). وكان الفريسيين متكبرين يفتخرون بمعارفهم الدينية ويزدرون بالعامة. ولقد ظهر الفريسيون في القرن الثاني ق.م.
الصدوقيون
هم الطبقة الأرستقراطية بين اليهود، فمعظم رؤساء الكهنة منهم، كان عملهم المحافظة على نظم الهيكل والضرائب ومراقبة الخزائن، ومن ذلك أثروا ثراءً فاحشاً. وكان بينهم وبين الفريسيين خلافات كثيرة فهم لا يؤمنون بالقيامة ولا الأرواح ولا الملائكة، ومع هذا إتحدوا مع الفريسيين ضد المسيح إذ شعروا بأن المسيح يهدد مصالحهم معاً. لا يقبلون سوى أسفار موسى فقط، منسوبين لشخص اسمه صدوق.
الهيرودسيين
ليسوا طائفة دينية، بل هم في ولاء شديد لهيرودس وهذا منحهم نفوذا واسعاً، كانوا يقنعون الشعب بموالاة هيرودس والرومان ودفع الجزية لقيصر. كرهم اليهود لذلك، ولكنهم إتحدوا مع الفريسيين ضد المسيح (مر6:3+ 13:12). وكان من بين هذه الفئة صدوقيون وفريسيون.
أسماء أمة اليهود
يقول بولس الرسول في (أع3:22) أنا رجلٌ يهودي ولدت في طرسوس كيليكية. ويقول في (رو1:11) لأني أنا أيضاً إسرائيلي من نسل إبراهيم. ويقول في (5:3) أنه من جنس إسرائيل من سبط بنيامين عبراني من العبرانيين. فما معنى كل اسم من هذه الأسماء؟
عبراني
أول مرة نسمع فيها هذا الاسم كان في (تك13:14) "فأتى وأخبر ابرام العبراني" وهي بمعنى العبور= عبور نهر من شط إلى شط أو من مكان لآخر. وهو اسم يدل على غربة الشعب المختار. وهم اسم يرد في كلام الشعوب الذين كان هذا الشعب متغرباً بينهم (تك14:39+ 12:41+ خر16:1) وبمراجعة (1صم19:13) "لم يوجد صانع في كل أرض إسرائيل لأن الفلسطينيين قالوا لئلا يعمل العبرانيون سيفاً" هنا نرى أن النبي كاتب السفر يسمى اليهود "أرض إسرائيل" أما الفلسطينيون فيسمونهم عبرانيين. وقد يرد لفظ العبرانيون على لسان اليهود ولكن يكون ذلك لتمييزهم عن الأجانب لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعاماً مع العبرانيين (تك32:43+ تث12:15+ 1صم3:13).
ولكن بعد ضياع العشرة أسباط في سبي أشور، لم يبقى من الأسباط سوى سبطين، يهوذا وبنيامين فتسموا بالإسم يهود نسبة لسبط يهوذا السبط الأكبر والأقوى. وفي هذه الفترة كانوا لا يستخدمون لفظ عبرانيين.
وبعد العودة من السبي، عاد بعض اليهود ولكن عدداً كبيراً لم يعد إلى إسرائيل وفقدوا بالتالي لغتهم وعادات أبائهم وصار يطلق على الشتات لفظ يهود، أما الساكنين في أورشليم واليهودية والمحافظين على عادات الأباء فأسموهم عبرانيين. (راجع أع1:6) إذ تكاثر التلاميذ حدث تذمر من اليونانيين (اليهود الذين من الشتات) على العبرانيين (اليهود الذين من اليهودية) أن أراملهم .." + (في5:3+ 2كو22:11). فالعبرانيون المقصود بهم إذاً الغيورين في ديانتهم وجميع ما يختص بها، لذلك تسمى لغتهم العبرانية وليست اليهودية.
يهودي
منسوب لسبط يهوذا ابن يعقوب. وبعد سبي إسرائيل (العشرة أسباط) إلى أشور استخدم لفظ يهودي عوضاً عن عبراني للتعبير عن شعب الله. ذكر لأول مرة في (2مل6:16). وهم اسم لا يحمل أمجاداً كاسم إسرائيل بل هو يعبر عنهم في حالة هوان، وضياع عشرة أسباط منهم. حتى بعد عودة بعض من شتات الأسباط إلى أورشليم بعد سماح كورش بهذا صار العائدين يسمونهم أيضاً يهود.
إسرائيلي
هو الاسم الأعز والأمجد عند شعب الله، فهو الاسم الذي أعطاه الله ليعقوب. ففي هذا الاسم اجتمع كل ما كان سبب فرح ورجاء عند شعب الله القديم. هم اسم يحمل معنى الغلبة والمجاهدة مع الله للوصول إلى تتميم المواعيد ولاحظ أن بيلاطس يطلق على المسيح يسوع الناصري ملك اليهود (مت29:27،37) ولكن رؤساء الكهنة لما عيروه قالوا إن كان ملك إسرائيل فلينزل (مت42:27). إذاً اسم إسرائيل هو الاسم المفضل عند اليهود، يحمل عندهم معنى الخلاص من أعدائهم.
وللآن يستخدم لفظ يهود للشعب ولفظ عبراني على العوائد واللغة القديمة.
النقود والمعاملات العبرانية = (قبل المسيح)
كان البيع والشراء يتم بعملة تعتمد على الوزن وليس العدد.
فإبراهيم اشترى المقبرة وَوَزَنَ ثمنها 400شاقل فضة (تك16:23) والظاهر أن الشواقل والوزنات لم تكن مضروبة ضرب عملة بل كانت أوزاناً. لذلك نُهِىَ عن أن يكون في كيس الإنسان أوزان مختلفة كبيرة وصغيرة (تث13:25) وكانت عادة اليهود أن يعلقوا موازينهم في أوساطهم لأجل وزن الفضة التي كانوا يقبضونها وعادة الكنعانيين أن يحملوها في أياديهم (هو7:12)
1- الجيرة أي القمحة وهي = شاقل (خر13:30)
= 15 حبة قمح وزناً
2- البقع = شاقل = 10 جيرات
3- الشاقل وهو مشتق من الفعل العبراني شَقَلَ أي وَزَنَ وهو أنواع:
أ- شاقل القدس (نظراً لحفظه كمعيار قياسي في الهيكل)
ب-شاقل الملك (نظراً لحفظه كمعيار قياسي في القصر الملكي)
ج- الشاقل الدارج لوزن الأشياء الثمينة كالذهب والفضة.
د- شاقل النقود وهذا تحوَّل لعملة في أيام المكابيين نقش عليها اسم شاقل إسرائيل
وهذه الشواقل غالباً كانت غير متساوية، فوزن شعر إبشالوم كان 200شاقل بوزن الملك. فلابد أن وزن شاقل الملك كان أقل من غيره.
4- المن= المنا = 100شاقل قارن (1مل17:10 مع (2أي16:9)
5- الوزنة = 3000شاقل = 30 مناً
أما في أيام المسيح فكانت اليهودية تحت حكم الرومان الذين كانوا يستعملون عملة مضروبة دون الأوزان القديمة.
6- القسيطة (تك19:33+ يش3:24+ أي11:42) هي عملة قديمة غير معروفة الآن.
1- الفَلْس = نصف الربع= ثمن الأساريون (مر42:12)
2- الربع أو المترجم في (مت26:5) بالفَلْس. وهو نوع من النقود الرومانية النحاسية يساوي مضاعف الفلس أو ربع الأساريون.
3- الأساريون وهو المترجم أيضاً بالفلس (مت29:10)
4- الدينار (مت2:20) وهو من نقود الفضة عند الرومانيين ويشمل عشرة أساريون.
5- الدرهم (لو8:15) وهو عملة يونانية يعدل الدينار عند الرومانيين.
6- الأستار عملة يونانية = 4 دراهم= شاقل فضة عند العبرانيين وهذا نفهمه من مقارنة (مت24:17 مع مت27:17 مع خر13:30+ 26:38).
7- المنا (لو16:19) وهو عملة يونانية أصغر من المنا عند العبرانيين المذكور في العهد القديم. وهو= 100درهم أو = 100دينار.
8- الليترا وهو المترجم إلى العربية بالمنا (يو3:12+ 39:19) وهو وزن يوناني وروماني يعادل نحو 100درهم.
تطبيق
راجع (مت21:18-35). فالسيد سامح عبده في 10.000وزنة أما العبد فلم يسامح العبد رفيقه في 100دينار. وبالمقارنة فالوزنة 30مناً والمن 100 دينار.
فالسيد سامح عبده في 10000×30×100= 30.000.000دينار والعبد لا يريد أن يسامح رفيقه في 100دينار وهذا يعبر عن مدى ما سامحنا الله به ونحن لا نريد أن نغفر لأخوتنا هفواتهم تجاهنا.
1- الحفنة= ملء الكف (أم4:30+ إش12:40)
2- اللج= من الهين أو القاب (لا10:14) (يسع 6 بيضات)
3- القاب= مكيال للحبوب = الصاع = من الإيفة (يسع 24 بيضة) (2مل25:6)
4- العُمُر= مكيال للحبوب= الإيفة (خر36:16)
5- العُشر هو نفسه العُمُر (خر40:29)
6- الهين مكيال للسوائل (خر40:29)
7- الصاع مكيال للحبوب= الإيفة (2مل25:6)
8- الثُلث مترجم في (إش12:40) بالكيل = الإيفة = الصاع
9- الإيفة مكيال للحبوب= 3 صاعات = 10 أعمار = البث (مكيال سوائل)
10- البث مكيال للسوائل يسع بقدر الإيفة مكيال الحبوب = الحومر أو الكر
11- اللثك مكيال للحبوب قيل أنه نصف الحومر = 15 صاعاً (هو2:3)
12- الحومر مكيال للحبوب يسع بقدر الكر= 10 إيفة أو إبثاث (لا16:27)
13- الكر مكيال للسوائل والحبوب يسع بقدر الحومر = 10 إيفة أو بث (لو6:16،7)
14- الفورة (حج16:2) مكيال للسوائل = ما تعطيه معصرة العنب في المرة الواحدة.
15- الإبريق (مر4:7) هو مكيال روماني للسوائل.
16- المطر (يو6:2) هو مكيال يوناني للسوائل = بث عبراني
17- الثمنية (رؤ6:6) هي كيلة يونانية للحبوب.
قياسات الطول
1- قياسات الطول القصيرة عند العبرانيين مأخوذة من أعضاء الجسد كالإصبع والقبضة والشبر والقدم والذراع.
2- الإصبع (أر21:52)
3- القبضة (أر21:52) = مسافة عرض أربع أصابع
4- الفتر (حز13:43) = المسافة الممتدة من السبابة إلى رأس الإبهام وهما منفرجتان بقدر ما يمكن.
5- الشبر (خر16:28) = المسافة الممتدة من رأس الإبهام إلى رأس الخنصر إذا إنفرجا وامتدا بقدر ما يمكن = 3قبضة عبرانية.
6- الذراع (تث11:3)= المسافة الممتدة من طرف الإصبع الوسطى إلى رأس المرفق إذا مُدَّ الساعد ووضعت اليد ناحية الجسم = قامة الإنسان تقريباً = شبرين= 1قدم وهذه تسمى الذراع الدارجة
7- الذراع المقدسة= 4 أشبار أو ذراعين من الدارجة (1مل15:7+ 2أي15:3).
8- ذراع ثالثة استعملها حزقيال= ذراع دارجة وشبراً أو فتراً (خر5:40، 13:43). وهذه الذراع ليست للاستخدام العادى لعامة الناس، بل هى ذراع نبوية رآها وإستخدمها حزقيال فى الرؤيا التى رآها بخصوص الهيكل الذى يرمز للكنيسة. وهى ذراع (وهذا يرمز لعمل المسيح فى بناء الكنيسة) وشبر أو فتر (وهذا يرمز لعمل المؤمنين الذين يعمل فيهم الروح القدس). فالذراع يرمز لعمل المسيح والأصابع ترمز لعمل الروح القدس (راجع التفاصيل فى ارمياء اصحاحى 18و19).
9- القامة (أع28:27) = تقريباً متوسط طول الإنسان = 4 أذرع دارجة.
10- قصبة حزقيال= قصبة القياس= 6 أذرع بذراعه المذكورة في (8)
11- الغلوة (لو13:24) = 400ذراع دارجة.
12- سفر السبت (أع12:1) = 5 غلوات.
13- الكُبَرة = وتترجم مسافة (تك16:35+ 7:48+ 2مل19:5) وهي مسافة مقدارها غير معلوم الآن.
مقدمة عامة للأربعة أناجيل
18. لماذا الكلمة المكتوبة؟
كان آدم يسمع الله ويتكلم معه، وبعد السقوط صارت كلمة الله بالنسبة للإنسان مرهبة ومخيفة "سمعت صوتك في الجنة فخشيت" (تك10:3) فكان الله يتكلم والإنسان لا يقدر أن يسمع وإن سمع لا يقدر أن يتجاوب معه. تحول قلب الإنسان من قلب مملوء حناناً إلى قلب حجر بلا إحساس، وأمام هذا التحول تقدم الله إلى الإنسان ليهبه كلمته منقوشة بإصبعه على لوحي الحجر، وكأنها على قلبه الحجري. لقد أراد أن يخترق القلب الحجري ليسجل بإصبعه أي روحه القدوس كلماته لعل الإنسان يقدر أن يتذوقها ويتجاوب معها. وكأن الكلمات الإلهية المكتوبة إنما جاءت كعلاج لضعفنا البشري.
19. كلمة إنجيل
مشتقة من الكلمة اليونانية "إيفانجيليون" وتعني من الناحية اللغوية المكافأة التي تقدم لرسول من أجل رسالته السارة ثم صارت تطلق على الأخبار السارة عينها. أما في العهد الجديد فقد إحتلت الكلمة مركزاً أساسياً بكونها تعبر عن الرسالة المسيحية في مجملها (مر1:1+ 1كو1:15) لتعبر عن أخبار الخلاص المفرحة وهي أخبار العفو عن العقوبة، وغفران الخطايا والتبرير والتقديس والتبني وميراث السموات والدخول في علاقة مع ابن الله الذي جاء ليعلن ذلك للكل. فقد صار الله على الأرض وصار الإنسان في السماء وإختلط الكل معاً. إختلطت الملائكة مع صفوف البشر، وصار البشر في صحبة الملائكة وتحققت المصالحة بين الله وطبيعتنا وصار إبليس في خزي. وقد نسمع القول إنجيل الله (مر14:1+ 1تس2:2،8،9) فهذا يعني البشارة التي تعلن طبيعة الله المحبة كمحب للبشر. وقد نسمع عن إنجيل يسوع المسيح (مر1:1+ 2كو4:4) فهو يحمل ذات الحب.
20. أهمية الأناجيل
عاشت الكنيسة أكثر من 20عاماً بعد حلول الروح القدس بلا إنجيل مكتوب. ولكنها عاشت الإنجيل ومارسته كحياة فائقة في المسيح يسوع. فلماذا لم تبق الكنيسة عبر العصور تعيش إنجيلها المسلم شفاهاً؟ وهل من ضرورة للإنجيل المكتوب؟
أ- التقليد الشفوي كان له أهميته الخاصة في الكنيسة. وجاء الإنجيل المكتوب لا ليحتل مكان التقليد. إنما ليكمله ويؤكده. فالإنجيل يحفظ التقليد بلا إنحراف والتقليد يفرز الأناجيل القانونية ويحفظها بلا تحريف ويكشف عن مفاهيمها.
ب- كان المؤمنين في حاجة إلى وثائق رسولية تتحدث عن حياة السيد المسيح وتعاليمه ومعجزاته وموته وقيامته، وتعلن تحقيق ما ورد في العهد القديم. فالأناجيل قدمت حياة المسيح على الأرض، بل قدمت شخص المسيح لنقبله فينا ونحيا به ومعه نشاركه آلامه وأمجاده لذلك فرحت الكنيسة الأولى بالأناجيل إذ وجدت فيها ما تسلمته شفاهة.
21. الأناجيل الأربعة ووجوه الكاروبيم
ربط القديس ايريناوس في القرن الثاني أنه كما أن هناك أربعة جهات للمسكونة وأربعة رياح وأربعة وجوه للكاروبيم هكذا يوجد 4 أناجيل تشير لإنتشار الأربعة أناجيل في العالم كله والأربعة الحيوانات وما ترمز إليه كالتالي:
1. وجه إنسان يشير للتجسد، المسيح الله الذي صار إنساناً .. .. .. إنجيل متى.
2. وجع ثور يشير للصليب، وأن المسيح قدّم نفسه ذبيحة .. .. .. إنجيل لوقا.
3. وجه أسد يشير للقيامة، ولسلطان المسيح الملوكي .. .. .. .. .. إنجيل مرقس.
4. وجه نسر يشير للصعود، وللاهوت المسيح .. .. .. .. .. .. .. إنجيل يوحنا.
فالأناجيل الأربعة تعرض لحياة المسيح كلها التي يشير إليها كل وجه من وجوه الكاروبيم. والأناجيل الأربعة متفقة ولكنها كأوتار القيثارة كل وتر له نغم يختلف عن الوتر الآخر ولكنها معاً تعزف سيمفونية جميلة. فالكتاب المقدس هو آلة الله الواحدة الكاملة والمنسجمة معاً، تعطى خلال الأصوات المتباينة صوت الخلاص الواحد للراغبين في التعلم. نستطيع أن نقول أن الوحي الإلهي قدم لنا إنجيلاً واحداً هو إنجيل ربنا يسوع المسيح بواسطة الإنجيليين الأربعة. كل يكشف عن جانب من جوانب هذا الإنجيل الواحد. وكأنه بقطعة من الماس كل منهم ينظر لها من أحد أوجهها فيتضح جمالها ويظهر هذا من الآتي:
فمتى يكتب لليهود فيقدم لنا المسيح الملك الذي فيه تحققت النبوات وكمل الناموس.
ومرقس يكتب للرومان فيبرز شخص المسيح من الجانب العملي كصانع معجزات وغالب للشيطان لا يقدم الكثير من كلمات المسيح وعظاته، إنما يقدم أعماله فهو يحدث رجال حرب عنفاء.
ولوقا يكتب لليونانيين أصحاب الفلسفات والحكمة البشرية فيقدم المسيح كصديق للبشرية الذي جاء ليخلص لا بالفلسفات الجديدة إنما بالحب الباذل بذبيحة الصليب.
ويوحنا يكتب للعالم كله ليعلن السيد المسيح الكلمة الإلهي المتجسد الذي حل بيننا ليرفعنا إلى سمواته.
متى |
مرقس |
لوقا |
يوحنا |
كتب لليهود المسيا الملك جاء يتمم الناموس اهتم بالنبوات رمزه وجه إنسان |
للرومان المسيح غالب الشيطان يعمل العجائب إهتم بالعمل الأسد |
لليونان صديق البشرية يخلص البشرية اهتم بالتاريخ الثور |
للعالم المسيحي الكلمة المتجسد الله يحل في وسطنا اهتم باللاهوت النسر |
22. الإنجيل بحسب متى البشير
مكتوب للمسيحيين من أصل يهودي، قدّم شخصية المسيح في جوهر تعليمي دفاعي، يقدم المسيا المرفوض من قادة اليهود، بكونه مكمل الناموس ومحقق نبوات العهد القديم فيه يتحقق ملكوت الله السماوي على الأرض، مصححاً الفكر اليهودي عن المسيا كملك أرضي. هكذا يظهر هذا السفر كأنه يعكس تقليد الكنائس اليهود مسيحية في فلسطين قبل سقوط أورشليم، ولأنه ركز على التجسد الإلهي فيرمز له بوجه إنسان.
23. الإنجيل بحسب مرقس البشير
يعتبر كثير من الدارسين الأساس الذي أخذ منه متى ولوقا.
قدم للعالم الروماني المعتز بالذراع البشري كأصحاب سلطان يؤمنون بالقوة والعنف علامة الحياة والنضوج، لهذا أبرز شخص السيد المسيح صانع العجائب وغالب الشيطان، الذي غلب بصليبه وحبه لا بالحرب والعنف وإن كان الرومان قد إنشغلوا بمملكتهم في العالم المعروف في ذلك الحين، فقد سحبهم الإنجيل إلى مملكة من نوع جديد تحتاج إلى قوة الروح والعمل الإلهي لا إلى الذراع البشري المتعجرف والمجرد. ولقد رمز له بوجه أسد إعلاناً عن الغلبة والنصرة، أو علامة للملك الجديد السماوي.
24. الإنجيل بحسب لوقا البشير
سُجِّل لليونان أصحاب الفلسفات والأدب اليوناني، لذا جاء هذا السفر في أسلوب أدبي رائع، يقدم لنا حياة السيد المسيح في تاريخ بطريقة لاهوتية تعلن عنه كمخلص البشرية كلها المتعلم والأمي، الفيلسوف والبسيط، الغني والفقير، الخاطئ والوثني، إنه لا يخلص بالحكمة البشرية والفلسفات بل بذبيحة الحب، لهذا رمز إليه بوجه ثور علامة الذبيحة واهية المصالحة مع الآب.
25. الإنجيل بحسب يوحنا البشير
له طابعه اللاهوتي الخاص به. ويرمز له لذلك بوجه نسر.
إتفاق البشيرين
يقال عن أناجيل متى ومرقس ولوقا أنها أناجيل متوازية أو ذات النظرة المشتركة SRNOPTIC نظراً لكثرة التشابه الموجود بينها ولوحدة النهج الذي إتبعته.
ويمكن وضع الحوادث في هذه الأناجيل في أعمدة متوازية.
لو قسمنا مادة الأناجيل الثلاثة إلى 89 فقرة نلاحظ الآتي
42 فقرة مشتركة في الأناجيل الثلاثة
12 فقرة مشتركة بين إنجيلي القديسين متى ومرقس.
5 فقرات مشتركة بين إنجيلي القديسين مرقس ولوقا.
14 فقرة مشتركة بين إنجيلي القديسين متى ولوقا.
5 فقرات ينفرد بها إنجيل القديس متى.
2 فقرة ينفرد بها إنجيل القديس مرقس.
9 فقرات ينفرد بها إنجيل القديس لوقا.
بل واضح اتفاقهم في تسلسل الحوادث والقصص وتفسير هذا:
1. أن أعمال وأقوال المسيح تم تعليمها ونقلها شفهياً قبل أن يبدأ الإنجيليين في كتابة أناجيلهم. وكان هذا الإنجيل الشفهي مشهوراً ومنتشراً ومستخدماً في الكرازة (أع37:10) فبطرس يفترض في عظته هنا معرفة الجميع بالإنجيل الشفهي. وأخذ كل واحد من الإنجيليين من هذا الإنجيل الشفهي ما يتفق مع هدفه.
2. متفق الآن بين معظم العلماء أن مرقس هو أول من كتب إنجيله ثم إطلع لوقا ومتى على ما كتب مرقس واقتبسوا منه. ولكن هناك رأي آخر بأنه كان هناك إنجيلاً مكتوباً أخذ الجميع عنه بتصرف ولكن بوحي من الروح القدس الذي جعل هناك إتفاقاً في بعض الوجوه وإختلافاً في وجوه أخرى لتتبلور صورة معينة هي هدف كتابة الإنجيل.
مقدمة إنجيل متى
1- من هو القديس متى؟
بمقارنة (مت9:9+ مت3:10+ مت11:9-12+ لو29:5) نفهم أن متى هو أحد التلاميذ الإثني عشر. وكان عشاراً واسمه لاوي بن حلفى. رآه السيد المسيح جالساً عند مكان الجباية فقال له إتبعني، فقام وتبعه. وكان اليهود ينظرون ببغضة لمهنة الجباية لأنها تمثل السلطة الرومانية المستبدة وإذلالها للشعب. بل كان العشارين يستغلون هذه الظروف لحسابهم الخاص، فكانوا مكروهين عند الشعب. وحينما دعا السيد المسيح متى قام فوراً وترك مكان الجباية وصنع وليمة للرب في بيته (لو29:5)، دعا إليها أصدقاؤه السابقين من عشارين وخطاة حتى يختبروا عذوبة التبعية للسيد المسيح بأنفسهم، الأمر الذي أثار معلمي اليهود لأن المسيح يأكل مع خطاة.
2- لغة الكتابة
كتب متى بالآرامية ثم ترجمت فيما بعد لليونانية (يقال أن متى هو الذي ترجم أيضاً)
3- تاريخ الكتابة ومكان الكتابة
كتب بعد إنجيل مرقس وقبل خراب الهيكل، حيث يتكلم عنه كنبوة (ص24) ويقول التقليد أنه كُتِبَ في فلسطين. وكتب ما بين عامي 60،65م بعد إنجيل مرقس.
4- غرض الكتابة
كتب القديس متى إنجيله لليهود الذين كانوا ولا يزالون ينتظرون المسيا الملك الذي يقيم مملكة تسيطر على العالم. فالكاتب يهودي تتلمذ للسيد المسيح، يكتب لاخوته اليهود ليعلن لهم أن المسيا المنتظر قد جاء، مصححاً مفهومهم للملكوت، ناقلاً إياهم من الفكر المادي الزمني إلى الفكر الروحي السماوي. ولقد كرر كلمة ابن داود لتأكيد أن المسيا هو الملك الخارج من سبط يهوذا ليملك، لكن ليس على نفس المستوي الذي ملكوا به في أرض الموعد إنما هو ملكوت سماوي (مت43:13+ 34:25+ 21:7+ 11:8+ 28:16)
5- سمات الإنجيل
أ- إذ يكتب متى لليهود فهو يستخدم حوالي 60نبوة من العهد القديم ليشير أن نبوات العهد القديم قد تحققت في المسيح. ويكرر كلمة الملكوت حوالي 55مرة ويذكر المسيح كابن لداود 8مرات معلناً أنه الموعود به. وهو يفترض أن القارئ يعرف العبرية (19:5). ويشرح المفاهيم اليهودية بطريقة مسيحية. فأسس الأعمال الصالحة عند اليهود هي الصدقة والصلاة والصوم ويقدم هذه بمفهوم مسيحي. لقد أوضح متى أن المسيح لم يأتي ليحتقر العهد القديم بل ليدخل به إلى كمال غايته.
ب- إذ يكتب لليهود صارحهم بأخطائهم (10:8،11+ 18:20+ 43:21+ 1:12-13+ 2:6،5،16+ 3:15-9).
ج- مع أن هذا الإنجيل كُتِبَ لليهود إلاّ أنه لم يغفل الأمم، فكان يشرح بعض الألفاظ المعروفة لدى اليهود "عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (23:1+ 23:27+ 13:4+ 33:22).
د- إنجيل متى هو إنجيل الملكوت. الملكوت الذي بدأ بمجيء السيد وسكناه في قلوبنا ليعلن بكماله في مجيئه الأخير (28:12+ 17:4.. .. + 34:25+ 21:7)
ه- توجد خمسة مقالات (مواعظ) كبرى في إنجيل متى يلحقها أو يسبقها بعض القصص وهذه الخمسة مواعظ هي:
1) الموعظة على الجبل (ص5-ص7)
2) العمل الرسولي (ص10)
3) أمثال الملكوت (ص13)
4) تعاليم متنوعة (ص18)
5) أحاديث اسخاتولوجية (ص23-ص25)
6- متى يذكر اسمه قائلاً متى العشار، وتادباً يذكر لوقا ومرقس اسمه قائلين لاوي حتى يتحاشوا لقب العشار المشهور به. ومن المعتاد أن يكون للشخص أسمين سمعان/ بطرس، شاول/بولس، مرقس/يوحنا، .. وهكذا
لقب ابن الإنسان
تكرر هذا اللقب 71مرة في الأناجيل الثلاثة المتناظرة (متى ومرقس ولوقا) و 13مرة في إنجيل يوحنا و4 مرات خارج الأناجيل (أع56:7+ عب6:2+ رؤ13:1+ رؤ14:14) وهو المقابل (لدانيال13:7). وهو يعني:
1) المسيح ابن الله صار إبناً للإنسان، تجسد وتأنس وأخذ جسداً شابهنا به في كل شئ ما عدا الخطية.
2) كل المجد الذي يقال أن المسيح ورثه إذ جلس عن يمين الآب صار حقاً للبشر الذين يؤمنون به (عب2:1+ يو22:17)
3) لم يقال ابن آدم فهو لم يأتي مولوداً بحسب النظام الطبيعي للتناسل بل وُلِدَ من الروح القدس ومن العذراء القديسة مريم، فهو ابن إنسان وليس إبناً لآدم بحسب الطبيعة.
4) هي تأتي معرفة بمعنى الابن الذي للإنسان، فهو ابن بطريقة فريدة.
5) نفهم من اللقب أن المسيح سيحتفظ بناسوته في السماء متحداً بلاهوته "سوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة" (مر61:14،62)
مقدمة إنجيل مرقس
1- من هو القديس مرقس؟
وُلِدَ القديس مرقس في القيروان إحدى المدن الخمس الغربية بليبيا، من أبوين يهوديين واسم والده أرسطوبولوس ووالدته مريم امرأة تقية لها اعتبارها بين المسيحيين الأولين في أورشليم. وحمل مارمرقس اسم يوحنا أيضاً (أع12:12) وهو ابن أخت برنابا رفيق خدمة بولس الرسول. ووالده ابن عم زوجة القديس بطرس أو ابن عمتها (القيروان هي مدينة كيريني أو سيريني)
وإذ هجمت بعض القبائل المتبربرة على أملاكهم تركوا القيروان إلى فلسطين حيث تمتع مع والدته بالسيد المسيح، فقد كانت أمه من النساء اللواتي خدمن السيد من أموالهن. وفي بيت مارمرقس أكل السيد الفصح مع تلاميذه في العلية، وهناك غسل أقدامهم وسلمهم سر الإفخارستيا وفيها حلَّ الروح القدس على التلاميذ فصارت هذه العلية في بيت مارمرقس أول كنيسة. وكان مرقس من السبعين رسولاً .
وكان مارمرقس هو الشاب الذي كان حاملاً الجرة عندما التقى به التلميذان ليعدا الفصح للسيد (مر13:14،14) وهو الشاب الذي ترك إزاره وهرب عارياً عند القبض على السيد (مر52:14). (مرقس هو اسم روماني ويوحنا اسمه العبري)
ويرمز لمارمرقس بالأسد، إذ إجتذب أبيه للإيمان حين هاجمهما أسد ولبؤة أثناء سيرهما في الطريق إلى الأردن وبصلاة مارمرقس إنشق الوحشان. كما بدأ القديس مرقس إنجيله بقوله "صوت صارخ في البرية" وكأنه صوت أسد يمهد لمجيء السيد المسيح "الأسد الخارج من سبط يهوذا" (رؤ5:5)
بدأ خدمته مع بطرس في أورشليم واليهودية ثم مع بولس وبرنابا في الرحلة التبشيرية الأولى وكرز معهما في إنطاكية، ولظروف ما عاد إلى أورشليم. وفي بدء رحلة بولس الرسول الثانية أصر بولس على عدم إصطحاب مرقس معه فإنفصل عنه برنابا وذهب برنابا مع مرقس وأخذ بولس معه سيلا (أع4:13-5+ 39:15،40) "كان يوحنا خادماً" كلمة خادم في أصلها اللغوي معلم مدرسة فهو يعلم ويعد الناس للمعمودية. ثم اختفت شخصية مارمرقس من سفر الأعمال إذ ذهب ليكرز بعد انفصاله عن بولس مع برنابا إلى قبرص ثم إنفصل عن برنابا وذهب ليكرز في الخمس مدن ثم جاء ليكرز في مصر. وأسس كنيسة الإسكندرية. ورسم إنيانوس ليصير أول بطريرك مصري على الكرسي الإسكندري. ولما هاج الشعب الوثني عليه ترك الإسكندرية وذهب إلى ليبيا ومنها إلى روما حيث إلتقى بالقديسين بطرس وبولس وبقى معهما حتى استشهادهما سنة 64م. وعاد سنة 65م ليجد الإيمان المسيحي قد ازدهر فقرر أن يزور المدن الخمس وعاد ثانية إلى الإسكندرية ليستشهد فيها.
2- تسلم عليكم التي في بابل.. ومرقس ابني (ابط13:5)
من هنا نرى أن رسالة بطرس الأولى كتبت من مكان يسميه بابل وكان معه مرقس والأخوة الكاثوليك يرون أن بابل هي روما وأن مرقس هو تلميذ لبطرس ولكنه لم يرى المسيح بل هو مجرد مسجل لما يقوله بطرس والرد على ذلك، أن بيت مارمرقس كان أول كنيسة وكان هو من السبعين رسولاً. وبابل ليست هي روما:
1) ما الداعي لأن بطرس لا يذكرها صراحة باسم روما.
2) ثابت تاريخياً أن بطرس وصل لروما في آخر حياته، ولم يكن هناك فترة لكتابة رسالتين.
3) ترتيب الولايات كما جاءت في الرسالة من الشرق للغرب لذلك فمن المرجح أن بطرس كتب رسالته الأولى من مكان ما بالشرق.
ويرجح أن يكون هذا المكان هو مصر التي تسمى بابلون أي مصر القديمة وقد كانت قبلا موطناً لجماعة من اليهود ومقر عسكري روماني لا تزال أثاره باقية للآن وهذا الرأي تسنده التقاليد التاريخية التي تقول بأن مرقس الرسول قدم إلى مصر سنة 61 أو 62م. وهناك رأي أخر أن مرقس حين ترك الإسكندرية ذهب إلى بطرس في مكان فيه تجمع يهودي باسم بابل حيث كتب بطرس رسالته من هناك.
أما قصة خلاف بولس مع مرقس فانتهت بل قال بولس أنه نافع للخدمة (2تي11:4)
3- أجمع الدارسون أن إنجيل مرقس هو أقدم الأناجيل وكان المصدر الرئيسي لكلا الإنجيليين متى ولوقا. ويرى البعض أنه كتب في مصر والبعض الآخر يرى أنه كتب في روما. والكنيسة القبطية ترفض فكر الكاثوليك بأن مرقس ما هو إلا كاتب مذكرات بطرس (راجع كتاب البابا شنوده الثالث).
4- إذ كتب مارمرقس لللرومان نجد:
أ- يترجم الكلمات الآرامية التي لا يفهمها الرومان مثل بوانرجس (17:3) وطليثا (41:5) وقربان (11:7) وإفثأ (34:7) وإلوي إلوي (34:15) وجلجثة (22:15).
ب- يشرح العادات اليهودية (2:7-4+ 12:14+ 42:15+ 18:12)
ج- لم يقتبس كثيراً من العهد القديم كما فعل متى.
د- الرومان رجال عمل وليسوا رجال فلسفة وأقوال. لذلك يقدم مرقس المسيح لهم كرجل أعمال ومعجزات ولا يقدم عظاته وأقواله.
ه- آمن الرومان بالقوة والسلطة كأصحاب سيادة في العالم في ذلك الحين لذلك حدثهم مرقس عن المسيح كصاحب سلطان حقيقي على كل شئ، على الشياطين (27:1) وعلى الأمراض (42:1) وعلى الطبيعة (39:4-41) وعلى النباتات (12:11-20) وعلى الهيكل (33:11) وقدم المسيح كرب للسبت (28:2)، له سلطان أن يعرف الأفكار (8:2) ويعلن أسرار المستقبل (ص13)، قادر أن يشبع الجماهير (33:6-44، 1:8-9) بل أن هذه القوة ستتبع من يؤمن به (17:16،18) فالمسيح قوي وهكذا من يتبعه. ولكن الرومان آمنوا بالسيادة خلال العنف والكبرياء مع الإغتصاب، أما مارمرقس فيعلن سلطان السيد خلال الإتضاع وخدمة الآخرين (33:9-36).
و- إذ يكتب للرومان قدّم لهم هيرودس كعينة لملوكهم يجتمع حولهم المتملقون للهو والرقص مع إتسامه بالعنف والقتل ظلماً، بينما يقدم المسيح الذي أتى ليملك من خلال محبته وآلامه وبذله وصليبه وإشباعه للنفوس وقدم الجماهير المبهوتة من تعاليمه، الكل يجري إليه. فهو قدم المسيح كابن الله (1:1) صاحب السلطان الكامل على الخليقة الذي جاء ليخدم البشر ويبذل نفسه لأجلهم إذاً هو إنجيل القوة الإلهية الخادمة والباذلة.
ز- ركز الإنجيل على إبراز الصراع بين السيد المسيح واليهود ليشجع الرومان على قبوله خصوصاً أنه لم يقابل اليهود في ضعف بل كان يفحمهم، وحين صلبوه لم يفعلوا هذا عن ضعف من جانبه، إذ هو سبق وأعلن لتلاميذه عن صلبه، مؤكداً ذلك 3 مرات (31:8+ 31:9+33:10-34) وموضحاً أنه يقوم من الأموات ويأتي بمجد أبيه مع الملائكة القديسين (38:8) ويأتي على سحاب السماء (62:14) ومن جانب آخر أوضح إتجاه السيد نحو الأمم (24:7-30+ 17:11+ 10:13+ 15:16) وجاءت وصيته الأخيرة إذهبوا إلى العالم أجمع .. (15:16)
ح- لأنه وجه إنجيله للرومان كشف عن جامعية رسالة الإنجيل لتضم الأمم أيضاً لذلك كثيراً ما يستخدم التعبيرين "كل" و "جميع" (5:1،28،33،39+ 13:2+1:4) .
ط- لأنه يكتب للرومان وليس لليهود لم يهتم بسلاسل الأنساب.
ي- في تعليمه أظهره ليس كمعلم (رابي ناموسي) يجلس ويجلس حوله تلاميذ يسمعون له إنما قدمه كمعلم يعيش مع تلاميذه ويصاحبونه في شركة عملية لذلك أختفت العظات التعليمية من إنجيل مرقس.
5- يبدأ الإنجيل بأن المسيح هو ابن الله وينتهي تقريباً بصرخة قائد المئة أنه ابن الله (39:15). وهكذا نفهم أن الإنجيل يخبرنا صراحة عن لاهوت المسيح + (29:8+ 7:9).
6- القديس مرقس من السبعين رسولاً الذين عينهم المسيح.
7- مارمرقس هو واضع القداس الكيرلسي ونسب لكيرلس لأنه أضاف إليه.
8- يبدأ القديس مرقس بقوله "بدء إنجيل.." وما هو الإنجيل إلا البشارة المفرحة بالخلاص للجميع حتى الأمم (مر10:13+ 9:14). هو إرادة الله من نحو البشر.
9- يبدو أنه زميل إلكسندروس وروفس ولدا سمعان القيرواني، فهم كلهم من القيروان وذكر مرقس لهذه الأسماء تشير لكونه شاهد عيان لقصة الصلب.
مقدمة إنجيل لوقا
1- من هو القديس لوقا؟
هو الوحيد بين كتاب العهد الجديد الذي لم يكن يهودياً بل أممياً. وغالباً هو من إنطاكية سوريا. قَبِلَ الإيمان المسيحي دون أن يتهود. ويعلل الدارسون ذلك بأن الرسول بولس حين أشار إليه في رسالته إلى كولوسي (14:4) لم يضمه إلى من هم من أهل الختان (10:4،11) مثل أرسترخس ومرقس. ورأي البعض أنه كان من السبعين رسولاً وهو أحد تلميذي عمواس ولم يذكر أسمه اتضاعاً. ولكن الرأي الغالب أنه لم يكن من الرسل بل قبل الإيمان على يدي بولس الرسول وذلك لأن لوقا نفسه يعترف أنه لم يعاين المسيح بنفسه بل "كما سلمها إلينا الذين كانوا من البدء معاينين وخداماً للكلمة" (2:1)
وكان القديس لوقا طبيباً (كو14:4) وكان الرومان لا يسمحون لأحد أن يمتهن مهنة الطب إن لم يجتاز إمتحانات عديدة صعبة ودقيقة، لذلك فشخصية لوقا كطبيب نرى فيه شخصية العالم المدقق، والرجل العملي المحقق. وإضافة لذلك فأسلوبه رقيق وجميل. ويضيف التقليد أنه أيضاً فنان رسم صورة للسيدة العذراء.
ولقد ارتبط القديس لوقا بالقديس بولس الرسول، رسول الأمم في صداقة قوية وأول مرة نلتقي فيها في سفر أعمال الرسل بكلمة نحن كانت في (أع10:16) أثناء وجودهما في ترواس في خلال الرحلة التبشيرية الثانية ثم صاحبه في الرحلة الثالثة وكان لوقا هو الوحيد الذي ظل مرافقاً بولس في أسره وحتى النهاية (2تي11:4) وبسبب هذا الارتباط سجل لنا لوقا كثيراً من أعمال بولس الرسول وكرازته ودعاه بولس بالطبيب الحبيب (كو14:4+ فل24)
وقيل أنه عاش بتولاً وعمل في إخائية باليونان واستشهد في سن الرابعة والثمانين. وهو الذي كتب أيضاً سفر أعمال الرسل ووجه إنجيله وسفر الأعمال لنفس الشخص "العزيز ثاوفيلس" (لقب العزيز هو لقب شرف فهو أحد أشراف الإسكندرية) بل يأتي سفر الأعمال في بدايته كتكملة للإنجيل. ولأنه طبيب يصف الأمراض بدقة ولا يهاجم الأطباء (مر26:5+ لو43:8) احتراماً لمهنة الطب. وبولس إذ يكتب لأممي مثله (ثاوفيلس) يريد نفعاً لكل الأمم.
2- سمات الإنجيل
أ- يقدم لنا المسيح كصديق للبشرية، جاء يحمل إنسانيتنا لكي يهبنا شركة الطبيعة الإلهية. فإن كانت الفلسفة اليونانية قدمت أفكاراً مجردة لكنها لا تستطيع أن تحتل القلب وتغير الأعماق، أما ابن الإنسان فقد جاء صديقاً للإنسان حتى يقبله في داخله فيهبه خلال هذه الصداقة إمكانيات فائقة تعمل في أعماقه.
ب- كان اليهود يعتقدون أنهم أبرار وأن بقية الشعوب خطاة نجسون مرفوضون ولوقا يقدم المسيح الذي أتى يطلب ويخلص ما قد هلك (10:19)، فهو صديق الخطاة وإقتبس العبارات التي تفتح باب الرجاء للأمم "كل جسد يرى خلاص الرب ويركز على إرسال إيليا لأرملة أممية وإليشع يشفي نعمان السرياني الأممي. ولذلك ففي نسب المسيح رجع بالنسب إلى آدم أبو الجميع فالمسيح مخلص العالم كله. واهتم بالفقراء والمعوزين والمطرودين. فالبشارة أرسلت لفتاة الناصرة الفقيرة. والملائكة تهتم بالرعاة البسطاء. وراجع قصص لعازر والغني ووليمة العرج والعمي ومثل السامري الصالح ومثل العشار وقصة الزانية في بيت سمعان الفريسي ومثل الابن الضال وقصة مريم المجدلية وقبول اللص التائب على الصليب فلوقا أظهر اهتماماً بالأقليات والجماعات المنبوذة المعزولة مثل السامريين والبرص والعشارين. الكل يجد تشجيعاً في إنجيله.
ج- المسيح كصديق يشترك مع الناس في ولائمهم/ بيت سمعان/ زكا/ تلميذي عمواس.
د- يوبخ يوحنا لطلبه ناراً تنزل على السامرة فهو صديق الجميع. يقبل المرأة الخاطئة ويعاتب سمعان الفريسي، يوبخ الفريسي ويشجع العشار، يلوم الكاهن ويشجع السامري الصالح. يقبل الابن الضال واللص اليمين أما الابن الأكبر لكبريائه يفقد عطفه.
3- لم يستخدم لوقا ألفاظاً غير مفهومة بالنسبة لليونانيين مثل أبّا أو صفا واستخدم ألفاظاً يونانية للتعبير عن الألفاظ الآرامية غير المفهومة بالنسبة للشعوب التي تتكلم اليونانية فهو يستعمل كلمة الغيور بدلاً من القانوي (لو15:6+ مر18:3) وكلمة المعلم بدلاً من رابي وكلمة الجمجمة بدلاً من الجلجثة. وأسلوبه في اللغة اليونانية راقي المستوى جداً.
4- يهتم القديس لوقا جداً بكلمة الخلاص والكلمة تأتي في الإنجيل 8 مرات وفي سفر الأعمال 9 مرات بينما لم تأتي قط في أناجيل متى ومرقس وأمثلة ذلك تبتهج روحي بالله مخلصي (47:1) + يسوع (في لو31:1) يذكر اسم يسوع وفي مت21:1 نسمع تفسير اسمه الله يخلص) يعني الله يخلص (31:1) وزكريا يقول عن المسيح قرن خلاص (71:1+ 76:1 + 11:2 + 50:7+ 48:8+ 19:17+ 42:18) ونرى في عبارة السيد "أن إيمانك قد خلصك" نفس ما يقوله بولس الرسول عن الخلاص بالإيمان. وراجع أيضاً (لو9:19،10)
5- من المواضيع التي يركز عليها لوقا الإنجيلي
أ- الروح القدس (35:1+15:1+41:1+67:1+ 25:2-27+21:3+ 1:4+ 14:4،18+ 13:11+ 49:24). ولاحظ أن سفره الأعمال هو أعمال الروح القدس.
ب- الصلاة: (10:1+ 5:11+ 1:18-8، 9:18-14+ 21:3+ 29:9+ 12:6). ونرى في سفر الأعمال صلوات التلاميذ ومعهم آخرين تنفيذاً لذلك ولوقا هو الوحيد الذي ذكر أن المسيح كان يصلي وقت العماد وفي وقت التجلي وهو الوحيد الذي ذكر أمثلة المسيح عن الصلاة.
ج- يهتم بذكر التسبيح: (46:1-55+ 42:1 + 68:1-79+ 14:2+ 29:2-32+ 43:18+ 17:13+ 37:19+ 16:7 + 15:17+ 13:13+ 26:5 بل ينتهي الإنجيل بالتسبيح 52:24-53).
6- يعتبر لوقا الإنجيلي شفيع الأطباء والرسامين.
7- لوقا كتب إنجيله إما من اليونان (أخائية) حيث كرز هناك فترة طويلة أو كتبه من روما في أثناء فترة سجن بولس الرسول الأولى في روما.
8- كانت مصادر لوقا بعد الوحي الإلهي [1] العذراء مريم [2] إنجيلي مرقس ومتى [3] صداقته لبولس.
مقدمة إنجيل يوحنا
1- من هو القديس يوحنا؟
يوحنا وأخيه يعقوب إبنا زبدي هم من تلاميذ المسيح (مت21:4،22+ مر19:1،20) ويوحنا هو الأصغر لأن الكتاب يورد اسم يعقوب أولاً واسم أمهما سالومة وهي أخت العذراء مريم. وموطن الأسرة كان في كفر ناحوم في الجليل وكانوا يشتغلون في صيد السمك وكانوا على حالة من اليسار بدليل أنهم كانوا يستأجرون عمالاً يساعدون في صيد السمك (مر20:1). وأمه كانت من النساء اللواتي تبعن السيد من الجليل يخدمنه من أموالهن. وكان يوحنا غالباً قريب لرئيس الكهنة أو من الأشخاص المعروفين والمقربين لبيت رئيس الكهنة. ويوحنا هو الذي تسلم العذراء بعد صلب السيد المسيح. وأم يوحنا هي التي طلبت من السيد أن يكون إبناها واحداً عن اليمين والآخر عن اليسار (مت20:20). والرب سماهما (أي يعقوب ويوحنا) بابنا الرعد (مر17:3). وهما اللذان طلبا ناراً تنزل من السماء على سكان قرية السامريين لرفضهم قبول المسيح (لو54:9،55) ويوحنا تبع المسيح وعمره 25سنة.
وكان بطرس ويعقوب ويوحنا من المقربين من السيد المسيح خصهم ببعض أسراره مثلاً في إقامة ابنة يايرس (مر37:5) وشاهدوا التجلي (مر2:9) وهم الذين انتحي بهم ليصلي في بستان جثسمياني (مت37:26). وبطرس ويوحنا تبعا السيد حتى بيت رئيس الكهنة ليلة الصلب. وبَكَّرَ هو وبطرس وذهبا للقبر يوم القيامة وغالباً بقى مع العذراء في أورشليم حتى نياحتها سنة 48م. وفي أواخر أيامه ذهب إلى أفسس وكرز فيها. وفي إحدى حركات الاضطهاد أيام دومتيانوس نفوه إلى جزيرة بطمس بعد أن عذبوه وهناك في بطمس كتب سفر الرؤيا وبعد انتهاء عصر الاضطهاد عاد إلى أفسس وكتب إنجيله سنة 98م وكتب سفر الرؤيا سنة 95م وكان آخر ما كتبه الرسائل. والإنجيل كتب باليونانية لغة الثقافة والمعرفة في تلك الأيام. وعاش ما يقرب من مائة عام. وكان أول من تعرف من تلاميذ المعمدان على الرب يسوع. ومع أن السيد أسماه أبن الرعد إلا أنه تميز بأنه رسول المحبة وفي أواخر أيامه، ولم يكن قادراً على المشي، فكانوا يحملونه إلى الكنيسة وكان يعظ المؤمنين قائلاً يا أولادي أحبوا بعضكم بعضاً ويكررها في كل مرة فسألوه لماذا لا يقول شيئاً أخر فكان يرد أن هذا الكلام هو وصية الرب فإذا فعلتموه فقد أكملتم كل شئ. ولذلك فليس غريباً أن يكون هو التلميذ الذي كان يسوع يحبه لغيرته (ابن الرعد) ولمحبته (يو25:12+ 7:21،20). وغالباً كانت أسرة يوحنا تمتلك منزلاً في أورشليم.
ويوحنا كان أولاً تلميذاً للمعمدان ثم لما سمع الشهادة من المعمدان عن المسيح تبعه.
2- الغرض من كتابة الإنجيل
كما حدد القديس يوحنا نفسه أن الهدف من كتابة إنجيله هو إثبات أن المسيح هو ابن الله (يو31:20). فكانت هناك هرطقات كثيرة قد ظهرت في أواخر القرن الأول ومن أهمها الغنوسية وهؤلاء وأولئك شككوا إما في لاهوت المسيح أو تجسده (لذلك يكتب يوحنا ليقول أن المسيح هو الكلمة وقد صار جسداً). وكذلك حدث أن تلاميذ يوحنا المعمدان الذين رفضوا أن يتبعوا المسيح إدَّعوا أن المعمدان أعظم من المسيح لذلك يرد عليهم هنا في إنجيله (8:1) لذلك ينتقي يوحنا المعجزات التي تثبت لاهوت المسيح مثل إقامة لعازر بعد أن أنتن وتفتيح عيني الأعمى بواسطة طين (معجزة خلق) وإطعام 5000 (زيادة الطعام) وتحويل الماء إلى خمر (المادة تتحول إلى مادة أخرى). أيضاً هدف كتابة الإنجيل أن تكون لنا حياة (يو31:20) فلا حياة بدون إيمان بأن المسيح هو ابن الله المخلص). ولأن يوحنا الإنجيلي كان هدفه إثبات لاهوت المسيح فهو لم يتكلم عن ميلاده من العذراء بالجسد بل تكلم عن ولادته من الآب الأزلية.
3- معظم أحداث الإنجيل في أورشليم عكس بقية الأناجيل التي دارت أحداثها في الجليل وذلك لأن يوحنا ينتقي الأحاديث اللاهوتية التي تثبت لاهوت المسيح وهذه كانت بين المسيح والفريسيين الموجودين في أورشليم. أما أحداث الجليل فقد دارت بين المسيح والصيادين والفلاحين البسطاء وهؤلاء غير متعلمين لاهوتياً كالفريسيين ولا يحتملوا المناقشات اللاهوتية (إصحاحات 3،5،7،8،10،13-17)
4- أنا هو
تميز إنجيل يوحنا باستعمال هذا التعبير الذي يشير للاهوت المسيح. فأنا هو هي الترجمة اليونانية لاسم الله. فاسم الله في العهد القديم "يهوه" وحين ترجم إلى اليونانية صار "إيجو إيمي I am وبالعربة أنا هو ونرى هذا في قول المسيح أنا هو النور .. أنا هو الطريق والحق والحياة .. فالمسيح لنا كل شئ، النور والراعي الصالح والطريق والحق والقيامة والحياة.. ولذلك حين أتى الجند لإلقاء القبض على المسيح سألهم من تطلبون قالوا يسوع قال أنا هو فسقطوا والسبب أنه بقوله أنا هو استعلن لاهوته فلم يحتملوا ولنلاحظ أن المسيح حين يستعلن لاهوته للمؤمنين يكون لهم كل شئ الطريق والحق والنور ويكون سبباً لتعزيتهم وفرحهم وحياتهم الأبدية. أما حين يستعلن لاهوته للخطاة فيكون سبباً لرعبهم ولدينونتهم لذلك ففي المرات التي قال فيها المسيح أنا هو دون أن يأتي وراءها صفة من صفات محبته كان هذا للدينونة كما حدث مع الجند الذين أتوا للقبض عليه ومثلها (28:8،23-25)
(راجع25:4،26+ 35:6+ 12:8+ 58:8+ 7:10،10+ 25:11+ 13:13+ 6:14+ 1:15+ 5:18)
5- لأن إنجيل يوحنا يتكلم عن لاهوت المسيح فهذا الأمر بسبب صعوبته إحتاج لأن يكون هناك شهود عليه. شهادة المعمدان (يو15:1-16) وشهادة التلاميذ (يو41:1) وشهادة الكتب والنبوات (يو39:5) وشهادة الآب للابن كما حدث يوم العماد وعن طريق أعمال الآب في الابن. بل شهدت له الجموع والسامرية (17:12+ 39:4)
6- امتاز إنجيل يوحنا بذكره 3 أعياد فصح
(13:2) أول فصح للمسيح (4:6) ثاني فصح للمسيح (55:11) آخر فصح للمسيح
ويتبقى عيد فصح رابع حتى تكون مدة خدمة السيد المسيح ثلاث سنوات وبضعة أشهر. وعيد الفصح الرابع له احتمالان:
1) يكون هو العيد المشار إليه في (1:5) دون أن يذكر تحديداً أنه الفصح.
2) يكون هذا الفصح بعد لقاء المسيح بالسامرية بأربعة أشهر حيث أن المسيح يحدد فترة أربعة اشهر على الحصاد (35:4) والحصاد يكون وقت الفصح.
7- هو الإنجيل الوحيد الذي أغفل الحديث عن العشاء الرباني والسبب:
أ- باقي الإنجيليين كتبوا عنه وهو لا يريد أن يكرر.
ب- هو يكتب سنة 98م أي بعد الصعود بحوالي 65سنة وكان السر يمارس كل هذه المدة.
ج- اكتفى بما أورده عن أكل الجسد وشرب الدم في ص6.
8- اللوغوس
في اليونانية ثلاثة ألفاظ بمعنى كلمة
أ- EPOS الكلمة التي يقولها شخص فتؤخذ منه باعتبارها كلمة أو وعد، كما نقول هذا القول للأب الفلاني.
ب- RHEMA مجرد لفظ أي الحروف فكلمة يوحنا مكونة من حروف ى،و،ح،ن،ا.
ج- LOGOS بمعنى النطق أو الفكر وأُخِذَ منها كلمة LOGIC= المنطق وفي الفكر اليوناني فاللوغوس يمثل العقل المدبر للكون وهو أول الخليقة.
والقديس يوحنا استخدم كلمة اللوغوس للدلالة على الأقنوم الثاني وهكذا قال بولس الرسول عن المسيح أنه حكمة الله (1كو24:1). ولعل لفظ النطق يكون معبراً عن اللوغوس أكثر من الكلمة. فالنطق يعبر عن أفكار وحكمة وعقل المتكلم. هو فكر منطوق. ولولا النطق ما كنا ندرك العقل. فالعقل لا يدرك إلاّ من خلال النطق. فالمسيح أو اللوغوس هو نطق الله العاقل أو عقل الله الناطق، هو من ذات الآب وليس خارجاً عنه. إذاً الله لا يُدرك سوى من خلال كلمته (هو خَبرَّ يو18:1). وهذا ما سبق وقاله إشعياء "فيعلن مجد الرب ويراه كل بشر لأن فم الرب تكلم (الكلمة)" (إش5:40) فالروح القدس واحد الذي أعلن لإشعياء وليوحنا.
فالكلمة هو صورة الله فهو يحمل نفس ذات طبيعة الله ويعبر تعبير كامل عن الله. وهذا الكلمة هو صورة الله لا المنفصلة عنه بل الكامنة فيه. وفي (عب2:1،3) استعمل بولس الرسول ألفاظ الابن والصورة والكلمة والبهاء للتعبير عن الله المتجسد الأقنوم الثاني. فالابن هو الفعل العقلي والصورة والنطق داخلياً واللوغوس عند يوحنا يناظره في العهد القديم قوله عن المسيح أنه الحكمة (أم1:8-30) وفي سفر الأمثال نرى الحكمة وقد تم تشخيصها، فهي شخصية إلهية. فالوحي أظهر أن الحكمة ليست صفة بل شخصية إلهية.
واليهود في أواخر أيامهم قبل المسيح بدأوا يستخدمون تعبير كلمة الله وفي كتب الترجوم وهي ترجمات بالكلدانية موسعة ومبسطة لبعض أسفار العهد القديم لمن عاش في الشتات ولم يَعُدْ يتكلم بالعبرانية (المسبيين). استعمل تعبير كلمة الرب فمثلاً بدلاً من قول الكتاب بذاتي أقسمت صارت في الترجوم بكلمتي أقسمت. وبدلاً من ملاك الرب صار كلمة الرب. وبدلاً من قول يعقوب إن كان الله معي صار في الترجوم إن كان كلمة الرب معي (تك20:28-22) ولذلك لم يكن تعبير كلمة الرب غريباً عن اليهود ولا عن اليونانيين.
ومن الإصحاح الأول نفهم صفات اللوجوس (الكلمة)
1- أزلي .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. "في البدء كان الكلمة" (1:1)
2- الخالق الوحيد . .. .. .. .. .. .. .. "كل شئ به كان " (2:1)
3- أصل الحياة .. .. .. .. .. .. .. .. . "فيه كانت الحياة" (4:1)
4- القداسة التي تضئ في ظلمة الخطية . "الحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة (5:1)
5- الفادي الذي أعاد لنا البنوة لله .. . . .."كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله (11:1،12)
6- هو إله العهد القديم .. .. .. .. .. .. "إلى خاصته جاء (11:1)
7- هو الإله المتجسد .. .. .. .. .. .. . "الكلمة صار جسداً (14:1)
8- هو فريد في نوعه .. .. .. .. .. .. ." رأينا مجده مجد إبن وحيد لأبيه (14:1)
9- هو الإله الواحد .. .. .. .. .. .. .. " وكان الكلمة الله.
10- هو الأقنوم الثاني .. .. .. .. .. . " والكلمة كان عند الله.
وميلاد الكلمة الأزلي الذي حدده القديس يوحنا في إنجيله ووصفه بدقة كان من الخفيات التي لم يعرفها أحد من قبل ولا حتى الملائكة، وقد تعلمها منها الملائكة (أف10:3). وقطعاً فحتى تلاميذ المسيح لم يدركوا هذه الحقيقة في أثناء حياة المسيح على الأرض، إنما أعلنها الروح القدس لهم بعد ذلك، وعبر عنها يوحنا في إنجيله.
9- ألقاب القديس يوحنا
1) يوحنا الحبيب: فهو التلميذ الذي كان يسوع يحبه. وهو الذي كان يعلم عن المحبة. وهو الذي قال الله محبة في (1يو8:4) وله قصص عجيبة في محبته لأولاده وسعيه ورائهم لاجتذابهم للتوبة. بل وتعريض نفسه للخطر في سبيل ذلك. وكان يتصف برقة الشعور والوداعة وبساطة القلب. ومع كل محبته هذه فحين دخل حمام عام وجد فيه كيرنثوس الهرطوقي دعا الكل أن يخرجوا منه لئلا يحل عليهم غضب الله وقارن مع قوله (2يو10)
2) يوحنا البتول: فهو عاش حياته بتولاً دون زواج.
3) يوحنا اللاهوتي: بسبب أن إنجيله يثبت لاهوت السيد المسيح.
4) يوحنا الإنجيلي البشير: فهو الذي كتب الإنجيل الرابع.
5) يوحنا الرائي: بسبب كتابته لسفر الرؤيا آخر أسفار الكتاب المقدس.
6) يوحنا الرسول: فهو من الاثني عشر.
7) ابني الرعد بوانرجس: هكذا أسماء المسيح هو ويعقوب أخيه لغيرتهما وحماستهما الشديدة بوانرجس BENIREGES (مر17:3+ 37:9-39+ لو49:9،50)
10- هو أول المعترفين، فهو عاني من آلام الاستشهاد ولكنه مات موتاً طبيعياً.
11- اشتهر إنجيل يوحنا بكلمة الحق فقد وردت 50 مرة. ووردت أحياناً بالمثنى الحق الحق.. فالمسيح هو الحق ويقول الحق.
12- رمز الإنجيل النسر لأنه حلَّق في السماء. فبينما عاش الإنجيليين الثلاثة مع يسوع الإنسان ولم يذكروا سوى القليل عن لاهوته، حلَّق يوحنا في الملأ الأعلى وتكلم عن لاهوته.
13- كان يوحنا آخر من مات من الاثني عشر وكان يعقوب أخيه أول شهيد منهم وقتله هيرودس أغريباس الأول سنة 44م (أع1:12-3).
14- حسبه بولس من أعمدة الكنيسة مع بطرس ويعقوب (غل9:2)
ملاحظات:
1. يوحنا يفترض أن القارئ دارس للأناجيل الثلاثة (متى- مرقس- لوقا) فهو يتكلم عن شهادة يوحنا المعمدان عن المسيح دون أن يذكر معمودية المسيح من يوحنا.ويذكر أسماء بطرس أنه أخو أندراوس دون أن يذكر أسماء باقي الاثني عشر. لكن الإنجيليين الثلاثة ركزوا على أن المسيح صار جسداً فبدأوا من تجسده أي ميلاده وعماده. أما يوحنا فركز على ميلاده الأزلى لكن هذا لا يلغي أن يوحنا يظهر أن ناسوت المسيح حقيقي فهو الذي قال "والكلمة صار جسداً وحل بيننا" (يو14:1). ونجد يوحنا يهتم بالإشارة للوقت فيقول "وكان نحو الساعة العاشرة.." (39:1) وهذا يعني أن المسيح الله دخل للزمن.
2. الأناجيل الأخرى قدمت تعاليم المسيح على الجبل أما إنجيل يوحنا فيتميز بأنه قدم الوصية الجديدة أي المحبة (أي بمفهوم جديد) (34:13،35). فقبل المسيح كانت المحبة محاولات يقوم بها البشر، وبعد المسيح صارت ثمرة للروح القدس لمن يجاهد في سبيل الامتلاء من الروح القدس
3. إنجيل يوحنا هو آخر ما كتب في الكتاب المقدس.
4. كل إصحاح يقدم لنا زاوية جديدة من شخصية المسيح
ص1 الكلمة الإلهي المتجسد واهب سلطان البنوة لله. ص2 مفرح النفوس ومجددها. ص3 واهب الميلاد الجديد. ص4 رابح النفوس العجيب. ص5 الطبيب العظيم. ص6 خبز الحياة. ص7 ماء الحياة. ص8 نور العالم. ص9 واهب الاستنارة. |
ص10 الراعي الصالح. ص11 واهب الحياة والقيامة. ص12 ملك إسرائيل. ص13 غاسل الأرجل. ص14 مرسل الروح المعزي. ص15 الكرمة الحقيقية. ص20 غالب الموت. ص21 مقيم النفوس الساقطة ورافعها للسماء. |
|
5. دور وعمل الروح القدس
(ص3) الولادة الجديدة الروحية. المغيِّر والمحرك دون أن يُرَى.
(ص4) العبادة لله بالروح والحق (رو9:1)
(ص7) هو المياه الحية التي تفيض وتثمر.
(ص14-17) هو المعزي والذي يعرفنا بالمسيح ويخبرنا عنه ويرشد للحق ويقود ويبكت ويعلم ويذكرنا بما قاله المسيح.
6. يرمز لإنجيل يوحنا بالنسر. فالنسر له قدرة أن يطير عالياً جداً وعيناه مفتوحتان تجاه الشمس. وهكذا حلق يوحنا وهو مفتوح العينين ليخبرنا عن لاهوت المسيح شمس البر.
7. الحب قادر أن يكتشف شخص المسيح، وهذا ما جعله يعرف مالا يعرفه الآخرون (يو7:21). ويوحنا أكتشف محبة المسيح أيضاً، فقال "التلميذ الذي كان يسوع يحبه" فالمسيح يحب الكل ولكن يوحنا انفتحت عيناه وأدرك هذا الحب. كما أدركه بولس الرسول وقال "محبة المسيح تحصرنا" (2كو14:5). إذاً يوحنا:
(1) أحب المسيح جداً .. .. وهذه = (رو35:8-39)
(2) أدرك محبة المسيح .. .وهذه = (2كو14:5)
8. استخدم الأباء مثل أثناسيوس وكيرلس .. هذا الإنجيل للرد على آريوس وكل الهراطقة الذين قالوا أن المسيح ليس هو ابن الله.
9. يوحنا كتب إنجيله بعد خراب الهيكل. وكان اليهود يريدون أن يحدون الله في مكان، أي لا يريدون تقديم العبادة سوى في أورشليم وبالذات داخل الهيكل. ويوحنا يقدم في حديث المسيح للسامرية مفهوماً جديداً أن الله يمكن عبادته في كل مكان. فاليهود بل والمسيحيين الذين من أصل يهودي بعد أن تشتتوا بعد حريق الهيكل احتاروا، ويوحنا يقول لهم أن الله يمكن عبادته في كل مكان.
10. هناك أشياء لم يذكرها فهي ذكرت في الأناجيل الثلاثة الأخرى لكنه لمح لها:
أ- الميلاد .. .. .. .. والكلمة صار جسداً (14:1)
ب- التجلي .. .. .. رأينا مجده كمجد ابن وحيد (14:1)
ج- العشاء السري.. إصحاح 6
د- معمودية يوحنا.. هو ذكر يوحنا وعلاقته بالمسيح
(I) ميلاد المسيح الأزلي (يو1:1-18)
(II) ميلاد المسيح بالجسد (مت1-مت2)
(لو1، لو2، لو23:3-38)
ميلاد المسيح
مقدمة:
هناك ميلاد أزلي للمسيح من الآب وميلاد جسدي للمسيح في ملء الزمان. وبنوة المسيح الأزلية هي من الناحية الأقنومية. ولكن له بنوة أخرى من ناحية ناسوته وتجسده "ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعي" وبنوة المسيح الأقنومية قائمة بدون إنفصال. هي أزلية أبدية. أما بنوة المسيح الثانية فهي حادثة في الزمان عندما جاء ملء الزمان وأرسل الله ملاكه إلى مريم العذراء مبشراً بالتجسد.
الولادة الأزلية للمسيح
يقول بعض الناس أن الله لا يمكن أن يتزوج لينجب ونحن نقول معهم حاشا أن يتزوج الله وينجب. فحينما نقول أن الابن مولود من الآب لا نقصد أبداً أي مفهوم جسدي، بل هي بنوة وولادة روحية. يمكن تشبيهها بولادة شعاع النور من الشمس، أو ولادة الماء من نبع أو ولادة الفكر من العقل وهذا ما تقوله اللغة العربية.. فيقال أن هذا "من بنات أفكار فلان" أو أن فلان لم ينطق "ببنت شفة" فهل يتزوج العقل أو الشفة لينجبوا بنات؟! هذا ما يسمى ولادة إنتسابية، وكما نقول أن فلان ابن مصر فهل تزوجت مصر لتنجبه. هنا لا مجال للعلاقات الجسدية. ونلاحظ في هذه الولادة من الآب فروق عن الولادة بالجسد:
1- الابن في البشرية متأخر في الزمان عن أبيه الذي أنجبه. ولكن هذا ليس للمسيح فنور الشمس موجود طالما كانت الشمس موجودة. وهكذا بالنسبة لابن الله.
2- الولادة بالجسد تعني إنفصال الابن المولود عن كلا الأب والام وطالما هناك انفصال فهناك تعدد أما المسيح الابن فهو لا ينفصل أبداً عن أبيه كما أن نور الشمس لا ينفصل عنها. هنا الآب والابن واحد لذلك قال المسيح أنا في الآب والآب فيَّ (يو10:14) وقال "أنا والآب واحد" (يو30:10)
لماذا يستخدم الكتاب لقب الابن للمسيح
1- المسيح هو قوة الله وحكمة الله (1كو24:1) وهذه القوة والحكمة نابعة، خارجة كأنها مولودة من الله باستمرار منذ الأزل وإلى الأبد. ولقب كلمة الله يشير لأنه لا إنفصال بين الآب والابن فهو كلمة خارجة بدون إنفصال، وليس كالبنوة الجسدية إذ حينما يولد الابن الجسدي ينفصل عن أبويه. أما ابن الله فهو كلمة الله، هو في الآب، وخارج من الآب من دون إنفصال، وكيف ينفصل الله عن قوته أو عن حكمته.
2- تعبير الابن هو أقرب التعابير في اللغة لبيان العلاقة الوثيقة بين الله غير المنظور وبين المسيح الذي هو صورة الله غير المنظور (كو15:1). والمسيح يقول من رآني فقد رأى الآب (يو9:14). تعبير الابن هو أقرب تصوير بشري لعلاقة لا يُعَبَّر عنها بالكلام البشري لشرح أن الآب والابن واحد في الجوهر وأن الابن له كل ما للآب. وأن الابن هو حكمة الله الخارجة من الله الآب لتخلق الكون وهو قوة الله الخارجة من الله الآب لتحفظ وتدير الكون.
الإيمان المسيحي بوحدانية الله
كما حددها قانون الإيمان "نؤمن بإله واحد" وحاشا أن نؤمن بثلاثة آلهة فهذا يتعارض مع أبسط قواعد العقل والمنطق. والله لا شريك له في ألوهيته ولكننا نؤمن أن الله له ثلاثة أقانيم. وكلمة أقنوم هي كلمة سريانية لا مثيل لها في العربية وهي تشير لخواص الله الذاتية. كل أقنوم له عمله الخاص وكل منهم متميزاً عن غيره تمييزاً واضحاً ولكن بلا تناقض ولا إنفصال. فكلٍ يعمل ليس بمعزل عن الأقنومين الآخرين بل بإتحاد كلي معاً. فالأقانيم متحدة دون أختلاط أو امتزاج ودون افتراق أو انقسام. وهذا يسمو على فكر البشر. وتعبير الآب والابن يظهر المحبة التي تربط بين الأقانيم. فالآب هو ينبوع المحبة (كلمة آب تعني مصدر وينبوع) فالله محبة. والابن يتلقى هذه المحبة فهو المحبوب (أف6:1) والروح القدس هو روح المحبة. ولقد ظهرت طبيعة هذه المحبة على الصليب. ووجود 3 أقانيم يحل مشكلة ليس لها حل..
فإن كان الله واحد بلا أقنومية، والله حين خلق البشر أحبهم، فهل صفة المحبة أدخلت على الله بعد أن خلق البشر.. لو حدث هذا يكون الله متغير.. حاشا فصفة المحبة كانت في الله قبل خلق البشر، داخل الأقانيم، ثم ظهرت تجاه البشر أولاً في خلقه البشر ثم في الفداء على الصليب.
وإذا كان فهم حقيقة الثالوث صعب فلننظر في داخلنا كبشر فنحن مخلوقين على صورة الله. مع الفارق الرهيب. فالله كائن حي عاقل. كائن بذاته. حي بروحه القدوس. عاقل ناطق بحكمته أي اقنومه الثاني (اللوغوس= الكلمة) والإنسان كائن حي عاقل. والفارق بين الإنسان المحدود والله غير المحدود أن الله بروحه حي ويحيي، وبعقله قادر أن يخلق كل شئ. أما الإنسان فهو حي بروحه ولا يستطيع أن يعطي حياة بل أن حياته انفصلت عنه بسبب الخطية وهو بعقله قادر أن يستوعب فقط ما يجعله قادراً على أن يعيش ويعرف الله.
ولذلك قيل "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك26:1) فقوله على صورتنا فهذا لأننا ثالوث في واحد (ذات وعقل وروح= كائن عاقل حي،وهذا يقال عن الله.وقوله كشبهنا فهذا لأن الله:
ذات كائن ولكنه هو كائن بنفسه لا يعتمد على آخر، ولم يخلقه آخر، ووجوده لازم لاستمرارية الكون، أما الإنسان فوجوده معتمد على الله، الله أوجده ويحفظه. وهو موجود اليوم وغير موجود غداً. وعدم وجوده لن يؤثر في الكون. والله لذلك أزلي أبدي لكنه أشرك الإنسان في أبديته:
عاقل
حي
المسيح يعلن أنه ابن الله
(راجع لو49:2+ مر11:1 (هذا إعلان الآب عن ابنه)+ يو16:2+ يو43:5+ يو37:10+ يو2:14،3+ مت63:26،64+ يو22:5،23+ يو40:6+ يو35:9-37)
الكلمة اللوغوس L’’’’’’ouos
يقصد بالكلمة العقل الإلهي المنفذ لمشيئة الله والمعبر عن مقاصد الله تعبيراً صادقاً كاملاً (عب3:11). ولقد كانت كلمة اللوغوس معروفة عند اليهود واليونانيين وتشير للحكمة العاملة منذ الأزل لدى الله وأنها ترشد النفوس للحق وتحييها. وكما أننا نعرف الإنسان من كلامه، هكذا عرفنا الله عن طريق كلمته اللوغوس. واللوغوس هو نطق الله العاقل أو عقل الله الناطق. واللوجوس كلمة يونانية متعددة المعاني مشتقة من الفعل LeƔw بمعنى ينطق، والمقصود به النطق العاقل ومنها أخذت الكلمة الإنجليزية LOGIC ومعناها المنطق وليس معناها النطق العادي الذي هو PRONOUNCIATION بمعنى التلفظ أو طريقة التلفظ. لذلك قيل عن الأقنوم الثاني عقل الله أو حكمة الله (1كو24:1) أو نطق الله أو معرفة الله وإذا فهمنا هذا فهل يصح أن يقال أن المسيح مخلوق فكيف خلق الله عقله، وهل يعقل أن الله كان لفترة من الوقت بدون عقل أو بدون حكمة. وبأي حكمة وبأي عقل خلق لنفسه عقلاً وحكمة. لذلك فعقل الله أو كلمته هو أزلي كما أن الله أزلي. والله موجود بذاته وموجود بكلمته وعقله أي بأقنومه الثاني. وبعقل الله خلقت جميع المخلوقات. وبهذا نفهم أن ولادة الابن هي ولادة أزلية، ولادة طبيعية أي من طبعه كما أن من طبع النار أن يتولد منها حرارة كذلك من طبع الله أن تتولد منه قوة خالقة وحكمة أزلية. هي ولادة من جوهره فكل ما للآب هو للابن فهو مساوٍ للآب في الجوهر أو هو من نفس الجوهر. وإن كان قد نُسِبَ للابن بعض نواحي الضعف البشري كالتعب والألم والجوع والعطش والموت فهذه أمور تدخل في موضوع التجسد ولا علاقة لها بالطبيعة الإلهية إلا من حيث أتحاد اللاهوت بالجسد الذي يتألم. والابن سُمّى لوجوس بمعنى نطق الله، فما يظهر من حكمة الإنسان يظهر فيما ينطق به. والمسيح أظهر لنا كل ما للآب لذلك قال من رآني فقد رأى الآب (يو9:14). وواضح أنه لا إنفصال بين النطق وبين العقل.
الأقانيم فيها تمايز
فالآب ليس هو الابن، والابن ليس هو الروح القدس.. وهكذا
كل اقنوم له شخصيته وعمله ولكن دون إنفصال "وفي الإنجليزية يترجم أقنوم PERSON " ولكي نفهم التمايز بين الأقانيم مع الوحدة القائمة بينهم. فأنا أحيا بروحي وأشعر بحواسي وأعيش بجسدي وهذا يتم بلا إنفصال بين الجسد والروح والحواس. ولكن العقل والروح والحواس والجسد كل له عمل مستقل عن الآخر ولكن بدون إنفصال. فحينما توجد مشكلة أمامي كإنسان، أفكر في حلها بعقلي وأحاول بيدي ولكن بدون روح فأنا ميت. وبنفس المفهوم فهناك تمايز في الأقانيم لكنهم مرتبطين معاً في وحدة. وعلى الرغم من الصفات الإلهية المشتركة والوحدة بين الأقانيم إلا أن هناك أعمالاً معينة تنسب للآب وأعمالاً تنسب للابن وأعمالاً تنسب للروح القدس.
الفرق بين بنوة المسيح لله وبنوتنا لله
كل المؤمنون يعتبرون أولاد لله يو12:1+ غل26:3، 6:4،7+ 1يو29:2) ولكن ولادة المسيح وبنوته للآب هي من طبيعته الإلهية والأقنومية، أما بنوتنا لله فهي بالانتساب، وبالنعمة، وباستحقاقات صليب المسيح والشركة معه نحن العبيد البطالون أعطتنا النعمة مجاناً أن يطلق علينا أولاد الله إذا قبلنا الإيمان بالمسيح وعمل فينا الروح القدس لنصنع البر. نحن نصير أبناء باتحادنا بالمسيح الابن في المعمودية، حين نموت معه ونقوم متحدين به (رو3:6-5)
إعلان الأناجيل عن ولادة المسيح
نظر الإنجيلي يوحنا الحبيب اللاهوتي إلى المسيح في أزليته وقبل تجسده. بينما أن متى ولوقا تحدثا عن ولادته بالجسد، بينما أن مرقس بدأ بيوحنا المعمدان كسابق للمسيح. ويوحنا بدأ بأزلية السيد المسيح لأن هدف إنجيله أن نؤمن بأن المسيح هو ابن الله (يو31:20). بدأ يوحنا إنجيله وهو يرى المسيح ليس في طبيعة البشر بل في طبيعة الله، وليس منفرداً عن الله بل قائماً مع الله في صلة ذاتية كلية وأزلية. ليس إلهاً ثانياً بل واحداً مع الله الآب. رأى المسيح وهو اللوغوس أي عقل الله الناطق ونطق الله العاقل. فهو الألف والياء، أليس هو كلمة الله أي كل الحروف وكل تشكيلات الأسماء والكلمات والمعاني والأفعال والتعبيرات التي خرجت وتخرج عن الله لتعبر عن الله وعن مشيئته وتعلنه لنا نحن البشر.
هنا يوحنا رأى الابن الكلمة قبل الزمن، وقبل كل خليقة ، فالزمن والخليقة هما من أفعاله، فهو الذي صنع كل شئ، الخليقة المنظورة وغير المنظورة.
والكنيسة تقرأ الآيات (يو1:1-18) كل صباح في إنجيل باكر لتقدس اليوم كله بهذا البدء الأزلي وبنفس المفهوم تصلي الكنيسة هذه الآيات في صلاة مرور أسبوع على ميلاد طفل لتقدس حياته. هي إعلان أن الله هو بدايتي وحياتي فأحذر أن يكون لي حياة أخرى سواه فتكون نهايتي حزينة. وهذه الآيات (يو1:1-18) لخصها بولس الرسول بقوله "الله ظهر في الجسد" (1تي16:3)
فبينما كان متى ولوقا مهتمين بإظهار تجسد المسيح وأنه ابن آدم وإبراهيم بالجسد أراد يوحنا أن يظهر أن المسيح كان موجوداً قبل أن يتجسد من العذراء مريم، وأنه كان كائناً قبل أن يتجسد، كان كائناً مع الآب، مولوداً منه منذ الأزل. ويوحنا اللاهوتي عبَّر عن طبيعة المسيح الإلهية على قدر ما يمكن للغة الإنسانية أن تُعبِّر عن تلك الطبيعة التي هي فوق إدراك البشر.
وسنبدأ بولادة المسيح الأزلية (يو1:1-18) ثم يلي ذلك ولادة المسيح بالجسد من العذراء مريم (مت1:1-23:2+ لو1:1-38:3)
3- ميلاد السيد المسيح
I) ولادة المسيح الأزلية من الله
(يو1:1-18) المسيح الأزلي صار جسداً
آية (1): "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله."
هذه الآية تحمل طابع الإملاء الإلهي وليست من وضع بشر (ذهبي الفم/ أغسطينوس) وهذه الآية من 3 مقاطع يتكرر فيها اسم الكلمة وفعل كان الدال على الكينونة وليس على الزمن. والثلاث مقاطع في هذه الآية تحدثنا عن الابن الكلمة في أزليته وبمقارنتها بالآية (14) والكلمة صار جسداً وحل بيننا نجد مقابل لكل مقطع من المقاطع الثلاث ولكنها تشير لتجسده
* في البدء كان الكلمة |
- والكلمة كان عند الله |
# وكان الكلمة الله |
= كينونة أزلية دائمة البدء يشير للأزل كان = تشير للكينونة |
= الكلمة حالُُ في الله لكن في تمايز. كل له عمله وشخصيته لكنهم واحد |
= جوهر واحد مع الله أي في طبيعة الله. |
* صار |
- حل بيننا |
# صار جسداً |
= أي دخل الزمن في ملء الزمان |
= حل وسط الناس |
= صار في طبيعة الإنسان دون أن يترك طبيعته الإلهية. |
هذه الآية تشير لأن المسيح هو الله وهو موجود منذ الأزل ولا ينفرد بوجوده من دون الله، بل هو كائن في الله ، كما يوجد العقل في الإنسان، وكما توجد الكلمة في عقل الإنسان. إذن هو ليس مخلوقاً. ولذلك حين ظهرت الكلمة إلى الوجود (أو ظهر الكلمة إلى الوجود بالتجسد) كان المسيح يستعلن الله لنا.
في البدء= الديباجة التي بدأ بها يوحنا إنجيله تذكرنا بديباجة سفر التكوين فبينهما أوجه تشابه وأوجه تباين.
ومن أوجه التشابه أن الديباجتين تبدآن بكلمة واحدة "في البدء" وفي العدد الثالث من كل منهما تتجلى لنا علة الخلق "قال الله" (تك3:1). كل شئ به كان (أي بالكلمة) (يو3:1) وقال الله أي قال بكلمته الذي خلق كل شئ. وفي (تك2:1،3) نسمع عن الحياة والنور وهكذا في (يو4:1)
وأما عن أوجه التبادين فإن موسى ويوحنا التقيا معاً عند كلمة في البدء ثم إنحدر موسى متمشياً مع التاريخ حتى حدثنا عن المخلوقات. وإرتقى يوحنا صاعداً حتى أرانا من هو علة الخلق. مثلهما مثل شخصين التقيا عند نقطة في نهر، ثم إنفصلا. فمضى أولهما متتبعاً مجرى النهر حتى بلغ مصبه وارتقى ثانيهما إلى أعالي النهر حتى اكتشف منبعه.
لذلك فهم البعض أن كل منهما، موسى ويوحنا، قصد شيئاً مختلفاً بكلمة "في البدء" فالبدء في مفهوم موسى هو بدء الخليقة ولكن البدء عند يوحنا هو البدء المطلق الذي عنده يتوقف فكر الإنسان، هو البدء السابق للزمن قبل كون العالم (يو5:17،24) في البدء هنا هو الأزل أي الذي لا بداية له وباليونانية أرشي أي ما قبل الزمن. ففي بدء أي بداية لأي شئ ولأي زمن كان المسيح كائن. البدء في إنجيل يوحنا هو ما قبل الخلق وما قبل الزمن، وليس قبل الخلق إلا الله أما البدء في سفر التكوين فهو بدء الزمن. وبداية إنجيل يوحنا تتشابه مع بداية سفر التكوين، لأن سفر التكوين يتحدث عن الخليقة الأولى، وإنجيل يوحنا يتكلم عن الخليقة الجديدة. والمسيح هو بدء الخليقة الجديدة. فالعهد القديم يبدأ بالخليقة الجسدية، والعهد الجديد يبدأ بالتجسد والخليقة الجديدة. العهد القديم يقدم صورة العالم المادي والعهد الجديد يقدم ما سوف يصير إليه العالم الروحي من سماء جديدة وأرض جديدة حيث تعمل النعمة في الطبيعة البشرية. لذلك لم يقل يوحنا في البدء كان الله، لأنه يقصد الحديث عن الكلمة الذي بتجسده صار الخلاص والخليقة الجديدة. من هذا البدء ارتفع يوحنا بجناحي النسر، فرأى المسيح موضوع بشارته ورآه في أزليته في حضن أبيه، أما متى ولوقا اللذان رجعا بتاريخ المسيح لآدم وإبراهيم ليثبتوا أن ابن الله صار إبناً للإنسان وتجسد ليرفع الإنسان فيصير ابناً لله. لذلك ينهي لوقا سلسلة نسب المسيح بقوله ابن آدم ابن الله. وفي سفر التكوين حين قال موسى في البدء فهو لا يعنى زمناً معيناً، إذ لم يكن الزمن قد أوجد بعد، فلم تكن الكواكب والشمس قد تكونت بنظمها الدقيقة. لكنه يعني أن العالم المادي له بداية وليس كما إدعى بعض الفلاسفة أنه أزلي، يشارك الله أزليته. ولكن تعبير في البدء هنا يعني حركة أولى لا كماً زمنياً وذلك كالقول "بدء الحكمة مخافة الله" (أم10:9 )
ويأخذ كثير من الآباء بجانب هذا التفسير الحرفي أو التاريخي، التفسير الرمزي والروحي فيرون أن "في البدء" = في المسيح يسوع أو "في كلمة الله الأزلي" وتصير الآية (تك1:1) "في المسيح يسوع كلمة الله خلق الله السموات والأرض". وأغسطينوس يقول أن الابن نفسه هو البدء. فعندما سأله اليهود من أنت أجابهم أنا من البدء أو أنا هو من البدء (يو24:8،25) فالمسيح هو بكر كل خليقة أو هو خالق كل شئ وبهذا يتفق يوحنا وموسى في أن المسيح هو الذي "في البدء" وأنه خالق كل شئ. وهذا التفسير الروحي الرمزي يرى البدء أنها لا تحمل معنى زمني بل معنى العلة. وبنفس المفهوم بدأ يوحنا رسالته بقوله الذي كان من البدء= (الكلمة- الأزلي) الذي سمعناه.. .. = (تجسد).
ونلاحظ أن اسم الأسفار المقدسة بالعبرية هو أول كلمة في السفر. لذلك يسمى اليهود سفر التكوين "في البدء" وحينما تُرجم إلى اليونانية اسموه التكوين GENESIS. وهنا نلاحظ أن الاسمين لهما إشارة للمسيح. الاسم العبري لسفر التكوين أي في البدء يشير للمسيح الابن الكلمة الأزلى. والاسم اليوناني للسفر وهو التكوين GENESIS يشير للمسيح الذي تجسد وصار ابناً للإنسان. ولذلك فإنجيل متى الذي بدأ بقوله كتاب ميلاد وبالإنجليزية THE BOOK OF THE GENERATION OF JESUS CHRIST وكلمة GENERATION هي من نفس أصل كلمة GENESIS.
وإثبات لاهوت المسيح اهتم به يوحنا وإثبات تجسد المسيح اهتم به متى.
كان= حينما سأل موسى الله عن اسمه، قال الله ان اسمه "أهية الذي أهية" أي أكون الذي أكون، أي أنا الكائن بذاتي أو أنا الكينونة وبهذا نرى أن كان تشير لكيان المسيح الإلهي القائم منذ الأزل. ولغوياً كان المفروض أن يقال في البدء كانت الكلمة، ولكن الترجمة هنا جاءت من "في البدء كان اللوجوس (عقل الله) واللوغوس مذكر. هو الكلمة مشخصاً، فالكلمة هنا لا تعني اللفظ بل هو شخص. والمسيح سُمِّي الكلمة لأن به وفيه تكلم الله غير المنظور (عب1:1،2) فاللوغوس هو العقل الإلهي ظاهراً في الوجود، فقبل الكلمة أي اللفظ يوجد العقل أو الفكر الذي يلد الكلمة.
ونلاحظ في (56:8-58) أن المسيح يقول عن نفسه "أنا كائن" فهو ليس فقط موجود قبل إبراهيم بل هو كائن. فالمقارنة هنا بين المسيح وبين إبراهيم هي مقارنة بين الخالق والمخلوق، بين الأزلى والزمنى لذلك لم يقل المسيح أنا كنت قبل إبراهيم بل كائن قبل إبراهيم.
الكلمة= كما رأينا فالكلمة أي اللوغوس (هكذا هي الآية في الأصل اليوناني في البدء كان اللوغوس) لها أصول يهودية ويونانية فهي كلمة معروفة تشير للعقل الإلهي. ولكن أيضاً نلاحظ في (مز6:33) قول المرتل بكلمة الرب صنعت السموات.." فتعبير الكلمة الخالقة ليس جديداً على اليهود ولا على اليونانيين. فاللوجوس يشير للفكر. والكلمة هي تعبير عن الفكر. وكان العبرانيون يعبرون عن الفكر بأنه الكلام في القلب والباطن. والعرب يقولون "من بنات أفكاره" وفي (رؤ12:19،13) نسمع فيها أن اسم المسيح هو كلمة الله وأن ثوبه مغموس بدم وهذه علامة أبدية لإنهزام وقهر العدو إبليس (رؤ11:12). ولكن نلاحظ أن الاسم كلمة الله يشير لحالة خروج من الله وإرسال للإعلان عن مشيئة الله وتتميمها، فالاسم كلمة الله هو اسم المسيح بعد أن إضطلع بالعمل والرسالة. أما اسم الكلمة فقط كما جاء في هذه الآية فهو يعبر عما قبل الخروج والإرسال والإعلان عن الله. هو اسمه الذاتي وليس صفة عمل. ولذلك فحينما أُرْسِلَ الكلمة ليعلن الله ومشيئته قال الكتاب الابن الوحيد .. هو خَبَّر (يو18:1).
وكثير من الآيات في إنجيل يوحنا أتت بلفظة لوغوس وترجمتها الترجمة العربية "كلامي" مثل (24:5+ 3:15+ 51:8،31،32+ 24:14+ 14:17). ويصير المعنى ليس كلاماً عادياً. فإذا كان اللوغوس هو المسيح كلمة الله، فمن يقبل اللوغوس (كلامي) يقبل المسيح فتكون له حياة أبدية. ومن يثبت في اللوجوس (كلامي) يثبت في المسيح يو (7:15). لذلك قال المسيح عن نفسه أنا هو الحق (يو6:14) وقال كلامك حق (17:17) ونلاحظ في آية (43:8) أن هناك فرقاً واضحاً بين الكلام العادي واللوغوس (الكلمة)
"لماذا لا تفهمون كلامي. لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي"
"لماذا لا تفهمون (كلامي العادي). لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا اللوغوس (أي تقبلوني)
والمعنى أنتم لا تفهمون كلامي لأنكم لا تقبلونني. والمترجم للعربية استخدم هنا كلمة (قولي) لأن لوغوس بالعبرية هي قول.
ونلاحظ أن الكتاب المقدس هو كلمة الله والمسيح هو كلمة الله وهذا كما فسره الآباء أن من يتأمل في الكتاب المقدس يكتشف شخص المسيح كلمة الله ،فالمسيح هو الحق المخفي في كلامه وفي الكتاب المقدس كلمة الله، هو ينطق بين السطور كومضات نور أو دفقات حياة تنطلق بلا توقف، فالمسيح لا يعطي كلام يصلح للحياة، بل هو يعطي الحياة، فكلامه روح وحياة.
والكلمة كان عند الله= كلمة عند باليونانية (بروس) وتترجم أيضاً مع. وتشير لعلاقة متصلة كما في (يو19:5) فهناك اتصال دائم فعال وشركة كاملة مع الله الآب وأيضاً نرى في (1يو2:1) نرى الحياة عند الآب بمعنى الاتصال وكذلك في (يو24:17) فالمسيح كائن في الآب متصل به له ملء حياة الله وله المجد معه. ولكن قوله عند الله تفيد أيضاً تمايز الأقانيم فالآب ليس هو الابن والابن ليس هو الآب. وقوله عند الله تفيد أيضاً أزلية المسيح فالآب لم يكن أبداً بدون الكلمة (العقل) ولم يكن أيضاً بدون قوة. فالكلمة هو قوة الله التي كانت مستعدة دائماً أن تخلق. إذاً كلمة عند تفهم عن أن الابن شريك للآب أزلياً بدون إنفصال.
وكان الكلمة الله= قوله وكان الكلمة عند الله تفيد التمايز بين الأقانيم وقوله وكان الكلمة الله تشير للوحدانية الإلهية. وفكرة ألوهية المسيا المخلص لم تكن غائبة عن أذهان من يقرأ العهد القديم بفكر وقلب مفتوح (هو7:1+ أر6:23). ونلاحظ في الآية السابقة وكان الكلمة عند الله أن الكلمة والله جاءتا في اليونانية معرفتين بألـ توضيحاً أن لكل منهما وجوده الشخصي. والعكس في هذه الآية فالله جاءت بدون أداة التعريف ألـ وهذا يشير إلى:
1- أن طبيعة جوهر الكلمة هي طبيعة إلهية.
2- لو ذُكِرَ هنا الله مُعَّرف بألـ يصبح لا تمايز بين الأقانيم، أي يكون الله هو الكلمة وبالتالي لا فرق بين الآب والابن. وهذه بدعة سابيليوس الذي قال أنها مجرد أسماء وقال أن الله كان فترة آب ولما نزل للأرض صار ابن ولما صعد صار معنا باسم روح قدس. والمعنى أن الكلمة اللوغوس ليس بمفرده الذات الكلية لله، ولكن الله والكلمة (طبعاً والروح القدس) هو الله.
مقارنة بين كلمة الله وكلمة الإنسان
الكلمة في الإنسان تُصوِّر شخصية الإنسان تصويراً جزئياً، وقد تخطئ فتبقى كلمة الإنسان شيئاً ويبقى الإنسان شيئاً أخر.
أما كلمة الله فهو صورة كاملة لله كمالاً مطلقاً، هناك تطابق بين الله وكلمته وهناك تساوي ووحدة، ولا توجد ثنائية قط.
ولذلك فهناك تطابق بين إرادة الله وفعل كلمته، فالكلمة يقول ويعمل بحسب مشيئة الله بالتمام والكمال (يو49:12،50). ونفس الكلام يقال عن الأعمال التي عملها المسيح (يو19:5+10:14)
إذاً كلمة الله، اللوغوس، يحمل طبيعة الله ويُعبِّر عن ذاته تعبيراً كلياً مطلقاً وولادة الكلمة من الله هي ولادة مستمرة أزلية أبدية، ومع هذا يظل قائماً في الله يمثل الحضرة الإلهية بكل طبيعتها وقوتها وجلالها. وهذا نفسه ما حدث بعد أن تجسد إذ هو دائماً يحمل اسم الله وسلطانه كذات الله "من رآنى فقد رأى الآب"
"أنا في الآب والآب فيّ" راجع (يو20:5-23+ 44:12،45+ 30:10+ 9:14)
في هذه الآية رأينا:
1) متى كان المسيح .. .. .. منذ الأزل/ لا بداية له/ هو بداية كل خليقة.
2) أين كان .. . . .. .. .. .هو عند الله.
3) من هو .. .. .. .. .. .. هو الله/ هو عقل الله (اللوجوس).
أية (2): "هذا كان في البدء عند الله."
هذا= أي الكلمة. وهنا نلاحظ أن التكرار مقصود لتأكيد أن الكلمة أزلي وأنه من جوهر الله وطبيعته وأنه قبل أن يكون خليقة فهو عند الله، فهو قوة الله وحكمة الله اللتان خلق بهما العالم. والله لم يكن قط بدون قوته ولا بدون حكمته. ولكن التكرار له هدف ثانٍ خاصة إذا نظرنا للآية التالية "كل شئ به كان" والتي نرى فيها الكلمة خالقاً. وبذلك تصير آية (2) لها مفهوم آخر، وهو أن الكلمة الذي كان منذ الأزل عند الله (آية1) بدأ في عملية الخلق وبدء أن يكون هناك زمن وهناك خليقة. أزلياً الآب يحب الابن الذي عنده والآن هذا الحب أمتد للعالم فبدأت الخليقة زمنياً علامة الحب الإلهي للخليقة.
أية (3): "كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان."
الكلمة هو خالق كل شئ ما يرى وما لا يرى، في السماء وعلى الأرض (أف9:3) والخليقة أخذت كيانها منه ووجودها منه، ولا توجد خليقة تتخذ لها وجوداً بدونه، فالكلمة أزلى ولكن الخليقة أخذت مبدأها الزمني منه، وهي مرتبطة به تأخذ كيانها منه. وكلمة كان في هذه الآية تختلف عن كان في آية (1). ففي آية (1) تعنى الكينونة ولكنها هنا تعني صار الشيء become.
به كان= الأصل اليوناني يفيد به صار الشيء وظهر بحسب تدبير العناية الإلهية. وبه في الإنجليزية Through him وهذه أدق من صار أو كان في العربية فالكلمة بعد أن خلق، ظل حافظاً ومقيماً وماسكاً ومدبِّراً للخلق. كنا في عقل الله أولاً ثم صرنا خليقة "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15) لذلك هو ضابط الكل "به نحيا ونتحرك ونوجد" أما من ينفصل عنه فيقال له "لك اسم أنك حي وأنت ميت" (رؤ1:3)
وبغيره لم يكن شيئاً مما كان= بدونه لا يصير لها وجود وكيان. فهو يخلق أولاً ثم يحفظ، فهو ضابط الكل. وإذا كان الكلمة هو الذي يخلق ويحفظ ويضبط العالم فهو ليس أقل من الله، بل هو الله نفسه. راجع (عب2:1،3+ أع28:17+ رو19:1،20+ كو16:1،17+ مت29:10-31+ لو6:21+ أم23:8-31)
أية (4): "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس."
فيه كانت الحياة= الكلمة فيه الحياة كإحدى خصائص الجوهر الإلهي الأزلى (يو26:5). وهي حياة أزلية أبدية، وهي قادرة أن تحيي أي لها القدرة أن تخلق حياة (يو21:5) فالمسيح الكلمة هو أساس الحياة لكل كائن حي ولكل ما في الوجود. هو فيه الحياة كينبوع فهو ليس فقط حي بل هو الحياة، وهو حياة أبدية لا تنتهي ولا تموت (وإن كان هو الحياة فلا يمكن أن يوجد وقت لم يكن موجوداً فيه، أي لا يمكن أن يكون مخلوقاً) وهذا هو سر إرتباط الخليقة به فهو مصدر حياتها. ولكننا لا نفهم حتى الآن سوى الحياة بالمفهوم الزمني فالإنسان لا يرى سوى ما يلمسه ويراه بعينيه المادية. أما الحياة الأبدية سنفهمها فيما بعد، وهي التي بلا حزن ولا كآبة. والحياة التي يقصدها بقوله فيه كانت الحياة، هي الحياة الأبدية (1يو2:1) "الحياة أظهرت" بصورة أساسية. ولكنه هو أيضاً يحفظ الحياة الآن لقد فقد الإنسان الحياة بسبب خطيته فجاء المسيح وهو الحياة ليعيدها له.
والحياة كانت نور الناس= الله الكلمة أعطى حياة لكل الخليقة ولكن تميز الإنسان عن باقي الخليقة بأنه صار له نوراً به يعرف الله ويدركه ويتكلم معه. ويوحنا هنا يرى أن أهم ما في الحياة للإنسان أن يدرك الله ويتصل به ويعرفه، هذه رسالة الكلمة (يو3:17) فمن له حياة المسيح فبنوره ندرك الله نفسه ومجده، بل سأدرك هدف ومعنى حياتي فنحن لا يمكننا أن ندرك الله سوى عن طريق المسيح:-
نحن يمكننا أن نرى الله في الطبيعة التي خلقها ولكن نكون كمن يرى الشمس في صورة. ويمكننا أن نرى الله من خلال العهد القديم والناموس ونكون كمن يرى الشمس من خلف غيمة. ولكننا في المسيح نراه في كامل محبته.. أليس هو بهاء مجد الله ورسم جوهره. فالمسيح الذي هو الحياة الحقيقية وهو مصدرها وهي حياة قدسية كاملة أبدية الوجود، هو صار نوراً للإنسان يعرف به الله ويرى به الله . إتحادنا بالمسيح وثباتنا فيه هو الوحيد الذي به ندرك الله ونراه وندرك الأمجاد المعدة لنا، ولذلك بالروح القدس الذي يملأنا عند ثباتنا في المسيح. والله قد خلق آدم في جنة ليحيا للأبد، ويرى الله ويفرح به للأبد، لكنه حرم نفسه بنفسه من هذه الحياة فحُرِم من أن يرى الله وصار في ظلمة. والظلمة في إنجيل يوحنا تشير للخطية، فيهوذا حين خرج قيل وكان ليلاً (يو30:13) وقيل عن نيقوديموس أنه جاء ليلاً إظهاراً لعدم المعرفة عند نيقوديموس قبل إيمانه. ولكن على الرغم من أن الناس قد سقطوا في ظلمة الخطية إذ خالفوا وصايا الله، فإن السيد المسيح وهو خالقهم وهو الحياة الذي أعطاهم الحياة، وهو أيضاً النور جاء بتجسده ليبدد ما يكتنفهم من ظلمات، ويعطي الحكمة لمن يريد.
الله في ملء الزمان أرسل ابنه ليرد الحياة إلى آدم وبنيه، أرسله كخبز الحياة ليأكل منه الإنسان فترتد إليه روحه ويعيش للأبد وتنفتح عيناه ويعاين نور الحياة وهذه هي العلاقة بين الحياة والنور "وهذه هي الحياة .. أي يعرفوك" (يو3:17). فمعرفة الله هي الحياة الأبدية فهي الثبات في الله. ولأن المسيح هو النور الذي عَرَّفنا الآب قال أنا هو الطريق والحق والحياة وقال أنا نور العالم. ورؤية النور الإلهي لا تكون بالعين الجسدية بل خلال الروح حينما تنشط من الداخل فتدخل لها القوة الإلهية المنيرة. كما ظهر نور لبولس الرسول في الطريق لدمشق فعرف الله وصارت له حياة (يو12:8) وغياب النور عن الإنسان يكون باختياره حين يرفض الحياة في النور أي في الحق والمحبة والقداسة، وغياب النور معناه غياب الله.
أية (5): "والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه."
والنور يضئ في الظلمة= كان آدم في الجنة يرى الله، فكان آدم في نور. وسقط آدم فإنفصل عن الله وصار في ظلمة. ولا شركة للنور مع الظلمة. وسادت الظلمة العالم فانتشرت الوثنية والخطية، فلقد تبع الإنسان، (ما عدا قلة) الشيطان سلطان الظلمة. والمسيح أتى للعالم وهو النور لينير للعالم، فيعرف العالم الله ويعبده تاركاً الخطية (إش1:9-6+ 5:49) فالمسيا الآتي هو النور للجالسين في الظلمة. فبنورك يا رب (المسيح) نعاين النور ولكن كل من يرفض المسيح يظل في الظلمة ونهايته تكون الظلمة الخارجية "اطرحوه في الظلمة الخارجية" أي خارج عن جسد المسيح (النور الحقيقي). وكما يضئ النور المخلوق للعينين الجسديتين فنرى الأشياء، هكذا فالنور الحقيقي وهو الله ،(هو طبيعة الله) يضئ للإنسان ويرشده كعطية سخية من طبيعته الإلهية. وتجسد المسيح كان مجيئاً للنور إلى العالم (يو19:3) فهو شمس البر. فمن قَبِلَهُ صار إنسان النور الذي له حياة أبدية، ومن لا يقبله يبقى في الظلمة. ولكن بصفة عامة فالله يعطي لكل إنسان نوراً يستطيع به أن يميز الله ويعرفه (رو14:2،15+ 19:1،20) ويعطي لكل إنسان نوراً هو الضمير يميز به الخير من الشر، لذلك فالنور يضئ في الظلمة بصورة عامة منذ بدء الخليقة، لذلك قال الكتاب أنهم بلا عذر (رو1:2+ 20:1)
والظلمة لم تدركه= ما هي الظلمة؟= هي غياب النور. فإذا كان الله هو النور فالإنسان الذي يخلو من النور (نور الله) هو الظلمة. والشيطان حين إنفصل عن نور الله صار سلطان الظلمة (لو53:22). وإذا كان النور أي الله هو المحبة والرحمة والسلام والحق والأمانة، تكون الظلمة هي الكراهية والقتل والقسوة والقلق والغش والكذب والخيانة.. الخ لذلك صار إبليس قتالاً للناس منذ البدء وصار كذاباً وأبو الكذاب (يو44:8،45) فهو ظلمة وهكذا كل من يتبعه. ومن كان له المسيح الحياة يكون له المسيح نور ينير له الطريق للحق فتكون له مصدر لكل الإيجايبات. ولكن الإنسان فشل في أن يتمسك بالنور ابتداء من آدم الذي اختار الظلمة (رو21:1-23+ 1كو21:1).
ونلاحظ أن من يُصِّرْ على أن يعيش في الخطية، فهو يعيش في الظلام ولن يدرك المسيح أي لن يعرفه ولن يعرف حقيقته، وكلما إزدادت ظلمة الإنسان يبدأ يهاجم المسيح النور الحقيقي إذ هو لا يعرفه ولكنه لن يستطيع أن يدركه أي يظفر به. فالظلمة درجات تبدأ بإهمال حقيقة النور ثم اختيار الخطية، فالحياة في ظلمة ثم رفض المسيح ثم الهجوم عليه.
وكلمة لا تدركه بالتالي تشير لأن من اختار الظلمة لن يعرف المسيح وإذا بدأ في هجومه عليه لن يظفر به فالنور الإلهي غير قابل للإنطفاء أو الإندحار. بل نرى في (مت44:21) أن من اختار الظلمة هو من سقط على هذا الحجر، إذ هو لا يرى وهذا بسقوطه وعثرته يترضض، وأما من يقاوم المسيح يسقط هو عليه ويسحقه. ودائماً يشرق الله بنوره ليضئ للإنسان (إش2:9). ودائماً فالظلمة تطارد الإنسان (بالذات الذي فيه نور المسيح) (تك15:3) ولكن الغلبة ستكون للنور (رؤ2:6) وحرب الظلمة هي حرب خداع وتزييف (تك1:3+2كو3:11). ولكن الظلمة لم تدرك المسيح بمعنى ما قاله المسيح "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ" (يو30:14+46:8). فالشيطان أثار اليهود والرومان فصارت ظلمة لاحقت المسيح حتى الصليب، ولكنها لم تدركه، بل هو الذي أمسك سلطان الظلمة وقيده (كو14:2،15+ رؤ1:20،2). لاحظ أن النور يضئ في حجرة مظلمة وينهي ظلامها ولكن لا يمكن أن الظلمة تنتصر على النور فتظلم حجرة بها مصدر إضاءة.
الآيات (6-8): "كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور."
هنا نرى الكلمة يبدأ يدخل للتاريخ الإنساني، ويوحنا المعمدان كان سابقاً للمسيح، وهذا ما سجلته كل الأناجيل ويسجله يوحنا هنا أيضاً، فيوحنا الإنجيلي كان تلميذاً للمعمدان ثم صار تلميذاً للمسيح. ولأن يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو لم يذكر قصة ميلاده بالجسد. ويوحنا الإنجيلي أورد قصة المعمدان هنا بعد أن تحدث عن ألوهية وأزلية المسيح ليعقد مقارنة بين ألوهية المسيح وإنسانية يوحنا المعمدان. والنور لا يحتاج لأحد يشهد عنه، لذلك المسيح غير محتاج لشهادة يوحنا المعمدان. لكن النور يحتاج لمن يراه. وكان المعمدان هو المبصر الذي يشهد للعميان. فالأعمى يحتاج لمبصر يرى ويخبره.
اسمه يوحنا= معنى اسمه الله يتحنن، فالمعمدان حتى باسمه كان يكرز بعمل المسيح المخلص. هذا= أي يوحنا المعمدان.
وعمل يوحنا المعمدان كان هو الدعوة للتوبة، وكل من يقدم توبة تنفتح عينيه فيعرف المسيح الآتي. (وهذا حدث مع التلاميذ مثلاً). أما من رفض تقديم توبة فلقد ظل في ظلام خطيته ولم يعرف المسيح.
جاء للشهادة= فلأن يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو يهتم بأن يضع الشهود الذين يشهدون بهذه الحقيقة، ولذلك فكلمة الشهادة ترد في إنجيل يوحنا 14مرة، والفعل يشهد ورد 33مرة. بينما كلمة الشهادة وردت في إنجيل مرقس 3مرات ولوقا مرة واحدة ولم ترد في متى نهائياً. وهناك 7 شهادات للمسيح:
1- شهادة الآب: (31:5،34،37 + 18:8) "الآب الذي أرسلني يشهد لي"
2- شهادة المسيح نفسه: (14:8،18+ 11:3،32+ 37:18 "وإن كنت أشهد لنفس فشهادتي حق"
3- شهادة الروح القدس: (15:26+ 14:16) "فهو يشهد لي"
4- شهادة الأعمال التي يعملها المسيح: (36:5+ 25:10+ 11:14+ 24:15) (معجزاته وحياته وطهارته واتضاعه)
5- شهادة الأسفار المقدسة: (39:5،46) "موسى شهد لي" وكل رموز العهد القديم والنبوات.
6- شهادة التلاميذ ويوحنا الإنجيلي وتوما: (27:15+ 35:19+ 24:21+ 28:20)
7- شهادة يوحنا المعمدان: (راجع يو34:1) وراجع أقوال وشهادة المعمدان عن المسيح في (يو19:1-39) + (يو27:3-36) وهذه الآية التي نحن بصددها. ويسجلها الإنجيلي الذي كان تلميذاً للمعمدان وصار تلميذاً للمسيح، فقد سمع كل ما قال المعمدان عن المسيح.
8- شهادة نثنائيل ثم السامرية ثم المولود أعمى:
لم يكن هو النور= يبدو أن هناك كثيرين ظنوا أن المعمدان هو المسيح فتبعوه على هذا الأساس ولم يعرفوا المسيح. ويوحنا الإنجيلي هنا يشير إلى أن المعمدان مجرد شاهد ليظهر المسيح للناس. راجع (لو15:3+ أع24:18،25+ أع1:19-7)
ليشهد للنور= الإنجيلي هنا يتحدث عن المسيح كنور فهو لم يأتي بعد للحديث عنه كإنسان بعد ن تجسد وصار إلهاً متأنساً. لذلك فما زال يشير له بطبيعته الإلهية.
لكي يؤمن الكل= أي اليهود الذين شهد لهم المعمدان (يو34:1) بل للعالم أجمع.
أية (9): "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم."
النور سيأتي للعالم بالتجسد. وهنا نسمع عن أن المسيح هو النور الحقيقي= فهو وحده الذي يكشف الحق الكلي. وكل نور غيره هو غير دائم وغير كامل وغير مستمر فالمعمدان نور ولكنه:
1) يستمد نوره من المسيح النور الحقيقي.
2) مستمر لوقت محدد ثم ينطفئ بالموت.
3) المسيح وحده هو القادر أن يكشف لنا كل أسرار الآب ويعلنه لنا.
ينير كل إنسان= هو الذي يعلن الله لكل إنسان، وكل من أتى لهذا النور يُستعلن الله فيه، ويرى هو نفسه على حقيقتها أمام الله. وكل من لا يأتي لهذا النور يفقد رؤيته لله ويفقد رؤية نفسه رؤية حقيقية ويصير في ظلام. (1بط9:2).
كل إنسان= الله يريد أن الجميع يخلصون ولكن ليس الجميع يريدون ويقبلون.
العالم= قد تعني الكلمة [1] الوجود [2] الأرض [3] سكان الأرض [4] الغرباء عن الله. والمقصود هنا أن المسيح سيأتي إلى الأرض بالتجسد، لكل الساكنين فيها حتى من هم غرباء عن الله ليجمعهم فيه إلى واحد.
أية (10): "كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم."
كان في العالم= فهو كان يعطي لكل إنسان نوراً يعرف به الله، ليقترب إلى الله بإدراكه. وكل فكر صالح وكل حق ظهر في العالم الوثني كان مصدره المسيح فهو مصدر كل حق (يع16:1،17) (وتعني أنه كان في العالم يحفظه ويدبره). وكون العالم به= فهو الذي خلق كل الخليقة وهو الذي يعطيها حياتها وهي متصلة به دائماً. لم يعرفه العالم= لم يستجب له العالم إيمانياً وأخلاقياً، فهو يدعوهم ليكونوا في النور وهم يرفضوا، بل وقفوا مع الظلمة ضد الله وساروا وراء أوثانهم وشهواتهم وملذاتهم. هم كونوا علاقات مع الشيطان وليس مع الله. فالظلمة في الإنسان صنعها الإنسان برفضه النور وسيره في الخطيئة والشر أما من يستجيب لنداء الله الذي يجذبه للنور يعرف الله ويترك الظلمة ويعود لله وهذا هو الخلاص. ومن يرفض يكون له الدينونة أي الحرمان من الله. إذاً سبب عدم معرفة العالم لله ليس أن الله كان مختفياً بل لم يكن هناك من يستقبل النور، فالخطية أعمت عيون البشر.
أية (11): "إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله."
العالم عرف الله منذ بدئه وعرف اسمه (تك26:4، 24:5). ولكن نرى من الكتاب المقدس كيف سادت الظلمة وفسدت الأرض وعاقب الله بالطوفان. ولكننا نرى أيضاً وسط هذه الظلمة نوح البار الذي شهد للنور.
وكان إسرائيل هو شعب الله الخاص والمختار من وسط الشعوب ليسكن الله وسطهم وكان هو ابنه البكر (خر22:4+ تث8:32-12+ زك10:2-12+ خر5:19،6+ تث6:7،7+ تث1:14،2+ 18:26،19). ولكن هذا الشعب رفض الله وأعطاه القفا لا الوجه (أر24:7+ تث1:32.. ..) ولأنهم انغمسوا في زناهم ووثنيتهم إنحجب عنهم نور الله. وأخيراً أتى لهم المسيح (عب1:1،2) ولكنهم أيضاً رفضوه (يو37:12-41+ إش1:6-10). وهنا نرى أنه بسبب خطاياهم إنطمست بصيرتهم وأنحجبت رؤية الحق. وهذا ما حدث مع المسيح فهم بسبب حسدهم رفضوا المسيح وصلبوه. بل كان الرفض جماعياً ملوكاً وكهنة وشعب.
جاء= بنفسه ولم يرسل ملاكاً ولا أنبياء (1يو1:1). ولمسناه وشاهدناه. ظهر النور بطريقة محسوسة مرئية.
سؤال: إذا كان خاصة الله قد رفضوه فهل فشل الله في خطته، أنه إختار شعباً ثم رفضه هذا الشعب؟ قطعاً لا:
1- اليهود بزلتهم صار خلاص الأمم، إذاً ماذا عن قبولهم؟ من المؤكد أنه خلاص جبار وغني لكل العالم (رو11). برفضهم تم الخلاص إذ صلبوا المسيح. ولكن هذه القساوة حصلت جزئياً لإسرائيل ليدخل ملء الأمم. فالله أغلق عليهم أي سمح بهذا ليدخل الأمم ولكن هناك بقية ستدخل في نهاية الأيام إلى الإيمان. إذاً رفضهم للمسيح كان جزء من خطة الله للخلاص. خلاص الكل.
2- خطة الله نجحت بدليل إيمان كل العالم، وأن الله أعطى سلطان لكل من يؤمن أن يصير ابناً لله.
3- هم حفظوا النبوات فكانوا أمناء مكتبة المسيحية. وظهر أن خطة الله للخلاص هي خطة أزلية ليست وليدة الأحداث.
أية (12): "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون بأسمه."
هناك قلة قبلته من بين اليهود فطردوهم من المجمع واضطهدوهم وعاملوهم كوثنيين، وبهذا فتحوا الطريق للوثنيين ليصير الأمم أبناء الله (أف6:3). لقد كان إسرائيل هو الابن البكر (خر22:4) فصار كل المؤمنين أبناء بل أبكار، باتحادهم بالابن البكر (يع18:1). كل= أي ليس لشعب معين.
سلطاناً= قد تعني امتياز أو حق إقامة علاقة بنوية مع الله. وإذا كان الله أباً لي فماذا يخيفني في هذا العالم. لكن بالمعمودية نصير أولاد الله باتحادنا بالمسيح في موته وقيامته. ومن يثبت في المسيح يصير ويستمر ابناً لله. ومن يرتد للخطية لا يصير ابناً لله. فالثبات في المسيح يعني الثبات في القداسة. والله أعطانا قوة وسلطان على الخطية حتى لا تسود علينا (رو14:6). فإن كان هذا هو الوعد لقايين (تك7:4) فكم وكم السلطان الذي لأولاد الله. وبهذا نفهم أن اللم ينقسم إلى [1] أولاد الله وهؤلاء لهم سلطان [2] أناس عاديين تسود عليهم الخطية. فماذا لا أتمتع بهذا السلطان وأصير ابناً لله حينما أسلك كما يحق كابن لله.
أولاد الله= إذاًَ كلنا أخوة، كلنا جسد واحد للمسيح (أف30:5)
بإسمه= الاسم هو المعبر عن الشخص، أي الحضرة الذاتية الإلهية.
أية (13): "الذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله."
ليس من دم (أي زرع بشري) = الولادة من الله لا يدخل فيها أي عنصر من العناصر الطبيعية، ولم يعد الإنتساب للدم الإسرائيلي أو الديانة الإسرائيلية سبباً ليكون الإنسان ابناً لله. ونلاحظ أن اليهود يفتخرون بأن دمائهم نقية وهم جنس مختار مولودين من إبراهيم واسحق ويعقوب (مت9:3+ يو33:8) فهم لهم كبرياء ويفتخرون بحسب الجسد بجنسهم. أما المسيحي فلا يفتخر بهذا بل نحن مولودين من دم يسوع المسيح، لا نحيا حياة طبيعية لحساب العالم الطبيعي، حياتنا هي حياة المسيح يعطيها لنا لا تورث من السلف ومحررة من الغرائز والشهوة.
ولا من مشيئة جسد(أي الشهوة الجسدية) ولا من مشيئة رجل(إرادة إنسان وزواجه لينجب)= الولادة من الله لا مجال فيها للغرائز الطبيعية ولا لمشيئة إنسان، وبالتالي فالمولود من الله لا يخضع جبرياً لسطوة الغرائز ولا لأي مشيئة بشرية. وبالتالي يتخلص المولود من الله من كل ما يتعلق بالخليقة الحيوانية عامة والخليقة البشرية خاصة، فهو ميلاد خليقة أخرى للإنسان من فوق، فيها يصير الله أباً جديداً للإنسان.
وقوله مشيئة جسد ومشيئة رجل فهي ربما تشير لمشيئة المرأة (الجسد) ومشيئة الرجل (رجل) أو تشير للغريزة الجنسية (جسد) وللإرادة والقرار الإنساني في أن يكون للإنسان نسل (رجل).
ولدوا من الله= الولادة من الله تكون [1] بالإيمان [2] بالمعمودية [3] طاعة الوصية (يو31:20+ يو3:3،5+ أع16:22+ أف26:5+ مت11:3+ لو16:3+ 1يو1:3،2) والله من محبته اتخذنا أولاداً له، وليس لشئ صالح فينا. وفي مقابل محبته علينا أن نحبه ونحب إخوتنا ومن يحب يصير ابناً لله (1يو7:4)
أية (14): "والكلمة صار جسداً وحل بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيد من الآب، مملوء نعمة وحقاً."
بدأ يوحنا الإنجيلي رؤيته للكلمة في أزليته ثم في خلقته للعالم، وأنه كان ينير للخليقة، ثم إرسال المعمدان ليشهد له، ثم رفض خاصته له والآن نراه يأتي متجسداً.
والكلمة صار جسداً= والكلمة= حرف الواو تعني أن الكلام عائد على ما قبله وتعني أن الكلمة الذي هو الله صار جسداً وهنا نسمع لآخر مرة عن الكلمة إذ سنراه بعد ذلك في شخص المسيح الذي ظهر كإنسان. وكون أن المسيح أخذ له جسداً فهو لم يتوقف عن أن يكون الكلمة، ولكنه إتخذ له جسداً حتى نراه وندركه "الله ظهر في الجسد" (1تي16:3). فالإنسان قد فشل في أن يتعرف على الكلمة ويدركه، وهذا ما جعله يأخذ حالة أكثر اقتراباً لإدراكنا. وهو صار جسداً ليكون رأس الخليقة الجديدة. أما قوله كل شئ به كان فيشير للخليقة القديمة. وصار بكر كل خليقة (كو15:1) لأنه أيضاً كان أول من قام من الأموات. وجسداً هنا تشير لأنه صار إنساناً كاملاً (جسداً ونفساً وروحاً). أي أخذ الطبيعة البشرية بكل خصائصها أي صار بشراً. وقوله صار تعني أنه لن يتراجع عن اتحاده بالجسد الذي اتخذه للأبد. وهذا ما نعنيه في قانون الإيمان بقوله تجسد وتأنس. وهو لكي يأخذ شكل الإنسان تخلى عن مجده وأخلى ذاته (في6:2،7). وهذا الإخلاء لم ينقص اللاهوت شيئاً ففيه حل كل ملء اللاهوت جسدياً (كو9:2). هذا الإخلاء يعني أنه حجب مجد ونور لاهوته أخذاً صورة عبد. لكن استعلن لاهوته في بعض الأحيان كما في التجلي وهو حجب لاهوته فنحن في جسدنا الحالي لن نحتمل مجده بسبب خطايانا. وتجسده هذا فتح لنا طريق الأقداس (عب19:10،20) وصار جسده طريقاً ومعبراً لنا للأمجاد السماوية، بل هو أعطانا جسده ودمه مأكلاً ومشرباً حق لنحيا بهما (يو55:6،57) ولقد ظهرت هرطقات كثيرة بخصوص التجسد مثل هرطقة أبوليناريوس الذي إدَّعى أن الجسد الذي أخذه المسيح لم يكن جسداً كاملاً. ولكننا نؤمن أن جسد المسيح كان جسداً كاملاً. وقال أوطاخي أن المسيح كان له طبيعة واحدة إنسحبت منها الطبيعة البشرية وكأن لا وجود لها. وقال الغنوسيون أن المسيح أخذ جسداً حسب الظاهر فقط ولمدة قصيرة، ولكننا نؤمن أن جسده كان حقيقي ودائم، وقال غيرهم أن جسد المسيح كان خيالي وهذا خطأ.
نحن نؤمن أن لاهوته أتحد بناسوته (الذي كان جسداً حقيقياً كاملاً) وكان هذا الاتحاد للطبيعتين إتحاداً كلياً وكاملاً وصارا واحداً، طبيعة واحدة من طبيعتين كاتحاد الحديد بالنار (تشبيه البابا كيرلس عمود الدين) والناس بالنار (رؤ15:1) والفحم والمشتعل في المجمرة (الشورية) إشارة للمسيح في بطن العذراء. صار الكلمة إلهاً متأنساً (ولا يقال إلهاً وإنساناً معاً) فحينما أقام لعازر من الموت أقامه بقوة لاهوته وبصوت فمه أيضاً، فأعماله الإلهية قد اشترك فيها جسده. والمسيح المتأنس قال عن نفسه أنا هو (يهوه) (يو24:8) وحينما مات المسيح انفصلت روحه الإنسانية عن جسده وظل اللاهوت متحداً بكليهما لذلك لم يفسد الجسد ولذلك أيضاً قام. لقد اتحدت الطبيعتين وصارا طبيعة واحدة بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير لذلك يقول بولس "كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع28:20)
وإذا لم يكن اللاهوت متحداً بالناسوت كان من المستحيل أن يتم الفداء، فالفداء هو موت المسيح غير المحدود (لاتحاد لاهوته بناسوته) ليغفر خطايا غير محدودة. أما لو كان اللاهوت منفصلاً عن الناسوت لصار الناسوت محدوداً ولما حدث الخلاص غير المحدود. ولما قال أنا القيامة والحياة قالها على أساس لاهوته الكائن في جسده المتحد به. ولما قام قام بقوة لاهوته وبالجسد. ولما بكى على قبر لعازر كان هذا دليلاً أن الله بلاهوته يشترك مع الإنسان في ضيقته "في كل ضيقهم تضايق" (إش9:63). وبعد الاتحاد كان له مشئية واحدة لا مشيئتان فلا ازدواج في شخصيته. وكان اتحاد اللاهوت بالناسوت بركة للمؤمنين لأنهم سيصيروا واحداً في الله (هذا لا يعني قطعاً تأليه الإنسان أي لن يصير الإنسان إلهاً، بل سيأخذ الإنسان بركات كثيرة نتيجة هذا الاتحاد، فنحن كشركاء للطبيعة الإلهية لن نشترك في لاهوت الله بل في قداسته ومحبته بل وفي مجده والجلوس في عرشه) (يو21:17) وشركاء الطبيعة الإلهية (2بط4:1) والمسيح أخذ شكل جسدنا ومَجَّدَهُ ليعطينا أن نكون على صورته في الأبدية (1يو2:3)
وحل بيننا= حلًّ في اصلها اليوناني خَيَّم أي اتخذ له خيمة. وهي تشير للسكنى أو الحلول، كما يضرب الإنسان خيمته على الأرض. وقوله بيننا فهو يريد السكنى وسط شعبه. وكون جسدنا الحالي يُعَبَّرْ عنه بالخيمة هو تراث فكري يهودي (راجع 2بط14:1+ 2كو1:5) وقول بطرس هنا عالِماً أن خلع مسكني.. أي خيمتي. فالخيمة (خيمة الاجتماع) كان يطلق عليها المسكن. ويكون قوله حل بيننا أي أن المسيح أتخذ له جسداً بشرياً ليحل بيننا كما كانت الخيمة سابقاً وسط الشعب.
لاحظ شكل الصليب
فالمسيح حلّ وسطنا
وملك على قلوبنا
بصليبه
كانت الخيمة رمزاً للمسيح الذي يحل بمجده وسط شعبه (خر34:40،35+ زك10:2) ورأينا مجده= كيف رأي يوحنا مجد المسيح:
1- التلاميذ آمنوا بالمسيح، وإيمانهم أعطاهم أن يروا في المسيح ما لم يراه غيرهم من ذووا القلوب المتحجرة، فالمسيح استعلن نفسه لهم بسبب إيمانهم. وهذا هو مفهوم قول المسيح "طوبى لمن آمن ولم يرى" .. أي لم يرى رؤية عينية.
2- يضاف لهذا رؤيتهم للمسيح في حالة تجلى وهذه الحادثة رآها بطرس ويعقوب ويوحنا وذكرها بطرس لأهميتها (2بط16:1-18).
3- لقد رأى التلاميذ معجزاته التي تنطق بلاهوته مثل تحويل الماء إلى خمر وتفتيح عيني المولود أعمى وإقامة لعازر. بل رأوه يصنع أعمالاً ويتكلم بسلطان بل أن اليهود أنفسهم شهدوا بهذا السلطان (مت29:7)
4- سمع يوحنا المسيح يطلب أن يتمجد، وربما ميزَّ الصوت الذي أتاه من السماء بأن الآب مجده وسيمجده (يو5:17،24+ يو28:12)
5- يوحنا رأى المسيح في مجده (سفر الرؤيا) وسقط عند رجليه كميت (رؤ17:1)
مجداً كما لوحيد من الآب= كلمة وحيد تعني الفريد أو الوحيد في نوعه (KIND). والمجد الذي ظهر به الابن يليق به كابن وحيد للآب. وكلمة وحيد هي ترجمة لمونوجينيس (يو16:3،18+ 1يو9:4) ولكي نفهم عظم عمل الفداء، علينا أن نعلم أنه الابن المحبوب (أف6:1) موضع مسرة أبيه (2بط17:1). هذا هو الابن الوحيد الذي بذله الآب عنا حتى لا نهلك. وقوله وحيد من الآب نرى فيها ارتباط وجودي جوهري بين الآب والابن، وأن الآب أرسله لأجل رسالة يؤديها.
مملوءاً نعمة وحقاً= هذا ما لمسه يوحنا بنفسه حين عاش مع المسيح. ورأى كلماته وتصرفاته ومحبته حتى مع أعدائه. والمسيح حين تجسد أراد أن يمنحنا صفاته هذه لتكون لنا.
نعمة= المسيح هو مصدر كل نعمة، نسأله فيعطينا إياها مجاناً، ليس عن استحقاق فينا. وهكذا فعل بولس الرسول (رو7:1) وباقي رسائله ويوحنا (2يو3). وهذه هي صيغة البركة الرسولية "محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد.. تكون معكم" (2كو4:13) بل العرش الإلهي صار يعرف بعرش النعمة (عب16:4). والنعمة تشمل الفداء المجاني والخلاص بنتائجه والذي به صرنا بنيناً وأحباء وأحراراً من سلطان الخطية ووارثين مع المسيح، وحل فينا الروح القدس. نحن في المسيح حصلنا على كل النعم. ونلاحظ أن يوحنا وضع النعمة في مقابل الناموس (آية17) وتعني النعمة أن المسيح أبرع جمالاً من بني البشر، وأن طبيعته هي المحبة وكل عطاياه مجانية.
وحقاً= المسيح هو الحق نفسه. والحق هو الحقيقة في مقابل الشبه أو الظل وليس الصدق وعدم الكذب. والعهد القديم كان ظل وأشباه السماويات، كان ألغاز ورموز ولكن في العهد الجديد جاء الحق (عب5:8+ عب2:1+ يو63:6+ يو9:14،6) لذلك وضع الحق في مقابل الناموس آية _17). فالحق هو استعلان الله في ذاته استعلاناً حقيقياً كآب وابن. ومن يعرف الابن يعرف الحق ويتحرر (يو31:8-36) ويصير ابناً حراً لله. والحق هو الشيء الثابت وتعني أن الله أمين وصادق ودائم. الحق هو شخص المسيح والنعمة هي القوة التي تحفظنا كأولاد لله من الخطية. والحق هو اختيار حر للمسيحي. وهو ترك العالم الباطل.
أية (15): "يوحنا شهد له ونادية قائلاً: "هذا هو الذي قلت عنه: إن الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان قبلي"."
يوحنا الإنجيلي يورد هذه الآية الاعتراضية لأن فيها يشهد المعمدان أن المسيح كان قبله كائن. وكأن يوحنا الإنجيلي يقول أن المسيح كائن قبل التجسد وقد شهد المعمدان له بهذا. نادى= في اصلها اللغوي نادى بصراخ لأهمية ما يقول . (كان قبلي= هو خالقي وهو قبلي في المكانة والزمن).
أية (16): "ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة."
هذه الآية مبنية على (آية14) والتي قال فيها يوحنا الإنجيلي أن المسيح كان مملوءاً نعمة. وفي هذه الآية (16) يكمل الإنجيلي ما بدأه في (14) بعد الآية الاعتراضية (15) من ملئه= تشير للكثرة والفيض، والمسيح هو الوحيد المملوء، له كل ملء اللاهوت (أف22:1،23+ 19:3+ 13:4+ كو19:1+ 9:2،10). والمسيح له كمال الملء.
نحن جميعاً أخذنا= من ملئه تمتلئ الكنيسة كلها، تمتلئ قيامة وفداء وتبرير وصعود وحياة أبدية ومجد وشركة في الطبيعة الإلهية وعطايا ومواهب وتبني وحب إلهي فائق. ولكن من الذي يمتلئ؟ هم من شابهوا يوحنا في إيمانه وقداسته وينضمون إليه ليقول عنهم يوحنا نحن جميعاً، فمن يؤمن يرى ومن يرى يأخذ والعكس فالعالم لا يقبل فلا يرى ولا يأخذ (يو17:14).
نعمة فوق نعمة= كل نعمة ننالها تنادي نعمة أخرى لنأخذها. كل نعمة تسلمنا لنعمة. إذاً النعمة في إزدياد. وكل بركة تُمْتَلَكْ تصير أساساً لبركة أعظم. فمثلاً من ينال نعمة الإيمان ينال وراءها إيماناً ينمو ويزداد وفي النهاية ينال نعمة الحياة الأبدية. وبهذا المفهوم فالتلاميذ الذين أطاعوا الناموس أخذوا فوق بركة العهد القديم نعمة اختيارهم ليكونوا كارزين بالعهد الجديد. ونحن بجهادنا نمتلئ نعمة فوق نعمة. فالله خلق الإنسان وهذا نعمة ثم أعطاه الناموس، والناموس نعمة (فصار هذا نعمة فوق نعمة، وهكذا نعمة فوق نعمة). ومن أطاع الناموس عرف المسيح فآمن، فصار هذا نعمة فوق نعمة وهكذا.
النعمـــة
النعمة هي عطية مجانية يعطيها الله لأولاده. وأصل الكلمة في اللغة اليونانية "خاريزما" وهي منحة كان يعطيها الملك في يوم عيد ميلاده أو عيد جلوسه على العرش. وكان يعطيها للجنود وموظفي الدولة ليس لاستحقاقهم لها ولا لشئ عملوه، بل دليل على كرم الملك. واقتبس بولس الرسول التعبير ليشير به لعطية الله لنا بالمسيح. فالله أرسل المسيح والمسيح فدانا على الصليب، وبناء على الفداء أرسل المسيح روحه القدوس ليحل فينا، كل هذه العطايا أعطاها لنا دون استحقاق منا ولا لبر عملناه، بل بمقتضي رحمته ومحبته أعطانا هذه النعمة أي العطايا المجانية.
لكن من الذي يمتلئ من النعمة. نجد أن بولس الرسول، أكثر من تكلم عن النعمة والخلاص بالإيمان، نجده يقمع جسده ويستعبده (1كو27:9). ونجده يجاهد الجهاد الحسن (2تي7:4). فالنعمة لا تعطي إلا لمن يستحقها ولمن يجاهد ويطلب بإلحاح.
ولابد أن نفرق بين نوعين من النعمة:
1. نعمة أخذناها دون عمل منا ودون استحقاق منا مثل (خلقنا بل خلقنا على صورة الله/ كل عطايا الله لنا مادية وروحية/ الفداء/ الروح القدس الذي حل فينا/ المجد المعد لنا/ القيامة من الموت/ التبني.
2. النعمة بمفهوم القوة التي تعمل فينا فتغير طبيعتنا فنصير خليقة جديدة، وهذه تستلزم الجهاد.. فحتى نمتلئ نعمة يجب أن نمتلئ من الروح القدس، وهذا يستلزم الصلاة بلجاجة .
· إذاً الله قدم نعمة مجاناً لكن حتى نستفيد منها علينا أن [1] نؤمن [2] نعتمد [3] نجاهد.
والنعمة بهذا تكون هي عمل الروح القدس في المؤمن بالمسيح وفدائه. وطالما هي عمل الروح القدس، فنحن نعلم أن الروح القدس يُعطى لمن يسألونه (مت11:7+ لو13:11), ومن هاتين الآيتين نفهم أن الروح القدس هو عطايا الله الصالحة التي أعطاها لنا نحن المؤمنين، ولكنه يُعطى لنا حينما نسأله بلجاجة، أي حينما نشعر باحتياجنا له فنصرخ طالبين الإمتلاء بالروح. وهذا هو معنى كلام السيد المسيح في (يو37:7-39) فالذي تجري من بطنه أنهار الماء الحي، أي الذي يمتلئ ويفيض من الروح القدس هو من يشعر بالاحتياج. وهذا يتفق مع قول السيد المسيح طوبى للجياع والعطاش للبر لأنهم يشبعون (مت6:5). فكلما جاهد المؤمن في حياته، يمتلئ من الروح القدس، أي يمتلئ من النعمة ولذلك يطلب منا الرسول بولس قائلاً: "إمتلئوا بالروح" (أف18:5). وكلما جاهدنا كلما امتلأنا نعمة فوق نعمة.
وبولس حينما قال امتلأوا بالروح هنا، لم يقل هذا وسكت. فالإمتلاء بالروح هو نعمة أي عطية إلهية. لكن لا توجد نعمة دون جهاد، لذلك أكمل بولس بالجهاد المطلوب ووضع لنا المنهج وقال (سبحوا/ اشكروا/ اخضعوا..) وكلما فعلنا امتلأنا نعمة فوق نعمة.
إذاً قول القديس يوحنا "ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا ونعمة فوق نعمة يعني أن الروح القدس حلًّ بملئه على المسيح ونحن بثباتنا في المسيح الرأس صار لنا أن نحصل على الروح القدس، ونحن لا نمتلئ من الروح القدس كما امتلأ المسيح، وإلا صرنا آلهة، لكن نحن نأخذ قدر احتمالنا وكلما جاهدنا نمتلئ أكثر ولكن في حدود محدودية بشريتنا، نمتلئ نعمة فوق نعمة، لنصل لصورة المسيح (غل19:4) وجهادنا لكي نمتلئ من الروح أو من النعمة ينقسم إلى:
1- جهاد إيجابي: وهذا يعني جهادنا في الصلاة والأصوام.. الخ
2- جهاد سلبي: وهذا يعني أن نعتبر أنفسنا أموات أمام الخطية والجهاد الإيجابي والسلبي لهما معنى التغصب، أي أن أغصب نفسي على عمل الشئ المطلوب، وبالتغصب نحصل على ملكوت السموات (مت12:11). فيجب علينا أن نغصب أنفسنا على الصلاة ونغصب أنفسنا على الصوم.. وهكذا. وأيضاً من جهة الجهاد السلبي يجب أن نغضب أنفسنا ونمتنع عن الخطايا المحبوبة (فمن عينه تجول لتشتهي العالم عليه أن يسير واضعاً عينه في التراب، ناظراً للأرض ويقول في نفسه.. أنا ميت فلماذا أشتهي. ومن يُعْثَرهُ مكان معين عليه ألا يذهب إليه غاصباً نفسه ضد إرادته المنحرفة).
ومن يجاهد غاصباً نفسه يمتلئ نعمة، وهذه النعمة تكون معيناً له وتسنده، فمن يغصب نفسه على الصلاة تعطيه النعمة أن يتذوق حلاوة الصلاة، ومن يغصب نفسه أن يمتنع عن خطية معينة تعطيه النعمة معونة، ويصبح له طبيعة جديدة (2كو17:5) خليقة كارهة للخطية، فينظر ولا يشتهي، بل يصبح لا يريد الخطية وهذا معنى قول بولس الرسول فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة (رو14:6) وهذه النعمة هي عمل الروح القدس في المؤمن المجاهد حتى يتحول لخليقة جديدة بها يخلص (غل15:6).
النعمة والناموس:
خلق الله الإنسان وفي داخله ناموس طبيعي هو الضمير، به يميز ما بين الخير والشر، ولما سقط الإنسان أنحرف الناموس الطبيعي وأصاب الإنسان حالة عمي، فأصبح لا يبصر ولا يميز الخير عن الشر، مندفعاً في هذا وراء شهوته التي أنحرفت وأصبحت تشتهي الخطية. والإندفاع وراء شهوة الخطية يعني الموت، وكما يقول القداس الغريغوري "أعطيتني الناموس عوناً" فالله أعطانا الناموس كمرشد، لنميز الخير من الشر، ولكن الناموس كان عاجزاً عن تغيير الإنحراف الذي حدث للطبيعة البشرية، لكنه كان عوناً. فمن غصب نفسه وإلتزم بالناموس خوفاً من العقاب كان يحيا لذلك قيل أن الناموس كان مؤد بنا إلى المسيح (غل24:5). أما النعمة فهي القوة المغيرة لطبيعتنا التي نحصل عليها بالروح القدس وهذا ما كان ينقص الناموس، فالناموس يُحَرِّمْ ويمنع دون أن يغير طبيعتي، ولكن النعمة تعطيني أن أكون خليقة جديدة كما يقول الرسول بولس "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (2كو17:5). هذه الطبيعة الجديدة تكون كارهة للخطية، فالخطية فيها قد أدينت (رو3:8). ومعنى أن الخطية قد أدينت أن الخطية صارت كأنها مكتومة، لا سلطان لها على المؤمن. وكلما زادت النعمة، تموت الخطية، ولا يعود المؤمن شاعراً بشهوة تجاهها.
هناك تشبيه للخطية وشهوة الخطية، بلعبة معروفة تسمى "عفريت العلبة" وهي عبارة عن وجه أسود قبيح مخيف مركب على ياي أي سوستة مضغوطة داخل علبة، ومن يفتح العلبة قفز هذا الوجه القبيح تحت تأثير السوستة في وجهه.
وشهوة الخطية داخل الإنسان العتيق هي هذا الوجه القبيح ولكن النعمة تضغط هذه الشهوة الخاطئة فتكون كأنها غير موجودة. ولكن من يهمل في جهاده، تقل النعمة في داخله، فتطل الخطية بوجهها القبيح في داخله. وكلما زاد جهاد الإنسان كلما امتلأ نعمة فوق نعمة فتدان الخطية داخله أي تصبح مكتومة أو كأنها غير موجودة فيمتلئ القلب سلاماً وفرحاً.وهذا الحال سيستمر حتى نموت ونتخلص من الجسد الحالي، ونحصل على الجسد الممجد الذي سيكون مملوءاً نعمة وبلا خطية إطلاقاً. ولكن الصراع بين الجسد والروح سيظل طالما نحن في هذا الجسد. وهذا ما جعل بولس الرسول يقول "ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو24:7).
عمل النعمة في المؤمن
1- النعمة هي قوة يعطيها الروح القدس تكتم فينا شهوة الخطية.
2- النعمة هي قوة يعطيها الروح القدس فيعيننا على حفظ الوصية ويصير تنفيذها سهلاً بالمسيح الذي فينا وهذا ما لا يستطيعه الناموس. وهذا معنى قول أرمياء النبي ".. أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم" (أر33:31) وهذا كما يقول أرمياء هو العهد الجديد (أر31:31). وهذه الآيات اقتبسها بولس الرسول (عب16:10). ولكن كيف تكتب الشريعة على القلب؟ هذا يكون بالحب الذي يسكبه الروح القدس في قلوب المؤمنين (رو5:5) "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا". فالروح القدس يعطينا أن نحب الله، ومن يحب الله يحفظ وصاياه كأنها مكتوبة على قلبه، فمن يحب لا يقوى على خيانة من يحبه (يو21:14،23). حينما خلق الله آدم كان آدم يحب الله. والقلب الذي يحب هو قلب لحم فكان يطيع الله لأنه يحبه. ولما سقط آدم تحجر قلبه. فأعان الله الإنسان بناموس هو وصايا كتبها الله على لوحين حجر إشارة لقلب الإنسان الذي تحجر، والله كتب الوصايا بإصبعه أي بالروح القدس (مت28:12+ لو20:11) أما العهد الجديد فكان إصبع الله (الروح القدس) يكتب الوصايا على قلب أولاد الله بأن يحول قلبهم لتصير بالمحبة قلوب لحم بدلاً من قلوب حجرية (حز19:11)
3- النعمة تعطى المؤمن قوة على احتمال تجارب وآلام هذا العالم وذلك بأن تملأ القلب محبة لله، والمحبة تتحول إلى فرح قادر أن يحتمل التجربة وهذا عمل الروح القدس المعزي، فالفرح الذي يعطيه الله هو فرح لا يمكن لتجربة أن تؤثر فيه، وهذا عكس الأفراح العالمية، التي لا تستطيع أن تصمد أمام التجارب الأليمة؟ فالتجارب الأليمة تقدر أن تنزع أفراحنا العالمية منا، بينما أن الفرح الذي يعطيه الله لنا لا تستطيع التجارب الأليمة أن تنزعه منا (يو22:16) والمحبة تتحول لفرح.. وحتى ندرك هذا فلنتصور كيف نفرح حينما نرى إنساناً نحبه جداً، وقد كنا محرومين من رؤيته . لذلك، الله يطلب منا أن نحبه من كل القلب (تث5:6) ليس لأن الله في احتياج لمحبتنا، بل لأن الله يعرف أن محبته قادرة أن تملأنا فرحاً. فنعود للحالة الفردوسية الأولى حين خلق الله الإنسان في جنة عدن التي تعني الفرح والابتهاج فالله خلقنا لكي نفرح. ولذلك يطلب منا بولس الرسول أن نفرح فهذه هي إرادة الله (4:4) بل هو اختبر هذا الفرح وهو مقيد في سلاسل منتظراً حكماً بالموت قد يصدر ضده (في18:1) فالرسول كتب رسالة فيلبي (رسالة الفرح) وهو مقيد في سجن نيرون، لكنه تغلَّب على الشدة الخارجية. فالغلبة والنصرة على الألم في المسيحية لا يعني الخروج من الشدة، بل يعني حالة من الفرح تسود على القلب بينما هو مازال في شدته "كحزانى ونحن دائماً فرحون" (2كو10:6+ 2كو7:4-9)
والله خلق الإنسان بشهوات مقدسة، وكلمة مقدسة أي مكرسة أو مخصصة لله، أي أن كل الحب متجه لله، لهذا كان آدم في جنة عدن أي الفرح والابتهاج، بسبب الحب الذي في قلبه لله. والحب في قلب آدم لله، هذا لأنه مخلوق على صورة الله والله محبة. وكما يقول الله لذاتي مع بني آدم (أم31:8) يقول آدم لذاتي مع الله. ولما سقط الإنسان إنحرف الحب وأنحرفت الشهوة وصارت متجهة للعالم (المال والجنس والمراكز والعظمة والقوة .. الخ) واستعبد الإنسان للعالم وفقد الفرح الحقيقي، لقد ظن أن اللذة الوقتية هي الفرح، والشيطان دائماً يؤكد هذا، بأن يلفت أنظارنا للذات العالمية فننسى أن نطلب الفرح الحقيقي "أعطيك كل هذه .. لكن خر واسجد لي" (مت10:4)
والعبودية لإبليس مذلة ولا يأتي من وراءها سوى الغم. عموماً فهناك لذات عالمية كثيرة، ولكن هل هي قادرة على نزع الغم من قلب أم فقدت ابنها، أو من قلب إنسان مقبل على الموت بسبب مرض خطير. قد نجلس أمام التليفزيون أو غيره من الملاهي ساعات طويلة ظانين أن وراء هذا نوع من الفرح، ولكن هيهات أن ينزع هذا الفرح العالمي الغم من القلوب، لا يستطيع هذا سوى عمل النعمة الإلهية.
لذلك أرسل الله الروح القدس للإنسان ليعيد المحبة داخله لوضعها الفردوسي الأول (الفردوس كان اسمه جنة عدن، وعدن تعني بهجة وفرح)، أي تكون محبة مخصصة ومكرسة لله، فيحصل على الفرح الحقيقي القادر على الانتصار على الألم، الألم الذي هو سمة لهذا العالم. وحيث أنه سمة لهذا العالم فنحن في حاجة دائمة للامتلاء من النعمة لنغلب الألم.
ولنلاحظ أن الشيطان دائماً يعمي أعيننا عن طلب الفرح الحقيقي الذي نحصل عليه بالنعمة أي بالإمتلاء من الروح القدس، وهذا نحصل عليه بجهادنا. والشيطان يعمي أعيننا عن هذا بأن يشغلنا عن الجهاد بملذات العالم وهدفه من هذا، أنه حين تأتي التجارب والآلام لا نجد ما يعزينا ولا حتى ملذات العالم فهي غير قادرة على هذا فنندفع لليأس، بل نتصادم مع الله ونخسر أنفسنا ولأن عمل الروح القدس هو أن يملأ القلب محبة لله (رو5:5) ومن ثم يمتلئ القلب فرح نسمع أن أول ثمار الروح القدس هي المحبة (غل22:5،23) فالروح القدس يصحح الأوضاع ويعيد الحياة للحالة الفردوسية الأولى,. وإذا امتلأ القلب محبة، يمتلئ بالتالي فرحاً، فالمحبة تتحول إلى فرح لذلك نجد أن ثاني ثمار الروح القدس هو الفرح، ثم يأتي السلام، سلام الله الذي يفوق كل عقل. حقاً يعطينا الروح القدس أن نكون خليقة جديدة.
وهذا معنى كلام السيد المسيح "احملوا نيري.. لأن نيري هين تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين .. وأنا أريحكم" (مت28:11-30) فالوصية نير ثقيل والتجارب الأليمة نير ثقيل. ومن يأتي للمسيح ويرتبط معه، يحمل عنه المسيح كل هذا.
والنير هو الخشبة التي تربط ثورين معاً لجر المحراث ولكن تصور أننا ربطنا ثور مع جدي صغير في محراث بنير واحد، فعملياً يحمل الثور كل الحمل، فالثور هو الأقوي وإذا ارتبطنا مع المسيح بنير واحد، وحيث أنه هو الأقوى فهو سيحمل كل الحمل سواء وصية أو تجربة أليمة.
من هم من خارج سيستغربون كيف نحمل التجربة بفرح، أو كيف ننفذ الوصية بسهولة ولن يعلموا أن المسيح هو الذي ينفذ ويحمل أحمالنا فبدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً (يو5:15). فقط حاول أن تنفذ الوصية وأن تصلي تجد الوصية سهلة وتنفيذها سهل وإذا أصبت بتجربة صلي فترتبط بالنير مع المسيح ولا تشعر أنت بهم أو غم بل يكون الفرح الذي في داخلك أقوى مما في الخارج من هم أو حزن. فبالصلاة نرتبط مع المسيح، فالصلاة هي صلة معه.
باختصار فالنعمة تعطينا أن نكون خليقة جديدة على صورة المسيح (غل19:4) قادرين بسهولة أن ننفذ الوصية، نحيا في فرح غالبين الآلام التي في العالم، الخطية وشهوتها ميتة فينا، لا سلطان لها علينا، بهذا أي بعمل النعمة نخلص (أف8:2) فالخلاص هو هذه الحياة الجديدة التي تنتصر وتغلب العالم والخطية، الحياة التي يقودها المسيح الذي خرج غالباً ولكي يغلب (رؤ2:6) يغلب فينا، فنحن هو الفرس الأبيض الذي يقوده المسيح. والنهاية بعد حياة كلها نصرة وفرح، ونصرة على الآلام وفرح خلالها، ونصرة على الخطية وشهوات هذا العالم، فهناك مجد معد لمن آمن وجاهد وقادته النعمة ورافقته خلال رحلة غربته.
أية (17): "لأن الناموس بموسى أعطي. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا."
بعد أن قدًّم يوحنا الإنجيلي المسيح في الآيات السابقة على أنه الكلمة الأزلي والحياة الذي صار نوراً للناس وأنه الخالق الآتي للعالم فترفضه خاصته، وهو كان مملوءاً نعمة وحقاً وفيه نحن نمتلئ. يقول الآن أنه هو يسوع المسيح= ويسوع تعني مخلص، والمسيح أي هو المسيا المنتظر بحسب الأنبياء. لأن الناموس بموسى أعطى، أما النعمة..= الناموس كان مؤد بنا إلى المسيح، أما النعمة أي القوة التي تعين على الخلاص فهذه قد كانت بالمسيح. الناموس لم يكن يستطيع سوى أن يحرم ويمنع ويعاقب، والإنسان تحت الناموس كان يمتنع عن الخطية خوفاً لا حباً، كان الإنسان قد فسد من الداخل، وأما النعمة فهي تجعل المؤمن خليقة جديدة لها قوة مستمدة من المسيح الذي يحيا فينا. هنا يضع يوحنا الناموس في مقابل النعمة. لأن الناموس يدين والنعمة تعين وهذا لا يستطيعه الناموس. الناموس شَخًّص وحكم على الإنسان بالموت، شخص الخطية وأجرة الخطية موت. والحق= عكس الحق هو الباطل. والباطل أي العدم كظاهرة السراب. وسليمان الحكيم قال عن العالم بكل ما فيه باطل الأباطيل. فمن يجري وراء لذات العالم يكون كمن يجري وراء سراب، هو لن يجني شيئاً. لذلك قال أرمياء بلسان الله "تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم أباراً أباراً مشققة لا تضبط ماء" (أر13:2). وبنفس المعنى يقول معلمنا يوحنا "لا تحبوا العالم .. والعالم يمضي" (1يو15:1-17). فمن هو أعمى سيظل يجري وراء العالم ظاناً أن فيه شبع، لكنه لا يدري أنه يجري وراء سراب باطل. وأما من فتح المسيح عينيه وحرره من حب هذا العالم، مثل هذا سيطلب الحق أي المسيح. أليس المسيح هو الحياة والحياة كانت نور الناس. فبالمسيح ندرك بطلان هذا العالم، بل ندرك المجد المعد لنا في السماء. ففي المسيح وحده شبع الإنسان "تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو32:8) فمعرفة المسيح ستشبع النفس والروح فلا تعود النفس تجري وراء أوهام باطلة، والروح القدس يعطي استنارة فنختار المسيح المشبع دون العالم الباطل. ولنعرف صدق ذلك، لنرى أن أعلى نسب انتحار وأعلى نسب تردد على الأطباء النفسانيون هي في أغنى دول العالم حيث كل شئ متاح. حقاً كل المطالب المادية متاحة ولكن بلا شبع حقيقي، فهو ظنوا الإنسان جسد فقط بلا روح. والروح لا تشبع سوى في الله خالقها. والمسيح ما جاء لينقض الناموس (مت17:5) ، بل ليكمله (مت38:5،39) والناموس كان ناقصاً لسببين:
1- كان اليهود غير قادرين على ما هو أكثر(مر2:10-9).
2- الناموس كان أداة تأديب وليس قوة تغيير، لأن الناس كانت تمتنع عن الخطية خوفاً من عقوبات الناموس. أما النعمة فجاءت ليتكمل الإنسان، لذلك قال المسيح على الصليب "قد أكمل" وفي ظل النعمة يمتنع الإنسان عن الخطية بإرادته الحرة حباً في المسيح.
أية (18): "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر."
يسوع المسيح الابن الوحيد لأبيه هو الوحيد الذي يستطيع أن يخبر عن أبيه، بل هو الاستعلان الكامل لله، والاستعلان الوحيد لله، به وفيه نرى الله الآب (يو26:8،40+ 32:10+ 7:14+ 15:15). بينما كان كل من يتكلم عن الله في العهد القديم يتكلم عن أشباه السمويات وظلها (خر18:33-20)
في حضن الآب= الآب ليس له حضن فهو روح، إنما هي تشير لذات الآب وعمق الآب وصميم جوهره. فالابن قائم في الآب وكائن معه في ذات الجوهر. عبارة في حضن الآب تشير لعلاقة سرية خفية جداً، وهي تعبير يشبه قوله "والكلمة كان عند الله" (آية (1) وهي تفيد أن الابن كائن بالحب في الآب (يو16:8+ 10:14) ولنفهمها بتشبيه بشري، فنحن نقول أن الكلمة تكون في حضن عقولنا أو أن الفعل يكون في حضن إرادتنا مختفياً. العبارة تعني في اليونانية متداخل مع الآب أي ليس هناك ثنائية. الله لم يره أحدٌ قط= كان هناك بعض الظهورات في العهد القديم، لإبراهيم ولموسى وليشوع ولإشعياء.. لكن كل هذا كان مجرد ظهورات:
1- إما بشكل إنساني كما حدث مع إبراهيم ، وبصورة يفهمها البشر مثل قوله "جالساً" مثلاً.
2- في حدود ما يحتمله الإنسان كما حدث مع موسى حينما خبأه الله في نقرة في جبل.
· لكن لم يرى أحد الله في مجده لأنه كما قال الله "لا يراني إنسان ويعيش" ومستحيل أن يدرك إنسان طبيعة الله ونحن في هذا الجسد، لذلك قيل عن حزقيال أنه رأي "شبه مجد الله" كما أن رؤية الله تعني معرفته، ولم يستطع أحد ذلك، لذلك جاء المسيح.
هو خبًّرْ= خبَّر تعني أعلن وأوضح فكل ما قاله أو عمله المسيح أظهر لنا الآب فهو وحده الذي يعرفه. فالمسيح حين أقام ميتاً كان يعلن أن إرادة الآب هي أن نحيا ولا نموت وحين فتح أعين أعمى كان يعلن أن الآب يريد لنا الاستنارة وهكذا عرفنا ورأينا الآب "من رآني فقد رأى الآب"
وكلمة يخبر باللغة اليونانية هي "اكسيجيساتو" وتعني حل الألغاز. ومنها أخذت اللغات الأخرى كلمة علم التفسير EXEGESIS أي التفسير والشرح والتوضيح للأمور الخفية فالمسيح هو الله المعلن. والله هو من أعلنه المسيح في ذاته وفي أقواله وفي أعماله. وهكذا رأينا حب الله الذي لا يوصف وتواضعه العجيب على الصليب وفي غسل الأرجل. لقد عرفنا صفات الله حين رأينا المسيح.
3- ميلاد السيد المسيح
II) ولادة المسيح بالجسد
مقدمة عن معاني الأرقام في الكتاب المقدس
رقم (1) |
|
رقم الوحدة والأولوية، وهو لا يمكن تقسيمه لذلك يشير لله الواحد ونحن نؤمن بإله واحد. ويشير للأقنوم الأول، الآب. |
رقم (2) |
|
يشير لأن هناك آخر وهذا الآخر قد يختلف أو يتفق مع الأول وهو يشير للإنقسام الذي دخل إلى العالم بالخطية. ولكنه يشير للتجسد فالمسيح الأقنوم الثاني بتجسده جعل الإثنين واحداً. (أف14:2-16). |
رقم (3) |
|
يشير لله مثلث الأقانيم ويشير للروح القدس الأقنوم الثالث ويشير للقيامة التي حدثت في اليوم الثالث. |
رقم (4) |
|
يشير للعالم بجهاته الأربعة |
رقم (5) |
|
يشير للمسئولية فنحن لنا 5 أصابع في اليد ومثلهم في القدم و5 حواس ويشير للنعمة فالمسيح أشبع 5000بخمس خبزات. فبجهادنا تنسكب فينا النعمة. |
رقم (6) |
|
يشير للإنسان الناقص الذي خُلِقَ في اليوم السادس (هذا عن كل البشر) |
رقم (7) |
|
يشير للكمال 7=4+3 أي الله (3) خلق الإنسان على صورته + (4) أي الإنسان المأخوذ من تراب الأرض= (7) أي الإنسان الكامل. وليس سوى المسيح إنسان كامل. لكن من يلتصق بالله يصير (6+1) أي إنسان كامل كمالاً نسبياً كأيوب (أي 1:1،8) |
رقم (8) |
|
هو الأول في مسلسل جديد أو أسبوع جديد لذلك يشير للأبدية. |
رقم (10) |
|
يشير للكمال التشريعي فهو رقم الوصايا العشر. ويشير لكمال البر والسعادة حين يلتصق الإنسان الكامل (7) بالله (3) |
رقم (11) |
|
يرمز للتعدي على وصايا الله وبره. فالخاطئ يطلب ما هو خارج حدود البر. |
رقم (12) |
|
يرمز لملكوت الله في العالم أي من هم لله (12سبط، 12تلميذ) 12 = 3 (الذين هم لله) × 4 (في العالم) |
رقم (13) |
|
يشير للعصيان والخطية. وتلاميذ المسيح كانوا 12 + متياس= 13 وبذلك يشير رقم 13 ليهوذا الذي خرج من وسط التلاميذ ليهلك. |
رقم (14) |
|
= 7×2 يشير للمسيح الإنسان الكامل الذي تجسد. الإنسان الكامل = 7 الذي تجسد = 2 |
دراسة في سلسلة أنساب السيد المسيح
هناك سلسلتان لنسب المسيح إحداهما في (مت1:1-17) والأخرى في (لو23:3-38)
ونلاحظ فيهما الآتي:
1. أنكرت بعض الهرطقات حقيقة التأنس، مدعية أن المسيح قد ظهر كخيال أو وهم إذ يكرهون الجسد ويعادونه كعنصر ظلمة. فذكر الأنساب إنما هو تأكيد لحقيقة التجسد الإلهي. وقد أظهرت سلسلتا الأنساب في متى ولوقا أن المسيح اشترك في طبيعتنا حتى لا يقول أحد أنه ظهر كخيال أو وهم.
2. متى كان يكتب لليهود فأراد أن يثبت لهم أن يسوع المسيح هو المسيا الذي ينتظرونه، المسيا الملك المنتظر، لهذا يفتتح سلسلته بقوله المسيح ابن داود ابن إبراهيم. فمتى ترك كل الأسماء ليذكر داود وإبراهيم لأن الله وعدهما صراحة بالمسيح. إذ قال لإبراهيم "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك18:22). ولداود "من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك" (مز11:132+ 2صم12:7+ إش1:11+ أر5:23).
أهمية ذكر إبراهيم أنه بإبراهيم بدأت قصة الخلاص. فالله اختار إبراهيم ليأتي منه المسيح. وأهمية ذكر داود الملك أنه سيأتي منه المسيح ملك الملوك.
تأمل: المسيح سمح لنفسه أن يُدعى ابن داود وهو عبد للمسيح لنصير نحن العبيد أبناء لله. أما لوقا فكتب للأمم لذلك وصل في أنسابه لآدم ابن الله الذي منه تفرع العالم كله يهوداً وأمم، فالمسيح ضم البشرية كلها للبنوة لله.
3. سلسلة نازلة وسلسلة صاعدة: يلاحظ أن متى إنحدر بالأنساب إلى يوسف مبتدئاً بإبراهيم. أما لوقا فصعد بها من يوسف إلى آدم. ويشرح أغسطينوس هذا بقوله: إن متى الذي ينحدر بالأنساب يشير إلى الرب يسوع المسيح الذي نزل ليحمل خطايانا، لذلك يقول أن فلان ولد فلاناً ليشير إلى تسلسل الخطية إلينا خلال الولادات البشرية. وقد جاء السيد المسيح الذي بلا خطية ليحمل خطايا الأجيال كلها. أما لوقا فقد صعد بالأنساب من المسيح إلى آدم، إذ تأتي الأنساب بعد المعمودية ليعلن عطية الرب خلال المعمودية، فهو يرفعنا ويردنا إلى حالتنا الأولى "آدم ابن الله" (لو37:3). متى يتحدث في سلسلة نسبه قبل أحداث العماد ليعلن أن كلمة الله المتجسد هذا وإن كان بلا خطية وحده لكنه جاء من نسل خاطئ ليحمل عنا الخطايا التي ورثناها أباً عن جد لهذا جاء الترتيب تنازلياً فهو يعلن المسيا حامل خطايانا، ولوقا الذي التزم بالترتيب التصاعدي يعلن تمتعنا بالبنوة لله في المسيح. لذلك لاحظنا أن لوقا لم يذكر سلسلة أنسابه في أول إنجيله بل بعد ذكر عماد الرب من يوحنا، لأن الرب أخذ خطايانا وحملها ليرفعها عنا ويكفر عنها بتقديس المعمودية وبذلك يرفعنا إلى البنوة لله.
4. نلاحظ اختلاف النسب في القائمتين ومرجعه أن متى وهو يعلن عن السيد المسيح كحامل لخطايانا يذكر النسب الطبيعي، حسب اللحم والدم، أي يذكر الأب الطبيعي حسب التناسل الجسدي الذي به ورثنا الخطية "بالإثم حبل بي وبالخطايا ولدتني أمي.." (مز51) أما لوقا إذ يعلن عن بنوتنا لله في المسيح يسوع يذكر النسب الشرعي حيث يمكن لإنسان أن ينتسب لأب لم يولد منه جسدياً. وهذا يحدث بحسب الشريعة حين يموت إنسان بلا وَلَدْ فتتزوج إمراته وليها ويكون الولد الأول منسوباً للميت حسب الشريعة (راجع قصة راعوث). ولوقا يهتم بالتبني أو النسب الشرعي لأن الآب تبنانا بالمعمودية في ابنه فصرنا إخوة للمسيح وشركاء له في الميراث. وأيضاً من أمثلة التبني التي سنجدها في سلسلة نسب لوقا أن يتبنى الجد أحفاده كما في حالة يعقوب الذي نسب أولاد يوسف الاثنين، افرايم ومنسى له.
5. جاء النسب خاصاً بالقديس يوسف لا القديسة مريم، مع أن المسيح ليس من زرعه، ذلك أن الشريعة الموسوية تنسب الشخص للأب وليس للأم كسائر المجتمعات الأبوية التي تفعل نفس الشئ.
6. لم يذكر النسب أسماء نساء عظيمات يفتخر بهن اليهود كسارة ورفقة وراحيل إنما ذكر ثامار التي إرتدت ثياب زانية (تك38) وراحاب الكنعانية الزانية (يش1:2) وبثسبع التي يلقبها "التي لأوريا" لخطيتها مع داود ليكشف أن طبيعتنا التي أخطأت وسقطت هي التي جاء المسيح لعلاجها، هذه التي مرضت جاء ليشفيها، وهذه التي سقطت جاء ليقيمها. هو جاء من خاطئات وولد منهن لأنه جاء لأجل الخطاة ليمحو خطايا الجميع.
7. ذكر معلمنا متى في النسب بعض النساء الأمميات مثل راعوث الموآبية وراحاب الكنعانية، ليعلن أنه جاء من أجل البشرية كلها ليخلص الأمم كما اليهود. وصارت راعوث رمزاً لكنيسة الأمم التي تركت بيت أبيها ووثنيته وعاداته الشريرة والتصقت بكنيسة الله وقبلت العضوية فيها، وقد نفذت قول المزمور" إنسي شعبك وبيت أبيك لأن الملك اشتهى حسنك" (مز11:45،12).
8. من بين أسلاف المسيح أشخاص لهم إخوة، ويلاحظ أن السيد جاء بصفة عامة منحدراً لا من الأبناء البكر بل ممن هم ليسوا أبكاراً حسب الجسد مثل إبراهيم واسحق ويعقوب ويهوذا وداود.. لقد جاء السيد المسيح ليعلن أن البكورية لا تقوم على الولادة الجسدية وإنما على استحقاق الروح. لقد فقد آدم بكوريته بسبب الخطية، وجاء السيد المسيح آدم الأخير ليصير بكر البشرية كلها وفيه يصير المؤمنون أبكاراً (عب23:12).
9. ذكر معلمنا متى في نسب السيد فارص دون زارح. ولقد أخرج زارح يده أولاً بكونه الابن البكر لكنه لم يولد أولاً بل تقدمه فارص فإحتل مركزه. ونعم بالبكورية. هكذا ظهر اليهود أولاً كبكر للبشرية لكنهم حرموا من البكورية وتمتع بها الأمم عوضاً عنهم. ففارص صار يمثل كنيسة الأمم التي صارت بكراً باتحادها بالمسيح البكر، وزارح صار يمثل اليهود الذين فقدوا البكورية برفضهم الاتحاد مع البكر.
10. ذكر متى سبي بابل ولم يذكر عبوديتهم في مصر فنزولهم لمصر لم يكن لهم ذنب فيه ولكن سبيهم إلى بابل كان سببه خطاياهم وكان عقوبة لهم.
11. متى يكرر كلمة ولد ليشير لتسلسل الخطايا إلى المولود. ولوقا يكرر كلمة ابن إشارة للبنوة التي اكتسبناها بالتجسد، بنوتنا لله.
12. فيما يلي خريطة لسلسلة متى وسلسلة لوقا نرى فيها الأسماء المشتركة والتي بينها خلاف.
سلسلة متى |
الأسماء المشتركة |
سلسلة لوقا |
|
|
الله أدم 21 اسم تارح |
|
إبراهيم 14 اسم داود |
|
سليمان 14 اسم يكنيا |
|
ناثان 20 اسم نيري |
|
شألتئيل 2 اسم زربابل |
|
أبيهود 10 أسماء يعقوب يوسف يوسف ابن حقيقي ليعقوب |
|
ريسا 19 اسم هالي يوسف يوسف ابن منتسب لهالي |
|
يسوع المسيح |
|
مجموعة متى 41 اسم |
|
مجموعة لوقا 77 اسم |
13. هالي ويعقوب ويوسف
يوسف خطيب العذراء مريم هو ابن يعقوب بالجسد. وهالي هو أبو العذراء مريم أو جدها (حسب ما يذكر التلمود اليهودي وكتب اليهود). وحينما تزوج يوسف من العذراء نُسِبَ لهالي. وهالي إذا كان والد العذراء مريم وليس جدها فهو اسم ثانٍ لاسم يواقيم. ووالد العذراء مريم أنجب بنتاً ثانية هي سالومة زوجة زبدي وأم يوحنا الحبيب ويعقوب. ووالد العذراء مريم لم يكن له ابن لذلك دُعِىَ يوسف خطيب مريم ابناً له. وقد حدث هذا (راجع نح63:7) فهقوص تسمى باسم حميه برزلاي الجلعادي. وراعوث أصبحت بنتاً لنعمى. فيمكن أن ينسب الرجل لحميه. والبنت لحماتها أو حميها.
وهناك رأي آخر يقول أن اليهود كانوا إذا تعذر عليهم معرفة الأب ينسبون الطفل لجده أبو أمه. ولذلك قال لوقا أنه على ما كان يظن ابن يوسف ابن هالي. ويوسف كان قريباً للعذراء مريم وكلاهما من سبط يهوذا ومن نسل داود الملك. وكانت عادة عند اليهود أن يزوجوا ويتزوجوا من الأقارب.
وبهذا نرى أن سلسلة أنساب لوقا هي سلسلة أسلاف العذراء أم المسيح وسلسلة أنساب متى تضمنت نسب يوسف أبو المسيح بالتبني. وهذه وتلك لم تشير للعذراء فاليهود ما كانوا يدخلون النساء في جداول نسبهم. وكانوا إذا انتهت العائلة بامرأة أدخلوا قرينها في النسب واعتبروه ابن والد قرينته.
ولاحظ أغسطينوس أن لوقا يقول يوسف ابن هالي ولم يقل هالي ولد يوسف كما قال متى يعقوب ولد يوسف. ورأي في هذا أن يوسف منسوب لهالي دون أن يكون بالضرورة أباه الحقيقي. فمتي يهتم بالنبوة الطبيعية ولوقا يهتم بالبنوة الشرعية أو التبني. ولاحظ أن متى الذي يهتم بأن يثبت أن المسيح ملك اليهود يسير وراء خط يعقوب الذي يصل للنسل الملكي عن طريق سليمان.
14. سليمان وناثان
ناثان هو الأخ الأكبر لسليمان (1أي5:3) وكلاهما أولاد بثشبع. ولكن لأن متى مهتم بالخط الطبيعي، نجده يتتبع خط الولادة الجسدية لشألتئيل من يكنيا (أنظر نقطة 15) ويكنيا من نسل سليمان جسدياً، أما لوقا فيتتبع النسل الشرعي لشألتئيل.
15. شألتئيل وزربابل
شألتئيل هو الابن الحقيقي ليكنيا. "يكنيا ولد شألتئيل" (مت12:1) وفي (لو27:3) نجد شألتئيل بن نيري. وهذه المشكلة لها نفس حل مشكلة يوسف ويعقوب وهالي. فشألتئيل غالباً تزوج من ابنة نيري فنسب له، ونيري هذا من ذرية ناثان.
وزربابل هو والي اليهودية بعد العودة من سبي بابل. وزربابل هو الابن الحقيقي لشألتئيل حسب قول متى "وشألتئيل ولد زربابل" (12:1). ولكن في (1أي19:3) نجد زربابل ابناً لفدايا وهذه المشكلة لها حل من اثنين:
1) حسب شريعة اليهود إذا مات رجل دون أن يكون له ولد يتزوج أرملته ولي المرأة أي أقرب رجل للمتوفي سواء أخيه أو أقرب شخص. والمولود الأول ينسب للمتوفي، وفي بعض الأحيان ينسب للولي لشهرته (كما حدث في قصة راعوث وبوعز). وهنا نفهم أن فدايا وشألتئيل أحدهما والد زربابل بحسب الجسد والآخر بحسب الشريعة.
2) هناك حل آخر أن شألتئيل والد فدايا وفدايا والد زربابل وينسب زربابل أحياناً لفدايا وفي أحيان أخرى لشألتئيل.
16. الأسماء الأربعة المحذوفة من سلسلة متى
1- أخزيا (2مل29:8) 2) يوآش (2مل2:11-20:12)
3- أمصيا (2مل8:14-20) 4) يهوياقيم (2مل36:23-6:24)
والثلاثة الأول جاءوا بعد يهوارم، بينه وبين عزيا، وهؤلاء ربما حذفوا من سلاسل النسب لأنهم من نسل إيزابل الشريرة وأخاب، وإيزابل هي بنت أثبعل ملك الصيدونيين (1مل31:16). وقد أبدى الله السخط الزائد على هذه الأسرة، لذلك أسقطتهم سلاسل النسب اليهودية، ومتى نقل عن السلاسل كما وجدها، فهو التزم بسلاسل النسب التي بين أيدي اليهود.
أما يهوياقيم فهو ملك شرير مزق كتاب أرمياء ولا يذكر اسمه في سلاسل النسب اليهودية إلا نادراً (2أي8:36) والتلمود اليهودي يقر حذف أسماء الأشرار.
17. ثلاثة مجموعات في سلسلة نسب متى
قسم متى سلسلة نسب المسيح إلى ثلاث مجموعات كل منها 14 جيل وهي كالآتي:
المجموعة الأولى |
المجموعة الثانية |
المجموعة الثالثة |
1- إبراهيم 2- اسحق 3- يعقوب 4- يهوذا 5- فارص 6- حصرون 7- أرام 8- عميناداب 9- نحشون 10- سلمون 11- بوعز 12- عوبيد 13- يسي 14- داود |
سليمان رحبعام أبيا أسا يهوشافاط يورام عزيا يوثام أحاز حزقيا منسى أمون يوشيا يكنيا |
(يكنيا) شألتئيل زربابل أبيهود ألياقيم عازور صادوق أخيم اليود اليعازر متان يعقوب يوسف يسوع المسيح |
هم ثلاثة مجموعات ورقم (3) يشير للكمال الإلهي:
· المجموعة الأولي: تبدأ بإبراهيم الذي له الوعد بالأرض (تك15) وتنتهي نهاية سعيدة بتنفيذ هذا الوعد وقيام مملكة داود. وداود له وعد هو أيضاً بالعرش. له ولأبنائه. هنا نرى قصد الله. فالله دعا إبراهيم ليرث الأرض ويملكها وهذا تحقق في داود تماماً. كما خلق الله آدم ليرث ويملك ويسود بسلطان.
· المجموعة الثانية: تبدأ بسليمان الذي أسس الهيكل ولكنه أدخل العبادة الوثنية، ومن ثم تسللت هذه العبادة لإسرائيل ولذلك انتهت هذه المجموعة بالسبي وخراب أورشليم والهيكل وسبى يكنيا. وهذه المجموعة تظهر فشل الإنسان ممثلاً في سليمان، الذي أعطاه الله كل شئ. فسليمان أعطاه الله حكمة ومجد وغني وسلام (سفر الجامعة + 1مل) وما حصل عليه سليمان لم يحصل عليه أحد قط. وهكذا آدم خلقه الله في جنة.. وماذا كانت النتيجة، فشل آدم وفشل سليمان وخربت المملكة وسقطت بيد بابل (الذي يرمز للشيطان الذي استعبد الإنسان) (رو20:8) "الخليقة اسلمت للباطل.. من أجل الذي أخضعها على الرجاء" ولذلك نجد في نهاية المجموعة الثانية ملكاً في السبي. وهذا هو حال البشرية قبل المسيح.
· المجموعة الثالثة: تبدأ بعد السبي بيكنيا أيضاً الذي انتهت به المجموعة الثانية وتنتهي هذه المجموعة بميلاد المخلص. فيكنيا الملك نرى فيه الرجاء مجسداً، الذي أشار إليه بولس الرسول في (رو20:8). فبعد أن ذهب يكنيا إلى السبي نجد أن أويل مردوخ ملك بابل رفع رأس يهوياكين ملك يهوذا من السجن وكلمه بخير وجعل كرسيه فوق كراسي الملوك الذين معه في بابل. وغيَّر ثياب سجنه، وكان يأكل الخبز أمامه كل أيام حياته (2مل28:25،29). هذا هو الرجاء الذي تبدأ به المجموعة الثالثة، الرجاء للبشرية الخاضعة للعبودية. ولكن كيف يتحقق هذا الرجاء، هذا ما انتهت به المجموعة الثالثة أي ميلاد المخلص.
لذلك فالمجموعات الثلاث يشيروا لقصة معاملات الله مع الإنسان. في المجموعة الأولى نرى قصد الله وتحقيقه وفي الثانية نرى فشل الإنسان وأنه سُلِّم للباطل على رجاء. وفي الثالثة نرى الرجاء يصبح حقيقة ويولد مخلص العالم.
18. كل مجموعة 14 جيل
قصد معلمنا متى واضح أنه يريد أن تكون كل مجموعة 14 جيل ولذلك
i) أسقط 4 ملوك من المجموعة الثانية.
ii) وضع يكنيا في آخر المجموعة الثانية وبداية المجموعة الثالثة.
ورقم 14 = 7×2 فإذا فهمنا أن 7 تشير للإنسان الكامل ورقم 2 يشير للتجسد ففي رقم 14 إشارة للمسيح الإنسان الكامل المتجسد. وبهذا التجسد ستعتق البشرية من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله (رو21:8). بعد أن كانت في خلاف مع الله وفي إنقسام (رقم2) فالمسيح جعل الاثنين واحداً.
19. بدون تكرار يكنيا يصبح ترتيب المسيح في مجموعته رقم 13 وهو رقم يشير للخطية والعصيان، ولكنه صار يشير للكفارة. وكما يقول بولس الرسول "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو21:5)
20. تكرار اسم يكنيا
انتهت المجموعة الأولى بسبي يكنيا، وبدأت الثالثة برفع يكنيا، والفارق بين المجموعتين هو سبي بابل رمز لسقوط الإنسان تحت عبودية إبليس بسبب الخطية. ولكننا نرى يكنيا حين رُفِعَ، تم رفعه في بابل الوثنية وهذا يعني أن الخلاص سيتم هنا ونحن على الأرض. وكان تكرار اسم يكنيا فيه إشارة لسقوط الإنسان وسقوط دولة اليهود ثم قيام الكنيسة التي تضم الأمم واليهود ثانياً. وتكرار اسم يكنيا مرتين لأنه يرمز إلى المسيح الذي انتقل من اليهود إلى الأمم. والمسيح هو حجر الزاوية (مز22:118) الذي يربط الحائطين معاً. وحجر الزاوية الذي رفضه البناءون هو إشارة للمسيح الذي رفضه اليهود. وحجر الزاوية لابد وأن يحصى مرتين مرة مع هذا الحائط. ومرة أخرى مع الحائط المربوط معه بحجر الزاوية.
21. أرقم سلسلة نسب لوقا
سلسلة اسماء لوقا تشمل 77 اسماً وأحد طرفيها الله والآخر هو المسيح. فهو الأول والآخر
77= 7×11
رقم 7 يشير للإنسان الكامل من ناحيتين
i) 7 = 3 + 4 ، 3 تشير للروح المخلوقة على صورة الله.
، 4 يشير للجسد المأخوذ من تراب الأرض.
ويشير للمسيح، الإنسان الكامل، الله (3 مثلث الأقانيم) أخذ جسداً (4)
ii) 7 = 6 + 1 ، 6 تشير للإنسان الناقص.
، 1 تشير لله فالإنسان لا يكمل إلا باتحاده مع الله.
وبهذا أيضاً يشير للمسيح بلاهوته المتحد بناسوته.
ورقم 11 يشير للخطية والتعدي على وصايا الله
وضرب الرقمين يمثل خطايا الخليقة كلها والتي غفرت بموت المسيح وشفاعته الكفارية وبالمعمودية والتوبة اللتان لهما قوتهما من دم المسيح الإنسان الكامل (7) ولذلك فمجموعة لوقا تصاعدية، متصاعدة إلى الله، وبالمعمودية يصطلح الله مع شعبه عندما تغسل خطاياهم. لذلك فمجموعة لوقا أتت بعد قصة معمودية المسيح. ولاحظ أن رقم (7) موجود مع المجموعة التصاعدية. فعمل المسيح الفدائي يكمل الإنسان ليحمله لحضن الآب، لهذا فطرفي مجموعة لوقا هما المسيح رأس الكنيسة والآب الذي يحمل الابن كنيسته إلى حضنه.
22. سلسلة نسب القديس متى
متى ذكر 41 اسم مبتدئاً من إبراهيم حتى المسيح. وبإضافة 21 اسم ذكرهم لوقا ولم يذكرهم متى وهم ما قبل إبراهيم. وبإضافة الأربعة الأسماء الناقصة يصير عدد أسماء قائمة متى (41+21+4= 66اسماً.
66= 6×11 6 (رقم الإنسان غير الكامل) ، 11 (رقم الخطية)
ومجموعة متى تنازلية، فنرى أن هذا الرقم هو سبب تنازل المسيح وتجسده ألا وهو نقص طبيعتنا وتمردنا وفشلنا. هذا ما جعل المسيح يصير خطية لأجلنا. ولقد لاحق رقم 6 المسيح فهو صلب في اليوم السادس والساعة السادسة، بل البشارة به كانت في الشهر السادس لأليصابات (لو26:1). ونلاحظ أن رقم 6 هو مع المجموعة التنازلية.
ونلاحظ أن أسماء متى وحدها كانت 41 شاملة اسم المسيح، وبدون المسيح يصير عدد الأسماء 40 ورقم 40 يشير لفترة أو مهلة تعطى لنا إما يعقبها غفران وبركة أو يعقبها رفض ولعنة. الغفران والبركة لمن يقدم توبة واللعنة لمن لا يجاهد ويتوب. ولذلك رأينا المهلة المعطاة لنينوى 40 يوم ولكنهم تابوا فغفر لهم الله، وبنى إسرائيل تاهوا 40سنة في البرية ثم دخلوا أرض الميعاد إذاً في هذا إشارة لفترة غربتنا على الأرض التي يعقبها إما خلاص أو هلاك والمسيح وموسى وإيليا صاموا 40 يوماً. ولكن نلاحظ أن الرقم هو 41 وليس40. فنحن مهما جاهدنا بدون المسيح فلا فائدة.
23. نبوة دانيال إصحاح 9 تلخص المجموعة الثالثة لمتى فكان دانيال مصلياً ومنتظراً إتمام فترة السبي (الـ70 سنة) التي تنبأ عنها أرمياء. وإذ به يسمع من الله أن هناك ما هو أهم بعد 70 أسبوع سنين أي 490سنة، وذلك أن المسيح سيولد حتى يخلص العالم من سبيه لإبليس، وهذا أهم من نهاية سبي بابل.
24. ملاحظات على سلاسل الأنساب
i) كان اليهود يحفظون جداول الأنساب ويهتمون بها جداً وبغاية الاعتناء والتدقيق، فهم أولاً ينتظرون المسيح الذي قد يأتي من أي منهم، ولكنهم كانوا يعلمون أنه من نسل داود. وثانياً فهم يستوطنون في أراضي إسرائيل بحسب أسباطهم. وقد حفظت التوراة نفسها هذه السلاسل حتى الأسر البابلي ومنها نستدل على نسب المسيح. أما اليهود فاستمروا بعد السبي مهتمين بهذه الأنساب هذا ما يسجله يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي يقول حافظ اليهود على سلاسل الأنساب الخاصة بهم وبعائلاتهم حتى بعد أن تشتتوا. وهذه السلاسل لها استخدام أيضاً في المواريث. ولكن هذه الأنساب فقدت بعد خراب أورشليم سنة 70م.
ii) بالرغم من وجود خلافات ظاهرية بين سلسلتي نسب متى ولوقا فإن اليهود أنفسهم لم يشككوا فيهم، في القرن الأول، ولو كان هناك أي شبهة شك لهاجمها اليهود. ولكنهم لم يفعلوا فهم يعلمون صحتها.
25. يثير البعض مشكلة حول قول متى "ويوشيا ولد يكنيا وإخوته عند سبي بابل" ويقولون أن يوشيا كان قبل سبي بابل، وأنه مات قبل سبي بابل الرابع وخراب أورشليم بحوالي 20سنة. والرد على هذا بسبيط فيوشيا بموته بدأت مملكة يهوذا في الإنهيار السريع دينياً وسياسياً. فموت يوشيا أتى بالنفوذ المصري على يهوذا، وانتهى هذا بالسبي الأول لبابل بعد موت يوشيا بثلاث سنوات. وكانت هذه الفترة فترة سوداء في تاريخ المملكة. ومتى يقصد أن نهاية مملكة يهوذا قد بدأت بموت يوشيا.
26. يثير البعض أيضاً مشكلة حول أبيهود ابن زربابل ففي (1أي19:3) نجد أن لزربابل خمسة أبناء ليس بينهم اسم أبيهود. وحل هذا الإشكال سهل فمن المعروف أن اليهود كانوا يستعملون اسمين مثل عيسو/ أدوم= يعقوب/ إسرائيل- بطرس/ سمعان- برثولماوس/ نثنائيل- بولس/ شاول. ورواية متى منقولة من السجلات ولم يعترض اليهود عليها.
27. سلسة متى وسلسلة لوقا مختلفتين لكن كلاهما أشار لأن المسيح هو ابن إبراهيم وابن داود وهذا هو المطلوب.
إنجيل متى
الإصحاح الأول:
آية (18): "أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف، قبل أن يجتمعا، وجدت حبلى من الروح القدس."
لما كان من المستحيل أن نصعد نحن إلى الله، نزل هو إلينا ليرفعنا إلى علوه. ولما كان ليخلصنا يجب أن يموت أخذ جسداً قابلاً للموت ليموت به عنا.
والمسيح ولد من عذراء بواسطة الروح القدس الذي هيأ أحشاءها وقدسها ليحل الكلمة فيها، فهو ليس من زرع بشر. وأهمية خطبة العذراء ليوسف:
1- يوسف من نسل داود فحين ينسب له المسيح يكون ابن داود (والعذراء أيضاً نسل داود)
2- حتى لا تُرجم العذراء كزانية إذ توجد حبلى دون زواج طبقاً للشريعة.
3- لكي تجد العذراء من يعينها خاصة أثناء رحلة هروبها إلى مصر.
ملحوظات: المسيح وُلِدَ رجلاً ووُلِدَ من امرأة فهو لا يحتقر جنس البشر بل يكره الخطية.
الخطبة عند اليهود:- تشبه (كتب الكتاب عند الإخوة المسلمين). لذلك يقول الكتاب عن يوسف أنه رجلها وعن العذراء أنها امرأته (آيات 19،20). وهي ليست كالخطبة عند المسيحيين أو المسلمين، بل هي بمثابة زواج، ويجب أن تمر فترة زمنية حتى يسكنا معاً ويعرفا بعضهما. وهذا هو الوضع الذي حملت فيه العذراء بالمسيح. فإن حملت المخطوبة عند اليهود لا يعتبر هذا زنا بل مخالفة اجتماعية بسيطة. ولأن المخطوبة عند اليهود تعامل كالمتزوجة فعقوبة زنا المخطوبة مع غير خطيبها هو الرجم (تث23:22،24).
تأملات: [1] المسيح ولد من عذراء، فهو لا يوجد في أحشاء إلا أحشاء عذراوية لا تعرف خطية وترفض أن تقترن بشهوات هذا العالم. [2] عجيب هو صمت العذراء التي كتمت سرها حتى عن رجلها يوسف، فهذا درس لنا في البعد عن المجد الباطل وفي إنكار الذات.
قبل أن يجتمعا وجدت حبلى (حيث أن المسيح لم يكن زرع بشر فهو لم يحمل الخطية الأصلية (مز5:51+ رو12:5) وبهذا يمكن أن يموت لا عن نفسه بل عن البشرية فهو بلا خطية وغير وارث للخطية الأصلية)= بدأت من القرن الرابع إساءة فهم هذه الآية وقيل أن تفسيرها هو أن يوسف اجتمع مع العذراء بعد الولادة، والهدف إنكار دوام بتولية السيدة العذراء. والرد بسيط كما قال القديس جيروم "لو قال إنسان أنني قبل الغذاء أبحرت إلى إفريقيا فهل لابد أن يرجع لشواطئ أوروبا للغذاء. والمقصود من الآية ببساطة أن العذراء وجدت حبلى بدون زرع بشر.
آية (19): "فيوسف رجلها إذ كان باراً، ولم يشأ أن يشهرها ،أراد تخليتها سراً."
ظهرت علامات الحمل على العذراء فكان أمام يوسف أحد اختيارين:
1) أن يحاكمها أمام الشيوخ فترجم حسب الشريعة.
2) يطلقها أمام شهود بدون علة حتى لا يشهرها (تث1:24) وهذا ما أنتواه يوسف. وهو كان يجب عليه أن يتخذ أي قرار من الاثنين، فالساكت على الخطية كأنه قد اشترك فيها. وهو فضل استخدام الرحمة عن العدل.
آية (20): "ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور. إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً: "يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس"."
لم يكن من الممكن أن يصدق إنسان قصة الميلاد العذراوي إن لم يكن بظهور ملائكي مثل هذا. وهنا نرى درس في التسليم من العذراء فهي ألقت رجاءها على لله فأظهر برها كالشمس. متفكر= فلنتروى قبل أن نحكم على أحد. يا يوسف ابن داود= هذا تذكير بأن داود هو أبو المسيح بالجسد، أو أو أن المولود هو المسيا ابن داود المنتظر. أن تأخذ= أي تحفظها في بيتك فهو كان ناوياً أن يخرجها.
آية (21): "فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم."
يسوع= هذا هو النطق اليوناني لاسم يشوع أو يهوشع أي الرب يخلص. يخلص شعبه (شعبه= أي كل من يقبله سواء يهود أو أمم) من خطاياهم= هو يستطيع أن يخلص القلب من محبة الخطية وسلطان الخطية وقوتها، وهو يخلصنا من عقوبة الخطية ويصالحنا مع الله الآب، وان عشنا في حضرة الله الآب تهرب الخطية. واليهود فهموا الخلاص بطريقة خطأ، فهم فهموا أن الخلاص يكون من الرومان أو من أي مصائب وقتية، ومازال البعض حتى الآن يفهمونها هكذا. وكان هذا هو الفهم الخاطئ لتلميذي عمواس (لو21:24).
آية (22): "وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل."
لكي يتم ما قيل= أي أن المسيح جاء وتجسد في ملء الزمان، ولكن كان هذا في خطة الله الأزلية وسبق وكشفه على لسان النبي.
آية (23): ""هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل" الذي تفسيره: الله معنا."
هذه أول نبوة من سلسلة نبوات أتى بها متى البشير ليثبت أن في المسيح تتحقق النبوات وأنه هو المسيا المنتظر. عمانوئيل= من الاسمين معاً عمانوئيل ويسوع نفهم أن المسيح هو الرب متجسداً.
آية (25): "ولم يعرفها حتى ولدت أبنها البكر. ودعا اسمه يسوع."
لم يعرفها حتى= من يريد إنكار دوام بتولية العذراء يستخدم هذه الآية ويقول أن حتى تشير أنه عرفها بعد أن ولدت المسيح. والرد على هذا بسيط
1) (1كو25:15) "لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه" فهل بعد أن يضع أعداؤه تحت قدميه سيتوقف ملكه.
2) (2صم23:6) "ولم يكن لميكال ولد إلى يوم موتها" فهل ولدت بعد موتها.
3) (مز2:123) "عيوننا نحو الرب إلهنا حتى يتراءف علينا" فهل تطلع النبي إلى الله حتى ينال الرأفة وعندئذ يحول عينيه عنه إلى الأرض.
مما سبق نفهم ان قوله حتى لا يفيد تغير الوضع بعدها.
أبنها البكر= يفهمون من هذا أيضاً أن العذراء انجبت أخوة للمسيح من بطنها. والرد على ذلك بسيط. فالبكر هو كل فاتح رحم (عدد15:18). حتى لو لم يكن له إخوة والدليل أنه كان على شعب الله أن يقدم كل بكر لله دون أن ينتظر ولادة إخوة له. والمسيح صار بكراً بين إخوة كثيرين (رو29:8) والعذراء استمرت بكراً (خر1:44،2)
الإصحاح الثاني:
هيرودس الكبير (بعد وفاته قسمت المملكة كالتالي على أبنائه)
أولاد هيرودس: انتيباس أرخيلاوس فيلبس
الجليل أدوم/ اليهودية/ السامرة قيصرية
ملك هيرودس الكبير على كل اليهودية سنة 37ق.م. ودخل القدس بمعونة الرومان. وكانت أمه وأبيه أدوميين. وكان الأدوميون قد رضخوا بالقوة للمذهب اليهودي سنة 125ق.م. فلم يكن هيرودس يهودي الأصل. وقد تزوج هيرودوس عشر نساء وكان له أبناء كثيرين. واشتد التنافس فيما بينهم على وراثة العرش. وكان القصر مسرح عشرات المؤامرات والفتن. واشتركت زوجات الملك وأقاربهن في تلك المؤامرات. هذا عدا المؤامرات التي كان يحيكها هيرودس ضد أعدائه من اليهود والرومان فقد كان هيرودس الكبير قاسي القلب، عديم الشفقة يسعى وراء مصلحته مهما كانت الخسائر واشتهـر بكثـرة
الحيل ولم ينتبه إلى صراخ المظلومين. وقتل عدة زوجات وأبناء وأقارب خوفاً من مؤامراتهم. ولكنه بني أماكن كثيرة أشهرها مدينة قيصرية وسماها هكذا تكريماً لأوغسطس قيصر، ورمم مدينة السامرة بعد ان تهدمت وأسماها سباسطيا (سيباستوس هو الاسم اليوناني لاسم أغسطس اللاتيني) أي مدينة أغسطس. وبدأ في ترميم الهيكل في القدس. ومن وحشيته أنه قتل ابنيه الإسكندر وأرسطوبولس، وقبل موته بخمسة أيام قتل ابنه انتيباتر وفيما هو يسلم أنفاسه الأخيرة أمر بقتل جميع عظماء أورشليم حتى يعم الحزن المدينة ولا يجد الملك الجديد مجالاً للبهجة، لكنه مات قبل أن تتحقق أمنيته الأخيرة. وهو الذي أمر بقتل أطفال بيت لحم حتى لا ينافسه مولود بيت لحم الملك. فقد ولد المسيح في أواخر أيام هذا الطاغية. ولقد مات هيرودس الكبير بعد قتل أطفال بيت لحم بثلاثة شهور بعد أن اشتدت شراهته في الفترة الأخيرة لأكل اللحم وأصيب بداء النقرس والاستسقاء، وتصاعدت منه رائحة كريهة جداً حتى لم يقدر أحد أن يقترب إليه. وبعد موته اقتسم أبناءه مملكته حسب ما سبق.
آية (1): "ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية، في أيام هيرودس الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم."
بيت لحم= بيت الخبز فهو جاء إلينا خبزاً سماوياً يتناوله الجياع والعطاش إلى البر. في اتضاع كامل قبل الرب يسوع أن يولد ولادة مجهولة. في قرية صغيرة، فهو قد أخلى ذاته أخذاً صورة عبد (2كو9:8+ في7:2). وبيت لحم هي مدينة الملك داود، حيث مسحه صموئيل النبي ملكاً على إسرائيل. وفيها ولد المسيح الملك من نسل داود. ونلاحظ أن متى لا يتكلم عن الناصرة فهو يقدم المسيح الملك نسل داود الملك.
ولما ولد= ولد المسيح سنة 4ق.م. (وكان هذا نتيجة أخطاء العلماء في الحساب في القرون الوسطى حينما حاولوا تغيير التقويم من الحساب تبعاً للطريقة المصرية، طريقة النجوم إلى التقويم الشمسي وهو السائد حالياً، وأكتشف الخطأ بعد ذلك بقرون)
مجوس من المشرق= هم كهنة أو ملوك كلدانيون أو فارسيون يهتمون بدراسة الفلك والظواهر الفلكية، واسم مجوس يعطي للفلاسفة ورجال العالم خاصة علم الفلك ويقال أنهم سحرة ومنجمين من بين النهرين، ويعبدون النار. وكان علماء النجوم من المجوس (كانوا يعتقدون بوجود علاقة بين حركة النجوم وأحداث العالم) يعتقدون أن ظهور نجم علامة على ميلاد شخص عظيم. ويقال أن هؤلاء المجوس كانوا يتبعون مذهب بلعام الذي تنبأ بمجيء المسيح (سفر العدد). وهم كانوا يعرفون نبوته، وينتظرون هذا المولود العجيب الذي قال عنه بلعام "يبرز كوكب من يعقوب .." (عد17:24). ونرى في نبوة بلعام والنجم الذي ظهر للمجوس ليدلهم على ولادة المسيح أن الله لم يقصر نفسه على اليهود، بل هو اهتم بكل البشر، لكل من يطلبه بأمانة. ولقد كان هؤلاء المجوس يمثلون كنيسة الأمم المنجذبة لعريسها الملك. فبينما رفضه اليهود، أتى إليه الأمم الوثنيين فكان مجيئهم توبيخاً لليهود. كان المجوس هم باكورة الشعوب الأممية الذين قبلوا المسيح. وكان المسيح منذ ولادته حجر الزاوية الذي قبله الرعاة الذين أتوا إليه من قريب والمجوس الذين أتوا إليه من بعيد. وغالباً جاء المجوس في موكب عظيم يتقدمهم ثلاثة من كبارهم يحملون الهدايا للملك العجيب. هؤلاء المجوس سيدينوننا، فهم تعبوا ليصلوا للمسيح، فماذا قدمنا له من تعب أو هدايا. هم تركوا بلادهم فلنترك شهواتنا لنراه. وليكن الكتاب المقدس هو النجم الذي يهدينا "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" أو هو الروح القدس الذي في داخلنا. والكنيسة تضع في شرقية الهيكل، في حضن الآب قنديل مضئ إشارة للنجم الذي يهدينا إلى أحضان النعمة.
نجد هنا قاعدة أساسية وهي أن من يبحث عن المسيح بأمانة يجده "أطلبوا تجدوا"
فهيرودس ملأ قلبه الحسد فلم يجد المسيح ولم يعرفه. الملك اليهودي لم يجده والملوك الوثنيين (المجوس) وجدوه.
والكهنة عرفوا النبوات ولكن مطامعهم المادية أعمت عيونهم فلم يجدوه ولم يبحثوا عنه فقبلهم مشغول بمادياتهم. الرعاة الرسميين لم يجدوه ورعاة الغنم وجدوه بل تحول الكهنة إلى صالبين للمسيح.
أما المجوس فقد وضعوا في قلوبهم أن يجدوه، فوجدوه مع أنهم وثنيين.
والرعاة الساهرين أتى لهم الملائكة ليرشدوهم وهكذا كل ساهر على رعيته أو ساهر على خلاص نفسه سيجد يسوع.
آية (2): "قائلين: "أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له"."
ما هو هذا النجم:- يقول القديس فم الذهب أنه لم يكن نجماً حقيقياً كسائر النجوم، إنما هو ملاك ظهر في هيئة نجم ليهدي المجوس العاملين في الفلك وذلك:
1- لأن مسار هذا النجم الذي ظهر مختلف مع مسار حركة النجوم الطبيعية.
2- كان النجم يسطع في الظهيرة والشمس مشرقة.
3- كان يظهر أحياناً ويختفي في أحيان أخرى.
4- كان يرتفع حيناً وينخفض حيناً فهو قادهم إلى البيت الذي فيه المسيح تماماً.
أما أوريجانوس فيرى أنه أحد المذنبات، وهذا الاحتمال بعيد للأسباب السابقة.
متى جاء المجوس إلى المسيح: يرى البعض أن النجم ظهر قبل مجيء المسيح للعالم ليلة ميلاده بمدة تكفي لسفر المجوس من بين النهرين إلى بيت لحم، وهم أتوا تماماً ليلة الميلاد، ويرى البعض أن النجم ظهر ليلة ميلاده للمجوس وهم أتوا بعد فترة (ويقول أصحاب هذا الرأي أن ما يدعمه قول الكتاب أن المجوس أتوا إلى البيت أية (11) ولم يقل المذود. وقال الصبي ولم يقل الطفل. وأن هيرودس قتل كل من كان أقل من ستنين)
لماذا استخدم الله النجم؟
1- الله يكلم كل إنسان باللغة التي يفهمها، فكما تحدث مع التلاميذ عن طريق صيد السمك الوفير وتكلم مع قسطنطين الملك المحارب وأراه علامة الصليب قائلاً بهذا تغلب فعرف المسيح وآمن به، وتحدث مع اليهود بالنبوات ومع اليونانيين بالفلسفة يكلم الله المجوس الذين لا يفهمون سوى لغة النجوم عن طرق نجم، وهكذا يكلمنا الله من خلال أعمالنا ودراساتنا ومنازلنا كل اليوم.
2- حين وصلوا لليهودية توقف النجم عن إرشادهم فسألوا اليهود ليرشدوهم فذاع الخبر، وبهذا تكلم الله مع شعبه من اليهود ليعرفوا نبأ الميلاد فلا يكون لهم عذر.
3- الله كلم المجوس عن طريق نجم، وكلم الرعاة عن طريق ملائكة، الكل تكلم من السماء.
4- ربما شعر المجوس أن تعاويذهم قد أبطلت حين ولد المسيح، فأدركوا أن أمراً يفوق السحر قد حدث في العالم، وتذكروا نبوة بلعام، فطلبوا أن يروا نجماً هو كوكب يعقوب الذي حدثهم عنه أبوهم بلعام (عد17:24)، ليدركوا أين هو هذا المولود فيذهبوا إليه فأراهم الله بحسب طلبهم، وحسب ما يفهموه. فهم بحسب مفاهيمهم فهموا نبوة بلعام حرفياً. فهم فهموا قوله كوكب من يعقوب أن هناك نجماً سيظهر.
5- ربما هم عرفوا موعد مولد المسيح من نبوة دانيال الذي كان كبيراً للمجوس.
6- الله أخرج من الجافي حلاوة، فالمجوس استخدموا النجوم بطريقة خاطئة ولكن ها هو الله يرشدهم عن طريقها على مكان المسيح. وكان هؤلاء المنجمون يعتقدون أن لكل شخص نجماً يُسَيِّر حياته، ولكن نرى هنا أن النجم لم يحدد مصير المسيح، بل أن المسيح هو الذي كان يقود النجم.
آية (3): "فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه."
اضطرب= لقد خشى هيرودس أن ترجع المملكة إلى يهودي وتضيع منه، اضطرب الملك الأرضي حين ظهر الملك السماوي، وفي قلب كل منا إن تجلى الرب يسوع يزعزع الشيطان الطاغية الذي يملك بالشر. وكأن الرب يسوع حين يملك فينا بصليبه تنهار مملكة إبليس ولا تقدر أن تثبت. حين يضئ النور تذهب الظلمة.
آية (4): "فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، وسألهم: "أين يولد المسيح؟"."
نجد هنا أن رؤساء الكهنة والكتبة يرشدون المجوس للخبز الحي، أما هم فلا يقتربون إليه، لعلهم صاروا كالعاملين في بناء فلك نوح الذين هيأوا فلك الخلاص ولكنهم لم يدخلوه. لقد تمتع الغرباء بسر الحياة وحُرم الرؤساء منه.
الآيات (5،6): "فقالوا له: "في بيت لحم اليهودية. لأنه هكذا مكتوب بالنبي: وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا، لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبريرعى شعبي إسرائيل"."
باقي النبوة أن مخارجه منذ الأزل، وهم كتموها نفاقاً لهيرودس (ميخا2:5) لكن واضح معرفتهم بالنبوة بل بحسب نبوة دانيال فهم كانوا يعرفون سنة ميلاده (دا 9) فسمعان وحنة كانا ينتظرانه (لو2)
الآيات (7،8): "حينئذ دعا هيرودس المجوس سراً، وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. ثم أرسلهم إلى بيت لحم، وقال: "أذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي. ومتى وجدتموه فأخبروني، لكي آتي أنا أيضاً وأسجد له"."
أخفى هيرودس اضطرابه بمظاهر الخداع، وهذا هو طريق كل فاعلي الشر إذ يخططوا في الخفاء ليجرحوا الآخرين.
آية (9): "فلما سمعوا من الملك ذهبوا. وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق، حيث كان الصبي."
ما أحوجنا أن نخرج من دائرة إبليس (هيرودس)، دائرة الخطية عمل إبليس لتتكشف لنا علامات الطريق الملوكي بوضوح. (نضع قنديل في شرقية الكنيسة رمزا لهذا النجم).
آية (10): "فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً."
حينما نرى الطريق الملوكي لابد وسنفرح جداً
آية (11): "وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهباً ولباباً ومراً."
المجوس قبل هداياهم قدموا قلوبهم وسجدوا له. هم نفذوا الناموس وهم الأمم، فهم لم يحضروا أمام الرب فارغين (تث16:16)
ذهباً= إشارة لأنه ملك، بالرغم من مظاهر البساطة التي كان فيها، فقد شعر المجوس أنه ملك، لقد عرفوا بالروح، والمسيح يملك على القلوب البسيطة المتضعة. مملكة المسيح لم تكن من هذا العالم، وهو رفض أن يجعلوه ملكاً (يو15:6). ودخل أورشليم راكباً أتاناً. ولكن بينما كان المسيح في مظاهر الوداعة والتواضع كانت السماء تشهد له، فالملائكة ترنم "المجد لله في الأعالي" والآب يشهد مجدت وأمجد أيضاً (يو28:12) . وكانت معجزاته بسلطان، بل هو أعطى لمن يؤمن به أن يكون في مجده ويرث معه، كل من عاش حياته يرضى الله ويطيع وصاياه سيملك معه، كل من قدَّم قلبه ليكون عرشاً للمسيح سيجلس مع المسيح في عرشه (رؤ21:3). ولكن هذا لمن يغلب ويحيا حياة سماوية (رمزها الذهب) على الأرض ويرفض أن يملك شهواته على حياته.
لباناً= إشارة لكهنوته (مز4:110). وكاهن أي شفيع، فهو صار شفيعاً لجنسنا البشري عند الله الآب. هو كاهن قدَّم ذبيحة نفسه، وكانت ذبائح العهد القديم رمزاً للصليب ورئيس كهنتنا يسوع حي للأبد، يشفع فينا للأبد (عب3:7). وهناك مفهوم عام للكهنوت فكل المؤمنين ملوك وكهنة (ملوك لنا سلطان أن نملك على شهواتنا وأجسادنا وكهنة نقدم ذبائح التسبيح والصلاة والإنسحاق بل نقدم أجسادنا ذبائح حية (عب14:13،15+ مز17:51، 2:141+ رو1:12) وبهذا المفهوم فالمسيح هو ملك الملوك ورئيس الكهنة وهذا طبعاً لا يتعارض مع الكهنوت الخاص، فالكهنة هم خدام أسرار الكنيسة.
واللبان يصنع منه البخور، والبخور يقدَّم لله فقط، فلنقدم حياتنا وصلواتنا للمسيح إلهنا. وربما اعتبر المجوس أن المسيح إله يستوجب تقديم البخور له كما يقدمون لآلهتهم.
مراً= إشارة لآلامه وإشارة لأنه نبي (فوظائف المسيح الثلاث ملك/ كاهن/ نبي تنبأ عنها المجوس يوم ميلاده) والأنبياء الذين أرسلهم الله لشعبه عانوا الأمرين. ولكن آلام المسيح في صلبه كانت تسمو عن أفكارنا ويكفي حمله لخطايا البشرية وحجب الآب وجهه عنه كحامل خطايا). والمر يستخدم في تحنيط الموتي، إشارة لقبوله الموت ولكن المر رائحته طيبة جداً ويستخدم في العطور إلا أن مذاقه مر جداً. لذلك فكل من يحتمل مرارة الآلام والصليب يكون لهذا رائحة حلوة عند الله الآب، إذ يشترك مع أبنه في حمل الصليب. وهكذا كل من يميت شهوات جسده، فهو يشترك مع المسيح في موته فيكون له حق التمتع بالقيامة مع المسيح، ولذلك فبالمر أي باحتمال الألم نحفظ أجسادنا من الفساد، وباحتمال صلب الأهواء والشهوات نحفظ أجسادنا من الفساد إذ يكون لها قيامة في الأبدية. بل من يحتمل الآلام تكون له إعلانات وأسرار يستنير بها قلبه فيكون نبي.
وبهذا نرضى المسيح، بأن نقدم له هذه التقدمات [1] حياتنا السماوية (في20:3) (كو1:3) [2] صلواتنا [3] تسابيحنا وشكرنا وسط آلامنا. أي الذهب (حياتنا السماوية) واللبان (الصلاة) والمر (احتمال الألم بشكر).
آية (12): "ثم إذ أوحى إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس أنصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم."
الله بهذا أنقذ المسيح وأنقذ المجوس من بطش هيرودس، إذ هو من المؤكد كان سيقتلهم لأنهم اعترفوا بالمسيح ملكاً. وانصراف المجوس دون أن يلتقوا بهيرودس فيه درس روحي لنا، إذ على النفس التي تلتقي بالمسيح أن لا تعود لطريقها القديم (إبليس).
الآيات (13،14): "وبعدما انصرفوا، إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً: "قم وخذ الصبي وأمه وأهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك. لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه" فقام وأخذ الصبي وأمه ليلاً وأنصرف إلى مصر."
ملاك الرب= المقصود ملاك عادي فملاك الرب يقصد به غالباً المسيح. خذ الصبي وأمه= الملاك الآن لم يقل ليوسف مريم امرأتك، فالميلاد قد تم والشك قد زال، وصارت مريم تنسب للمسيح وليس ليوسف، والمسيح هو منسوب للعذراء لا ليوسف. فالمسيح صار هو المركز الذي ننسب إليه. والمسيح هرب إلى مصر [1] لأنه كان عليه أن يتم رسالة، ولطالما اختفي من بين اليهود إذ أرادوا قتله حتى يتم رسالته (يو59:8). [2] هروب المسيح أكد حقيقة تجسده، فلو أظهر عجائب منذ صغره لما حُسِبَ إنساناً. [3] صار هروب المسيح درساً للهروب من الشر إن أمكن، فالنار لا تطفأ بالنار بل بالماء. [4] أراد المسيح تقديس مصر، هذه التي سيكون للرب مذبحاً في وسطها (أش19:19) وستكون منارة للعالم كله (وكانت الأوثان تسقط في كل بلد في مصر تدخله العائلة المقدسة فكانوا يطردونهم من مدينة إلى أخرى) ومركز إشعاع إيماني، ومركز مدرسة الإسكندرية وأصل الرهبنة.
تأمل: يوسف لم يقل "إذا كان المولود هو يسوع المخلص فلماذا لا يخلصنا من هيرودس وحينما قال له الملاك إذهب إلى مصر ذهب حتى دون أن يسأله كيف أو متى أعود وفي هذا درسين [1] التسليم الكامل، وعدم طلب معجزات بصفة مستمرة [2] احتمال الألم في صمت، فحياة يوسف كانت مع المسيح هي مزيج من الفرح والألم (هروب واضطهاد وألم وملائكة ونجم ومجوس ساجدين ورعاة شهود).
آية (15): "وكان هناك إلى وفاة هيرودس. لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل:"من مصر دعوت ابني"."
هذه الآية قالها هوشع (1:11). قالها عن خروج شعب إسرائيل من مصر. لكننا نرى هنا طريقة الروح القدس التي استخدمها الإنجيليين وبولس الرسول في إعادة فهم الآيات النبوية وتطبيقها على المسيح، وأن النبوات عن المسيح كانت مختبأة في العهد القديم.
آية (16): "حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جداً. فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها، من ابن سنتين فما دون، بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس."
هنا نرى وحشية هيرودس، فمن قتل أولاده وزوجاته وأقربائه من المؤكد أنه يفعل هذا فهو قتل أولاده وزوجاته لنفس السبب الذي قتل أطفال بيت لحم بسببه ألا وهو خوفه وحرصه على عرشه. وهذا يرينا نتائج الحسد والغضب ومحبة العالم. وصار هؤلاء الأطفال أولا شهداء المسيحية، صاروا رمزاً للكنيسة المضطهدة المتألمة لأجل المسيح، الكنيسة التي رجعت وصارت كالأطفال بسيطة كمسيحها، هذه الكنيسة لا يحتملها إبليس ولا يحتملها العالم ويريد قتلها واختفاءها. ولكن ما لا يفهمه العالم، أين ذهب هؤلاء الأطفال؟ هم في السماء.. ولكن ما مصير من قتلهم ليتمسك بالأرض..!!
الآيات (17،18): "حينئذ تم ما قبل بأرميا النبي القائل: "صوت سمع في الرامة، نوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى، لأنهم ليسوا بموجودين."
هنا نرى تطبيق آخر من تطبيقات الروح القدس فيه نتعلم كيف نتعامل مع العهد القديم. فهذه الآية قالها أرمياء (15:31) عمن قتلوا أثناء السبي وعمن ذهبوا سبايا إلى بابل. وراحيل هي أم البنيامينيين، والرامة في بنيامين، وقبر راحيل قرب الرامة. وكأن راحيل هنا ترمز لإسرائيل التي تبكي على أولادها ضحايا السبي. والروح القدس الذي أوحى لمتى باقتباس الآية (متى استعار آية عن السبي وطبقها على أطفال بيت لحم)، أظهر أنها نبوة عن هذا العمل الوحشي الذي قام به هيرودس. ولكن لنعلم أن وسط صرخات الألم التي تصرخها الكنيسة من آلام هذا العالم تولد الكنيسة المنتصرة في السماء والتي هي بلا ألم وباكورتها المسيح.
الآيات (19،20): "فلما مات هيرودس إذ ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلاً: "قم وخذ الصبي وأمه وأذهب إلى أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي"."
مات هيرودس شر ميتة بعد أن قتل ابنه وأصيب بأمراض كريهة.
آية (22): "ولكن لما سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية عوضاً عن هيرودس أبيه، خاف أن يذهب إلى هناك. وإذ أوحى إليه في حلم، انصرف إلى نواحي الجليل."
لأن أرخيلاوس كان شريراً جداً. والناصرة إحدى مدن الجليل (كلمة جليل تفيد معنى الدائرة وكان مركز اتصالات للأمم المجاورة ومملوءة من الأمم لذلك سمى جليل الأمم (إش1:9،2) )
آية (23): "وأتى وسكن في مدينة تقال لها ناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء "أنه سيدعى ناصرياً"."
كانت سمعة الناصرة سيئة جداً عند اليهود (يو52:7+ 46:1)، بل هي بلد بلا أهمية، ولكن من ولد في مذود، ودخل أورشليم على جحش ابن أتان قَبِلَ أن ينتسب للناصرة حتى يهدم كل افتخار وانتساب ومجد باطل. والناصرة كانت تسكن فيها العذراء من قبل (لو26:1). وفيها كانت بشارة الملاك للعذراء، وعادوا من مصر للناصرة.
سيدعي ناصرياً= نشأ المسيح في الناصرة ليحمل اسماً مشتقاً من المكان الذي نشأ فيه، وصار اسمه الناصري ومنها اشتق اسم "نصارى" وهو لقب المسيحيين. وذلك لأن ناصرة بالعبرية هي (NATZAR) وتعنى غصن، ومنها الكلمة العربية (ناضر). وقد سمى السيد المسيح في أكثر من نبوة في العهد القديم بالغصن= ما قيل بالأنبياء أنه سيدعى ناصرياً الأنبياء قالوا أنه غصن وهنا نرى تطبيق ثالث لفهم العهد القديم.
راجع النبوات (إش1:11،2+ أر15:33+ زك8:3، 12:6)
ولكن إشعياء تنبأ أن نور المسيح سيبدأ من الجليل حيث أسباط زبولون ونفتالي (إش1:9،2)
غصن= بعد أن قطعت شجرة داود (العائلة الملكية انتهت بموت صدقيا). نبت المسيح كغصن جديد في هذه الشجرة.
إنجيل لوقا
الإصحاح الأول:
آية (1): "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا."
كثيرون قد أخذوا= من الذين الفوا كتب بدون وحي وإرشاد الروح القدس (وهذه كانت قد انتشرت خلال القرن الأول الميلادي ويسمونها كتب الأبوكريفا) ولم تقبل الكنيسة أعمالهم كأسفار قانونية. وكلمة أخذوا فيها اتهام لهم أن محاولاتهم كانت شخصية وليست من إرشاد الروح القدس. الأمور المتيقنة عندنا= لقد عرف القصة بكل يقين الإيمان والعقل فلم يتردد في تصديقها. ونلاحظ أن لوقا تسلم قصة إنجيله خلال التسليم الشفوي والكتابي وهذا ما تسميه الكنيسة التقليد.
آية (2): "كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة."
معاينين= لا يعني مجرد الرؤيا الجسدية، إذ كان كثيرون قد رأوا المسيح حسب الجسد ولم يدركوا شخصه ولا تمتعوا بعمله الخلاصي.. وخداماً للكلمة= فالإكتفاء بالمعرفة دون تطبيقها هو علم بلا نفع. ومن عرف المسيح ورآه رؤية إيمانية لا يستطيع إلا أن يخدمه ويشهد له. ونلاحظ أن هناك رؤية جسدية وهذه لا تفيد كما حدث مع اليهود. وبصيرة روحية بها ندرك المسيح ونؤمن به حتى وإن لم نراه جسدياً.
آية (3): "رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس."
العزيز ثاوفيلس= هو نفس الشخص الذي وجَّه له لوقا سفر أعمال الرسل والعزيز هو لقب يطلق على أصحاب المراكز الكبرى في الدولة الرومانية. لُقِّبَ به فيلكس (أع26:23+ 3:24) وفستوس (أع25:26). وثاوفيلس كان شخص له مركزه في مدينة الإسكندرية. ويبدو أنه فقد مركزه حينما كتب له بولس سفر الأعمال (1:1).
الآيات (5-9): "كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة آبيا وامرأته من بنات هرون واسمها اليصابات. وكانا كلاهما بارين أمام الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم. ولم يكن لهما ولد إذ كانت اليصابات عاقراً وكانا كلاهما متقدمين في أيامهما. فبينما هو يكهن في نوبة فرقته أمام الله. حسب عادة الكهنوت أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر."
وسط هذا الجو القاتم سياسياً (هيرودس بفساده وطغيانه وهيرودس هو هيرودس الكبير) ودينياً (رؤساء كهنة فاسدين) وتوقف النبوة حوالي 400سنة من أيام ملاخي النبي. ظهر إنسانان باران أمام الله هما زكريا ومعنى اسمه الله يذكر وزوجته اليصابات ومعنى اسمها اليشبع أي الله يقسم. اللذان أنجبا يوحنا المعمدان ومعنى اسمه الله حنان، أو الله ينعم. ومعنى اقتران اسم زكريا واليصابات هو "الله يذكر قسمه" ومعنى اقتران اسميهما مع اسم يوحنا "أن الله يذكر قسمه أن يتحنن على البشر الذين هم في فساد" وهذا المعنى هو ما قاله زكريا في (آيات 72،73).
وميلاد يوحنا هو أول مظاهر رحمة الله. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس القسم الذي حلف لإبراهيم.
(يوحنا) (زكريا) (اليصابات)
وكان كلاهما بارين أمام الله= فالأبرار أمام الناس ليسوا بالضرورة أبرار أمام الله. (رو29:2). ونلاحظ أن رجال العهد القديم حسبوا أبرار أيضاً في المسيح. فبر زكريا قائم على عمل السيد المسيح الذبيحي خلال ممارسته الكهنوتية وتقديمه الذبائح الحيوانية كرمز لذبيحة المسيح. ولكن لنلاحظ أن قول الكتاب عن إنسان أنه بار فليس معنى هذا أنه لم يصنع خطية، بل وإن فعل خطية يبكت نفسه ويندم ويقدم ذبيحة.
أبيا= فرقة أبيا هي الفرقة الثامنة من الأربعة والعشرين فرقة التي قسمت إليها طائفة الكهنة من أيام داود. كل فرقة تقوم بالعمل أسبوعاً كل ستة أشهر حسب قرعتها. وكانوا يلقون قرعة أيضاً ليعرفوا من يقع عليه اختيار الله للقيام بخدمة البخور من وسط الفرقة. وكان البخور عادة يقدم صباحاً ومساءً فقط. وبنفس التقليد تصلي الكنيسة صلوات رفع بخور عشية ورفع بخور باكر.
ونلاحظ أنهما مع كونهما بارين أنهما كانا محرومين من الأطفال، فليس معنى أن أكون باراً أمام الله أن على الله أن يستجيب كل طلباتي. فهو وحده يعرف أين الصالح. ومتى وكيف وأين يستجيب لطلباتي.
آية (10): "وكان كل جمهور الشعب يصلون خارجاً وقت البخور."
كان الشعب يقفون خارجاً وينتظرون الكاهن الذي يقدم البخور ليخرج ويباركهم.
آية (11): "فظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور."
المخلوقات الروحية كالملائكة لا يمكننا أن نراها إلا إذا أخذت شكلاً محسوساً نراه بها، وذلك حين يريد الله ويسمح بذلك، فجسدنا الكثيف لا يعاين الروحيات ولا حتى أن يشعر بها.
الآيات (12،13): "فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف. فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابناً وتسميه يوحنا."
من الطبيعي أن يضطرب زكريا فهو لم يعتاد على الرؤى، ولكن من طبيعة الرؤي السماوية أنها حتى لو بدأت باضطراب يعقبها سلام وفرح، أما الرؤي الشيطانية (2كو14:11) فهي تبعث في النفس فقدان السلام. الرؤي السماوية تلهب القلب بالاشتياق للسماويات والرؤى الشيطانية تربك العقل بالزمنيات ولعل زكريا قد نسى طلبته ولكن الله يذكر لنا طلباتنا ويعطيها لنا في الوقت المناسب. بل أن الله حين يتأخر في الاستجابة تكون إستجابته أعظم. فها هو يوحنا يكون أعظم مواليد النساء.
آية (14): "ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته."
يوحنا سينادي بالتوبة، وطريق التوبة هو طريق الفرح، السمائيون يفرحون بالتائبين، والتائبين يفرحون بالله، والله يفرح بهم. (لو7:15)
تأمل: حتى وإن عشنا زماناً هذا مقداره بنفس عاقرة وجسد بلا ثمر روحي، فلنقبل وعود الله السمائية، ونحمل حنان الله ونعمته (يوحنا) في داخلنا فنفرح، وتفرح معنا السماء.
آية (15): "لأنه يكون عظيما أمام الرب وخمراً ومسكراً لا يشرب ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس."
عظيماً= العظمة ليست في الأعمال العظيمة وقوة الجسد، بل بالحياة الداخلية القوية. ويوحنا كنذير للرب لا يكون لملذات العالم أو بهجته موضع في قلبه أو في جسده، بل هو يكون مملوءاً بالروح القدس، ومملوءاً بالخمر السماوي أي الفرح السماوي، ومن امتلأ بالفرح الحقيقي لا يكون لديه فراغ لأفراح العالم المغشوشة. وهو عظيماً فهو يعمد المسيح.
آية (16): "ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم."
هذه رسالة يوحنا، تمهيد الطريق للمسيح، بدعوة الناس للتوبة ليقبلوا المسيح.
آية (17): "ويتقدم أمامه بروح ايليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيئ للرب شعباً مستعداً."
الروح الذي سكن في إيليا سكن في يوحنا، والقوة التي في إيليا كانت في يوحنا. والتشابه بين إيليا ويوحنا يظهر في أن كلاهما عاش في البرية زاهداً بتولاً، وكلاهما لم يسعى لإرضاء الملوك على حساب الحق (آخاب/ هيرودس). واحد شق الأردن بردائه والثاني جعل من الأردن مغسلاً للخطاة ليطهروا. واحد يسبق المجيء الأول للمسيح (يوحنا) والثاني يسبق المجيء الثاني للمسيح. والكتاب يقصد بروح إيليا "الروح القدس الذي تقبله إيليا.
الآيات (18-22): "فقال زكريا للملاك كيف اعلم هذا لأني أنا شيخ وامرأتي متقدمة في أيامها. فأجاب الملاك وقال له أنا جبرائيل الواقف قدام الله وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا. وها أنت تكون صامتاً ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذي يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته. وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه في الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ففهموا انه قد رأي رؤيا في الهيكل فكان يومئ إليهم وبقي صامتاً."
كيف أعلم= أي يطلب علامة. فزكريا لم يصدق كلام الملاك بالرغم من هذه الرؤيا الواضحة. وما كان يجب على شخص كزكريا الكاهن الدارس للكتاب المقدس أن يشك فهو يعلم أن الرب لا يستحيل عليه شئ ويعلم أن ما يقوله سبق وحدث مع آخرين وربما حالتهم أصعب من حالته كإبراهيم وسارة. أنا جبرائيل= يعني جبروت الله وسر جبروته أنه واقف أمام الله. وهو جاء يحمل الوعد الإلهي ويبشر بالفرح لزكريا، ولكنه جاء أيضاً بحكم بالتأديب على زكريا لأنه لم يصدق، فالله في أبوته يمنح تعزيات وفي أبوته يؤدب أيضاً. والكلمة صامتاً= تشير للصمم أيضاً (62) فكانوا يكلمونه بالإشارة ليفهم. وصار زكريا بهذا رمزاً لليهود الذين لم يقبلوا المسيح فسقطوا تحت تأديب الصمت حتى يقبلوا الإيمان في أواخر الدهور (هم بلا هيكل أو نبي).
لماذا عاقب الله زكريا بالصمت؟
زكريا كإنسان يحيا في العهد القديم له مشكلتان.
1- مشكلة عامة: يعاني منها كل شعبه، بل كل البشر، وهي مشكلة خلاص نفسه، كيف يهزم الخطية وهي لها سلطان عليه، وأين سيذهب بعد الموت.
2- مشكلة خاصة: وهي عدم وجود نسل له. وهذا يعتبر عاراً في إسرائيل.
ولكننا نجد زكريا قد انحصر في مشكلته الخاصة ونسى وهو الكاهن الذي يعرف النبوات- المشكلة العامة لكل شعب إسرائيل بل وكل الأمم، نسى أن هناك مخلصاً سيأتي ليخلص الجميع من الموت ومن الشيطان ومن الخطية. وكان عليه ككاهن أن يتمسك بهذه النبوات ويصلي ليتمم الله وعده ويرسل هذا المخلص. بل وأن الملاك يقول له نبوات واضحة عن السابق للمسيح (آيات 16،17) يرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم. ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء.. لكي يهيئ للرب شعباً مستعداً.. وقارن مع (ملا1:3، 5:4،6) وكان لابد لهذا الكاهن البار أن يدرك أن الملاك ينبهه أن ابنه المنتظر هو هذا الشخص وبهذا فإن مجيء المخلص هو على الأبواب، إلا أن انحصاره في مشكلته الخاصة جعلته لا يدرك ما يقال عوضاً عن أن يفرح ويسبح. بل هو شك وقال "كيف وأنا قد صرت شيخاً، أي كأنه يعاتب الملاك ويقول "لماذا لم تأت لي في شبابي؟ إن ما تقول أيها الملاك صعب الحدوث!!وللآن فكثيرون منا يريدون أن يحددوا لله توقيت استجابته لطلباتهم والطريقة التي يستجيب بها.
لقد وصل زكريا إلى حالة من اليأس والانحصار في ذاته فلم يفرح بالبشارة ولا سبح ولا أدرك أن هناك مخلصاً على الأبواب. فكان عقاب الله له هو الصمت. هذا إعلان عن حال زكريا العاجز عن التسبيح والعاجز عن أن يفرح بالله. الله تركه يتأمل في كلام الملاك ويقارن مع النبوات ويكتشف أن ابنه سيكون السابق للمسيح. وبدأ يسأل نفسه أيهما الأهم [1] حل مشكلتي الخاصة وأن يكون لي ابناً. أم [2] مجيء المخلص.
وأدرك زكريا بالروح القدس أن الأهم هو مجيء المخلص. لذلك نجد أن تسبحة زكريا حين فتح الله فمه قد انصبت على مجيء المخلص "أقام لنا قرن خلاص من بيت داود فتاه "وهذه عن المسيح الذي هو من بيت داود، وليست عن يوحنا الذي هو من بيت هرون فهو من بيت كاهن. هنا أتت العقوبة بالنتيجة المرجوة إذ إنشغل زكريا بالعاطي ولم ينشغل بالعطية، أي إنشغل بالمسيح وسبح على ميلاده ولم يفرح بالعطية التي هي إبنه. أما ما قاله عن ابنه، أن يكون ابنه خادماً لهذا المخلص. وهذا درس لنا أن أي عطية يعطيها لنا الله نكرسها لمجد اسمه.
الآيات (23-25): "ولما كملت أيام خدمته مضى إلى بيته. وبعد تلك الأيام حبلت اليصابات امرأته واخفت نفسها خمسة اشهر قائلة. هكذا قد فعل بي الرب في الأيام التي فيها نظر إلىّ لينزع عاري بين الناس."
تم تنفيذ وعد الله. واليصابات أخفت نفسها في خجل ولكنها في فرح تنتظر المولود.
الآيات (26،27): "وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة. إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم."
(في الشهر السادس= في اليوم السادس سقط الإنسان وفي الشهر السادس البشري بميلاده وهو يوافق شهر نيسان أول شهور العام، فالمسيح بدء خليقة جديدة. وفيه يعمل الفصح والمسيح فصحنا)
البشارة الأولى تمت في الهيكل أثناء العبادة الجماعية وكانت بشارة عن أعظم مواليد النساء. أما البشارة بالمسيح الله المتجسد الذي أخلى ذاته فكانت في بيت فقير مجهول، في قرية فقيرة مجهولة، بطريقة سرية، لم يلمسها حتى يوسف النجار صاحب البيت نفسه، مع فتاة فقيرة بسيطة عذراء. ولاحظ تكرار لقب العذراء كتأكيد لعذراويتها (خر1:44-3). ومدينة الناصرة= مدينة في الجليل شمال فلسطين تبعد 88ميلاً شمال أورشليم، 15 ميلاً جنوب غربي طبرية. عاش فيها يوسف النجار والعذراء مريم، وقضى فيها المسيح عمره حتى وصل للثلاثين من عمره بعد عودته من مصر لذلك سمى بالناصري (مر9:1+24:1). وحين بدأ رسالته رفضه أهلها (لو28:4-31). والمدينة مبنية على جبل (لو29:4) وكانت مدينة عديمة الأهمية لم تذكر في العهد القديم ولا وثائق الدول العظمى.
آية (28): "فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها الرب معك مباركة أنت في النساء."
سلام لك أيتها المنعم عليها= الترجمة الصحيحة أيتها الممتلئة نعمة. فالرب اختارها لأنها كانت مملوءة نعمة، وأطهر وأشرف إنسانة في الوجود، ثم ملأها بالأكثر، وأعطاها نعمة فوق نعمة. وهيأها لتصير أماً له. وكلمة سلام= تشير للفرح. والله ملأها من كل نعمة وما أعظم هذه النعمة أن يتحد في بطنها لاهوت المسيح مع ناسوته، إتحاد الإنسان بالله، والجسد بالكلمة. الرب معك= ذاقت معية الرب على مستوى فريد، إذ حملت كلمة الله في أحشائها، وقدمت له من جسدها ودمها.
الآيات (29-31): "فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية. فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع."
لقد اضطربت ولم تستطع أن تجاوبه فهي لم يسبق لها الكلام مع ملائكة ولكنها صارت الآن تتحدث مع ملاك. يسوع= أي مخلص.
آية (32): "هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه."
إن كان ابن الله قد صار إبناً لداود، فهذا كان لنصير نحن أبناء الله.
آية (33): "ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية."
الملك هو ملك روحي وليس ملك أرضي كما يفهمه اليهود لذلك هو أبدي.
الآيات (34،35): "فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلاً. فأجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله."
سؤال العذراء لا يدل على شك، بل هي لا تدري كيف يتم هذا الأمر وهي عذراء ولقد نذرت نفسها لتخدم الهيكل دون زواج. وكانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة في التاريخ أن تحبل عذراء بدون زرع بشر. أما في حالة زكريا فلم يكن له العذر وهو الكاهن وحالته سبقت وحدثت. وكانت إجابة الملاك على سؤالها كيف يتم هذا الأمر؟ بقوله أن الروح القدس يحل عليها لتقديسها، روحاً وجسداً، فتتهيأ لعمل الآب الذي يرسل ابنه في أحشائها يتجسد منها. حقاً هذا سر إلهي فائق فيه يعلن الله حبه العجيب للإنسان وتكريمه له.
الآيات (36،37): "وهوذا اليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً. لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله."
الملاك يقدم للعذراء دليلين على صدق كلامه [1] أن اليصابات حبلى [2] أنه لا يستحيل على الرب شئ.
آية (38): "فقالت مريم هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك فمضى من عندها الملاك."
أمام هذا الإعلان أحنت العذراء رأسها بالطاعة، وبينما شك زكريا آمنت العذراء. وبينما صمت زكريا انطلقت العذراء تسبح أمام اليصابات. إن طاعة العذراء مريم قد حلت محل عصيان حواء أمها. ونلاحظ أن العذراء كانت إجابتها كلها اتضاع، فهي قد علمت أن من في بطنها هو الله لكنها ها هي تقول هوذا أنا أمة الرب. ويرى علماء اللاهوت أنه في اللحظة التي قلبت فيها العذراء كلام الملاك وقدمت الطاعة لله، قبلت التجسد، فالله يقدس الحرية الإنسانية، وكان غير ممكناً أن يتجسد المسيح منها وهي لا تقبل هذا.
آية (39): "فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا."
إلى مدينة يهوذا= غالباً هي حبرون فهي من نصيب بيت هرون. واليصابات من سبط لاوي وزوجها كاهن. إلى الجبال= من يحل فيه المسيح ينطلق للسماويات. فالجبال بعلوها ترمز للسماويات. وإذ حل الكلمة في داخلها لم تستطع إلا أن تذهب وتخدم، تنطلق بروح الخدمة تخدم المحتاج. تخرج من الأنا الضيقة تخدم الجميع في إتساع.
الآيات (40،41): "ودخلت بيت زكريا وسلمت على اليصابات. فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت اليصابات من الروح القدس."
زيارة مريم لأليصابات تعطي نموذجاً لما يجب أن يكون عليه زياراتنا، فنحن نرى هنا مريم واليصابات في فرح يسبحان الله على عطاياه، (عوضاً عن جلسات الشكوى والتذمر) وهنا مريم تحمل في داخلها المسيح القدوس وتذهب لتقدم خدمة لأليصابات، وياليتنا نحمل مسيحنا داخلنا ونذهب لنقدمه لكل إنسان، وهذا ما سيفرحنا ويفرح من نزورهم. وبركات الزيارة ظهرت في الحال إذ ارتكض الجنين في بطن اليصابات= كما رقص داود أمام تابووت العهد (كلمة ارتكض هي نفسها كلمة رقص بالعبرية). ومن بركات الزيارة المباركة امتلاء اليصابات بالروح القدس. وإحساس الجنين يوحنا بمجيء المسيح. وابتهاج يوحنا في بطن أمه يشير للثمر الروحي الداخلي في النفس، فالجسد يشترك مع النفس في هذا الثمر. وابتهاج الجنين في بطن أمه اليصابات كان لامتلائه من الروح القدس.
الآيات (42-45): "وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتى أم ربي إلىّ. فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب."
تسبحة اليصابات :
بينما كان العالم كله يجهل كل شئ عن البشارة للقديسة مريم، إذ باليصابات تعلن أمومة مريم لربها، بالرغم من عدم وجود آية ظاهرة لهذا الحدث الإلهي. والأمر المدهش أن شهادة اليصابات بأمومة العذراء لربها تمت بمجرد إصغاء اليصابات لسلام مريم. وكان هذا بسبب الساكن في أحشاء مريم والذي أعطاها نعمة في كلامها. من أين لي= أنها فرصة عظيمة لي لا أستحقها، أن تأتي أم ربي إلىّ. هي تنطق بالروح.
الآيات (46-55): "فقالت مريم تعظم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي. لأنه نظر إلى اتضاع أمته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني. لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس. ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه. صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم. انزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. اشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين. عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة. كما كلم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد."
تسبحة العذراء :
انطلقت اليصابات تسبح، وانطلقت العذراء تسبح الله هي أيضاً. لقد تحولت الزيارة إلى مستوى تسبيح ملائكي، يمجد الله ويعلن أسراره الفائقة. ونلاحظ أن الكتاب لم يقل عن العذراء مريم أنها امتلأت من الروح القدس كما قيل عن اليصابات، لأن العذراء كانت قد امتلأت وظلت مملوءة، بل الله نفسه في أحشائها متجسداً. أما اليصابات فحلول الروح القدس عليها كان وقتياً، وحينما حل عليها تنبأت. ونلاحظ أنه كما كان العصيان والسقوط بامرأة، كان الخلاص بامرأة.
تعظم نفسي الرب= هل يزداد الله ويتعظم بتسبيح بشر؟! حاشا. ولكن إذ نتقدس تزداد صورة الرب بهاءً فينا، وإذ نخطئ تصغر الصورة وتبهت. مريم هنا ترد تعظيم اليصابات لها إلى الله. تبتهج روحي بالله مخلصي= فالعذراء تحتاج الخلاص كسائر البشر. نظر إلى اتضاع أمته= لقد أدركت العذراء سر تمتعها بالنعمة الإلهية ألا وهو الاتضاع. بينما أن عدو الخير قد خسر مركزه خلال الكبرياء. جميع الأجيال تطوبني= العذراء أدركت عظم العطية التي نالتها وبسببها تطوبها الأجيال. وها الكنيسة مملوءة تسابيحاً للعذراء مريم وفقاً لنبوءتها. فهي عذراء تجلى في حياتها عمل الله الخلاصي. نرى فيها نعمة الله الفائقة التي وهبت للبشرية.
صنع قوة بذراعه= الذراع هو إشارة للمسيح يسوع. وكان عمله وفداؤه قوياً. شتت المستكبرين=المستكبرين هم إبليس وجنوده، واليونان بفلاسفتهم، واليهود غير المؤمنين والرومان بقوتهم الغاشمة. فإبليس هبط للذل والمسكنة، واليهود تشتتوا في العالم كله. أنزل الأعزاء من على الكراسي ورفع المتضعين= الأعزاء من ملائكة أشرار وبشر أنزلهم الله من كبريائهم، والفريسيون نزلوا من على كراسيهم. ورفع الله المؤمنين وأعطاهم سلطاناً أن يدوسوا الحيات والعقارب (لو19:10). أشبع الجياع وصرف الأغنياء فارغين= لقد استمتع اليهود قبل المسيح بشبع روحي من ناموس الله وشريعته والهيكل وسطهم، وبسبب كبريائهم وحسدهم صاروا فارغين إذ رفضوا المسيح. بينما الأمم الذين كانوا قبلاً فارغين وجياع أشبعهم المسيح إذ آمنوا. عضد إسرائيل فتاه= بإرسال المسيا من نسل اليهود، وإسرائيل هنا ليست إسرائيل المتشامخة الرافضة للمسيح، بل إسرائيل الروحي الذين هم نسل إبراهيم بالإيمان. وهناك قلة من اليهود قبلوا المسيح. وهناك قلة ستؤمن في الأيام الأخيرة. (عب16:2). ليذكر رحمة= الله يذكر رحمته ويذكر مواعيده لإبراهيم. وذكر الرحمة هو أساس الفداء. ونلاحظ في أية (49) أن العذراء تصف الله بالقدير والقدوس وفي آية (50) تصفه بالرحمة. فالقدير من مراحمه تجسد ليفدينا ويشتت الشياطين ويكسرهم.
الآيات (57-67): "وأما اليصابات فتم زمانها لتلد فولدت ابناً. وسمع جيرانها وأقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها. وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي وسموه باسم أبيه زكريا. فأجابت أمه وقالت لا بل يسمى يوحنا. فقالوا لها ليس أحد في عشيرتك تسمى بهذا الاسم. ثم أوماوا إلى أبيه ماذا يريد أن يسمى. فطلب لوحاً وكتب قائلاً اسمه يوحنا فتعجب الجميع. وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم وبارك الله. فوقع خوف على كل جيرانهم وتحدث بهذه الأمور جميعها في كل جبال اليهودية. فأودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين أترى ماذا يكون هذا الصبي وكانت يد الرب معه. وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً."
دون اتفاق سابق، اتفق زكريا واليصابات على اسم يوحنا لوليدهما وكان هذا من الروح القدس الذي قاد كلاهما، ولأن زكريا كان يقوده الروح القدس انفتح فمه وتكلم لسانه، بل وتنبأ عن المسيح وعن ابنه يوحنا. ولاحظ أنه بقيادة الروح القدس صار لزكريا ولزوجته فكراً واحداً، فأي إنقسام في الكنيسة مصدره أن الروح القدس لا يقود الجميع. ونلاحظ أنه حين نمتلئ من الروح القدس يكون لنا جميعاً الفكر الواحد، ويمتلئ فمنا تسبيحاً وفرحاً فتعجب الجميع= بسبب اتفاق الزوجين. ولأن كل أسرة يهودية تستعمل بعض أسماء معينة مأخوذة من أباء هذه الأسرة يطلقونها على أطفالهم لينشأ الطفل متمثلاً بهذه القدوة. واسم يوحنا ليس من الأسماء التي تستعملها عائلة زكريا.
الآيات (68-79): "مبارك الرب اله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه. كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذي حلف لإبراهيم أبينا. أن يعطينا أننا بلا خوف منقذين من أيدي أعدائنا نعبده. بقداسة وبر قدامه جميع أيام حياتنا. وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه. لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم. بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء. ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام."
نبوة زكريا: زكريا يفتتح العهد الجديد
صنع فداءً لشعبه= بالروح القدس رأي زكريا خطة الله الخلاصية لشعبه. نعمة الله حولت زكريا المتشكك من صامت لا يتكلم إلى نبي يتنبأ بما يحدث وخطة الله نحو شعبه. قرن خلاص في بيت داود فتاه= القرن يشير للقوة وللمملكة والسلطان. وهذا إشارة للمسيح الذي سيأتي من بيت داود يصنع خلاصاً بقوة. ويملك على كل مؤمنيه. ويكون هو ملك الملوك. لاحظ أن زكريا لا يتكلم ولا يفرح بابنه المنتظر بل بالمسيح، فهو يتكلم بالروح وهو يفهم أن ابنه مجرد نبي يعد الطريق لهذا المسيا. القسم= (تك16:22-18+ 3:26،4). خلاص من أعدائنا.. ومبغضينا= أعدائنا الروحيين (الشيطان/ الجسد/ العالم) وأعدائنا السياسيين (الرومان..). ليصنع رحمة مع أبائنا= فالمسيح نزل من قبل الصليب إلى الجحيم لينقذ أبائنا من أسرهم. فهم يذكر عهده المقدس لهم. ونفذه في ملء الزمان. نعبده بقداسة وبر= أي نحمل طبيعة جديدة نعيشها كل أيام حياتنا. لتعطي شعبه معرفة الخلاص= الخلاص في مفهوم اليهود هو الخلاص من حكم الرومان أما يوحنا فقد لهم المفهوم الصحيح. وهو أن يتوبوا ويؤمنوا بالمسيح فالخلاص هو الخلاص من سلطان الخطية. بأحشاء رحمة إلهنا= ما حصلنا عليه هو من أعمال محبته من نحونا نحن البشر. المشرق من العلاء= إشارة إلى (ملا2:4) شمس البر ليضئ على الجالسين= المشرق من العلاء هو المسيح شمس البر وهو سيأتي ليضئ لنا. وكان يوحنا سراجاً ينير قبل أن تشرق الشمس (يو35:5).
آية (80): "أما الصبي فكان ينمو ويتقوى بالروح وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل."
كان زكريا بالروح يعلم أنه لن يرى ابنه حين يكبر. لذلك وجه كلامه إليه ليسجل، ومن شعر بالمسيح في بطن أمّه غالباً شعر بكلام أبيه الذي يقوله بالروح القدس. ويوحنا ذهب للبرية هرباً من هيرودس حينما شرع في قتل الأطفال.
هذا الإصحاح تقسمه الكنيسة على أربعة آحاد كيهك كإستعداد للميلاد .
الأحد الأول: البشارة بيوحنا الأحد الثاني: البشارة بالمسيح
الأحد الثالث: زيارة العذراء لإليصابات الأحد الرابع: تسبحة زكريا للمسيح الذي سيولد
الإصحاح الثاني:
آية (1): "وفي تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة."
أوغسطس قيصر= سنة 27ق.م- سنة14ب.م. وكان اسمه اكتافيوس كايبياس ووهبه مجلس الأعيان لقب أغسطس أي "المبجل كإله" (هو لقب قريب من التأليه) يكتتب (كان هذا الاكتتاب تدبير إلهي ليولد المسيح في بيت لحم) كل المسكونة= أي جميع الدول الخاضعة للدولة الرومانية التي كانت تسيطر على العالم المتمدن في ذلك الحين. وكان التعداد لإشباع شهوة عظمة الإمبراطور ليبرز امتداد نفوذه وسلطته وأيضاً ليستفيد من التعداد في موضوع الضرائب والجزية والتجنيد.
آية (2): "وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية."
كيرينيوس= كان والياً على سوريا مرتين الأولى سنة4ق.م- سنة 1م. والثانية من سنة 6م-سنة11م. وفي المرة الأولى حدث الاكتتاب المنوه عنه هنا. والمرة الثانية حدث اكتتاب ثانٍ (أع37:5). وولاية سورية كان لها إشراف جزئي على هيرودس لذلك يذكر لوقا هذا الوالي كيرينيوس. ولاحظ دقة لوقا كعالم وطبيب في تحديد الأوقات.
آية (3): "فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد إلى مدينته."
فذهب الجميع ليكتتبوا= كان الاكتتاب بحسب النظام الروماني يمكن أن يتم في أي موضع دون حاجة لانتقال إنسان إلى مدينته التي نشأ فيها. لكن الرومان وقد أرادوا مجاملة اليهود أمروا بإجرائه حسب النظام اليهودي، حيث يسجل كل إنسان اسمه في موطنه الأصلي، فالاكتتاب عند اليهود يكون بحسب الأسباط فالعشائر فالبيوت فالأفراد، وذلك لإهتمام اليهود بالأنساب.
وهكذا التزم يوسف ومريم أن يذهبا إلى بيت لحم في اليهودية لتسجيل اسميهما لكونهما من بيت داود وعشيرته. وكان تنفيذ الأمر شاقاً على يوسف الشيخ ومريم الحامل، خاصة وأن المدينة قد اكتظت بالقادمين فلم يجدوا موضعاً في فندق واضطرا أن تلد القديسة مريم في المذود هناك. وهنا نجد أن الله يستخدم الأمر الإمبراطوري بالتعداد والتقاليد اليهودية بان التعداد يكون كل حسب سبطه ومدينته ومجاملة الرومان لليهود في هذه النقطة ليظهر أن المولود يسوع هو نسل داود الذي تنبأ عنه الأنبياء. وبولادته في بيت لحم تتحقق نبوة ميخا (2:5)
آية (4): "فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته."
كما رأينا من دراستنا في سلاسل الأنساب أن يوسف ومريم كانا كلاهما من سبط يهوذا ومن بيت داود، وكانت العادة اليهودية أن يتزوج الرجل امرأة من سبطه وبهذا نثق في أن المسيح طلع من سبط يهوذا (عب14:7) صعد= فأورشليم أعلى روحياً وجغرافياً.
آية (5): "ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى."
ليكتتب= لقد سجل اسم يسوع في هذا الاكتتاب بعد أن ولدته العذراء أمه في بيت لحم. فهو سجل اسمه في تعداد البشر لكي يظهر أنه صار بشراً مثلنا وبهذا وبفدائه يسجل أسمائنا في سفر الحياة، وولد المسيح خبز الحياة في بيت لحم (بيت الخبز) ليعطي حياة لنا نحن البشر. ويعطينا نفسه خبزاً. لقد سُجِّل المسيح يسوع في سجلات التعداد لتنطبق النبوة "وأحصى مع أثمة" (إش12:53)
الآيات (6،7): "وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد. فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل."
وأضجعته في المذود= [1] محتقراً كل أمجاد العالم وعظمته الباطلة الفانية. [2] ولد بين البهائم المعدَّة للذبح، (العالم استقبله في مذود وودعه على خشبة الصليب) فهو أتى مستعداً للذبح من يوم ولادته.
لقد خيم الصليب على ولادة المسيح من أول يوم [1] ولادته في مذود حيوانات ستذبح [2] يأتي له رعاة غنم ستذبح [3] المجوس يقدمون له مر [4] يوسف يشك في العذراء [5] سفر شاق ليوسف ومريم الحامل إلى بيت لحم [6] سفر شاق ليوسف ومريم والطفل يسوع إلى مصر .
والمسيح الذي أتى إلى الصليب لم يهرب من الصليب منذ البداية ولم يستعمل لاهوته ليستريح أو يهرب.
آية (8): "وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم."
رعاة متبدين= يقيمون في الحقول لحراسة الغنم ليلاً. ويقول أدرشيم العالم اليهودي المتنصر إنهم كانوا يحرسون الأغنام التي يقدم منها ذبائح طوال السنة. وظهر لهم الملاك ليرشدهم إلى حَمَلْ الله الذي سيقدم ذبيحة هو أيضاً. وليرشدهم للراعي الحقيقي والحمل الحقيقي.
الآيات (9-12): "وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفاً عظيماً. فقال لهم الملاك لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود."
لم تشعر الأرض بميلاد المسيح، لم يشعر الكهنة ولا العظماء ولا الفريسيين.. الخ. ولكن السماء اهتزت، ولم تستطع أن تصمت أمام هذا المشهد العجيب فإله السماء، ها هو الآن في مذود. والملائكة بشروا الرعاة بأنه ولد لكم= فكل ما حدث هو للبشر. فالمسيح وُلِد فقيراً ليغني كثيرين وولد متواضعاً ليرفع المتضعين وبقدر ما نكون له يكون هو أيضاً لنا. وبقدر ما نبذل لأجله ونعطيه تكون مكاسبنا. مخلص هو المسيح الرب= نرى في هذه الآية أن يسوع هو المسيح، الرب يهوه، المخلص (يهوه هو المخلص (إش11:43)) والذي تأنس وصار إنساناً ومُسِحَ بالروح القدس ليكون ملكاً وكاهناً ونبياً. لقد سبحته القوات السمائية لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة. فلقد وُلِد كثير من الأنبياء العظماء ولم يتهلل السمائيين هكذا فهم جميعاً كانوا خداماً لهذا المولود. وهذه لكم العلامة= هم لم يسألوا علامة ولكن الملاك أعطى لهم علامة ليعرفوه.
الآيات (13-14): "وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين. المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة."
لقد هتفت الملائكة وسبحت حينما خلق الله العالم (أي7:38+ مز21:103) وها هم يسبحون حينما بدأ المسيح الخليقة الجديدة الثانية بميلاده. وهذه التسبحة تستخدم في صلاة باكر "فلنسبح مع الملائكة قائلين المجد لله في الأعالي.. " كما جاء في دساتير الرسل لنبدأ يوحنا بالتهليل مع الملائكة من أجل عمله الفائق خلال تجسده الإلهي حتى صعوده. لقد صارت الملائكة هنا كارزة بالميلاد وذلك للرعاة والرعاة للناس (آية18) المجد لله في الأعالي= حيث لا توجد خطية، هناك السمائيون يعطون الله المجد والتسبيح. وعلى الأرض السلام= بعد أن سادت الخطية والعصيان والإنقسام جاء المسيح ليسود السلام. وبالناس المسرة= كان هناك غضب على الإنسان وبالفداء صارت المسرة لمن يعمل أعمالاً صالحة.
الآيات (15-19): "ولما مضت عنهم الملائكة إلى السماء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في المذود. فلما رأوه اخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي. وكل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة. وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها."
كانت ما تحفظه مريم هو أحد مصادر معلومات لوقا.
آية (20): "ثم رجع الرعاة وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم."
من يتقابل مع المسيح يعود مسبحاً وفرحاً.
آية (21): "ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سمى يسوع، كما تسمى من الملاك قبل أن حبل به في البطن."
كان الختان علامة الدخول في عهد مقدس مع الله (تك17). والمسيح أتى خاضعاً للناموس، إذ هو وحده غير كاسر للناموس (غل3:4-5). هنا نرى المشرع ملتزماً بالقانون الذي سَنَّهُ. وختان النفس من غلفتها (الخطية) بالمعمودية.
الآيات (22-24): "ولما تمت أيام تطيرها، حسب شريعة موسى، صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب، كما هو مكتوب في ناموس الرب: أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوساً للرب. ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب: زوج يمام أو فرخي حمام."
بعد ختان المسيح انتظرت مريم يوم تطهيرها (تحسب المرأة في الناموس نجسة حين تلد لأنها ولدت إبناً يحمل خطايا أبويه ومحكوم عليه بالموت والموت نجاسة)، وعند تمام الأربعين يوماً من الميلاد حملت المسيح وذهبت إلى الهيكل لتتطهر. (والآن الكنيسة تتبع نفس الطقس وتمنع الأم من التناول حتى معمودية ابنها التي بها يحصل المولود على الحياة). وكان الأغنياء يقدمون حملاً حولياً وهي قدمت الحمل الحقيقي الذي يرفع خطايا العالم، أما الفقراء فكانوا يقدمون فرخي حمام أو زوج يمام (لا8:12) يقدم أحدهما محرقة والأخر ذبيحة خطية فيكفر عنها الكاهن فتطهر. (وهذا رمز للمسيح الذي قدم نفسه بفدائه ذبيحة محرقة ليرضي الآب وذبيحة خطية ليرفع خطايا البشر). والعذراء ويوسف لفقرهما قدما تقدمة الفقراء كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوساً للرب= إذ قدمت العذراء ابنها القدوس للرب قدمت ذاك الذي من أجله جعلت الشريعة كل ذكر فاتح رحم قدوساً كرمز له. المسيح لم يكن محتاجاً للختان ولا للتطهير بعد الولادة، فهو لم يولد من زرع بشر، ولم يرث خطية وهو بلا خطية. لكن هو أكمل كل وصايا الناموس، ليكون كاملاً بحسب الناموس (الناموس الذي لم يستطع أحد أن يكمله) وذلك حتى نحسب فيه كاملين فلا يحكم علينا الناموس بالموت.
آية (25): "وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه."
قصة سمعان الشيخ كما وردت في التقليد الكنسي تتلخص في أنه كان أحد الـ72 شيخاً من اليهود الذين طلب منهم بطلميوس ترجمة التوراة إلى اليونانية والتي سميت بالترجمة السبعينية. وقيل أن سمعان هذا كان هو المكلف بترجمة سفر إشعياء وأنه في أثناء الترجمة أراد أن يستعيض عن كلمة "عذراء" في نبوة إشعياء "ها العذراء تحبل وتلد ابناً.. " بكلمة فتاة إذ تشكك في الأمر. فظهر له ملاك الرب وأكد أنه لن يموت حتى يرى مولود العذراء هذا. وبالفعل إذ أوحى له الروح القدس حمل الطفل يسوع على يديه وانفتح لسانه بالتسبيح مشتهياً أن ينطلق من هذا العالم بعد أن عاين بالروح خلاص جميع الشعوب والأمم.
تعزية إسرائيل= عبارة تقال عن المسيح الذي بخلاصه يكون تعزية لإسرائيل.
الآيات (26-32): "وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فأتي بالروح إلى الهيكل وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس. أخذه على ذراعيه وبارك الله وقال: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل"."
نور إعلان للأمم(وقد تعني أن المسيح سيُعْلَن لكل الأمم، الخلاص سيكون نوراً يراه كل العالم)= يقول التقليد أن سمعان عرف المسيح بعلامة نورانية ظهرت فوق رأسه وهو بين يدي العذراء أمه. أبصرتا خلاصك= المسيح هو خلاصنا وهذا الخلاص سيتممه بالصليب. قدام جميع الشعوب= الخلاص مقدم لكل شعوب العالم ولكل إنسان. وسر الفداء كان منذ القدم وقبل تكوين العالمين. ولكن لم يعلن إلا في آخر الزمان فكان نوراً للساكنين في الظلمة= نور إعلان للأمم.
والكنيسة التي تسبح مع الملائكة تسبحة المجد لله في الأعالي كل يوم وتصلي هذه التسبحة في صلاة باكر. تصلي هذه الآيات الخاصة بصلاة وتسبحة سمعان الشيخ مرتين يومياً. الأولى في صلاة النوم والثانية في صلاة نصف الليل، لتعبر عن اشتياق النفس للإنطلاق للسماء إذ قد تم الخلاص= أمين تعالى أيها الرب يسوع (رؤ20:22). الأولى تسبحة سمعان الشيخ نختم بها كل يوم والثانية هي ختام الكتاب المقدس كله.
الآيات (33،34): "وكان يوسف وأمه يتعجبان مما قيل فيه. وباركهما سمعان وقال لمريم أمه ها أن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم."
باركهما= أي بارك العذراء مريم ويوسف رجلها. ولكنه لم يبارك المسيح الذي يبارك العالم كله. وضع لسقوط وقيام كثيرين= سيكون رائحة حياة لحياة ورائحة موت لموت. وسيكون صخرة عثرة من يسقط عليه يترضض ولكنه صخرة تحمي من يؤمن به (إش14:8). ولعلامة تقاوم= هي علامة الصليب. فالله أرسل ابنه لخلاص العالم (يو16:3) خلال علامة الصليب، لكن ليس الكل يقبل هذه العلامة ويتجاوب مع محبة الله الفائقة، بل يقاوم البعض الصليب ويتعثرون فيه. هذا ومن ناحية أخرى فإن سقوط وقيام الكثيرين يشير إلى سقوط ما هو شر فينا وفي حياتنا لقيام ملكوت الله فينا، فعمل السيد المسيح أن يهدم الإنسان القديم ليقيم الإنسان الجديد. إذاً الآية تفسر بطريقتين:
1) سقوط الجاحدين من اليهود برفضهم المسيح، وقيام المؤمنين بإيمانهم بالمسيح.
2) سقوط الشر فينا لقيام بر الله داخلنا. (راجع 1كو18:1+ 2كو15:2،16)
آية (35): "وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيف لتعلن أفكار من قلوب كثيرة."
يجوز في نفسك سيف= شاركت العذراء مريم ابنها الصليب بكونها الكنيسة التي تحمل صورة عريسها المصلوب المقاوم. والسيف هو الألم الشديد الذي لحق بالعذراء الأم وهي ترى ابنها مهاناً مضطهداً ومعلقاً على الصليب. لتعلن أفكار من قلوب كثيرة= الصليب والمؤامرة التي حاكها اليهود ورؤساؤهم كانت سيف في نفس العذراء ولكنها في الوقت نفسه كشفت رياء ونفاق وشر وأفكار الرؤساء الشريرة الذين تظاهروا بحفظ الناموس والغيرة على الشريعة، وتظاهروا بالقداسة. وهكذا الصليب دائماً يكشف الخراف من الجداء، هو المحك الذي يظهر به الخراف من الجداء، هو الذي أظهر اللص التائب من اللص المعاند وهو الذي يكشف القديسين الذين يحتملون الألم في فرح مع المسيح، يجوز فيهم الألم كسيف في نفوسهم ولكنهم يُعْطَوْنَ تعزية. وهو الذي يكشف الجداء الذين يعتبرون الصليب الذي يتعذب به المسيح وكنيسته انتصاراً لهم، وأيضاً يكشف الصليب الجداء الذين لا يحتملون الصليب فينكرون الصليب والمصلوب عليه خوفاً من هذا السيف الذي يجوز في نفوسهم، فيفقدوا تعزيتهم على الأرض ونصيبهم في السماء.
الآيات (36-38): "وكانت نبية، حنة بنت فنوئيل من سبط أشير، وهي متقدمة في أيام كثيرة، قد عاشت مع زوج سبع سنين بعد بكوريتها. وهي أرملة نحو أربعة وثمانين سنة، لا تفارق الهيكل، عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً فهي في تلك الساعة وقفت تسبح الرب، وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم."
منتظرين فداء= كانت نبوة دانيال (الـ70 أسبوعاً) تحدد سنة مجيء المسيح، لذلك كان كثير من الأتقياء منتظرين ظهور المسيح. ومن هؤلاء كانت حنة النبية. وهي عجوز ربما يكون عمرها في ذلك الوقت 84عاماً إذا افترضنا أن قول الكتاب وهي أرملة نحو أربعة وثمانين سنة أنه يتكلم عن عمرها في وقت المسيح. ولكن هناك من يفهم الآية أنها ترملت بعد زواج 7سنين وبذلك يكون عمرها وقت وفاة زوجها حوالي 23سنة ثم بعد ترملها قضت 84سنة في الهيكل. فيكون عمرها وقت دخول المسيح الهيكل 111سنة. هنا نرى أن كل الفئات فرحت بهذا المولود العجيب (الملائكة/ العذراء التي ستطوبها الأجيال لأنها صارت أماً لله/ يوسف الذي انتسب إليه المسيح/ اليصابات العاقر التي ولدت/ الكاهن الصامت يسبح/ الجنين في بطن اليصابات يبتهج/ سمعان الشيخ يقوده الروح ليحمل تعزية إسرائيل بين يديه/ الأرملة حنة النبية/ الرعاة/ المجوس)
ليلاً ونهاراً= حسب عادة اليهود يبدأ اليوم بعشية اليوم السابق "وكان مساء وكان صباح"
آية (39): "ولما أكملوا كل شيء حسب ناموس الرب، رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة."
عاد المسيح إلى الناصرة في هدوء شديد ليمارس حياته كأي واحد منا، ولم يظهر أي معجزة في صباه. وكانت أول معجزاته تحويل الماء إلى خمر في قانا الجليل.
الآيات (40،52): "وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكنت نعمة الله عليه. وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس."
حمل المسيح جسدنا فصار مثلنا. وكان جسده (ناسوته) طبيعياً جداً مثلنا تماماً فكان ينمو في الحكمة (نمواً عقلياً) والقامة (نمواً جسدياً) والنعمة عند الله (نمواً روحياً) والناس (نمواً اجتماعياً). وكان المسيح الله الكلمة قادراً أن يتخذ جسداً من امرأة فيصبح رجلاً نامي الأعضاء كامل الأنسجة بمجرد ولادته ولكن لو حدث هذا لكان من قبيل اللعب التخيلي، ولذلك سار الصبي على قوانين الطبيعة البشرية وكان يتقدم كما يتقدم أي طفل. ولكن في كل مرحلة من مراحل عمره كان متفوقاً على من هم في سنه، وهذا ما نراه في حواره مع الشيوخ في الهيكل. كان لاهوته المتحد بناسوته يعلن النعمة التي فيه أكثر فأكثر، فكانت نعمته تتزايد في أعين كل البشر، وهذا هو ما قصدناه بنموه الاجتماعي. ونجد أن لوقا قد أهتم بكل مراحل المسيح السنية، فرآه جنين في بطن أمه، ورآه طفلاً ورآه صبياً ثم رآه مكتمل الرجولة، فالمسيح إذاً قدَّس كل مراحل الحياة البشرية.
الآيات (41-50): "وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح. ولما كانت له اثنتا عشرة سنة صعدوا إلى أورشليم كعادة العيد. وبعدما اكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم ويوسف وأمه لم يعلما. وإذ ظناه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف. ولما لم يجداه رجعا إلى أورشليم يطلبانه. وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته. فلما أبصراه اندهشا وقالت له أمه يا بني لماذا فعلت بنا هكذا هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين. فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما انه ينبغي أن أكون في ما لأبى. فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما."
في عيد الفصح= كان يذهب لعيد الفصح حوالي مليونين من اليهود ليعيدوا في أورشليم. وكانوا يذهبون لأورشليم ويعودون منها إلى بلدانهم الأصلية في قوافل. وذهابهم إلى أورشليم ليحتفلوا بالفصح، كان حسب الشريعة (خر17:13+ تث16:16) وكانوا يقضون هناك في أورشليم 8 أيام ليعيدوا بعيد الفصح والفطير. وكان المسافرون يسيرون على قافلتين، إحداهما للنساء والثانية في المؤخرة للرجال. وكان الصبيان يسيرون أما مع الرجال أو مع النساء. وانقضى العيد وعادت قافلة الجليل وانقضى اليوم الأول في السفر، وحينما اقتربت قافلة الرجال وبها يوسف من قافلة النساء وبها العذراء مريم والتقيا كلاهما، يسأل كل منهما الآخر عن الصبي يسوع، إذ حسب كل منهما أنه مع الآخر، وقد بقيا يسألان الكل وإذ لم يجداه عادا لأورشليم واستغرق هذا يوماً ثانياً، وامضوا يوماً ثالثاً يبحثان عنه إلى أن وجداه في الهيكل وسط الشيوخ= وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل ولما كانت له إثنتا عشرة سنة= سن الثانية عشر هي السن القانونية الذي يضم فيه اليهود الطفل الصغيرة ليصبح من جماعة إسرائيل (لذلك كان يجوز الطفل في هذه السن اختباراً ويقدم في الهيكل ليأخذ لقب "ابن التوراة") ولا نعرف شيئاً عن حديث المسيح مع الشيوخ الذي أبهتهم به. لأن الكتاب أراد أن يسجل ما هو أهم، فكانت الكلمات الأولى على لسان المسيح، بل والوحيدة على مدى فترة الثلاثين سنة "ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي" فهو أتي لينفذ مشيئة الآب السماوي، أبيه. وأما عن حياته العادية لم نسمع سوى أنه كان خاضعاً لهما أي ليوسف وأمه العذراء. ألا ينفذ واضع الناموس ما طلبه منا ويكرم أباه وأمه. كنا تطلبك معذبين= لا تبحث عن يسوع في تراخ وفتور وإلا فلن تجده.
تعليق:
تعجب اليهود من معرفة المسيح وقالوا "كيف هذا يعرف الكتب وهو لم يتعلَّم (يو15:7) واليهود يقصدون بهذا أنه لم يسلك سلوك الربيين في الجلوس تحت أقدام المعلمين الكبار حتى ينقل ما عندهم من معرفة، كما تعلم شاول عند قدمي غمالائيل (أع3:22) وهذا حقيقي فالمسيح لم يلتحق قط برابٍّ أو فريسي ليتعلم لكنه وهو واحد مع الآب "أنا والآب واحد" (يو30:10) فكل ما هو للآب كان له، إن في المشيئة أو المعرفة أو العمل. وقطعاً انطبعت التوراة على قلبه وفكره، وكان كل هذا عنده كصفحة مقروءة. وهذا لا يمنع من أن المسيح حينما كان طفلاً كان يتعلم التوراة والأنبياء والمزامير ربما على يد الأسرة أو في مدارس القرية. ولكن علاقته بالآب والروح القدس أعطته فهماً واستيعاباً ومعرفة متسعة. وإذا فهمنا أن المسيح كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس (لو52:2) نفهم أنه كان يتعلم مثل باقي من كانوا في سنه. ولكن علاقته بالآب والروح أعطته أن يتفوق بشكل عجيب عمن كانوا في سنه، وهذا ما جعل الشيوخ يبهتون (لو47:2)، وجعل الشعب يتعجب أنه لم يتلقى تعليماً عند كبار المعلمين (يو15:7)
ولنلاحظ أن يوسف ومريم وجداه في الهيكل، ونحن لن نجد المسيح إلا من خلال الكنيسة. هوذا أبوك وأنا= العذراء بالرغم من كل ما نالته من كرامة نجدها في تواضع تقدم يوسف عليها في حديثها. والمسيح لم يعترض على نسبته لهما وإنما أوضح أن نسبته الأولى هي لأبيه السماوي. ينبغي أن أكون فيما لأبي.. لماذا كنتما تطلبانني. ولكن يوسف والعذراء لم يفهما قطعاً معنى قوله هذا. وأن قوله أكون فيما لأبي أي في الهيكل. فالهيكل هو بيت أبيه.
آية (51): "ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما. وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها."
لقد عرفت مريم أن هناك أشياء تفوق ما للإنسان الطبيعي تحدث مع هذا الصبي. فحفظت كل هذا في قلبها.
(مت1:3-17)
(مر1:1-11)
(لو1:3-22)
(يو19:1-37)
معمودية يوحنا المعمدان
يوم العماد (الغطاس) يسمى عيد الظهور الإلهي، ففيه ظهر الثالوث القدوس، صوت الآب من السماء، والابن في الماء، والروح القدس على شكل حمامة يحل على المسيح. وهناك سؤال.. لماذا ظهر الثالوث يوم عماد المسيح بالذات، ولم يظهر مثلاً يوم التجلي؟
قال الله لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا، إذاً .. الخلق هو عمل الثالوث إذ يقول نخلق.. صورتنا.. كشبهنا.. أي بصيغة الجمع.
فالآب يريد والابن يخلق، فبه كان كل شئ، والروح يعطي حياة لهذا المخلوق (حز10:37).
ويوم العماد هو يوم تأسيس سر المعمودية الذي به نخلق خليقة جديدة بعد أن فسدت خليقتنا الأولى بالخطية. وكما كانت الخلقة الأولى هي عمل الثالوث القدوس، هكذا الخليقة الثانية هي عمل الثالوث القدوس، لذلك ظهر الثالوث القدوس يوم المعمودية. فالآب يريد أن الجميع يخلصون (1تي4:2). والابن يغطس في الماء إعلاناً قبوله الموت عن البشر، وهذا هو الفداء المزمع أن يقدمه على الصليب. ثم يخرج من الماء إعلاناً عن أنه لن يظل ميتاً في القبر، بل سيقوم ويقيمنا معه متحدين به (رو3:6-5). والروح القدس يحل على جسد المسيح. وجسد المسيح هو كنيسته. والروح القدس سيقوم بعد ذلك مع كل معمد بجعله يموت مع المسيح ويقوم مع المسيح من موت الخطية. نقوم مع المسيح ثابتين في المسيح كخليقة جديدة (2كو17:5) وهذه الخليقة الجديدة يفرح بها الآب. وفرحة الآب هذه ظهرت في قوله "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" . قال هذا يوم العماد ولم يكمل "له اسمعوا" كما قال يوم التجلي فاليوم هو يوم فرحة الآب برجوع ابنه الضال (أي الكنيسة) إلى أحضانه.
حقاً الآب فرح بطاعة المسيح الذي أطاع حتى الموت موت الصليب، لكنه فرح أيضاً برجوعنا إليه. لذلك قال المسيح ينبغي لنا أن نكمل كل بر. وهذا يعني أن آدم يوم خلق كان هناك شيئاً ينقصه.. وما هو؟ لو أخطأ آدم يموت وينتهي بالانفصال عن الله، فلا شركة للنور مع الظلمة. لكن اليوم رسم السيد المسيح طريقة غفران الخطية وتبرير آدم ليعود للأحضان الإلهية، وبهذا فرح الآب، فلقد أصبح طريق تبرير الإنسان كاملاً، لذلك قال المسيح على الصليب "قد أكمل" فنحن كنا عاجزين عن البر، فجاء المسيح ليعطينا فيه أن نتبرر.
ما حدث يمكن تشبيهه بأنه بدون اختراع الأستيكة كان إذا حدث أي خطأ في ورقة نقوم بتمزيقها وإلقائها أما بعد اختراع الأستيكة صرنا نمحو الخطأ ،ويمكن استخدام الورقة ثانية.
إذاً المعمودية هي:
1) موت مع المسيح: ومن مات معه تغفر جميع خطاياه السابقة.
2) قيامة مع المسيح: نقوم متحدين به، وهذا يعطينا أن نحيا بحياته.وهذا ما قاله بولس الرسول "لي الحياة هي المسيح" (في21:1)" + "المسيح يحيا فيّ" (غل20:2) ولأن المسيح يحيا فينا كمل كل بر.
إنجيل متى
الإصحاح الثالث:
آية (1): "وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية."
في تلك الأيام= لا يقصد به بعد عودة العائلة المقدسة من مصر ولكن في ذلك العصر أو في ذلك الزمان. ولوقا حدد عمر المسيح في هذا الوقت (لو23:3) أنه حوالي 30 عاماً.
يوحنا المعمدان= لقب المعمدان غالباً أطلقه عليه الشعب. وكان ملاخي قد سبق وتنبأ عنه في (ملا1:3) وتنبأ عن مجيء إيليا قبل مجيء المسيح الثاني في (ملا5:4)، ولما كان اليهود لا يفهمون أن هناك مجيء أول ومجيء ثاني، ظنوا أن إيليا يجب أن يظهر قبل المسيا. ولكن المعمدان جاء في صورة إيليا الساكن في البراري والجبال وبنفس قوته.
برية اليهودية= هي القطاع الشرقي من إقليم اليهودية، يقع شرق قمة الجبل الرئيسية وغرب البحر الميت، لم تكن صحراء رملية ولكنها أرض غير مخصبة.
والمعمدان بدأ خدمته قبل أن يبدأ المسيح بشهور. وكان من حق يوحنا أن يصير كاهناً، ولكنه ترك الهيكل والكهنوت ذاهباً إلى البرية، ليعلن أن الجميع فسدوا وصاروا برية قاحلة تنتظر المسيح الذي سيأتي ليرويها بمياه الروح القدس لتصير فردوساً يحمل ثمار الروح (مز1:63). لقد حُرِم يوحنا المعمدان من خدمة الهيكل ليهيئ الطريق لرئيس الكهنة الأعظم ربنا يسوع الذي جعل من بريتنا هيكلاً جديداً سماوياً.
كان يوحنا هو الرسول الذي يعد طريق الملك كما يسبق الملوك حرس شرف.
آية (2): "قائلا توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات."
توبوا= يوحنا يهيئ الطريق الملوكي بالتوبة، ومعنى طلب التوبة كشئ سابق لملكوت المسيح، أن ملك المسيح سيكون روحياً وليس أرضياً. والتوبة في اليونانية مطانية وتعني تغيير الاتجاه أي تغيير القلب والعقل من جهة الخطية ليهتدي ويتجه نحو الله. ويعطي الإنسان لله الوجه لا القفا إذاً توبوا= غيروا قلوبكم وعقولكم.
اقترب ملكوت السموات= أي أن مجيء المسيح ليسكن فينا صار على الأبواب. وطريق التمتع بهذا الملكوت هو إدراكنا بالحاجة إلى عمل المسيّا فينا، فإذ يدين الإنسان نفسه ينفتح القلب لاستقبال عمل المسيّا فيه. واصطلاح ملكوت السموات هو اصطلاح خاص بمتى أما باقي الإنجيليين فكانوا يستعملون اصطلاح ملكوت الله. لأن متى كان يكتب لليهود الذي يخشون أن يستعملوا اسم الله. وملكوت الله معناه سيادة وحكم الله على القلب، لكن اليهود فهموه على أنه ملك مادي أرضي. ومن المؤكد أن المسيح استخدم التعبيرين ملكوت السموات وملكوت الله. وببساطة حيثما يملك الله يصير هذا المكان سماء.
آية (3): "فان هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة."
الاقتباس من (إش3:40) ومن الترجمة السبعينية بالذات. صوت صارخ= هو صوت المعمدان. فهو كان صوتاً يوجه النظر ليسوع، يدعو الناس للتوبة فيكونوا مستعدين لقبول الرب يسوع. إصنعوا سبله مستقيمة= مرادفة لتوبوا. أي من ارتفع قلبه بالكبرياء أو من التهب قلبه بالطمع أو الشهوة فليغير طريقه.
آية (4): "ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً."
كانت صرخات يوحنا لا تخرج من فمه فحسب بل تنطلق من كل حياته، تعلنها حياته الداخلية ومظهره الخارجي. حتى ملبسه كان أشبه بعظة صامتة وفعّالة وأيضاً طعامه لباسه من وبر الإبل= خشن ورخيص وكان هذا لباس الأنبياء (زك4:13). طعامه جراداً هذا أكل الفقراء جداً. عسلاً برياً= وهذا يجدونه في الصخور وجذوع الأشجار. وكان زهد المعمدان سر قوته، أيضاً خلوته في البرية. وكان له شكل إيليا في ملبسه وطعامه.
آية (5): "حينئذ خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن."
هكذا لنرجع إلى الله علينا أن نخرج من العالم.
آية (6): "واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم."
الأردن= ينبع من جبال لبنان ويصب في البحر الميت ماراً ببحر الجليل (أو بحيرة جنيسارات أو بحيرة طبرية). واليهود عرفوا أنواعاً من المعموديات منها معمودية المتهودين الدخلاء ومعمودية يوحنا كانت رمزاً للمعمودية المسيحية. وبولس الرسول اعتبر أن موسى والشعب اعتمدوا في البحر الأحمر والسحابة رمزاً أيضاً للمعمودية المسيحية. ولكن معمودية يوحنا لم تهب النبوة لمن اعتمد مثل المعمودية المسيحية. وغفران الخطايا الذي كان هدف معمودية يوحنا استمد قوته من صليب المسيح (مثل شيك يكتب على ظهره يصرف في يوم كذا فهو حق لك ولكن مفعوله يبدأ في اليوم المحدد). قوة معمودية يوحنا استمدت قوتها من قوة المرموز إليه كما حملت الحية النحاسية قوة الشفاء خلال الصليب التي ترمز إليه. فمعمودية يوحنا لم تكن بالروح مثل المعمودية المسيحية. وهناك معمودية الدم للشهداء وهناك معمودية الدموع والتوبة كما كان داود يعوم كل ليلة سريره (مز6:6).
آية (7): "فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلى معموديته قال لهم يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي."
الفريسيين= أهم طوائف اليهود الدينية التي ظهرت أيام المكابيين سنة 150ق.م. هدفهم أن يشددوا على وجهة النظر الدينية عند اليهود، ويحفظون الشريعة بدقة. وكان هذا كرد فعل للثقافة اليونانية المتحررة التي انتشرت. ومعنى فريسيون= مفروزون. ويسمون أنفسهم الأتقياء. واعتبروا تقليد الأباء على نفس مستوى الناموس. ساد عليهم الرياء والتظاهر والتمسك الظاهري لا الفعلي بالناموس فعشروا الشبث والنعنع وأطالوا صلواتهم.
الصدوقيين= هم الطائفة اليهودية الكبيرة بعد الفريسيين، ويرجح أنهم نشأوا كمضادين للفريسيين. اسمهم مشتق من اسم صادوق رئيس الكهنة أو من معنى اسم صادوق وهو يعني البار. وعلموا أن الفضيلة تمارس لأجل نفسها وليس من أجل أجر معين ومن هنا تمادوا وأنكروا القيامة لأنها أجر للأعمال الصالحة. وكانوا لا يؤمنون سوى بأسفار موسى الخمسة فقط، ولا يقبلون تقليد الشيوخ وأنكروا القيامة والأرواح والملائكة (أع8:23). كانوا يسمونهم جماعة العقلانيين عند اليهود. وكان هدفهم في الحياة جمع المال وإرضاء ملذاتهم.
يا أولاد الأفاعي (وهناك أولاد إبليس يو44:8+ 1يو10:3 وأبناء المعصية كو6:3 وأبناء النور يو36:12)= يوحنا هنا يريدهم أن يتساءلوا بينهم وبين أنفسهم لماذا أتوا هل هي توبة حقيقية أو سعياً وراء المظاهر. لأنه شعر أنهم لم يأتوا إليه بقلوبهم طالبين التوبة. وكان يوحنا قوياً لم يخف من الفريسيين والصدوقيين ولم يتملقهم، بل هو عرف مشاعرهم فهم لم يحتملوا إذ قد فضح ريائهم بقداسته الحقيقية. والتفت حوله الجماهير وأحبوه فخافوا على مراكزهم. الغضب الآتي= الدينونة.
الآيات (8،9): "فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة. ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم."
التوبة التي بلا ثمر هي مظاهر ورياء. وكان اليهود يظنون أنهم يخلصون لمجرد انتسابهم لإبراهيم. ولكن يوحنا هنا يشرح لهم أن الخلاص ليس ميراثاً من الأباء.
يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم. ما هي هذه الحجارة؟
1- يقال أن يوحنا المعمدان كان يتكلم وأمامه الحجارة التي وضعها يشوع في الأردن.
2- تشير إلى (إش1:51،2) فهذا الصخر في إشعياء يشير لمستودع سارة المائت ولأن إبراهيم صار شيخاً غير قادر على الإنجاب ومع هذا كان لهما نسل ومنه اليهود. ويكون المعنى أنه كما أقام الله اليهود من مستودع ميت كالصخر، قادر هو أن يقيم له أولاداً آخرين.
3- تشير للأمم الذين صاروا حجارة بعبادتهم للأوثان الحجرية فشابهوها (مز8:115)
4- تشير لكل قلب تقسى وتحجر، والله يحركه بالتوبة فيصير ابناً لإبراهيم.
وأولاد إبراهيم هم من يشابهونه في تقواه وإيمانه، ولكن هؤلاء الفريسيين والصدوقيين لا يشبهون إبراهيم بل هم أولاد أفاعي بمعنى أولاد إبليس (يو44:8)
وكل من تحجر قلبه فالله قادر أن يحوله مرة أخرى إلى قلب لحمي (حز26:36)
آية (10): "والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيدا تقطع وتلقى في النار."
التشبيه مأخوذ من الحطاب الذي وضع فأسه بجانب الشجرة وذهب يخلع سترته استعداداً لقطع الشجرة. فهذا المثل يشير للغضب القادم. فالمسيح أتي ليبشر بيوم مقبول وسنة مقبولة. فإما أن يستجيب الإنسان أو تأتي عليه الدينونة وسيف القصاص، ويلعنه الله كما لعن شجرة التين إذا وجده بغير ثمار التوبة. والمسيح هو ذلك الحطاب الذي أتى بصليبه ليموت عني. وأعطاني المعمودية، فيها أموت معه لهدم الإنسان العتيق فمن يرفض بعد كل هذا لن يكون أمامه سوى الدينونة. والمسيح هو الحطاب الذي هو مزمع الآن أن يأتي للدينونة.
آية (11): "أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن احمل حذاءه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار."
نرى هنا سر عظمة المعمدان وهو اتضاعه= لست أهلاً أن أحمل حذاءه= (هو قول يشير لألوهية السيد المسيح فأي ملك أرضي يمكن أن يحل سيور حذاءه أي أحد. أو يحمل حذاءه أي أحد) هو يرى في نفسه أنه غير مستحق أن يعمل أحقر الأعمال التي يقوم بها العبيد.
سيعمدكم بالروح القدس ونار= وقارن هذه بقول المسيح "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح (يو5:3). فالروح القدس هو روح الإحراق (إش4:4) وهو يجعل الماء نار إحراق فماذا يعني قوله الروح القدس ونار= إلا أن ماء المعمودية هو النار الذي يلقي فيها المعمد لتحرق خطاياه وتميت الإنسان العتيق. ويقول القديس مار يعقوب السروجي "المعمودية هي الكور العظيم الممتلئ ناراً، فيها يسبك الناس ليصيروا غير أموات" هذا يعني أن المعمودية هي ليست غسيل إنسان في ماء عادي، بل هي بعمل الروح القدس (روح الإحراق (إش4:4) تحرق الخطايا القديمة، وتلقي نار حب داخل القلب. وانظر لعمل الروح القدس في أرمياء "فكان في قلبي كنارٍ محرقة" (أر9:20) لذلك رأينا حلول الروح القدس على التلاميذ على هيئة ألسنة نارية فالمعمودية هي تحرق خطايانا بالنار وتغسلها بالماء.
آية (12): "الذي رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ."
هنا نرى المسيح الديان. الرفش= يستخدم للتذرية [الرفش هو المذراة وهي ساق لها أصابع خشبية ترفع بها الحبوب المختلطة بالتبن والقش فتسقط الحبوب سريعة لثقلها أما القش والتبن فيطيران بعيداً. وبهذا تجمع الحبوب وحدها والتبن وحده وهذا يتم في مكان متسع بجانب الحقل يسمى البيدر أو الجرن. وتوضع الحبوب في المخزن أما التبن والقش فيحرقان. والرفش إشارة لكلمة الله التي ستدين غير المؤمنين وغير التائبين (يو48:12)] ويشير الرفش لسلطان المسيح. بيدره= أي كنيسته ويشير لنهاية العالم. قمحه= المؤمنين الأبرار. المخزن= الكنيسة أو المجد في السماء. التبن= الأشرار. نار لا تطفأ أي الدينونة الأبدية في جهنم. فالمسيح يترك الآن القمح مع التبن والزوان ولكن هناك يوم يفصل فيه بين هذا وذاك. ولكن من الآن فالتذرية موجودة وهناك فاصل بين الذي يؤمن والذي لا يؤمن وبين الذي يتوب والذي لا يتوب.
آية (13): "حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه."
ليعتمد منه= المسيح هنا يأخذ مكان الخاطئ، وهذا كان مقدمة للصليب، لذلك فالمعمودية هي موت مع المسيح. والكنيسة تهتم بالمعمودية لأنه حتى المسيح لم يبدأ خدمته إلا بعد أن اعتمد.
آية (14): "ولكن يوحنا منعه قائلاً أنا محتاج أن اعتمد منك وأنت تأتى إلى."
من عرفه وهو في بطن أمه، من المؤكد أنه عرفه الآن.
آية (15): "فأجاب يسوع وقال له اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر حينئذ سمح له."
المسيح يكمل كل بر عني. هنا نرى منتهى الاتضاع أن يعتمد الله من أحد عبيده.
الآيات (16،17): "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وأتياً عليه. وصوت من السماوات قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت."
صعد= إذاً هو كان نازلاً في الماء. لذلك فالمعمودية بالتغطيس وفي يوم عيد الغطاس، يوم عماد المسيح تحتفل الكنيسة أيضاً بعيد الظهور الإلهي، إذ ظهر هنا بوضوح الثلاثة الأقانيم. صوت الآب في السماء والابن الإنسان في الماء والروح القدس في شكل حمامة. هنا نرى التمايز في الثالوث، الواحد عن الآخر، ولكنهم هم الله الواحد.
والمسيح حل عليه الروح القدس في شكل حمامة كاملة (حمامة رمز السلام والطهارة والوداعة والبراءة والبساطة وهذه ثمار يعطيها الروح لمن يحل عليها). وهي كاملة رمز لحلول الروح القدس بالكامل على المسيح. أما التلاميذ فحل عليهم على قدر ما يحتملون، ألسنة نار منقسمة. والروح حل على التلاميذ علىشكل نار ليطهرهم، أما المسيح الذي بلا خطية لم يحتاج لشكل النار بل شكل الحمامة.
وحلول الروح القدس على المسيح كان لتكريسه وإعداد جسده ليكون ذبيحة. وصوت الآب من السماء تكرر يوم التجلي (مت5:17) وأيضاً في (يو28:12). انفتحت له= المسيح رأي الحمامة وغالباً رآها يوحنا المعمدان أيضاً (يو31:1-34) والسماء تنفتح الآن بعد أن كانت قد أغلقت أمام البشرية ومن أيام نوح فالحمامة رمز للسلام وزوال السخط وانتهاء زمن سلطان الخطية.
المسيح يكمل كل بر
1- سلك بمعموديته من يوحنا طريق الاتضاع وهو كمال كل بر.
2- هو يسلك بحسب كل شريعة وناموس للعهد القديم حتى لا يتقول الناس عليه أنه رافض أو هادم للناموس، فيوحنا عندهم كنبي.
3- هو يعلن أهمية المعمودية ويعلن قبوله لمهمته أي موته فالمعمودية هي موت مع المسيح، فالمسيح بمعموديته يعلن أنه يقبل هذا الموت، وأنه يطيع حتى الموت موت الصليب. المعمودية هي مثال لسر موته وقيامته
4- المسيح يؤسس سر المعمودية الذي به يكمل كل بر لآدم ونسله. فبموتنا مع المسيح وقيامتنا مع المسيح نتبرر. المسيح بالمعمودية أكمل كل بر للإنسان أي صار هناك وسيلة يتبرر بها الإنسان الذي كان قد حُكِمَ عليه بالموت بسبب الخطية.
5-
لماذا المعمودية؟
1- المسيح غير محتاج للمعمودية فهو بلا خطية.
2- بهذا يتيح الفرصة ليوحنا ليشهد عنه، وليظهر لإسرائيل.
3- جعل المعمودية مثالاً لسر موته وقيامته. هو بهذا أسس سر المعمودية. وبها يكمل كل بر.
4- بعد المعمودية حل عليه الروح القدس لحسابنا أي لتقديسنا.
5- ظهر أثناء المعمودية سر الثالوث الأقدس.
· المسيح لم يكن محتاجاً للمعمودية، لكن المعمودية هي التي كانت محتاجة للمسيح ليعطي الماء القوة بالروح القدس ليعيد خلقتنا.
· أما المعمودية بالنسبة للشعب اليهودي كانت للتوبة، ومن يتوب ويتنقى سيعرف المسيح حين يظهر "فطوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله"
إنجيل مرقس
الإصحاح الأول:
آية (1): "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله."
لم يفتتح الإنجيلي مرقس إنجيله بعرض أحداث الميلاد أو نسب المسيح. وإنما إذ يكتب للرومان يقدم المسيح ابن الله. صاحب السلطان، القوي. وهو له سلطان على الجسد والنفس، حياتنا الظاهرة والداخلية. والرومان يحبون القوة فنجد إنجيل مرقس يُصوِّر لهم المسيح القوي، بل الذي يعطي للمؤمنين به قوة (مر17:16،18)
يبدأ الإنجيل ببنوة المسيح لله ويختتم بدعوة المسيح لتلاميذه أن يكرزوا الأمم ويعمدوهم ثم بارتفاع المسيح إلى السموات إلى حضن أبيه. فكأن المعنى أن المسيح أعطانا البنوة لله، فبالمعمودية نحصل على البنوة لله.
إنجيل= مرقس هو الوحيد الذي أعطى لسفره عنوان إنجيل. وإنجيل تعني الكرازة أو البشارة المفرحة للعالم وسرها لخلاص الذي قدمه المسيح للبشر. هو في هذه الآية يقدم للرومان مخلص= يسوع. وهو الممسوح ملكاً= المسيح .. ومن هو هذا المخلص .. هو ابن الله.
الآيات (2،3): "كما هو مكتوب في الأنبياء ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة."
هذه النبوات من (إش3:40+ ملا1:3). وهما تكشفان عن شخص السابق للرب. وملاخي دعاه ملاك الرب، لحياته الملائكية وكرامته السامية، كما أن كلمة ملاك معناها رسول، فهو مرسل من الله لتهيئة الطريق قدام المسيح بالدعوة للتوبة. ولتسمية ملاخي له بالملاك تصوره الكنيسة بجناحين كملاك للرب. وإشعياء يقول عنه "صوت صارخ في البرية" فهو الأسد الزائر يزأر بصوته المرعب في برية إسرائيل (الشعب الذي يحيا كما في برية فهو غير مثمر) حتى يقدموا توبة. ومرقس إذ يكتب للرومان يقدم المعمدان الذي يسبق المسيح الملك ليعد له الطريق فالرومان يرسلون أمام ملوكهم من يعد لهم الطريق. إذاً في آية (1) يقدم المسيح الملك ابن الله وفي الآيات (2،3) يقدم من يعد الطريق للملك.
الآيات (4-8): "كان يوحنا يعمد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. وخرج إليه جميع كورة اليهودية وأهل أورشليم واعتمدوا جميعهم منه في نهر الأردن معترفين بخطاياهم. وكان يوحنا يلبس وبر الابل ومنطقة من جلد على حقويه ويأكل جراداً وعسلاً برياً. وكان يكرز قائلاً يأتي بعدي من هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن انحني واحل سيور حذائه. أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس."
قوة معمودية يوحنا لا في ذاتها وإنما في رمزها لمعمودية السيد المسيح. ويوحنا المعمدان يمثل نهاية الناموس في دفعه الإنسان إلى التمتع بالمسيح وقيادة الكل إليه (لو16:16). إذاً فيوحنا كنهاية للعهد القديم يقدم لنا خلاصة العهد القديم وهي جذب ودعوة العالم كله للمسيح.
الآيات (9-11): "وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأردن. وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السماوات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه. وكان صوت من السماوات أنت ابني الحبيب الذي به سررت."
المسيح لم يكن محتاجاً للمعمودية فهو بلا خطية، ولكن كما كتب عنه أنه أحصى مع أثمة (إش12:53). وكون السماء انشقت فهذا يعطي إحساس بأن الأمور السماوية صارت معروفة لنا ويمكن رؤيتها واقترب الإنسان للملائكة (يو51:1). فالمسيح جعل الإثنين واحداً. أي السماء والأرض، (كما فهمتها كنيستنا القبطية وترتل بها في التسبحة المعروفة) فكل منهما مملكته.
ظهور الروح القدس كحمامة
قيل عن الكنيسة أنها حمامة (نش15:1+ 14:2+ 1:4+ 2:5)
فنزول الروح القدس على شكل حمامة كان ليقيم الروح القدس كنيسة المسيح الحمامة الروحية الحاملة سمات سيدها (نش12:5) (بساطة/ طهارة/ مملوءة سلاماً.. ..)
هذه هي سمات الكنيسة المختفية في المسيح ربنا. كنيسة روحية تحمل سماتها خلال الروح القدس الساكن فيها يهبها عمله الإلهي بلا توقف.
ظهور الروح القدس يرف فوق المياه في بداية الخليقة (تك2:1) كان ليعطي حياة ويظهر الخليقة. وهذا ما حدث في المعمودية فالروح القدس حلَّ على المسيح ليكرس جسده ليصير هو الكنيسة، يموت على الصليب وتموت معه الكنيسة في المعمودية بعمل الروح القدس ويقوم من الأموات والكنيسة تقوم معه في المعمودية ويصوِّر الكنيسة فيه ويصير هو رأسها وهي على صورته، تموت وتقوم كل نفس في المعمودية بالماء والروح الذي يرف على سطح مياه المعمودية، وتخرج هذه النفس المعَمَّدَةَ لتصير في المسيح خليقة جديدة. ونرى في معمودية السيد المسيح.
الابن في الماء (وكنيسته مختفية فيه)
والروح القدس على شكل حمامة (ليهيئ الكنيسة الحمامة الحاملة لسمات المسيح ومختفية فيه، فهي جسده)
والآب بصوته "هذا ابني الحبيب.." يعلن بنوتنا له في ابنه ويقيم منا حجارة روحية حية تبني هيكل جسد المسيح.
انشقت= ربما تعني أن عين البشر هي التي انفتحت.
تعليقات على الآيات السابقة
من إنجيل مرقس
آية (2): "كما هو مكتوب في الأنبياء ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك."
يقول (ملا1:3) "ها أنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي" وينقلها مارمرقس هكذا "ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي، الذي يهيئ طريقك قدامك" وبهذا نفهم أن المسيح هو هو نفسه يهوه. فالمتكلم في نبوة ملاخي هو يهوه ويقول "قدامي" ومارمرقس يقولها عن المسيح "قدامك" وكلمة وجهك تشير للظهور الإلهي فهي تعني حضرة (صيغة تكريم للشخص)
آية (3): "صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة."
اعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة= وهي من الترجمة السبعينية "قوموا في القفر سبيلاً لإلهنا". وهنا أيضاً نجد أن إلهنا يهوه في إشعياء هو هو نفسه المسيح الرب في إنجيل مرقس.
آية (5): ". وخرج إليه جميع كورة اليهودية وأهل أورشليم واعتمدوا جميعهم منه في نهر الأردن معترفين بخطاياهم."
لاحظ قوله وخرج إليه جميع كورة اليهودية، فيوحنا بوعظه وكلماته النارية حرك مشاعر الجميع، فقدموا توبة علامتها المعمودية في الماء استعداداً لمجيء المسيح فيقبلوا المعمودية بالماء والروح ومع هذه التوبة يصيروا أبناء الله.
إنجيل لوقا
الإصحاح الثالث:
الآيات (1،2): "وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر إذ كان بيلاطس البنطي والياً على اليهودية وهيرودس رئيس ربع على الجليل وفيلبس أخوه رئيس ربع على ايطورية وكورة تراخونيتس وليسانيوس رئيس ربع على الابلية. في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية."
هنا نجد لوقا الطبيب الرجل العلمي يحدد الميعاد بالسنة. السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر= كان طيباريوس قيصر مشاركاً لأغسطس قيصر في حكم الإمبراطورية الرومانية لمدة سنتين قبل وفاة أغسطس. وبهذا تكون السنة الخامسة عشرة لطيباريوس هي سنة 26م أي والمسيح عمره 30 عاماً فالمسيح ولد سنة 4ق.م. وكان بيلاطس والياً على اليهودية= فبعد موت هيرودس الكبير انقسمت مملكته إلى أرباع. هيرودس أنتيباس رئيس ربع على الجليل (هيرودس شهرته أنتيباس) وفيلبس أخوه (هيرودس وفيلبس ابنا هيرودس الكبير) رئيس ربع على إيطورية.. وكان بعد موت هيرودس الكبير مباشرة أن ابنه أرخيلاوس كان نصيبه اليهودية والسامرة وملك سنوات بسيطة ولشروره أقاله قيصر روما وعيَّن على اليهودية والياً رومانياً وصارت اليهودية تتبع روما مباشرة عن طريق والٍ روماني وكان في هذه الأيام هو بيلاطس البنطي. وليسانيوس رئيس ربع على الإبلية كان ليسانيوس هذا يحكم قسماً إدارياً صغيراً بين دمشق وجبل حرمون. والإبلية مدينة واقعة شمال غرب دمشق. وإيطورية هي شرق الأردن وبحر الجليل ولأن مملكة هيرودس أنقسمت إلى أربعة أجزاء جاء من هنا لفظ رئيس ربع. في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا= هناك رئيس كهنة واحد بحسب الشريعة. وكان رئيس الكهنة هو حنان وأقاله وعزله الوالي الروماني وعين قيافا (زوج ابنته) مكانه إلا أن حنان استمر هو الرجل القوي يحكم من وراء اسم قيافا، لذلك ففي محاكمة المسيح، نجدهم أخذوا المسيح أولاً إلى حنان ثم ذهب إلى قيافا. ونجد لوقا في دقة يقول رئيس الكهنة بالمفرد فهذا بحسب الشريعة لا يوجد سوى رئيس كهنة واحد. كل هذه الأسماء من ملوك ورؤساء كهنة تشير:-
1- إلى أهمية يوحنا المعمدان، فكل هؤلاء لتحديد بدء خدمة أعظم مواليد النساء. إلا أنه في بدء خدمة المسيح لم يحدد أي اسم فهو بدء كل شئ.
2- بين كل هؤلاء العظماء لم يوجد من استحق أن يكون سابقاً للمسيح سوى يوحنا.
3- يظهر ما وصلت إليه إسرائيل من مذلة، فلم تعد فقط خاضعة للإمبراطور الروماني بل مقسمة إلى أربعة أجزاء. ورئيسان للكهنة. وكان في هذا تحقيقاً لنبوة أبيهم يعقوب (تك10:49). لقد زالت السلطة اليهودية.
4- بهذا اتضح التاريخ المدني العالمي للأحداث الخطيرة التي بها كان الخلاص للبشر.
آية (3): "فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا."
بدأ يوحنا كرازته بالتوبة متخذاً المعمودية علامة للتوبة. فإن كانت خدمة المسيح هي خدمة الزرع فخدمة يوحنا هي الحرث والفلاحة استعداداً للزرع.
الآيات (4-6): "كما هو مكتوب في سفر أقوال إشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة. كل واد يمتلئ وكل جبل وأكمة ينخفض وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقا سهلة. ويبصر كل بشر خلاص الله."
يوحنا صوت يدوي في البرية لقبول الحق خلال السبل أو الطرق المستقيمة، إنه ينادي للنفوس اليائسة التي تشبه الوديان المنخفضة أن تمتلئ رجاءً (كان يبشر بأن المواعيد التي للأباء جاء وقت تحقيقها، هو كان كمجدد للرجاء بأن يوم الرب على الأبواب، كان هذا مدخلاً للمسيّا، ففي المسيح تحقيق لوعود الأنبياء). والنفوس المتشامخة كالجبل أن تتضع، بهذا يتمتع الكل بالخلاص. وقد يقصد بالأودية الأمم التي حطمتها الوثنية وأفقدتها كل رجاء، وبالجبال اليهود المتكبرين. والسبل المستقيمة هي دعوة لترك كل طريق معوج ملتوٍ ودعوة يوحنا لا تزال قائمة لكل نفس، فإن أعماقنا لن تبصر خلاص الله ما لم نسمع صوت يوحنا في داخلنا يملأ قلوبنا المنسحقة بالرجاء ويحطم كل عجرفة وكبرياء ويحول مشاعرنا الداخلية عن المعوجات ويجعل شعابنا العميقة سهلة. ولما كان إنجيل لوقا موجهاً لليونان، فقد اقتبس لوقا كلمات إشعياء النبي التي تفتح أبواب الرجاء لكل الأمم.. ويبصر كل بشر خلاص الله= فالمسيح سيأتي مخلصاً لكل العالم.
آية (7): "وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الأتي."
يا أولاد الأفاعي(هو يقول هذا لكل من أتى بغير نية التوبة خاصة الفريسيين)= فهم يشبهون الأفعى في الأذى والخداع والمكر، وحب الأذية للآخرين، وهي سامة قاتلة للإنسان. ولهم فكر أرضي كما تسعى الحية على بطنها.
الآيات (8،9): "فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبا لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم. والآن قد وضعت الفأس على اصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار."
يوحنا يريدهم أن يتشبهوا بإبراهيم في تقواه وإيمانه وأعماله.
الآيات (10-14): "وسأله الجموع قائلين فماذا نفعل. فأجاب وقال لهم من له ثوبان فليعط من ليس له ومن له طعام فليفعل هكذا. وجاء عشارون أيضاً ليعتمدوا فقالوا له يا معلم ماذا نفعل. فقال لهم لا تستوفوا اكثر مما فرض لكم. وسأله جنديون أيضاً قائلين وماذا نفعل نحن فقال لهم لا تظلموا أحداً ولا تشوا بأحد واكتفوا بعلائفكم."
من تحرك قلبه سأله ماذا أفعل فطلب من الناس العاديين، أعمال الرحمة= من له ثوبان فليعط.. والعشارون الذين اشتهروا بأن يأخذوا أضعاف الجزية المقررة، يأخذون الكثير لهم ويعطوا للحكومة الجزية المفروضة. هؤلاء طلب منهم المعمدان أن يكفوا عن طمعهم= لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم. والجنود الذين اعتادوا استغلال وظيفتهم في ظلم الناس قال لهم لا تظلموا أحداً. إذاً التوبة هي ترك الخطية وممارسة أعمال الرحمة لكل محتاج. ولم يطلب يوحنا المعمدان أن يترك أحد وظيفته بل يكون أميناً فيها ولا يستغلون وظيفتهم في أي شر.
آية (15): "وإذ كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح."
كان زهد يوحنا وقوة كلماته سبباً في أن يظنه الناس أنه هو المسيا المنتظر.
الآيات (16-18): "أجاب يوحنا الجميع قائلاً أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن احل سيور حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع القمح إلى مخزنه وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ. وبأشياء آخر كثيرة كان يعظ الشعب ويبشرهم."
كانت الكلمات السابقة عينة فقط لما وعظ به يوحنا من توبيخ مع بث روح الرجاء.
الآيات (19،20): "أما هيرودس رئيس الربع فإذ توبخ منه لسبب هيروديا امرأة فيلبس أخيه ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها. زاد هذا أيضاً على الجميع انه حبس يوحنا في السجن."
لم تكن عظات يوحنا قاصرة على الشعب بل امتد توبيخه للملك هيرودس الذي كان متزوجاً من ابنة الحارث الملك العربي، فترك زوجته الشرعية وهجرها وأراد أن يتزوج بامرأة أخيه فيلبس هيروديا الجميلة في حياة فيلبس أخيه. فقاومه يوحنا معترضاً على هذا فسجنه. وهيروديا كانت هي أيضاً قد هجرت فيلبس. وكان هيرودس هذا شريراً ردئ السمعة، وهو المشهور بأنتيباس.
وصار سجن هيرودس ليوحنا المعمدان لإسكات صوت الحق، هو رمزاً لمحاولات اليهود تقييد الكلمة النبوية التي تشهد للمسيح.
آية (21): "ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً وإذ كان يصلي انفتحت السماء."
ولما اعتمد .. .. .. اعتمد يسوع أيضاً= لماذا اعتمد يسوع؟
1- هو الذي عمد الماء أي قدَّسه لنعتمد نحن بالماء والروح بعد ذلك.
2- هو اعتمد نيابة عنا، وقبل الروح بعد ذلك ليحدث لنا نفس الشئ، ففي المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه فنصبح مستعدين لحلول الروح القدس فينا.
3- كان عماد المسيح عمل اتضاع ووداعة منه.
4- كان تكريساً لذاته للعمل (بالمعمودية) فنزول المسيح إلى الماء وتغطيسه فيه (كما نزل يونان إلى عمق الماء) كان إشارة لقبوله الموت (وكما عبر يشوع ماء الأردن مع الشعب ليدخلوا لكنعان الأرضية فالمسيح عبر معنا الموت لندخل معه كنعان السماوية، وكان قبول المسيح للمعمودية هو قبول للموت ونحن نموت معه في المعمودية ليدخلنا معه بقيامته وقيامتنا معه في المعمودية للأمجاد السماوية). كما كان عبور شعب إسرائيل لنهر الأردن المشقوق، إشارة لعبورنا إلى كنعان السماوية بالموت. وكان شق نهر الأردن وتوقف سريانه إشارة لأننا بالمعمودية نجتاز الموت دون أن يكون للموت سلطان علينا، بل بالموت نعبر إلى الحياة، وذلك لأن المسيح رأسنا قد خرج من الأردن رمزاً لقيامته وليقيمنا معه.
وتبع معمودية المسيح وتكريسه لذاته، تكريس الآب له للعمل بحلول الروح القدس عليه فمسحه وصار اسمه المسيح أي الممسوح أي المخصص والمكرس لعمل الفداء.
إذ كان يصلي= الصلاة هنا هي إشارة للصلة التي بينه وبين الآب، وهذه الصلة كانت هي السبب في إنفتاح السماء وظهور الأقانيم الثلاثة كمنفصلين ولكنهم في الحقيقة هم واحد. وظهورهم كمنفصلين كان لنفهم أن هناك تمايزاً في الأقانيم، ولكنهم بالحقيقة ثالوث غير منفصل.
· لا يقبل بأي حال من الأحوال أن نفهم أن الروح القدس حلَّ على المسيح لأنه لم يكن فيه الروح سابقاً فامتلأ من الروح القدس في المعمودية، لأن المسيح مولود بالروح القدس، وملء الروح القدس لم يفارقه لحظة واحدة ولا طرفة عين كونه هو الإله ابن الله الذي أخذ ناسوته من العذراء "لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.. القداس الباسيلي" ولكننا نفهم أن ما حدث هو أن الروح القدس حل على البشرية التي يحملها المسيح كما هو حال فيه أصلاً، فكان حلوله على المسيح كالمثيل على المثيل. ونفهم ما جاء في (لو1:4) "أن يسوع رجع من الأردن ممتلئاً من الروح القدس" أن هذا إشارة إلى امتلاء البشرية التي فيه، أما المسيح لم يوجد قط لا قبل الميلاد ولا بعد الميلاد بدون ملء الروح القدس.
· وإذا أخذنا معمودية المسيح بتغطيسه في الماء ثم خروجه منه نفهم هذا أنه إعلان المسيح لقبوله الموت، ثم القيامة، التي بعدها سيحل الروح القدس على كل معمد مؤمن. لأن المعمودية هي موت ودفن مع المسيح وقيامة معه (رو3:6-5)
آية (23): "ولما أبتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي."
نحو ثلاثين سنة= هي السن التي ملك فيها داود ويوسف وهي السن التي يبدأ فيها الكاهن عمله فالمسيح ملك وكاهن.
إنجيل يوحنا
شهادة يوحنا المعمدان
(يو19:1-37)
آية (19): "وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت."
وهذه هي شهادة يوحنا= ركز الإنجيلي يوحنا على شهادة المعمدان للمسيح لأن المعمدان رأى الروح القدس يستقر عليه وسمع صوت الآب شاهداً للمسيح أنه ابنه الحبيب. ولأن يوحنا الإنجيلي كان يتكلم عن لاهوت المسيح فهو اهتم بأن يكون هناك شهود، لأن المسيح لم يكشف لاهوته بصورة علنية. والمسيح أشار لشهادة المعمدان عنه (يو32:5،33). اليهود= هم رؤساء اليهود أي السنهدريم (وكانت هذه مهمة السنهدريم بحسب الناموس أن يحققوا من أي إنسان يدعى النبوة (تث1:13،2) وهؤلاء إذ وجدوا أفواجاً من البشر بالآلاف تذهب للمعمدان، تعترف وتتوب عن خطاياهم وتعتمد، وسمعوا أنه يوبخ بعنف، وبالذات كان اهتمام السنهدريم بأنه وبخ الفريسيين وهم أئمة الأمة علماً وتعليماً، والصدوقيين وهم طبقة الكهنوت شكلوا لجنة من الكهنة واللاويين لتقصي الحقائق ودراسة الأمر رسمياً. وهم أرسلوا كهنة ولاويين لأن يوحنا يقوم بعمل طقسي فيه تعميد واعتراف بالخطايا، وأعمال التطهير هي عمل الكهنة واللاويين، ويوحنا كان كاهناً فهو ابن كاهن ولكن طريقة يوحنا في التعميد في الأردن كانت جديدة عليهم. فهم كانوا يعمدون الأمم الداخلين لليهودية لكن كون يوحنا يعمد يهوداً بل وفريسيين (المعتبرين أنقياء وبلا لوم) فهذا كان غريباً وغير مقبول ولاحظ أن النبوة متوقفة من 400سنة. وكانت أسئلة لجنة السنهدريم ليوحنا.. هل أنت المسيا؟! فاليهود كانوا يقدرون ويحترمون يوحنا المعمدان فهو ابن كاهن عظيم وله هيئة الأنبياء في إعراضه عن الدنيا وفي ملبسه. ومن أعجابهم به ظنوه المسيح. وهو كان شخصية جبارة قال عنها السيد المسيح "ماذا خرجتم لتنظروا. هل قصبة تحركها الريح" ولكنه كان متواضعاً جداً. اليهود= يعني بهم يوحنا الشعب المعارض والمقاوم للمسيح.
آية (20): "فاعترف ولم ينكر واقر أني لست أنا المسيح."
نفي يوحنا أنه المسيح، وكان نفيه قاطعاً إذ أن كثيرون ظنوا أنه المسيح (لو15:3). اعترف ولم ينكر وأقر= كل هذا التأكيد لأن جماعة من تلاميذ يوحنا ظلت تؤمن بالمعمدان وترفض المسيح.
آية (21): "فسألوه إذا ماذا إيليا أنت فقال لست أنا النبي أنت فأجاب لا."
إيليا أنت= هم يعلمون بحسب نبوة ملاخي أن إيليا يسبق مجيء المسيح. والمعمدان أخذ روح وقوة إيليا وكان هو السابق للمسيح في مجيئه الأول. وإيليا سيكون السابق في مجيئه الثاني. وحينما ظهر إيليا مع المسيح يوم التجلي تصور التلاميذ أن إيليا سيبقى حتى يظهر المسيح في قوته وملكه (مت10:17) فلما اختفى إيليا تحيَّر التلاميذ وسألوا المسيح "أليس ينبغي أن يأتي إيليا أولاً" والمسيح لم يكن يريد في هذا الوقت أن يشير لأن هناك مجيء أول (ملا1:3) يسبقه فيه المعمدان، ومجيء ثانٍ (ملا5:4) يسبقه فيه إيليا، فأشار لمجيء المعمدان كسابق له ولكن بروح وقوة إيليا واكتفى بذلك.
النبي أنت= هم لم يسألوه هل أنت نبي، فهو كان عند الشعب في نظرهم كنبي ولكنهم يشيروا لنبوة موسى (تث18:18) والتي يتكلم فيها عن مجيء المسيح ولكن الصورة لم تكن واضحة في أذهانهم عن هذه النبوة. وقولهم نبي معرفة بالـ يقصدون به النبي الذي تنبأ عنه موسى (يو14:6). وهذه النبوة استخدمها بطرس واسطفانوس (أع22:4+ 37:7)
الآيات (22،23): "فقالوا له من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ماذا تقول عن نفسك. قال أنا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي."
(راجع إش3:40) فيوحنا كان صوت إنذار للشعب حتى يقبلوا المسيح الكلمة. وهو صارخ فهو مملوء بقوة الروح القدس الذي يملأه. قوموا طريق الرب= حينما يذهب الملك إلى مكان وعر (جبال ووديان) يعبدوا له الطريق. برفع الأماكن الواطئة وإزالة المرتفع. وروحياً فالأماكن الواطئة تشير للدونية وصغر النفس والتواضع الكاذب والأماكن العالية تشير للكبرياء والتعلق بعظمة العالم واشتهاؤه. وبدون هذا وذاك نعد الطريق للرب ليسكن في حياتنا.
الآيات (24،25): "وكان المرسلون من الفريسيين. فأسالوه وقالوا له فما بالك تعمد أن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي."
هذا سؤال خبيث ليصطاوا المعمدان ويدينوه:-
1- التهمة الأولى: أنه يعمد بدون إذن السنهدريم، فكأنه سحب منهم سلطانهم.
2- التهمة الثانية: هم كانوا يعمدون الأمم في حالة إنضمامهم لليهودية، فكيف يعمد المعمدان الشعب المقدس وهو ليس المسيا. هم يريدون إلصاق تهمة إهانة الأمة اليهودية له لكنهم لم يتخذوا قراراً ضده بسبب محبة الشعب له بالرغم من رفضهم له، لذلك أحرجهم سؤال المسيح لهم "معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس (مر30:11)
الآيات (26،27): "أجابهم يوحنا قائلاً أنا اعمد بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست بمستحق أن احل سيور حذائه."
نرى هنا تواضع المعمدان بالرغم من سمو مركزه فالمسيح شهد له بأنه أعظم مواليد النساء. وإجابة المعمدان هنا حيَّرت لجنة السنهدريم. ولا نعرف بقية قصة هذه اللجنة التي غالباً ما انسحبت ورجالها في حيرة. وجواب المعمدان هنا كأنه يقول "تسألونني عن المعمودية ولماذا أعمد هل أنا المسيح، والحقيقة فإن المسيح الذي تبحثون عنه هو في وسطكم الآن ولكنكم لا تعرفونه= وهنا نقف لكي نتأمل .. كم من مرة كان المسيح وسطنا، ولم ندرك أنه بيننا، بسبب خطية فينا. في وسطكم قائم= هذه تساوي لهم عيون ولكنهم لا يبصرون. أحل سيور حذائه= جاء في التلمود أن التلميذ يجب أن يقوم لمعلمه بكل الخدمات التي يقوم بها الخادم لسيده ما عدا حل سيور حذائه، ويوحنا بقوله هذا كأنه يقول أنا لست مستحقاً أن أكون تلميذاً للمسيح بل خادماً له. إذاً لا تنشغلوا بي ولا بمعموديتي بل بمن هو أعظم منى بما لا يقاس.
آية (28): "هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردن حيث كان يوحنا يعمد."
بيت عبرة= هي عبر الأردن جنوب بحر الجليل على بعد 14 ميلاً. والمكان ضحل يمكن عبوره لقلة عمق مياهه لذلك سميت بيت عبرة (ويقال أنه كان هناك عبارة لنقل الناس والبضائع في ذلك المكان، ويقال في هذا المكان عبر بنو إسرائيل مع يشوع). والمعمدان بدأ كرازته في اليهودية على الشاطئ الغربي (مت1:3). ولكنه يبدو وأنه بدأ العماد عبر الأردن في هذا المكان (يو4:10). وشهادة المعمدان عن المسيح أثارت أذهان تلاميذه عمن هو المسيح الذي شهد له معلمهم.
آية (29): "وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم."
هوذا= تقال للفت الأنظار لشخص عجيب أو ضالة كان ينشدها أحدهم فوجدها. ونفهم أن المسيح سبق وأتى للمعمدان ليعمده، وهذا ما ذكره متى ومرقس ولوقا ربما في اليوم السابق لهذه الآية. وفي خلال المعمودية رأى المعمدان ما رآه من انفتاح السماء للمسيح. والآن يرى المعمدان المسيح فيعرفه ويشير له أنه حمل الله. وترتيب الحوادث في هذا الأسبوع الذي بدأ فيه المسيح خدمته:-
1- أتي المسيح للمعمدان ليعمده.
2- ذهب للبرية ليجرب من إبليس.
3- أتى للمعمدان في هذا اليوم ليشهد له.
4- بدأ في اختيار تلاميذه.
ونلاحظ تكرار كلمة في الغد هنا 3 مرات، فيوحنا الإنجيلي يتابع المسيح يوماً بيوم في أول أسبوع لخدمته.وكما أن (تك1) يتابع الخليقة القديمة يوماً بيوم. هكذا في بداية الخليقة الجديدة يتابع يوحنا أعمال الخالق يوماً بيوم. وفي الغد هنا تعني غد يوم أرسل اليهود البعثة لتسأله. نظر يوحنا يسوع مقبلاً= أتى يسوع بعد أن انتصر على إبليس ولكن لماذا أتى؟! المسيح في بدء خدمته يحتاج شهادة وإعلان حتى يعرفه الناس فهذه اللحظة هي لحظة تسليم وتسلم، المسيح أتى للمعمدان ليعطيه فرصة أن يشهد له ويستلم المسيح تلاميذه الذين أعدهم له المعمدان مثل يعقوب ويوحنا أبنا زبدي وبطرس وأندراوس. هوذا حمل الله الذي يرفع..= قالها المعمدان بروح النبوة، إذ رأي مجمل الفداء في لحظة. هذه أوضح شهادة عن المسيح قدمها إنسان، لكنه إنسان مملوء بالروح الذي فتح عيني قلبه. وقوله حمل الله أي المعين من الله والمقدم والمقبول من الله. وربما كانت عين المعمدان وهو يقول هذا على خروف الفصح أو الحمل الذي يقدم كذبيحة صباحية وذبيحة مسائية. واسم الحمل يدل على وداعة المسيح ولطفه وحنانه وتسليمه [فالحمل صامت وديع. لا يفتح فاه أمام من يجزه (إش7:53)] وغفرانه.
خطية العالم= قالها بالمفرد لتشير للمعنى الكلي للخطايا، ولأصل الخطايا ومبدأها ونبعها. والمسيح قدم الخلاص لكل العالم ولكن من يخلص هو من يؤمن ويعتمد (مر16:16). يرفع= جاءت في المضارع بمعنى يرفع ويظل يرفع خطايا العالم (1يو5:3) ويوحنا شعر بأن معموديته لا ترفع خطايا الناس بل هذا الحمل سيرفعها، بل هو سينهي سطوتها (رو14:6+ رو3:8).
آية (30): "هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي."
هو يأتي كسابق للمسيح (ملا1:3). ولكن المسيح الأزلي كان قبله. صار قدامي= في البهاء والعظمة والمجد.
آية (31): "وأنا لم اكن اعرفه لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت اعمد بالماء."
أنا لم أكن أعرفه= لقد عاش يوحنا المعمدان في البراري، ولم يرى أحد إلى يوم ظهوره لإسرائيل (لو80:1). ويقول التقليد أن زكريا أو المعمدان حينما جاء عساكر هيرودس ليقتلوا الأطفال أن زكريا قال للجند سأسلمه إليكم من المكان الذي أخذته منه، وجري إلى الهيكل يحمل ابنه بين ذراعيه والجند يجرون وراءه فلما بلغ الهيكل أمسك بقرون المذبح وصرخ لله فخطفه ملاك الرب من بين ذراعيه وطار به إلى البرية، فلما لم يجده الجند قتلوا أباه زكريا بالسيف، وأما يوحنا فقد ظل في البرية حتى كبر وصار يافعاً، فهو لم يرى المسيح بالرغم من أن له قرابة جسدية معه. والمعمدان يقول هذا حتى لا يظن أحد أنه يشهد للمسيح بسبب هذه القرابة. وهو يؤكد أنه يشهد له بسبب ما رآه من انفتاح السموات له حين جاء ليعتمد منه، فعرف من هذه العلامة أنه ابن الله. وربما هو عرفه بالجسد ولكن الروح أعلن له من هو. ونحن حتى نعرف المسيح علينا أن نتوب فيعلن لنا الروح عن المسيح.
الآيات (32،33): "وشهد يوحنا قائلاً أني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه. وأنا لم اكن اعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس."
هنا نجد شهادة يوحنا الإنجيلي بأنه سمع من المعمدان شهادته عن المسيح. رأيت الروح= هو رأى رؤيا غير عادية، رأى حمامة وعرف أنها هي الروح القدس وقد استقر على المسيح. وكانت هذه علامة معطاة له ليعرف أن هذا هو المسيح ابن الله. ونلاحظ أن الله حين ظهر في العهد القديم لبني إسرائيل حدثت بروق ورعود وزلازل، ولكن العهد الجديد عهد السلام، يحل فيه الروح القدس على هيئة حمامة رمزاً للسلام. فالمسيح أتي وهو ملك السلام. مستقراً= ثابتاً لأنه أرتاح وصار حلوله في الكنيسة ثابتاً فالكنيسة هي جسد المسيح.
آية (34): "وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله."
هنا نجد شهادة علنية من المعمدان، أن المسيح هو أبن الله المسيا المنتظر، ولأن المعمدان عرف أنه ابن الله، قال "أنا لست أهلاً أن أحل سيور حذائه" وهذه لا تقال عن إنسان مهما كان مركزه. وقال عنه سيعمد بالروح القدس، ومن الذي له هذا السلطان سوى ابن الله، وكانت العلامة التي بها يعرف أنه المسيح هي حلول الروح القدس كحمامة عليه. وكثيرون أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا بأن المسيح هو ابن الله (بطرس مت17:16، نثنائيل يو49:1، مرثا يو26:11،27، والأعمى أول مدافع عن المسيح آمن بهذا يو38:9). ومن يرى ويعرف يشهد.
الآيات (35-37): "وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفا هو واثنان من تلاميذه. فنظر إلى يسوع ماشياً فقال هوذا حمل الله. فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع."
هنا نجد أن
يوحنا يحُوِّل تلاميذه للمسيح بعد أن عرف أنه ابن الله. هوذا حمل الله=
لقد سبق المعمدان وقالها
(آية 29) فلماذا يكررها؟ المعنى هنا، أنه يقول لتلاميذه لماذا لا تتبعاه،
لقد انتهت مهمتي معكم.
والدارسين يقولون أن هذه الأحداث جرت قبل الفصح الأول للمسيح.
ونحن الآن في نهاية خدمة المعمدان وبدء خدمة المسيح. وهذه الأحداث هنا جرت في اليهودية قبل أن ينطلق الرب إلى الجليل.
ولقد التصق يوحنا الإنجيلي بالسيد المسيح منذ أول يوم لخدمته، فهو كان تلميذاً للمعمدان. وهو أحد التلميذين المذكورين في آية (35) والتلميذ الآخر هو أندراوس آية (40). وكعادة يوحنا فهو لا يذكر اسمه تواضعاً منه. ولكن من المؤكد أن التلميذ الآخر هو يوحنا الإنجيلي كاتب الإنجيل الذي يروى القصة بدقة شديدة حتى أنه يذكر الساعة (آية 39)
وهو في آية (35) يذكر أنهم تلميذين فالشهادة تكون باثنين (يو17:8) وأندراوس هو أخو سمعان بطرس.
والتلميذان سارا وراء يسوع دون أن تكون لهما الجرأة على الحديث معه.
(مت1:4-11)
(مر12:1،13)
(لو1:4-15)
نجد الإنجيليين الثلاثة الذين أوردوا قصة تجربة المسيح، أنهم يأتوا بها بعد معموديته وحلول الروح القدس عليه. إذ أن حلول الروح القدس على المسيح يعني مسحه أي تكريسه لعمل الفداء وهذا يعني حتماً الدخول في صراع مع الشيطان.
وما الذي أثار الشيطان ليبدأ المواجهة مع المسيح؟
من المعروف أن الشيطان هو رئيس هذا العالم كما أسماه المسيح (يو30:14). وهو يستخدم إغراءات وملاذ العالم في إبعاد أولاد الله عنه. الله خلق العالم بما فيه لنستعمله، ولكن إبليس حوَّل العالم إلى هدف عند الناس. والمسيح بدأ حربه ضد إبليس بأنه صام والصوم هو زهد في ملذات هذا العالم، وكأن المسيح يعلن لرئيس هذا العالم أنه لا يهتم بأسلحته وملذاته، وبهذا أثار الشيطان.
ولكن كما نفهم من أقوال السيد المسيح أن الصوم والصلاة أقوى أسلحة ضد الشيطان (مت21:17). ولذلك فالكنيسة الأرثوذكسية تضع أصواماً كثيرة لتسلح أولادها ضد إبليس، فإن كان المسيح قد احتاج للصوم فكم وكم أنا الخاطئ الضعيف.
نعود ونقول أن الصوم هو سلاح ضد الشيطان ولكننا نجد هنا أن الصوم أثار الشيطان ضد المسيح فحاربه، فهل نصوم ليحاربنا الشيطان؟ نقول نعم فنحن في حروبنا لسنا نحارب بقوتنا بل أن المسيح الغالب يغلب فينا (يو33:16+ رؤ2:6). والروح الذي فينا هو روح قوة ونصرة ضد إبليس، فلماذا الخوف من حروبه!! بل أننا إذا غلبنا إبليس برفضنا لملذات العالم وجهادنا في صلواتنا وأصوامنا نمتلئ بالروح أكثر، وهذا ما حدث مع المسيح إذ يقول الكتاب أن المسيح بعد التجربة رجع بقوة الروح إلى الجليل (لو14:4). لذلك فالله يسمح بالتجارب الشيطانية ضدنا ولكن هذا لنغلب به، وحينما نغلب نمتلئ أكثر بالروح وبهذا يعظم انتصارنا (رو37:8) وهناك قصة من العهد القديم تشرح هذه الفكرة تماماً. فقد جاء يهوشافاط كملك قديس على يهوذا، فأثارت قداسته ثائرة إبليس فأهاج الأعداء ضده واجتمع عليه جيش عظيم. إذاً سمح الله بتجربة هذا الملك القديس. فماذا فعل يهوشافاط؟ نجده يصلي ويسبح ويصرخ لله، ونجد الله يتدخل ويزيل العدو من أمامه ويعود يهوشافاط وشعبه ومعهم غنائم كثيرة، عادوا أعظم من منتصرين (2أي1:20-30) (أي لم ينتصروا فقط بل عادوا ومعهم غنائم). والمسيح أتى ليفتتح ملكوت الله في صميم العالم وهذا معناه اقتحام سلطة الشيطان رئيس هذا العالم ونهب داره أولاً، داره الذي سلَّحه بأسلحة الخطية المتعددة من شهوات وملذات العالم (مت28:12،29). إذن فقد لزمت المواجهة.
ولقد تقدم المسيح أعزل من سلطانه الإلهي، إذ تخلى عمداً عماَّ له ليستطيع أن يقف موقفنا ويأخذ دورنا، ففي كل ما انتصر فيه المسيح معناه أننا انتصرنا، لقد انتصرت البشرية فيه. ولنلاحظ أن المسيح بلاهوته لا قوة تقف أمامه ولا معنى أن نتكلم عن انتصاره على إبليس أو غيره، فقوة الله لا يفوقها قوة أخرى.
لقد أتى المسيح ليحارب الشيطان بعد أن حل عليه الروح القدس والروح القدس هو قوة رادعة للشيطان، والمسيح أرسل لنا الروح القدس لنغلب الشيطان وندوسه، فالشيطان قوي وخداعاته قوية، لكننا بالروح القدس الذي فينا نكتشف ألاعيبه ونهزمه ونرفض عروضه الخبيثة.
ونكرر أنه علينا أن لا ننزعج إذا حاربنا الشيطان إذا زهدنا العالم وصمنا وصلينا وذهبنا للكنيسة وواظبنا عليها، فهو لا يحتمل كل هذا والله يسمح بهذه التجارب إذ نخرج منها ببركات كثيرة وغنائم عديدة، بل نمتلئ بالروح أكثر وأكثر. وهذا ما يحدث وحدث مراراً مع الرهبان والمتوحدين، إذ حينما تركوا العالم وذهبوا للبرية أثاروا الشيطان بزهدهم ورفضهم لأدوات إغراءاته وأسلحته، أي ملاذ هذا العالم، فكان أن زادت حروبه ضدهم، حتى أنه كان يظهر لهم في صورة وحوش ضارية تحاربهم، ولكن لنراجع سيرة هؤلاء لنرى البركات التي حصلوا عليها، فعادوا أعظم من منتصرين.
والمسيح دخل التجربة وهو حامل البشرية فيه وممثلها بقصد مباشر، هو أن يجيز البشرية التي فيه كل تجارب الشيطان ثم يغلب الشيطان بجسده الضعيف، وبهذا فهو يحطم أسلحته وقوته لحساب الإنسان الجديد أو الخليقة الجديدة التي هو رأسها التي ستقوم به وفيه من بين الأموات.
بعد هذه التجربة ربط المسيح إبليس بعد أن هزمه، ثم بعد ذلك على الصليب جرده من كل سلطانه، ثم نزل ليهزم الشيطان في الناس ويشفيهم ويخرج الشياطين منهم إعلاناً لأنه أتي ليحرر البشرية من إبليس. المسيح بموته على الصليب كحامل لخطايانا أبطل أقوى أسلحة الشيطان أي الخطية، فصارت الخطية فينا ميتة أي مدانة (رو3:8) صارت الخطية مدانة في المؤمنين إذ ماتوا مع المسيح، وجرد المسيح إبليس وتابعيه من رتبهم وسلطانهم ليوم الدينونة (كو15:2). ولكن بقى لهم عمل يتناسب مع ضعفهم حتى إلى ذلك اليوم، فهم ما زالوا يحاربون المؤمنين ولكن في ضعف، وشرح هذه الفكرة نجده في عدة أماكن في العهد القديم:
1- (حز24:30) فالله يكسر ذراعي فرعون (رمز إبليس) ولكنه لا يكسر رقبته. سيظل له رأس ولكن بلا قوة الذراعين. فإبليس مازال يستخدم رأسه في بث أفكاره المسمومة من تشكيك، وإثارة شهوات في المؤمنين، لكن لنثق أنه بلا ذراعين أي بلا قوة، الشيطان هو قوة فكرية ولكنه هو لا يستطيع أن يرغم أحد على قبول أفكاره، بل أن المؤمنين حين يصرخون لله يطردون هذه الأفكار سريعاً.
2- نسمع في قصة فرعون والخروج أن جيش فرعون قد غرق في البحر الأحمر، ولكننا لم نسمع أن فرعون نفسه قد غرق. وفرعون رمز لإبليس الذي بقي بعد معركة الصليب بلا قوة (بلا جيش).
المسيح كرأس للخليقة الجديدة دخل المعركة وغلب لأن آدم رأس الخليقة القديمة دخل المعركة وهُزِمَ.
بالمعمودية وحلول الروح القدس على المسيح تكرس المسيح للصليب، وفي التجارب عروض من إبليس كما سنرى ليبتعد عن الصليب في خدمته.
ربما استخدم إبليس سلاح الأفكار ضد المسيح، فهو تارة يشككه في محبة الآب الذي تركه جائعاً ولم يحول له الحجارة إلى خبز، وتارة يثير فيه شهوة امتلاك العالم، وهذا ما يصنعه إبليس معنا. ولكن لنلاحظ أن التعرض للتجربة الفكرية ليس خطية وليس هو السقوط، بل أن انتصارنا على هذه التجارب يعقبها نصرة وبركة، لكن أن نتلذذ بالفكر فهذه هي الخطية، أن نتحاور مع إبليس، هذا هو الخطأ. لذلك قال الآباء "ليس الخطأ أن تحوم الطيور حول رؤوسنا، بل الخطأ أن تتخذ الطيور من رؤوسنا أوكاراً لها.
الله يسمح إذاً بالتجارب ويعيننا في أثنائها لنخرج مملوئين من الروح ونخرج منها أكثر قوة وصلابة وخبرة، واثقين في وعود الله، مختبرين قوته ونصرته، الله بهذا يكون كأم تعلم أولادها المشي، وكالنسر الذي يحمل أفراخه على جناحيه ويرتفع لأعلى ثم يتركهم ليتعلموا الطيران ولكنه يهبط ويصير تحتهم حتى لا يسقطون على الأرض بل عليه.
بل نخرج من هذه التجارب أكثر تواضعاً إذ ندرك ضعفنا وندرك أيضاً قوة الله، بل ندرك أننا بالمسيح أقوى من الشيطان وأسلحته.
المسيح هو الطريق، ففيه اعتمدنا وفيه نلنا قوة الروح القدس وفيه نصوم ونزهد في العالم، وفيه نُقْتاد إلى التجارب غير هيابين وفيه نغلب ونخرج من التجارب أعظم من منتصرين.
نتعلم أيضاً من المسيح أن نستخدم كلمة الله في حروبنا للرد على إبليس وعلينا أيضاً أن نستخدم اسم يسوع، فحينما تهاجمك الأفكار أصرخ قائلاً "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ، يا ربي يسوع المسيح أعني" فتهرب منك الأفكار. ارشم نفسك بعلامة الصليب التي يفزع منها إبليس، استعن بالقديسين وشفاعتهم فيأتوا لمعونتك.
إبليس هو المجرب ومن أسمائه أي صفاته أنه الشيطان أي المقاوم. وهو المعاند والمشتكي والمتمرد. هو خصم لا يكف عن الحرب.
كلمات السيد المسيح التي استخدمها مقتبسة من سفر التثنية (تث3:8+ تث16:6+ تث13:6) بالترتيب
ملحوظة: في طقس المعمودية نجحد الشيطان وهذا معناه أن المؤمن سيدخل في تحد مع الشيطان يرفضه ويرفض أعماله وإغراءاته. وكما أن التجربة للمسيح ارتبطت بالمعمودية هكذا نحن بالمعمودية ندخل في معركة مع إبليس العمر كله، لكنها معركة ستنتهي حتماً بانتصار أولاد الله الذين قبلوا المسيح رأساً لهم وحل عليهم الروح القدس. فالروح القدس هو الذي يقودنا بعد المعمودية.
(مت1:4-11)
آية (1): "ثم اصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس."
ثم= هذه الكلمة هنا بعد المعمودية تعني أن التجربة أمر طبيعي كان لزاماً على السيد أن يدخل فيه نيابة عنا، فاتحاً لنا طريق الملكوت. ولنلاحظ أن إبليس حارب السيد بعد حلول الروح عليه، فنحن أيضاً معرضين لحروب إبليس بعد كل نعمة ننالها (فهو يحسدنا)
أصعد يسوع.. من الروح= الروح يقتاد المسيح وفق خطة إلهية ليهزم إبليس ويربطه، وتحسب إمكانياته إمكانيات البشرية بعد ذلك. والمسيح لم يقتاده الروح عنوة، بل أن المسيح كان في اشتياق لهزيمة إبليس. لكن نفهم من كلمة أصعد يسوع، أن الروح القدس يدفع الإنسانية التي في المسيح. حقاً الروح القدس والابن واحد مع الآب، ومشيئتهم واحدة، إلاً أن هذا يعني أن الروح يحرك ويدفع الإنسانية التي في المسيح، وهذا ما يعمله الروح القدس فينا الآن فهو يحركنا ويدفعنا ويبكتنا ويتوبنا ويدفعنا دفعاً للأحضان الإلهية.
البرية= بحسب المفهوم اليهودي فالبرية هي مسكن للشياطين، فهي أماكن خربة وقبور، والمسيح ذهب بهذا للشيطان في عرينه ليحاربه.
والإنسان قبل المسيح كان كبرية خربة، حولها الروح القدس لجنة مثمرة. (الروح القدس يرمز له بالمياه). كان الإنسان مسكناً للشياطين، ميتاً كقبر، رائحته نتنة فصرنا رائحة المسيح الزكية. إذاً فالإنسان هو أرض المعركة بين المسيح وإبليس. ومن المؤكد أن الشيطان جرب المسيح كثيراً لكن الإنجيليين لم يذكروا سوى ثلاث تجارب.
آية (2): "فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً."
نلاحظ أن الحرب بدأت أو اشتدت حينما جاع المسيح، ومع الجوع تشتد شهوة الإنسان للطعام، هي لحظة ضعف للجسد، والشيطان متمرس في إسقاط الإنسان بعراكه مع شهوة الجسد. لقد كان جوع المسيح أو زهده وتركه للطعام ولملذات العالم هو استدراج الشيطان لمنازلته. ولقد صار الصوم والزهد سلاحاً به نهزم إبليس مع الصلاة. ولنلاحظ أن المسيح بصومه قدس أصوامنا وشجعنا عليها، كالأم التي تتذوق الدواء أمام طفلها المريض حتى يشرب منه. بدون ضبط البطن طرد آدم من الفردوس. وبضبط البطن والصوم هزم المسيح إبليس.
وكان جوع المسيح إعلاناً وتأكيداً لحقيقة ناسوته، فهو ليس خيالاً. فجسد المسيح كان جسداً كاملاً حقيقياً يجوع ويعطش ويتألم.
أربعين يوماً= رقم (40) يشير لفترة ما يعقبها خير أو عقوبة فموسى صام 40يوماً ليستلم شريعة العهد القديم، والطوفان كان 40 يوماً. وإسرائيل جُرِّب في سيناء 40 سنة لكنهم تذمروا، أما المسيح فذهب بإرادته ليجوع ويجرب ولم يتذمر. وهذه الأربعين يوماً تشير لمدة غربتنا على الأرض، إن قضيناها في زهد وأصوام وبلا تذمر نذهب للسماء.
الآيات (3-10): "فتقدم إليه المجرب وقال له أن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا. فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله. ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل. وقال له أن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى اسفل لأنه مكتوب انه يوصي ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك. قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك. ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له أعطيك هذه جميعها أن خررت وسجدت لي. حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد."
لخص معلمنا القديس يوحنا في رسالته الأولى الخطايا التي في العالم في ثلاث فئات هي شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة (1يو16:2) وهي بعينها نفس الثلاث التجارب التي قام بها إبليس ضد آدم الأول وضد المسيح آدم الأخير.
شهوة الجسد (البطن) آدم: الأكل من الشجرة المسيح: تحويل الحجارة لخبز |
شهوة العيونالشجرة شهية للنظر بهجة للعيون أعطيك كل هذه |
تعظم المعيشةتكونان كالله يلقي نفسه ولا يصاب |
والسيد المسيح قهر الشيطان بعدم إبلاغه مراده واحتقاره لوسائل الإغراء التي اتبعها معه. ولاحظ أن المسيح يستخدم سلاح كلمة الله بقوله مكتوب. فالكلمة المقدسة هي سيف ذو حدين وهي سيف الروح (أف17:6+ عب12:4)
التجربة الأولى: تجربة شهوة البطن (الخبز) آيات (3،4):
ماذا يقصد إبليس بهذه التجربة؟
1- هو يشكك المسيح في محبة الآب، فهو يقصد أن يقول، إن كان الآب أي الله هو أبوك حقاً، وهو إله خير محب، فلماذا يتركك جائعاً. إذاً فليحول لك الحجارة إلى خبز. والمقصود من التشكيك هو تخريب العلاقة مع الله. وهذا ما يصنعه إبليس مع كل منا، فهو يأتي ليهمس في أذن من له مشكلة أو مصاب بمرض "أطلب من الله إن كان يحبك أن يصنع معك معجزة ويشفيك، أو يحل لك المشكلة. وإذا لم تحل المشكلة يأتي إبليس ليقول لك الله لا يحبك فهو يشفي كل الناس إلا أنت وهذا معنى تخريب العلاقة مع الله وكان رد المسيح ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله. وهذا يعني ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل إن أراد الله لي الحياة حتى بدون خبز فسأحيا. وعلينا أن نستخدم نفس الرد على إبليس "إن حاول أن يشككنا في محبة الله قائلين "ليس بحل المشكلة أو بالشفاء من المرض وحده يحيا الإنسان، بل بإرادة الله. ونتعلم من رد المسيح:
أ- أن لا نطيع إبليس فيما يقترحه علينا.
ب- أن لا نطلب ونلتمس المعجزات في امورنا ومطالبنا.
ج- الجسد يطعم بالخبز ولكن لا ننسى أن لنا روحاً تطعم بكلمة الله. فالجسد المأخوذ من التراب يتغذي على ما تخرجه الأرض، أما الروح لأنها على صورة الله فهي تتغذى بكلمة الله. ومن لا يتغذى بكلمة الله هو ميت روحياً.
2- الشيطان رأي ولادة المسيح المعجزية وسمع الآب السماوي يشهد عن المسيح قائلاً "هذا هو ابني الحبيب" وهو يريد أن يتأكد من شخص المسيح فيقول له "إن كنت ابن الله" فهو تشكك فيه إذ رآه جائعاً.
3- إن كان المسيح هو ابن الله فليستخدم لاهوته لعمل معجزة، أو يطلب من أبيه عمل المعجزة، لكن المسيح أثبت هنا أنه لا يريد هذا لنفسه، لأن إرادته كإرادة أبيه أي خلاص النفوس، هو أتى لأجل هذا، وليس لعمل معجزات تفيده هو شخصياً. فالمسيح لا يريد أن ينحصر في ذاته بل هو يسلم بكل ما يريده الآب، هو لا يريد أن يستخدم مشيئته بعيداً عن مشيئة الله ليكمل شهوة جسده. وبهذا انتزع سلاح الشيطان الذي يقوم على استخدام مشيئة الإنسان بعيداً عن مشيئة الله (يو38:6)
وكانت التجربة الأولى هي تجربة الخبز، ولكن لنلاحظ أن النفس الشبعانة تدوس العسل، أي أن عدو الخير لن يجد له مكاناً داخلنا ما دامت نفوسنا شبعانة بالله.
آدم غلبه إبليس إذ أكل والمسيح هزم إبليس إذ امتنع عن الأكل.
التجربة الثانية: تجربة جناح الهيكل آيات (5-7):
كان رد المسيح على الشيطان في التجربة الأولى أنه بكلمة الله يحيا الإنسان أي أن المسيح استخدم كلمة الله. وهنا نجد أن الشيطان يتقدم بمشروعه الثاني القائم على الاعتماد على كلمة الله. هو يستخدم كلمة الله بطريقة مضللة ويجعلها أساساً للتجربة، وكان رد المسيح أيضاً بكلمة من كلام الله. ففي كلام الله كل الكفاية للرد على تشكيك إبليس ومحاولاته.
ما هو هدف إبليس من هذه التجربة؟
1) إما يموت المسيح فَيُسَّرْ إبليس بموته، أو على الأقل يتألم.
2) أو يفعلها المسيح وينجو فعلاً فيقع في الإفتخار والكبرياء. ولاحظ أن المسيح لو فعل هذا وقت احتشاد الجماهير لآمن الجميع به بسبب هذه المعجزة الخارقة ولكن طريق المسيح هو طريق الصليب وليس هذه الأساليب الصبيانية التليفزيونية.
3) أو أن المسيح لا يجيب خوفاً من الموت فيعيره إبليس بأنه غير قادر.
4) إبليس يقنع المسيح باستخدام حقه كابن لله بطريقة فيها تهور، طريقة خاطئة وفيها تجربة للآب ولكن محبة الآب لنا لا تحتاج لإثبات بهذه الأساليب فهو يحفظنا في كل طرقنا الصالحة، ولا داعي أن نضعه موضع الامتحان.
5) قول إبليس أطرح نفسك يعبر عن شهوته لسقوط كل إنسان.
6) لاحظ أن إبليس يحارب المسيح في المدينة المقدسة وعلى جناح الهيكل أي في الأماكن المقدسة، والشيطان لا يكف عن أن يحاربنا حتى في أقدس الأماكن.
7) قد تكون حرب الشيطان هنا ذهنية فقط أي هو يغري المسيح بأن يذهب ويفعل هذا ليصير الكارز المشهور بالأعاجيب وهذا هو تعظم المعيشة أما المسيح فاختار طريق الصليب.
8) الشيطان استخدم آيات من (مز91) ولكنه لم يكملها، فالباقي ليس في مصلحته، إذ أن بقية الآيات تقول "تطأ الأفعي" .. كناية عن إبليس ونرى في رد السيد المسيح.
[1] لم يسخط ولم يثور ولم يهتاج ضد إبليس بل يرد في ثقة وهدوء.
[2] الله يحفظنا من التجارب التي أتعرض لها وليس التي اصنعها بنفسي حتى أجرب محبته. وعلينا أن نثق في محبة الله دون طلب إثبات.
[3] المسيح اختار طريق الصليب ورفض طريق استعراض إمكانياته بطلب ملائكة تحفظه. وعلينا أن نختار طريق الألم واحتمال الألم دون أن نطلب معجزات تسهل لنا الطريق، أو بقصد المباهاة والمجد الباطل.
التجربة الثالثة: شهوة العيون آيات (8-10):
الشيطان هو رئيس هذا العالم، وهو يغوي المؤمنين بملذات وأمجاد هذا العالم الباطلة التي يملكها ويتحكم فيها والثمن هو للأسف السجود له أي التبعية الكاملة له التي تصل لحد عبادته.
وقد تكون التجربة هنا هي مجرد تجربة ذهنية فكرية في داخل العقل أي أن الشيطان يصور للمسيح كل مباهج الدنيا وأنه قادر أن يعطيه ملك كل العالم، أي يسهل له تكوين مملكة من العالم كله دون الحاجة للصليب وكان هذا هو طلب اليهود.
هذه التجربة هي تجربة كل يوم للمؤمنين، أن يدخلوا من الباب الواسع لذلك ينبهنا الكتاب "لا تحبوا العالم.." ولاحظ أن إبليس كذاب وأبو الكذاب" (يو44:8) فهو يغوي المؤمنين بعالم فانٍ زائل.
ونجد المسيح هنا ينتهر إبليس وهذا يعلمنا أن لا نساوم الشيطان بل ننتهره صارخين "كيف نفعل هذا الشر أمام الله". نحن بالمسيح الذي فينا قادرين أن ننتهر الشيطان قائلين له "إذهب يا شيطان" هذا معنى أن المسيح غلب ويغلب فينا، أنه أعطانا فيه هذا السلطان. والأفضل أن نقول حين نحارب "يا ربي يسوع المسيح أبعد الشيطان عني" فأنا لا سلطان لي على الشيطان مثل المسيح، لكن باسم المسيح نطرده.
خداع إبليس هنا خطير إذ يوهمنا أنه لا داعي للصليب أو للألم، بل يكفي الخضوع له أو السجود له، وهو سيعطينا الكثير، لكن على أولاد الله أن يرفضوا هذا الفكر وينتهروه، راضين بالصليب.
بعد أن هُزِمَ إبليس في التجارب الثلاث اتضح أن المسيح قد حطم سلاحه. وهذا ما يعنيه بأنه ربطه، إذ أن ربطه هو نتيجة حتمية لتحطيم سلاحه الكامل الذي اعتمد عليه وهو إغراءات العالم (التي رفضها السيد) وسلاح المراوغة والخداع لاسقاط الإنسان بعيداً عن الله ووصاياه (وهذه استخدم السيد ضدها سلاح كلمة الله)
والخطوة التالية للسيد هي نهب أمتعته (مت29:12). وهذه تمتت بخدمة المسيح وعمله طيلة ثلاثة سنوات ونصف، كان فيها يجذب النفوس لله ويحررها من سلطة إبليس ليؤسس ملكوت الله إذ كنا قبل المسيح أمتعة إبليس (كان يسكن فينا سكنى المتاع).
والمسيح هزم إبليس في التجارب الثلاث فلم يعد له قدرة أن يواجه المسيح. ثم نزل المسيح للعالم ليخرجه من البشر الذين كان قد استولى عليهم فبعد أن أكمل ردع الشيطان على الجبل نزل ليردعه في الناس. هو دائماً يخرج غالباً ولكي يغلب.
آية (11): "ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه."
الملائكة تخدم هذا المنتصر على إبليس، ربما هي أتت له بطعام والأغلب أن الملائكة جاءت تسبحه. فالملائكة تفرح بكل نصرة وتأتي لتخدم لتثبت كرامة المنتصر. وإذا غلبت إبليس تأتي الملائكة لتمدحك وتخدمك كحراس لك.
(مر12:1،13)
الآيات (12،13): "وللوقت أخرجه الروح إلى البرية. وكان هناك في البرية أربعين يوماً يجرب من الشيطان وكان مع الوحوش وصارت الملائكة تخدمه."
وللوقت= أي بعد العماد مباشرة، فالشيطان يحقد علينا ويحسدنا عقب كل بركة ننالها أخرجه الروح= الروح القدس أخرجه ليغلب لحسابنا. إلى البرية .. وكان مع الوحوش= البرية القفرة الموحشة الخربة مكان الشياطين، وبها وحوش تخيف، ويخيف بها إبليس الإنسان كما كان يظهر للأنبا أنطونيوس على شكل وحوش مخيفة. والمسيح انتصر على كل ذلك حتى ننتصر نحن فيه. نحن نحمل في جعبتنا إمكانيات إلهية الآن بها نغلب. من يقوده روح الرب وهو مختفي في الرأس المسيح بلا شك تكون معركته رابحة.
وإذا كان المسيح قد عاش 40يوماً وسط الوحوش فهو بهذا قد أعاد السلطان للإنسان على الحيوان، ولذلك فالوحوش لا سلطان لها الآن على أولاد الله وهذا ما حدث مع مارمرقس وبرسوم العريان. ونلاحظ ن مارمرقس هو الذي أشار لموضوع الوحوش في البرية لأن هدف مارمرقس في إنجيله إظهار قوة المسيح وسلطانه أمام الرومان الذين يحترمون القوة. ومارمرقس لم يشير لأن المسيح انتصر على الوحوش فهذا في رأيه أمر مفروغ منه ولكنه يضع اللمسة القوية أنه كان مع الوحوش. والملائكة التي صارت تخدمه صارت أيضاً تسند كل الخليقة بحراستها لنا وصلواتها عنا ومعنا.
وربما اختصر مارمرقس قصة التجربة في إنجيله لأن تجربة إبليس للمسيح كانت أصعب بدرجة تفوق خيالنا، وهذا ما لمَّح له القديس لوقا أن إبليس جربه بكل تجربة. أما متى ولوقا فأوردوا على قدر ما نحتمل من القصة.
(لو1:4-14)
آية (1) "أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئاً من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية."
أما يسوع= هذا اسمه الإنساني، فهو جرب كإنسان، لذلك فيوحنا الذي تكلم عن لاهوت المسيح لم يورد هذه التجربة، وبهذا فهو صار مُجَرَّب مثلنا. فلو دخل التجربة بلاهوته لما كان قد جرب مثلنا.
هذه الآية نرى فيها ارتباط المعمودية بالتجربة.
آية (2) "أربعين يوما يجرب من إبليس ولم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمت جاع أخيراً."
أربعين يوماً= موسى يصوم 40يوماً ليتسلم شريعة العهد القديم كان فيها يحرم جسده لترتفع الروح حُرَّة من مشاغبات الجسد فيأخذ من الله الشريعة. وهكذا صام المسيح 40يوماً قبل البدء في خدمة العهد الجديد.
آية (13) "ولما اكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين."
فارقه إلى حين= فالشيطان لا يكف عن حروبه ضدنا، فإن لم نستجب لإغراءاته أشهر ضدنا اضطهاداً، وهذا ما فعله بالمسيح إذ أثار ضده الفريسيين وغيرهم، ثم انتهى بمؤامرة الصليب. وربما أن القديس لوقا أراد أن ينوه عن هذا إذ هو نقل التجربة الثانية، أي تجربة جناح الهيكل في أورشليم بحسب متى لتصبح في لوقا التجربة الثالثة، لأنه يريد أن يقول أن هزيمة إبليس هنا الأخيرة في أورشليم كانت تمهيداً لهزيمته النهائية على الصليب في أورشليم أيضاً.
كل تجربة= ربما كانت هناك تجارب أخرى لم يكشف عنها المسيح فهي فوق إدراكنا، بل حتى القديسين حاربهم إبليس بحروب فوق إدراكنا. ونشكر الله أن الله لا يدعنا نجرب فوق ما نحتمل.
آية (14) "ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل وخرج خبر عنه في جميع الكورة المحيطة."
رجوع يسوع بقوة الروح بعد هزيمته لإبليس وبعد صومه فيه درس لنا بأهمية الصيام وعدم الخوف من حروب إبليس. وهذا القول لا يعني أن يسوع لم يكن قوياً ثم صار قوياً، بل أن البشرية التي فيه صارت تحمل قوة جديدة هي لحسابي ولحسابك، هي رصيد نتمتع نحن به. وظهر هذه القوة في السلطان الذي كان المسيح يعلم به ويصنع به المعجزات