رسالة بطرس الثانية

 

كنيسة السيدة العذراء بالفجالة

 

 

المقدمة. 1

الإصحاح الأول. 2

الإصحاح الثانى. 12

الإصحاح الثالث.. 21

 

 

 

 


 

المقدمة

v     كاتب الرسالة هو القديس بطرس الرسول تلميذ المسيح.

v     لأن الرسالة غير موجهة لشخص أو مدينة ما إعتبرت من رسائل الكاثوليكون.

v     يتحدث الرسول فى هذه الرسالة عن رسائل بولس الرسول، ومن هذا نفهم أنها كتبت بعد رسائل بولس الرسول. وغالبا فهى كتبت فى أواخر حياة الرسول إذ يقول فيها "عالما أن خلع مسكنى قريب" (2بط14:1). لذلك يرجح أنها كتبت ما بين سنة 64 م، سنة 68، وهى سنة إستشهاد القديس بطرس الرسول.

v     الرسالة موجهة لنفس من كتبت إليهم الرسالة الأولى (2بط1:3) وغالبا هم من مسيحيى آسيا الصغرى.

 

غرض الرسالة

إذ أعلن الرب له عن قرب إنتقاله بعث إلى أولاده بوصيته الوداعية ليحدثهم عن أثمن إشتياقات قلبه أى عن ملكوت السموات ومجىء الرب الثانى. وأن إنتظار الملكوت السماوى يدفع المؤمن إلى حياة القداسة والثبات على الإيمان ورفض البدع.

 

التشابه مع رسالة يهوذا

 تتشابه هذه الرسالة وبالذات الإصحاح الثانى منها مع رسالة يهوذا. بل كادتا أن تكونا متطابقتين. وفسر البعض هذا بأن أحدهما نقل عن الآخر، وهذا ليس بصحيح. والأصح أن مصدر كلاهما واحد، ألم يكونا كليهما من تلاميذ السيد المسيح، ألم يحل فيهما الروح القدس الواحد وهو الذى يرشدهما ويسوقهما للكتابة (2بط21:1). ألم يتزاملا سنين كانا يتحاوران معا ويتعزبان بكلام الروح  القدس، فكيف لا تتطابق أفكارهما. وربما تقابلا وناقشا معا ما إستجد على الكنيسة من بدع وهرطقات، وإتفقا على كلام واحد، ثم أرسل كل منهما رسالته فتطابقت الأفكار، والوحى بهذا يتكلم على فم رسولين بنفس الشهادة تنبيها وتحذيرا من الإنسياق وراء الهرطقات الحديثة، وثباتا على الإيمان السليم المسلم مرة للقديسين (يه3).


 

الإصحاح الأول

آية 1:- سمعان بطرس عبد يسوع المسيح و رسوله الى الذين نالوا معنا ايمانا ثمينا مساويا لنا ببر الهنا و المخلص يسوع المسيح.

سمعان = هو إسمه العبرانى. بطرس = الإسم الذى أطلقه عليه المسيح وإستعمال الإسمين فيه إشارة لعمل النعمة فى شخص سمعان والتغيير الذى حدث له نتيجة الهبة الإلهية التى وهبت له والتى تكلم عنها فى آية 4،3. فذكر الإسمين هو تأمل فيماذا كان وكيف أصبح بعمل النعمة.

عبد = الله يتنازل ويسمينا أبناء، ولكن علينا ألا ننس حقيقتنا كخدام وعبيد مملوكين لله، وعلينا أن نفعل مشيئته. والمحبة التى بيننا تجعلها عبودية حلوة بمحض إختيارنا، فالعبودية لله تحرر بينما العبودية لأى أحد آخر أو لأى شىء آخر تذل الإنسان. وكان السيد العبرانى يحرر عبده العبرانى فى السنة السابعة، لكن إذا جاء العبد وقال لسيده " لن أجد سيدا مثلك يحبنى ويرعانى أنا وأولادى وأريد أن أستمر عبدا لك العمر كله " كان السيد يتخذه له عبدا العمر كله. وبهذا المنطق يود بطرس هنا أن يقول أنه لم يجد مثل السيد المسيح فى محبته ورعايته فأراد أن يصير له عبدا كل العمر.

ورسوله = إذا كاتب الرسالة من الإثنى عشر. ولقد شاهد التجلى (2بط18،17:1).

إلى الذين نالوا = أى الأمم.

معنا = أى نحن الرسل أو نحن الذين كنا من اليهود شعب الله المختار سابقا.

مساويا لنا = الملكوت ليس خاصا بالرسل ولكنه لكل من يؤمن، والفرصة متساوية للجميع. وكلمة مساويا إستخدمها كتاب تلك الأيام للإشارة للتساوى فى حقوق المواطنة وإمتيازاتها. ومعنى الكلام أن من رأى المسيح بالجسد كالتلاميذ له نفس حقوق وإمتيازات من آمن ولم يرى السيد المسيح ببر إلهنا = كل ما نلناه كان بسبب فداء المسيح أى المخلص يسوع المسيح = الذى وهو بار بلا خطية مات عنا ليحمل خطايانا، بل بار تعنى أنه كان أمينا وبحسب ما وعد تمم الخلاص. وتعنى أيضا أنه يعطينا بره فنحن نحيا بحياته أبرارا (2كو21:5) "نصير بر الله فيه.. ونخلص بحياته" (رو10:5). لكى أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى (غل20:2). لى الحياة هى المسيح (فى21:1).

 

آية 2:- لتكثر لكم النعمة و السلام بمعرفة الله و يسوع ربنا.

النعمة والسلام = راجع تفسير (1بط2:1).

بمعرفة الله ويسوع ربنا = المعرفة المقصودة ليست هى المعرفة العقلية بل هى المعرفة الإختبارية الناشئة عن علاقة وخبرة شخصية باالله. هى علاقة حياة عملية، فمن إختبر قوة ومحبة الله وحمايته، سيعيش فى سلام كامل، غير خائف من الغد ولا من أى أمر مخيف. ولن يتذمر على أى قرار يتخذه الله ولن يرفض بل سيسلم تسليما كاملا لله. فالله فى محبته لن يسمح سوى بالخير لأولاده فكيف نخاف من أى أمر الآن أو فى المستقبل (1كو22:3) ومن يختبر الله يزداد إيمانه بالله وثقته فى الله فيزداد نعمة وبالتالى سلام. فالمعرفة إذا هى الدائرة التى يتمتع فيها المسيحى بالنعمة والسلام.

والمعرفة نوعان:

1.     معرفة من الخارج، كما يعرف إنسان إنسانا آخر. هنا لن يتمكن هذا الإنسان من معرفة كل تفكير ومشاعر الآخر.

2.     معرفة من الداخل، قال عنها الرسول "لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذى فيه" (1كو11:2).

 ومعرفتنا بالمسيح هى من النوع الثانى. فعلاقتنا بالمسيح هى علاقة إتحاد به وثبات فيه ووحدة معه (رو5:6) + (يو56:6) + (يو4:15) + (يو21:17).

فنحن لا نعرف المسيح من الخارج كما يعرف شخص شخص آخر بل من خلال إتحادنا به. لذلك أمكن لبولس الرسول أن يقول "وأما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو16:2) وقال بولس بنفس المعنى "وأوجد فيه... لأعره" (فى10،9:3). ولأن المعرفة هى إتحاد بالمسيح قال السيد المسيح "وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو3:17).

فكلمة يعرفه هى كلمة تشير بطريقة سرية للإتحاد الذى ينشأ عنه حياة "وعرف آدم إمرأته فحبلت وولدت قايين" (تك1:4).

وقارن بين:       "ليس أحد يعرف من هو الإبن إلا الآب"... مع "انى أنا فى الآب".

"ولا من هو الآب إلا الإبن"... مع "والآب فى".

"ومن أراد الإبن أن يعلن له".

فمعرفة الآب للإبن والإبن للآب راجعة لإتحادهما وأن الآب فى الإبن والإبن فى الآب. وبنفس المفهوم يقول الرب "ومن أراد الإبن أن يعلن له" فمن أراد الإبن أن يعطيه حياة، يتحد به ويعطيه حياته هو (فى21:1) وهى حياة أبدية. وهذه هى المعرفة التى ليست من خارج بل من خلال الإتحاد به، لذلك فهى حياة ابدية. وإذا فهمنا هذا فإن معرفة الله ويسوع المسيح ربنا هى نوع من الإتحاد الذى من خلاله يحل فينا الروح القدس فتكثر النعمة والسلام.

ولكن حتى يحدث هذا الثبات وهذا الإتحاد لابد من نقاوة القلب فلا شركة للنور مع الظلمة ولا إتفاق للمسيح مع بليعال (2كو15،14:6) ولذلك نفهم أن طلب السيد المسيح منا "إثبتوا فى وأنا فيكم" (يو4:15).

هو دعوة للهرب من الشر وتجنبه فنثبت فى المسيح ونعرفه وتكون لنا حياة أبدية وتكثر النعمة والسلام.

 

آيات 4،3:- كما ان قدرته الالهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة و التقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد و الفضيلة.

اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى و الثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة.

الله وهب لنا بقدرته الإلهية كل ما يقودنا للحياة والتقوى فالله أعطانا أسرارا كنسية نحصل بها على نعم غير منظورة، فبالمعمودية نحصل على ميلاد سماوى، به نتحد بالمسيح فى موته وقيامته، فيعطينا المسيح حياته وهذه هى الحياة الأبدية التى لنا. وبالميرون يحل علينا الروح القدس الذى يبكتنا على الخطية فنحيا فى تقوى، وبالتوبة والإعتراف تغسل خطايانا وبذلك تتكرس أعضاؤنا وحواسنا. وبالتناول نثبت فى المسيح. والروح القدس الذى حصلنا عليه يثبتنا فى المسيح ويعطينا أن تكون لنا ثمار بر.

بمعرفة الذى دعانا = راجع تفسير آية 2 فالمعرفة تشير للإتحاد، الذى به تكون لنا حياة المسيح. فمعرفة المسيح هى الحياة (يو3:17). ولذلك يقول بولس الرسول "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد" (1تى16:3)، والمعنى أن سر تقوى الإنسان المسيحى هو ظهور الله فى الجسد أى تجسد المسيح فبتجسد المسيح وفدائه، وعن طريق الأسرار صارت لنا حياة المسيح، التى بها نحيا فى تقوى. أضف لهذا أن من يعرف المسيح حقيقة وما أعده لنا من مجد غير منظور على الأرض ومنظور فى السماء يحتقر العالم وما فيه ويحسبه نفاية (فى8:3). والله دعانا بالمجد والفضيلة = المجد هو فى إتحادنا بالله، والفضيلة هى ثمار هذا الإتحاد، أى حياتنا التى نحياها فى بر إلهنا. ولاحظ ماذا أعطانا الله ودعانا إليه حياة         
و مجد  هذه للحياة الأبدية ولكننا نحصل على العربون هنا.

 

فالحياة الأبدية هى فى السماء ولكنها تبدأ هنا. والمجد الحقيقى فى السماء ولكننا نأخذ عربونه هنا... أما صرنا هيكلا لله، أما نتناول جسده ودمه ونتحد به، ألا يوجد الله وسطنا دائما وفى هذا مجدنا الحقيقى (زك 5:2) ولكن المجد الآن خفى لا نراه ولكن سيستعلن فينا فى الأبدية (رو 18:8).

المجد فى نظر البشر هو المال والمراكز والأملاك. وكان هذا ما نوه عنه الكتاب المقدس. فأول مرة ذكرت كلمة المجد فى الكتاب المقدس كانت عن قطعان ماشية خاصة بلابان حمو يعقوب "فسمع كلام بنى لابان قائلين أخذ يعقوب كل ما كان لأبينا. ومما لأبينا صنع كل هذا المجد" (تك1:31) وإرتقى الكتاب المقدس بالفكر البشرى لنفهم أن المجد هو شىء خاص بالله ويريد الله أن يعطيه لنا "أكون مجدا فى وسطها" (زك5:2) + "وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى" (يو22:17).

اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد = اللذين عائدة على قدرته الإلهية ودعوته = الذى دعانا. فهو قادر وهو يريد أن يعطينا هذا المجد وأن نحيا فى فضيلة. فوعود الله وعطاياه ليست خاصة بالمجد الأبدى فقط أى وعودا للمستقبل، بل أعطانا عربون فى الحياة الحاضرة، بحياة تقوية بارة أى فضيلة... وما هى نتيجة كل عطايا الله من حياة وتقوى ومجد وفضيلة... لكى تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية وطبعا لن نكون شركاء فى لاهوته وجوهره بل فى قداسته وأبديته وحياته الأبدية، ومحبته ووداعته وطول أناته وبساطته وإحتماله وتواضعه. ومجده بل سيكون لنا صورة جسد مجده (جسد مجد المسيح) (فى21:3) بل سيكون لنا أن نرث الله نرث مع المسيح (رو17:8). بل سيكون لنا نصيب فى عرشه (رؤ21:3). وشركاءه فى فضيلته عموما. لذلك أضاف هاربين من الفساد الذى فى العالم بالشهوة  = فالشهوة الخاطئة هى سبب الفساد الذى فى العالم، ولكن بعطية الله الذى أعطانا كل ما سبق من فضائل وعطايا. بل وكان ذلك عن طريق إتحادنا به صرنا نستطيع النصرة. ولولا عطية الله وإتحاده بنا ما إستطعنا النصرة. فالتقديس يعنى إتحادنا بالله بروحه القدوس. هذا هو مجد المسيحية. فالمسيح أخذ الذى لنا (شركة طبيعتنا البشرية) وأعطانا الذى له (شركة طبيعته الإلهية) طبيعة الله وجوهره هى المحبة. فالمسيح أخذ جسدنا ليعطينا طبيعة المحبة فنحب الله ونحب كل إنسان حتى أعدائنا. أى تصير قلوبنا مملوءة محبة. فالروح يسكب المحبة فينا (رو5:5) ومن ثمار الروح المحبة (غل22:5). فنحن لا نتبع زعيما دينيا أو مصلحا جاء من العلاء، بل إلها نتحد به ونصير واحدا معه. ونلاحظ أن شركتنا فى الطبيعة الإلهية تسبق هروبنا من فساد العالم، فشركتنا فى الطبيعة الإلهية هى سبب نصرتنا فطبيعة المحبة وبالذات محبة الله تجعلنا نحتقر العالم بما فيه من خطايا وتكون وصاياه ليست ثقيلة (1يو3:5).

 

آيات 5-7:- و لهذا عينه و انتم باذلون كل اجتهاد قدموا في ايمانكم فضيلة و في الفضيلة معرفة. و في المعرفة تعففا و في التعفف صبرا و في الصبر تقوى و في التقوى مودة اخوية و في المودة الاخوية محبة.

رأينا العطايا الإلهية فى الآيات السابقة، ولكن هل يمكن للإنسان أن يخلص بها دون جهاد ؟ قطعا لا. لذلك يكمل الرسول ولهذا عينه وأنتم باذلون كل إجتهاد = والجهاد نوعان:-

1.     جهاد إيجابى = كالصلاة والصوم وأعمال البر...

2.     جهاد سلبى = أى الإمتناع عن كل خطية والهروب من الشهوة والفساد اللذين فى العالم (إية 4).

ولهذا عينه = أى إذا كان الله قد دعاكم لأن ترثوا مجدا معدا لكم وتكونوا شركاء الطبيعة الإلهية فالأمر يستحق كل إجتهاد من جانبكم وأن نحمل كلنا كل صليب يسمح به الله، وأن نقدم أجسادنا ذبيحة حية، ونذبح كل شهوة. قدموا فى إيمانكم فضيلة... وفى المودة الأخوية محبة = نلاحظ هنا:-

1.     هذه سلسلة من الفضائل تبدأ بالإيمان وتنتهى بالمحبة، لخصها بولس الرسول بقوله "الإيمان العامل بالمحبة" (غل6:5) أما بطرس الرسول فيفصلها ويشرح كيف تنبع المحبة من الإيمان.

2.     هذه الفضائل ليست منفصلة عن بعضها فالرسول لم يقل قدموا بعد إيمانكم فضيلة بل قال فى إيمانكم فضيلة، فالفضائل سلسلة مترابطة لا تتقدم الواحدة عن الأخرى.

3.     الله أعطانا عطايا جيدة، فعلينا أن نستعملها فى نمونا الروحى.

قدموا فى إيمانكم فضيلة = قدموا أى جاهدوا أن تكون لكم أعمال صالحة، فإيمان بدون أعمال ميت.

 

مثال :-

من يؤمن بأنه سيرث أمجاد أبدية لن يتصارع على ميراث أرضى. ومن يؤمن بأن الله يراه فى كل حين سيمنع نفسه حتى من الفكر الخاطىء.

وفى الفضيلة معرفة = من يعمل أعمالا صالحة وينفذ الوصايا تصير له معرفة حية بالمسيح. ولاحظ قول السيد المسيح "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسى" (يو17:7) فمن يغصب نفسه أن يعمل وينفذ وصايا الله سيعرف من هو المسيح وحقيقة تعاليمه. وفى مثال الرجل الذى بنى بيته على الصخر، هذا الذى سمع أقوال السيد المسيح وعمل بها. نجد أن البيت صمد أمام المطر والأنهار والرياح (التجارب والآلام) ولم يقع البيت (مت24:7-27) أى لم يشك فى المسيح ولا فى محبته فهو قد عرفه حقيقة إذ عمل بوصاياه. عموما من ينفذ الوصية يتنقى قلبه فتنفتح عيناه ويعرف المسيح ويراه. أما الذى يترك نفسه وراء شهواته، تغلق الخطية عينيه فلا يرى المسيح ولا يعرفه.

وفى المعرفة تعفف = من له معرفة عملية بالمسيح تعوف نفسه الخطية ويزهد فى مجد العالم إذ إكتشف حقيقة الأمجاد السماوية. ومن يعرف المسيح سيكتشف أن العالم بما فيه نفاية (فى8:3).

فى التعفف صبرا = التعفف النابع عن محبة السماويات إذ أدرك جمالها ومجدها، يعطى قدرة على الإحتمال والصبر، فمن إحتقر وزهد فى أمجاد هذا العالم سيصبر على ألآمه فعينيه صارت مثبتة على السماء وأمجادها، ينتظرها ويشتهيها، وما عاد ينتظر شيئا من الأرض.

وفى الصبر تقوى = حين يحتمل المؤمن التجارب بصبر فهذا يزيد معرفته الإختبارية بمحبة الله. وكلما إزدادت المعرفة، إزداد الثبات فى المسيح وهذا يعطى للإنسان أن تثبت فيه حياة المسيح. وهذا سر التقوى أن المسيح ظهر فى الجسد (1تى16:3) وأعطانا حياته (فى21:1). ولاحظ أن من يحتمل بصبر يستطيع أن يرى ويدرك تعزيات الله ومساندته له فى شدته، فتزداد خبراته عن الله ومعرفته. أما المتذمر فلن يدرك شيئا لذلك قال بولس الرسول أن الشكر يزيد الإيمان (كو7:2).

وفى التقوى مودة أخوية = من يخاف الله ويتقيه يعامل إخوته بلطف وحنان. فلا تذمر ولا جفاء معهم بل يتعامل بروح الوداعة والود والمسالمة.

 وفى المودة الأخوية محبة = بقدر ما يتعامل الإنسان بمودة أخوية مع الناس فلا يتذمر عليهم، ولا يتكلم عليهم بالسوء ويقدم لهم خدمات.

بقدر ما تنسكب المحبة فى قلبه. وهذا ما علم به السيد المسيح حين قال أحبوا أعداءكم (كيف يا رب)... باركوا لاعنيكم (تكلموا عنهم حسنا)  أحسنوا إلى مبغضيكم (قدموا لهم خدمات) (مت44:5) وهذا ما نسميه الجهاد والنعمة. فإنسكاب المحبة هى عطية من الله، إذا هى نعمة ولكن النعمة لا تعطى إلا لمن يستحقها أى لمن يجاهد. ومن يغصب نفسه أن يتعامل بمودة أخوية، ويتكلم حسنا على الناس، ويخدمهم تنسكب المحبة فى قلبه. والجهاد يعنى أن يغصب الإنسان نفسه على فعل ما هو صحيح وما يرضى الله.

 

آية 8:- لان هذه اذا كانت فيكم و كثرت تصيركم لا متكاسلين و لا غير مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح.

هدف كل الفضائل المسيحية هو معرفة المسيح معرفة كاملة. فمن يجاهد لكى ينمو فى الفضائل السابقة سيعرف ربنا يسوع معرفة حقيقية. أى يثبت فيه ويكون له هذا الثبات حياة أبدية. وسلسلة الفضائل السابقة والتى تبدأ بالإيمان والتغصب على فعل ما هو صالح، وتنتهى بالمحبة، هى خط واضح ومن يحاول أن يسير على هذا الطريق سيزداد معرفة بالمسيح، وآخر السلسلة كانت المحبة. والله محبة فمن يسير فى هذا الخط ليصل إلى محبة الله ومحبة الناس، فهو يسير فعلا فى طريق معرفة الله.

تصيركم لا متكاسلين = كلما تحاولون أن تكون هذه السلسلة منهج لحياتكم سيمتنع التكاسل الذى فى حياتكم، ويكون لكم نشاط أن تعرفوا عن المسيح أكثر فمن يعرف المسيح يريد أن يعرف عنه أكثر وأكثر ومن يحاول سيكون مثمرا فى هذه المعرفة = لا غير مثمرين = فمن يعرف أى ستدب فيه الحياة، حياة المسيح، فيكون مثمرا. فلا ثمر بدون حياة. (راجع آية 2 فالمعرفة تعنى إتحاد مع المسيح والإتحاد مع المسيح حياة).

 

آية 9:- لان الذي ليس عنده هذه هو اعمى قصير البصر قد نسي تطهير خطاياه السالفة.

أما الإنسان الخالى من الفضائل فهو بلا خبرة روحية ولا معرفة إختبارية بالمسيح = أعمى قصير البصر، وما الذى فعل به هكذا؟

الخطية.... فطوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله. ونحن نحصل على القلب النقى الذى يعاين الله فيعرفه عن طريق المعمودية ثم بالتوبة والإعتراف والتناول من جسد الرب ودمه. وبالمعمودية تصير لنا طبيعة جديدة بها نعاين الله، ومن ينسى هذا ويعيش بلا توبة وبلا أعمال صالحة، وينسى أنه حصل على طبيعة جديدة، فيكف عن جهاده يصير أعمى لا يستطيع أن يعرف الله.

 

آية 10:- لذلك بالاكثر اجتهدوا ايها الاخوة ان تجعلوا دعوتكم و اختياركم ثابتين لانكم اذا فعلتم ذلك لن تزلوا ابدا.

إجتهدوا... أن تجعلوا دعوتكم وإختياركم ثابتين = لقد أفرزكم الله بروحه القدوس عن العالم، وأختاركم للمجد، فهل ترتدوا فتخسروا كل البركات... لا بل إجتهدوا، والجهاد يجعل الدعوة والإختيار ثابتيين وبدون الجهاد يزل الإنسان ويتعثر كالأعمى ويخسر دعوته وإختياره.

وفى هذه الآية رد على من يتصور أن الإيمان بدون أعمال يخلص، ورد على من يتصور أن هناك مختارين يخلصون دون أن يجاهدوا. فها نحن نرى هنا أناس مدعوين ومختارين لكن يلزمهم أن يجاهدوا لكى يثبت هذا الإختيار وهذه الدعوة.

 

آية 11:- لانه هكذا يقدم لكم بسعة دخول الى ملكوت ربنا و مخلصنا يسوع المسيح الابدي.

ملكوت السموات مفتوح ومتسع، والرسول يقول هذه الآية حتى لا ييأس أحد من خلاصه، ولكن الأعمال الصالحة والجهاد يزيدوا من رضى الله علينا.

 

آيات 12-15:- لذلك لا اهمل ان اذكركم دائما بهذه الامور و ان كنتم عالمين و مثبتين في الحق الحاضر. و لكني احسبه حقا ما دمت في هذا المسكن ان انهضكم بالتذكرة. عالما ان خلع مسكني قريب كما اعلن لي ربنا يسوع المسيح ايضا.

فاجتهد ايضا ان تكونوا بعد خروجي تتذكرون كل حين بهذه الامور

لذلك = لأن هناك تهديد بخسارتكم لكل شىء إن أهملتم، وهناك وعد بملكوت أبدى لو ثبتم مجاهدين. وإدراك الرسول بإقتراب يوم إنتقاله جعله يهتم بأن يذكر أولاده أن يجاهدوا.

كما أعلن لى ربنا = لقد سبق رب المجد وأعلن له أنه سيموت مصلوبا (يو18:21).

ولكن الرسول هنا يتكلم عن رؤيا حديثة، أعلن له فيها رب المجد عن قرب إنتقاله.

ما دمت فى هذا المسكن = مسكن أصلها خيمة. والخيمة إشارة للجسد الحالى (2كو1:5). ويقول التاريخ أن الوثنيون إستشاطوا غيظا من القديس بطرس فأرادوا قتله. فأوعز إليه المؤمنون أن يهرب، فقبل الرسول مشورتهم، وفيما هو خارج من باب مدينة روما رأى السيد المسيح داخلا، فسأله بطرس "إلى اين تذهب يا سيدى كوفاديس"، فأجابه السيد "إلى روما لكى أصلب ثانية" فأدرك القديس بطرس أن السيد المسيح يريده أن يعود ليستشهد، فرجع فى الحال وأخبر المؤمنين بذلك، وسجن 9 شهور ثم صلب منكس الرأس. وفى نفس اليوم قطعت رأس بولس الرسول بالسيف، وكان هذا لأن بولس له جنسية رومانية والرومانى لا يصلب.

بعد خروجى = أى موتى (لو31:9).

 

آيات 16-18:- لاننا لم نتبع خرافات مصنعة اذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح و مجيئه بل قد كنا معاينين عظمته. لانه اخذ من الله الاب كرامة و مجدا اذ اقبل عليه صوت كهذا من المجد الاسنى هذا هو ابني الحبيب الذي انا سررت به. و نحن سمعنا هذا الصوت مقبلا من السماء اذ كنا معه في الجبل المقدس.

لم نتبع خرافات مصنعة = فلو كانت كذلك، أى لو لم نكن متأكدين تمام التأكد مما قلنا، فلماذا نحتمل كل هذه الآلام. إذا كرازتنا بالملكوت ليست من وحى الخيال. وهنا يشير القديس بطرس إلى أنه عاين هو ومن معه عظمة السيد المسيح، هذه التى ظهرت بوضوح على جبل التجلى.

وهذا ما أعلنه أيضا يوحنا الرسول (يو14:1).

أخذ من الله الآب كرامة ومجدا = فالمسيح تجلى أمام بطرس ويعقوب ويوحنا على الجبل المقدس = فتجلى الرب عليه جعله جبلا مقدسا. الصوت مقبلا من السماء = فمجد الرب وكرامته ليسا أرضيين بل سماويين.

 

آية 19:- و عندنا الكلمة النبوية و هي اثبت التي تفعلون حسنا ان انتبهتم اليها كما الى سراج منير في موضع مظلم الى ان ينفجر النهار و يطلع كوكب الصبح في قلوبكم.

إن كنتم فى شك من شهادتنا عن المسيح، فعندكم النبوات فى العهد القديم، وهى شهادات أنبياء شهدوا بها عن المسيح منذ مئات السنين. وهى ثابتة، والكتب فى يد اليهود شاهدة على صدق ما نقول.

إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح فى قلوبكم = كوكب الصبح هو إشارة عن المسيح وإستخدم هذا فى (عد17:24) + (لو78:1) + (رؤ16:22) + (ملا2:4) + (أف14:5). وهذا الكوكب يظهر قبل ظهور الشمس مباشرة. والمعنى أن بطرس يريد أن يقول أنه هو رأى المسيح على جبل التجلى، أما بالنسبة لمن لم يرى فعنده نبوات الأنبياء وهذا كمرحلة مؤقتة حتى يكون للمؤمن الإعلان المباشر لشخص المسيح فى قلبه. وهذا الإعلان يفوق النبوة ويفوق رؤية المسيح بالجسد.

فاليهود رأوا المسيح بالجسد ولم يعرفوه بل صلبوه أما الإعلان الذى فى القلب فهو يعطى اليقين الكامل والإستنارة والفرح والثقة فيه ومحبته.

 

 آيات 21،20:- عالمين هذا اولا ان كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لانه لم تات نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس.

مسوقين = محمولين كما تحمل الريح السفينة وقارن مع (2تى16:3).

ولكن لنفهم أن مفهوم الوحى لدى المسيحيين واليهود هو ليس أن الروح القدس يملى على الكاتب ما يكتب بل:-

3.     هو يعطى الفكرة للكاتب، والكاتب يصيغ ما يكتب بحسب أسلوبه وثقافته وفلسفته وخبراته.

4.     الروح القدس يحمى الكاتب من الوقوع فى أخطاء.

5.     الروح القدس يكشف للكاتب ما هو غامض ومستور (مثلا أحداث الخليقة تك 1).

ليس من تفسير خاص = ليس عن إجتهاد بشرى، بل بوحى من الروح القدس.


 

الإصحاح الثانى

هذا هو الإصحاح المتطابق مع رسالة يهوذا. والتكرار يفيد معنى التحذير من الإنسياق وراء المبتدعين فى الإيمان. فموضوع هذا الإصحاح هو عن ظهور المبتدعين وخطورتهم وأن دينونتهم أكيدة. وغالبا فالبدع التى يشير لها معلمنا بطرس الرسول فى هذا الإصحاح هى الناشئة عن فهم خاطىء لرسائل بولس الرسول كما قال فى الإصحاح الثالث (16،15:3) ولقد قال بولس الرسول مثلا فى تعاليمه أن هناك ما يسمى التبرير وأننا فى عهد الحرية، فأساء هؤلاء المبتدعون فهم أقوال بولس الرسول ونادوا بإنحلال خلقى معتمدين على أن المسيح بدمه يغفر أى خطية، وطالما أن هناك حرية فلنفعل ما نشاء. مع أن بولس أجاب على هذه النقاط فقال "فماذا نقول. أنبقى فى الخطية لكى تكثر النعمة. حاشا. نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها" (رو2،1:6)، "فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الإخوة. غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد..." (غل13:5).

ومن المبتدعين فى تلك الأيام مثلا النيقولاويين والغنوسيين، وهؤلاء وأولئك اباحوا الزنا.

 

آيات 2،1:- و لكن كان ايضا في الشعب انبياء كذبة كما سيكون فيكم ايضا معلمون كذبة الذين يدسون بدع هلاك و اذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على انفسهم هلاكا سريعا. و سيتبع كثيرون تهلكاتهم الذين بسببهم يجدف على طريق الحق.

كما يعمل الروح القدس فى الأنبياء الحقيقيين (2بط21:1)، لا يكف إبليس عن الخداع بأن يعمل فى أنبياء كذبة (أر14:14، 25:23). وبهذا حذر بولس الرسول أساقفة أفسس (اع30:20). وهدف إبليس تشويه الحق. بدع هلاك = فتعاليم هؤلاء ضارة تقود للهلاك. وأساس هرطقاتهم أنهم ينكرون الرب = أى يطعنون فى ألوهيته أو يشككون فى سلطته فيرفضون وصاياه. ويتبع إنحرافهم سقوطهم وراء شهواتهم.

بسببهم يجدف على طريق الحق = إنتشرت أيام الرسل وبعدهم هرطقات تدعو للنجاسة كالنيقولاويين. وبسبب تعاليم هؤلاء الفاسدة جدف غير المؤمنين على المسيحية لأنهم ظنوا أن تعاليم هؤلاء الهراطقة هى تعاليم المسيحية. ينكرون الرب الذى إشتراهم = الرب يسوع المسيح إشتراهم من عبودية إبليس وعبودية الخطية، وبإرتدادهم للخطية هم ينكرون السيد الذى حررهم، وكأنه لم يبذل دمه لأجلهم ولأجل تحريرهم.

أنبياء كذبة = هم الذين يدعون علاقتهم المباشرة بالله وأن تعاليمهم مأخوذة بوحى منه، وهم فى هذا كاذبون.

معلمين كذبة = هم هؤلاء الذين يروجون تعاليم الأنبياء الكذبة.

سيتبع كثيرون تهلكاتهم = الله ليس مطالب بأن ينحاز للأغلبية، بل كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون (مت16:20). وكان هناك ألاف أيام الطوفان ونجا فى الفلك ثمان أنفس فقط. وفى سدوم وعمورة هلك الجميع ونجا 4 أنفس فقط، ثم تحولت إمرأة لوط لعمود ملح بعد ذلك. فلا نضطرب إذا رأينا قليلون هم السائرون فى الطريق الصحيح. وفى هذه الآية نجد كثيرون يهلكون.

 

آية 3:- و هم في الطمع يتجرون بكم باقوال مصنعة الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى و هلاكهم لا ينعس.

هم فى الطمع = هم يطمعون ربما فى أموالهم. ولكن من سياق الحديث نفهم أنهم يطمعون فى شهوات الجسد. يتجرون بكم بأقوال مصنعة = هم يحرفون أقوال الله ليقنعوا المؤمنين غير المتعمقين بأقوالهم وأرائهم النجسة. هم يستخدمون كلاما معسولا عن التبرير بالدم والحرية... الخ لإقناع الناس بأرائهم الفاسدة. لذلك فإن دينونتهم منذ القديم قائمة تنتظرهم.

وفيما يلى نرى دليل إدانة هؤلاء الخطاة.

 

آية 4:- لانه ان كان الله لم يشفق على ملائكة قد اخطاوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم و سلمهم محروسين للقضاء.

طرحهم = الله أدان الملائكة إذ أخطأوا، فمن المؤكد أنه سيدين هؤلاء الأشرار. وقوله طرحهم بصيغة الماضى فيه تأكيد للدينونة.

أخطأوا = إذا هم لم يخلقوا أشرارا، بل خلقوا أبرارا ثم سقطوا.

 

آية 5:- و لم يشفق على العالم القديم بل انما حفظ نوحا ثامنا كارزا للبر اذ جلب طوفانا على عالم الفجار.

العالم القديم = ما قبل نوح والطوفان. نوحا ثامنا = لأن نوح كان معه 7 آخرين، ولقد دخل الفلك آخرهم. كارزا للبر = بلسانه وحياته وببناءه للفلك. فبلسانه إذ كان يؤنب الخطاة على خطيتهم وبحياته إذ كان مثالا للطهارة. وفى بنائه الفلك كان مثالا عمليا لأقواله عن غضب الله على الخطاة وأنه سوف يغرق العالم بطوفان آت قريبا.

والله فى قداسته دان العالم الشرير أيام نوح، وأهلكه بالطوفان، ولم يشفع للعالم كثرة عددهم، بل خلص 8 أنفس فقط. فنفهم رفض الله للخطية، وعدم إنحيازه للأغلبية.

 

آية 6:- و اذ رمد مدينتي سدوم و عمورة حكم عليهما بالانقلاب واضعا عبرة للعتيدين ان يفجروا.

الله فى قداسته رفض خطية سدوم وعمورة وأحرقهما محولا إياهما إلى رماد = رمد. لأن أجرة الخطية موت.

 

آيات 7-9:- و انقذ لوطا البار مغلوبا من سيرة الاردياء في الدعارة. اذ كان البار بالنظر و السمع و هو ساكن بينهم يعذب يوما فيوما نفسه البارة بالافعال الاثيمة. يعلم الرب ان ينقذ الاتقياء من التجربة و يحفظ الاثمة الى يوم الدين معاقبين.

الله فى عقابه لسدوم وعمورة لم ينس لوط وأنقذه، كما أنقذ نوحا وأسرته من قبل أيام الطوفان. فالله لا ينس أبناءه. إذا على المؤمن أن يسلك فى جهاده بنقاوة كما سلك لوط البار ونوح القديس، ويثق فى المساندة الإلهية الجبارة حين يكون الوسط رديئا، فحيثما كثرت الخطية إزدادت النعمة جدا (رو20:5) لقد أنقذ الله لوط ونوح فى حين أهلك معاصروهم الأشرار.

الأردياء = فى أصلها اللغوى الذين يعيشون بلا قانون متحللون من كل شرع أى الفاجرون. مغلوبا من سيرة الأردياء = أى يحيا فى ألم وغيظ وبنفسية مرة فى وسط هؤلاء الأردياء. كلمة مغلوبا تعنى مغتاظا وفى ألم ومحنة.

 

سؤال:- ما الذى جعل لوط يحيا فى هذا الألم؟! ألم يكن من الأسهل أن يغادر المكان ويريح نفسه من هذا الألم؟! الإجابة... أنه هو إختار هذا المكان الجيد الخصب وترك الأرض غير الجيدة لإبراهيم. فهو كان لا يريد أن يفقد هذه الأرض الجيدة وربما أن إمرأته وبناته تعلقوا بهذه الأرض الجيدة ورفضوا مغادرتها. وهذا ما نفهمه من قصة تحول إمرأة لوط لعمود ملح، فهى كانت تنظر لهذه الأرض بشهوة أو فى حسرة لتركها. ينقذ الأتقياء من التجربة = كما أنقذ لوطا ونوحا فالله قادر دائما أن ينقذ أتقياءه وهو يعلم كيف ينقذهم من وسط الآتون.

 

آيات 11،10:- و لا سيما الذين يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة و يستهينون بالسيادة جسورون معجبون بانفسهم لا يرتعبون ان يفتروا على ذوي الامجاد. حيث ملائكة و هم اعظم قوة و قدرة لا يقدمون عليهم لدى الرب حكم افتراء.

هى تكملة آية 9 التى قال فيها... ويحفظ الآثمة. معاقبين ويكمل هكذا.... ولا سيما الذين يذهبون وراء الجسد = أى منساقين وراء شهواتهم الفاسدة. ونلاحظ أن الله لم يخلق الجسد فاسدا، بل خلقه فى أحسن صورة ولما خلق آدم وجد أن كل شىء حسن جدا (تك31:1). وكان لآدم شهوة مقدسة، أى أنه كان يحب الله، ومحبته لله جعلته فى فرح، إذ كان فى جنة عدن، وعدن = تعنى فرح وإبتهاج. ولما سقط آدم تشوهت شهوته، فصار يشتهى العالم (مال ومراكز وجنس وسلطة...) فصار يحيا فى غم. وكل من ذهب وراء شهواته قيل عنه أنه ذهب وراء الجسد، فالجسد صار الأداة التى تحقق الشهوات الفاسدة.

والمسيح بعد الفداء صعد إلى السماء وأرسل لنا الروح القدس الذى حل علينا ليصلح الوضع، فسكب محبة الله فى قلوبنا (رو5:5) وبهذا تقدست شهواتنا، ورجعنا للحالة الفردوسية الأولى أى الفرح، لذلك نجد أن ثمار الروح القدس هى محبة فرح سلام (غل22:5).

فمن يسلك بالروح هو الذى تخضع روحه للروح القدس، فيقود الروح القدس الروح الإنسانية، والروح الإنسانية تقود الجسد فيتجه الإنسان للسماويات وكلما ينمو الإنسان فى النعمة، ويخضع للروح القدس الذى يسكب محبة الله فيه تتقدس شهواته ويقول مع بولس الرسول "لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح.." (فى23:1). والعكس فالإنسان الشهوانى الجسدانى الذى قال الرسول عنهم هنا يذهبون وراء الجسد، هذا الإنسان غير خاضع للروح القدس بل يعاند الروح القدس ويقاومه، وشهواته فقط هى التى تقود جسده.

وهؤلاء قال عنهم أنهم يستهينون بالسيادة = وجاءت كلمة السيادة فى ترجمات أخرى (Government بمعنى حكومة أو توجيه أو سيطرة) أو (من لهم السلطة Authority). والمقصود الرياسات الكنسية. فهؤلاء الجسدانيون يستهينون بالرياسات الكنسية ويهاجمونهم ويدينونهم ويتكلمون عليهم، والهدف من وراء ذلك هو الهجوم على الإيمان الصحيح والمعتقدات الصحيحة التى ينادى بها الرياسات الكنسية. فلهدم الإيمان الصحيح، هم يهاجمون الرياسات الكنسية ويعلمون الناس الإستهانة بهم لترويج معتقداتهم الفاسدة. وما السبب وراء كل ذلك = هم معجبون بأنفسهم = هم متكبرون معجبون بأفكارهم، لا يقبلون الخضوع لما تسلمته الكنيسة جيلا بعد جيلا، بل هم لا يرتعبون أن يفتروا على ذوى الأمجاد (ترجمت Glorious ones وترجمت Dignities أى أصحاب المناصب) فهؤلاء الرياسات الكنسية والمناصب الكنسية لهم قطعا أمجاد فهم خدام الله. وهؤلاء الأشرار لم يقتدوا بالملاك ميخائيل الذى لم ينتهر الشيطان بنفسه، بل ترك الحكم والدينونة لله بالرغم من ثبوت خطية الشيطان

(شرح هذه النقطة فى رسالة يهوذا). والملائكة فى هذا يطبقون قول السيد المسيح حرفيا " لا تدينوا " فإذا كان الملائكة وهم أعظم قوة وقطعا أكثر طهارة وبر ومعرفة، لا يدينوا الرياسات الكنسية = لا يقدمون عليهم لدى الرب حكم إفتراء، فكيف يجرؤ هؤلاء على هذا.

حقا إن وراء كل هرطقة كبرياء أو إعجاب بالذات.

 

آية 12:- اما هؤلاء فكحيوانات غير ناطقة طبيعية مولودة للصيد و الهلاك يفترون على ما يجهلون فسيهلكون في فسادهم.

كحيوانات غير ناطقة = أى يسلكون بحسب غريزتهم الطبيعية أى شهواتهم، دون أدنى محاولة للتسامى أو الضبط لهذه الشهوات، بل هم مندفعون وراء شهواتهم.

يفترون على ما يجهلون = المبتدعين ليس فقط يجهلون الأمور بل يجهلون أن من يهاجمونهم لهم هذا المجد عند الله، لذلك هم فى تجاسر يفترون مقاومين الحق. وهؤلاء سبب هلاكهم ليس خارجا عنهم بل هم سيهلكون فى فسادهم = أى هم أسلموا أنفسهم بأنفسهم للهلاك، هم صاروا كالحيوان الذى يدخل المصيدة برجليه (هم يضعون للحيوان قطعة لحم فى المصيدة ليصطادوه، لأنه سيدخل بدافع شهوته وراء اللحم، لكن دخوله سيكون لهلاكه) وهؤلاء إنجذبوا وراء شهوتهم كما إنجذب الحيوان وراء اللحم، ولكن هم ذاهبون وراء هلاكهم. مولودة للصيد = هم يهلكون لأن عقولهم تسحبها الشهوات كما تسحب الخيول الجامحة راكبيها. أما الإنسان فقد خلق الله له عقلا ليفكر ويعيش مع الله، العقل يعينه فى أن تكون له علاقة مع الله.

 

آية 13:- اخذين اجرة الاثم الذين يحسبون تنعم يوم لذة ادناس و عيوب يتنعمون في غرورهم صانعين ولائم معكم.

آخذين آجرة الإثم = أجرة الخطية موت، وهؤلاء سيهلكون فى فسادهم.

الذين يحسبون تنعم يوم لذة = هم يفرحون بلذة مؤقتة يحسبونها نصيبهم متجاهلين السعادة الأبدية الدائمة. والمقصود بيوم = قصر عمر اللذة.

أدناس = هم أدناس فى ذواتهم. وعيوب = أصلها اللغوى نقط سوداء فهم فى حقيقتهم شىء مشوه. وهم يتصرفون بخداع كإبليس = صانعين ولائم معكم = كانت الكنيسة تقيم بعد القداسات ولائم محبة، وهؤلا قلدوا الكنيسة بإقامة ولائم لخداع الناس بأنهم أعضاء فى الكنيسة.

 

آية 14:- لهم عيون مملوة فسقا لا تكف عن الخطية خادعون النفوس غير الثابتة لهم قلب متدرب في الطمع اولاد اللعنة.

لهم عيون مملوءة فسقا = تشير لمن يبحث دائما عن إمرأة ليزنى معها، فمن يستهين بكل شىء ويعيش فى إباحية تصير عيناه مملوءة فسقا أى زنا ويفقد البساطة، وتصير عيناه مظلمتين لا تريان إلا ما هو شر = لا تكف عن الخطية. خادعون النفوس = بألفاظ منمقة تسمى الخطية حرية. ولكن لا ينخدع بهم سوى النفوس غير الثابتة. لهم قلب متدرب فى الطمع = قلب لا يشبع من الشهوات، ويطمع حتى فى إمرأة أخيه. وقد تعنى أيضا الطمع فى المال، ولكن سياق الكلام يشير للطمع فى شهوات الجسد.

أولاد اللعنة = إذ هم يسعون وراء إنحراف الناس عن إيمانهم البسيط.

 

آيات 16،15:- قد تركوا الطريق المستقيم فضلوا تابعين طريق بلعام بن بصور الذي احب اجرة الاثم. و لكنه حصل على توبيخ تعديه اذ منع حماقة النبي حمار اعجم ناطقا بصوت انسان.

بلعام بن بصور = بصور هى القراءة الكلدانية للإسم العبرانى بعور، فاليهود ينطقونه بعور. وربما قصد الرسول إستخدام الإسم بالكلدانية إذ أن بصور تعنى جسد، وكانت مشورة بلعام خاصة بإسقاط شعب إسرائيل فى خطية الزنا مع بنات موآب حتى يلعنهم الله ويغضب عليهم، وحصل على أجرة فى مقابل مشورته هذه = أحب أجرة الإثم إذا قوله بلعام بن بصور (جسد) تعنى هؤلاء السائرين وراء الجسد (آية 10) هؤلاء الشهوانيون كانوا فى الطريق المستقيم يوما ما، لكنهم إنحرفوا وراء شهواتهم الجسدية التى أغلقت عقولهم، كما إنغلق عقل بلعام فوبخه حمار. راجع قصة بلعام فى سفر العدد (22-25). وإشارة الرسول لأن حمار بلعام قد نطق تعنى أن هؤلاء الشهوانيون سقطوا من درجة فهمهم للأمور إلى درجة أقل من هذا الحمار

 

آية 17:- هؤلاء هم ابار بلا ماء غيوم يسوقها النوء الذين قد حفظ لهم قتام الظلام الى الابد.

هذه اللذات الجسدية مخادعة، قد تبدو لمن هم من خارج أنها مشبعة، وأنها مغرية وأنها وأنها... ولكن حين يسقط فيها الإنسان تتحول حياته لمرار. لذلك شبه الرسول هذا بقوله عمن يدعو لهذه الشهوات الجسدية بأنهم هم أبار بلا ماء = لهم مظهر خارجى مخادع، أو يدعون أن ما يدعون الناس له هو مصدر سعادة لهم، لكن من يأتى لهذه الخطايا يكون كظمآن أتى لبئر لا يجد فيها ماء، فهو لن يجد فيها سعادة أو فرح إطلاقا، ربما سيجد لذة لحظة، لكن سيعقبها حزن وتعاسة بقية العمر. وبنفس المعنى يقول تشبيه آخر غيوم يسوقها النوء = هى غيوم يفرح بها الفلاح الذى ينتظر المطر، لكن سرعان ما تحملها الرياح دون أن تمطر، فهى بلا خير، بل هى تمنع نور الشمس.

وسينكشف حقيقة هؤلاء فى الأبدية حيث حفظ لهم قتام الظلام، خلاصة هذه الآية أن هؤلاء فى حقيقتهم ما هم إلا مخادعون، يدعون الناس لما فيه شبعهم وسعادتهم (أى الخطية) ولكن حين ينفذ الناس ما يقولونه لهم لا يشعرون بسعادة أو بشبع. هم إذا أبار بلا ماء...

 

آية 18:- لانهم اذ ينطقون بعظائم البطل يخدعون بشهوات الجسد في الدعارة من هرب قليلا من الذين يسيرون في الضلال.

هنا تشبيه آخر أو وصف آخر لخداعهم، فهم ينطقون بعظائم البطل كلمة عظائم فى اليونانية تشير إلى شىء يبدو أكبر مما هو فى الواقع. وفى الحقيقة فإن ما ينطقون به هو باطل وفراغ كاذب، فوراء مظهرهم الذى يشير للمعرفة لا يوجد شبع للناس ولا سعادة، أى لا جوهر حقيقى.  يخدعون بشهوات الجسد = هم يعلمون سامعيهم أن يشبعوا رغائب الجسد غير المقدسة. هم يدعون فى كبرياء أنهم ذوو معرفة وحكمة.

يقدمون أمالا عظيمة وكلمات براقة عن الحرية التى أعطاها لنا العهد الجديد. وفى الحقيقة فكل فلسفتهم هى إنقياد وراء شهواتهم الباطلة.

ولكن من الذى ينساق وراءهم؟ من هرب قليلا من الذين يسيرون فى الضلال أى حديثى الإيمان الذين هربوا من الوثنية عن قريب، هؤلاء كانوا ما زالوا لم يعرفوا المسيح ويختبروه حقيقة. هم كانوا مازالوا فى سطحية الإيمان لم يدخلوا إلى العمق. لذلك قال المسيح "ادخلوا إلى العمق" (لو4:5).

والعمق هو عمق المعرفة والحب والإتحاد الحقيقى مع المسيح والثبات فيه.

أما هؤلاء السطحيين حينما يسمعون دعوة المعلمين الكذبة بالحرية المزيفة يصدقونهم غير عالمين أن هذا هو عين العبودية، وهكذا بعد أن إختبر الهروب من نجاسة العالم بمعرفة الرب المخلصة إرتبك فيها من جديد وإنغلب من شهوته. وفى هذا النص نرى إمكانية إرتداد المؤمن وهلاكه بعد أن إختبر المسيح ونعمته. لذلك علينا أن نجتهد ونسلك بأمانة وحرص وندخل بجهادنا إلى العمق لنخلص.

 

آية 19:- واعدين اياهم بالحرية و هم انفسهم عبيد الفساد لان ما انغلب منه احد فهو له مستعبد ايضا.

الحرية فى مفهوم هؤلاء هى تحرر من الناموس وسلطانه، ما دامت النعمة تغفر، ولكن هذه ليست حرية بل عبودية للشهوة والخطية. كلمة الحرية التى يستخدمها هؤلاء هى كلمة براقة تخدع المبتدئين. وكما قال السيد المسيح "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو34:8)، والقديس بولس الرسول قال "فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الإخوة. غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد" (غل13:5)، ومن ضمن الحريات الكاذبة الدعوة للتحرر من الترتيبات الكنسية كالأصوام والإعتراف.

 

آيات 20-22:- لانه اذا كانوا بعدما هربوا من نجاسات العالم بمعرفة الرب و المخلص يسوع المسيح يرتبكون ايضا فيها فينغلبون فقد صارت لهم الاواخر اشر من الاوائل. لانه كان خيرا لهم لو لم يعرفوا طريق البر من انهم بعدما عرفوا يرتدون عن الوصية المقدسة المسلمة لهم. قد اصابهم ما في المثل الصادق كلب قد عاد الى قيئه و خنزيرة مغتسلة الى مراغة الحماة.

لأنه إذا كانوا = يقصد الذين وقعوا فى فخاع العدو بعد ما هربوا = أى بعد ما آمنوا وصار لهم المسيح مخلصا وأعطاهم حياة جديدة إرتدوا للنجاسات الأولى....فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل... لماذا؟

1.     بعد أن عرفوا المسيح وآمنوا وتابوا وإعتمدوا وعرفوا الحياة الطاهرة، تصير خطيتهم أكبر بسبب معرفتهم، أما خطاياهم قبل الإيمان فكانت عن جهل. وقد يكون لهم عذر فيها لجهلهم، أما بعد إيمانهم فخطيتهم أصبحت تعدى.

2.     جحودهم لما حصلوا عليه من نعمة ومواهب.

3.     بعد أن إعتمدوا وخرج منهم الروح الشرير، إذ إرتدوا يعود لهم ومعه سبعة أرواح آخرين أشر منه (مت45:12) + (لو26:11).

4.     من سقط وله معرفة لا يعود ينصت بعد إلى من يرشده أو يعظه.

الوصية المقدسة المسلمة لهم = فى الناموس وبتعليم الرسل، وبالروح القدس الذى كتبها على قلوبهم (أر33:31).

المثل الصادق = إقتبس القديس بطرس هذا المثل من (أم11:26) وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحمأة = ربما كان هذا مثلا منتشرا أيام الرسول، أو هو إضافة من عنده. والمراغة هى مكان التمرغ. والحمأة هى الطين الأسود الذى تتمرغ فيه الخنازير.


 

الإصحاح الثالث

هذا الإصحاح يرد على التعاليم التى ينادى بها الماديين الذين ينادون بثبات الخليقة ودوامها، أى أن الخليقة هى هكذا منذ الأزل. وجدت هكذا بلا بداية، لم يخلقها أحد. هى أزلية وستدوم إلى الأبد. والرسول هنا يؤكد أن الرب آت فى مجيئه الثانى فى ملء الزمان، وأن السماء والأرض ستزولان، وهذا دافع لنا حتى نتوب ونعمل أعمالا صالحة. عموما فإن تغير الكون حولنا مثل إزدياد البقع الشمسية (إنطفاء أجزاء من الشمس نتيجة برودتها). وتحول المواد المشعة إلى رصاص. هذا التغير يفيد ويثبت أن الأرض والكون حولنا يتغير، إذا هو ليس هكذا منذ الأزل. وهو سيتغير إلى صورة أخرى مع الوقت.

 

آيات 2،1:- هذه اكتبها الان اليكم رسالة ثانية ايها الاحباء فيهما انهض بالتذكرة ذهنكم النقي. لتذكروا الاقوال التي قالها سابقا الانبياء القديسون و وصيتنا نحن الرسل وصية الرب و المخلص.

رسالة ثانية = إذا هى موجهة لنفس الأشخاص الذين وجهت لهم الرسالة الأولى. الأقوال التى قالها الأنبياء.... نحن الرسل... الرب = هذه الآية تشير لوحدة الوحى، فما قاله الأنبياء، قاله الرسل وقاله الرب نفسه عن حتمية المجىء الثانى، وعن ظهور معلمين كذبة يسلكون حسب شهواتهم الخاصة، وهؤلاء يشككون فى عقيدة مجىء الرب الثانى. بينما أن هذه العقيدة تدفع لتوبة كثيرين.

1.     نبوات الأنبياء عن المجىء الثانى     مثلا (ملا5:4) + (يؤ12:3-21).

2.     ما قاله الرسل والتلاميذ                مثلا (1تس2:5-4) + (كو4:3).

3.     ما قاله الرب نفسه                     مثلا (مت26:24-28+31:25) + (مر26:13-36).

 

آيات 4،3:- عالمين هذا اولا انه سياتي في اخر الايام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات انفسهم. و قائلين اين هو موعد مجيئه لانه من حين رقد الاباء كل شيء باق هكذا من بدء الخليقة.

قبل مجىء الرب ستنتشر ضلالات كثيرة، ويقوم أناس مستهزئين تدفعهم شهواتهم الخاصة لإنكار مجىء المسيح وإنكار الدينونة والقيامة، وطالما لا دينونة ولا قيامة فلنندفع وراء شهواتنا. ويقول القديس أغسطينوس أنه وراء كل إلحاد شهوة، لكى يهدىء الإنسان ضميره ويستبيح لنفسه أن يفعل هواه. كل شىء باق هكذا = المقصود أنهم يتصورون أنه لن يكون هناك مجىء ثان، ولا نهاية لتلك الأرض، بل أن الأرض موجودة وثابتة هكذا منذ الأزل وستستمر للأبد، وأنه لا خالق لها، بل هى وجدت هكذا. وطالما أنه لا خالق، إذا فلا دينونة

والآن قد لا ننكر المجىء الثانى والدينونة، ولكن حرب إبليس ضدنا هى أنه يجعلنا ننسى لحظة الموت أولا نفكر فيها، بينما أنها قد تكون أقرب مما نتصور.

 

الآيات 5-7:- لان هذا يخفى عليهم بارادتهم ان السماوات كانت منذ القديم و الارض بكلمة الله قائمة من الماء و بالماء. اللواتي بهن العالم الكائن حينئذ فاض عليه الماء فهلك. و اما السماوات و الارض الكائنة الان فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها محفوظة للنار الى يوم الدين و هلاك الناس الفجار.

هذا يخفى عليهم بإرادتهم = الله لا يحجب الحقيقة عن أحد، لكن من أعمت الشهوة عينيه، فهو لا يريد ولا يهتم أن يعترف بالحقيقة، بل هو يفضل تصديق ضلالاته. ولا يريد أن يعترف بكلمة الله المعلنة فى كتابه المقدس.

قائمة من الماء = إذ أن الأرض خرجت وظهرت من تحت الماء الذى كان يغمرها (تك9،7:1). وكون أنها كانت مغمورة بالماء ثم ظهرت إذا هى تتغير وليست كما يقولون "كل شىء باق هكذا من بدء الخليقة" (آية 4).

وبالماء = لا حياة بدون ماء. لا حياة لخليقة ما بدون ماء. ولكن هذا الماء إستخدمه الله للدينونة، ففى الطوفان أهلك الماء الخليقة. إذا وراء الخليقة ديان عظيم قادر أن يبيدها وقد فعل هذا مرة وبالماء. الآن نرى أن الخليقة تتغير وليست ثابتة. إذا وراء هذا خالق يتحكم فيها. بل أن هذا الخالق أهلكها وأدانها يوما ما.

إذا الخليقة ليست أزلية، بل هى أيضا معرضة للدينونة. إن وراء خلق الأرض ووراء هلاكها خالق عظيم وديان عظيم لخليقته.

وهلاك الأرض بالطوفان هو نموذج لهلاك الأرض مرة أخرى فى أيام النهاية ولكن سيكون ذلك بنار الدينونة = محفوظة للنار هذا الإهلاك بالنار قد تم سابقا فى سدوم وعمورة، وليس غريبا أن يحدث لكل العالم يوما ما.

وكما تجددت الخليقة بعد الطوفان، هكذا ستخرج أرض جديدة وسماء جديدة بعد أن تنتهى وتزول السماء والأرض اللتان نعرفهما الآن (رؤ1:21) + (إش17:65).

السموات والأرض.. كانت بكلمة الله... وبالماء... اللواتى بهن العالم الكائن حينئذ فاض عليه الماء = اللواتى بهن يقصد بكلمة الله وبالماء. هو قرار إلهى أن يفيض الماء  ليهلك الأرض. إذن من يقول أن الأرض ثابتة فليذكر أن الله أهلكها قديما بالرغم من أن الناس أيام نوح لم يصدقوا هذا. مخزونة = هذه النار مخزونة، ولو أطلقها الله الآن لأحرقت الكون، لكنها مخزونة ليوم الدينونة، هى نار الدينونة = لهلاك الناس الفجار. بتلك الكلمة عينها = أى  بقرار من الله ضابط الكل والنار المخزونة قد تكون نيران براكين ستنفجر يوما ما، وقد تكون نيران الأسلحة المخزونة لدى الدول أو أى نيران أخرى يخزنها الله، لإزالة وإبادة صورة الأرض التى لعنها الله بسبب الخطية.

السموات والأرض بكلمة الله قائمة =

1.     الهواء المحيط بالأرض خرج من باطن الأرض التى كانت مغطاة بالمياه. وهذا ما سمى بالجلد "وقال الله ليكن جلد فى وسط المياه" (تك6:1). فالسماء هنا مقصود بها الجلد.

2.     المياه هى مصدر الحياة لكل طيور السماء.

3.     عند الفيضان هلكت كل طيور السماء بسبب إرتفاع المياه خمسة عشر ذراعا فوق الجبال.

 

الآيات 8-10:- و لكن لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد ايها الاحباء ان يوما واحدا عند الرب كالف سنة و الف سنة كيوم واحد. لا يتباطا الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتانى علينا و هو لا يشاء ان يهلك اناس بل ان يقبل الجميع الى التوبة. و لكن سياتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج و تنحل العناصر محترقة و تحترق الارض و المصنوعات التي فيها.

هؤلاء الهراطقة يسخرون قائلين " إن المسيح قال أنه سيأتى ثانية، وهكذا قال الرسل، فلماذا لم يأتى ؟ إذن هو لن يأتى. يوما واحدا عند الرب كألف سنة = هذه مقتبسة من (مز4:90) ولكن ليس معنى هذا أن الله لا يفرق بين يوم واحد وبين ألف سنة، بل تعنى أن الله غير زمنى ويحيا خارج الزمن بينما أن الإنسان زمنى. ولشرح هذا تصور أن إنسان ألقى نظرة على لوحة مرسومة، فهو لن يعرف أى الأجزاء رسمت أولا وأيها رسم مؤخرا. هذا هو بالضبط معنى أن الله لا زمنى، فالأحداث التى حدثت فى الماضى وما تحدث الآن وما سوف يحدث فى المستقبل، كلها مرسومة أمامه، واضحة أمامه، هو يعرف الماضى ولا يتعجل حدوث المستقبل وتصور إنسان يشاهد لوحة ترسم أمامه، هو يعرف ما تم رسمه ولا يعرف ماذا سيحدث فى المستقبل، وربما هو يتعجله أو هو خائف منه هذا هو موقف الإنسان الزمنى.

هذه الفروق بين يوم وألف سنة لا تؤثر على مخططات الله، أما الإنسان فلأنه يحيا ويخضع للزمان فهو يتعجل الأمور. وبهذا المنطق نفهم أن أيام الخليقة ليست يوما عاديا 24 ساعة.

وإذا كان الله غير خاضع للزمن فلا يجب أن نطلق على تصرفاته التباطؤ، بل هو يعطى بطول أناته فرصة للكثيرين أن يتوبوا.

وبنفس المفهوم فالله وعد آدم وحواء بنسل يخلص البشر، وحواء تصورت أن قايين هو النسل الموعود، ولكن النسل الموعود أتى بعد ألاف السنين، وفى ملء الزمان أى أنسب وقت يراه الله لذلك وبنفس المفهوم يقول السيد فى سفر الرؤيا أنا آتى سريعا (رؤ20:22) ولم يأتى حتى الآن.

والله سيأتى ولكنه سيأتى فجأة كلص فى الليل = لذلك علينا أن نستعد.

وكما كانت هناك فترة بين الإنذار بالطوفان ومجىء الطوفان تقدر بحوالى 120 سنة، هكذا هناك فترة بين المجىء الأول والمجىء الثانى، هى فترة يمكن فيها التوبة وبعدها لا توجد فرص للتوبة.

تنحل العناصرمحترقة = كان هناك إعتراضا علميا على هذه العبارة بعد أن حدد علم الكيمياء معنى كلمة عنصر. ولكن جاءت التفجيرات الذرية لتثبت إمكانية أن تنحل العناصر محترقة. وكلمة العناصر فى أصلها اللغوى تشير إما للعناصر التى يتكون منها الكون أو إلى الأجرام السماوية. المهم أن هيئة هذا العالم ستزول ليخرج منها سماء جديدة وأرض جديدة.

ويوم الرب سيأتى كلص للأشرار، ولكن يوم عرس أبدى للأبرار.

 

آية 11:- فبما ان هذه كلها تنحل اي اناس يجب ان تكونوا انتم في سيرة مقدسة و تقوى.

إذا كان الله سيحرق الأرض والسماء، وهى كائنات غير عاقلة، فماذا سيكون نصيب الأشرار الذين يخطئون وهم يعرفون ماذا يفعلون.

 

آية 12:- منتظرين و طالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة و العناصر محترقة تذوب.

إذا سلكنا فى البر لن نخاف من يوم مجىء الرب، بل سننتظر مجيئه بفرح وإشتياق قائلين "آمين تعال أيها الرب يسوع" (رؤ20:22).

 

آية 13:- و لكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة و ارضا جديدة يسكن فيها البر.

حين يأتى المسيح سيكون هناك كل شىء جديد (رؤ1:21) + (إش16:65) ويسود البر ولا تعود هناك خطية.

 

آية 14:- لذلك ايها الاحباء اذ انتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس و لا عيب في سلام.

هذا الرجاء يدفع الكنيسة للجهاد والمثابرة على أن تحيا فى بر وأعمال صالحة، حتى تتحد بعريسها فى ذلك اليوم (رؤ2:21).

 

آيات 15-16:- و احسبوا اناة ربنا خلاصا كما كتب اليكم اخونا الحبيب بولس ايضا بحسب الحكمة المعطاة له. كما في الرسائل كلها ايضا متكلما فيها عن هذه الامور التي فيها اشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء و غير الثابتين كباقي الكتب ايضا لهلاك انفسهم.

واضح أن رسائل بولس الرسول كانت منتشرة وقد قرأها بطرس الرسول ولنلاحظ الآتى:-

1-    بطرس قرأ ما قاله بولس عن توبيخه لبطرس (غل12،11:2) ومع هذا يدعوه أخونا الحبيب. ومن هذا نرى المحبة التى سادت كنيسة الرسل بالرغم من وجود خلافات.

2-    فى إنتظارنا لمجىء الرب علينا أن ندرس الكتاب غير معتمدين على فهمنا الخاص حتى لا نخطىء كما أخطأ هؤلاء، فهناك أقوال صعبة تحتاج لمن يفسرها = أشياء عسرة الفهم.

3-    قال بولس أن طول أناة الله إنما يقتادنا إلى التوبة (رو4:2) = إحسبوا أناة ربنا خلاصا كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس.

4-    أشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء = هذه إشارة إلى

أ‌.        من فهم أن الإيمان كاف للخلاص فإندفع فى طريق الشر متصورا أن إيمانه سيكون كافيا لخلاصه، وعلى هذه الهرطقة، رد القديس يعقوب الرسول فى رسالته.

ب‌.    على من تصور أن مجىء المسيح على الأبواب فإمتنع عن العمل كما فعل أهل تسالونيكى فوبخهم بولس نفسه فى رسالته الثانية لهم.                       

5-    من يسىء فهم الكتاب المقدس ويفسره على هواه، رافضا تعاليم الآباء وتفاسيرهم، فهذا يؤدى به لهلاك نفسه = لهلاك أنفسهم

 

آية 17: -فانتم ايها الاحباء اذ قد سبقتم فعرفتم احترسوا من ان تنقادوا بضلال الاردياء فتسقطوا من ثباتكم.

فتسقطوا من ثباتكم = هذه تشير لإمكانية سقوط المؤمن بعد أن كان ثابتا.

 

آية 18:- و لكن انموا في النعمة و في معرفة ربنا و مخلصنا يسوع المسيح له المجد الان و الى يوم الدهر امين.

 إنموا فى النعمة = أى فى كل فضيلة مسيحية، ليس فقط أن لا تسقطوا بل إنموا إلى الأمام، وفى النمو ضمان لعدم الرجوع إلى الوراء (كسيارة تصعد منحدر) فمن لا ينمو ينقص

 

الصفحة الرئيسية