رسالة كولوسى

 

كنيسة السيدة العذراء بالفجالة

 

 

المقدمة. 1

الإصحاح الأول. 7

الإصحاح الثانى. 19

الإصحاح الثالث.. 33

الإصحاح الرابع. 43

 


 

المقدمة

كولوسى مدينة صغيرة فى مقاطعة فريجية بآسيا الصغرى (تركيا)، على نهر ليكوس، وعلى بعد 12 ميلاً من لاودكية (وادى ليكوس يضم كولوسى وأفسس وهيرابوليس ولاودكية). وكانت كولوسى على الطريق التجارى الممتد من الشرق (وادى الفرات) إلى الغرب (أفسس) وكولوسى تقع على بعد 160كم شرق أفسس، وعلى بعد نحو24 كم جنوب شرق لاودكية.

 

نشأت الكنيسة هناك غالباً على يدى أبفراس تلميذ بولس الرسول (كو1 : 8،7) وأبفراس آمن غالباً على يدى بولس الرسول (أع 19 : 10). ولقد بشر بولس فى أفسس، وبالطبع عرف المسيح على يدى بولس بعض سكان كولوسى القريبة من أفسس، ورأوا معجزاته  (أع 19: 10، 11، 26). كما خدم بكولوسى كثير من أصدقاء الرسول وأولاده الروحيين الذين آمنوا بواسطته مثل أرخبس. وربما زار بولس كولوسى فى أثناء رحلته التبشيرية الثالثة (أع18: 23 + كو4:1 + كو1:2).

 

أبفراس : هو أختصار إسم أبفرودتس. وهو الذى بشر فى كولوسى ولاودكية وهيرابوليس، وأُسرَ بعد ذلك مع بولس (فل23).

 

تاريخ كتابتها : كتبها بولس الرسول أثناء سجنه الأول فى روما (كو3:4، 10، 18) وكتب معها فى نفس الفترة رسائل أفسس وفيلبى وفليمون. ومدة الأسر الأول فى روما كانت من سنة 62م إلى سنة 63م.

 

غاية الكتابة : جاء أبفراس لبولس يستشيره فى أمور إيمانية، فلقد ظهر بعض المبتدعين من:

 1) المتهودين                                          2) الغنوسيون

فالمتهودون دعوا المؤمنين للعودة إلى التهود ولأعمال الختان وحفظ يوم السبت وأعمال الناموس والإمتناع عن بعض الأطعمة. هؤلاء أرادوا أن تكون المسيحية طائفة من طوائف اليهودية. وهؤلاء كان رد الرسول عليهم بأن الخلاص لا يتم سوى بدم المسيح، وأن المسيح هو واهب كل شىء لكنيسته، وهو مصدر الكمال، إذاً إدعى المتهودون أن الناموس شرط للخلاص.

الغنوسية : هى فلسفة عقلية أنتشرت فى القرن الأول ولكنها أخذت إسمها (غنوسية) فى القرن الثانى، وكلمة غنوسية مشتقة من كلمة يونانية هى نوسيس، ومنها KNOW الإنجليزية ومعناها علم أو معرفة. وهى تعتمد على أفكار الإتكال على الفكر البشرى دون الإيمان، وتطلب عبادة الملائكة. لذا جاء الحديث عن المسيح كرأس الكنيسة وواهب كل شىء لكنيسته وهو مصدر كمال الكنيسة. 

 

والغنوسية هى خليط من الفلسفة اليونانية والتصوف الشرقى (وهذا إبتدعته جماعة يهودية إسمها الأسينية، فهم دعوا للتقشف والزهد وعدم الزواج وإحتقار المال، وهؤلاء شككوا فى القيامة).

 

والغنوسيون قالوا إن المادة شر والروح  خير، لذلك أثاروا سؤالاً.. كيف يخلق الله الكامل، الشر.. ؟ أو كيف يتصل بالمادة والشر الموجود فى العالم ؟ وإذا لم يكن الله هوالخالق للشر، فهناك إله للخير وإله للشر. ولكن طالما أن هناك إلهاً واحداً، فلقد إبتدع الغنوسيون فكرة عجيبة هى أن الله يُظِهر نفسه بأن ينبثق منه نبته إلهية أسموها "أيون". وهذه النبتة الإلهية تنشىء نبته أخرى من ذاتها "أى أيون أخر" ولكن فى درجة أقل وهكذا كلما إبتعدت الأيونات عن الله يضعف الجوهر الإلهى فيها وينحطون فى المرتبة بالتدريج، حتى تمكن الملاصقة أخيراً مع المادة وتتولد الخليقة. لذلك هم يقولون أن هناك أنساباً، عبارة عن سلم يبدأ بالكائن الأعظم وينزل خلال وسائط كثيرة (أى الأيونات) وهذه تنتهى بالسيد المسيح. وكأن المسيح هو الوسيط الأول للإنسان، وبهذا فهم ينكرون ألوهية السيد المسيح.

 

والغنوسيون يعتبرون أنه بالمعرفة العقلية، أى بالإعتماد على العقل البشرى فقط يستطيع الإنسان أن يتعرف على الله خلال تفكيره العقلانى المجرد. وبمعنى آخر يتجاهلون أو يقللون من شأن الإعلان الإلهى خلال كلمة الله ونعمة الله. والمسيح كوسيط أول للإنسان يدخل به خلال المعرفة إلى الأيون الأعظم من المسيح، وهذا الأيون الثانى يقدم له معرفة جديدة ليدخل به إلى من هو أعظم، وهكذا حتى نصل للكائن الأعظم (الله). ففى نظرهم أن الإنسان يصل إلى الله عن طريق العقل والمعرفة وليس عن طريق السيد المسيح، وبهذا فإن الخلاص يكون بالمعرفة وليس بالمسيح. فرد عليهم الرسول بأن الخلاص يكون بدم المسيح (كو1 :20،14) وأظهر فى (كو9:2) أن المسيح هو الله نفسه، إذ قال "إنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً". ونتيجة تجسد المسيح إذ أخذ جسداً بشرياً صرنا "مملوؤون فيه" (كو10:2). وإذا كنا نحن مملوءين فيه صار المسيح لنا مصدر كل معرفة، لذلك فالرسول يطلب لهم إزديادهم فى المعرفة عن طريق المسيح رأس الكنيسة (كو9:1) ويضيف الرسول أن هناك وسيطاً واحداً هو المسيح بين الله والناس (1تى5:2). وفى إشارة لأن المعرفة والفهم مصدرهما الروح القدس يقول فى (كو9:1) "أن تمتلئوا من معرفة مشيئته فى كل حكمة وفهم روحى" (أى أن الروح القدس هو مصدر هذه الحكمة والفهم الروحى). ومن (9:1 + 9:2،10) نفهم أن الروح القدس يملأنا من الحكمة والفهم الروحى نتيجة أننا متحدون بالمسيح، فالروح ينسكب أصلاً على المسيح، وبالتالى على من يتحد بالمسيح.

 

ولأنهم يعتقدون أن المسيح هو وسيط بين وسطاء كثيرين بين الله والناس دعوا إلى عبادة الملائكة كوسطاء ومُخلَّصين، وقالوا أنه من الإتضاع أن لا نعبد الله مباشرة، بل نعبد الملائكة (18:2). والرسول يرد فى هذه الآية (18:2) ويقول فى (كو10:1) أن المسيح هو رأس كل رياسة وسلطان. أما الملائكة الساقطون فهؤلاء هم الرؤساء والسلاطين الذين جردَّهم المسيح من قوتهم بصليبه (15:2).

 

وإعتقد الغنوسيون فى علم التنجيم وأن الكواكب تسيطر على مصير البشر المحتوم، فهاجم هذا الفكر وأسماه أركان العالم (8:2).

 

عموماً فالرسول ينبه أهل كولوسى لأن ما سمعوه من أبفراس هو كلمة حق الإنجيل 5:1 وأن كل ما يسمعوه من المتهودين أو الغنوسيين ليس بحق (4:2).

 

ولأن المعرفة فى نظر الغنوسيين هى الوسيلة الوحيدة للتعرف على الله، فلقد وضعوا نظريات حتى تزداد المعرفة، وهذه النظريات تتلخص فى التحرر من المادة بكونها شراً، وذلك بالممارسات النسكية. وإعتبار بعض الأطعمة نجاسة، بل إعتبار العلاقات الزوجية نجاسة. والعجيب أنهم بينما منعوا الزواج، أباحوا الخلاعة الجسدية (الزنا) لأن الجسد فى نظرهم شر، فالخلاعة الجسدية لن تؤثر على الإنسان فهى تحصيل حاصل لهذا الجسد الشرير. أى أن الزنا لن يزيده شراً على ما هو عليه من شر أصلاً! فسلك بعضهم فى الدنس والنجاسة بغير ضابط، ورد الرسول بأنه يجب خلع الإنسان العتيق (9:3) والموت عن الشهوات (5:3) ولبس الإنسان الجديد (10:3). وأضاف بولس الرسول فى (عب 4:13) "ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس. وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله". ولاحظ إلى ماذا قادهم عقلهم وغرورهم وكبريائهم ومعرفتهم، إذهم إنفصلوا عن المسيح المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (3:2).

 

ولأنهم اعتبروا أن الجسد نجاسة قالوا إن جسد المسيح خيالى، وأنه عندما كان يمشى على الأرض كان لا يترك أثراً لقدميه، وأنه قام بالروح وليس بالجسد، فلا يقوم فى الملكوت عنصر ظلمة وأنه عبر فى بطن العذراء كما فى قناة ولم يأخذ منها شيئاً. وبنفس المنطق يقولون أن من يبلغ الكمال هو من يعادى الجسد. لذلك يركز بولس الرسول على ان المسيح كان إنساناً، ويؤكد حقيقة ناسوته فى (كو 22،20:1) "دم صليبه"، "جسم بشريته"، "بالموت". فإن كان جسده مجرد خيال فكيف يموت ويسفك دمه.

 

وهم أنكروا أن المسيح هو الله والمخلص، لذلك يؤكد الرسول على ألوهية المسيح وموته الكفارى على الصليب من أجل خطايانا. فالمسيح هو الله المتجسد، وهو الطريق الوحيد للغفران والسلام مع الله، فهو كل شىء لنا، وهو كل ما نحن فى حاجة إليه. لذلك يلزمنا أن نوثق صلتنا بالمسيح ونُتوَّجه رباً على حياتنا. وهو ليس مجرد وسيط بين وسطاء كثيرين (أيونات وملائكة) بل هو كل شىء:-

المسيح عمله كامل وخلاصه كامل فهو صورة الآب غير المنظور (15:1). وبه وله تحققت الخلقة (16:1). وخلاصه كامل (28:1). وهو كل شىء لنا (10:2). وهو حياتنا نموت معهُ (20:2) ونقوم معهُ (1:3). وهو كنز الحكمة والعلم (3:2).

ينقلنا من سلطان الظلمة للنور (13:1). وهو إبن محبة الآب (13:1). إذاً بإتحادنا به ننعم بالتبنى ونحسب محبوبين. ولاحظ أن ملكوت الإبن هو النور.

هو الفادى (14:1). القادر وحده على غفران الخطايا.

هو الخالق وهو غاية الخليقة وحافظ الخليقة (1: 16، 17).

حيث أنه صورة الآب غير المنظور، فهو يخبرنا عن الآب فنعرف الآب. "من رآنى فقد رأى الآب" (يو 9:14) وهو يرد لنا الصورة التى أفسدها آدم الأول.

فيه يحل كل ملء اللاهوت (19:1 + 9:2) ويهبنا حياة الملء (10:2).

هو المُصالح، صالحنا مع الآب بدم صليبه ووحَّد السماء مع الأرض (20:1).

غالب إبليس وكل قواته بالصليب (2: 15،14) فيهبنا روح الغلبة.

هو جالس عن يمين الله فسيرفعنا إلى سمواته (1:3)، فحيث يكون هو نكون نحن أيضاً (يو 3:14) وهو الممجَّد (4:3) فسنظهر معه فى المجد.

 

أراد الرسول بهذا أن يُظهر أن المسيح هو رأس الكنيسة وشفيعها الوحيد الكفارى، وأن أى تعليم ينقص من شفاعة المسيح الكفارية، وكونه رب الخليقة ورأس الكنيسة يعتبر ضد الإيمان ومحاولة لفصل الجسد عن رأسه الذى فى السماء ومصدر كل بركاته. وأراد الرسول أن يظهر أن الغنوسية والتهود هما مبادىء فاسدة تفصل بين المسيح وكنيسته. فبالمسيح نصل لله دون أيونات أو أى خليقة أخرى أو ممارسات ناموسية أو غنوسية أو تواضع أو عبادة ملائكة.

 

وهم قالوا أن إله العهد القديم إله قاسٍ فأرسل الله إله العهد الجديد يسوع المسيح ليخلص العالم من هذا الإله فدخلوا فى ثنائيه بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد. وهذا مادفع بولس لتأكيد وحدة العمل بين الآب والإبن (12:2) + (1:3) + (3:3) + (1:1) + (1: 2، 13، 15). وفى (كو 3:1) نرى محبة الآب للإبن.

 

والغنوسيون قسموا المؤمنين إلى طبقات :-

جماعة العارفين أو الكاملين  GNOSTICS وهم أصحاب الحكمة والمعرفة وقالوا أن هؤلاء لهم الخلاص.

البسطاء وهؤلاء يكتفون بالتسليم الأعمى.

لذلك يكرر الرسول كلمة "كل أو جميع" ليعلن أن الخلاص للجميع، لكل من يؤمن بالمسيح وليس بالمعرفة، أو ليس للكاملين فقط كما يقول الغنوسيون ولا لليهود فقط كما يقول اليهود، فالمسيح مخلص الجميع (كو 28:1).

 

ونلاحظ أن الرسول لم يرفض المعرفة بل أوضح أنها هبة إلهية (1 : 6، 9، 26، 27) + (2:2). ولاحظ أنه فى (كو6:1) الإنجيل هو لكل العالم.

 

بين رسالتى أفسس وكولوسى:-

هنا فى رسالة كولوسى يكشف عن أن المسيح هو واهب كل شىء لكنيسته، وهو مصدر الكمال، وأن المسيح كرأس للكنيسة هو مصدر كل إحتياجاتها من معرفة وخلاص، بل كل شىء، فلا داعى للإتكال على المعرفة والفكر البشرى، إنما من يؤمن بالمسيح، يعطيه المسيح كل بركة هو فى إحتياج إليها. ففى هذه الرسالة يتكلم عن مكانة المسيح وأمجاد المسيح الرأس للكنيسة. وفى رسالة أفسس يتكلم عن إمتيازات الكنيسة كجسد للمسيح. فى رسالة أفسس يظهر المسيح رأس الجسد فيكلمنا عن الكنيسة جسد المسيح. وفى كولوسى يظهر المسيح رأس كل شىء. لذلك نفهم أن الرسالتين متكاملتان، ولذلك طلب الرسول أن يتبادل شعبا كولوسى وأفسس قراءة الرسالتين.

 

ورسالتا أفسس وكولوسى متشابهتان، لكتابتهما فى وقت واحد وحوالى نصف أفكار رسالة أفسس تضمنتها رسالة كولوسى. فرسالة أفسس بها 155 آية منها حوالى 78 آية وردت بالمعنى فى كولوسى. وقد حمل تيخيكس كلتا الرسالتين إلى البلدين أف 21:6 + كو7:4. وكلا الرسالتين تحدثتا عن لاهوت المسيح وأمجاده وتكررت فيهما إصطلاحات مثل الملء والسر والرأس والجسد.

 

أمثلة على الآيات المتاشبهة:-

- الذى فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا.            (أف7:1)، (كو14:1).

- المسيح يخضع له الرياسات والسلاطين.            (أف 21:1)، (كو16:1 + 10:2،15).

- الكنيسة جسد المسيح وهو رأس الكنيسة.            (أف 22:1، 23)، (كو18:1، 24).

- الإنسان العتيق والإنسان الجديد.           (أف 22:4، 24)، (كو9:3،10).

- الأمم بدون المسيح أجنبيون.                         (أف 12:2)، (كو 21:1).

- بولس موثق وأسير لأجلهم.                          (أف 1:3)، (كو 1: 24 + 3:4).

- ضرورة الإمتناع عن الكذب.                        (أف 25:4)، (كو 9:3).


 

الإصحاح الأول

أيات 1، 2 :- بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله و تيموثاوس الاخ. الى القديسين في كولوسي و الاخوة المؤمنين في المسيح نعمة لكم و سلام من الله ابينا و الرب يسوع المسيح.

 رسول يسوع المسيح = طالما هو رسول من المسيح، إذاً عليهم أن يصدقوا ما يقوله لهم ويتركوا تعاليم الغنوسيين والمتهودين. وهو يكتب لهم أولاً بدافع غيرته ومحبته وثانياً فهم أولاد إبنه إبفراس وثالثاً بكونه رسولاً للأمم، فمع أنه لم يبشرهم شخصياً إلاّ أن الله كلفه بأن يكون هو رسول الأمم. وتيموثاوس = من تواضع بولس أن يضع أسم تلميذه معه على قدم المساواة.

قديسين.. إخوة مؤمنين = هم إذن لم ينحرفوا لا للغنوسيه ولا لليهودية بل هم فى المسيح = هم إتحدوا بالمسيح فى المعمودية وصاروا أعضاء جسده، ولم ينفصلوا عنهم بإتباعهم إيماناً منحرفاً. وإتحادهم بالمسيح يعطيهم حياة القداسة أى الإفراز عن العالم والتكريس لله، هذه سمة الحياة الجديدة بالمعمودية التى وهبها الله لنا.

الإخوة.. الله أبينا = هم إخوة فلهم أب واحد هو الله وبطن واحدة وُلِدوا منها هى المعمودية. ونحن صرنا أبناء الله بالتبنى بإتحادنا بالمسيح إبنه فى المعمودية.

نعمة وسلام = النعمة هى جماع كافة البركات التى يفيض بها الله علينا فى المسيح فلقد صرنا أبناء الله، وحل علينا الروح القدس الذى يغير طبيعتنا ويملأنا سلاماً.

وبولس أختبر هذا التغيير فى حياته، وإختبر " سلام الله الذى يفوق كل عقل" فى (كو4: 7) ولاحظ أن خطايانا تحول دون تمتُّعنا بهذا السلام. وكلمة نعمة هى التحية اليونانية " خاريس" وسلام هى التحية اليهودية، فالمسيح هو للجميع.

من الله أبينا والرب يسوع = تشير إلى:

1.     التساوى بين الآب والإبن، فكلاهما مصدر للنعمة والسلام.

2.     ما حصلنا عليه من نعمة وسلام هو بإرادة الآب وفداء الإبن.

 

أيات 3 – 5:-  نشكر الله و ابا ربنا يسوع المسيح كل حين مصلين لاجلكم. اذ سمعنا ايمانكم بالمسيح يسوع و محبتكم لجميع القديسين. من اجل الرجاء الموضوع لكم في السماوات الذي سمعتم به قبلا في كلمة حق الانجيل.

الله وأبا ربنا يسوع = THE GOD & FATHER OF OUR LORD حرف الواو لا يعنى أننا أمام إلهين هما الله وأبو ربنا يسوع، بل هى تجمع صفتين لله، فهو إله وهو أب يسوع المسيح، والمعنى واضح جداً فى الإنجليزية، وهذا هو نفس ما قاله السيد المسيح "أبى وأبيكم، إلهى وإلهكم" (يو17:20). والله هو إله يسوع المسيح لأن الأقنوم الثانى تجسد، فالله هو إلهه بإعتبار الناسوت وهو أبوه بإعتبار اللاهوت، فبنوة المسيح للآب هى أزلية وبحسب الطبيعة.

نشكر = هو يشكر على إيمان أهل كولوسى الذين لم يرهم، يفرح بالإيمان وسط ضيقاته هو. هذا هو الخادم المثالى يفرح لإيمان أولاده منشغلاً عن همومه هو.

إذ سمعنا = فهو لم يذهب لهم من قبل. إيمانكم ومحبتكم = فالإيمان الصحيح هو الإيمان العامل بالمحبة، وهذا يظهر فى خدمة القديسين. والإيمان بدون محبة هو إيمان الشياطين (يع19:2). والمحبة بدون إيمان هى محبة من يحبوننا فقط أى هى مجرد عواطف بشرية. من أجل الرجاء = هذا الإيمان، وهذه المحبة التى تدفعهم لخدمة القديسين هما بسبب الرجاء فى السموات ودعوتهم إلى المجد.

هنا نرى ثلاثية بولس الرسول المشهورة "الإيمان والرجاء والمحبة" ولاحظ أن الرجاء يجعلنا نتمسك بالإيمان بالرغم من الإضطهاد والألم.

فى كلمة حق الإنجيل = هذا الرجاء الذى لنا فى السموات سمعناه فى الإنجيل.  فالإنجيل لا يبشرنا فقط بغفران خطايانا بل بالمجد المعد لنا فى السماء. وهذا الرجاء بالمجد فى السماء يكون إذا أطعنا وصايا الإنجيل. وهذا الحق الإنجيلى هو ما علمه لهم أبفراس وليس البدائل الهزيلة الملتوية للهراطقة الغنوسيين أو المتهودين، الذى سمعتم به قبلاً = أى الذى سمعوه من أبفراس.

 

أيات 6-8:- الذي قد حضر اليكم كما في كل العالم ايضا و هو مثمر كما فيكم ايضا منذ يوم سمعتم و عرفتم نعمة الله بالحقيقة. كما تعلمتم ايضا من ابفراس العبد الحبيب معنا الذي هو خادم امين للمسيح لاجلكم. الذي اخبرنا ايضا بمحبتكم في الروح.

الذى قد حضر إليكم = أى الإنجيل. كما فى كل العالم أيضاً = الإنجيل الذى بلغ إليهم لم يكن محصوراً وسط شعب معين كما كان الحال مع الناموس، ولا أن الخلاص هو للبعض كما يقول الغنوسيون، بل هو لكل العالم، وأثمر فى كل العالم = وهو مثمر كما فيكم = الإنجيل صارت له ثمار فى كل العالم كما كانت له ثمار فيكم.

سمعتم وعرفتم نعمة الله = هذه أول ثمار الإنجيل، أنهم سمعوا وعرفوا أى إختبروا وتذوَّقوا نعمة الله التى غيَّرت حياتهم، فهناك من يسمع لكنه لا يختبر ذلك فى حياته. وثانى الثمار هى محبتكم فى الروح = فأول ثمار الروح، المحبة (غل22:5). فالروح يعطى ثماره لمن يريد ومن يقبل ويجاهد ثماره، وأول هذه الثمار المحبة لله ولكل إنسان بل حتى للأعداء. والمحبة فى الروح ليست هى العواطف الإنسانية العادية، فهذه عادة تكون لمن يحبوننا فقط. ولاحظ أن المحبة فى الروح تعطينا أن نحب الله حتى وسط ضيقاتنا بل نشكره عليها، وأن نحب أعداءنا.

عرفتم نعمة الله بالحقيقة = كما هى بالحق. من أبفراس = هنا نرى أن أبفراس أسس كنيسة كولوسى. والروح القدس يسجل إسمه هنا فى الكتاب المقدس، فالله لا ينسى تعب أحد. العبد الحبيب = قارن مع (فى1:1). فالعبودية للمسيح صارت حرية ولذة.

 

أيات 9 – 11:- من اجل ذلك نحن ايضا منذ يوم سمعنا لم نزل مصلين و طالبين لاجلكم ان تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة و فهم روحي. لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى مثمرين في كل عمل صالح و نامين في معرفة الله. متقوين بكل قوة بحسب قدرة مجده لكل صبر و طول اناة بفرح.

هنا نرى صلاة الرسول عنهم حتى لا يتشوَّشوا بفلسفات الغنوسيين الكاذبة. فهم بدأوا يتشككون بسبب تعاليم الغنوسيين والمتهودين. من أجل ذلك = من أجل إيمانهم ورجائهم ومحبتهم فالله لن يتركهم نهباً للتعاليم الخاطئة، لكن بولس يصلى لأجلهم لينقذهم الله من الهراطقة. فخادم بلا صلاة، يخطىء (1صم 23:12) ويصبح مرائياً.

تمتلئوا من معرفة مشيئته فى كل حكمة وفهم روحى. لتسلكوا = هذا ما يصلى بولس لأجله وهو يصلى ليعطيهم الروح القدس قوة إدراك جديدة بها يعرفون مشيئة الله، بل يمتلئون من هذه المعرفة، والإمتلاء يعنى أنه لا يصير هناك معرفة أخرى داخلهم مصدرها العالم مثلاً، أو خبرات سيئة من الآخرين. والمعرفة التى يطلبها لهم الرسول، يطلبها بأن تكون فى كل حكمة، أى يمتلئوا من الحكمة التى ليست بشرية فهذه لا تعطِى سوى العَمَى والجهل بأمور الله. بل الحكمة التى مصدرها الروح القدس، ويعطى معها فهماً روحياً = فالحكمة هى معرفة عقلية للمبادىء الأولية للحياة المسيحية، ونجد لذلك البسطاء كالأطفال يفهمون أسرار العقيدة بسهولة. أما الفهم فهو الإستخدام العملى للحكمة أى إدراك هذه المبادىء الأولية وتحويلها إلى سلوك عملى. ولاحظ أن عمل الروح القدس أنه يعلمنا كل شىء (يو26:14). ويعطى قوة تعيننا على السلوك المسيحى، الذى ينير هو الطريق إليه، فهو يعطى الإقتناع ويعطى المعونة للسلوك كما يحق للرب فى كل  رضى = ومن هذا نفهم أن هدف المعرفة ليس للمعرفة فقط كما يقول الغنوسيون، بل الهدف هو السلوك كما يرضى الله. فالرسول يقرن المعرفة بالسلوك. ونفهم أيضاً أن المعرفة هى للجميع لأن مصدرها الروح القدس، فهى ليست حكراً للأذكياء أو الفلاسفة كما يقول الغنوسيون. لتسلكوا كما يحق للرب = السلوك الذى يليق بنا كخاصة للرب، ويمكن أن نرضيه به ونأتى بثمار قصد أن يظهرها بنا لأجل مجد أسمه "لكى يرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجَّدوا أباكم" (مت16:5) + "أنا إخترتكم.. لتذهبوا وتأتوا بثمر" (يو16:15). وسلوكنا هذا يجب أن يتفق مع حياتنا الجديدة ودعوتنا السماوية وبنوتنا لله. ومن يمتلىء من معرفة مشيئته يستطيع أن يميَّز الأشياء التى ترضيه والتى لا ترضيه (أف10:5) فما يرضى الله فى أعمالنا يصاحبه سلام يملأ القلب والعكس.

نامين فى معرفة الله = الله أعلن نفسه لنا فى شخص يسوع المسيح. فكلما عرفنا المسيح عرفنا الله أيضاً. وعمل الروح القدس فينا هو أن يشهد للمسيح ويعرَّفنا به (يو16 : 14-16). وهذه المعرفة يعلَّمها لنا يومياً الروح القدس، فهى معرفة نامية، تنمو كل يوم لمن يثابر على الصلاة وعلى دراسة كلمة الله، أى عِشرة يومية مع الله فى هدوء لنسمع صوت الروح القدس الذى يحكى لنا عن المسيح فنعرفه. ويساعد على النمو ممارسة وسائط النعمة (ممارسة الأسرار) ونلاحظ أن قوله "نامين فى معرفة الله" أتى بعد قوله "معرفة مشيئته وفهمها" أى إدراكها وتنفيذها. فمن يعرف وصايا الله وينفذها تزداد معرفته بالله من خلال التنفيذ العملى لوصاياه، وبهذا ننمو يومياً من خلال الإنجيل المعاش. فمن يفعل هذا يبنى بيته على الصخر (مت7: 24-27). هذه المعرفة تحمينا من أفكار الهراطقة وتشكيك إبليس لنا فى الله وفى محبته. ونلاحظ أنه كلما عرفنا المسيح نعرف الآب أيضاً، وزيادة المعرفة هى نمو روحى، ومعرفة الله ومعرفة المسيح هى حياة (يو3:17) أى نظل نعرف كل يوم شيئاً جديداً عن الله، هنا وفى الأبدية، وما نعرفه يزيد فرحنا، فمعرفة الله فرح أبدى لا ينتهى. وهذا فى مقابل المعرفة الكاذبة التى للغنوسيين والتى يتوصلون لها بالإدراك العقلى. لذلك يحدثنا هنا عن الحكمة والنمو بواسطة الروح القدس ومعرفة المسيح ومشيئة الله.

متقوين بكل قوة = من يعرف مشيئته ويسلك بها وينمو فى معرفة الله تأتيه القوة، والحماية من الله حتى لا يضيع منا المجد الذى قد أعده الله لنا فبدونه لا نستطيع أى شىء. وهذا أيضاً عمل الروح، فهو يعين ضعفاتنا (رو 26:8).

بحسب قدرة مجده = فقوة الله التى يهبها لنا لا حدود لها، فحدودها هى قدرة مجده وهذه لا نهائية. ولكن لا قوة من فوق بدون جهاد.  

لكل صبر = ليس معنى أن الله يقوينا ويحمينا أنه لا توجد شدائد، بل أن الله يعطى لمن لا يصبر أن يحتمل بفرح = فالتلاميذ حين ضربوهم فرحوا (أع 41:5). بل أن الضيقات هى فرصة ليعلن الله نفسه لنا فننمو، فالآلام فرصة لإختبار الله والنمو. وكلمة صبر فى اليونانية تعنى القدرة على مواجهة كل مواقف الحياة بروح منتصرة لا تستسلم للهزيمة. وهنا الصبر والفرح عطية من الله، لمن لا يتذمر عند التجربة ويشكر الله عليها، هنا يجد الصبر والفرح داخله.

 

أيات 12 – 14 :- شاكرين الاب الذي اهلنا لشركة ميراث القديسين في النور. الذي انقذنا من سلطان الظلمة و نقلنا الى ملكوت ابن محبته. الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا.

شاكرين الآب = فهو خلقنا ولما سقطنا أرسل إبنه لفدائنا، وأهلنا للميراث الأبدى بأن صرنا خليقة جديدة. وليس كما يقول الغنوسيون أن إله العهد القديم إله شر، وإله العهد الجديد إله خير. ميراث = الروح يشهد لأرواحنا أننا ورثة (رو 8 : 17،16). وإن كنا نتألم معه فلكى نتمجَّد أيضاً معه. وهذا الميراث أسماه الرسول ميراث القديسين فى النور = لأن الله نفسه هو نور. أما الخطاة فنصيبهم الظلمة الخارجية لأنهم إختاروا الظلمة فى حياتهم على الأرض (يو19:3) + (مت13:22). الآب الذى أهَّلنا = بعمل فداء إبنه. أنقذنا من سلطان الظلمة = فقد كنا مستعَبدين لإبليس الذى هو سلطان الظلمة، والمسيح حررنا منه ولم يعد له سلطان علينا.

نقلنا إلى الملكوت = قوله ملكوت يعنى أننا صرنا رعايا خاضعين للمسيح الملك. وكلمة نقلنا فى اليونانية تشير لملك منتصر ينقل شعب المملكة التى هزمها إلى أى مكان يريده، وصورة الإنتقال إلى مملكة أخرى هذه قد حدثت مع بابل وآشور، فحينما إنتصروا فى حروبهم ضد يهوذا وإسرائيل نقلوا السكان إلى أماكن جديدة حددوها لهم. والمسيح هزم إبليس بالصليب وإقتحم مملكة الجحيم وأخذ الأسرى للفردوس، وبعد القيامة سيأخذنا للملكوت السماوى= ملكوت إبن محبته هذا الملكوت وهذا المجد حصل عليه المسيح نفسه بجسده بعد الفداء، ونحن بإتحادنا به سيكون لنا ميراثه. فهذا الإنتقال تم بفداء المسيح = الفداء بدمه فالمسيح بفدائه حررنا من عبودية إبليس ومملكة الظلمة.

إبن محبته = المسيح هو إبن الله بالطبيعة، والله محبة، طبيعة الله المحبة، هو يفيض محبة.والمسيح هو المحبوب (أف 6:1).

هو يتلقى كل هذه المحبة، وهنا أسماه إبن محبته. ونحن فى المسيح صرنا أولاداً لله وأحباءً لله بإتحادنا بالمسيح. المسيح هو إبن محبته وليس أيوناً من الأيونات كما يقول الغنوسيون. والملكوت منسوب للإبن هنا وفى (2تى1:4،18) كما أن الملكوت منسوب للآب أيضاً فى (1تس 12:2). فالآب والإبن واحد.

 

أيات 15 – 17 :- الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة. فانه فيه خلق الكل ما في السماوات و ما على الارض ما يرى و ما لا يرى سواء كان عروشا ام سيادات ام رياسات ام سلاطين الكل به و له قد خلق. الذي هو قبل كل شيء و فيه يقوم الكل.

رسالة كولوسى تتحدث عن المسيح رأس الكنيسة وأمجاده. وهنا نرى وصفاً لمجد المسيح بإعتباره الخالق. بولس يشرح من هو المسيح رداً على الغنوسيين.

صورة الله غير المنظورة = قارن مع قوله أنه إبن محبته آية 13. فالإبن له نفس طبيعة أبيه، فإبن الإنسان يكون إنساناً وهكذا. إذاً المسيح له نفس طبيعة وجوهر الآب. الآب غير منظور، والإبن الذى هو صورة الآب صار منظوراً لنراه ولنعرف الآب فهو رسم جوهره وبهاء مجده (عب3:1). ولا يوجد بهاء بدون مجد ولا مجد بدون بهاء، ولا يوجد شعاع بدون نور ولا نور بدون شعاع. والمسيح قال: "من رآنى فقد رآى الآب" (يو 9:14). وقال: "أنا أظهرت إسمك للناس" (يو 6:17). لذلك قال يوحنا "الإبن خبرّ" (يو 18:1). وكلمة صورة فى اليونانية تعنى صورة طبق الأصل، وليس أحد الإنبثاقات كما يقول الغنوسيون. هى صورة تحمل نفس الطبيعة مثلما نقول فلان له صورة إنسان، إذاً هو إنسان. هذا التعبير يشير لعلاقة الآب والإبن السرمدية.

فى محبة المسيح وصليبه أدركنا محبة الآب، وفى تفتيح عينىّ الأعمى وفتح أذنىّ الأصم وقيامة لعازر وغيره من الموتى أدركنا أن الآب يريد لنا حياة أبدية وشفاءً روحياً فنرى ونسمع صوت الله. ماكان يمكننا أن نرى الآب فى مجده، فلا أحد يرى الله ويعيش (خر20:33). وذلك بسبب ضعف طبيعتنا بسبب الخطية، ولذلك تجسد المسيح ليستطيع أن يكلمنا فندرك محبته. راجع (تث 18 : 5-18) فكان هذا وعد الله. فالمسيح الإبن له نفس جوهر وطبيعة الله فهو صورته، ولكن قد أخفى مجد لاهوته فى ناسوته لنراه ولا نموت.

بكر كل خليقة =  كلمة بكر فى اليونانية تشير لمعنى المولود الأول، فالمسيح أو الإبن هو مولود من الآب وليس مخلوق، التعبير لا يعنى أول خلق الله. وكلمة بكر تعنى رأس أو بداءة أو مُبدىء كل خليقة الله، والخليقة مخلوقة وليست مولودة. ونفهم قوله بكر كل خليقة أنه المتقدم الذى يفوق الخليقة كلها، وهو قبل كل الخليقة وقبل الزمن. ونسمع بعد ذلك أنه هو الخالق، فكيف يكون خالقاً ومخلوقاً فى الوقت نفسه = الكل به. وإذا كان هو خالق الكل. فهل خلق نفسه؟

فإنه فيه خُلق الكل = الفاء هنا تعنى أنه هو بكر كل خليقة لأنه فيه خلق الكل أى لأنه هو الخالق. هذه العبارة تساوى "به كان كل شىء" (يو3:1) وقوله فيه يعنى بواسطته BY HIM، وعن طريقه، فهو البداية ومنه فاضت الحياة فهو له قدرته وسلطانه على جميع الأشياء. وهكذا قال الرسول: "الله خالق الجميع بيسوع المسيح" (أف 9:3) + (عب 2:1).

وله قد خلق = هو سيد ومالك الكل وتعنى أيضاً لأجل مجده، فكل خليقة المسيح تعلن قدراته الفائقة ومحبته للكل، فالخليقة تمجد المسيح. وطالما هو خلق كل شىء، وكل شىء كان لمجده. فهو له سلطان على كل الخليقة.

العروش = من أعلى رتب الملائكة. وقارن الإسم مع (مز 10:18) ركب على كاروب وطار. ومنها نرتل يوم أحد الشعانين "الجالس فوق الشاروبيم".

سيادات / رياسات/ سلاطين = درجات مختلفة من الملائكة. وهنا فالرسول يرد على الغنوسيين الذين إدعوا أن هذه الرتب من الملائكة أعلى من المسيح ويظهر أن المسيح هو خالق الجميع.

قبل كل شىء = تشير لأزلية المسيح، فوجوده يسبق الوجود، وهو فوق كل الملائكة بمراتبهم، بل هو الذى خلقهم.. فما معنى عبادة الملائكة أذن ؟

وفيه يقوم الكل = هو الأساس والدعامة والحافظ لكل الوجود. هذه العبارة تساوى قوله حامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب3:1). فهو وراء التكامل فى هذا العالم، ووراء النظام الذى يحكم العالم، ووراء كل القوانين التى تحكم العالم كالجاذبية مثلاً. وطبعاً فى هذا رد على من يقول أن العالم خُلِقَ بواسطة أيونات أقل من الله فى جوهرها (أيونات ناقصة) وهذا مبرر للشرور التى فى العالم.

 

أيات 18، 19 :- و هو راس الجسد الكنيسة الذي هو البداءة بكر من الاموات لكي يكون هو متقدما في كل شيء. لانه فيه سر ان يحل كل الملء.

رأس الجسد = أشار الرسول فيما سبق لأمجاد المسيح فى الخليقة الأولى. 

وهنا يشير لأمجاده فى الخليقة الثانية وهذه أعظم فهى كلَّفته تجسده وموته وقيامته، وهو بعد قيامته صار رأساً للجسد الذى هو الكنيسة. وصرنا نحن ننتمى لهذا الجسد بالمعمودية. وكما أن العالم بدايته وإستمراره وإعتماده ووجوده ونظامه فى المسيح، هكذا الكنيسة بدايتها وإستمرارها وحياتها هى فيه، وقوة قيامته هى حياة الكنيسة.

البكر من الأموات = هناك أموات قاموا قبل المسيح لكنهم ماتوا ثانية، وهم قاموا بجسد مثل جسدنا هذا ولم يدخلوا المجد. أما المسيح فهو قام بجسد مُمَجَّد لا يمكن أن يموت ثانية ودخل المجد بجسده هذا، وهو علة قيامة الجميع.

لكى يكون هو متقدماً فى كل شىء = يكون له المقام الأول ويتقدمنا بجسده الممّجد إلى المجد، لأنه فيه سُرَّ = كانت هذه محل سرور الآب أن يحل فى المسيح كل الملء وهذا لحساب الكنيسة، فكل حكمة وكل قوة، وكل ما نحصل عليه هو من إمتلائه هو.

يحل كل الملء = هذه تشير لإتحاد اللاهوت بالناسوت (أنظر تفسير الآيات 2 : 9، 10) بدون أختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير. فهو الله الذى ظهر فى الجسد (1تى 16:3) + (يو1:1–3). وهذا لا يعنى أن جسد المسيح كان يُحَّد عمل اللاهوت فى قوته المطلقة فى العمل لتجديد الإنسان والكون. وكلمة يحل تعنى حلولاً دائماً لكل الصفات الإلهية فى جسد المسيح. إذاً هو ليس أحد الإنبثاقات كما قال الغنوسيون، بل هو الله نفسه. صار المسيح ملء النعمة بجسده ومنه نغترف ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا ونعمة فوق نعمة (يو16:1).

 

آية 20:- و ان يصالح به الكل لنفسه عاملا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الارض ام ما في السماوات.

يصالح به الكل = طبعاً الصلح لمن يقبل المصالحة ويؤمن بالمسيح ويقدم توبة عن أعماله الشريرة. بدم صليبه = إذاً هو له جسد حقيقى وليس خيالياً كما قال الغنوسيون. سواء ما كان على الأرض أم ما فى السموات = الصلح كان صلحاً بين الله والإنسان وبين الإنسان والإنسان وبين الأرضيين والسمائيين، فلقد صاروا كنيسة واحدة، والمسيح صار رأساً لكليهما (أف10:1) وصارت السماء تفرح بتوبة الخطاة. لقد صار كل شىء جديداً فى المسيح يسوع. والرسول بدأ بالأرض لأن العداوة بدأت فى الأرض بسقوط آدم وبنيه.

 

أية 21 :- و انتم الذين كنتم قبلا اجنبيين و اعداء في الفكر في الاعمال الشريرة قد صالحكم الان.

يمكنكم أيها الكولوسيون أن تلمسوا هذه المصالحة، فبعد ما كنتم أجنبيين عن الله وغرباء صرتم الآن مصالَحين. أجنبيين = الخطية تسببت فى إنفصال الإنسان عن الله منذ إختبأ آدم من الله. والكولوسيون صاروا أجنبيين أى إنفصلوا عن الله بسبب أفكارهم وأعمالهم الشريرة السابقة. وكانت إراداتهم وشهواتهم الرديئة عداوة لله. قد صالحكم = فنحن البشر كان من المستحيل أن نتصالح مع الله لذلك تنازل هو وصالحنا.

 

آية 22:-  في جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين و بلا لوم و لا شكوى امامه.

المسيح مزمع أن يحضرنا (أمام الآب أف 18:2) كاملين فى حالة كمال.. كيف ؟ يقول الرسول : فى جسم بشريته = الذى سُمَّر على الصليب، هذا الجسم هو مركز المصالحة. نستتر فيه فيكفر (يغطى) خطايانا. ونصير بلا لوم = المسيح وحده هو الذى بلا لوم. ولكن إتحادنا به يجعلنا بلا لوم لذلك يقول السيد المسيح " إثبتوا فىّ وأنا فيكم" وهذا يكون بالمعمودية أولاً وبالتوبة كحياة نحياها، مع التناول المستمر من جسد الرب ودمه. وبهذا يحمل المسيح خطايانا ويعطينا بره. لا يعود يرانا الآب فى خطايانا بل يرانا فى المسيح = فى جسم بشريته.. بلا لوم. ولا شكوى = من الذى يشتكى علينا؟ الشيطان. ولكن من ثبت فى المسيح فدم المسيح يطهره. وقوله جسم بشريته إثبات لأن جسده كان حقيقياً وليس خيالاً.

 

آيه 23:- ان ثبتم على الايمان متاسسين و راسخين و غير منتقلين عن رجاء الانجيل الذي سمعتموه المكروز به في كل الخليقة التي تحت السماء الذي صرت انا بولس خادما له.

هنا يضيف الرسول شرطاً جديداً لنكون بلا لوم وبلا شكوى، ألا وهو الثبات على الإيمان الصحيح = إن ثبتم على الإيمان = فالرسول يحث أهل كولوسى على التمسك بالإيمان فى مواجهة حروب التشكيك من الهراطقة حتى لا يضيع منهم هذا التصالح وبالتالى الميراث، فمن يثبت فى الإيمان يستفيد من دم المسيح. غير منتقلين عن رجاء الإنجيل = رجاء الإنجيل هو المسيح الذى سيُحضرنا كاملين لميراث أبدى فى ملكوته، والمسيح هو أساس كل بركاتنا. والإنجيل هو الذى بشر به أبفراس وليس غيره من أقوال الهراطقة آية 7 وآية 5. فكلمة حق الإنجيل هى ما علم به أبفراس. المكروز به فى كل الخليقة يقولها بالوحى أن الإنجيل سيصل لكل العالم. الذى صرت أنا بولس خادماً لهُ =أى الإنجيل، فبولس صار خادماً للإنجيل يكرز به فى كل مكان للأمم.

 

أيات 24 – 27:- الذي الان افرح في الامي لاجلكم و اكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لاجل جسده الذي هو الكنيسة. التي صرت انا خادما لها حسب تدبير الله المعطى لي لاجلكم لتتميم كلمة الله. السر المكتوم منذ الدهور و منذ الاجيال لكنه الان قد اظهر لقديسيه. الذين اراد الله ان يعرفهم ما هو غنى مجد هذا السر في الامم الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد.

عانى الرسول من إضطهاد الكل لهُ،يهوداً وأمم. ومع كل آلامه كان فى فرح، فلا يستطيع أحد أن ينزع فرحنا منا (يو22:16) = الذى الآن أفرح فى آلامى = يقول أفرح فى آلامى ولم يقل بسبب آلامى، فالآلام ليست سبب الفرح، بل الفرح يكون بسبب التعزية التى يعطيها الله له وسط آلامه.ولاحظ أن الرسول يكتب هذه الرسالة وهو مسجون ومربوط بسلاسل.

لأجلكم = هذا السجن كان بسبب كرازته للأمم (أف1:3). والمسيح أخبرنا أننا سنواجه إضطهاداً من العالم. فالبغضة ضد المسيح ينبوع عميق لم يفرغ فى السيد فقط بل ظل ممتلئاً لأجل تلاميذه وكل المؤمنين به. والآلام التى تقع على الكنيسة تقع على جسد المسيح "شاول شاول لماذا تضطهدنى" (أع 4:9) = أكمل نقائص شدائد المسيح = آلام المسيح كاملة وقد حققت الخلاص، لكن على شعبه أن يشترك معه فى صليبه لا لتحقيق الخلاص لكن للكرازة والشهادة لهُ. المسيح كان كمن أودع رصيداً ضخماً فى بنك وأعطانا شيكات على بياض ما لم نكتبها لن نحصل على شىء، ولكن الرصيد رصيده هو وليس رصيدى أنا.

فالمسيح حقق الكفارة بدمه الثمين وعلينا بالإيمان والجهاد ودموع التوبة وإحتمال الألم وإعلان قبول الصليب، ومشاركة المسيح آلامه أن نكتب الشيكات التى تعطينا رصيداً ندخل به للسماء. بل فى قبولنا للآلم يكون هذا شهادة للآخرين فيقبلونه. فلإنتشار الإنجيل كان لابد أن يتألم المسيح وتتألم الكنيسة. وآلام أى عضو هى آلام تقع على الجسد، جسد المسيح، آلام أى عضو فى أى جسد هى آلام لكل الجسد وبالذات الرأس الذى يزود الكل بالأحاسيس. وجسد المسيح لم يكتمل بعد فأولادى وأولاد أولادى وأولادهم سيكملون هذا الجسد، ولذلك ولأن هناك أجيال آتيه، فإن الآلام المفروض أن تقع على جسد المسيح لم تكمل بعد، وحينما يكتمل جسد المسيح مع آخر مولود يؤمن بالمسيح، تكمل آلام وشدائد المسيح. وبولس بما أنه عضو فى جسد المسيح فالآلام التى تقع عليه تكمل جزءً من آلام جسد المسيح. وبنفس المفهوم فمن يطعم فقيراً يطعم المسيح (مت 25: 34-40). وقارن آية 23، 24 فنفهم أن بولس يحتمل هذه الآلام بفرح لأجل رجاء الإنجيل. التى صرت أنا بولس خادماً لها = الكنيسة حسب تدبير الله المعطَى لى = هى وكالة أعطاها الله، أو ثروة أعطاها الله بغرض توزيعها على الآخرين، والمقصود أن الله إختار بولس كرسول للأمم.

لأجلكم= لأجل الأمم (أع21:22). وذهب بولس للأمم لتتميم كلمة الله السر المكتوم = (أف2:3). السر الذى كان مخفياً ولكنه صار ظاهراً الآن هو إنضمام الأمم لليهود ليكونوا كنيسة واحدة لها مجد وميراث. أعدها المسيح للكل، لكل من يؤمن به. أظهر لقديسيه = كما رأى بطرس رؤيا الملاءة.

السر هو المسيح فيكم رجاء المجد = فكل المؤمنين بالمسيح، الذين صار المسيح فيهم أى ثابتاً فيهم، وهم ثابتون فيه، صاروا يترجون هذا المجد الذى فيه المسيح الآن، إذ هم ثابتين فيه، ففى المسيح مذخر لنا كل مجد وميراث، بل كل بركة فى هذا العالم وفى الدهر الآتى.

 

أيات 28،29:- الذي ننادي به منذرين كل انسان و معلمين كل انسان بكل حكمة لكي نحضر كل انسان كاملا في المسيح يسوع. الامر الذي لاجله اتعب ايضا مجاهدا بحسب عمله الذي يعمل في بقوة.

بولس هنا ينذر ويعلم أن لا ينقاد الكولوسيون للتعاليم الغريبة التى تفصلهم عن رأسهم فى المجد. ولكى يحضرهم كاملين فى ذلك اليوم. ولنلاحظ أن للإنذار وقتاً وللتعليم وقتاً. منذرين = بالدينونة الأخيرة لرافضى الإيمان ونلاحظ أن بولس عليه أن يحضرهم والمسيح هو الذى يكمل الجميع فيه.

كل إنسان كاملاً = تكررت عبارة كل إنسان فى آية 28 (3 مرات) وتكررت كلمة كل فى الرسالة 35 مرة. وقصد الرسول إظهار أنه ليس هناك تمييز كما يقول الغنوسيون: فالحكمة والمعرفة والكمال هى للجميع. وأن الكمال يكون بالإتحاد والثبات فى المسيح = كل إنسان كاملاً فى المسيح يسوع = وليس عن طريق زيادة المعرفة كما يقول الغنوسيون. ونفهم من الآية أنه ليس هناك توقف فى الحياة مع المسيح بل نمو دائم نحو الكمال.

مجاهداً = فى سهره ورعايته وكرازته وصلواته وإحتماله للآلام. 


 

الإصحاح الثانى

آيات 1-3:- فاني اريد ان تعلموا اي جهاد لي لاجلكم و لاجل الذين في لاودكية و جميع الذين لم يروا وجهي في الجسد. لكي تتعزى قلوبهم مقترنة في المحبة لكل غنى يقين الفهم لمعرفة سر الله الاب و المسيح. المذخر فيه جميع كنوز الحكمة و العلم.

 

لاودكية = هى مدينة فى آسيا الصغرى بالقرب من كولوسى، على نهر ليكوس، وبشرها أبفراس، وهو يذكرها هنا لأن أبفراس بشرها مع كولوسى ولأن لهم نفس المشاكل، ويبدو أن كنيسة لاودكية كانت هى الأكبر (كو15:4،16).

أريد أن تعلموا = لو علموا محبته لهم وجهاده لأجلهم لاستمعوا لتعاليمه.

أى جهاد = كل عمل وكل خدمة لبناء كنيسة المسيح يقاوَم بحروب شديدة وخداعات كثيرة من إبليس، ولذلك يحتاج الخدام أن يجاهدوا فى الإهتمام بأولادهم والصلاة لأجلهم وتعليمهم وكرازتهم. وهنا نرى محبة بولس لكنيسة المسيح، فهو يجاهد ليس لمن علمهم فقط بل حتى لمن يرهم كأهل كولوسى ولاودكية الذين لم يكن قد رآهم قبل حبسه فى روما. وهكذا كل مسيحى حقيقى عليه أن يصلى حتى لمن لا يعرفهم. إن بولس لو استطاع لذهب إليهم ولكن قيوده فى سجنه كانت تمنعه فاكتفى بالرسائل لهم والصلاة لأجلهم. وماذا يطلب الرسول لهم أو ماذا يجاهد لأجله فى صلاته عنهم؟ تتعزى قلوبهم مقترنة فى المحبة = أى يطلب لهم أن يتعزوا وأن يقترنوا بالمحبة (تكون لهم علاقات قوية فى المحبة) وعموماً فلا تعزية سوى فى المحبة، فالمحبة هى أولى ثمار الروح القدس. "هوذا ما أحسن وما أحلى أن يجتمع الإخوة معاً.. كالطيب النازل على الرأس، على اللحية" (مز 133 :2،1). هذا المزمور يشرح ما يريده الرسول، فحين نجتمع فى محبة ينسكب الروح علينا (الذى إنسكب على المسيح الرأس ينسكب علينا نحن المشبَّهين هنا باللحية لإرتباطنا بالمسيح الرأس، والطيب هو الزيت الذى كان يسكب على رأس هرون إشارة إلى الروح القدس). والروح القدس هو المعزى (يو16:14،26) + (يو26:15). والروح القدس يقرن بين قلوبنا بالمحبة، فهو يربط أعضاء جسد المسيح الذين هم نحن بمفاصل آية 19 والمفاصل هى المحبة. وإستعمل الرسول كلمة إقتران إشارة لقوة رباطات المحبة بيننا. ولاحظ أن التعزية الحقيقية التى يعطيها الروح القدس تُختبر بالأكثر وسط الضيقات والمحبة الحقيقية للناس تعَرف فى إستمرارها حتى لمن يسيئون إلينا.

لكل غنى يقين الفهم = أى لن نصل إلى الفهم الأكيد للأسرار الإلهية بدون محبة وهذا ما فهمناه من (أف 3: 19،18). فكيف ندخل بيت الملك ونطلع على أسراره دون أن يدعونا هو لذلك، وكيف يدعونا إن لم يكن هناك محبة؟

لكل = تعنى لبلوغ (الترجمة التفسيرية) وفى الإنجليزية TO ATTAIN والفهم المقصود به فى اليونانية.. المعرفة العملية أو الاختباريه. وهنا نرى العلاقة بين السلوك الروحى وحصولنا على المعرفة الروحية. يقين الفهم الفهم الكامل الصحيح، ومن له هذا الفهم سيكتشف بسهولة ضلال الهرطقات.

والروح القدس هو الذى يعلم ويذكر من يمتلىء منه، أى يمتلىء من المحبة. وهنا الرسول يريد لهم أن يفهموا أنه لا الفلسفة ولا التهوَّد سيعطيانهم شيئاً. بل أن البر سيكون لهم بالمسيح، والمعرفة ستكون بالمسيح، والحكمة ستكون بالمسيح الذى يعطى لكنيسته كل شىء فهو المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة لمعرفة سر الله الآب والمسيح = الرسول يصلى حتى يفتح الله قلوبهم ويفهموا سر الآب والمسيح، أى العلاقة بين الآب والمسيح. فالآب فى الإبن والإبن فى الآب (يو 9:14-11). وأن الإبن مولود أزلي من الآب كشعاع نور مولود من الشمس، هو يعلن لنا الآب الذى لا نستطيع أن ندركه. وأن الآب هو نبع للمحبة، وإشعاعات الحب الإلهى تنبعث من الآب لتصب فى الإبن المحبوب بالروح القدس. وأن يفهموا أننا بتجسد المسيح دخلنا فى هذه الدائرة الإلهية، فبإتحادنا بالإبن صرنا أبناء، وأصبح الروح القدس يسكب المحبة الإلهية فينا (رو5:5) هذه هى مقاصد الله الأزلية فى المسيح من جهة الكنيسة أى فداء المسيح الذى به جعل الكنيسة جسده، فحصلت الكنيسة على البنوة، وبالتالى صار لها مجد المسيح.

المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة = المسيح هو أقنوم الحكمة ويحوى كل حكمة ومذخر فيه أى يستتر فيه حكمة خفية عن الأنظار. وقوله كنوز يعنى أنها لن تفرغ أبداً وأنها عظيمة الفائدة. فهو مصدر كل حكمة. وهذا رد على الغنوسيين الذين يقولون أن المعرفة تأتى من الفلسفة والعقل والبحث، بل تصوروا أن معرفتهم وحكمتهم البشرية يمكن أن تفوق المسيح نفسه، لذلك يشرح لهم الرسول أن المسيح فيه كل حكمة، وأى حكمة خارجة عن المسيح ما هى إلاّ ضلال كما أضلت الحية حواء. والمسيح يعطى حكمته لمن يشاء من المؤمنين (لكل من هو ثابت فيه ومتحد معه) وليس لمن يعتمد على حكمته البشرية. ويعطيها للبسطاء (مت25:11). وبالتالى لا توجد حكمة أعلى من حكمة المسيح.

آيات 4-7:- و انما اقول هذا لئلا يخدعكم احد بكلام ملق. فاني و ان كنت غائبا في الجسد لكني معكم في الروح فرحا و ناظرا ترتيبكم و متانة ايمانكم في المسيح. فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه. متاصلين و مبنيين فيه و موطدين في الايمان كما علمتم متفاضلين فيه بالشكر.

بكلام ملق = أى كلام له بريق وباطنه يحمل سماً مميتاً، وهذا هو هدف إبليس أن يخدع المؤمنين بشىء آخر خارج عن المسيح ليميتهم، هكذا فعل مع حواء. والغنوسيون خدعوهم بأن الإنتفاخ بالمعرفة بعيداً عن المسيح فيه الخلاص.

ناظراً ترتيبكم ومتانة إيمانكم = هذا ما أخبره به أبفراس فأراد الرسول أن يثبتوا على الإيمان الذى تسلموه. والرسول بالرغم من بعده عنهم فهو فى سجنه فى روما منشغل بهم فى أفكاره وإهتماماته، يصلى لأجلهم، فكأنه يعيش معهم = لكنى معكم فى الروح. متانة = تعبير عسكرى يشير لجيش قوى مرتب قادر أن يصد غارات العدو الذى يحاول فتح ثغرة فى جبهة القتال.

فكما قبلتم المسيح اسلكوا فيه = قوله "اسلكوا فيه" تعنى ثباتهم فى المسيح وإتحادهم معه، لا يشغل فكرهم ولا قلوبهم سواه، وإن فعلوا واحبوا المسيح لهذه الدرجة، وملأ حبه قلوبهم، لن يستطيع عدو الخير أن يجد مكاناً فى قلوبهم لأى محبة للعالم ولا لفكر غريب، فالقلب ملآن غير قابل أن ينشغل بشىء آخر وقوله "اسلكوا فيه" يفهم منه أن من يثبت فيه، وهو الطريق المؤدى للآب، يصل لحضن الآب. والثبات فيه يكون:

1.     لمن آمن وإعتمد.

2.     ويسلك فى حياة التوبة بأمانة.

3.     دائم التناول من جسد الرب ودمه.

4.     لا ينكر إيمانه.

متأصلين ومبنيين فيه ROOTED AND BUILT UP IN HIM متأصلين... فيه = التشبيه هنا بالنبات، وهذا له جذور تمتد فى باطن الأرض، وكلما كان الجذر عميقاً يحصل على المياه فينمو النبات، وكلما كان قوياً ينمو النبات. لذلك كانت دعوة المسيح " أدخلوا إلى العمق ". فكلما دخل المؤمن للعمق يصل للمياه (الروح القدس) فيكون غرساً روحياً. ولاحظ قوله فيه فنحن كلما نثبت فى المسيح ندخل للعمق فنرتوى من مياه الروح القدس وننمو فيه (أف 15:4). فأعضاء الجسد لابد وأن تنمو. ولا نمو إلاّ لو كنا ثابتين فيه ولا إرتواء من العمق إلاّ لو كنا ثابتين فيه.

وكيف نثبت فيه كؤمنيين؟

1.     طبعاً مادمنا مؤمنين فلا محل للكلام عن الإيمان والمعمودية، فهذا موجود.

2.     تكون حياتنا منسجمة مع المسيح بلا سماح بأى إستخفاف بالخطية وبسلوكنا فى قداسة. والتناول المستمر من جسد الرب ودمه.

3.     التمسك بالإيمان القويم، المسلّم مرة للقديسين (ية 3).

4.     السلوك بمحبة نحو كل إنسان. فالله محبة، وحياة بلا محبة لا يحتملها الله.

5.     الإلتصاق المستمر بالله (صلاة – دراسة كتاب – تسبيح – اجتماعات......).

6.     زيادة أصوامنا كوسيلة للزهد فى محبة العالم.

بإختصار يكون المسيح كل حياتنا. نحن كنا متأصلين فى آدم حين سقط، لذا إشتركنا فى عواقب الخطية. وهكذا صرنا متحدين مع المسيح كرأس جديد ولنا الإشتراك معه فى الحياة التى يحياها الآن، وننتظر أن ننضم إليه فى المجد العتيد أن يُستعلن فينا.

مبنيين...فيه = التشبيه السابق كان المؤمن مشابهاً لنبات ينمو، وهنا يشبه المؤمن بحجارة حية فى مبنى أساسه المسيح. وهذان المثلان سبق للرسول إستخدامهما فى (1كو 9:3). والمبنى يشير لتراص المؤمنين فى محبة ليكمل البناء. وثباتنا فى المسيح هو السبب فى أنه يعطينا حياته "لى الحياة هى المسيح" (فى 21:1) + "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ" (غل20:2). وبهذا نكون حجارة حية.

موطدين فى الإيمان = يوطد أى يثبت أو يرسخ. فقطعاً كلما تأصل المسيحى فى المسيح يثبت إيمانه، الإيمان الصحيح الذى قبلناه عن طريق الرسل والكنيسة. وموطدين غير مزعزعين. كما عُلمتم = كما علمكم أبفراس وليس المتهودون أو الغنوسيون متفاضلين فيه بالشكر = متفاضلين أى مكثرين أو فائضين أو يزداد إيمانكم فيه = أى فى الإيمان. وكيف يزداد إيماننا؟ بالشكر. فمن يحيا شاكراً على كل شىء يزداد إيمانه، ومن يحيا متذمراً ينقص إيمانه، لذلك تعلمنا الكنيسة أن نبدأ كل صلواتنا بالشكر، ونشكر على كل حال وفى كل حال. وكلما إزداد الإيمان يزداد فرحنا فنشكر، وكلما عشنا حياة الشكر يزداد إيماننا. وهكذا...

لقد كانت البرية بالنسبة لشعب إسرائيل مدرسة للإيمان، علمهم فيها الله حياة الإيمان. فهم عرفوا الله بالعيان فى مصر، عرفوه كإله جبار إذ رأوا بعيونهم الضربات العشر وشق البحر. لكن الله لا يمكن إرضاؤه إلاّ بالإيمان (عب 6:11). فكان لابد أن ينقلهم الله إلى حياة الإيمان، فإننا فى هذا العالم نسلك بالإيمان لا بالعيان (2كو7:5). والإيمان هو الثقة بأمور لا تُرى (عب1:11). وكان هذا بأن الله سمح لهم ببعض التجارب (ماء مر / لا ماء/ لا طعام...) وكان عليهم أن يذكروا أعمال الله السابقة معهم، ولكنهم تذمروا فلم يزداد إيمانهم، لم يستفيدوا من مدرسة الإيمان. والله يسلك معنا حتى الآن بنفس الطريقة، فهو يسمح ببعض التجارب، ومن يحيا حياة الشكر وسط التجارب يرى يد الله حين تمتد لتنقذه من التجربة فينمو إيمانه ومن يتذمر يفقد رؤية يد الله فلا ينمو إيمانه ولا يرضى الله.

 

آيات 8-10:- انظروا ان لا يكون احد يسبيكم بالفلسفة و بغرور باطل حسب تقليد الناس حسب اركان العالم و ليس حسب المسيح. فانه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا. و انتم مملوؤون فيه الذي هو راس كل رياسة و سلطان.

فى آية 8 نرى الرسول يحذر من خطرين.. الفلسفة = أى الغنوسية وخطرها أنها تعلم أن الخلاص بدون دم المسيح.. والتهود = تقليد الناس هذه لا تعنى التقاليد بصفة عامة، بل تعنى تعاليم الآباء اليهود التى تخالف الناموس والتى هاجمها السيد المسيح (مت 15 : 2، 6) وخطر هذه 1) أنها تخالف الناموس من ناحية 2) وهناك خطر من إتباع الناموس حرفياً دون روح الناموس،وهذا يعود بنا للذبائح والختان والتطهيرات الجسدية.. ألخ وهذا ما يعلّم به المتهودون، وهذا هو المقصود فى هذه الآية من قوله تقليد الناس = أى ما يعلم به المتهودون من ضرورة الإلتزام بحرف الناموس.

باطل = جوفاء وغاشة وخادعة تعد بالسعادة ولكن لا تعطيها. وأسمى التهود تقليد الناس لأنهم تمسكوا بتقاليد الناس أى آبائهم أكثر من تمسكهم بالناموس نفسه، وهذا ما قادهم لإنكار المسيح. أما الرسل وغيرهم من الذين آمنوا بالمسيح فهؤلاء قد تمسكوا بالناموس قلبياً لإرضاء الله وليس لإشباع غرورهم وكبريائهم وإثبات برهم الذاتى، فأدركوا المسيح وإكتشفوه فغاية الناموس هو المسيح (رو 4:10).

حسب أركان العالم = كلمة أركان تشير لغوياً للحروف التى تتكون منها اللغة وهذه الكلمة تعنى الأوليات. ويقصد الرسول أن هذه الفلسفات البشرية لا تتقدم إلى ما هو أبعد من معرفة المحسوسات والقشور الخارجية. ولذلك إستخدم الرسول كلمة أركان العالم إشارة للعناصر الضعيفة أوالأوليات.

فالفلسفة أو الطقوس الناموسية لن توصل أحداً لأن يعرف الله، فلن يعرف أحد الله إلا ّ بيسوع المسيح. فنحن صرنا أبناء لله بالمسيح يسوع، وصرنا قادرين أن نرى الآب حين نرى المسيح. وقوله وليس حسب المسيح = أى أن تقليد الناس والفلسفة مصدرهم ليس المسيح، بل تصورات الناس وهذه لا ترضى المسيح.

فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً. كلمة اللاهوت تعنى الكيان الإلهى والجوهر الإلهى. ففى التجسد لم يتحد جزء من اللاهوت مع جسد المسيح بل كل اللاهوت. اللاهوت بالكامل إتحد بالجسد. فالمسيح هو الله حتى لو إتخذ شكل إنسان. وكلمة يحل = جاءت بمعنى الإستمرار أى أن الألوهية ساكنة فيه على الدوام، كل الطبيعة الإلهية فى كمالها.

وهذه الآية تشير أيضاً لأن المسيح لم يترك جسده بعد أن أنهى عمله الفدائى بل لقد كان إتحاد اللاهوت بالجسد (الناسوت) بلا أختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولم ينفصلا قط لحظة واحدة ولا طرفة عين. وفى هذه الآية نرى رداً على الغنوسيين فالمسيح هو الله نفسه وليس أيوناً وَسَطاً.

وأنتم مملوؤون فيه = أى فى المسيح نمتلىء من كل البركات الإلهية. "من ملئه نحن جميعاً أخذنا ونعمة فوق نعمة" (يو16:1). كل ما نحتاجه لخلاصنا وإرتباطنا بالرب، نمتلىء بكل حكمة وقداسة. ولا نحتاج أن نطلب شيئاً لا يوجد فيه، فهو وحده كفايتنا ولا نحتاج إلى أى فلسفة أو تقليد يهود أو أركان اليهودية أو أركان العالم (قيل أن هذه الكلمة تشير لمن يعتقدون فى النجوم وأنها تشير للمستقبل وكان الملوك يستشيرون المنجمين بل حتى الآن هناك عرافون يعملون كمستشارين لزعماء العالم). كل ما هو خارج المسيح فهو باطل ولا يقود سوى للموت. الذى هو رأس كل رياسة = إذاً لا يخدعكم أحد بعبادة الملائكة، فالمسيح هو رئيس الملائكة بحكم أنه خالقهم.

 

آيات 12،11 :- و به ايضا ختنتم ختانا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية التي فيها اقمتم ايضا معه بايمان عمل الله الذي اقامه من الاموات.

 قارن مع (رو6 :3-8). المتهودون كانوا يلزمون المؤمنين أن يختتنوا كشرط للخلاص وبهذا ضللوا أهل كولوسى. وهنا فالرسول يقول أن الأمم إذ إعتمدوا نالوا الختان الروحى من المسيح، وهذا يعنى الموت والقيامة مع المسيح، كما أن الختان الجسدى فيه موت لجزء من الجسم ليحيا الإنسان.

ومن نال ختان القلب الروحى لا حاجة له لختان الجسد، ولا عذر للمتهودين فى عدم فهمهم لهذه الحقيقة، فالناموس تكلم عن ختان القلب (تث 10: 16) + (تث 6:30). ونرى هنا أن ختان القلب يصنعه الله، ومن يختن الله قلبه يحيا.

ونلاحظ فى (تث16:10) أنه يطلب منهم ختان القلب مع أنهم قد خُتنوا جسدياً، ومن هذا نفهم أن الله يهتم بختان القلب أكثر من ختان الجسد.

بل أن الختان اليهودى أقل كثيراً من ختان الروح فى المعمودية، فالختان اليهودى مصنوع بيد إنسان أما الختان الروحى فهو بعمل إلهى = غير مصنوع بيد. وذلك لأن المعمودية لها عمل روحى فهى موت مع المسيح وقيامة. وبها ننفصل عن نسبتنا لآدم ونصير منتسبين لله. وبها نقوم مع المسيح من موت الخطية. وبها تتجدد طبيعتنا كلها. أماّ الختان اليهودى فليس سوى علامة فى الجسد تؤكد لليهودى أنه من شعب الله وراجع (رو29:2) لترى أن الذى يختن القلب هو الروح القدس.

بإيمان عمل الله = لا معمودية إلاّ بعد الإيمان بما عمله الله بالمسيح. والقوة التى يعطيها لنا المسيح لنسلك فى جدة الحياة (رو4:6). فالقوة التى أقامت المسيح من الموت ستقيمنا. 1) الآن من موت الخطية. 2) فى الأبدية (أف 1: 20،19). فمن يؤمن بالمسيح يكون له شركة فى قيامته روحياً. فقوة الله التى عملت فى المسيح لتقيمه هى نفسها تكون للمؤمن تعمل فيه روحياً ليحيا غير مستعبدٍ للخطية.

خلع جسم خطايا البشرية = جسم البشرية عبارة عن حالتنا ونسبتنا إلى آدم أو الطبيعة البشرية الساقطة التى ورثناها منه. وقوله خلع هو إشارة لأننا نخلع الطبيعة القديمة، ويموت فينا الإنسان العتيق الذى على شكل آدم ويولد إنسان جديد يتجدد حسب صورة خالقه (كو3: 10،9). وبهذا الإنسان الجديد يبطل سلطان الخطية على الإنسان وينشىء فيه القوى الروحية القادرة بالمسيح على أن تبطل كل عمل للخطية وكافة خطايا الطبيعة الفاسدة (رو14:6) ونجد هنا مقابلة بين الختان الذى هو قطع قطعة صغيرة من اللحم وتركها لتموت وبين المعمودية التى هى عمل روحى عظيم الأهمية الذى جرى فينا حين ولدنا من الله فى المعمودية وبه نلنا الحياة الجديدة. وكان الختان يميز شعب اليهود عن سائر الأمم وبه يصيرون منتسبين لله. وبالمعمودية نصير أولاداً له. ولنلاحظ أن المسيح بعد موته وقيامته لم يذهب للهيكل، وإنتهت كل علاقة له مع الطقوس اليهودية، لذلك بعد معموديتنا وهى موت مع المسيح وقيامة تنتهى علاقتنا بالناموس وطقوسه. ونحن نعلم أن الخطية تبقى فينا بعد المعمودية ولكن لا يجوز أن تسود علينا بل بنعمة الله نسود نحن عليها (رو14:6). مدفونين = لذلك تقوم الكنيسة الأرثوذكسية بتغطيس المعمد ليحصل الدفن.

 

آية 13 :- و اذ كنتم امواتا في الخطايا و غلف جسدكم احياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا.

من أول هذه الآية إلى آخر الإصحاح يتحدث عن إشتراك المؤمنين مع المسيح فى موته وقيامته وأنه به يستغنون عن كل حكمة بشرية وفرائض قديمة لم تستطع أن تعطيهم شيئاً من إحتياجاتهم. كنتم أمواتاً فى الخطايا = الخطية تعنى الموت الروحى أى الإنفصال عن الله، ولا يستطيع أحد أن يقيم الموتى ويحييهم سوى الله. وأحياكم = كيف ؟ بأن أعطانا حياة جديدة من الماء والروح. وهو أحيانا بنفس الحياة التى له فى القيامة، صار لنا حياة جديدة. غلف جسدكم = يشير لحالة الإبتعاد والنجاسة التى كنا عليها الرغبات الشريرة التى كانت تعمل فينا بسبب الخطية، وهذه فيها إشارة للخطية الأصلية، أو الفساد الداخلى أو القلب غير المختون. مسامحاً لكم بجميع الخطايا = الله لا يحيينا ثم يتركنا تحت أثقال خطايانا بل يعطينا قوة لنسود على الخطية، وهو رفع عنا كل خطايانا السابقة وأقامنا من موتنا الأبدى ويعطينا قوة ويساندنا بنعمته حتى لا تسود علينا الخطية ثانية فنموت.

 

آية 14:- اذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدا لنا و قد رفعه من الوسط مسمرا اياه بالصليب.

الصك = هو فى اليونانية إقرار الإنسان مكتوباً بيده بأنه مدين وعاجز عن إيفاء هذا الدين. والصك هو الوثيقة التى سجل بها عصياننا وتمرُّدنا على وصايا الناموس. الناموس طالب الإنسان بما لا يستطيع أن يعمله، وحكم بالموت على من يخالف لذلك كان الناموس ضداً لنا.

مسمراً إياه بالصليب = قيل أنه كانت هناك عادة جارية وقتئذ، أن من كانت عنده ورقة مالية على أحد، ثم قبض قيمتها، يعلقها بالمسمار بالعتبة أو بالحائط دلالة على أنه إستوفى حقه من المديون. وقيل أنه عندما كان يُلغى قانون أو أمر ما، كان الرومان يرفعونه ليثبت بمسمار فى شىء مرتفع. ونحن ننظر للصليب لنرى فيه البرهان الشرعى أن الدين الباهظ الذى كان علينا لعدل الله قد وُفىَّ تماماً. فاليهود عجزوا عن أن يوفوا بالناموس، وهم قالوا كل ما تكلم به الرب نفعل (خر8:19، 3:24). وهم بهذا وقعوا على أنفسهم صكاً بإلتزامهم بالناموس. ولكن الناموس صار حكماً وقاضياً عليهم بالموت. والأمم عجزوا أن يوفوا بالناموس الأدبى (الضمير)، فهم أخطأوا ضد ما يشير به ضميرهم. والقانون العام أن النفس التى تخطىء تموت (خر20:18).

ولاحظ أن الأمم إذ ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم (رو14:2). وهم أخطأوا ضد ما يعرفون داخلهم أنه الحق. وبالصليب محا الله الصك الذى علينا معلناً براءة الإنسان. أى لم يعد للناموس أى مطلب علينا، فقد تمم المسيح بموته كل فرائض الناموس، وأكمل بموته كل ما كان يشتكى به الناموس علينا. وهناك 3 كلمات تعبر عن أن المسيح وفّى الدين الذى كان مكتوباً فى الصك هى محا / رفع / مزق بالمسمار. وبهذا أبطل مفعول الصك. من الوسط = من طريقنا.

 

آية 15 :- اذ جرد الرياسات و السلاطين اشهرهم جهارا ظافرا بهم فيه.

الرياسات والسلاطين = هم الملائكة الساقطون إبليس وجنوده، الله جردهم من كل سلطانهم ونفوذهم. فالإنسان كان مستعبداً لإبليس حينما أخطأ. وكان إبليس يقبض على كل نفس عند إنتقالها، هو كان يطالبنا بثمن الخطايا واللذات التى سهلها لنا وأتاحها لنا، وإذ لم يكن للإنسان ما يوفى به، كان يقبض على الإنسان نفسه ويلقيه فى جهنم (وهذا ما أشار إليه العهد القديم، فإذا إستدان إنسان من آخر، ولم يستطيع أن يوفى كان يعمل كعبد عنده 6 سنين ويتحرر فى السابعة، رمزاً للراحة والحرية التى بالصليب والتى كانت من خلال اليوم السابع). والمسيح هو أول من أستطاع أن يقول "رئيس هذا العالم يأتى وليس له فىّ شىء" (يو30:14) فهو وحده الذى كان بلا خطية "من منكم يبكتنى على خطية".بل أنه فى لحظة الصليب، لحظة موت المسيح، أعلن المسيح لاهوته وقيد الشيطان وأدانه بتهمة التعدى على الله وتهييجه اليهود ضده بدون سبب. وبهذا أنهى المسيح بصليبه سلطان إبليس ووفى الدين وحرر الإنسان من عبودية إبليس = جرد الرياسات = أنهى سلطانهم وإستعبادهم لنا، بل ذهب لعقر دارهم أى الجحيم وانقذ الذين ماتوا على الرجاء فاتحاً لهم الفردوس (لو11: 22،21).

أشهرهم جهاراً = لقد تركهم المسيح يُهَيَّجُونَ الجميع، يهوداً وأمماً عليه ليصلبوه، ففضح شرهم وخداعهم للإنسان وكراهيتهم لنا وفشلهم، فهم لا يستطيعون عمل شىء إلاّ ما يسمح به الله وما يريده الله. هم أرادوا بالصليب شراً بالمسيح وأراد الله بالصليب الخير لكل البشرية. لذلك فالله يضحك على كل مؤامراتهم، فمهما فعلوا وتآمروا فهم لن يفعلوا سوى ما يريده الله (مز2: 1-5). وبالصليب إنتصر المسيح على إبليس وعلى الموت = ظافراً بهم فيه. ولاحظ أن كل من هو ثابت فى المسيح الآن يستطيع يقول مع المسيح : "رئيس هذا العالم يأتى وليس له فى شىء" بل يصلى للعذراء الأم "وعند مفارقة نفسى من جسدى إحضرى عندى" (قطع الغروب).

فالعذراء والقديسون والملائكة يستقبلون النفوس البارة الثابتة فى المسيح فى لحظات الموت. وكل من هو ثابت فى المسيح يكون له سلطان على إبليس. نحن الآن نحارب شيطاناً مهزوماً لا سلطان له علينا.

 

آيات 17،16 :- فلا يحكم عليكم احد في اكل او شرب او من جهة عيد او هلال او سبت. التي هي ظل الامور العتيدة و اما الجسد فللمسيح.

فلا يحكم = الفاء هنا تشير إلى أنه إذا كان المسيح قد هزم كل الأعداء الروحيين فإنه من الحماقة أن نرتد لفلسفات العالم أو أركان اليهود الضعيفة للخلاص، فالخلاص تم بالصليب، ولا خلاص لنا سوى بالموت مع المسيح وبالقيامة معه وهذا يتم بالمعمودية. وهنا يرد على المتهودين الذين يصرّون على منع مأكولات معينة كطريق للخلاص حسب الناموس. أما المتهودون فهم رفضوا الأنجيل إذ أرادوا أن يمكثوا تحت الناموس، وطالبوا بتطبيق الشرائع حرفياً بكونها واهبة الخلاص، وهم أرادوا أرغام الأمم على ذلك. والرسول يطلب من المؤمنين رفض كل ذلك. وشريعة العهد القديم حرمت بعض الأطعمة لُتجَسّم للإنسان فعل النجاسة التى بالخطية، فمثلاً لا يؤكل الخنزير، لأن الخنزير يرتد للقاذورات مهما نظفوه (إشارة لإرتداد التائب لخطيته ثانية). وملاءة بطرس كانت تشير لتحليل أكل كل شىء، وهذا أيضاً تعليم المسيح (مت 15 : 18،11). الهلال = بداية كل شهر هى عيد عند اليهود. عيد = العيد يأتى كل عام. السبت = يأتى كل أسبوع. واليهود إحتفلوا بهذه الأيام بطريقة خاطئة حرفية ومنعوا عمل الخير فيها. أما الختان فصار رمزاً للمعمودية والذبائح صارت رمزاً للصليب. كل هذه الأمور لم يعد لها معنى بعد المسيح، بعد أن حررنا من نير الخطية، أما الأعياد اليهودية فكانت مجرد رمز للمسيحية = ظل الأمر العتيدة. أما الجسد فللمسيح = ليس المطلوب من الجسد هو الإمتناع عن أكل أو شرب بل أن يمجد المسيح 1كو 20:6. ولا يصح لأحد إستخدام هذه الآية للهجوم على الأصوام فى الكنيسة الأرثوذكسية، فالكنيسة لا تمنع أكلاً لأنه نجس بدليل أنه بعد إنتهاء فترة الصيام نأكل كل شىء.

 

آية 18:- لا يخسركم احد الجعالة راغبا في التواضع و عبادة الملائكة متداخلا في ما لم ينظره منتفخا باطلا من قبل ذهنه الجسدي.

هنا يرد الرسول على المعلمين الكذبة من الغنوسيين الذين طالبوا بعبادة الملائكة بناء على حجة فاسدة وهى أن العبادة لله رأساً لا توافق التواضع الحقيقى أمام الله. فالله روح سامٍ جداً. والبشر من مادة فلذلك هم نجسون جداً فكيف يقف النجس أمام الله؟ والحل فى نظرهم عبادة الملائكة. وبولس هنا لا يهاجم التواضع الحقيقى الذى دعا إليه السيد المسيح (مت 11 : 29). بل التواضع الخاطىء الذى دعا إليه الغنوسيون. والمقصود من الآية طبعاً الدعوة لعبادة المسيح فقط.

الجعالة = أى الجائزة التى تعطَى للمنتصر فى السباق، وهى هنا الوصول للسيد المسيح فى مجده، والحياة الأبدية معه فى المجد.

متداخلاً فيما لم ينظره = لقد تظاهروا بدرجة فائقة من النمو الروحى، وأنهم نظروا ترتيب صفوف الملائكة فى عبادتهم وأنهم رأوا ذلك فى السماء إذ دخلوا فيها وما هذا إلا هلوسات ناتجة عن كبرياء وخداعات الشياطين. وهم عرضوا على الكنيسة أن تراعى ذلك فى ترتيب عبادتها، وهذا فيه إنتفاخ وكبرياء ومحاولة إثبات الذات = منتفخاً باطلاً = هذا الإنتفاخ هو من قِبَل إبليس المضلل الذى أوحى لأذهان هؤلاء بذلك = من قبل ذهنه الجسدى.  

 

آية 19 :- و غير متمسك بالراس الذي منه كل الجسد بمفاصل و ربط متوازرا و مقترنا ينمو نموا من الله.

من ينتفخ ويقول ما سبق فى آية 18 يكون غير متمسك بالرأس الذى هو المسيح، والتمسك بغيرالمسيح سببه الكبرياء، وهذا هو السبب فى كل الهرطقات. فمن يتمسك بأحد غير المسيح يكون غير واثقاً فى المسيح، أو غير واثق أن المسيح قادر على العمل بمفرده، وفى التمسك بغير المسيح يضعف التمسك بالرأس. فلا رأس للكنيسة سوى المسيح، ومن يتمسك بالملائكة ويعبدهم يترك المسيح الرأس ويبّدله ببعض الخلائق ويكون هذا كأنه عبادة أصنام. ونلاحظ فى هذه الآية أن أعضاء الكنيسة مرتبطون ببعضهم البعض كأعضاء جسد واحد،هم مرتبطون بالمحبة التى تقرنهم (كو2:2). وكلهم مرتبطون بالمسيح الرأس، كرأس للجسد كله، فإذا كانت الكنيسة مرتبطة بالمسيح هذا الإرتباط فلا يمكن أن يدخل شىء بينها وبينه. ولو حدث فهذا يحرمنا من الحياة التى أحيانا بها الله فيه.

بمفاصل وربط = الروح القدس يربط الأعضاء كلهم فى محبة ويثبتهم كلهم فى الرأس. متوازراً = نفهمها من (أف16:4). فنحن كلنا نكمل بعضنا بعضاً. ولكن الرأس يتحكم فى كل الأعضاء. كما تتحكم الرأس بواسطة الأعصاب فى كل أعضاء الجسم. ينمو = الجسد ينمو فى العدد وفى القداسة، وكل عضو ينمو طالما هو ثابت فى المسيح. راجع تفسير الآيات (أف4: 16،15).

ملحوظة :- الكنيسة تؤمن بشفاعة الملائكة، وهذه غير عبادة الملائكة، فنحن لا نعبد سوى المسيح، أما الشفاعة فهى محبة تجعل الكل يصلى لأجل الكل، وهذا ما طلبه الكتاب (يع16:5). فهل لا يصح أن تنفذ العذراء هذه الآية وتطلب لأجلى إذا طلبت منها أن تصلى لأجلى، وهل ذلك لأنها ميتة ؟‍‍ والكتاب يقول أن الله إله أحياء وليس إله أموات (مت32:22). بل الكنيسة تصلى لأجل العذراء فى كل قداس (صلاة المجمع). وهذا ما نراه فى سفر الرؤيا، فالملائكة يسبحون الله على الخلاص الذى تم للبشر (رؤ 5: 9، 10، 13). فالمسيح وحّد السمائيين مع الأرضيين (أف10:1). والله يقول أنا أكرم الذين يكرموننى (1صم30:2). ويكون هذا بأن يستجيب الله شفاعتهم. فطلبة البار تقتدر كثيراً فى فعلها  (يع 16:1).

 

آيات 20 – 23:- اذا ان كنتم قد متم مع المسيح عن اركان العالم فلماذا كانكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض. لا تمس و لا تذق و لا تجس. التي هي جميعها للفناء في الاستعمال حسب وصايا و تعاليم الناس. التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة و تواضع و قهر الجسد ليس بقيمة ما من جهة اشباع البشرية.

وصايا المتهودين لا تسود على من مات مع المسيح فى المعمودية لماذا؟ لأن موتنا مع المسيح حررنا من عبوديتنا للخطية أصلاً، وحررنا من الناموس، وصرنا للمسيح فقط، فلماذا الرموز والبدائيات التى كانت تشرح خطورة الخطية؟  لقد نضجنا الآن، فلا داعى لمرحلة الطفولة. عبادة نافلة = أى زيادات على الناموس أو الإفراط فى التمسك بالشكليات فى العبادة، وهذا يتفق مع الأهواء الشخصية ولم تأمر به الشريعة، كمن إعتبر الزواج نجاسة.

لا تمس = كان الناموس يمنع لمس جثة الميت وإلاّ ينجَّس الإنسان. ونلاحظ أن جميع الأشياء التى تعلقت بالناموس هى مادية. والتى تعلقت ببركات النعمة فى المسيح هى روحية تدوم للأبد.

حكاية حكمة = APPEARANCE OF WISDOM لها شكل الحكمة أو هيئتها، هى شىء شبيه بالحكمة. ولها تفسير آخر أن لها سمعة الحكمة. فظاهرياً كان هؤلاء يُحسبون حكماء. ولكن ما يظهر حكمة أمام الناس من هذه الأمور السابقة هو جهالة أمام الله، فالمسيح قد أغنانا عنها وعن كل حكمة إنسانية وتعاليم أناس بشر، هذه تعاليم بحسب إرادة الناس وليس بحسب إرادة الله.

إذاً إن كنتم قد متم مع المسيح = الموت مع المسيح تم فى المعمودية، وبها أيضاً قد إقتنينا طبيعة جديدة تسمو وترتفع فى سلوكها عن كل الفرائض البدائية التى لا تصلح سوى للقُصَّرْ. فالرسول يقول.. "إذا كنتم قد متم عن الخطية فلماذا تعودون لرموز قديمة كانت فقط للتأديب حينما كنتم أطفالاً روحياً؟ لماذا لم تنضجوا روحياً كمؤمنين، ومازلتم تسلكوا كأطفال قصر؟ أو كأهل العالم الذين يحتاجون إلى فروض خارجية لضبط وتهذيب سلوكياتهم مثل أعتبار أن بعض المأكولات أو المشروبات نجسة، مع أنها جميعها سيزول، بإستعمالكم لها = جميعها للفناء. ولن يكون لها تأثير على النفس أو الروح أو الذهن. كما أن جميع هذه الفرائض الغنوسية وتعاليم آباء اليهود لا تزيد عن كونها فرائض بشرية، كما أن حتى فرائض الناموس بعد أن مزق المسيح الصك الذى علينا ما عُدنا ملزَمين بها، وصار من يفرضها عليكم هم البشر وليس الله. وللأسف فإن هؤلاء المعلمين يخدعونكم، ويقدمون لكم تعاليمهم فى مظهر الحكمة، ولكى تحوز تعاليمهم قبولكم فهم يفرطون فى التمسك بشكليات العبادة كما يسنونها مستترين فى إتضاع مزيف ويمعنون فى إذلال أجسادهم = قهر الجسد. فهم يظنون أن الجسد هو مصدر الشر فيهم، فهم إعتقدوا أن المادة شر. مع أن الواقع يثبت بالدليل القاطع، أن هذه التعاليم ليس لها أى قيمة تذكر فى كبح جماح الشهوات الجسدية، بل تنشىء فيمن يتمسك بها الكبرياء والإتكال على البر الذاتى فيحرم نعمة الله التى تشبع النفس البشرية بتجديدها وارتباطها بالرب. أما الصوم والبتولية فى المسيحية لا يعتبران الطعام أو الزواج نجاسة، بل فيهما ضبط للشهوات منعاُ للإندفاع، ولكى يكون هناك فرصة للتعرف على لذة العلاقة مع الله، فاللذة لا تكمن فقط فى الطعام والشراب والجنس، بل هناك لذة روحية موجودة فى الصلاة والعلاقة مع الله، وعلينا أن نكتشفها والكنيسة تساعدنا على ذلك بتحديد أوقات للصوم وزيادة الصلوات والإمتناع عن الملذات الجنسية للمتزوجين حتى يتفرغوا للرب، وهذا ما قاله الرسول (1كو5:7). أما الغنوسيون فاعتبروا أن الزواج وبعض الأطعمة نجاسة. لذلك يهاجمهم الرسول والكنيسة إذا إمتنعت عن أكل اللحم يكون هذا لفترة تعود بعدها لأكل اللحم فهى لا تعتبر اللحم نجاسة. إشباع البشرية = ظن الغنوسيون أن فى النسك إشباع للبشرية. ولكن فى الحقيقة هم أشبعوا غرور الإنسان وملأوه كبرياء، ومحبة فى الظهور والإفتخار أمام الناس، وشعور الإنسان أنه متميز عن الباقين. وهذه كمياه البحر لا تروى أحداً بل تزيد من الشعور بالعطش. فلا شبع خارج عن المسيح وهذا هو هدف النسك المسيحى الذى غايته وهدفه الشبع بالمسيح الذى يشبع حقاً النفس والجسد والروح.


 

الإصحاح الثالث

هنا نرى الرسول يطالب القارىء بأن يكون له جهاد إيجابى وجهاد سلبى. والإيجابى بأن يحيا متأملاً فى السماويات حيث هو ذاهب بعد هذه الحياة، ويحيا مصلياً ودارساً لكلمة الله فى الكتاب المقدس متطلعاً إلى اليوم الذى ينطلق فيه إلى موطنه السمائى الذى كله فرح ومجد إذ هو غريب هنا على الأرض. أما الجهاد السلبى فهو ان يحيا كميت أمام خطايا وشهوات العالم. ولاحظ تركيز الرسول على دور المؤمن وجهاده أطلبوا.. إهتموا.. أميتوا.. إطرحوا. فالنعمة تساند من يجاهد حتى الدم (عب4:12).

 

أيات 1-2:- فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الارض.

إن كنتم قد قمتم = بما أنكم قد قمتم مع المسيح فإفعلوا كذا وكذا.. والقيامة مع المسيح تمت فى المعمودية. فالمسيح قد قام ونحن قمنا معه فى المعمودية، والمسيح صعد إلى السموات ورآه التلاميذ صاعداً ليجذب إنتباههم وإنتباهنا للسماويات التى ذهب إليها ليعد لنا مكاناً. فالسماء صارت موطناً لنا، ونحن غرباء هنا على الأرض. أماّ الإنسان العالمى فهو يهتم بما فى العالم. أما نحن فقد متنا عن العالم أى أنفصلنا عنه. والإهتمام بالعالم هو خاص بالإنسان العتيق "إن كان لنا قوت وكسوه فلنكتف بهما" (1تى18:6). وقول الرسول يعنى أنه طالما قد حصلتم على طبيعة جديدة فأطلبوا ما يتناسب معها، وبهذا تتأهلون للميراث السماوى. أبناء الله يتمتعون بالسماويات وهم على الأرض، أما الغنوسيون فهم أرضيون. لذلك ففى بداية كل قداس يسأل الكاهن "أين هى قلوبكم" وهذا لا يعنى ترك العالم بل أن نكون أمناء أن لا يدخل العالم لقلوبنا، أو نسلك بمبادئه.  

أطلبوا / إهتموا = أطلبوا المسيح وإهتموا أن يكون لكم نصيب فى السماء وإنشغلوا بالسمائيات وبكلمة الله وبالصلاة بلا إنقطاع بدلاً من الإنشغال بملذات العالم وشهواته.وقوله إهتموا = أصلها إنشغال الفكر وإنحصاره فى أمر هام. وكلمة إهتموا هى درجة أعلى من أطلبوا، فهى تعبر عن أشواق داخلية وإلحاح فى الطلب حتى نحصل على ما نريد، أما الطلب فقد نطلب مرة ثم نسكت.

 

آيات 4،3:- لانكم قد متم و حياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى اظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون انتم ايضا معه في المجد.

لأنكم قد متم = نحن متنا بإنساننا العتيق فى المعمودية. وقوله هذا "لأنكم قد متم" إجابة لما قال.. "إهتموا لا بما على الأرض". ومن يظل ميتاً عن الخطية وعن العالم تستمر فيه حياة المسيح التى أخذها بقيامته مع المسيح فى المعمودية. وهذا ما قاله السيد المسيح من أضاع نفسه يجدها.. ومن وجد نفسه يضيعها. فقوله "أضاع نفسه" أى عاش كميت أمام خطايا وملذات العالم، مثل هذا يحيا المسيح فيه.

حياتكم مستترة = المسيح هو حياتنا، الله أحيانا روحياً به "لى الحياة هى المسيح فى" (21:1) "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ" (غل20:2). هذه هى حياة النعمة التى نحياها الآن ولكن هذه الحياة لا تظهر أمام الناس أى انها مستترة لأن المسيح نفسه غير ظاهر. كل ما يظهر هو ثمار هذه الحياة. وما أخذناه الآن جعلنا بذرة حية، حياتها مستترة فيها والحياة التى فى البذور، لا تظهر إلا بعد أن تدفن البذور وتموت، فتظهر شجرة جميلة والحياة التى أخذناها الآن ستظهر بعد أن نموت وندفن ونقوم بجسد ممجد. والمسيح سيظهر فى نهاية الأيام وسنظهر معهُ فى المجد (1يو2:3) + (فى21:3). الحياة التى فينا لا يشعر بها العالم غير المستنير ولا يعرفها، ولكن نشعر بها داخلياً.

أماّ الذى يرتد لحياة الخطية بعد المعمودية فيكون كبذرة أكلها السوس، متى زُرعت لا تعطى شجرة، فلقد اختفت الحياة من داخلها. وهذا معنى قول السيد من وجد نفسه(عاش يتلذذ بخطايا العالم) يضيعها. (مت39:10).

فحينئذ تظهرون.. فى المجد = فى السماء سيكون المجد علنياً، "المجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو18:8). المسيح سيظهر فى مجده فى نهاية الأيام ونحن معه. والمجد الآن مستتر. فى الله = الله هو مصدر حياتنا وحافظها وحياتنا مستترة فيه، فهو الحى مصدر كل حياة.

 

آيات 6،5:- فاميتوا اعضاءكم التي على الارض الزنى النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الاوثان. الامور التي من اجلها ياتي غضب الله على ابناء المعصية.

أميتوا = يبدأ هنا دروساً فى السلوك العملى. وأميتوا لغوياً تعنى إذبحوا ذبحاً مستمراً، إحسبوا أعضاءكم ميتة أمام شهواتكم، ألم تموتوا مع المسيح فى المعمودية؟ إذاً حافظوا على هذا الموت عن العالم وشهواته "إحسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية..." (رو11:6). ليظهر أمام العالم هذا الموت كطريق إختيارى، ومن يفعل ينال معونة من الروح القدس، فالروح القدس هو قوتنا لإماتة شهواتنا "فإن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو13:8). ولكن الروح لن يعين سوى من يجاهد، وذلك بأن يقف أمام الخطية كميت، ويقف أمام الله فى الصلاة طالباً المعونة.

أعضاءكم = ليس المقصود قطعاً أن نقطع ونذبح أعضاءنا الجسدية، بل الخطايا والشهوات التى نرتكبها بها. هذه مثل قول السيد "إن أعثرتك يدك فإقطعها" (مت30:5). أعضاءكم التى على الأرض =

1.     أى طالما نحن على الأرض ستتحرك الشهوات الخاطئة فى أعضائنا.

2.     المقصود أن نحسب العضو الذى يشتهى شهوات أرضية، نحسبه عضواً ميتاً. فلو إستجبنا للشهوة الخاطئة الأرضية التى تعمل فى هذا العضو لصار آلة إثم.

3.     أعضاء الجسد ليست نجاسة لكن المقصود أن لا نجعل العضو آلة فى يد الإنسان العتيق أى الشهوات المنحرفة. ولكن علينا أن نجعل اعضاءنا آلات بر يستعملها الإنسان الجديد المولود فى المعمودية، فاليد التى كانت تسرق تتحول ليد ترتفع فى الصلاة، والعين التى تشتهى إلى عين تدرس كلمة الله (رو13:6).

4.     من يتجاوب مع الشهوات الخاطئة يطفىء الروح ومن يتجاوب مع الروح القدس ويجعل أعضاءه آلات بر يمتلىء بالروح وتزداد معونة الروح القدس لهذا الإنسان. فالله أعطانا الروح القدس كمعين حتى لا تسود الخطية علينا. والموضوع فى أيدينا: فمن يجاهد ليحفظ وصايا الله ويميت أعضاءه (أى شهواته أى يقف أمام الخطية كميت) يفرح به الروح ويعينه ومن يهمل يُحزن الروح ويطفئه ولا يجد معونة من الروح فقد أطفأهُ.

الزنا = راجع 1كو 18:6          

النجاسة = كل ما يتصل بالإنحرافات الجنسية.

الهوى = الإنفعال الجنسى السريع (التحرق) = عواطف وشهوات خاطئة بلا ضابط.

الشهوة الردية = الرغبة فى إتمام الخطية وهى وليدة الهوى.

الطمع = إشتهاء ما للغير والرغبة فى إقتنائه وعدم الإكتفاء بشىء وأسماه الرسول عبادة أوثان =

1.     يجعل صاحبه عبداً للمال.

2.     تعلق القلب بالمال أو المقتنيات.

3.     الشعور بالإطمئنان مع زيادة المال، هنا جعل الإنسان المال إلهاً يضمن له المستقبل.

أبناء المعصية = هم من يعيشون فى الخطايا السالف ذكرها.

 

آيات 8،7:- الذين بينهم انتم ايضا سلكتم قبلا حين كنتم تعيشون فيها. و اما الان فاطرحوا عنكم انتم ايضا الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من افواهكم.

سلكتم قبلاً = أهل كولوسى مثل كل الأمم سلكوا فى عبادة الأوثان وما يصاحبها من زنا ونجاسة.. قبل أن يؤمنوا. وأما الآن = لا تضيعوا الفرصة، فلا أحد يضمن عمره للغد، ولا يضمن هل توجد فرصة فى الغد للتوبة.

الغضب = من الرذائل المتأصلة فى الإنسان وتثمر فيه حقداً وكراهية.

السخط = التهيج السريع. الخبث = عمل مؤذ للآخرين ناتج عن حقد دفين وكراهية.

التجديف والكلام القبيح = هناك تجديف على الله وتجديف على الناس أى الإفتراء عليهم وهم صورة الله (أم5:17) والكلام القبيح هو ترجمة للأفكار والإنفعالات القلبية الخاطئة لكلمات ماكرة وبطالة.

 

آيات 9-11:- لا تكذبوا بعضكم على بعض اذ خلعتم الانسان العتيق مع اعماله. و لبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه. حيث ليس يوناني و يهودي ختان و غرلة بربري و سكيثي عبد حر بل المسيح الكل و في الكل.

لا تكذبوا = الكذب من أعمال إبليس، فهو الكذاب وأبو الكذاب (يو44:8). وهو صاحب أول كذبة فى التاريخ على حواء. ولأنه أبو الكذاب فصار كل من يكذب إبناً لإبليس. وإبليس مازال يكذب على الناس مصوراً لهم أن فى الخطية سعادة وفرح. والكذب من أعمال الإنسان العتيق ولا يليق بأولاد الله. ومن يتسلط عليه الكذب تنقلب حياته تماماً فهو سيبيح لنفسه أى عمل خاطىء. لذلك فالكذب يساعد على نمو كل الخطايا السالفة. الكذب هو إخراج الله الحق من المشهد، فكل من يكذب يكذب على الله، ومن يتصور أن الله يقبل الكذب فهو يخطىء فى حق الله.

لبستم الجديد =  هذا تم بالمعمودية، ففى المعمودية لبسنا المسيح وصارت لنا طبيعة جديدة. (راجع رو6) ملحوظة :- فى المعمودية مات الإنسان العتيق أى الشهوات القديمة الخاطئة. ووُلِدَ فينا إنسان جديد قادر على صنع البر. لكن الإنسان حر فى أن يُحيى الإنسان العتيق يأن يرتد لشهواته ويهمل علاقته بالله، وهو حر أيضاً بل قادر بمعونة الروح القدس على أن يُحيى الإنسان الجديد وينميه وذلك بأن يقف كميت أمام الخطية، ويجاهد فى صلاته وتسابيحه، أى أن يلتصق بالله تاركاً العالم بملذاته. فالمسيح أعطانا هذا الإنسان الجديد فماذا أعطت الغنوسية واليهودية فى المقابل ؟

يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه = خلق الله آدم فى الجنة، وكان آدم يرى الله ويعرفه ويعرف إرادته، وكان يحب الله قطعاً وهذا لأن الله حلو، إذا عرفه الإنسان يحبه. وكان آدم مخلوقاً على صورة الله. وسقط آدم فاختبأ من الله، وكلما زادت الخطية ابتعد الإنسان عن معرفة الله، بل عبد آلهة أخرى ولم يعد يحب الله، ولا عاد يعرف إرادته وصار الإنسان ظلمة (أف8:5) وأحب العالم وشهوات العالم، وصارت لذاته فى شهوات العالم. وجاء المسيح لفداء البشر، وأرسل الروح القدس ليجدد طبيعتنا.. فماذا عمل؟ كانت أول ثمار الروح القدس المحبة، بل صار يسكب محبة الله فى قلوبنا (غل22:5) + (رو5:5) وكلما تزداد محبة الله فى قلوبنا، ندرك إدراكاً فائقاً لله وللأمور الروحية، فبالمحبة يفتح الله سماءهُ وأسراره لنا أف 19:3. وكلما عرفنا أسرار الله ومحبة الله لنا والمجد الذى أعده لنا (1كو2: 10،9). نشتاق لنعرف أكثر، ونحب الله بالأكثر، وكلما عرفنا ماذا يعطيه الله لنا، إذ هو يملأنا بكل ما نحتاج إليه، نطلب أن نمتلىء منه، فنشبع به أى لا يعود فينا مكان لآخر. وهنا تتغير صورتنا إلى صورته بل نعكس مجده (2كو 18:3).

لقد أعطانا المسيح حياته، والروح القدس يقدسنا بأن يجعل كل عضو فينا مكرساً لله، فيستعملنا المسيح، أى يستعمل أعضاءنا، تصير أعضاؤنا أعضاءً له. ومع الوقت نتحول لصورة له "يا أولادى الذين أتمخص بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل19:4) + "إلبسوا المسيح" (رو14:13). فالتجديد يكون بأن نعرف الله وندرك محبته فنشتاق أن يملأنا فنتحول إلى صورته، هذا ولن نعود إلى صورة آدم أبينا الأول، بل نتحول إلى صورة المسيح نفسه. والحب الذى سيملأ قلبنا لن يكون لله فقط، بل لكل خليقة الله اليونانى واليهودى والبربرى.. والتجديد ليس لواحد بل لكل الكنيسة. فيملاً المسيح الكل. المسيح هو الكل وسيملأ الكل = المسيح الكل فى الكل. وحينما يملأ المسيح الكل، والمسيح محبة، فلا مكان لكراهية احد، لذلك سنحب الكل اليونانى و... و عملية التجديد أى النمو فى المعرفة والحب تزداد كل يوم. فالمولود من الله ينمو. التجديد هو عمل جاء فينا بواسطة الروح القدس الذى يستعمل كلمة الله فى أن نعرف الله. فبكلمة الله المكتوبة نعرف كلمة الله المسيح ابن الله الحى.

والتجديد كما يُفهم من أصل الكلمة اليونانى هو عملية تستمر طول الحياة وليس كما تقول بعض الطوائف أنها تتم فى لحظة. وقوله للمعرفة فيه إشارة لأن الذى يتجدد سيعرف إرادة الله ومشيئه الله وينفذها. وقارن هذا الذى قيل مع قول السيد المسيح "وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو3:17) " فعدم معرفة الله يعنى جهل وظلمة ومعرفة آلهه أخرى وملذات أخرى أى إستعباد وحزن وضياع. أما معرفة الله هى نور ومحبة وإمتلاء وشبع ومجد وفرح أبدى لا ينتهى. إذاً إماّ أن يعرف الإنسان الله فيحيا حراً فى فرح ومجد، أو لا يعرفه فيحيا فى عبودية وظلام. إماّ أن يعرفه فيتحول إلى صورته وإماّ لا يعرفه فيكون صورة للعالم، والعالم باطل وفانٍ.. فسيموت وينتهى للظلمة الخارجية.

يونانى = له مكانته المتميزة فى المجتمع عندئذ وبعد فتوحات الإسكندر صارت اليونانية هى اللغة السائدة فى العالم. بربرى = بحسب مفهوم اليونانيين فإن البربرى هو كل مالا يتكلم اليونانية. يهودى = هذا يعتز بأنه أبن إبراهيم، وهو الذى يعرف الله وله الشريعة والمواعيد. وفى نظر اليهودى فإن بقية الأمم ما هم إلاّ كلاب نجسة. وكان الرومان واليونانيون يحتقرون اليهود. وكان اليهود يحتقرونهم. سكيثى = من سكان شمال البحر الأسود وهم من التتار، وهم من أشد البربر وحشية وتخلفاً. حر = كان للسيد ان يقتل عبده دون مساءلة من أحد. وفى المسيح صار كل هؤلاء واحداً المسيح الكل فى الكل = الوحى هنا لا ينظر للمؤمنين كأفراد متفرقين بعضهم عن بعض بل كمن هم مخلوقون ثانية فى المسيح، الذى هو حياتهم ورأسهم. ولذلك أنتهت حياتهم السابقة وفروقهم الجنسية، الكل صار لابساً المسيح وخالعاً إنسانه العتيق. صار المسيح لنا كل شىء وهو حياة الكل أى الكل فى الكل = هو هدفنا الوحيد الذى ننظر إليه، هو فينا كلنا كحياة لنا، هو وحده يشبعنا من كل ما نحتاج إليه، هو ما نرجوه فى أبديتنا. ولاحظ ان الرسول يركز دائماً على المسيح ليرد على الغنوسيين. وهذه ضربة موجهة لليهود والمتهودين الذين يشعرون بكبرياء لكونهم يهوداً. وضربة للغنوسيين الذين يشعرون بتميز لمعرفته وفلسفاتهم. ولليونانيين الذين يشعرون بتفوقهم ويسمُّون الآخرين برابره.

ملحوظة :- الذى يتجدد حسب صورة خالقة هو إنسان مملوء بالروح، مملوء محبة، مات الإنسان العتيق الذى فيه، المسيح حياته، المسيح يستخدم أعضاءهُ كآلات بر. لا يخطىء، وإن أخطأ يشعر بتبكيت شديد فيقدم توبة سريعة، كل هذا ناشىء من أنه عَرِف الله وعرف مشيئته وأصبح غير قادر أن يخالف مشيئه الله لأنه أحبه، ولأنه حينما يخالفه يضربه قلبه بشدة، أصبح مختبراً ماذا يرضى الله مثل هذا يكتسب صورة المسيح حينما كان المسيح على الأرض، وفى السماء أيضاً ستكون له صورة المسيح فى مجده. راجع (1صم24: 4-6) + (1يو9:3) + (أف10:5) + (فى21:3) + (1يو2:3) + (غل19:4).

 

آيات 12-15:- فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين احشاء رافات و لطفا و تواضعا و وداعة و طول اناة. محتملين بعضكم بعضا و مسامحين بعضكم بعضا ان كان لاحد على احد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا انتم ايضا. و على جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال. و ليملك في قلوبكم سلام الله الذي اليه دعيتم في جسد واحد و كونوا شاكرين.

إلبسوا = يقصد المظهر الخارجى لابد أن يكون محلى بالفضائل. نحن تعرينا بالخطية وإفتضحنا. وبالمعمودية لبسنا المسيح. ولكن قوله إلبسوا يشير لأهمية الجهاد حتى نكتسب شكل المسيح وتكون لنا فضائل المسيح. ومن يجاهد يعطيه المسيح حياته وفضائله يظهر بها أمام الناس إلبسوا كمختارى الله = إلبسوا لأنكم مختارو الله، الله يريد أن يعطيكم هذه الهيئة أن يكون لكم شكل المسيح أى أن تلبسوا المسيح. هنا نرى أهمية الأعمال بالنسبة للخلاص، وينبه المؤمنين لأهمية السلوك المسيحى الواجب عليهم. القديسين = الذين كُرَّسْتُمْ لخدمة الله بالكلية. أحشاء رأفات = الأحشاء هى المشاعر الداخلية، وهى ما نعبر عنه الآن بالقلب. إذاً المطلوب قلب رحيم على الإخوة، وإظهار المحبة للآخرين وهم فى شدائدهم. والرأفات تجمع بين الرأفة واللطف. لطفاً = كلام بدون خشونة وتشجيع دون إثارة غضب أحد، ومعونة للآخرين. تواضع = ضد الكبرياء والإعجاب بالنفس، وهو شعور داخلى بعدم الإستحقاق للبركات الإلهية، عالماً أن كل خير هو من الله وليس من نفسه ويطلب المكان الأخير. وداعة = لا يجرح أحد ولا يُغضب أحد ويحتمل الإهانة ولا يرد بمثلها. قيل عن المسيح الوديع لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته (مت 19:12).

طول الأناة = ضبط النفس وقت الغضب والصبر على المسيئين. والوديع طويل الأناه أيضاً وكلاهما هادىء وبشوش.

محتملين بعضكم بعضاً. مسامحين = يكون المسيح قدوتنا فى الإحتمال. والبداية هى الإحتمال والتسامح نهاية المشوار. كونوا شاكرين = هذا إحساس بإحسانات الله علينا. وهذه أتت بعد وليملك فى قلوبكم سلام الله = فمن إمتلأ قلبه سلاماً يشعر ويثق أن كل الأمور للخير. فيشكر الله حتى فى ضيقته. والسلام اى أن يمتلىء القلب هدوءاً وسكينة ورضا وإطمئناناً. والعكس "لاسلام للأشرار" (أش 57 : 21،20). فالسلام ثمرة من ثمار الإمتلاء من الروح القدس، وهذا تجده محباً للجميع مملوء أحشاء رأفات للجميع المحبة رباط الكمال = المحبة هى أم الفضائل كلها وأشرفها وهى تجمع كل الفضائل. والكمال هو حالة لا يمكن التفوق عليها، والمقصود أن أكمل صورة يرتبط بها شعب الله، هى أن يرتبطوا بالمحبة. فهناك من يرتبطوا لمصالح متعددة ودائماً نهاية هذه الإرتباطات مشاكل، أما كمال الإرتباطات فهى المحبة والمحبة هى أولاً لله وثانياً لكل الناس حتى الأعداء.

 

آيات 17،16:- لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى و انتم بكل حكمة معلمون و منذرون بعضكم بعضا بمزامير و تسابيح و اغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب. و كل ما عملتم بقول او فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله و الاب به.

الوسائط التى يذكرها لنا الرسول لأجل تعزيتنا وبنياننا:-

1.     سكنى كلمة الله فينا ودراستها والتأمل فيها وإتباع وصايا الإنجيل. وتكون كلمة الله فى أفكارنا نرددها بألسنتنا ونوراً دائماً لنا، فنرى فى حياة المسيح قدوة لنا ونتتبع وصاياه، ويكون الإنجيل معاشاً (أى ننفذ تعاليمه ولا يكون للجدال). بغنى = لا يكفى أن تكون المعرفة هامشية، بل بفيض وعمق، فهذا يحمينا من خداعات العدو، وينير أذهاننا، ويعطينا حكمة.. فنعلم الآخرين = معلمون = العقيدة والحياة الروحية (هذه إيجابيات). ومنذرون بالبعد عن الشر (وهذه سلبيات).

2.     حياة التسبيح والترنيم خاصة المزامير المملوءة صلوات والتى تعلمنا كيف نصلى فالمزامير هى كلمات الروح القدس على فم داود. والتسابيح = فالتسبيح عمل الملائكة يرفع النفس للسماء فتتذوق عربون الملكوت. والأغانى الروحية = هى الترانيم التى تحمل إشتياقات للسماء وللرب يسوع. والصلاة والتسابيح يجب أن تكون بالقلب = فى قلوبكم وليست باللسان فقط أو الصوت الجميل.

3.     إعملوا الكل بإسم الرب يسوع = أى مستمدين القوة منه. وهو لن يعطى قوة لعمل يكون ضد إرادته. فلنصلِ قبل كل عمل ونطلب إرشاد الله. ولاحظ تكرار قول الرب يسوع. ففى هذا رد على الهراطقة الذين يريدون أن يقللوا من مكانه المسيح بإسم = فهو قد إشترانا ونحن صرنا لهُ. وهو يعنى أن المسيح الكل فى الكل، هو الذى يمنحنا القوة لعمل أى شىء "بدونى لا تقدرون ان تعملوا شيئاً" (يو 15 :5).

4.     شاكرين = المسيح وهبنا طبيعة جديدة هى طبيعة الشكر عوضاً عن طبيعة الجحود، ونحن لن ننمو سوى بالشكر "كل عطية بلا شكر هى بلا زيادة... القديس اسحق السريانى". الله والآب = الواو ليست حرف عطف، وإلا يكون الله غير الآب، بل شاكرين الله الذى هو أبو يسوع المسيح، والذى أرسل إبنه يسوع المسيح لنصير نحن له أبناءً بإتحادنا بالمسيح. 

وفي هذا الرد على من قال بقسوة إله العهد القديم.

 

أيات 18 – 25 : - ايتها النساء اخضعن لرجالكن كما يليق في الرب. ايها الرجال احبوا نساءكم و لا تكونوا قساة عليهن. ايها الاولاد اطيعوا والديكم في كل شيء لان هذا مرضي في الرب. ايها الاباء لا تغيظوا اولادكم لئلا يفشلوا. ايها العبيد اطيعوا في كل شيء سادتكم حسب الجسد لا بخدمة العين كمن يرضي الناس بل ببساطة القلب خائفين الرب. و كل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس. عالمين انكم من الرب ستاخذون جزاء الميراث لانكم تخدمون الرب المسيح. و اما الظالم فسينال ما ظلم به و ليس محاباة.

 راجع تفسير رسالة أفسس (أف 5 : 22 – 6 : 9).

كان النساء في ذلك العصر لا حقوق لهم، ومثل السلعة التي يشتريها الرجل وجاءت المسيحية لتعطي المساواة فتمردت بعض النساء على أزواجهن. ونلاحظ أن النساء مُجَّربات بعدم الطاعة، والشعور بأنهن طالما ساوتهن المسيحية بالرجال فعليهن أن لا يطعن، أما المحبة فهى غريزة طبيعية في النساء. والرجل مجرب بأن لا يحب إمرأته بل ينظر لغيرها ويقسو على إمرأته لذلك يقول الرسول للرجال أحبوا = من أغابي أي الحب الباذل المضحي الذي على شكل حب المسيح.

ويقول للنساء إخضعن. والأولاد مجربون بعدم الطاعة. ونلاحظ أن الأبن الذي يتعلم طاعة والديه يسهل عليه طاعة مدرسيه ثم رؤسائه في العمل... فيكون ناجحاً محبوباً في حياته، وهذا من بركة طاعة الوالدين.

والله لم يطلب طاعة وإكرام الوالدين القديسين فقط، بل أي والدين طالما لم يدعوا الإبن لأن يترك الإيمان، أو لعمل خطية تغضب الرب. والآباء مجرَّبون بالقسوة وعقاب أولادهم بشدة وبدون داعي، وهم أيضاً مجربون بإهمال أولادهم لذلك يقدم الرسول لكل واحد ما يتناسب معه.

والله يشجع العبيد بالجزاء العظيم إن كانوا آمناء لسادتهم وسيعاقب سادتهم لو ظلموهم. وسيعاقب العبد غير الأمين، فالله ليس عنده محاباة. وهنا بولس يتمشى مع القوانين السائدة التي تسمح بالعبودية. وهو حين يطلب من العبد أن يكون أميناً فهذا لا ليرضي سيده فقط، بل ليرضي الرب. إذاً علينا أن نعمل كل عمل بإخلاص من الأعماق كمن يقدم عمله لله.

وحين تخضع النساء لرجالهن والأولاد لأبائهم والعبيد لسادتهم، قد يكون هذا سبباً لإيمان الأزواج أو الآباء أو السادة، قد يُربحوا للمسيح بدلاً من أن تكون الزوجات والعبيد سبباً في التجديف على الله (تي 2 : 4، 5) + (1 بط 3 : 1) + (1تي 6 : 1).


 

الإصحاح الرابع

آية 1 : - ايها السادة قدموا للعبيد العدل و المساواة عالمين ان لكم انتم ايضا سيدا في السماوات.

الرسول يذكَّر السادة أن الكل تحت سلطان المسيح، لذلك يجب على السادة أن يتصرفوا بعدل مع عبيدهم، وهذا فيه نسف بطئ لكل القوانين السائدة التي كانت تبيح للسيد أن يقتل عبده حين يشاء دون مساءلة من أحد.

 

آيات 2-4 : - واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر. مصلين في ذلك لاجلنا نحن ايضا ليفتح الرب لنا بابا للكلام لنتكلم بسر المسيح الذي من اجله انا موثق ايضا. كي اظهره كما يجب ان اتكلم.

في وسط شدائد الحياة نشعر بإحتياجاتنا لله، وبالصلاة نحصل على المعونة منه، وبعد أن تنفرج الشدة ونفرح، علينا أن نظل مصلين بشكر لله.

لذلك قال الرسول واظبوا = وهذه مثل صلوا بلا أنقطاع (1 تس 5 : 17، 18) + (لو 1:18) أي نثابر بإيمان واثقين في مواعيد الله. ساهرين = المقصود الذهن اليقظ والحواس المنضبطة لئلا تتسلل خطايا تدنس القلب والصلاة المستمرة بيقظة بدون غفلة، وهذا هو تعليم الرب يسوع في سهره للصلاة في البستان.

ليفتح الرب لنا باباً :

1.     يعطي الله سبباً للكلام.

2.     يهيئ الأذهان للسماع والاستجابة.

3.     يفتح القلوب للإيمان.

4.     يزيل معوقات الشيطان.

5.     يعطينا الرب قوة لنتكلم بسر الإنجيل ويهيئ الفرصة.

ولاحظ أنه بدأ الرسالة بالصلاة لأجلهم وها هو يطلب الصلاة لأجله وهذه هى الشفاعة في المسيحية (يع 5: 16). وهو يطلب أن يعطيه الرب قوة على الخدمة والكرازة وليس خروجه من السجن، أو عمل المعجزات سر المسيح = دخول الأمم للإيمان، وهذا ما أثار اليهود عليه وإنتهى الأمر بسجنه.

أظهره كما يجب = أتكلم بحكمة تجد قبولاً.

 

آيات  5،6:- اسلكوا بحكمة من جهة الذين هم من خارج مفتدين الوقت. ليكن كلامكم كل حين بنعمة مصلحا بملح لتعلموا كيف يجب ان تجاوبوا كل واحد.

 أسلكوا بحكمة = فلنطلب من الله حكمة لكى نتصرف بها مع الناس الذين هم من خارج الإيمان حتى لا نكون عثرة لهم. ونسلك معهم بمحبة ولطف وبلا عيب.

مفتدين الوقت = الفدية تُدفع لشئ ثمين وغالٍ حتى نسترده. والمعنى هنا أن الوقت غالٍ وثمين جداً. فلنغتنم الفرصة التي تتاح لنا ونبحث عن كل ما يمجد إسم المسيح سواء في حياتنا الخاصة بالدخول إلى العمق وبحياة توبة أو بأعمالنا الصالحة التي تمجد إسم المسيح. كل لحظة تمر لن تعود ثانية، فإسأل نفسك هل كانت لحساب الأبدية أم لحساب الحياة الزائلة،هل عشناها في السماويات أم نزلنا للأرضيات.

 كلامكم بنعمة = أى يتصف باللطف الذى مصدره النعمة التى تعمل فينا. واللطف ثمرة من أثمار الروح القدس (غل 5: 22،23). مصلحاً بملح = الملح يضاف للأطعمة التى يراد حفظها من الفساد. وأيضاً فالملح يعطى مذاقاً جيداً مقبولاً. فليكن كلامنا له مذاق طيب أى رقيق وفى محبة، خاصة مع غير المؤمنين، وبحكمة (مر49:9). وهذا لا يمنع أن المسئولين يوجهوا المخطئين بكلام عنيف لكن فى محبة وأدب. والكلام المصلح بملح لا ينشر فساداً وسط الناس بألفاظ رديئة. بل يمنع الفساد وينشر الصلح. وزيادة الملح فى الطعام أيضاً غير مقبولة وهذا يشير للتزمت وكثرة الوعظ مما يثير السامعين.

 

آيات 7-9:- جميع احوالي سيعرفكم بها تيخيكس الاخ الحبيب و الخادم الامين و العبد معنا في الرب. الذي ارسلته اليكم لهذا عينه ليعرف احوالكم و يعزي قلوبكم. مع انسيمس الاخ الامين الحبيب الذي هو منكم هما سيعرفانكم بكل ما ههنا.

كان بولس محبوساً فى روما ولكن تلاميذه كانوا يزورونه. وقد أرسل بولس الرسول تلميذه تيخيكس بالرسالتين إلى أفسس وكولوسى. وأنسيمس كان من كولوسى. وغالباً هو العبد المذكور فى رسالة فليمون. والذى هرب من سيده وأتى إلى بولس فى روما وأعاده بولس إلى سيده. والتقليد يقول أن أنسيمس صار أسقفاً لبيرية. وفليمون أسقف لكولوسى. الذى هو منكم = أى من كولوسى. هما سيعرفانكم = هما سيشرحان لهم لماذا هو مسجون، وكيف حوَّل سجنه إلى مكان للكرازة والتعليم، ثم ينقلون لبولس أخبار أهل كولوسى وينقلان لهم مشاعر بولس ومحبته لهم وغيرته على إيمانهم الصحيح.

 

أيات 10، 11:- يسلم عليكم ارسترخس الماسور معي و مرقس ابن اخت برنابا الذي اخذتم لاجله وصايا ان اتى اليكم فاقبلوه. و يسوع المدعو يسطس الذين هم من الختان هؤلاء هم وحدهم العاملون معي لملكوت الله الذين صاروا لي تسلية.

أرسترخس كان قد رافق بولس كثيراً فى الخدمة قبل حبسه، ثم سافر معه إلى روما. وغالباً كان مأسوراً معه بإختياره لكى يخدمه. ومرقس هو مارمرقس كاروز ديارنا المصرية وأحد السبعين رسولاً. وقد حدث خلاف بينه وبين بولس. لكن عاد بولس وأشاد به 2تى 4: 11. الذى أخذتم لأجله وصايا = وصايا أى توصيات أن يقبلوه ويحسنوا معاملته كرسول للمسيح. وكان ذلك غالباً بواسطة تيخيكس الذى يحمل الرسالة. الذى من الختان= كانوا يهوداً قبل الإيمان وهم ارسترخس ومرقس ويسطس.

تسلية = أى تعزية. وجود هؤلاء معه فى محبتهم أعطاه تعزية فى ضيقته وسجنه.

 

آيات 12، 14:- يسلم عليكم ابفراس الذي هو منكم عبد للمسيح مجاهد كل حين لاجلكم بالصلوات لكي تثبتوا كاملين و ممتلئين في كل مشيئة الله. فاني اشهد فيه ان له غيرة كثيرة لاجلكم و لاجل الذين في لاودكية و الذين في هيرابوليس. يسلم عليكم لوقا الطبيب الحبيب و ديماس.

لاحظ صلوات أبفراس لمن بشرهم. فهو يعرف حروب العدو ضد المؤمنين وخداعاته حتى يزعزع إيمانهم. الذى هو منكم = من كولوسى ومن الأمم  وليس من الختان. هو ثمرة خدمة بولس الرسول ومؤسس كنائس فريجية.

ديماس = لم يعطه أى صفة مديح، وربما شعر بولس ببداية إنحرافه وميله للإنحراف والإرتداد للعالم الذى أشار إليه بعد ذلك فى (2تى10:4).

 

آيات 15 –18:- سلموا على الاخوة الذين في لاودكية و على نمفاس و على الكنيسة التي في بيته. و متى قرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقرا ايضا في كنيسة اللاودكيين و التي من لاودكية تقراونها انتم ايضا. و قولوا لارخبس انظر الى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تتممها. السلام بيدي انا بولس اذكروا وثقي النعمة معكم امين كتبت الى اهل كولوسي من رومية بيد تيخيكس و انسيمس.

ربما ضعف أرخبس فى خدمته. وهنا بولس يشدد أن الله يريده أن يستمر فى خدمته من قبل الرب وربما كان هذا لأن أرخبس كان يحل محل أبفراس فى غيابه. وأرخبس هو إبن السيد فليمون.

أذكروا وثقى= التى هى بسبب كرازته وخدمته، فيجب عليهم أن يصلّوا لأجله وحينما يثبت هو ويتشددوا هم أيضاً. فهم يتمثلون به فى إحتمال الألم فهو قدوة لهم جميعاً ومثالاً يحتذون به.

والتى من لاودكية = الأرجح هى الرسالة المعروفة بإسم أفسس، فقد كانت رسالة أفسس رسالة دورية مرسلة إلى كل كنائس آسيا التى عاصمتها أفسس، وربما كانت كنيسة لاودكية هى أكبر الكنائس أو أشهرها.

السلام بيدى = هو يكتب هذه الكلمة بيده وخطه علامة محبته لهم. وعلامة على صحة الرسالة وانها من بولس شخصياً، وذلك لأن الهراطقة زيفوا رسائل نسبوها لبولس ضمنوها هرطقاتهم (2تس 2:2) + (2تس 17:3).

النعمة معكم = النعمة التى إختبرتها فى حياتى أنا بولس أريد أن تعمل معكم جميعاً

 

الصفحة الرئيسية