رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس

 

كنيسة السيدة العذراء بالفجالة

 

 

الإصحاح الأول. 1

الإصحاح الثاني. 12

الإصحاح الثالث.. 18

الإصحاح الرابع. 28

الإصحاح الخامس.. 37

الإصحاح السادس.. 50

الإصحاح السابع. 56

الإصحاح الثامن. 62

الإصحاح التاسع. 68

الإصحاح العاشر. 72

الإصحاح الحادى عشر. 79

الإصحاح الثانى عشر. 89

الإصحاح الثالث عشر. 98

 


 

الإصحاح الأول

 

آية 1 :- بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله وتيموثاوس الاخ الى كنيسة الله التي في كورنثوس مع القديسين اجمعين الذين في جميع أخائية

مكدونية وإخائية = مقاطعات رئيسية في اليونان وكورنثوس عاصمة إخائية

بولس رسول.. بمشيئة الله = الرسالة الأولى صححت كثيراً من الأوضاع في كورنثوس. ولكن يبدو أن قلة إستمرت في العناد وإستمروا يشككون في رسولية بولس. وهنا يظهر الرسول أساس سلطانه أنه رسول يسوع المسيح بمشيئة الله. لكي يثبت صحة تعاليمه فلا يتشككون فيما قاله لهم. تيموثاوس = المعروف لديهم جيداً. مع جميع القديسين = أي المؤمنين

 

آية 2 :- نعمة لكم وسلام من الله ابينا والرب يسوع المسيح.

نعمة = كلمة يونانية. وسلام = كلمة عبرية. فالمسيح أتى للجميع. والنعمة أيضاً هي عمل المسيح والروح القدس والذي نشأ عنه السلام. من الله أبينا والرب يسوع = النعمة والسلام منسوبان للآب كما للإبن دليل وحدة الجوهر.

 

آية 3 :- مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح ابو الرافة واله كل تعزية.

مبارك الله.. = يبدأ الرسول الآية بالتسبيح وينهيها بقولـه إله كل تعزية = فالله هو مصدر كل تعزية للمؤمنين. ولكن يفهم من الآية أنها تبدأ بالتسبيح وتنتهي بالتعزية. فالتسبيح يزيد التعزيات. وبهذا يعلم الرسول أهل كورنثوس أن ينشغلوا بتمجيد الله وتسبيحه عوضاً عن شقا قات لا معنى لها، ومن يسبح سيحصل على هذه التعزية، أمّا من يدخل في شقاقات فلن يحصد سوى المرارة والرسول يشير للتعزية فهو سيتكلم الآن كثيراً عن التعزيات وسط الضيقات.

أبو ربنا يسوع المسيح = الآب هو أبو ربنا يسوع من ناحية اللاهوت وهو إلهه من حيث الطبيعة الناسوتية. وهذا التعبير محبب عند الرسول، فأبوة الآب للإبن صارت أبوة لنا حينما إتحدنا بإبنه. أبو الرأفة = مصدر كل رحمة " هو يسر بأن يعاملنا بالرأفه " (مى 7 :18). فمن يصوم ويقمع جسده، فالله يُسَّرْ بأن يتعامل مع جسده بكل رأفة فلا يخور. وهكذا فالله يعاملنا بكل رأفة وسط آلامنا وضيقاتنا. ففي الآيات 3 – 10 جاءت كلمة تعزية 10 مرات. وكلمة ضيقة وألم وموت 10 مرات. فبقدر الآلام يعطى الله التعزيات وراجع ألام بولس وتعزياته(راجع في المقدمة الصليب والآلام عند بولس الرسول + كيف فهم بولس الرسول أهمية الألم والصليب). وبولس كان له الكثير من الرؤى والمواهب، لذلك سمح الله بزيادة الآلام حتى لا ينتفخ، ومع زيادة الآلام زادت التعزيات حتى لا ينكسر. وهذا معنى " شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني " (نش 2 :6).

 

آية 4 :- الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع ان نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله.

لاحظ أن الرسول لا يكتب ونفسه مملوءة مراراً منهم بسبب اتهاماتهم وتشكيكهم في صدق رسوليته، وذلك بسبب كثرة تعزياته، فالله لم يتركه وسط هذه الضيقات وحيداً، بل دخلت به الآلام لمزيد من التعزيات. ونفهم من الآية أن من أختبر نوعاً من الضيق وتعزى يستطيع أن يعزى أولئك الذين هم في نفس الضيقة. وهو إختبر هذه التعزيات، ويبشرهم بها حتى يطلبوها من الله وسط ضيقاتهم. بل أن الله يسمح لخدامه أن يدخلوا بعض الضيقات ليختبروا التعزيات فيعزوا المتضايقين. والخادم الذي تألم حاملاً صليبه يصير خادماً كاملاً مثل ما حدث مع المسيح الذي تكمل بالآلام (عب 2 : 10) فإن كان المسيح قد تكمل بالآلام فكم وكم ينبغي علينا نحن أن نتكمل بالآلام. أضف لهذا أن الخادم المتألم يكون حنوناً في معاملة الناس. والتعزية ليست هي الخلاص من الألم ولكنها عون يهبه الله لنا في الضيقة. أي الخلاص مما يمكن أن ينتج عن الآلام والضيقات من شعور باليأس والفشل.

 

آية 5 :- لانه كما تكثر الام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا ايضا.

ألام المسيح = تعنى :-

1-   الآلام التي نجتازها ونتعرض لها مثل المسيح المتألم.

2-  الآلام التي نتعرض لها بسبب إيماننا بالمسيح. فألامنا لأجل المسيح تنبع من نفس المنبع الذي جاءت منه آلامه أي مقاومة الظلمة للنور الذي فينا، والموت للحياة التي نلناها في شخصه

3-   آلامنا هي ألام المسيح نفسه(كو 1 : 24) فالألم الذي يقع علينا هو واقع على المسيح فنحن جسده.

وهنا توجيه من الرسول لهم.. أنه بدلاً من أن تنشغلوا بالمباحثات الغبية عليكم أن تنظروا للصليب الموضوع عليكم، بكونه شركة مع المسيح فتجدوا تعزية، وإذا تألمتم معه ستتمجدون معه (رو 8 : 17) فالصليب والآلام هي المدرسة الحقيقية لمعرفة المسيح وتعزياته وليس العلم والدراسة، لذلك صار الألم هبة (في 1 : 29) ولاحظ أنه كلما زادت الآلام زادت التعزيات.

 

آية 6 :- فان كنا نتضايق فلاجل تعزيتكم وخلاصكم العامل في احتمال نفس الالام التي نتالم بها نحن ايضا او نتعزى فلاجل تعزيتكم وخلاصكم.

إن كنا نتضايق = نتحمل ألام الكرازة لتصل إليكم كلمة الله فتتعزوا = فلأجل تعزيتكم. وآلامنا هذه ستكون سبباً في إيمانكم وبالتالي خلاصكم. فكان بولس يمكن له أن يترك الكرازة ويستريح من كل الهجوم عليه وآلامه التي يواجهها، ولكن لو فعل، لما آمنوا ولما كانوا تعزوا ولا كان لهم خلاص. ولكن الإيمان الذي تقبلونه والتعزية التي ستفرحون بها ليس معناها أنه لن يقع عليكم أي ضيقات بل ستحتملوا ألاماً مثلنا = خلاصكم العامل في إحتمال نفس الآلام أو نتعزى فلأجل تعزيتكم =

1) فإذا تألمت فالله لا يتركني بل يعزيني فأفيض عليكم تعزيات (يو7 :37-39)

2) حينما تنظرون إلينا ونحن في حالة تعزية بالرغم من آلامنا فإنك تتشجعون وتثبتون وهذا يساعد على خلاصكم

3) الخادم المتألم الذي إختبر التعزية يكون أكثر مقدرة على تعزية المتألمين فرقة الأحاسيس تأتى عن طريق الآلام، ومن لم يتألم يكون عادة خشناً جداً، لم يدخل ولم يتهذب في مدرسة الألم.

 

آية 7 :- فرجاؤنا من اجلكم ثابت عالمين انكم كما انتم شركاء في الالام كذلك في التعزية ايضا.

الرجاء الثابت أنه ستزداد تعزياتهم مع زيادة ألامهم ناشئ عن إختباره الشخصي، فمع إزدياد ألامه إزدادت تعزياته آية 5.

 

آية 8 :- فاننا لا نريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة ضيقتنا التي اصابتنا في اسيا اننا تثقلنا جدا فوق الطاقة حتى ايسنا من الحياة ايضاً

تعرض الرسول في آسيا لألام وضيقات فوق ما تحتمله طبيعة البشر = فوق الطاقة. حتى أيسنا = أي يأسنا من الحياة = أي لم يعد لنا رجاء في أننا سننجو بحياتنا. فهو يبدو أنه وقع في مشكلة كبيرة حتى ظن أنه مائت لا محالة، وربما كان هذا إشارة لما حدث في أفسس (أع 19) أو لما أشير إليه في (أع 20 : 3) أو حادثة أخرى لم تذكر في سفر الأعمال.

 

آية 9 :- لكن كان لنا في انفسنا حكم الموت لكي لا نكون متكلين على انفسنا بل على الله الذي يقيم الاموات.

كان لنا في أنفسنا حكم الموت = أي أننا في أنفسنا ما كنا نتوقع شيئاً غير الحكم بالموت، أو نهاية الضيقة التي كنا فيها كان متوقعاً وقتها أنها ستنتهي بموتنا. لكي لا نكون متكلين على أنفسنا = الله يسمح بضيقات ميئوس من الخروج منها لكي يرى المؤمنون يده التي تنجى وتنقذ. فلا يعودوا يتكلوا على قوتهم الذاتية، بل يكون رجاؤهم على الدوام فى الله الذي يقيم من الأموات. ويُفهم أن الرسول تعرض ليس فقط لإهاناتهم بل لألام فوق طاقة البشر. وأن الله يسمح بهذا ليزداد إيماننا وإختبارنا لتدخل الله وذراعه القوية. وهذا هو أسلوب الله دائماً. فلماذا سمح الله بأن لا يجد الشعب ماءاً في البرية بعد خروجهم من مصر، وسمح بضيقات كثيرة لهم. كان هذا بسبب أنهم لو قابلوا هذه الضيقات بصبر، فإنهم كانوا سيروا ذراع الله القوية تتدخل في الوقت المناسب فيزداد إيمانهم. وهذا عمل الله دائماً أنه ينقل المؤمن من مرحلة العيان إلى مرحلة الإيمان. فاليهود رأوا في مصر بالعيان كيف ضرب الله المصريين وكيف شق البحر، فهم عرفوا الله بالعيان. ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب 11 : 6) لذلك أدخلهم الله مدرسة الإيمان خلال هذه الضيقات لينقلهم من العيان للإيمان. ونحن كمؤمنين، يتبع الله معنا نفس الأسلوب وعلينا أن نقابل الضيقات بشكر فيزداد إيماننا حين نرى يد الله (كو 2 : 7).

 

الله الذي يقيم من الأموات =

1-   الله حَوَّلَهُ من مُضطهد للمسيحية إلى كارز عظيم.

2-   الله حَوَّلَهُ من خاطئ إلى قديس عظيم، هو تذوق بهجة القيامة من الأموات

3-   هذا إشارة للحادثة التي كاد أن يموت فيها وأنقذه(أع 19:14).

4-   هو رأى يد الله وذراعه الرفيعة وكيف أنقذه من الموت وإزداد إيمانه.

5-   هذه الآلام الرهيبة كانت سبباً فى تعزياته الكثيرة.

6-   هو يكتب ما يكتبه لا ليدافع عن نفسه فهو فى حكم الميت، بل يكتب لأجلهم ليتعزوا

 

آية 10 :- الذي نجانا من موت مثل هذا وهو ينجي الذي لنا رجاء فيه انه سينجي ايضا فيما بعد.

إن الله قد أنقذنا من مثل هذه المخاطر العظيمة التي تعرضنا لها والتي كانت ستؤدى بلا شك إلى موتنا. والله على الدوام ينجى = وقوله ينجى لا يعنى أنه يتوقع كرامات زمنية فى المستقبل بل مزيد من الآلام ومزيد من النجاة التي يعطيها له الله. ولكن بولس مات أخيراً شهيداً بسيف نيرون فلماذا لم ينجيه الله ؟! السبب أنه كان قد أنهى عمله الذي خلقه الله لأجله (أف 2 : 10) إذاً ليترك هذه الحياة بألامها ويذهب للراحة، وليكن هذا بأي وسيلة مثل سيف نيرون. فنيرون لم يكن له سلطان إن لم يكن قد أُعطى من فوق (يو 19 : 11).

الآيات 11 – 14 :- الرسول مقتنع بأمانة وصحة مجهوداته فى تقديم المسيح للكورنثيين وهذا ما يؤهله لطلب مشاركتهم له ومؤازرتهم إياه فى صلواتهم. وأنه بشرهم بالمسيح بالحق والإخلاص. وهو لا يغير شيئاً مما علمه لهم سابقاً. وحتى إن لم يعرفوا أمانته معهم الأن فلسوف يدركون ذلك فى يوم الرب يسوع.

 

آية 11 :- وانتم ايضا مساعدون بالصلاة لاجلنا لكي يؤدى شكر لاجلنا من اشخاص كثيرين على ما وهب لنا بواسطة كثيرين.

وأنتم أيضاً مساعدون بالصلاة لأجلنا = إن الله ينجينا طالما أنكم أنتم تساعدونا بصلواتكم. والحياة التي يهبها لنا الله يجب أن ننظر إليها على أنها هبة من الله = على ما وهب لنا = بل كل ما عمله بولس الرسول من خدمات هو هبة من الله. لكى يؤدى شكر لأجلنا = عندما تستجاب صلواتكم عنا وننجو وتنجح خدمتنا تقدمون صلوات شكر. ولاحظ تشجيع بولس لهم، فهو ينجو ويخدم بصلواتهم. وهذا ما تعمله الكنيسة، فهي تصلى للبطريرك والأساقفة والكهنة والخدام، لكي تتم الخدمة بنجاح.وبهذا يتمجد أسم الله القدوس، خاصة حينما نشكر الله علي ما أعطاه من نجاح للخدمة. والصلاة للآخرين هي عمل محبة والله محبة، وحينما تتوافق إرادتنا مع إرادة الله تحدث أعمال عجيبة، لذلك فسمة المسيحية أن يهتم كل واحد بالآخر وليس بنفسه.

 

آية 12 :- لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم

إن لدينا الحق أن نطلب منكم أن تصلوا من أجلنا لأن هذا الذي نفتخر به هو شهادة ضميرنا، بالرغم من تقولات الآخرين، أننا قد سلكنا وسط العالم ووسطكم فى بساطة = ليس لنا إلاّ هدف واحد واضح هو مجد الله. وليس لأي مكسب شخصى مثل زيادة أموالي أو شعبيتي. وإخلاص = دون غش ولا مكر ولا رياء. لا فى حكمة جسدية = فاليونانيون يفتخرون بالحكمة الجسدية والفلسفات أمّا أنا ومن معي فى نعمة الله تصرفنا = أي إعتمدنا على ما وهبه الروح القدس من إستنارة وهبات وعطايا. هذا كله سبب راحة ضميره، أنه فى بساطة وإخلاص وبنعمة الله علمهم. وهذا سيعرفونه بالأكثر فى يوم الرب العظيم آية 14. تصرفنا فى العالم = تصرف الرسول فى العالم كان مطابقاً لتعاليمه.

 

آية 13 :- فاننا لا نكتب اليكم بشيء اخر سوى ما تقراون او تعرفون وانا ارجو انكم ستعرفون الى النهاية ايضا.

لا أكتب أشياء أخرى تختلف عما سبق وكرزنا به إليكم. وكما سبقتم وعرفتم من تعاليمنا الأولى ومن سلوكنا الأول نحوكم، ومن رسالتنا الأولى لكم، فإني أرجو أيضاً أنكم حتى نهاية حياتنا سوف تعرفوننا، أننا نتصرف فى بساطة وإخلاص ولا نغير كلامنا، فنحن استلمناه من الرب والرب لا يتغير. وأن أعمالي وحياتي يتفقان مع كرازتى وتعاليمي.

 

آية 14 :- كما عرفتمونا ايضا بعض المعرفة اننا فخركم كما انكم ايضا فخرنا في يوم الرب يسوع.

بعض المعرفة = الرسول يشير فى رقة أنهم لم يعرفوا تماماً كل محبته لهم وإخلاصه لهم. وهذا عتاب لهم أنهم لم يرفضوا الإتهامات الموجهه ضده.

كما عرفتمونا = ستعرفون أننا الأن على نحو ما سبق وقد عرفتمونا، أي أننا لم نتغير فى مسلكنا نحوكم، وهكذا سنكون فى المستقبل. وإذا عرفتم إخلاصنا وبساطتنا سنكون فخركم = فخراً لكم، ستفتخرون بأن من عَلَّمَكُمْ كان يسلك بإخلاص مستنيراً بالروح القدس. كما أنكم أيضاً فخرنا = فلقد تقبلتم بإقتناع وثبات ما كرزنا به إليكم. وسوف تعرفوننا أكثر فى يوم الرب يسوع = إذ يُظهر الرب إخلاصنا، وستكونون أنتم فخرنا فى هذا اليوم، إذ أن إيمانكم هو ثمرة عملنا. نلاحظ هنا أن الرسول فى ذهنه دائماً هو يوم الرب يسوع، ومجد هذا اليوم. وهو يخدم بإخلاص، ليأتي بنفوس كثيرة لله فى ذلك اليوم ويقول " ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله " (عب 2 : 13) يقولها بفرح، فما يفرح الله يفرحه أيضاً، وخلاص النفوس يفرح الله. وهؤلاء المؤمنين الذين نالوا المجد سيفرحون ويطلبوا من الله مكافأة الرسول على عمله وخدمته لهم، فهم عرفوا الرب عن طريقه.

 

آية 15 :- وبهذه الثقة كنت اشاء ان اتي اليكم اولا لتكون لكم نعمة ثانية.

فى هذه الثقة أنه خدمهم بإخلاص (شهادة ضميره) وأنه فخرهم وهم فخره، كان يريد أن يجئ إليهم قبل أن يتوجه إلى مكدونية لتكون لهم نعمة ثانية = فهو كرسول للمسيح يُعتبر كقناة تصل من خلاله النعمة الإلهية من تعاليمه وصلواته، وبهما يتثبت المؤمنون فى إيمانهم، وبهذا يضمن خلاصهم. هنا يبدأ فى تفسير ما حدث، فهو كان ناوياً أن يأتى إليهم، لكن الله وضع أمامه خدمات أخرى فلم يذهب. وحينما وَعَدَ بالحضور إليهم ولم يذهب قالوا عنه أنه خفيف. وبولس يدافع عن نفسه ليثبت أنه ليس هكذا، فالتهمة المواجهة لهُ أنه يتصرف بخفة ويغير تعاليمه كل يوم.

 

 

آية 16 :- وان امر بكم الى مكدونية واتي ايضا من مكدونية اليكم واشيع منكم الى اليهودية.

بذلك يمكنني أن أكون قد سافرت إليكم مرتين، فيكون لكم نعمة مضاعفة وتعزية روحية من الزيارتين. هذه كانت خطته لكن الله غيرها بحكمته

 

آية 17 :- فاذ انا عازم على هذا العلي استعملت الخفة ام اعزم على ما اعزم بحسب الجسد كي يكون عندي نعم نعم ولا لا.

إستخدم الرسول هنا القول " نعم نعم ولا لا " للإشارة للتردد والكذب والجبن الناشئة عن الإرادة والحكمة البشرية القابلة للتردد وهذه تجعل الإنسان يقول نعم يوماً ويوماً آخر يقول لا لنفس الموضوع

وإستخدم تعبير " نعم " للإشارة إلى القول الواحد الحق الذي بدون التواء ولا كذب، وهذا ما إستخدمه بولس فى كرازته، فقوله واحد هو الحق.

استعملت الخفة = الخفة تعبير يقال عن السفينة التي بلا أثقال فهي غير متزنة. والمعنى هل غيرت قصدي بتعجل دون بحث أو روية وبعبث وعدم تقدير للأمور. بحسب الجسد = هل قراراتي تقوم على إعتبارات جسدية أي إرادتي البشرية الخاضعة للتبديل والتغيير كي يكون عندي نعم نعم ولا لا تترجم أنى أقول نعم ولا على نفس الحدث فى نفس الوقت. فمرة أقول نعم ومرة يكون قراري لا أي متذبذب فى قراراتي. فالقرار الإنساني بين نعم ولا عكس القرار الخاضع لتوجيه الروح القدس وإرشاده. وقصد الرسول ان يشرح أنه غير خاضع للإرادة البشرية المذبذبة، بل لإرشاد الروح القدس فأنا أخذت قراري أن آتى إليكم، ولكن الروح القدس كان لهُ رأى آخر وأنا كخاضع لإرشاد الروح القدس لا بد أن أغير قراري وفقاً لإرشاد الروح. فأنا لا أقرر لنفسي.

 

آية 18 :- لكن امين هو الله ان كلامنا لكم لم يكن نعم ولا.

كلامنا = كرازتنا. فهم اتهموه أنه مذبذب يقول ولا يفعل، فمن يضمن تعاليمه أنها غير مذبذبة كقراراته. لذلك يقول أن تعاليمه ليست نعم ولا. ما يقصده الرسول هو أن يقول أن حتى تحركاته، مجيئه أو عدم مجيئه هو خاضع لإرشاد الروح القدس، فحياته وتصرفاته وتعاليمه غير خاضعين لأهوائه بل لإرشاد الروح. فهو كان يريد أن يأتى لكورنثوس، ولكنه لم يأتى لأن الروح هو الذي كان يوجهه، هكذا أيضاً كانت تعاليمه ثابتة بلا تغيير.

امين هو الله = الله الذي يرشدني لا يخادع، وهو يعرف أين الصالح لكل واحد، ومن هو الأكثر إحتياجاً لخدماتي.

 

آية 19 :- لان ابن الله يسوع المسيح الذي كرز به بينكم بواسطتنا انا وسلوانس وتيموثاوس لم يكن نعم ولا بل قد كان فيه نعم.

إن كرازتنا عن المسيح بينكم أنا وتيموثاوس وسلوانس (سيلا فى سفر الأعمال). ليس فيها أي تشكك لأن المسيح لا يتغير. والمسيح الذي قبلتموه لم تقبلوه بين نعم ولا، بل قبلتم كل ما يتصل به على أنه شئ أكيد وثابت = فيه نعم

 

آية 20 :- لان مهما كانت مواعيد الله فهو فيه النعم وفيه الامين لمجد الله بواسطتنا.

مواعيد الله = فى العهد القديم كانت مواعيد الله عبارة عن نبوات عن شخص المسيح وتحققت بمجيئه وفدائه. وفى العهد الجديد كانت كرازة الرسل ودعوتهم لقبول شخص المسيح الذي ننعم فيه بهذه المواعيد الصادقة والأمينة، ففيه نجد الحق والرحمة ويتمجد الله فينا. وفيه نتصالح مع الله ونتمتع بحبه أبدياً. وكل مواعيد الله بالمسيح قد تحققت وتأكدت به وقبلت بالتصديق من أجل أن يتمجد الله بواسطة خدمات وكرازة الرسل = بواسطتنا ونفهم أن هذا دورنا الآن، أننا بالمسيح الذي فينا نشهد له لمجد إسمه.

النعم = يونانية والآمين = عبرية. والرسول يقصد بهذا

1-   أن حق الله موجه للكل يهود وأمم

2-   تكرار المعنى يشير للتأكيد مما يقال أن مواعيد الله ثابتة غير متغيرة. كلمة نعم وكلمة الآمين معناهما الحق.

 

آية 21 :- ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله.

بولس يدافع عن نفسه بأنه لم يستعمل الخفة بل هو مثلهم ثابت فى المسيح بالروح القدس. هنا يوجه الرسول نظرهم لعمل الثالوث. الآب قدم الوعود الإلهية، والإبن تحققت فيه الوعود والروح القدس يثبت الجميع (الرسول وشعب كورنثوس) فى المسيح للثبات فيما ينالونه فى المسيح يسوع. فالله نفسه هو الذي يمسحنا بالروح القدس فى سر الميرون وليس الكاهن. مرة أخرى نرى عمل الثالوث (راجع في المقدمة، عقيدة الثالوث الأقدس). فبعد أن سقط الإنسان فقد البنوة لله. وها نحن نرى أن الله يريد أن يعيدنا للبنوة، فالآب يريد، والإبن ينفذ عمل الفداء، والروح يثبتنا فى المسيح الإبن فنصبح أبناء. وهذا يكون فى سر المعمودية الذي هو موت وقيامة فى اتحاد مع المسيح (رو 6 : 3 – 6). وبالميرون يحل فينا الروح القدس، الذي يبكتنا لو أخطأنا ويعيننا أن نتوب لنظل ثابتين فى الإبن. ونلاحظ أن التثبيت فى الإيمان لم يعطه الرسل للمؤمنين بل أعطاه الله للرسل والمؤمنين معاً. فلا قوة لنا شخصياً على أي شئ، ولكن الله يثبتنا فى المسيح بأن أعطانا الروح القدس. وهو قال هذا بعد أن قال فى آية 20 بواسطتنا. والمعنى أن الكرازة كانت بواسطة بولس ولكن الثبات فى المسيح هو عمل الله (الله الذي ينمى 1كو 3 : 7) وقد مسحنا = عمل المسحة الذي يتم الآن فى سر الميرون لحلول الروح القدس للتثبيت كان يقابله فى العهد القديم مسحة الدهن الذي به كان يمسح الأنبياء والكهنة والملوك. والمسيح سمى هكذا إذ هو ممسوح بالروح القدس يوم العماد.

 

آية 22 :- الذي ختمنا ايضا واعطى عربون الروح في قلوبنا.

ختمنا = كانوا يختمون الماشية والعبيد علامة الملكية. ونحن قد صرنا قطيعاً للمسيح وملكاً له، ملكاً لسيدنا المسيح الذي اشترانا. وهو ختم صورته فينا. واضعاً علينا علامة لا تمحى، عبارة عن نار فى داخلنا لكنها غير مرئية " إضرم موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ (2تى 1 : 6)". عربون الروح = إذاً نحن فى إنتظار كل الملء. الله أعطى فى قلوبنا روحه القدوس كعربون وكضمان بأننا سوف نستكمل فيما بعد كل ما وهبه لنا من مواعيد فى إنجيله. وبمعنى آخر أن المؤمنين، بواسطة الروح القدس، قد حصلوا فى هذا العالم أو فى حياتهم الحاضرة على عربون أي على جزء مما سوف يحصلون عليه فيما بعد. فكلمة عربون كما نستعملها عادة تشير إلى جزء من كل. فالروح القدس وهبنا جزءاً مما سوف يوهب للمؤمنين فيما بعد فى الحياة الأخرى. وهبنا الإنتصار والسلطان على الخطية كعربون للإنتصار الكامل على الخطية فيما بعد. وحينما يحدث الإنتصار النهائى على الخطية سننتصر نهائياً على الموت. كل ما حصلنا عليه هنا هو عربون (الفرح / السلام / البنوة...) لكن ما نأخذه الآن يعطينا أن نشتاق للسماويات. وهذا الختم الذي نأخذه هو علامة إن كانت موجودة فينا، ولم تنطفئ، تأخذنا الملائكة للسماء كقطيع للمسيح. أمّا لو إنطفأ الروح فينا، لا يكون الختم موجود، أي العلامة غير موجودة وهذه العلامة دليل على مالك النفس. تكون النفس ليست من قطيع المسيح.

 

آية 23 :- ولكني استشهد الله على نفسي اني اشفاقا عليكم لم ات الى كورنثوس.

لم أرد أن آتي حتى لا أعاقبكم، نرى هنا سلطانه على العقاب. والمعنى أننى سآتي بعد أن تصلحوا أنفسكم فلا أضطر أن أعاقب. هنا نجد الرسول كأب محب لأولاده ولكن فى حزم.

 

آية 24 :- ليس اننا نسود على ايمانكم بل نحن موازرون لسروركم لانكم بالايمان تثبتون

ليس أننا نسود على إيمانكم = لا أقول هذا لإظهار سيادة وسلطان عليكم بل نحن مؤازرون لسروركم = كل ما أعمله سواء كرازة أو عقاب أو تهديد أو رسائل أرسلها لكم هو تعاون أشترك به كأب محب لكم فى جلب السرور لكم. والله نفسه لا يرغم أحداً على الإيمان. وأيضاً بولس لا يريد أن يقهر أحد ويرغمه على الإيمان الصحيح، بل هو يريدهم برغبة حرة أن يستجيبوا فيزداد سرورهم. لأنكم بالإيمان تثبتون = قوة الله تعمل فيهم من خلال إيمانهم فيثبتوا وسط تيارات الخطية والتضليل والهرطقات التي يتعرضوا لها. وتعاليم بولس وتهديداته هي ليثبت إيمانهم فيتأكد سرورهم أمّا لو إنحرفوا عن الإيمان تابعين معلمين كذبة وهرطقات سيتحول سرورهم إلى مرارة. الإيمان الصحيح هو الطريق لحياة الفرح الحقيقى.


 

الإصحاح الثاني

 

آية 1 :- ولكني جزمت بهذا في نفسي أن لا آتى إليكم أيضا في حزن.

هذه الآية تتمة (للآيات 15، 23) من الإصحاح الأول. فالرسول لا يريد أن يذهب لهم، وفى وسطهم خطية بشعة تحزنه (راجع تفسير إصحاح 1كو 5). والرسول أعطاهم فرصة ليصلحوا أحوالهم ويتوبوا فيفرحوا ويفرح بهم عند حضوره إليهم، ولا يحزنهم بنقده وحكمه عليهم وعقابه لهم بسبب هذا الزاني مع زوجة أبيه أو بسبب شقاقاتهم. والرسول إضطر لعقاب الزاني وتوبيخهم حتى لا تكون وسطهم خطية وعفونة تؤدى لهلاكهم.

 

آية 2 :- لانه إن كنت أحزنكم أنا فمن هو الذي يفرحني إلا الذي أحزنته.

هو يشتاق لفرحهم، ولكنه لأجل توبتهم أحزنهم إلى حين، فهو يفرح بالتائبين القديسين، ففرحه هو في فرحهم، فبولس لن يزول حزنه ويتعزى إلاّ إذا زال حزنهم أولاً. وبولس لن يفرح إلاّ بتوبة الزاني الذي سبب له بولس ألاماً أحزنته بأن أسلمه للشيطان (1كو 5 : 5). والخادم الحقيقي لا يعرف الفرح الحقيقي إلاّ في توبة أولاده وبحياتهم المقدسة.

 

آية 3 :- وكتبت لكم هذا عينه حتى إذا جئت لا يكون لي حزن من الذين كان يجب أن افرح بهم واثقا بجميعكم أن فرحي هو فرح جميعكم

كتبت لكم = في (1كو 5) رسالة الرسول الأولى لهم كتب لهم ليصلحوا أحوالهم فيفرح بهم. فرحى هو فرح جميعكم = ما يفرحني هو توبة الجميع والمحبة التي تسود الجميع. وهذا سيسبب فرحكم جميعاً. وهو واثق أن لهم نفس مشاعره.

 

آية 4 :- لاني من حزن كثير وكابة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة لا لكي تحزنوا بل لكي تعرفوا المحبة التي عندي ولا سيما من نحوكم

الرسول هنا يظهر محبته ودموعه لأجلهم، فيبدو أن المقاومين صوروه لهم على أنه رجلٍ قاسٍ يسر بآلامهم. ومعنى كلام الرسول هنا أن المحبة الحقيقية ليست في موافقتكم على أخطائكم وبهذا تهلكون، بل هي في توبيخكم وإرشادكم للخطأ حتى تمتنعوا عنه، ولكنه كأب محب يئن مع أناتهم، يدعوهم للتوبة ويوبخ ويعاقب ولكن بدموع كثيرة. فالخادم الحقيقي يتكلم بالصدق حتى لو أحزن السامعين.

 

آية 5 :- ولكن إن كان أحد قد احزن فانه لم يحزني بل احزن جميعكم بعض الحزن لكي لا اثقل.

هنا يتكلم عن الزاني مع زوجة أبيه وأنه بتصرفاته هذه سبب حزناً للجميع (فإسرائيل كلها أصيبت بالفشل بسبب خطية عاخان). لكي لا أثقل = لن أطيل في الكلام عن هذه الخطية حتى لا أثقل عليكم وأسبب لكم ضيقاً.

 

آيات 6، 7 :- من الحزن المفرط مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الاكثرين. حتى تكونوا بالعكس تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يبتلع مثل هذا.

لقد عَلِمَ بولس أن الكنيسة = الأكثرين، أدبت المخطئ، والرسول وجد أن القصاص كافٍ وأن الخاطئ قدم توبة. وهذا القصاص يعكس تقصيرهم السابق. وهنا نجد الرسول يبث روح الرجاء في هذا الخاطئ حتى لا ييأس ويبتلعه الشيطان، وربما يترك الإيمان = يبتلع هذا من الحزن المفرط = فالرسول الذي عاقب من قبل، ها هو هنا يسامح ويطلب منهم أن يسامحوا هذا الشخص وينظروا إليه برحمة. هو خاف أن يقع في أسر إبليس من الحزن الزائد. وهنا نرى حكمة الخادم في معاملة الخطاة، متى يعنف ومتى يشجع، والله " لا يترك عصا الأشرار تستقر على نصيب الصديقين ". فلو طالت فترة العقوبة ربما ييأس الخاطئ ويزداد في خطيته. ولا بد أن تظهر الكنيسة محبتها مع عقوبتها.

 

آية 8 :- لذلك اطلب أن تمكنوا له المحبة.

لاحظ أن بولس حرم هذا الخاطئ من خلال عمل جماعي للكنيسة كلها (1كو 5 : 4) والآن يحله بعمل جماعي أيضاً.

 

 

 

آية 9 :- لاني لهذا كتبت لكي اعرف تزكيتكم هل انتم طائعون في كل شيء.

هنا يقدم الرسول شفاعة عن هذا الخاطئ فيقول لهم، كما أطعتموني في ما سبق وأدنتم وعاقبتم هذا الشخص، فأرجو أن تطيعوني الآن وتسامحونه. أنا الآن أختبركم هل تطيعون أم لا، فهم إذا لم يطيعوا وأصروا على عقاب وعزل وحرمان الخاطئ، فهذا يعبر عن روح حقد وليس عن محبة.

 

آية 10 :- والذي تسامحونه بشيء فانا أيضا لاني أنا ما سامحت به إن كنت قد سامحت بشيء فمن أجلكم بحضرة المسيح.

هو من أجلكم = ربما طلب منه بعض من أهل كورنثوس عن طريق تيطس أن يسامح الزاني، وهذا يعنى هنا أنه يجامل أهل كورنثوس ويسامح الزاني لأجلهم ولكن قوله بحضرة المسيح = أي تحت نظر المسيح فهو حاضر معنا دائماً، هذه الجملة تعطى معنى أعمق. فنحن كلنا في حضرة المسيح، وحتى نستمتع بمحبته وغفرانه علينا أن نغفر أي تكون لنا نفس سماته. فأنا أطلب منكم أن تسامحوه من أجلكم أي لتفرحوا في حضرة المسيح بغفرانه، إذا غفرتم.

 

آية 11 :- لئلا يطمع فينا الشيطان لأننا لا نجهل أفكاره.

الشيطان سيدفعه لأن يترك الإيمان كما دفعه للزنا من قبل، فهو سيقول له، إن الكنيسة تكرهك وتضطهدك فلماذا لا تذهب للوثنيين الذين يحبونك. فالرسول يفعل ما يفعله من عقاب ومن سماح لأجل النفع الروحي وهو يتصرف بحكمة إذ يعرف حيل وخداع إبليس ومكره.

 

آيات 12، 13 :- ولكن لما جئت إلى ترواس لاجل إنجيل المسيح وانفتح لي باب في الرب. لم تكن لي راحة في روحي لاني لم أجد تيطس أخي لكن ودعتهم فخرجت إلى مكدونية.

لم تكن لي راحة = مع أن الكرازة كانت ناجحة، إلا ّ أن الرسول كان في اضطراب، يريد أن يقابل تيطس ليعلم منه تأثير رسالته الأولى على أهل كورنثوس، وهل أتت بثمارها للتوبة، هؤلاء أولاده ويريد أن يطمئن عليهم وهذا القلق الشديد على المخدومين لا بد أن يكون في قلوب الخدام. ونجد أن الرسول خرج إلى مكدونية (في اليونان) بعد أن كان في ترواس (في تركيا) أي سافر بالبحر، ليبحث عن تيطس، ليسمع منه أخباراً تطمئنه عن أهل كورنثوس وهذا حدث فعلاً وأتى له تيطس بأخبار مفرحة (2كو 7 : 6، 7)

الآيات 14- 16 : - إستخدم الرسول هنا عادة رومانية معروفة. فكان القائد العسكري المنتصر العائد من المعركة، يعود إلي روما في موكب عظيم، وفيه يكلل القائد المنتصر وجنوده. وكان يدخل الموكب إلى المدينة ثم إلي الإستاد ووراء القائد جنوده المنتصرين ووراءهم طابور الأسري. وعند دخولهم للإستاد كانوا يحرقون البخور احتفالاً بالنصر، وهنا يكلل القائد وجنوده ويحتفلون بهم ويرمون الأسرى للوحوش الجائعة. وبهذا تصير رائحة البخور التي أطلقوها هي رائحة حياة ومجد للمنتصرين، ورائحة موت للمهزومين

 

آية 14 :- ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان.

هنا يتصور بولس الرسول أن القائد المنتصر هو المسيح، وجنوده المنتصرين هم كل المؤمنين التائبين وهؤلاء لهم حياة، أمّا المهزومين فنصيبهم الموت. شكراً لله = فأنتم يا أهل كورنثوس يا من قدمتم توبة لقد انضممتم لموكب النصرة الذي يقوده المسيح. عجيب هو بولس الرسول، فبعد أن تكلم عن الخاطئ الزاني، وأنه سامحه، وتذكر توبة أهل كورنثوس، رأى أنه هو وكل من آمنوا وأهل كورنثوس والخطاة التائبين، الكل سائرين في موكب نصرة المسيح. وخلال رحلتنا في حياتنا نتعرض للانحراف أحياناً فإن قدمنا توبة ننضم لموكب النصرة، وإن رفضنا التوبة نهلك. يظهر بنا رائحة معرفته = خدام المسيح الأمناء كبولس هم رائحة المسيح الزكية بسبب المسيح الذي فيهم، وهذه الرائحة الخارجة منهم تجذب الآخرين = رائحة معرفته = فيعرف الناس المسيح ويؤمنون به. المسيح يقود خدامه للكرازة وبهم يُعرف أسم المسيح. والمسيح هو الذي يقود التائبين لموكب النصرة

 

 

 

آية 15 :- لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون.

لأننا = الذين نكرز بالإنجيل. رائحة المسيح الزكية = بسبب المسيح الذي يحيا فيه (غل 2 : 20). المسيح نفسه غير منظور ولكن رائحته هي التي تظهر من بولس. والمعنى أن كلمة الله تقدم للبشر جميعاً وهناك من يقبل فيخلص، وهناك من يرفض فيهلك. قبول الكلمة يتوقف على الناس، فكلمة الله لا تلزم بل هي تحث وتدفع وتثير.

 

آية 16 :- لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الأمور.

 خدام المسيح كبولس هم رائحة المسيح الزكية يشتمها البعض فيتوب فتكون لهم رائحة حياة لحياة (واضح المقارنة مع العادة الرومانية، فحين يطلق البخور أمام القائد المنتصر تكون رائحة البخور هي رائحة حياة لحياة الجنود الذين انتصروا). ويشتمها البعض ويرفضها فتكون لهم رائحة موت لموت (مثل هؤلاء الأسرى حين يشتمون رائحة البخور يعرفون أنها ساعة موتهم إذ يلقونهم حالاً للوحوش). انتصار أهل كورنثوس رآه بولس انتصاراً للمسيحية كلها وموكب نصرة متصل، قائده المنتصر هو المسيح. نفس البخور يكون رائحة حياة للبعض ورائحة موت للبعض الآخر. فالشمس تعطى الصحة ولا تضر ذوى العيون الطبيعية لكنها تكون سبب ضرر لذوى العيون الضعيفة. الشمس تخرج بنورها نباتات لها رائحة جميلة وتخرج من كوم القاذورات رائحة كريهة وبولس هنا يشكر الله الذي جعله واسطة لنشر رائحة المسيح الزكية بكرازته. وهذا ما قيل عن المسيح نفسه أنه وضع لسقوط وقيام كثيرين (لو 2 : 34). بينما هو أتى لخلاص الناس جميعاً. هكذا كلمة الكرازة من يقبلها ويعمل بها يتحرر من الخطية بسلطانها فتكون له حياة، ومن لا يقبل كلمة الله ستكون كلمة الله دينونة له (يو 12 : 48) أي رائحة موت. ومن هو كفؤ لهذه الأمور = ولكن من الذي يستطيع أن يبلغنا هذه الأمور، ويحقق فينا رسالة الحياة. من الذي جعلنا رائحة زكية للمسيح فنكون رائحة حياة. لا تظنوا أنني أريد أن أتفاخر بنفسي وأقول أنني قد أعطيتكم حياة. أنا لست شيئاً، أنا لست كفؤاً لهذه الأمور لكن الله هو الذي عمل بي. لا أحد يعطى حياة سوى الله.

 

آية 17 :- لأننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله لكن كما من إخلاص بل كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح

فليفتخر البعض = كالكثيرين بأنهم قادرين وأكفاء، لكننا لسنا مثلهم. هم غاشين كلمة الله = هم يغشون ويضللون ويفتخرون أنهم كفؤ للخدمة، وأنا لا أفعل مثلهم، فهم لهم أغراض شخصية كزيادة أموالهم. أما أنا فلا أكرز إلاّ بدافع الإخلاص والغيرة. بل كما من الله = أي الله يحركني ويعطيني ما أقول. نتكلم أمام الله = أهداف كلمات بولس ليست أنانية وشخصية، بل هو في صدق يتكلم أمام الله. والله يراقب ما يقول. في المسيح = فالكلمات التي يقولها يعطيها المسيح الذي في بولس (غل 2 : 20). هو يتكلم متحداً وغير منفصل عن المسيح، بل المسيح يتكلم فيه. كما من إخلاص = لا يبحث إلاّ عن مجد الله وخلاص نفوسهم لا يريد أي شئ لنفسه.


 

الإصحاح الثالث

آية 1 :- افنبتدئ نمدح انفسنا ام لعلنا نحتاج كقوم رسائل توصية اليكم او رسائل توصية منكم.

حينما ذكر أن هناك كثيرين يغشون كلمة الله وهو ليس منهم، بل أن هؤلاء طلبوا أن يأتى بولس الرسول برسائل توصية (غالباً من التلاميذ الإثنى عشر) خرج عن الموضوع ليرد على هذه النقطة، فهو لا يمدح نفسه ولا هومحتاج لرسائل توصية كالرسل الكذبة، لأن اهل كورنثوس بإيمانهم ومواهبهم إثبات صدق رسوليته. وهو مرة ثانية لا يتكلم عن صدق إرساليته بنوع من الإفتخار أو ليمدح نفسه بل لتثبيت إيمان الكورنثيين على الإيمان الصحيح.

 

آية 2 :- انتم رسالتنا مكتوبة في قلوبنا معروفة ومقروءة من جميع الناس.

أنتم رسائل توصيتنا التى تؤكد من نحن، إن أعظم شهادة لمدرس هى نجاح تلاميذه مكتوبة في قلوبنا = أنظر محبته، فأولاده فى قلبه وعالقين فى ذهنه، قبل أن يكونوا ظاهرين أمام الناس = مقروءة من جميع الناس = حياتكم وإيمانكم ظاهر أمام كل الناس. هو تكلم عن مكانتهم فى قلبه قبل أن يتكلم عن علاقتهم بالناس. فأنتم رسالتنا لجميع الناس = تعاليمنا أثمرت فيكم وفى حياتكم، وصارت حياتكم ظاهرة وإثبات لصدق تعاليمنا ولصدق رسوليتنا

 

آية 3 :- ظاهرين انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في الواح حجرية بل في الواح قلب لحمية.

سبق وقال لهم أنهم رائحة المسيح الزكية، أى الناس تشتم فيكم رائحة المسيح الذى فيكم. وهنا يقول بنفس المعنى ظاهرين أنكم رسالة المسيح = صرتم للجميع ظاهرين بأنكم الرسالة التى كتبها المسيح. تظهرون المسيح الذى فيكم بحياتكم. الناس ترى فيكم رسالة يوجهها لهم المسيح، أنتم إنجيل مقروء من الناس " لكى يرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجدوا أبوكم الذى فى السموات " لذلك يجب علينا أن نراقب كل تصرفاتنا. أنتم رسالة المسيح مخدومة منا = لقد صرتم هكذا بواسطتنا، بكرازتنا وتعاليمنا، فما الداعى لأن نأتى برسائل توصية. وهذه الرسالة لم تكتب بحبر بل بنعمة روح الله الحى = الذى عمل فينا فكرزنا وعمل فيكم فقبلتم الكلمة وتغيرت حياتكم. والروح هو الذى يعيد تشكيلنا لنصير خليقة جديدة، الروح هو أصابع الله التى تعيد تشكيل الآنية الفخارية (أر 18) وهو الذى يثبتنا فى المسيح فيظهر المسيح الذى فينا. لا فى ألواح حجرية = على نحو ما كتب موسى. بل فى ألواح قلب لحمية = راجع (أر 31 : 33 + حز 11 : 19، 20 + 36 : 26، 27). أى ان الروح القدس حَوَّلَ القلوب الحجرية إلى قلوب لحمية حساسة تشعر وتدرك ما يكتبه الروح القدس عليها. وكيف حَوَّلَ الروح القدس القلوب من حجرية إلى لحمية، كان ذلك بأن سكب محبة الله فيها (رو 5 : 5). ومن يحب يحفظ الوصايا (يو 14 : 21) دون أن تكتب على ألواح حجرية كما فعل موسى، بل بالمحبة. فى العهد القديم كتب لهم الله على الحجر فهذا يتناسب مع قلوبهم الحجرية. أما فى العهد الجديد فلقد صارت لنا قلوب لحمية بالمحبة التى يسكبها الروح (الزوجة التى تحب زوجها وتحب الله لا تحتاج لمن يقول لها لا تزنى، فهذا يعتبر إهانة لها. فمن يحب الله لا يستطيع أن يخونه). وكان هذا غير ممكناً فى العهد القديم، حيث لا محبة إذ أن الروح القدس لم يكن يحل فيهم بعد (يو 7 : 39)

 

آية 4 :- ولكن لنا ثقة مثل هذه بالمسيح لدى الله.

لنا ثقة مثل هذه = أنكم أنتم رسالة المسيح المقروءة، وستظلون هكذا تنشروا

الإيمان برائحتكم الزكية. بالمسيح = فى المسيح. هذه الثقة صارت لنا من خلال إتحادنا بالمسيح وثباتنا فى المسيح. لدى الله = تجاه الله. ثقتنا هى تجاه الله وليس فى أنفسنا. فالله هو الذى يملأكم بالروح ويحولكم إلى سفراء يعظ بكم (2كو 5 : 20) وتكونون رسالة المسيح ورائحة المسيح.

 

آية 5 :- ليس اننا كفاة من انفسنا ان نفتكر شيئا كانه من انفسنا بل كفايتنا من الله.

كفاة = أكفاء. هذه الثقة (آية 4) ليست راجعة لكفاءتنا أو قدراتنا بل كفايتنا من الله. فلا ننسب أى نجاح فى الخدمة لأنفسنا بل لله.

 

 

آية 6 :- الذي جعلنا كفاة لان نكون خدام عهد جديد لا الحرف بل الروح لان الحرف يقتل ولكن الروح يحيي.

المعلمون الكذبة الذين قاوموا بولس إتهموه بأنه يهاجم الناموس، وطالبوا أهل كورنثوس الإلتزام بحرفية الناموس، وهو هنا وفى الأيات التالية يقول أنه ليس ضد الناموس، بل هو يهاجم الحرفية فى الناموس، هو ضد التطبيق الحرفى للناموس. ولكنه يطالب بالفهم والتطبيق الروحى للناموس.

مثال للتطبيق الحرفى عند اليهود = اليهود فى إسرائيل، إذ هم يمتنعون عن العمل يوم السبت، فهم يستأجرون عمال فلسطينيين للعمل يوم السبت. هم يمتنعون حتى عن إضاءة وإطفاء الأنوار. لكنهم يطلبون من الفلسطينيين عمل ذلك.

فى العهد الجديد = بل أنهم حتي فى العهد الجديد، نجد أن أوريجانوس طبق الآية حرفياً فخصى نفسه بدلاً من أن يميت الشهوة فى داخله فحرمته الكنيسة. هم إتهموا بولس بأنه متحرر لا يبالى بالناموس فطالبهم بأن يرفعوا البرقع عن موسى (الناموس) ليروا مجد الرب الفائق العامل فى موسى والناموس والذى يقود للمسيح فيروا المسيح.

الذى جعلنا كفاة = إن الله وليس أى شخص آخر هو الذى جعلنا قادرين وأعطانا الإمكانيات لكى نخدم العهد الجديد. والله جعلنا خداماً ليس لناموس مكتوب والذى كان حروفاً تعجز عن أن تهب الحياة لأنها لم تكن تعطى القوة مع الوصية. الناموس مجرد مرآة ولا يستطيع سوى كشف الفساد الداخلى دون أن يعطى إصلاح. هو كلام بلا قوة على تغيير طبيعتي فهو يكشف الأخطاء، ثم يحكم بالموت على المخطئ = لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحيى = الروح فى العهد الجديد يعطى قوة للمؤمن على تنفيذ الوصايا، هو يغير طبيعة الإنسان، فيسهل عليه تنفيذ الوصايا، لذلك هو يعطى حياة. هو يعطى حياة بأن يجعل الحرف (وصايا الناموس) تتحقق فلا يحكم عليَّ الناموس بالموت. فأحيا. خدام عهد جديد = وردت عبارة عهد جديد لأول مرة فى (أر 31 : 31)

الحرف يقتل = هناك تطبيق حالى لهذه الآية. فلقد طالب الله إسرائيل بأن يبنوا الهيكل فى مكان يحدده هو وليس سواه (تث 12 : 5، 11، 13، 14). وكان هذا لحكمة إلهية فى وقتها. إذ حينما يجتمعون فى الهيكل (والذى أقامه سليمان بعد ذلك) ومعهم الكهنة واللاويين يعلمونهم الشريعة وعبادة الله الواحد، لا ينحرفوا إلى العبادة الوثنية. وهذا ما حدث للمملكة الشمالية إذ خالفت هذه الوصية، وأقاموا هيكلين فى مملكتهم، أنهم انحرفوا سريعاً إلى عبادة الأوثان فأباد الله مملكتهم. ولكن الآن ما عاد أحد يعبد الأوثان. فالتطبيق الحرفى لهذه الآية جعل دولة إسرائيل تتمسك بالمكان ويقولون أنه هو المبنى عليه المسجد الأقصى، ويريدون هدمه ليقيموا عليه هيكلهم، فتمسكهم الحرفى بالأيات كان وسيكون سبباً لقتل كثير. ولاحظ رد السيد المسيح على السامرية فى هذه النقطة، أن السجود لله لا يرتبط بمكان بل هو سجود بالروح والحق. فالعبادة بالروح تحيى.

الفهم الروحى السليم لما سقط فيه أوريجانوس = الشهوة لن تموت بأن يخصى الإنسان نفسه. بل الروح القدس يعطى معونة على ذلك لمن يجاهد بأن يميت شهوته " ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون " (رو 8 : 13) لذلك فالرسول هنا يقول لا الحرف بل الروح

 

آيات 7، 8 :- ثم ان كانت خدمة الموت المنقوشة باحرف في حجارة قد حصلت في مجد حتى لم يقدر بنو اسرائيل ان ينظروا الى وجه موسى لسبب مجد وجهه الزائل فكيف لا تكون بالاولى خدمة الروح في مجد.

هذه رد عل من يريدون أن يرتدوا لعوائد الناموس كالختان. أى إذا كانت خدمة الناموس التى تقود للموت (فهو بلا قوة تساندنا لنحفظ الوصية) وهى مكتوبة بأحرف على الحجارة = خدمة الموت = التى تحكم بالموت على المخطئ دون أن تعطيه معونة، وبذلك حُكِمَ بالموت على الجميع، فإذا كانت هذه الخدمة قد إرتبطت بمجد حتى أن الإسرائيليين لم يستطيعوا أن ينظروا مباشرة إلى وجه موسى بسبب ما كان يحيط به من ضياء ومجد = مجد وجهه الزائل = هذا المجد الذى كان مجداً مؤقتاً ويزول فى يوم ما، فكيف لا ترتبط بمجد أكثر وأعظم خدمة العهد الجديد التى تهب للناس نعمة الروح القدس، الذى يعطى قوة لتنفيذ الوصية فتكون لهم حياة ومجد

خدمة الروح فى مجد = خدمة تهب الروح للناس والروح يعطى حياة وليس موت هو يعطى حياة لأنه يغير طبيعتى فأستطيع تنفيذ وصايا الناموس بسهولة.

 

 

 العهد القديم العهد الجديد

Text Box: 0 يهيئ القلوب لتصبح النواميس جزءاً من طبيعة الإنسان. هو يعطى قلباً جديداً
0 الروح يعطى معونة لتصير حياتنا مرضية عند الله(رو 8 : 26)إذ يغير طبيعة المؤمن 
0 طاعة الوصية عن حب وبحرية.

Text Box: 0 يعطى قوانين وفرائض، يصف ويرشد هو كمرآة تظهر الضعف الداخلى.
0 يدين من لا يطيع وصاياه ويحكم بالموت على من يخطئ.
0 طاعة الوصية عن خوف من العقاب

 

 

 

 

 

 

 

آيه 9 :- لانه ان كانت خدمة الدينونة مجدا فبالاولى كثيرا تزيد خدمة البر في مجد.

فإذا كانت خدمة ذلك الناموس الذى أدى إلى إدانة البشر وموتهم الموت الروحى،

إذا كانت هذه الخدمة قد إرتبطت بمجد، فبالأحرى تلك الخدمة التى تهب للناس البر والخلاص ترتبط بمجد أعظم. فالكنيسة فى مجد فجسد المسيح ودمه على المذبح والروح القدس يحل فى الكنيسة، ولقد صرنا ابناء لله ولكن عيوننا لا تدرك المجد الذى نحن فيه بل ندركه بالإيمان. هو مجد عتيد ان يستعلن فينا. وقارن هذا مع خدمة الذبائح الحيوانية فى العهد القديم.

 

آية 10 :- فان الممجد ايضا لم يمجد من هذا القبيل لسبب المجد الفائق.

معنى الآية أن مجد العهد الجديد كالشمس، ومجد العهد القديم كالقمر وحينما ظهرت الشمس بنورها غطت على نور القمر. مجد القمر إختفى حين ظهر مجد الشمس. وليتضح معنى الآية نأخذها كلمة كلمة فإن الممجد = أى العهد القديم الذى كان فى مجد (مجد وجه موسى) لم يمجد = ما عاد يظهر مجده، فلقد توارى أمام مجد العهد الجديد. من هذا القبيل = بالمقارنة مع العهد الجديد.

لسبب المجد الفائق = مجد العهد الجديد الفائق (عهد إبن الله المتجسد) هذا الكلام موجه للمتهودين من المعلمين الكذبة الذين يريدون للأممى أن يتهود أولاً. ومعنى كلام الرسول. إن كنتم بعد إيمانكم بالمسيح قد تمتعتم بنور العهد الجديد الذى هو كالشمس، فهل أنتم في حاجة لنور شمعة تضئ لكم.

 

آية 11 :- لانه ان كان الزائل في مجد فبالاولى كثيرا يكون الدائم في مجد.

 إن كان الزائل = كان العهد القديم بفرائضه شيئاً مؤقتاً وسيزول بمجئ المسيح،

فإن أتى المرموز إليه بطل الرمز. الناموس نفسه لن يبطل (رو 3 : 31) بل تبطل الفرائض التى كانت تشير لبركات العهد الجديد (الذبائح الحيوانية والختان والتطهيرات...). ولكن الناموس نفسه روحى ويقود للمسيح لمن يفهمه روحياً. لكن إن كان المؤقت قد إرتبط بمجد، فإنه بالأولى أن يرتبط العهد الجديد بمجد أعظم، لن يزول ولن ينتهى ويظل للأبد. وذلك كما أن بهاء وجه موسى إنتهى بموته ولكن بهاء مجد المسيح فإلهى ذاتى قائم إلى الأبد. ولذلك لم تتضح ملامح حياة الإنسان فى السماء فى مجد فى العهد القديم، لكن هذا إتضح فى العهد الجديد.

 

آية 12 :- فاذ لنا رجاء مثل هذا نستعمل مجاهرة كثيرة.

وإذ لنا هذا الرجاء، أن الكرازة والإيمان بالمسيح لهما مجد عظيم فإننا نخدم بأكثر جرأه وشجاعة = مجاهرة كثيرة = ليتمتع كل الناس بهذا المجد

 

الأيات 13 – 18 :- مقدمة :- حين رأى موسى مجد الله لمع وجهه(خر 34 : 29) وإضطر موسى أن يضع برقعاً على وجهه وهو يكلم الشعب (خر 34 : 33، 35) ولكنه كان يرفع البرقع حين يدخل أمام الرب ليتكلم معه (خر 34 : 34).

والرسول هنا يعيد تفصيل القصة. ومنطق الرسول هنا أن البرقع كان حاجزاً بين الشعب وبين المجد الذى فى وجه موسى. وأن موسى كان هو ممثل الناموس إذ هو من إستلمه. وفهم بولس من هذا، أن العهد القديم كان فى مجد، إذ كان يشهد للمسيح، لكن كان عليه برقعاً إشارة لغموض المعانى التى فيه. فمن يتصور مثلاً أن الله يتجسد ويولد من عذراء ويصلب ويموت ويقوم...كل هذا كان قد تنبأ عنه أنبياء العهد القديم ولكن بصورة غامضة لم يفهمها أحد من العهد القديم. وحين ظهر المسيح زال هذا البرقع، كما كان موسى يرفع البرقع عن وجهه حين يذهب ليكلم الرب. ولذلك فالتلاميذ وغيرهم تعرفوا على الرب وآمنوا به، إذ رُفِعَ الغموض (البرقع). وتلميذى عمواس ظل البرقع على عيونهم فترة إلى أن شرح لهم المسيح المعانى التى فى النبوات (لو 24 : 25 – 27، 32) أمّاباقى اليهود، والكهنة ورؤساء الكهنة فلقد إنتقل البرقع إلى عيونهم هم بسبب خطاياهم وحسدهم للمسيح (مر 15 : 10) إذ شعروا أنه منافس لهم، وبهذا ستضيع مكاسبهم المادية. أغراضهم الخبيثة أعمت عيونهم أى صارت كبرقع على عيونهم فلم يعرفوا المسيح، بل صلبوه. وهكذا كل من يحيا فى الخطية وفى شهواته، تكون خطاياه كبرقع يحجز عنه رؤية المسيح أو معرفة المسيح ومجد المسيح فيرفض المسيح. ومن يقدم توبة يرجع للرب ويكون كمن يرفع البرقع فيرى الرب ويؤمن به ويحبه، ويرى الأمجاد المعدة فيحتقر العالم وشهواته. واليهود حتى اليوم هم كمن على عيونهم برقع فلم يدركوا حقيقة المسيح الذى تنبأ عنه كتابهم، مازالوا لا يعرفون أن مجد ناموسهم ولمعانه هو المسيح الذى يشير اليه ناموسهم. ونلاحظ ان الله اراد ان يبقى الناموس غامضا فى نبواته عن المسيح لسببين :-

1-   لو ادرك اليهود ان ناموسهم مؤقت لاهملوه

2-   لو عرف الشيطان خطة الله لافسد خطة الصليب (1 كو 8:2)

والمسيح حين جاء رفع البرقع (الغموض) الذى كان فى الناموس، فعرف المسيح البسطاء كالتلاميذ، الذين لم يكن فى قلبهم حسد نحوه.

 

اية 13 :- وليس كما كان موسى يضع برقعا على وجهه لكي لا ينظر بنو اسرائيل الى نهاية الزائل.

وضع موسى برقعا على وجهه حتى لا يرى الشعب وجهه اللامع، ووجه موسى هذا كان زائلاً (لأنه سيموت) وكان هذا رمزاً لان الناموس كله كان عليه برقعا، ولم يتضح منه جليا أنه سيزول حين يأتى المسيح، والبرقع أيضاً كان إشارة لغموض معانى الناموس، لذلك لم يفهم اليهود نهاية التدبير الموسوى الزائل الذى إنتهى بالمسيح. فلربما لو فهموا أن الناموس والفرائض ستزول لما إحترموها وقدسوها، بينما أن هذا الناموس كان للتأديب. ولكن من قدس الناموس كالتلاميذ بلا هدف منفعة شخصى إكتشف المسيح كغاية للناموس وآمن به كما آمن التلاميذ بالمسيح، وإنكشف البرقع عن عينيه. وأمّا من لم يؤمن وكانت له أغراض شخصية فلقد إستمر البرقع على عينيه. ووضع آية 12 مع آية 13 نفهم منه أن الرسول يقصد أن يقول..نحن نجاهر ونكرز بالعهد الجديد ولن نضع برقعاً على تعاليمنا لكي نحجب الحقيقة كما وضع موسى برقعاً على وجهه، هذا البرقع الذى كان يرمز إلى أن العهد القديم كان عهد حجاب للحقيقة، ويعنى البرقع أن أحفاد إسرائيل لم يستطيعوا بسبب عدم إيمانهم أن يروا يسوع الذى كان غاية وكمال الناموس الزائل.

 

آية 14 :- بل اغلظت اذهانهم لانه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باق غير منكشف الذي يبطل في المسيح.

البرقع الآن ليس على وجه موسى بل على عقول من يقرأ موسى فلم يروا نهاية الزائل أى فرائض الناموس، ولم يفهم اليهود الناموس روحياً فلم يدركوا مجد العهد الجديد. فبالإيمان بالمسيح فقط يمكن كشف هذا البرقع، وهم لم يؤمنوا بسبب حسدهم وطلبهم لمجدهم الذاتى(يو 12 : 43 + يو 5 : 44). هذه الآية تساوى " لهم عيون ولكن لا يبصرون وأذان ولا يسمعون ".

لأنه حتى اليوم = لا تعنى فقط أيام بولس، بل حتى يومنا هذا فاليهود لا يفهمون، والخطاة لا يبصرون، ويرفع البرقع عنهم بالتوبة

يبطل فى المسيح = يبطل بالإيمان بالمسيح والإتحاد به

 

آية 15 :- لكن حتى اليوم حين يقرا موسى البرقع موضوع على قلبهم.

كان البرقع حاجزاً بين موسى (وجه موسى) وبين اليهود، فلم يستطيعوا أن يروا مجد وجهه، وحتى اليوم هذا الحاجز موجود فلم يكتشفوا المسيح من خلال كتب موسى ولا رأوا مجد العهد الجديد. ولا أدركوا أن الناموس والنبوات يشيرون للمسيح.

 

آية 16 :- ولكن عندما يرجع الى الرب يرفع البرقع.

يرجع إلى الرب = بالإيمان أو بالرجوع لله طالبين بأمانة أن يعلن لهم الحقيقة تاركين أفكارهم الشخصية (مثال الخصى الحبشى)، وتاركين كبريائهم وحسدهم أو خطاياهم. وهذا كما كان يرفع موسى البرقع حينما يعود ليتحدث مع الرب (أش 25 : 7 + خر 34 : 34). والمعنى أنه إذا كان أى شخص يقرأ ناموس موسى ويرجع إلى الرب يسوع المسيح فإنه عند ذلك يمكن أن يكشف البرقع إذ سوف يدرك أن الناموس يشير ويقود إلى المسيح. مثل هذا الإنسان سيعرف الحق، وينتقل من فهم أن السعادة هى بالأرضيات، إلى أن السعادة هى فى الروحيات. وسيدرك مجد الروحيات والعهد الجديد. ولاحظ قوله يرفع البرقع = إشارة إلى أن الناموس لا يُزَالْ فهو لا يتعارض مع العهد الجديد. وهذا لمن يفهمه روحياً وليس حرفياً. راجع (رو 3 : 31)

 

آية 17 :- واما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرية.

وأمّا الرب فهو الروح = فى الرجوع للرب تنكشف الحقائق التى كان عليها برقع فننتقل من الحرف إلى الروح. وتفهم أيضاً أن بالرجوع للرب يأخذ هذا الإنسان فى داخله الروح القدس الذى هو الرب، وحيث يوجد الروح القدس الذى يؤخذ بواسطة الرب يسوع فهناك توجد الحرية من برقع وعبودية الناموس، ومعنى ذلك أن رجوعنا إلى الرب يسوع هو عينه حصولنا على روح الرب فى داخلنا، أى أن الحياة فى المسيح هى الحياة فى الروح. الروح حل بديلاً عن الحرف. الولادة الجديدة من الماء والروح هى زرع إنسانية يسوع المسيح فى كيان المؤمن. " صار آدم الأخير روحاً محيياً " (1كو 15 : 24) وبهذه الحياة الجديدة يكتشف الإنسان ما يجب أن يعمله لا كوصايا خارجاً عنه ومكتوبة فى ألواح وينفذها بتغصب وبدافع الخوف والعبودية، لكن يجد أنه فى حرية يحب أن ينفذ الوصية فالروح كتبها على قلبه إذ ملأ قلبه من محبة المسيح = وحيث روح الرب هناك حرية. هنا نرى بركة التمتع بالروح والعبادة بالروح، فهو يعطينا إستنارة فنعرف المسيح ونحبه فننفذ الوصية فى حرية لا عن كبت داخلى، إذ تجددت طبيعتنا، ولذلك كان رمزياً حلول الروح القدس يوم ال 50 لأن اليوبيل (وفيه الحرية) كان فى السنة الخمسين

 

آية 18 :- ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مراة نتغير الى تلك الصورة عينها من مجد الى مجد كما من الرب الروح

إذ ننعم بالنور الإلهى والحرية الحقيقية تتجدد طبيعتنا وتنمو كل يوم لكى نتشكل ونصير أيقونة المسيح خالقنا، نرتفع من مجد إلى مجد. فالروح القدس لا يعطينا فقط طبيعة جديدة بها ننفذ الوصايا فى حرية بل يعطينا أن نرى الأمجاد، هو يعلن لنا المجد المعد لنا (1كو 2 : 9 – 12)، لكنه يعلنه لنا كما فى لغز كما فى مرآة (1كو 13 : 12) = ناظرين مجد الرب اليهود رأوا مجد وجه موسى خارجاً عنهم، أما نحن فنرى شخص المسيح ساكناً فينا، نراه داخلنا. بوجه مكشوف = أى بدون برقع يحجب عنا الله، معلنة لنا الحقائق وليس مثل رجال العهد القديم. لا شئ يحجز بيننا وبين الله سوى الخطية.

فى مرآة = كما كان موسى يكلم الله بوجه مكشوف فإنطبع عليه نور الله، هكذا الآن، كل المسيحيين يصيرون كمرآة يعكسون نور الرب، يعكسون صورة مجد الله للآخرين. فنحن لا ننظر فقط هذا المجد ولكننا نتأثر به ويفعل فينا ويغير حياتنا، ويجدد داخلنا حتى كما تعكس المرآة الأشعة الساقطة عليها، هكذا نعكس نحن أيضاً صورة مجد الرب، لذلك قال المسيح " أنتم نور العالم " إذ نعكس نوره فهو " نور العالم " قارن (يو 8 : 12) مع (مت 5 : 14) وما يحدث الآن هو عربون ما سيحدث فى السماء. ونحن نعكس مجد الله بقدر طهارتنا ونقاوتنا، فكلما تطهرنا نعكس المجد كمرآة (الخطية هي كطين يلوث المرآة، وكلما نتطهر نزيل الطين فنعكس مجد الله بصورة أروع). أمّا في السماء، ومع نقائنا الكامل سنكون كمرآة نقية تعكس مجد الله فتكون لنا أجساد ممجدة نورانية. والأن نأخذ صورة مجد الرب ونتقدم من درجه في المجد إلى درجة أسمى = من مجد إلى مجد = كما هو الحال بالنسبة للشخص المستنير بالروح القدس الذي هو الرب فهو يتقدم وينمو من درجة إلى درجة في طريق الكمال. ونحن ننظر مجد الله بوجه مكشوف ولسنا كاليهود نضع برقعاً على وجوهنا. لذلك فمجد الله يظهر في وجوهنا والرب الممجد يتصور فينا = نتغير إلى تلك الصورة عينها = نأخذ صورة المسيح وهو على الأرض (غل 4 : 19). ونحن على الأرض نأخذ صورة المسيح وهو على الأرض. أمّا في السماء فهو يغير شكل جسد تواضعنا إلى صورة جسد مجده (في 3 : 21) ونصير مثله لأننا سنراه كما هو (1يو 3 : 2) كما من الرب الروح = هذا عمل الروح القدس فينا. لذلك علينا أن نصلى لكي نمتلئ من الروح، والروح يغيرنا لصورة المجد


 

الإصحاح الرابع

 

إدعى المعلمين الكذبة أن الضيقات التي تواجه بولس هي علامة عدم رضا الله عنه، وبالتالي تخلى الله عنه. فنجده هنا يقدم فكر مستنير عن بركة الضيقة

 

آية 1 :- من اجل ذلك إذ لنا هذه الخدمة كما رحمنا لا نفشل.

بالرجوع لما سبق وقاله في إصحاح (3) يقول.. ولأن عملنا وخدمتنا على هذا القدر من المجد الذي يتميز عن العهد القديم. وخدماتنا هذه ليست راجعة لكفاءتنا وإستحقاقنا ولكننا حصلنا عليها من فيض رحمة الله = كما رحمنا وإذا كان الله هو الذي وهب لنا هذه الخدمة فإننا لا نفشل مهما قابلنا من صعاب، فالله يريد لهذه الخدمة النجاح ويعطينا إمكانيات جبارة تصاحب هذا المجد.

 

آية 2 :- بل قد رفضنا خفايا الخزي غير سالكين في مكر ولا غاشين كلمة الله بل بإظهار الحق مادحين أنفسنا لدى ضمير كل إنسان قدام الله.

بل قد رفضنا خفايا الخزى = رفضنا أن نمارس الخطايا المخجلة، ولأنها هكذا يمارسونها في الخفاء. وكيف يكون لنا كل هذا المجد ونسلك في خفايا الخزى. ونعمل هذا لنكون إنجيلاً معاش وليس مكتوم، غير ظاهر، ونحن لا نتصرف في الخفاء غير ما نفعله علانية. غير سالكين في مكر.. = ونحن لا نسلك في مكر أو خبث. الرسول لا يسلك كما يفعل المعلمين الكذبة، هم إتهموه بالمكر والغش وهم الذين يسلكون هذا الطريق. مادحين أنفسنا = نتقدم بأنفسنا ظاهرين واضحين أمام الناس جميعاً غير مخفين أعمالنا، ويرى الناس أعمالنا الصالحة ويمجدوا أبونا الذي في السموات. وأيضاً فإن التصرفات الحسنة التي نحاول أن نسلك فيها تستجلب مدح الناس ورضاهم وثقتهم. قدام الله = والله هو الشاهد على إخلاصنا في تعاليمنا وسلوكنا.

 

آية 3 :- ولكن إن كان إنجيلنا مكتوما فإنما هو مكتوم في الهالكين.

ربما عَلَّقَ البعض على كلام بولس حين قال أن هناك برقع على العهد القديم، بأن الإنجيل أيضاً غير واضح، والرسول يرد على هذا بأنه غير واضح للهالكين. فإن كان إنجيلنا غير مدرك وغير مقبول، فإن هذا يرجع إلى البشر أنفسهم أو الهالكين منهم الذين لم يقبلوا محبة الحق (2تس 2 : 10). أي هؤلاء الذين بإرادتهم وبإختيارهم قد أغلقوا أذهانهم عن فهم الحقيقة وعن تقبلها. هم من بإرادتهم صاروا تحت سلطان الخطية، فصاروا عمياناً إذ أسلموا أنفسهم للشر فصار برقع على قلوبهم ورفضوا الإستجابة للنداء الإلهي. فليس كل إنسان يتقبل كلام الله، فيهوذا كان في حضن المسيح وهلك لأنه لا يريد. فنحن لنا إرادة حرة (مت 23 : 37). والعكس فمن يحيا في طهارة، صالباً شهواته يحيا المسيح فيه(غل 2 : 20). والمسيح الذي فيه يحركه وفقاً للإنجيل، فالمسيح كلمة الله، والإنجيل كلمة الله. وبهذا يتحول هذا الإنسان لإنجيل معاش. فمن ينساق وراء شهواته يصبح إنجيلاً مكتوم (هذه الآية) ومن يصلب شهواته يصير إنجيلاً معاش. والإنجيل المعاش شئ ودارس الإنجيل كمعلومات شئ آخر، فإن لم يصلب هذا الدارس شهواته لن يصبح إنجيلاً معاش، بل يظل إنجيلاً مكتوم وسيهلك. أمّا من يحيا فيه المسيح فيكون له فكر المسيح (1كو 2 : 16) وهذا سيفهم ما يقوله الإنجيل، بل سيحيا به

ويطبق ما فيه، وسيكون إنجيلاً مقروءاً من الناس، يكرز دون أن يتكلم أو يعظ، نور المسيح الذي فيه سينعكس من عليه كمرآة.

 

آية 4 :- الذين فيهم اله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله.

إله هذا الدهر = في حالة التمرد الحالية التي يعيش فيها البشر في هذا الدهر، نجدهم يعبدون إبليس رئيس هذا العالم كما أسماه المسيح (يو 14 : 30 + يو 16 : 11). ويعبدون الخطايا والشهوات والمال والملذات الحسية. ويسمى إله هذا الدهر، لأن سلطانه وقتي إذ أن هذا العالم سيزول، والشيطان سيلقى في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ 20 : 10) والكل سيخضع لله (1كو 15 : 24) ولاحظ أن من يترك الله يكون له إله آخر هو إله هذا الدهر. لذلك يقول " لا تملكن الخطية في جسدكم المائت " (رو 6 : 12). بل من تجذبه مراكز وعظمة هذا العالم، فبالرغم من أن هذا ليس خطية، إلاّ أن الإهتمام بهذا يعمى العين عن أن ترى المسيح، فيحرم الإنسان من النور الإلهي. وقوله هذا الدهر المقصود به كل الزمان الذي يسبق المجيء الثاني.

قد أعمى أذهان غير المؤمنين = هذا هو خداع إبليس إله هذا الدهر، أنه يثير شهوات الإنسان ويغريه بملذات هذا العالم، ومن ينقاد لشهواته يصيبه العمى فلا يدرك نور الإنجيل ولا يفهمه، ولا يدرك نور الكرازة التي تبشر بمجد المسيح، ولا يدرك النور الذي يظهر مجد المسيح الذي هو صورة الله = فالله غير منظور ولكننا رأيناه في المسيح، كما قال المسيح لفيلبس " من رآني فقد رأى الآب "

إنارة إنجيل مجد المسيح = المؤمن الحقيقي يصير في داخله إستنارة يرى بها المجد الذي في المسيح الذي هو صورة الله، بل هو يعكس هذا المجد فيراه الغير ولكن هذا لمن صلب شهواته فصار المسيح يحيا فيه وأعطاه بصيرة. أما من إنقاد لشهواته تنطفئ بصيرته الداخلية، ومثل هؤلاء أسماهم هنا غير مؤمنين = فالمؤمن يعكس مجد الله، إذ يحيا المسيح فيه. ولكن من ينقاد لإله هذا الدهر حتى يصيبه بالعمى كيف يكون مؤمناً. فالخطايا والشهوات هي كطين يغطى مرآتنا فلا نعكس مجد الله، بل لن نراه ولن ندركه أصلاً. أمّا من يقدم توبة فسيشرق داخله نور بعد أن كان ظلمة، ويعود يرى مجد المسيح.

 

آية 5 :- فإننا لسنا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربا ولكن بأنفسنا عبيدا لكم من اجل يسوع.

من (آية 4) رأينا أن الإنجيل يكرز بمجد المسيح، وهذا هو هدف كرازتنا. نحن نرى مجد المسيح فلا نستطيع إلاّ أن نكرز به. فنحن لا نقصد أن نكرز بأنفسنا ولا أن نمجد ذواتنا، بل نحن نعتبر أنفسنا عبيداً لكم من أجل المسيح. إن الخادم يقدم نفسه عبداً وخادماً للمؤمنين ليربح نفوسهم للمسيح وليتمجد المسيح في كل إنسان. وإن كان هدف الرسول مجد المسيح، فمن يخاصمه يخاصم المسيح. ونحن كيف نكرز بالمسيح ؟ بصلب شهواتنا فيحيا المسيح فينا ويرى الناس المسيح الذي فينا دون كلام ولا كرازة.

 

آية 6 :- لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي اشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح.

الله الذي قال = (تك 1 : 3). هو الذي أشرق في قلوبنا = هذا كان بالمعمودية التي هي سر الإستنارة. ومعنى كلام الرسول هنا أن في بدء الخليقة كان هناك ظلمة، وخلق الله النور في العالم. وبالمثل كان هناك ظلمة في قلوبنا، والله الذي خلق النور في العالم في اليوم الأول، خلق نور داخلنا. فالإستنارة الداخلية هي عمل إلهي، هي خلق. فالله هو الذي يعطينا أن نستمتع بهذه الإستنارة. في قلب كل خاطئ ظلمة، وحين يعود لله بالتوبة يعطيه الله إستنارة داخلية... هذه هي الخليقة الجديدة. والله يعطينا هذه الإستنارة ليس لنستنير فقط، بل بواسطتنا يمكن أن نكرز بهذا النور، فالله يعطينا هذا النور إذاً لسببين :-

أ) تصير لنا البصيرة الداخلية المستنيرة التي تدرك ملكوت الله، وتنعم به، ونفهم ونعاين أسرار الحب الإلهي ونرى بوضوح الله ونعرف مشيئته ونحبه ونفرح بهذا الحب.

ب) نشهد لله بحياتنا، وخلقتنا الجديدة، نشهد لله في العالم، وهذا هو الإنجيل المفتوح عكس الإنجيل المكتوم (آية 3) = لإنارة معرفة مجد الله = فنحن عرفنا مجد الله حين إستنرنا، ثم نعلنه للآخرين.

في وجه يسوع المسيح = هذا المجد الإلهي ظهر بواسطة شخص ربنا يسوع المسيح. فنحن نعرف المجد الإلهي عن طريق معرفة المسيح وحياة المسيح فينا وبها نتمتع بشركة مجده الإلهي.

ولاحظ أن الله يعطينا الإستنارة : 1) بالمعمودية 2) بالتوبة. وكلاهما موت عن العالم وعن الخطية، لنقوم بحياة جديدة. كلاهما قرار بالموت يعقبه حياة، والموت ظلمة وعدم إدراك، والحياة إستنارة ومجد.

 

آية 7 :- ولكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا.

لنا هذا الكنز = النور الإلهي / المحبة الإلهية / معرفة المجد الإلهي / الروح القدس يحل فينا (وهو نار إمّا نضرمها أو نطفئها) / المسيح يحيا فيَّ (غل 2 : 20) الخدمة المجيدة التي إستأمننا الله عليها. وبالرجوع (للآية 6) يفهم أيضاً أن الكنز هو أن نعكس مجد الله. في أوانٍ خزفية = فأجسادنا هي من طين، ولكننا صرنا هيكل لله. وما يحجز ظهور المجد الإلهي فينا هو هذا الجسد الترابي، ولكن يوم تكسر هذه الآنية الخزفية، أي يوم نموت يظهر هذا المجد العتيد أن يستعلن فينا (رو 8 : 18). ومن حكمة الله ورحمته أن يظل هذا المجد مختفياً لئلا ننتفخ، وكانت هذه سقطة إبليس إذ إنتفخ بسبب مجده وجماله. بل لذلك أيضاً يسمح الله لنا ببعض الآلام والتجارب (2كو 12 : 7). ومن هو ممتلئ من الروح والإستنارة والمجد الداخلي، يوم يموت يكون كالعذارى الحكيمات، مصابيحهن مملوءة زيتاً، ومن أطفأ الروح داخله يكون كالجاهلات.

ليكون فضل القوة لله لا منا = القوة التي نخدم بها، ونواجه الصعاب بها، هي قوة إلهية، فما نحن سوى آنية خزفية ضعيفة، ففضل نجاحنا في خدمتنا يرد أصلاً إلى عمل الله فينا ولا يرد لذواتنا.

 

آيات 8 - 10:- مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين متحيرين لكن غير يائسين. مضطهدين لكن غير متروكين مطروحين لكن غير هالكين. حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضا في جسدنا.

إستخدم الرسول في هذه الآيات تعبيرات رياضية تستخدم في رياضات المصارعة والجرى.

مكتئب = وصف لمن يسقط في يدي خصمه الذي يصارع ضده عاجزاً عن المقاومة

متحير = من وقف في حيرة أمام مهارة خصمه لا يعرف ماذا يفعل.

مطروح = مصارع سقط ملقياً على الأرض. محطم = crushed

مضطهد = من فاته السباق وعجز عن اللحاق بالآخرين.

ولاحظ صليب الخدمة في حياة الرسول بولس... مكتئبين / متحيرين / مضطهدين / نسلم دائماً للموت / الموت يعمل فينا. فالمشاكل التي تقابل الخدام كل يوم تعمل عمل إماتة. ولكن لاحظ أيضاً عمل الروح القدس فيه داخلياً، فالروح يعطى مساندة للخادم حتى لا يفشل (آية 1).. لكن غير متضايقين / غير يائسين / غير متروكين / غير هالكين. لذلك فالخادم المملوء من الروح القدس لا يفشل مهما زادت الضيقات والمشاكل. بل أن لهذه المشاكل فائدة عظيمة فبها ينكسر الخادم ويخضع أمام الله بدموع إذ هو غير قادر على حلها. وبها يكتشف إمكانيات الله إله المستحيلات. وتتوالى المشاكل حتى يُمات الخادم تماماً = الموت يعمل فينا (آية 12). فتموت الأنا أو الإعتماد على الذات وتعطيه إعتماداً كاملاً على الله. فالمشاكل تحاصر الخادم ولكن لا تخلق شعوراً بالضيق داخله، قد يتحير لكن دون أن يشعر بالفشل أو اليأس فشعور الخادم باليأس قد يدفعه للإبتعاد عن الخدمة. الخادم الصحيح لا يشعر أبداً أن الله تركه، مع أن المشاكل تحاصره، وقد يبدو أحياناً أنه هُزِمَ وكما لو أن البشر إستطاعوا أن يطرحوه إلى المخاطر = مطروحين كما كان بولس وسيلا في السجن، أو حين غرقت السفن وبولس فيها. ومع هذا فإن هذه المخاطر لا تقوى على أن تهلكنا، فيد الله وعنايته تحيط بنا كما أحاطت بدانيال في جب الأسود. الخادم الحقيقي لا تبتلعه الضيقات والإهتمامات. طالما نحن في الجسد ستظل هذه الثنائية، شئ في الخارج وشئ آخر في الداخل، دموع في الخارج وتعزيات في الداخل = " كحزانى ونحن دائماً فرحون " (2كو 6 : 10). فمجد إبنة الملك من داخل (مز 45 : 13) (ترجمة سبعينية). أمّا الخارج فآنية خزفية ضعيفة. وهذا ما قاله السيد المسيح " في العالم سيكون لكم ضيق " (يو 16 : 33). القلب اليائس والحزين هو قلب قد إنطفأ فيه الروح القدس، ليس بسبب المشاكل ولكن لنقص جهاد هذا الخادم وفتوره. حاملين إماتة الرب = كل يوم نتعرض لمخاطر كثيرة حتى كأننا نموت مع المسيح على الصليب. ويسميها الرسول إماتة الرب يسوع = فألامنا هي مطابقة لآلام الرب يسوع، فالعالم لا يقبلنا لأنه لا يقبل الرب يسوع. فالآلام التي تقع علينا هي لنفس السبب التي وقعت به على الرب. والآلام التي تقع علينا هي واقعة على المسيح فنحن جسده (كو 1 : 24) وكلما قبلنا هذه الآلام وإشتركنا مع المسيح في صليبه، حتى وإن وصلت هذه الآلام إلى حد الموت = تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا = فبالآلام تموت فينا الشهوات الخاطئة، وتموت الأنا والإعتماد على الذات، ومن يقبل الموت لأجل المسيح تظهر حياة يسوع فيه، وبهذا يظهر أمام الناس أن يسوع يعيش ويحيا فينا حين لا ننهزم، بل ننتصر على الضيقات. الخادم الحقيقي يتوقع في كل لحظة أن يموت كما مات الرب يسوع. وكل من يقبل الموت لأجل يسوع تعمل فيه قوة القيامة التي كانت ليسوع. ومن لا يتقبل الموت عن طيب خاطر فحياة المسيح ليست فيه، وقطعاً من يتقبل الموت سيتقبل أي ألم وأي صليب. من هنا نفهم أن بولس لا يطلب كرامة من الناس، بل هو مستعد للموت لأجل المسيح ولأجل أن يعرف الناس المسيح وينير حياتهم بل يصير المسيح حياتهم = تُظهر حياة يسوع فيهم هم أيضاً. لن تظهر حياة يسوع في أحد، ما لم يقبل الموت عن العالم وشهواته وخطاياه وملذاته، الموت أولاً ثم القيامة فالمسيح لم يقم من الأموات إلاّ بعد أن مات. وهذا معنى " مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ " (غل 2 : 20) الصلب أولاً ثم القيامة.

 

آية 11 :- لأننا نحن الأحياء نسلم دائما للموت من اجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضا في جسدنا المائت.

نسلم دائماً للموت = الإضطهاد والضيقات بل حتى الإستشهاد. ومن يسلم حياته ذبيحة بهذا الشكل يظهر في جسده المائت قوة حياة يسوع الذي يحمل عنا قوة الموت. فحياة يسوع وقوة قيامته تعمل مع من يقبل كل ألم حتى الموت.

 

آية 12 :- إذا الموت يعمل فينا ولكن الحياة فيكم

إذن الموت يعمل فينا (في الخدام) والحياة فيكم (في المخدومين). فكل من يعمل فيه المسيح تعمل فيه الحياة، هو كان قبل المسيح ميتاً وبعد المسيح عاش (مثال لذلك الإبن الضال). فالخادم يقابل مخاطر وضيقات مميتة = الموت يعمل فينا، وذلك ليحصل المخدومين على الحياة الأبدية.

 

آية 13 :- فإذ لنا روح الإيمان عينه حسب المكتوب آمنت لذلك تكلمت نحن أيضا نؤمن ولذلك نتكلم أيضا.

قال داود في المزمور آمنت لذلك تكلمت (مز 116 : 10) أي بسبب إيماني بالله سبحت ورنمت مزاميري بالرغم من كل الضيقات المحيطة بي واثقاً في محبته.

فإذ لنا روح الإيمان عينه = الذي ظهر في داود فإنتصر على الضيق. هكذا نحن أيضاً نؤمن = وكما رتل داود فنحن بكل حماس وغيرة وشجاعة نعترف جهراً بكلمة الإنجيل = نتكلم أيضاً. إن الإيمان قوة روحية جبارة تدفع المؤمن للتبشير والكرازة بما آمن به كما فعلت المرأة السامرية عندما أعلنت إيمانها بالمسيح

 

آية 14 :- عالمين أن الذي أقام الرب يسوع سيقيمنا نحن أيضا بيسوع ويحضرنا معكم.

نحن نعلم أن الله الذي أقام المسيح من الأموات، فإنه أيضاً بواسطته سيقربنا إلى حياة المجد لنسير في خطوات المسيح معكم. إذاً هل سيميتونا. إذاً أهلاً بالموت الذي به نبدأ طريق القيامة والمجد.

 

آية 15 :- لان جميع الأشياء هي من أجلكم لكي تكون النعمة وهي قد كثرت بالاكثرين تزيد الشكر لمجد الله.

لأن جميع الأشياء هي من أجلكم = سواء الأمور التي تسرون بها أو الضيقات التي تتضايقون منها، الكل لفائدتكم وخلاص نفوسكم (1كو 3 : 22 + رو 8 : 28). بل إن آلامي وتسليمي للموت هو لفائدتكم، فقد وصلت لكم كلمة الكرازة. وكون أن الله ينقذني بنعمته فهذا صالح لكم أيضاً، فحينما صارت لي حياة ثانية، كرزت فآمن كثيرون، وإزداد عدد المؤمنين وبالتالي إزداد عدد من يشكر الله = وهى قد كثرت بالأكثرين تزيد الشكر لمجد الله

 

آية 16 :- لذلك لا نفشل بل وإن كان انساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوما فيوما.

إنساننا الخارج = أي الجسد (الآنية الخزفية). هذا يتألم من الضيقات لدرجة الإقتراب من الفناء (من شدة ضعف الجسد). أمّا الداخل = أي إنساننا الباطن الذي وُلِدَ في المعمودية، والذي هو على إتصال بالله وهو المستنير الذي يرى الله ويسمعه ويدركه ويعرفه، فهو يكتسب فوائد روحية كثيرة من هذه الضيقات ويتجدد يوماً فيوماً :-

1) فهو تموت فيه الشهوات ويكف عن الخطية (1بط 4 : 1)

2) يشتهى راحة وأفراح السماء بدلاً عن محبة العالم التي هي عداوة لله (يع 4 :4)

3) مع ضعف الجسد، حين نرى يد الله تعمل ينمو الإيمان بالله إله المستحيلات، فنضع ثقتنا فيه لا في ذواتنا، وبدون إيمان لا يمكن إرضاءه (عب 11 : 6)

4) كلما إزدادت الضيقات نرتمى في حضن الله فنعرفه وتتفتح حواسنا على السماويات.

وأشهد أمام الله أنني رأيت هذا كثيراً في أشخاص أصابتهم أمراض خطيرة، وكان جسدهم يتآكل من شدة المرض، لكن كانت أفراحهم وسلامهم وتسليمهم لله، ومحبتهم لله تزداد يوماً فيوماً. فإن كان الله يسمح بفناء الجسد الخارجي الذي سيذهب للتراب، فإن هذا حتى ينمو الداخلي الذي سيذهب للسماء. الظروف الخارجية لا توقف التقدم الروحي، بل كلما إزدادت شدة ينمو الداخل ويتجدد في الإيمان والرجاء وفى التعلق بالسماويات، أي تنمو الحياة الروحية.

 

آية 17 :- لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا اكثر فاكثر ثقل مجد أبديا.

الضيقة ليست خفيفة، ولكنها تبدو كذلك للأسباب الآتية :-

1) إذا وضعت في ميزان وفى الكفة الأخرى المجد الأبدي المعد لنا، تبدو خفيفة.

2) الضيقة وقتية أي لسنين مهما طالت فهي لا شئ بجانب المجد الأبدي اللانهائي.

3) هي خفيفة بسبب التعزيات الإلهية المصاحبة (1كو 10 : 13 + نش 2 : 6) وبالمقارنة مع (آية 16) ندرك أن ما يجدد الداخل هو المتاعب الخارجية، وما يعطينا إحتمالاً للمتاعب هو نظرنا إلى الأمجاد الأبدية، بل أنه كلما إزدادت هذه المتاعب والآلام إزداد المجد الأبدي (رو 8 : 17، 18).

 

آية 18 :- ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى لان التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية

الأشياء التي ترى = الضيقات الحالية والآلام والناس والمجد العالمي والمال وملذات هذا العالم. والتي لا ترى = الله والسماء والنعمة والملكوت والمجد المعد والقديسين والملائكة وأفراح السماء وأيضا العذاب الأبدي. ومن يثبت نظره على الفاني الذي يُرى يكون غير صالح ولا مؤهل للميراث السماوي، ومن يثبت نظره على السماء التي لا تُرى فهذا يؤهل للمجد. بل يرى أن الضيقات الحالية خفيفة جداً، وهذا حينما ننظر لما يرى بعين الرجاء. وما يساعد على إحتمال الآلام أن ننظر لما لا يرى ونتأمل في أمجاد السماء. أما الذي ينظر للأشياء الوقتية يتألم إذا كانت له خسارة فيها، بل قد يترك مسيحه هرباً من ألم أو إضطهاد أو سعياً وراء لذة.


 

الإصحاح الخامس

 

آية 1 :- لاننا نعلم انه ان نقض بيت خيمتنا الارضي فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد ابدي.

في إصحاح (4) الأيات 10، 11، 14 رأينا أنه مع الضيقات التي تصل للموت فإن هناك قيامة. وهنا نرى أن القيامة ستكون بجسد ممجد. ومعنى الآية نحن لا نتزعزع في الضيقات لأننا نعلم = أي بيقين الرجاء. أنه إذا كان هذا البيت الأرضي أي الجسد = الخيمة = الذي هو بيت وقتي تسكن فيه النفس، يمكن أن ينقض ويحل ويطوى كما تحل الخيمة عند الرحيل، وهذا التشبيه بسبب أننا بالموت يتحلل جسدنا. لكن لنا بيتاً آخر قد أعده الله، ذلك هو الجسد الممجد (في 3 : 20، 21) الجسد النورانى الجديد الذي لم يصنع بيد بشرية. وهذا التشبيه مأخوذ من الخيمة التي كانت ترافق بنى إسرائيل في ترحالهم في سيناء، ولكن عندما إستقروا في أرض الميعاد (رمزاً لكنعان السماوية) بنوا هيكلاً ثابتاً فخماً لا يقارن بالخيمة الأولى، والخيمة تستخدم في الترحال في أرض الغربة، والبيت يستخدم في الوطن، ونحن غرباء في هذا العالم. لكن وطننا في السماء. لو نُقض بيت خيمتنا الأرضي = أي حُلَّتْ الخيمة أي متنا والمسيح قيل عنه " والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا " (يو 1 : 14) كلمة حلَّ أصلها خَيَّمَ بيننا أي صار له جسد كجسدنا قابل للموت. غير مصنوع بيد = بإرادة أبى وأمي، وقارن مع (يو 1 : 13) " الذين وُلِدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل " فالمصنوع بيد ينقض، ولكن المصنوع بيد الله لا يمكن أن ينقض. ومن يؤمن أنه سيرث مجد أبدى بجسده الممجد لا يطلب كرامة زمنية، أو راحة زمنية لجسده الحالي، ولا يتضايق من الألام الحالية.

 

آية 2 :- فاننا في هذه ايضا نئن مشتاقين الى ان نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء.

نئن = طالما نحن في هذه الخيمة سنظل نئن من الألام والأمراض. مشتاقين أن نلبس فوقها = فوق الخيمة أي الجسد الحالي، نلبس فوقه الجسد الممجد = مسكننا الذي من السماء = أي ننتقل من الشكل الحالي للشكل الممجد، ونحيا في حياة بلا ضيقات ولا ضعف. وهذا يحدث لنا لو ظهر المسيح الآن (1كو 15: 51، 52)

 

آية 3 :- وان كنا لابسين لا نوجد عراة.

عراة = روح بدون جسد ممجد ولا جسد أرضى، فكلاهما يكونان كلباس للروح

 

آية 4 :- فاننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين اذ لسنا نريد ان نخلعها بل ان نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة.

نئن مثقلين = من فكرة الموت وما يحدث بعد الموت من عفونة للجسد.

إذ لسنا نريد أن نخلعها = لسنا نريد تحطيم الجسد، بل نكتسب القوة الروحية، قوة الجسد الممجد النورانى. نريد أن يتروحن هذا الجسد دون أن يموت، فالإنسان أي إنسان لا يفرح بفكرة الموت بل يكرهها وينفر منها. ولذلك قال الرسول عن الموت أنه عدو للإنسان (1كو 15 : 26).

المائت = الجسد الحالي. الحياة = الجسد الممجد. ولكن كيف نوفق بين هذه الآية وبين الآية الشهيرة " لي إشتياق أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً " (في 1 : 23). لنفهم هذا.. لنتصور مريضاً يعانى من ألام مبرحة في بطنه تجعله لا ينام، وإكتشف أن هناك حل جراحي يخلصه من ألامه، هو قطعاً سيشتهى هذا اليوم الذي يتخلص فيه من ألامه، لكن كلما إقترب يوم العملية الجراحية قطعاً سيخاف من فكرة العملية ويتمنى لو وجُدت طريقة أخرى وهكذا نحن نئن من ألام هذا الزمان الحاضر (آية 2) ونشتاق لهذا المجد الذي وَعَدَنا به الله، ولكننا نئن أيضاً من فكرة الموت (4). ولاحظ أن بولس لو لم يكن يخاف الموت على الإطلاق، ولو لم يكن في داخله أي ذرة خوف من الموت، لما كان قوله في آية (2كو 4 : 11) " لأننا نحن الأحياء نسلم دائماً للموت من أجل يسوع " أي بمعنى تقديم نفسه ذبيحة حب للمسيح.

 

آية 5 :- ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي اعطانا ايضا عربون الروح.

الذي صنعنا لهذا عينه = أي صنعنا ليكون لنا جسد ممجد غير فاسد. وهذا نفهمه مِمّا حدث من لمعان وجه موسى إذ رأى جزءاً بسيطاً من مجد الله، بينما هو مختبئ في نقرة في الجبل، فماذا كان حال آدم وحواء في الجنة، والله يكلمهما وجهاً لوجه دائماً. أعطانا أيضاً عربون الروح = العربون هو سداد جزء من الدفعة يضمن سداد الدفعة كلها. فنحن في السماء سنحصل على الإمتلاء من الروح (رؤ 7 : 17) حين يقتادنا المسيح إلى ينابيع ماء حية. وما نحصل عليه من ثمار الروح القدس الآن من فرح وسلام ما هو إلا عربون ما سنحصل عليه في السماء إذ نمتلئ من الروح. واثقون = هذا لأننا تذوقنا العربون الآن. وبواسطة نعمة الروح القدس وعمله يتخلص المؤمن من الخطية ومن نتائجها أي من الموت الأبدي، فإننا في المعمودية نتخلص من أثار الخطية الأصلية وبالتبكيت المستمر على الخطية يقودنا الروح للتوبة فنتخلص من الموت الناتج عن الخطية، أي تكون لنا حياة الآن هي عربون الحياة الأبدية. والروح القدس هو الذي يشهد لنا بالميراث السماوي ويضمن لنا حصولنا على الجسد الممجد، هو الضامن للوعد.

 

آية 6 :- فاذا نحن واثقون كل حين وعالمون اننا ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغربون عن الرب.

متغربون عن الرب = أي لا نراه في مجده، لا نراه وجهاً لوجه، ولا نرى ملكوته. هذا طالما نحن في هذا الجسد. نحن الآن كمن إشترى بيتاً في أمريكا ومعه وثيقة الشراء ويسمع عن البيت دون أن يراه واثقون = راجع الآية 5

 

آية 7 :- لاننا بالايمان نسلك لا بالعيان.

في هذه الحياة لا يمكننا أن نرى الرب عياناً " لا يراني الإنسان ويعيش " (خر 33 : 20) ولكننا نسلك في هذه الحياة الحاضرة بالإيمان، وفى السماء نرى الله عياناً. نراه كما هو (1يو 3 : 2 + 1كو 13 : 12)

 

آية 8 :- فنثق ونسر بالاولى ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب.

نحن نأمل أن تنتهي حياتنا الأرضية لكي نذهب ونقيم على الدوام قريبين عند الرب. ولكن قوله نتغرب عن الجسد = غالباً يشير للحالة بعد الموت وقبل القيامة العامة، نكون فيها روح بلا جسد، لم نلبس بعد الجسد الممجد، فالمؤمن حين ينتقل لن يدخل المجد مباشرة بل ينتظر اليوم الأخير ليدخل المجد بجسده الممجد وتكتمل سعادته. ولكن في هذه الحالة أيضاً وقبل الحصول على الجسد الممجد سيكون أكثر سعادة من حالته على الأرض، وسيكون مستوطناً عند الرب.

 

آية 9 :- لذلك نحترس ايضا مستوطنين كنا او متغربين ان نكون مرضيين عنده.

لذلك فإننا نحاول بكل إجتهاد أن نرضى الرب لأننا فيما بعد سنظهر أمام المسيح الديان لكي يأخذ كل منا جزاؤه بحسب أعماله، ووقوفنا أمامه أكيد

 

آية 10- لانه لا بد اننا جميعا نظهر امام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان ام شرا.

هنا نرى حقيقة الثواب والعقاب بحسب الأعمال في القيامة العامة.

تعليق على الأيات 6 – 10 :- طالما هناك يوم سنجازى فيه، إذن فلنهتم بأن نرضى الله سواء ونحن في هذا الجسد = مستوطنون في الجسد. أو بعد دخولنا إلى الفردوس = بعد أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب. أي لا يشغل بالنا سواء كنا هنا أو هناك إلا بأن نكون مرضيين عند الرب. ويمكننا أن نتأمل في هذه الأيات بطريقة أخرى. ونفهم أن الذي يستوطن هذا الجسد هو من يحيا طالباً أن يمتع جسده بما ليس خطية، وأن المتغرب عن الجسد هو من يعيش يقمع جسده ويستعبده ويذله، مانعاً عن نفسه كل لذة في العالم (كالأباء الرهبان والسواح مثلاً)، فهؤلاء يكونوا كمن إستوطن عند الرب من الآن. إذ كلما يقمع الإنسان جسده يتذوق بالأكثر أفراح السماء. وسواء من تغرب أو من إستوطن في هذا الجسد فعليه أن يهتم بأن يرضى الرب دائماً. وكون أن المؤمن يحرم نفسه من كل ملذات العالم حتى يزداد فرحه بالرب هنا على الأرض أو في السماء يتفق مع قول السيد المسيح " من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها (مت 10 : 39)

 

آية 11- فاذ نحن عالمون مخافة الرب نقنع الناس واما الله فقد صرنا ظاهرين له وارجو اننا قد صرنا ظاهرين في ضمائركم ايضا.

فإذ نحن عالمون مخافة الرب = نحن نسلك في مخافة الرب لأننا نعلم أنه سيجازى كل واحد بحسب ما كان عمله، فمن يعرف قداسة الله وعقاب الخاطئ ورعب يوم الدينونة سيخاف أن يعمل الشر، من يعلم أن قداسة الله وغضبه من الخطية وصل لصلب المسيح، فهو نار آكلة وينتقم من الخطية، كلما عرف أحد قداسة الله يرتعب من الخطية ونتائجها. وبولس يقول هنا أنه يعرف كل هذا. هو لا يمتنع عن عمل الشر فقط بل نقنع الناس =

1)     بتعاليمه يقنع الناس أن يتركوا الخطية حتى لا يهلكوا في ذلك اليوم

2) يرى الناس نقاوته فيكون كقدوة لهم، والخادم النقي يكون مقنعاً في تعاليمه. فإذا حدث خلاف بين تعاليم الخادم وبين حياته الشخصية لا يكون مقنعاً للناس. وأما الله فقد صرنا ظاهرين لهُ وأرجو أننا قد صرنا ظاهرين في ضمائركم أيضاً = صار ظاهراً أمام الله بحياته ونقاوته التي سيكافئه الله عليها، ويرجو أن يعرف شعب كورنثوس هذا حتى لا يتعثروا بسببه، بل ليجاوبوا الرسل الكذبة هو هنا لا يتفاخر بنفسه، بل يدافع عن نفسه ضد من يشككون فيه، وغرضه أنه يريد أن يثبت صحة تعاليمه. هو يريد أن تكون طهارته وإخلاصه ظاهرين أمامهم ليدافعوا عنه أمام الرسل الكذبة.

 

آية 12- لاننا لسنا نمدح انفسنا ايضا لديكم بل نعطيكم فرصة للافتخار من جهتنا ليكون لكم جواب على الذين يفتخرون بالوجه لا بالقلب.

ليس كلامي عن إخلاصي لله ولكم هدفه الإفتخار، إنما نعطيكم ما تجاوبون به على من يفترون علينا فلا تتعطل الخدمة. هؤلاء الذين يفتخرون بالوجه = أي بالسطحيات والمظهر الخارجي = الوجه. والمقصود

1)     هؤلاء الكذبة الذين يدعون أنهم يحبونكم ظاهرياً وليس من قلبهم مثلى

2) هؤلاء الذين يفتخرون بما هو منظور وما هو مكشوف للعيان ويمارسون ما يعملون لأجل محبة الكرامة بينما هم فارغون داخلياً بلا أعمال صالحة. لا بالقلب = فضمائرهم تدينهم، فليس لديهم حقيقة، ما يفتخرون به، فهم لا يهتمون بالصفات الجوهرية وراحة الضمير، فمن يهتم بهذا تكون له حياة مقدسة هي صورة المسيح.

 

 

 

آية 13- لاننا ان صرنا مختلين فلله او كنا عاقلين فلكم.

إننا نفعل ما نفعله بكل إخلاص ولسنا نقصد شيئاً من النفع الذاتي. صرنا مختلين = إذا كان يبدو لكم كلامنا هذا أنه مديح لأنفسنا، كما لو كنا نعمل عمل المختلين إذ نثنى على أنفسنا، فإنه على الرغم من أن عملنا هذا يمكن أن يفهم منكم هذا الفهم السئ ويمكن أن يحكم علينا منكم كمختلين إلاّ أن كل ما نفعله بغض النظر عن أحكامكم فإننا نفعله لمجد الله = فلله = فحينما تعرفون صدق رسوليتى ستؤمنون بما قلته لكم ويكون لكم هذا سبباً لخلاص نفوسكم ومجداً لإسم الله. وإن كنا عاقلين فلكم= إذا كنا في نظركم نتصرف بحكمة وإتزان وتواضع فبهذا تكونون قد عرفتم من أنا، ويكون كل ذلك من أجل نفعكم لكي تتعلموا منا كقدوة، واثقين في صحه تعاليمي.

 

آية 14- لان محبة المسيح تحصرنا اذ نحن نحسب هذا انه ان كان واحد قد مات لاجل الجميع فالجميع اذا ماتوا.

معنى آية 13 أنه يعمل كل شئ لمجد الله. وهنا يقول لماذا... فلأن محبة المسيح تحصره أي تحيط به، يراها في كل خطوة في حياته، هذه المحبة التي أدت بالمسيح أن يموت عنا جميعاً، وكأننا متنا جميعاً في شخصه (في المعمودية) وبهذا غفرت خطايانا (رو 6 : 7 – 10). فبالمعمودية نتحد مع المسيح المصلوب في موته وقيامته. ومن مات لن يطلب كرامة زمنية، لذلك هو لن يهتم إن حسبوه مختل. لو كانت أعيننا مفتوحة مثل بولس سنرى أن كل حدث في حياتنا، حتى لو مؤلم سنرى فيه محبة المسيح التي تريدني أن أصل للسماء. نحن محتاجين لخلوة يومية نسمع فيها صوت الروح القدس يحدثنا عن المسيح (يو 16 : 14) فنكتشف محبته في كل تصرف. فالمسيح يعطينا الفرح " أراكم فتفرح قلوبكم" (يو 16 :22) ويعطينا السلام (يو 14 :27) والغلبة (يو 16 : 33). ونتبادل الحب معه فنشبع به. هو يشبعنا روحياً ومادياً. لكن عطايا المسيح هدفها وصولنا للسماء، وهذا قد يستوجب التأديب حتى نصلح للسماء، ولذلك فهو يسمح ببعض الألام لمن يحبهم ليتأدبوا (عب 12 : 6). ولكن لو أغدق المسيح علينا من خيرات الدنيا، مال وصحة وأملاك... الخ لأحببنا العالم وتعلقنا به. هنا بولس يريد أن يقول أنا أمام هذا الحب من المسيح الذي مات لأجلى، ويعطيني كل شئ، أنا مستعد أن أكون أمامكم كمختل ليتمجد إسمه.

 

آية 15- وهو مات لاجل الجميع كي يعيش الاحياء فيما بعد لا لانفسهم بل للذي مات لاجلهم وقام.

قصة تشرح الأية :- سفينة بدأت في الغرق فأنزلوا الركاب في قوارب النجاة حتى تبقى راكبين، وآخر قارب لم يكن فيه مكان سوى لراكب واحد. وكان أحد الراكبين قديس والآخر شرير. وأجرى قائد السفينة قرعة، فأصابت القديس فبكى الشرير خوفاً من الموت. فقال له القديس خذ مكاني وعِش بحياتي ووافق ونجا. ولما عاد لمدينته كان كلما يريد أن يصنع الشر يذكر أنه كان من المفروض أن يكون الآن ميتاً، وهو الآن يحيا ولكن بحياة الرجل القديس، فكان يمتنع عن الشر. هذا القديس الذي غرق مع المركب هو المسيح الذي مات ليعطينا حياته. وهذا الشرير هو أنا وأنت الذين خلصنا بموت المسيح، وصارت لنا حياته بقيامته (رو 5 : 10) فماذا نقدم له إلاّ حياتنا كلها فهو الذي أعطى لنا الحياة. نحن لا نعيش الأن لأجل أنفسنا بل لأجل من مات وقام ليعطينا حياته. لذلك علينا أن نسلك كما يرضيه، لأننا مدينون بحياتنا للمسيح.

 

آية 16- اذا نحن من الان لا نعرف احدا حسب الجسد وان كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الان لا نعرفه بعد.

لا نعرف أحداً حسب الجسد = بعد ما قدمه المسيح إذ مات ومتنا فيه، لن نتعامل مع أحد على أساس جسدي، أي على أساس الجنس الذي ينتمي إليه أو غناه وفقره، حكمته أو جهله، عموماً لن تكون لنا مقاييس جسدية، فنحترم هذا لغناه أو حكمته ونحتقر هذا لفقره أو جهله. أو نجامل هذا ونحبه بسبب قرابة جسدية. والسبب هو أننا كلنا متنا مع المسيح في المعمودية، وصارت لنا جميعاً حياة المسيح، فكيف أحتقر الفقير والمسيح يحيا فيه كما يحيا فيَّ لقد صار الجميع خليقة جديدة، صرنا جميعاً صورة المسيح الذي يحيا فينا. لذلك لا بد أن نحب كل أحد ونهتم بخلاص نفسه. وإذا كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد

1)       قد تعنى إذا كنا سابقاً قبل أن نؤمن قد عرفنا المسيح معرفه ظاهرية بحسب ما تقدمه لنا حياته المتواضعة. لكن الآن لا نعرفه بعد = لن نعرف المسيح بهذه الطريقة، تعالوا إذاً لنعرفه كإله جبار قادر على كل شئ. لذلك لم يَدَعْ المسيح مريم المجدلية أن تلمسه إذ كان لم يرتفع في نظرها عن مستوى الجسد. كان كل ما تريده مريم أن تكفن جسده، هي تحبه ولكن بطريقة خاطئة، تحبه كإنسان وليس كإله جبار، لذلك كان لا يمكن أن تتلامس معه. ونحن حتى نتلامس معه فليكن لنا الإيمان الصحيح بأنه إبن الله القادر على كل شئ.

2)       هناك من يطلب المسيح فقط لأجل بركات مادية ومثل هذا يسمع صوته " لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم (يو 6 : 26). فالمسيح يطلب أن نعرفه لشخصه المشبع لنا نفسياً وجسدياً وروحياً. ونهتم بالأكثر بالروحيات والسمائيات " أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم (مت 6 : 33). من لا يزال يعرف المسيح لما يحصل عليه من منفعة في هذا العالم فهو لم يعرفه بعد

3)       ما زال هناك من يتكلم عن قوة الشيطان. ومؤامراته، وأن الله لا يتدخل، كما لو كان الله ضعيفاً أمام حيل الشيطان. ومن يفكر هكذا لن يعرف المسيح.

4)       من يظن في نفسه أنه ضعيف، لا حول له ولا قوة إذ هو مسيحي، هذا يتصور أن المسيح ضعيف. ولكن مثل هذا عليه أن يعرف أن المسيح حينما لا يتدخل فهو يريد الأمور هكذا. فالسفينة لا يمكن أن تغرق طالما المسيح فيها مهما كانت الأمواج عالية، وهذا ما تصوره التلاميذ أن المسيح غير مهتم بهلاكهم.

5)       ربما أن بعض المعلمين المتهودين إفتخروا بأنهم رأوا المسيح بالجسد، بينما أن بولس لم يراه بالجسد، فهم إذاً أفضل منه. ولكن اليهود رأوه بالجسد ولم يستفيدوا، بل صلبوه. الرؤية الجسدية لا تفيد، بل أن نراه بعيون القلب النقية، مثل هذه العيون تراه في مجده وتعرف حقيقته وليس بحسب الجسد.

6)       من يتصور أن مقياس قوة المسيح ومحبته هي أن يعطينا أموالاً وصحة ومراكز ونصرة على أعدائنا... الخ من له مقاييس زمنية هو غير فاهم فالمسيح لم يعدنا بأشياء مثل هذه بل قال " في العالم سيكون لكم ضيق " المسيح لو أراد لأعطاك أموال الدنيا، وصحة كاملة ولكن هل يساعدك هذا في أن تصل للسماء. ربما من تزيد أمواله يتعلق بالأرض ولا يريد أن يتركها. لذلك فعطايا المسيح القوى هى بحساب، وهدفها أن نصل للسماء وعطاياه الآن سلام يفوق كل عقل وسط ألام وإضطهادات العالم، وفرح عجيب يعطينا إشتياق لأن يكمل فرحنا في السماء.. عطاياه عطايا روحية.

7)                بولس تخلى هنا عن كبريائه وفخره كيهودى بإنتسابه لإبراهيم، وصار مصدر فخره هو حياته الجديدة في المسيح

إذاً فلنعرف المسيح بطريقة جديدة، كإله جبار قادر على كل شئ، ويساعدنا على هذا نقاوة قلوبنا لنراه في مجده. ولنعرف الناس ونحبهم حباً روحياً حتى لو كانوا أقرباء لنا جسدياً، نشتهى خلاص نفوسهم، لا تجذبنا فلسفة إنسان أو غناه ولا نخشى عظمة أحد، أو نحتقر الضعيف فالكل صار واحداً في المسيح.

 

آية 17- اذا ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة الاشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا.

إن كنا قد متنا مع المسيح إذ آمنا به وإتحدنا بموته وقيامته في المعمودية، فقد قمنا معه كخليقة جديدة، أمّا حالتنا القديمة التي خلقها فينا ناموس الخطية فقد إنتهت، لقد حصلنا على نفس جديدة وجسد جديد وعبادة جديدة ومواعيد جديدة وحياة جديدة في عهد جديد. المؤمن وُلِدَ من جديد في عالم جديد يختلف عن عالم الخطيئة الأول وصار له دوافع جديدة وأهداف جديدة في الحياة. الأديان الأخرى تعطى وصايا وتعاليم، أما المسيحية فتعطى حياة جديدة غير الطبيعة الخاطئة. فكثرة التعاليم لن تصلح الطبيعة الخاطئة، فالمسيحية لم تأت بتعاليم جديدة بل بحياة جديدة وطبيعة جديدة، هي تغيير جذري. الحياة الجديدة هي حياة المسيح فيَّ وهذه حصلناُ عليها بالمعمودية " مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ " (غل 2 : 20). إذاً حتى أتمتع بحياة المسيح فيَّ علىَّ أن اقبل أن أموت وأصلب عن شهوات العالم، أصلب مع المسيح فأقوم معه بحياة جديدة هي حياته. وأقبل الصليب الذي يضعه علىَّ.

هوذا الكل قد صار جديداً = لقد صار لنا مفاهيم جديدة لكل شئ : -

الحياة :- كان هدفها زيادة أموالنا وكنوزنا على الأرض، وصار هدفنا أن تكون لنا كنوز في السماء، وهدف حياتي هو مجد المسيح الآن.

العالم :- كان هدف نجرى وراءه. وصار الآن وسيلة نحيا بها بل نزهد فيه.

الفرح :- كان في الإمتلاك. فصار روحياً.

الحزن :- كان لخسارة مادية وصار الآن بسبب خطيتي أو هلاك نفس أحد.

العلاقات العائلية :- كان الإنسان يتصادم مع الله لو إنتقل أحد أقاربه، وصرنا نفهم أنه لابد أن أحب الله أكثر من محبتي لأقربائي، بل هم إذا إنتقلوا فهم في السماء، وكلنا في المسيح سواء من في السماء أو من على الأرض.

الألم :- كان عقوبة وصار شركة مع المسيح في صليبه، وصار تأديب لنا.

معرفة الله :- كان لطلب الماديات، وصارت لطلب التعزيات الروحية لقد صار المسيحي منشغلاً لا بما يرى بل بما لا يرى.

 

آية 18 :- ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح واعطانا خدمة المصالحة.

كل هذا جاء لنا من الله بيسوع المسيح. وأعطى لنا نحن الرسل خدمة المصالحة = أي أعطى لنا أن نكرز ونبشر لكي نخدم هدف المصالحة مع الله، التي أسسها وأتمها السيد المسيح على الصليب. وهدف كل منا أن نعمل لنصالح الناس مع الله بأن نشهد لله ولمحبته للبشر.

خدمة المصالحة :- 1- على الخادم أن يقنع الناس أن طاعة الوصية هي الطريق ليقبلني الله ويتصالح معي. 2- قبول الصليب كعلامة حب من الله.

الله يرسل رسله وخدامه ليصالحوا الناس عليه، وعجيب أن القاضي يرجو المتهم أن يقبل العفو. فالشيطان يصور أي ألم يقع علينا أنه بسبب قسوة الله ويخفى السبب الحقيقي وهو أن الألم ناتج عن خطايانا.وخدمة المصالحة هي أن نشرح للناس أن الله"حول لي العقوبة خلاصا.. القداس الغريغورى " لقد صار الألم علامة محبة من الله، كأب يؤدب أولاده بسبب الإنحراف الموجود داخلهم. أمّا الشيطان فيصور لنا الألم أنه قسوة من الله، وان الله لو كان يحبني لشفاني من المرض، هو يوقع بيني وبين الله. والخادم عمله أن يعلم الكل كيف يجاوبون الشيطان على هذا الفكر الخاطئ :-

1-   فلنقل مع المسيح " ليس بالشفاء وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج....

2-  لو كان الألم علامة عدم محبة من الله، فهل الله كان لا يحب المسيح وهو على الصليب. بعد المسيح تغير مفهوم الألم، وصار شركة ألم مع المسيح المصلوب وهل كان الله لا يحب بولس بسبب أن هناك شوكة في جسده ؟! بل كان هذا ليكمل بولس، وهكذا كان أ لم أيوب طريقا لكمالِهِ.

3-   الألم هو وسيلة أُصلب بها فأنفذ الآية " مع المسيح صلبت.. بل المسيح يحيا فيَّ "

4-   صار الصليب والألم طريق الأكاليل " من تألم معه يتمجد معه " (رو 8 : 17)

صالحنا لنفسه = كل ما حصلنا عليه من بركات كان بسبب المصالحة التي عملها المسيح لنا مع الأب.

 

آية 19: - اي ان الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا كلمة المصالحة.

المسيح وحده هو الذي يستطيع أن يعمل هذه المصالحة بحكم أنه الإله المتأنس. الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه = أي أن الله كان متحداً مع المسيح، فالمسيح لم يكن إنسانا عادياً بل هو الله الظاهر في الجسد، فليس من حق إنسان مهما كان أن يعمل هذه المصالحة. وقوله الله كان في المسيح = تشير إلى أن المسيح لم يتم عمل الفداء كإنسان بل تعنى أن الإله المتأنس هو الذي قام بالفداء. غير حاسب لهم خطاياهم = كان هذا بالفداء أي بموت المسيح عنا، فخطايانا كانت عقوبتها الموت، والموت هو إنفصال عن الله بسبب الخطية فكيف يحل الله المشكلة ويعيد الحياة للإنسان ؟ هل يقول إذهب مغفورة لك خطاياك، وهل يقبل أن يعود للإتحاد بإنسان ملوث ؟ ! لذ لك كان لابد أن يموت المسيح ليغفر، وبعد ذلك يتحد بنا بعد أن تبرأنا فتعود لنا الحياة. واضعاً فينا كلمة المصالحة = يعطينا شعوراً داخلياً بالغفران فنشكره. أيضا يضع في أفواه خدامه الكلمة المناسبة ليصالحوا الناس علي الله.

 

آية 20:- اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله.

في الآية 19 قال واضعاً فينا كلمة المصالحة، ولأن الله أرسلنا كرسل لنخدم عمل المصالحة فنحن نسعى كسفراء = لنقنع الناس أن يتصالحوا مع الله. وهنا فالسفير المثالي هو من يحيا المسيح فيه، ويقدم صورة المسيح للناس. نطلب عن المسيح = نرجو نيابة عن المسيح. مرة أخرى عجيب أن القاضي يرجو المتهم أن يقبل العفو. والرسل عملهم دعوة الناس أن يكفوا عن الخطية ويقبلوا أن يعيشوا في الحياة الجديدة فيتصالحوا مع الله، الله قدم دمه لغفران الخطية، وقَدَّم لنا حياة جديدة، وعلينا أن نمد أيدينا لنقبلها ونعلن الموافقة على أننا نرفض الخطية. فالمسيح يحيا فينا ويعطينا حياته كحياة جديدة لنا، لكن هذا لمن قبل أن يموت مع المسيح (غل 20:2) وقرار أن نموت مع المسيح هو قرار التوبة. ومن يحمل حياة المسيح فيه يكون سفيراًَ للمسيح حاملاً صورته أمام العالم.

 

آية 21 :- لانه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لاجلنا لنصير نحن بر الله فيه

جعل..... خطية = كلمة خطية تترجم أيضا ذبيحة خطية، فيكون المعنى أ ن الله جعله ذبيحة خطية. ولكن الأ قرب للتصور أن الله جعله ممثلاً للخطية والخطاة. لأنه في مكان أخر يقول صار لعنة (غل 13:3).فما يقصده الرسول هو أن الله جعل المسيح ممثلاّ للبشرية في أقسى صورها، صورة الخطية واللعنة.وهذه تماثل قول الكتاب " والكلمة صار جسداً (يو 14:1) فكما أنه صار جسداً دون أن يفقد لاهوته، بل صار الجسد هو الظاهر أمامنا. هكذا هو لبس كل خطية للبشر وحملها عنا، ولبس صورة اللعنة إذ قبل أن يصلب والكتاب يقول ملعون كل من علق على خشبة (تث 23:21) كل هذا دون أن يتخلي عن بره. ولاحظ أنه قال خطية ولم يقل خطايا، لأن قوله خطية يشير لحالة الإنحطاط التي وصل إليها الإنسان. هذا حمله عنا المسيح وواضح أن اللعنة دخلت لنا بسبب الخطية، وكل هذا حمله عني المسيح بصليبه.

لنصير نحن بر الله فيه = كما كان المسيح ممثلنا في الخطية صار ممثلنا في البر. حينما إتحد بنا وهو بار بررنا أي صيرنا أبراراً. لكن برنا ليس من ذواتنا بل البر الذي في المسيح. الله يرانا في المسيح أبراراً إذ نحمل بره.

ومعني هذه الآية في علاقتنها مع ما سبق أنه لقد أصبح من السهل علينا أن تحقق المصالحة مع الله لأن المسيح الذي لم يعرف الخطية أي لم يرتكبها سمح الله أن يحاكم ويدان كخاطئ من أجلنا حتى يمكن لنا نحن أن نصير أبراراً لدى الله، أو لكي نصير نحن بر الله بواسطة إتحادنا بالمسيح. إن عبارة بر الله تعنى أن صفة البر هي من صفات الله، ولكن من ناحية أخري قد وهبها للبشر. وكذلك فإن الرسول لم يقل هنا لكي نصير براً بل قال نصير بر الله وذلك لكي يشير إلي عمل النعمة التي تهب لنا هذا البر. وقوله خطية مجردة أي أنه حمل كل أنواع خطايانا، وقوله بر أي أنه أعطانا كل بره.


 

الإصحاح السادس

آية 1 :- فاذ نحن عاملون معه نطلب ان لا تقبلوا نعمة الله باطلا.

عاملون معه = وإذ كنا نعمل مع الله في خدمة المصالحة، فنرجو منكم أن تظهروا سلوككم وتصرفاتكم ما يثبت أنكم لم تقبلوا نعمة الله وعطية المصالحة عبثاً. فهناك من يأخذ حياة المسيح ثم يرفضها ويرتد لخطاياه فيهلك " كل غصن في لا يأتى بثمر يقطعه، وهم لن تكون لهم ثمار إلاّ 1) بحياة التوبة 2) لا ينخدعوا بالمعلمين الكذبة. وبهذا تستمر المصالحة بين الله والمؤمن.

 

آية 2 :- لانه يقول في وقت مقبول سمعتك وفي يوم خلاص اعنتك هوذا الان وقت مقبول هوذا الان يوم خلاص.

الإقتباس من (أش 49 : 8). في وقت مقبول = الرسول يقصد به أن المسيح قد جاء وأتم الفداء وأرسل لكم رُسُلاً لتؤمنوا وتتوبوا فلا تهلكوا في يوم خلاص = هو يوم قبلنا المسيح. فالوقت المقبول هو فداء المسيح الذي تم وبه حدثت المصالحة، ويوم الخلاص هو اليوم الذي نقبل نحن فيه المسيح سواء بالإيمان لغير المؤمن، أو بالتوبة للخاطئ. ولاحظ معونة الله لمن يرجع إليه = أعنتك. ومعنى الآية إنتهز الفرصة فربما تكون هذه الفرصة هي آخر فرصة في عمرك، من يضمن الغد، والله لا يُرسل خداماً أو رُسُلاً كل يوم يدعونك للتوبة. وربما لا تكون في الغد فرصة للتوبة.

 

آية 3 :- ولسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تلام الخدمة.

من هنا حتى الآية 11 يظهر بولس أمانته في خدمته للرد على من يهاجمونه. وهذه الآية مرتبطة بالآية 1. أي نحن عاملون مع الله حتى تتم خدمة المصالحة. لذلك نهتم بأن لا يكون في خدمتنا ما يعثر الآخرين حتى لا تتعطل الخدمة.

 

آية 4 :- بل في كل شيء نظهر انفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد في ضرورات في ضيقات.

ندرب أنفسنا على إحتمال الشدائد، وعلى نقص إحتياجاتنا الضرورية، ومهما كانت صعوبة الشدائد التي أواجهها لن أشتكى أو أتذمر، وسأقابلها بالشكر والرضا. فربما لو تذمرت يتعثر الآخرين قائلين.. إذا كان الله قاسياً هكذا على خدامه، فكم وكم يكون علينا. علينا أن نشترك مع المسيح في صليبه في رضى.

 

آية 5 :- في ضربات في سجون في اضطرابات في اتعاب في اسهار في اصوام.

صورة لما إحتمله الرسول. إضطرابات = كما حدث في أفسس (أع 19 : 23 – 41). أو عندما كان اليهود يثيرون ضده الوثنيون في كل مكان، ويثورون هم عليه.

 

آية 6 :- في طهارة في علم في اناة في لطف في الروح القدس في محبة بلا رياء.

في علم = حكمة إلهية روحية ومعرفة الحق، معرفة المسيح بالحق. في الروح القدس = هو يعمل بالروح القدس، الروح يعطيه العلم والأناة والمواهب

 

آية 7 :- في كلام الحق في قوة الله بسلاح البر لليمين ولليسار.

في كلام الحق = لا نكرز بكلام غش أو خداع، بل بالكلام الذي يقدمه الله لنا في قوة الله = نخدم مستعينين بقوة الله، فأنا لست ضعيفاً، فقوة الله تساندني ويكون لكلامي تأثير جبار في قلوب السامعين. وأنا معرض لحروب لكن الله يعطى أسلحة لعبيده الأمناء = سلاح البر = هي أسلحة روحية تناسب حياة البر كالإيمان والرجاء والمحبة. لليمين = فهناك ضربات يمينية، هذه التي تأتى في أوقات الفرج والسعة والغنى ونجاح الخدمة وعمل المعجزات، والصحة... وهذه تقود للكبرياء والبر الذاتي. ونلاحظ أنه الآن هناك من في أفراحهم ينسون الله ويشربون ويرقصون، أفراحهم لا يحضرها الله. ولليسار = هي أوقات حروب الخطية أو أوقات الشدة والضيقة والفقر، وهذه قد تقود لليأس. والآن نرى من في ضيقته وحزنه يصرخ ضد الله ويخطئ في حقه. لكننا نجد الله يعطى بولس سلاحاً مناسباً في الحالتين، فبولس لا يترك الله في الحالتين المؤمن كجندي يتمسك بالله، والله يعطيه سلاحاً يضرب به يميناً ويساراً.

 

آية 8 :- بمجد وهوان بصيت رديء وصيت حسن كمضلين ونحن صادقون.

بمجد = هناك من يقابلنا بإحترام وتكريم، وقد يُلهى إبليس الخدام الأمناء بتكريم مبالغ فيه فيفرحون به وينشغلون عن الله، أو لا يعطوا المجد لله. وهوان = والبعض يقابلنا بالإستهزاء والسخرية كما من غير المؤمنين. وبولس تعرض لكثير من الاتهامات الظالمة، بل والضرب، وقالوا أنه ليس برسول. والخدام الأمناء تجد الله حاضراً في أفراحهم وأحزانهم (كما في آية 7) وتجده أيضاً في أمجادهم فهم ينسبون المجد كله لله (ففي بعض الأحيان إعتبروا بولس إلهاً) وتجدهم في الإهانات والألام يشكرون الله إذ حسبهم مستأهلين أن يهانوا من أجل إسمه (أع 5 : 41) هم في هذه الحالة يعتبرون أنفسهم حاملين للصليب معه. كمضلين = نخدع الناس ونضلهم بتعاليم كاذبة.

 

آية 9 :- كمجهولين ونحن معروفون كمائتين وها نحن نحيا كمؤدبين ونحن غير مقتولين.

كمجهولين = قال عنه البعض أنه مجهول، من هو نحن لا نعرف سوى الرسل ال 12 ونحن فعلاً بلا مراكز خطيرة في المجتمع. ونحن معروفون = لدى الله كاولاد لله. ولدى كل من يحب المسيح، إن لنا رسالة خطيرة. نحن معروفون لدى المؤمنين. كمائتين = نتعرض دائماً في خدمتنا للموت وللمخاطر، ومع ذلك لا نزال أحياء. نبدو كمن يؤدبهم الرب بتجارب ومحن كثيرة، ولكن مع ذلك لا نموت ولا نقتل. فالله أنقذ بولس مرات عديدة مثل ما حدث في سجن فيلبى وكما أنقذه من الرجم. الناس يظنون أننا سنموت من كثرة محاولات القتل لكن الله يعطينا حياة.

 

آية 10 :- كحزانى ونحن دائما فرحون كفقراء ونحن نغني كثيرين كان لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء.

كحزانى = بسبب الضيقات وإرتداد البعض. ولكن عندنا فرح داخلي هو عطية الروح القدس. كفقراء = مادياً فبولس لا يقتني شيئاً. ونحن نغنى كثيرين = بالكنوز الروحية السماوية (راجع قصة شفاء بطرس للمقعد على باب الهيكل). نبدو كما لو لم يكن لنا شئ نملكه، لكن في الواقع نملك كل شئ، بل نملك كل ما يحتاجه المؤمنون من نعم وبركات أعطاها لنا الله لكي نهبها لكم (بطرس الذي لا يملك شيئاً أقام المقعد). لنا كنوز النعمة الفائقة وشركة المجد الداخلي وعربون ميراث الملكوت ولنا الحياة الأبدية... " أنا لحبيبي وحبيبي لي "

 

آية 11 :- فمنا مفتوح اليكم ايها الكورنثيون قلبنا متسع.

إن فمنا مفتوح = لتبشيركم، وتحدثنا معكم بكل صراحة في كل الأمور دون أن نخفى شيئاً. وكان يمكنه أن لا يتكلم ويتركهم لمصيرهم حين شتموه وأهانوه ورفضوا أبوته وأنكروا رسوليته، لكنه في محبة مازال فاتحاً فمه لتعليمهم وتوبيخهم حتى لا يهلكوا. قلبنا متسع = هذه كما نقول فلان هذا كبير القلب والمقصود.. لقد أهنتموني ولكنني سامحت وسأسامح. وهذه علامة المحبة الصادقة. ومتسع لأن يضمهم جميعاً لأحضان الله بمشاكلهم وإحتياجاتهم.

 

آية 12 :- لستم متضيقين فينا بل متضيقين في احشائكم.

إذا كان الرسول بهذه المحبة من ناحيتهم وبهذا الإتساع، فلو كانوا بعد ذلك متضايقين، فالعيب ليس في الرسول، بل فيهم في قلوبهم غير المتسعة، المغلقة وقصد الرسول أن يقول.. لا مكان لي في قلوبكم كما لكم مكان في قلبي.

 

آية 13 :- فجزاء لذلك اقول كما لاولادي كونوا انتم ايضا متسعين.

قابلوا محبتنا لكم بإتساع قلب وحب لنا، وإذا إتسع قلبكم ستدركون محبتى لكم، وتقبلونا، بل تقبلوا كل الناس بهذا القلب المتسع. وهذه نصيحة أب لأولاده، هو يريدهم بهذا أن يرضوا الله.

 

آية 14، 15:- لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لانه اية خلطة للبر والاثم واية شركة للنور مع الظلمة. واي اتفاق للمسيح مع بليعال واي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن.

بعد هذه المقدمة عن محبته يقدم لهم إرشاداته، يقدم لهم كلمة وعظ نافعة لهم. والرسول يتكلم هنا بصفة خاصة عن الزواج، ولكن هذه الأيات تفهم أيضاً على أنها عن أي شركة عميقة مع الوثنيين، كالتناول من على موائد الوثنيين أوالإشتراك في عاداتهم غير الأخلاقية أو الزواج من أولادهم. لا تكونوا تحت نير = النير هو ما يربط حيوانين، ولا يمكن ربط ثور قوى مع حمار ضعيف (هذا ممنوع بحكم الشريعة.. ولاحظ أن الثور هو من الحيوانات الطاهرة إشارة للمؤمن والحمار هو من الحيوانات غير الطاهرة إشارة للوثنى). بليعال = الكلمة الأصلية تشير لمن هو بلا فائدة أي بطال وأصبحت إسم شهرة للشيطان. إذاً عليكم أن لا تقيموا علاقات وثيقة مع غير المؤمنين كالزواج مثلاً. لأنه في هذه الحالة يقع المؤمن تحت نير العلاقة الزوجية مع غير المؤمن، فلا يستطيع أن يباشر العبادة الروحية بالصورة التامة. فإمّا نفتح قلوبنا للمسيح، وإمّا أن نفتحها لإبليس، ولا شركة بين المسيح وإبليس، فلكل منهما خططه التي لا يمكن التوفيق بينها. فكيف نخدم كلاهما في نفس الوقت

 

آية 16 :- واية موافقة لهيكل الله مع الاوثان فانكم انتم هيكل الله الحي كما قال الله اني ساسكن فيهم واسير بينهم واكون لهم الهاً وهم يكونون لي شعباً.

هيكل الله = نحن هيكل الله.. لماذا.. إنى سأسكن فيهم. وصار الله يملك على قلوبنا. فكيف نُدْخِل لقلبنا محبة الخطية التي هي عبادة أوثان. هل تقدم عبادة لأوثان في هيكل الله. إذاً لا يجب أن يكون للأوثان أي موضع في قلوبكم. والإقتباس من (حز 37 : 26 + لا 26 : 11، 12). والمعنى أن الله هو إله خاص بشعبه في إرتباط وثيق. هو لهم وهم له.

 

آية 17 :- لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسا فاقبلكم.

عليكم أيها المؤمنون أن تفصلوا بين أنفسكم وبين غير المؤمنين. إذاً لنحيا في قداسة ولا نمس نجاسات الوثنيين فيقبلنا الله راجع (رؤ 18 : 4 + أش 52 : 11 + حز 20 : 34). وهذه الآية تقال لكل إنسان يسير مع مجموعة فاسدة، ولكل إنسان ترك خطية تملك على قلبه، فهو بهذا يحرم نفسه من وجود الله في قلبه. ومثل هذا الإنسان معرض لضربات شديدة. فليترك الشر قبل أن تأتى الضربات.

 

آية 18 :- واكون لكم ابا وانتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء

إذا إعتزلتم الشر أكون لكم أباً (أر 31 : 9 + 1أى 28 : 6). هذا الوعد كان على المسيح ويطبقه بولس هنا، على كل المسيحيين الذين يحيا المسيح فيهم، لكل من آمن بالمسيح وإعتمد، ويحيا حياة التوبة.


 

الإصحاح السابع

آية 1 :- فاذ لنا هذه المواعيد ايها الاحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله.

المواعيد = (6 : 16 – 18) أن الله يكون لنا إلهاً وأباً ويسكن فينا لو إعتزلنا النجاسة لنطهر ذواتنا = ليسكن الله فينا ونكون أبناء لهُ. من كل دنس الجسد والروح = المسيح حينما إفتدانا، فلقد إفتدى أجسادنا ونفوسنا وأرواحنا. لذلك علينا أن نطهر أجسادنا ونفوسنا وأرواحنا. وهناك خطايا تنسب للجسد أى التى يشترك فيها أعضاء الجسد كالزنا والقتل والشره والسكر. وهناك خطايا تنسب للنفس كالحزن على ماديات والقلق والخوف من الغد والمحبة الخاطئة وهناك خطايا تنسب للروح كالكبرياء وعدم الإيمان والحسد ونقص المحبة لله.

مكملين القداسة = الله بوصفه قدوساً (المعنى: السماوى والمرتفع عن الأرضيات) يتطلب القداسة فى شعبه (لا 11 : 44) (أى أن يحيوا غرباء عن هذا العالم، وأن يحيوا فى السماويات). والله لا يقبل سوى القديسين التائبين، وإن أهملنا قداستنا تتخلى عنا نعمة الله، بل الشركة مع الله وتحقيق كل مواعيده. والقداسة صفة إيجابية تعنى تكريس وتخصيص النفس لله، والحياة والإهتمام بالسماويات (كو 3 : 1). وعدم الإنشغال بالملذات الأرضية.

فى خوف الله = فالخوف هنا هو الوسيلة التى بها تتكامل قداستنا، لذلك يقول تمموا خلاصكم بخوف ورعدة " (فى 2 : 12) فسبب كل الخطايا التى فى العالم هو عدم الخوف من الله. وبالمفهوم العالمى هناك نوعين من الخوف :-

1)       خوف صحي :- يدفع الطالب ليذاكر حتى لا يرسب، ويدفع المريض لتناول الدواء حتى لا يموت، ويجعلنى أحترس عند المرور وسط السيارات حتى لا أموت. مثل هذا النوع من الخوف يدفع للنجاح ويحافظ على الحياة.

2)                خوف مرضى :- وهذا يتسبب في أن الطالب ينسى كل ما ذاكره في الإمتحان. وروحياً فهناك أنواع من الخوف :-

1)       خوف مقدس:- يجعل الإنسان يخاف أن يعمل الخطية، لئلا يعاقبه الله سواء على الأرض أو فى السماء. ومع النمو الروحى يزداد الرجاء فى الداخل وتزداد المحبة لله ومع المحبة يزداد الفرح الداخلى. هنا يكون الخوف من الخطأ حتى لا أحزن قلب الله الذى أحببته، ولئلا أفقد حالة الفرح التى أنا فيها.

2)       خوف مرضى :- من يتصور أن الله منتقم فيتصور أن الله ينتقم منه بأمراض مرعبة، أو بفشل فى حياته، وأن الله لن يقبل توبته مهما فعل، وهذا النوع من الخوف يساعد عليه الشيطان لنتشكك فى أبوة الله الحانية

وهذه الآية تعتبر متممة للإصحاح السادس.

 

آية 2 :- اقبلونا لم نظلم احدا لم نفسد احدا لم نطمع في احد.

إقبلونا = صدقونى وصدقوا تعاليمى. الرسول هنا يرد على من إتهمه بخداع الكورنثيين، وأنه إنتحل السلطة الرسولية وحولها لمصلحته الشخصية، وبشرهم بعقائد زائفة، وأنه أثرى على حسابهم = لم نطمع فى أحد. والرسول ينفى عن نفسه كل هذا = لم أظلم أحد. لم نفسد أحداً = فتعاليمنا بحسب مشيئة الله

 

آية 3 :- لا اقول هذا لاجل دينونة لاني قد قلت سابقا انكم في قلوبنا لنموت معكم ونعيش معكم.

لأجل دينونة = لا أقول هذا لأدينكم وأشير لنقائصكم، فأنا أحبكم لدرجة أنى أتمنى أن أعيش العمر كله معكم = نعيش معكم. وإن حل عليكم خطر فأنا مستعد أن أموت معكم = نموت معكم. هل المعلمين الكذبة لهم نفس المشاعر ؟!

 

آية 4 :- لي ثقة كثيرة بكم لي افتخار كثير من جهتكم قد امتلات تعزية وازددت فرحا جدا في جميع ضيقاتنا.

لى ثقة كثيرة بكم = بسبب ما سمعته عن محاولاتكم فى إصلاح أنفسكم،(وهذا ما سمعه من تيطس الذى أتى إليه من كورنثوس). وهذا سبب لى فرحاً غطى على ضيقاتى ومتاعبى. لى إفتخار = أنا أفتخر بكم فى كل مكان

 

آية 5، 6، 7:- لاننا لما اتينا الى مكدونية لم يكن لجسدنا شيء من الراحة بل كنا مكتئبين في كل شيء من خارج خصومات من داخل مخاوف لكن الله الذي يعزي المتضعين عزانا بمجيء تيطس. وليس بمجيئه فقط بل ايضا بالتعزية التي تعزى بها بسببكم وهو يخبرنا بشوقكم ونوحكم وغيرتكم لاجلي حتى اني فرحت أكثر

الرسول وجد ضيقات شديدة فى مكدونية. من خارج خصومات = معارك غير المؤمنين والإضطهادات. من داخل مخاوف = خوفاً من إرتداد ضعاف الإيمان. ولكن سماعنا بأخباركم المفرحة من تيطس ملأ قلبى تعزية وسط الضيقات التى كنت فيها، وتيطس سبق وتعزى هو أيضاً بسببكم إذ لمس مقدار شوقكم من نحونا ومقدار الأسى الذى كنتم تشعرون به بسببنا، هذا فضلاً عن غيرتكم الشديدة التى أظهرتموها من نحونا ضد هؤلاء الذين قاومونا. ونلاحظ هنا أن هناك ضيقات كثيرة تواجه خدام الله، لكن الله يعطى لهم تعزيات ليحتملوا. ولذلك نسمع هنا أن الرسول ينسب التعزيات لله ثم لتيطس = الله الذى يعزى... عزانا بمجئ تيطس. الله هو الذى يعزى وله وسائله فى ذلك كتيطس مثلاً.

 

آية 8 :- لاني وان كنت قد احزنتكم بالرسالة لست اندم مع اني ندمت فاني ارى ان تلك الرسالة احزنتكم ولو الى ساعة.

نلاحظ هنا الحب الممتزج بالحزم. فنجد فى داخل الرسول نوعين من المشاعر فالروح ألهمه بكتابة الرسالة الأولى (الرسالة الأولى إلى كورنثوس والتى كانت عنيفة) وهذه أحزنتهم. وهذا هو الشعور الأول أنه فعل ما أملاه الروح عليه، هو عمل ما هو واجب عليه. لكن مشاعره البشرية شئ آخر، فهو ندم لأنه أحزنهم، وخاف أن تأتى الرسالة بأثر عكسى، أى بسبب حزنهم من الرسالة يرتدوا عن المسيحية. فهو لا يندم لأنه نفذ ما قاله الروح، ولكن بسبب شعوره الإنسانى نادم أنه أحزنهم. ونلاحظ أن الروح لا يحول الإنسان إلى ألات جامدة، حين يوجه الروح الإنسان. فالرسول إستمر فى هذه الحالة من القلق (وهل الرسالة كانت للفائدة أم لا) حتى جاء تيطس وشرح له نتائجها الإيجابية ففرح وعلم أنها إرادة الله التى أرشدته لكتابة الرسالة. وهم حزنوا بسبب تلك الرسالة لفترة قصيرة ثم تحول حزنهم إلى النفع والخير.

 

آية 9 :- الان انا افرح لا لانكم حزنتم بل لانكم حزنتم للتوبة لانكم حزنتم بحسب مشيئة الله لكي لا تتخسروا منا في شيء.

هو غير نادم على حزنهم إذ أن حزنهم أنشأ توبة = حب + حزم.

حزنتم بحسب مشيئة الله = هو حزن الندم الذى يدفع للتوبة. ولكن هناك حزن ليس بحسب مشيئة الله، وهوالحزن على خسائر مادية. وكما أن هناك نوعين للحزن فهناك نوعين من الفرح. فبولس فرح هنا بسبب توبتهم = الآن أنا أفرح = هذا فرح مقدس بحسب مشيئة الله. وهناك فرح ليس بحسب مشيئة الله، وهو الفرح بأشياء مادية، وهذا ما يفرح المبتدئون. وهذا مثل فرح يونان باليقطينة فهذه اليقطينة أفرحته جداً، كما لم يفرح بنجاة أهل نينوى. وكلما ينضج الإنسان روحياً يتشبه بالسمائيين الذين يفرحون بخاطئ واحد يتوب والناضجين يفرحون ويحزنون للمكاسب والخسائر المادية، ولكن بصورة معتدلة، فهم يعرفون أن العالم كله سيفنى، أو أنهم هم سيتركون هذا العالم، فالإنسان بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل.

لكى لا تتخسروا منا فى شئ = حزنكم بسبب الرسالة أنشأ توبة فلم تخسروا روحياً بسبب هذا الحزن بل كان فيه نفعكم.

 

آية 10 :- لان الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة واما حزن العالم فينشئ موتا.

الحزن الذى بحسب مشيئة الله = هذا ناشئ عن محبة الله والشعور بأننا أخطأنا فى حقه. وهذا النوع من الحزن ينشئ توبة وخلاص وبالتالى فرح وحياة أبدية. حزن العالم = هذا ناشئ عن خسران الأمور الدنيوية كالمال. وهذا ينشئ تذمراً على الله ويأس وبالتالى موت. توبة الخلاص بلا ندامة = التوبة هى طريق الخلاص على أن تكون بلا ندامة، أى لا يجب أن يعود الإنسان مرة أخرى إلى ما كان عليه. أمّا الحزن الذى ينشأ نتيجة لتعلق الإنسان بأمور العالم فهو يسبب موتاً نفسياً روحياً، وربما موتاً جسدياً. فهناك من أصيبوا بصدمة وماتوا بسبب خسارة مادية لحقتهم. ومثل هذا الحزن يسبب موتاً أبدياً، لأن الحزن بحسب العالم ينشئ عناد وقساوة وخصام مع الله وإبتعاد عنه وإتهام لله أنه المتسبب فى هذه الخسارة المادية وإذا كان الحزن الذى بحسب مشيئة الله ناشئاً عن محبة الله، فإن حزن العالم ناشئ عن محبة العالم التى هى عداوة لله (يع 4 : 4)

 

آية 11 :- فانه هوذا حزنكم هذا عينه بحسب مشيئة الله كم انشا فيكم من الاجتهاد بل من الاحتجاج بل من الغيظ بل من الخوف بل من الشوق بل من الغيرة بل من الأنتقام فى كل شئ أظهرتم أنفسكم أنكم أبرياء فى هذا الأمر.

مشاعر الحزن المقدس التى نشأت فيكم بسبب رسالتى أنشأت فيكم :-

من الإجتهاد = الجهاد الأخلاقى لإصلاح أنفسكم من الفساد الذى كان فيكم لترضوا الله وإهتمامكم بالوعظ وعقاب المخطئين كالزانى لإرضاء الله وأيضاً دموع التوبة والندم. من الإحتجاج = الإعتذار فى خجل ومحاولة إلتماس المعاذير ربما أمام تيطس عن تقصيرهم مع الزانى. ولكنهم شعروا بخطئهم. من الغيظ = ضد أنفسهم وهو شعور ممتزج من دينونة النفس والإشمئزاز منها. والغيظ من هذا الزانى الذى سبب لهم غضب الله وغضب الرسول، عموماً فإن كل تائب حقيقى يرجع إلى الله يمقت نفسه من أجل خطيته، وهذا ما جعل داود النبى يقول(" خطيتى أمامى فى كل حين " + حز 6 : 9 + 20 : 43 + 36 : 31). فكون أن الإنسان يكره ماضيه ونفسه لأجل خطاياه السابقة فهذا دليل التوبة الصحيحة. من الخوف = من غضب الله وعقابه. من الشوق = هى مشاعر طيبة نحو بولس الرسول، إذ شعروا بأمانته تجاههم. من الغيرة = لأن أسرعوا بمحاكمة المسئ، هى غيرة على مجد الله. من الإنتقام = من الشخص الخاطئ. أظهرتم أنفسكم أنكم أبرياء = أظهرتم أنفسكم بما فعلتموه أنكم غير راضين عما فعله هذا الزانى، وإن كنتم قد تغاضيتم عن عقابه أولاً. وهذا لا يعنى أنهم أبرياء تماماً بلا سلوك خاطئ، ولكن ظهر أنكم أناس صالحين تسعون لإزالة الخطأ والفساد وأنكم جادون فى الإصلاح.

 

آية 12 :- اذا وان كنت قد كتبت اليكم فليس لاجل المذنب ولا لاجل المذنب اليه بل لكي يظهر لكم امام الله اجتهادنا لاجلكم.

لأجل المُذنِبْ = الزانى. المُذنَبْ إليه = والده. من هنا نفهم أن والد هذا الزانى كان ما زال حياً، وهذا مما ضاعف من خطية الزانى. ويقصد الرسول أنه ما كتب رسالته لعقاب الزانى أو إرضاء والده فقط، فهو لا يقصد أن يعالج حالة فردية، بل هو مهتم أن يعيش كل الكورنثيين فى قداسة ترضى الله. وحتى يتبرر الرسول أمام الله أنه لم يسكت أمام هذه الخطية. فهو كراعٍ صالح لا يسكت على خطية قد تسبب هلاكاً لشعبه ورعيته (فعاخان سبب هلاكاً لكل شعبه بسبب خطيته فى يوم عاى)

 

آية 13 :- من اجل هذا قد تعزينا بتعزيتكم ولكن فرحنا اكثر جدا بسبب فرح تيطس لان روحه قد استراحت بكم جميعا.

فرح الرسول بالأخبار التىنقلها له تيطس. ولاحظ الشركة بينه كأب وبينهم كأولاد له. فإن تعزوا تعزى هو، وإن حزنوا حزن هو.

 

آية 14 :- فاني ان كنت افتخرت شيئا لديه من جهتكم لم اخجل بل كما كلمناكم بكل شيء بالصدق كذلك افتخارنا ايضا لدى تيطس صار صادقاً.

الرسول يفتخر بأولاده، وهو إفتخر بشعب كورنثوس أمام تيطس، وقد ظهر بتوبتهم أمام تيطس صدق إفتخار بولس بهم وأنهم يستحقون المديح.

 

آية 15 :- واحشاؤه هي نحوكم بالزيادة متذكرا طاعة جميعكم كيف قبلتموه بخوف ورعدة.

إن قلب تيطس الآن أكثر من أى وقت آخر يشعر بالسرور لأنه يتذكر طاعتكم جميعاً. وصار يحبكم ليس بسبب كلامى عنكم فقط بل بسبب موقفكم منه. ويتذكر أيضاً كيف قبلتموه وأنتم حريصين على إرضائه وأنتم تخشون أن تتصرفوا نحوه تصرفاً لا يليق فأغضب أنا بولس

 

آية 16 :- انا افرح اذا اني اثق بكم في كل شيء

لقد صرت مطمئناً عليكم ولى ثقة بكم. قال هذا كأب فخور بأولاده إذ عرف سلوكهم تجاه رسالته الأولى. وهذه الآية تعتبر مدخلاً للإصحاحات 8، 9 التى فيها يطلب مساعدتهم فى موضوع فقراء أورشليم. والمعنى أنه له الثقة أنهم سيفعلون ويجمعون تبرعات لفقراء أورشليم.


 

الإصحاح الثامن

في الإصحاحين (8 : 9) يقدم بولس الرسول فلسفة العطاء في المسيحية. فالرسول يقدم خدمة روحية وكرازة. والشعب عليه دور في الشهادة لإنجيل المسيح بتقديم الخدمات المادية، وهذا يعتبر عمل روحي سامي أو درس عملي لا ينفصل عن خدمة الكلمة والكرازة. فالمسيحية هي عقائد وهى حياة عملية بلا إنفصال. لقد طلب المعلمين الكذبة أن يأتى بولس برسالة توصية من أورشليم، وبولس هنا يظهر محبته وإهتمامه بأورشليم أكثر منهم، فهو يطلب من أهل كورنثوس التبرع لأهل أورشليم. ويظهر أن الفقر قد إزداد في أورشليم نتيجة :- 1) مجاعة حدثت 2) الإضطهادات ومصادرة أموالهم (عب 10 : 34).

 

آية 1 :- ثم نعرفكم أيها الاخوة نعمة الله المعطاة في كنائس مكدونية.

يتحدث الرسول هنا لأهل كورنثوس (إقليم إخائية) عن نعمة العطاء والرحمة التي ظهرت في كنائس مكدونية نحو إخوتهم المؤمنين المحتاجين، وذلك ليحث أهل إخائية (وعاصمتها كورنثوس) ليعملوا مثلهم. ونلاحظ من الآية أن الدافع للعطاء هو عمل نعمة الله في القلب.

 

آية 2 :- انه في اختبار ضيقة شديدة فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم.

في إختبار ضيقة شديد = كان المقدونيون في فقر شديد وضيقة مالية (اتس2 : 14). ولولا نعمة الله لكانوا بسبب الضيقة قد أغلقوا على أنفسهم ولم يهتموا بالآخرين. ونلاحظ أنهم شعروا بفرح عميق إذ أعطوا = فاض وفور فرحهم. إن فقرهم لم يعطلهم عن العطاء بسخاء. وبولس يستخدم غيرة وعطاء المكدونيون ليثير في الكورنثيين حب العطاء بسخاء مثل المكدونيين. ولم يكن الكورنثيين فقراء مثل المكدونيون (مكدونية هي المقاطعة الشمالية لليونان حالياً وإخائية هي المقاطعة الجنوبية في اليونان وعاصمتها كورنثوس. وكانت تسالونيكى وفيلبى في مكدونية). ويقول ذهبي الفم " إن العطاء لا يقاس بمقدار ما نعطى بل بالروح التي نفيض بها" (لو 21 : 3). وهنا نجد أن المقدونيون فاض فرحهم بوفرة إذ أعطوا بسخاء من أعوازهم

 

آية 3 :- لانهم أعطوا حسب الطاقة أنا اشهد وفوق الطاقة من تلقاء أنفسهم.

هم أعطوا بإرادتهم الحرة ليس حسب طاقتهم فقط بل أكثر من طاقتهم.

 

آية 4 :- ملتمسين منا بطلبة كثيرة آن نقبل النعمة وشركة الخدمة التي للقديسين.

ملتمسين = قد يكون الرسول رفض عطاياهم أولاً لفقرهم، فألحوا عليه فوافق، إذ شعروا أن فرصة العطاء كانت لهم مكسباً روحياً وليس تفضلاً بعطاياهم على غيرهم. التي للقديسين = القداسة هي أن يعطى المؤمن ذاته للمسيح القدوس ويتحد به، والفقراء بهذا المعنى هم متحدين بالمسيح، فمن يعطى الفقراء يعطى المسيح.

 

آية 5 :- وليس كما رجونا بل أعطوا أنفسهم أولا للرب ولنا بمشيئة الله.

ليس كما رجونا = هم أعطوا أكثر جداً ممّا كنا نرجو أن يعطوه. وهنا نرى أن العطاء هو عطاء النفس قبل المال = أعطوا أنفسهم = فهم أعطوا أنفسهم لله أولاً بالكلية، ومن يعطى نفسه لله، لن يكون عسيراً عليه أن يعطى ماله، بل أي شئ. لقد رجونا منهم بعض الأموال فأعطوا لا الأموال فقط، بل أكثر مما طلبنا، بل أعطوا أنفسهم.. لنا = ساعدونا في الخدمة وربما في جمع العطايا. ولنفهم أننا ومالنا لله، فنحن لا نعطيه إلاّ مما له (1أى 29 : 14)

 

آية 6 :- حتى أننا طلبنا من تيطس انه كما سبق فابتدأ كذلك يتمم لكم هذه النعمة أيضا.

يبدو أن تيطس كان قد سبق وإبتدأ الجمع من أهل كورنثوس حين كان في كورنثوس. وبولس يشجع هذا ويرسل تيطس ثانية ليكمل ما بدأه من الجمع.

كذلك يتمم لكم هذه النعمة = فمن يعطى هو الذي يأخذ نعمة " فمغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ " (أع 20 : 35)

 

آية 7 :- لكن كما تزدادون في كل شيء في الإيمان والكلام والعلم وكل اجتهاد ومحبتكم لنا ليتكم تزدادون في هذه النعمة أيضا.

كما أرى فيكم زيادة في الإيمان والمواهب، ياليتكم يوجد فيكم أيضاً هذه المحبة العملية في العطاء. فالرسول هنا يربط العطاء بالإيمان والمعرفة وكلمة الكرازة وكل فضيلة لينمو المؤمن في كل جوانب حياته. في الإيمان = التمسك بالمسيح والعقيدة الصحيحة عن المسيح. وهذا الإيمان هو أساس المسيحية وبدونه لا يمكن إرضاء الله (عب 11 : 6). والكلام = أي كلام الحكمة والمعرفة والوعظ. ومحبتكم لنا = أي محبة الرسل والخدام. إذاً هم لهم وفرة من الإيمان والعلم وينقصهم الحب العملي أي العطاء

 

آية 8 :- لست أقول على سبيل الأمر بل باجتهاد آخرين مختبرا إخلاص محبتكم أيضا.

لست أقول هذا كأني آمركم. بل بإجتهاد آخرين = ضربت لكم مثلاً بإجتهاد أهل مكدونية لتفعلوا مثلهم. ولو فعلتم سيظهر لي إخلاص محبتكم.

 

آية 9 :- فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره.

العطاء إختيارى وبه نتمثل بالسيد المسيح، فهنا يقول.. لقد ضربت لكم مثالاً بما عمله أهل مكدونية، والآن فلتتمثلوا لا بأهل مكدونية فقط بل بالمسيح الذي وهو غنى = فهو له مجد أبيه. إفتقر = أخلى ذاته. وذلك ليهب الغنى الروحي لطبائعنا البشرية. والمعنى أنه لو تمثلنا بالمسيح نغتنى في الروحيات بل نغنى كثيرين.

 

آية 10 :- أعطى رأيا في هذا أيضا لان هذا ينفعكم انتم الذين سبقتم فابتدأتم منذ العام الماضي ليس أن تفعلوا فقط بل أن تريدوا أيضا

لقد سبقتم أهل مكدونية في رغبتكم في جمع الأموال، والآن تمموا ما نويتم وأردتم أن تفعلوه. لأن هذا ينفعكم = لن يضيع أجركم عن عطاياكم، فالله سيعوضكم عن تعب محبتكم. بل أن تريدوا = كانت لكم رغبة في هذا العمل، لقد كان هناك عمل جمع منكم ناشئ عن رغبة وليس بالإجبار

 

آية 11 :- ولكن الآن تمموا العمل أيضا حتى انه كما أن النشاط للإرادة كذلك يكون التتميم أيضا حسب ما لكم.

أنتم عزمتم من قبل على أن تقوموا بعمل العطاء، الآن نفذوا هذا العزم

كما أن النشاط للإرادة = أي كما كان لكم الإستعداد والنشاط في الإرادة.

كذلك يكون التتميم = يكون لكم أيضاً الإستعداد لأن تكملوا العمل بنشاط، لتتم هذه الإرادة، لتكون إرادة مصحوبة بعمل، فإنجازك للعمل هو الذي يشهد عليك.

حسب ما لكم = أي حسب ما تستطيعون فأنا لا أثقل عليكم، ولا الله لا يطلب منكم ما هو أكثر من طاقتكم، أو أكثر مما تستطيعون أو تملكون.

 

آية 12 :- لانه إن كان النشاط موجودا فهو مقبول على حسب ما للإنسان لا على حسب ما ليس له.

الآية تعنى متى وُجِدَ الإستعداد والنشاط، يُقبل العطاء على قدر ما يملك الإنسان، لا على قدر ما لا يملك، أي أنا لا أطالبكم بما ليس في مقدوركم.

 

آية 13 :- فانه ليس لكي يكون للآخرين راحة ولكم ضيق.

أنا لا أطالبكم بأن تحرموا أنفسكم من ضروريات الحياة، لكي تكونوا أسخياء مع فقراء اليهود.

 

آية 14 :- بل بحسب المساواة لكي تكون في هذا الوقت فضالتكم لاعوازهم كي تصير فضالتهم لاعوازكم حتى تحصل المساواة.

فضالتكم لأعوازهم = ما يفيض عنكم يا أهل كورنثوس إرسلوه للمعوزين في أورشليم. فضالتهم لأعوازكم هذه تعنى :-

1) أورشليم الآن محتاجة لعطايا كورنثوس، ولكن حينما يحتاج أهل كورنثوس في وقت ما تكون فضالة مؤمني أورشليم لكورنثوس. فحياتنا الجديدة في المسيح هي عطاء متبادل، فالكل محتاج لإخوته. وقد تعنى

2) أن أهل كورنثوس الأغنياء في الماديات ولكنهم حديثي الإيمان، عليهم أن يعطوا لأهل أورشليم ماديات، وأهل أورشليم، الكنيسة الأم والأغنياء في الإيمان، فضالتهم هي صلواتهم الشاكرة وروحياتهم العظيمة سينال أهل كورنثوس حديثي الإيمان = لأعوازكم = أي ستنالون يا أهل كورنثوس بركات روحية عظيمة إستجابة لصلواتهم وتشكراتهم لله. وربما أن أهل أورشليم بإحتمالهم للضيقات بشكر سيكونون أمثلة حية لأهل كورنثوس.

 

آية 15 :- كما هو مكتوب الذي جمع كثيرا لم يفضل والذي جمع قليلا لم ينقص.

فلتتم إذاً هذه المساواة وفقاً لما هو مكتوب في(خر 16 : 18). أن هذا الطماع الذي جمع كثيراً، أكثر من حاجته، إنتن ما بقى عنده. وهذا الذي جمع قليلاً شبع ولم يحتاج لأكثر مما جمعه. كان هذا حدث مع شعب الله في جمع المن، ويستشهد به الرسول لكي يعطى كل واحد فضالته للمحتاج. ونفهم أن من يجمع ويكدس لن يكون له هذا سبب سعادة وفرح بل زيادة عناء. فلا يطمع إذاً الأغنياء في تكديس أموالهم، فإن هذا بلا نفع، بل يعطوا للفقراء.

 

آيات 16، 17:- ولكن شكرا لله الذي جعل هذا الاجتهاد عينه لاجلكم في قلب تيطس. لانه قبل الطلبة وإذ كان اكثر اجتهادا مضى الكم من تلقاء نفسه.

في (آية 6) نجد بولس يطلب من تيطس أن يذهب لهم للجمع، ولكننا هنا نسمع أن الروح حَرَّكَ قلب تيطس أن يذهب، فلم يكن محتاجاً إلى أن يقنعه بولس بالذهاب، ولا أن يلزمه بل ذهب برغبة حارة. ولذلك نجد بولس هنا يشكر الله أنه وضع في قلب تيطس ما وضعه في قلبه هو بولس من محبة.

 

آيات 18، 19:- وأرسلنا معه الأخ الذي مدحه في الإنجيل في جميع الكنائس. وليس ذلك فقط بل هو منتخب أيضا من الكنائس رفيقا لنا في السفر مع هذه النعمة المخدومة منا لمجد ذات الرب الواحد ولنشاطكم.

الأخ الذي مدحه في الإنجيل = غالباً هو لوقا بسبب إنجيله الذي كتبه ووعظه المستمر وكرازته وأمانته، ولوقا كان رفيقاً للسفر مع بولس. وبولس أرسله ليخدم خدمة العطاء مع تيطس ويسميها نعمة (آية 1). وذلك لتمجيد إسم الرب. ولنشاطكم = وجود لوقا وتيطس معكم في هذه الخدمة سيزيد من نشاطكم وغيرتكم وإهتمامكم. النعمة المخدومة منا = تشير للكرازة وخدمة العطاء والجمع، وبولس يقوم بهذه وتلك.

 

آية 20 :- متجنبين هذا أن يلومنا أحد في جسامة هذه المخدومة منا.

نحن في خدمتنا نأخذ كل هذه الإحتياطات حتى لا نتعرض لشك أو لوم في خدمتنا، وحتى لا يظن أحد أننا نرجو من وراء هذه الخدمة صالحاً شخصياً أو منفعة ذاتية، فأنا لا أجمع وحدي بل أرسلت إثنين لئلا يلوم أحد بولس الرسول. فالأمور المالية إن لم تكن واضحة ومكشوفة تماماً أمام الجميع، قد تسبب إرباكاً للخدمة والشك في الخدام. فالخادم محط أنظار الجميع.

 

آية 21 :- معتنين بأمور حسنة ليس قدام الرب فقط بل قدام الناس أيضاً.

ونحن نحرص أن نسلك سلوكاً حسناً ليس فقط أمام ضمائرنا التي يكشفها الله، ولكن أيضاً أمام الناس فتكون أعمالنا الظاهرة موضع رضا الناس.

 

آية 22 :- وارسلنا معهما اخانا الذي اختبرنا مرارا في امور كثيرة انه مجتهد ولكنه الان اشد اجتهادا كثيرا بالثقة الكثيرة بكم.

بولس أرسل شخصاً آخر مع تيطس ولوقا، ويثني عليه هنا كثيراً. وغير معروف من هو. هو أصله نشيط وأنا أعرف هذا وإزداد نشاطه بسببكم.

 

آية 23 :- اما من جهة تيطس فهو شريك لي وعامل معي لاجلكم واما اخوانا فهما رسولا الكنائس ومجد المسيح.

شهادة لمن أرسلهما حتى لا يتشكك فيهم أحد.

 

آية 24 :- فبينوا لهم وقدام الكنائس بينة محبتكم وافتخارنا من جهتكم

قدموا لهم البراهين على محبتكم بوفرة وسخاء عطاياكم.


 

الإصحاح التاسع

 

آية 1 : - فانه من جهة الخدمة للقديسين هو فضول مني ان اكتب اليكم.

عبارة رقيقة من الرسول، أي أنتم لستم في إحتياج أن أذكركم بالجمع لفقراء أورشليم، فأنتم لكم غيرتكم ونشاطكم وإجتهادكم.

 

آية 2 : - لاني اعلم نشاطكم الذي افتخر به من جهتكم لدى المكدونيين ان اخائية مستعدة منذ العام الماضي وغيرتكم قد حرضت الاكثرين.

إخائية = مقاطعة عاصمتها كورنثوس. والمعني أن لكم محبتكم ونشاطكم الذي حرض الكثيرين علي الدفع. ولقد إفتخرت بكم في مكدونية (فيها تسالونيكي وفيلبي) قارن مع (8 : 2 – 5) ولاحظ أسلوب بولس، فهو يمدح كنيسة كورنثوس أمام مكدونية ويمدح كنيسة مكدونية أمام كورنثوس. هو يذكر النقاط المضيئة دائماً في كل واحد.

 

آيات 3، 4 : - ولكن ارسلت الاخوة لئلا يتعطل افتخارنا من جهتكم من هذا القبيل كي تكونوا مستعدين كما قلت. حتى اذا جاء معي مكدونيون ووجدوكم غير مستعدين لا نخجل نحن حتى لا اقول انتم في جسارة الافتخار هذه.

إذاً بولس سيصل إلي كورنثوس ومعه إخوة مقدونيون لحمل تقدمة أهل كورنثوس لفقراء أورشليم، وهو لا يريد أن يفاجئهم لذلك يرسل لهم لكي يستعدوا، فهو لا يريد بعد أن إفتخر بأهل كورنثوس أمامهم، يجد ان أهل كورنثوس لم يجمعوا شيئاً، لذلك هو يحثهم علي الجمع، فإذا جاء مع المكدونيين لا يخجل هو أمامهم = ولا أقول أنتم = كأنهم هم المفروض أن يخجلوا من بخلهم ولكن بولس هو الذى سيخجل بسبب إفتخاره السابق بهم أمام المقدونيون.

 

آية 5 : - فرايت لازما ان اطلب الى الاخوة ان يسبقوا اليكم ويهيئوا قبلا بركتكم التي سبق التخبير بها لتكون هي معدة هكذا كانها بركة لا كانها بخل

بركتكم = أى عطيتكم ويسميها بركة فالعطية تكون سبب بركة لمن يعطي. وأرسلت الإخوة لينظموا عملية الجمع حتي لا تكون علي سبيل بخل (لو دفعوا قليل) بل على سبيل بركة إذا دفعوا بسخاء، بدافع حبكم للخير وليس عن إضطرار وبكرم وليس ببخل، فالبخل معناه شدة المحبة للمال، وعدم الرغبة ان يهب شيئاً للآخرين.

 

آية 6 : - هذا وان من يزرع بالشح فبالشح ايضا يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد.

هنا يشبه العطاء بالزرع. ولاحظ أن من يزرع كيلة يحصد أردب، وهذا ما قاله السيد المسيح " من يترك شيء يأخذ 100 ضعف ". وأنظر ما تركه بطرس وما أخذه. والحصاد هو من نفس جنس البذار التي ألقيت في الحقل. وهذا ما يريد الرسول أن يقوله.. أن عليكم أن تعلموا أن الجزاء من جنس العمل، فمن يعطي كثيراً يعوضه الله كثيراً، ومن يعطي قليلاً يكون جزاؤه قليل. ولذلك أطلق إسم بركة علي العطية، فمن يعطي سيباركه الله، أى لن يشعر بنقص ما عنده بل سيشعر بالبركة فيما عنده. وهذه الآية تطبق روحياً، فمن يعطي الله وقتاً كبيراً (صلاة وتسبيح ودراسة كتاب) يبارك له الرب ويعطيه بركات روحية كثيرة، ومن يعطي الله ببخل لن يجني بركات كثيرة. وهنا نفهم أن من يزرع = يجاهد روحياً.. هذا يحصد نعمة وبركة روحية (راجع غل 6 : 7 – 10 + أم 11 : 18 + 11 : 24). ولاحظ قوله بالبركة وليس بالسخاء. فالعطاء يسبب بركة.

 

آية 7 : - كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن او اضطرار لان المعطي المسرور يحبه الله.

العطاء يجب أن يكون خالياً من الشعور بالإلزام. ولكن الدافع يجب أن يكون الحرية الشخصية والإستعداد الذاتي وحباً في العطاء. فالله يحب الذي يعطي من قلبه بسرور. وهذا الذى يعطي بسخاء يكون له إيمان أن الله سيعوضه عن الفانيات بالأبديات، بل لن يتركه يحتاج شيء علي الأرض، لذلك فالله يحب من له هذا الإيمان. ولاحظ أن العطاء هو منفعة للطرفين، المحتاج يأخذ أموالاً والعاطي يأخذ فرح وسرور. إذاً الله جعل العطاء لمصلحة الجميع.

 

آية 8 : - والله قادر ان يزيدكم كل نعمة لكي تكونوا ولكم كل اكتفاء كل حين في كل شيء تزدادون في كل عمل صالح.

الله قادر أن يجعل كل عطية وكل هبة مقدمة لكم من مراحمه تزداد لكم، وحينما تزداد خيراتكم، تزداد عطاياكم، وحينما تزداد عطاياكم تزداد بركاتكم، فتفيضوا على الآخرين وهكذا. ولكم كل إكتفاء = أى قناعة أى يكتفي المرء بما عنده ويرى أن أي زيادات عنده يمكن إعطاءها للآخرين. ولاحظ تكرار كلمة كل = فالله يبارك في كل شيء وليست البركة بركة جزئية بل لكل شيء ولكل حين، وأهم بركة هي الشعور بالإكتفاء والرضا والقناعة أي عدم الإحتياج.

 

آية 9 : - كما هو مكتوب فرق اعطى المساكين بره يبقى الى الابد.

الإقتباس من (مز 112 : 9). والمعني أن الإنسان البار الذي يعطي للمساكين، فإن عمله الصالح هذا = بره يبقي له إلى الأبد. الله سيعوضه عن بره هنا وفى الأبدية.

 

آية 10 : - والذي يقدم بذارا للزارع وخبزا للاكل سيقدم ويكثر بذاركم وينمي غلات بركم.

الله هو أصل النعم والبركات، مادية وروحية. يكثر بذاركم. وخبزاً = الله يهب لكم الخيرات المادية. غلات بركم = يزيد من ثمار أعمالكم الصالحة = ثمار بركم. وهذه عطايا روحية.

 

آية 11 :- مستغنين في كل شيء لكل سخاء ينشئ بنا شكرا لله.

مستتغنين فى كل شئ = تزداد عطايا الله لكم بغنى فتكونوا أغنياء. وحينما يغنيكم الله تكونون أسخياء فى كل شئ = لكل سخاء. وهذا السخاء المقدم للمحتاجين ينشئ مجالاً وفرصة لأن يقدم شكر لله = ينشئ بنا شكراً لله. وهذه صلاة بركة ليبارك الله فيما بين أيديهم إذا أعطوا للمحتاجين.

 

آية 12 :- لان افتعال هذه الخدمة ليس يسد اعواز القديسين فقط بل يزيد بشكر كثير لله.

إفتعال = من فعل أى تدبير وفعل هذه الخدمة لا يعود فقط بالخير على المحتاجين، ولكنه يؤدى من ناحية أخرى إلى تقديم الشكر لله. ويزيد إيمان كثير من الناس ومحبتهم للكنيسة ولله ولإرتباطهم بالكنيسة.

 

آية 13 :- اذ هم باختبار هذه الخدمة يمجدون الله على طاعة اعترافكم لانجيل المسيح وسخاء التوزيع لهم وللجميع.

ذلك لأنهم يلمسون من عطاياكم، ويكون سخاؤكم دليلاً على إيمانكم بالإنجيل، وحفظكم لوصاياه فيمجدون الله من أجل هذا. طاعة إعترافكم لإنجيل المسيح = أى طاعة الإنجيل الذى يأمر بالحب العملى والعطاء لإخوة الرب.

 

آية 14 :- وبدعائهم لاجلكم مشتاقين اليكم من اجل نعمة الله الفائقة لديكم.

هم سيُصَّلون لكم، ويتولد عندهم الحب لكم = مشتاقين إليكم. من أجل محبتكم التى ظهرت فى عطاياكم = نعمة الله الفائقة لديكم. لاحظ أنه يسمى العطية نعمة من الله وهبهم الله إياها

 

آية 15 :- فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها

بولس يختم كلامه عن العطاء بأن يشكر الله على عطيته التى لا يعبر عنها = هذه ليست أموال ولا صحة، فهذه يعبر عنها، أمّا العطية التى لا يعبر عنها فهى ليست سوى المسيح يسوع، فليس عطية أعظم منه، أعطاه الله للبشرية كفادى لها وليتحد بها. هذه العطية أى المحبة التى لا يعبر عنها التى ظهرت فى التجسد وفى الصليب، ونحن حتى الآن لا نعرف حدودها، هى إلهام لأى عطية نعطيها لله أو للفقراء، بل إن أعطينا كل أموالنا وأنفسنا وحياتنا وأرواحنا فهى لا شئ أمام العطية التى لا يعبر عنها.

 


 

الإصحاح العاشر

 

آية 1 :- ثم اطلب اليكم بوداعة المسيح وحلمه انا نفسي بولس الذي في الحضرة ذليل بينكم واما في الغيبة فمتجاسر عليكم.

بوداعة المسيح = الوداعة التى تعلمناها من المسيح أو إكتسبناها من المسيح الذى يحيا فينا الذى فى الحضرة ذليل... فى الغيبة متجاسر = هذه التهمة الموجهة لبولس.. أنه يضعف أمام خصمه بينما يتجاسر فى غيبته عن طريق رسائله وهو يردد التهمة ليرد عليها. وهم فهموا محبته ووداعته أنها ضعف، أمّا هو فى محبته ووداعته فكان متشبهاً بالمسيح. كان الرسول إذا كان معهم، كان لحبه لهم وخوفه على مشاعرهم، يتصرف معهم بوداعة بل كذليل. وفى غيابه، ولخوفه عليهم من الذئاب الخاطفة يكون قوياً فى رسائله

 

آية 2 :- ولكن اطلب ان لا اتجاسر وانا حاضر بالثقة التي بها ارى اني ساجترئ على قوم يحسبوننا كاننا نسلك حسب الجسد.

إذ لم يصلح معهم أسلوب الوداعة، فها هو مضطر أن يعاملهم بشدة مستعملاً سلطانه الروحى ويوقع عليهم عقوبات وتأديبات، بينما هو لا يفضل أسلوب الشدة بل يرجوهم أن لا يرغموه على ذلك = أطلب أن لا أتجاسر. وأنا حاضر = أى عندما أحضر إليكم فى كورنثوس. بالثقة = أنا واثق أننى سأكون مضطراً أن أستخدم الشدة ضد من هم مصرين على الخطأ الذين هم قوم يحسبوننا كأننا نسلك حسب الجسد = أى بدوافع مادية وجسدية وبمكر وجبن فيكون وديعاً أمامهم وعنيفاً متجاسراً فى الغيبة لخوفه منهم.

 

آية 3 :- لاننا وان كنا نسلك في الجسد لسنا حسب الجسد نحارب.

كل التهم الموجهة لبولس غير صحيحة. لأنه وإن كان له جسد أى مازال يحيا في الجسد إلاّ أنه لا يسلك بحسب الجسد أى ليس جباناً ولا ماكراً. وأيضاً ليس حسب الجسد يحارب = فأسلحته روحية قوية وليست جسدية ولا مادية.

 

آية 4 :- اذ اسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون.

أسلحة بولس هى الإيمان والصلاة والصوم وكلمة الله وسلطانه الرسولى ضد العالم والشيطان. أمّا الأسلحة الجسدية فهى الثروات والمراكز والقوة بأشكالها والفصاحة والرياء والدهاء والمراوغات. وقادرة بالله = لم يقل فى كبرياء أنا قادر بل الله قادر. على هدم حصون = أى العقبات التى يضعها الشيطان وأتباعه من البشر فى طريقنا. والأسلحة الروحية ليست ضعيفة بل هى قوية بالله، وقادرة على هدم حصون الشر، كما أن أسوار أريحا سقطت بالإيمان (عب 11 : 30). وهكذا بالإيمان وبأسلحتنا الروحية نقدر أن نهدم حصون الخطايا التى إعتدنا عليها وما عدنا قادرين على التخلص منها وكأنها محصنة داخل أسوار منيعة.

 

آية 5 :- هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستاسرين كل فكر الى طاعة المسيح.

الحصون ليست حصون مادية بل روحية، فهو يهدم هذه الظنون = الأفكار الخاطئة والأوهام والظنون غير الحقيقية. وكل علو = تشامخ وكبرياء يرتفع فيصير كالحصون والقلاع التى تعطل الناس عن أن يعرفوا الله، وبهذه الأسلحة الروحية نستطيع أيضاً أن نأسر ونقرب كل فكر وكل حكمة إنسانية كى نجذبها ونكتسبها إلى طاعة المسيح. فالأسلحة الروحية لا تحارب فقط الجانب السلبى أى هى ضد الظنون والعلو، بل لها جانب إيجابى فهى تجعل كل إنسان يشتهى طاعة المسيح. ولاحظ أنه علينا حين تحاربنا الأفكار كالشهوة والحقد والتذمر على مشيئة الله... أن نرفضها ولا نفكر إلا فى كل ما يجعلنا نطيع المسيح. كل علو = لا يمكن أن نختبر الإله الذى يسد كل حاجاتنا ويهبنا القوة فى متاعبنا ويفيض فينا بتعزياته، ما لم ينخفض كل علو فينا إلى التراب ونتذلل أمام الله شاعرين بالحاجة إليه.

 

آية 6 :- ومستعدين لان ننتقم على كل عصيان متى كملت طاعتكم.

لأن ننتقم = أصل الكلمة يسوق لمحاكمة عسكرية. ولا يقول هذا الكلام رسول كاذب، فهو قادر أن يعاقب وله سلطان، وقد إستعمله مع الزانى. وهنا كان الإنتقام بحرمان الزانى من شركة الكنيسة ومن ثم تسليمه للشيطان. متى كملت طاعتكم = بولس يتوقع طاعة الأغلبية وخضوعها ثم يعاقب البقية المتمردة التى تستحق العقاب، حتى لا يكون العقاب جماعى شاملاً من هم أبرياء أو من هم مستعدين للطاعة، خشية أن يقتلع الحنطة مع الزوان.

 

آية 7 :- اتنظرون الى ما هو حسب الحضرة ان وثق احد بنفسه انه للمسيح فليحسب هذا ايضا من نفسه انه كما هو للمسيح كذلك نحن ايضا للمسيح.

أتنظرون إلى ما هو حسب الحضرة = أى المظهر الخارجى، فهم إحتقروا بولس لوضاعة مظهره وبساطته، ولم يدركوا قوته الروحية وسلطانه. وبولس يقول لهم إن كان أحد يظن أنه للمسيح، ومثل هذا إن لم تكتمل طاعته فهو معرض لأن ينخدع بسهولة فى مظهرى، ولكن علي مثل هذا أن يعلم أننا خدام للمسيح، أنا بولس، وعليه أن لا يتجاهل وضعنا كرسل للمسيح لهم سلطانهم.

 

آية 8 :- فاني وان افتخرت شيئا اكثر بسلطاننا الذي اعطانا اياه الرب لبنيانكم لا لهدمكم لا اخجل.

الله أعطانى كرسول سلطان وأنا أفتخر بكل ما أعطاه لى الله. وهو أعطانى هذا السلطان لبنيانكم لا لهدمكم. ولن يكون هناك ما يخجلنى ويشير لى كإنسان كاذب أو مفتخر متظاهر مدعى، فهذا السلطان للتأديب، إذاً هو للبنيان، لا لإستعماله فى أغراض شخصية. وهو سلطان حقيقى وقد إستعملته مع الزانى ومع بار يشوع الساحر وغيرهم، وأنا مستعد أن أستعمله معكم ولن أخجل، فما أقوله أو أؤدب به سيحدث فعلاً فلا تلزمونى بهذا.

 

آية 9 :- لئلا اظهر كاني اخيفكم بالرسائل.

على أنى لن أتفاخر بسلطانى هذا لئلا أبدو كمن يخيفكم بالرسائل، أو يكون المعنى أنا مستعد أن أظهر سلطانى الرسولى وأعاقب وترون أنتم نتيجة عملية ولا تكون تهديداتى بالرسائل فقط

 

 

 

آية 10 :- لانه يقول الرسائل ثقيلة وقوية واما حضور الجسد فضعيف والكلام حقير.

الرسل الكذبة يقولون عنى أن رسائلى قوية وأما حضور الجسد فضعيف والكلام حقير = أى كلامه غير فصيح وضعيف فى كلماته كما فى جسمه

 

آية 11 :- مثل هذا فليحسب هذا اننا كما نحن في الكلام بالرسائل ونحن غائبون هكذا نكون ايضا بالفعل ونحن حاضرون.

وبالرغم من مظهرى الوديع الهادئ وبالرغم من محبتى، فسلطانى الرسولى فى التأديب موجود، وأنا لست كما يتهمونى جبان خائف، بل نفس الجرأة التى نستعملها فى الرسائل هى نفسها نستخدمها ونحن حاضرون. ويقول ذهبى الفم أن بولس كان ضعيف الجسد قصير القامة بالإضافة لشوكة جسده، عكس برنابا الذى كان له مظهر مهيب (أع 14 : 12 + 2كو 12 : 7 + 1كو 2 : 3 + غل 4 : 13 – 15 + غل 6 : 11 + أع 19 : 11، 12). ولاحظ أن أعداء بولس لم يتركوا شيئاً إلاّ وإتهموه به، فى مظهره وفى ضعفه الجسدى وأنه يقول ولا يفعل، وأنكروا سلطانه الرسولى وإتهموه بالجبن فهو على البعد جرئ وفى الحضرة ذليل وربما أشاعوا أنه يستفيد بالأموال.

 

آية 12، 13 :- لاننا لا نجترئ ان نعد انفسنا بين قوم من الذين يمدحون انفسهم ولا ان نقابل انفسنا بهم بل هم اذ يقيسون انفسهم على انفسهم ويقابلون انفسهم بانفسهم لا يفهمون. ولكن نحن لا نفتخر الى ما لا يقاس بل حسب قياس القانون الذي قسمه لنا الله قياسا للبلوغ اليكم ايضا.

الرسل الكذبة من خصومى يعظمون أنفسهم ويفاخرون كثيراً بأزيد مما فيهم، حتى لم نعد نجترئ أن نفاخرهم أو نقايس أنفسنا معهم (وهذه سخرية منهم) لأن مقايستهم ليست بقياس الحق وبحسب أعمالهم الحقيقية بل بحسب ما يرون ويفتكرون، وأما نحن فلا نفتخر مثلهم ولا نَدَّعى لأنفسنا أكثر مما فينا، بل نفتخر بأعمالنا وبالبلدان التى بشرنا فيها حتى إنتهينا إليكم، لأن الله قسم كرمه على رسله. والقسم الذى خصنى وصل لكورنثوس. فأنا لا أدعى لنفسى أننى جلت الدنيا كلها كما يدعى الرسل الكذبة. فإفتخارهم هو وَهْمْ بحسب مقايسيهم هم. وهذه الأوهام تقود إمَّا للكبرياء أو الحسد ممن هم أكثر منهم.

وهذه التهمة التى توجه لى بأننى ضعيف فى الحضرة هل هى صحيحة ؟ على كل فإننا لم نجترئ كما يجترئ هؤلاء الرسل الكذبة ويمدحون أنفسهم، لن نجترئ نحن أن نمدح أنفسنا، فإذا كان لهؤلاء أن يتهموننا بالضعف، فليكن هو ضعف من لا يجترئ أن يمدح نفسه. يقيسون أنفسهم على أنفسهم = هم قوم مخدوعون ومغرورون بأنفسهم. ولذلك يتخذون من أنفسهم مقاييس ومعايير. أمّا الرسول الحقيقى فهو فى تواضع يقيس نفسه على من هو أعلى منه فيجد نفسه ضعيف وناقص. بل علينا كلنا أن نقيس أنفسنا على الله " كونوا كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل " والخطأ أن ننظر إلى من هم أقل منا فنكتشف أننا بالنسبة لهم كاملين فنمتلئ غروراً وكبرياء، بل إدانة للضعيف. يقابلون أنفسهم بأنفسهم = يختارون دائرتهم حسب خيالهم.

نحن لا نفتخر بما لا يقاس = BEYOND MEASURE أى ما يتعدى حدود إرساليتى. بل حسب قياس القانون الذي قسمه لنا الله = القانون كان عصا قياس أو مسطرة والمعنى أن الله قسم لكل رسول منطقته وعمله وخدمته والحدود التى تحدها. وبولس لن يعمل خارج الحدود التى حددها وقسمها الله له. وبولس لن يفتخر بأتعاب الآخرين وينسبها لنفسه، بل يفتخر فى داخل الحدود التى حددها الله له وشملها عمله وخدمته، وهذه الحدود تشمل كورنثوس. أى أن المقياس الذى وُضِعَ لنا أن نسير بحسبه هو أن نصل حتى نكرز لكم أيضاً = للبلوغ إليكم أيضاً. والرسول يقصد أن يقول أنه يكرز ويخدم وفقاً لما حدده له الله وهذه الحدود تشمل الكورنثيين. ونفهم أن الرسل الكذبة إنتهكوا القانون الذى وضعه الله لبولس، وإلاّ فلماذا ذهبوا إلى كورنثوس وهى من قانون بولس. وواضح أن الفخر المبالغ فيه من سمات الرسل الكذبة. وبولس يشكر الله على ما أعطاه له ويطلب معونته ونعمته ليكمل عمله بلا غيرة من أحد وبلا كبرياء.

 

آية 14 :- لاننا لا نمدد انفسنا كاننا لسنا نبلغ اليكم اذ قد وصلنا اليكم ايضا في انجيل المسيح.

لأننا لا نمدد انفسنا = لا نعظم أنفسنا بالكلام، ولا نتجاوز أو نتعدى دائرة نشاطنا

القانونى المعطى لنا من الله، كما لو أن صلاحياتنا لا تمتد إلى كورنثوس، إننا لا نحاول أن نعظم أنفسنا فوق الحدود التى قسمها لنا الرب وندعى زوراً بأنكم من دائرتنا وفى حدود تكليفنا، لأنه من الواضح أننا كرزنا لكم وأنكم من الشعوب التى حددها لنا الرب لنعمل فيها وقد حدث وكرزنا لكم.

 

آية 15 :- غير مفتخرين الى ما لا يقاس في اتعاب اخرين بل راجين اذا نما ايمانكم ان نتعظم بينكم حسب قانوننا بزيادة.

غير مفتخرين إلى ما لا يقاس = نحن لا نفتخر خارجاً عن مجالنا وعن حدودنا BEYOND MEASURE فى أتعاب آخرين = أى لا نفتخر بالأتعاب التى بذلها الآخرون، فنحاول أن نكرز بالإنجيل حيث كرز هؤلاء وحيث تعبوا، فكأننا نأخذ ثمرة تعبهم وننسبه لأنفسنا، وهذا يعمله الرسل الكذبة. بل راجين إذا نما إيمانكم = نرجو أنه إذا إستقرت أوضاعكم وزاد إيمانكم أن ينتهى دورنا معكم فيعطينا الرب أن نكرز فى أماكن أخرى (وهذا ما قاله فى آية 16) أى يتسع مجال كرازتنا وعملنا. فلا يمكن أن الله يعطيه أماكن أخرى للكرازة إلاّ إذا ضمن إستقرار السابقين. نتعظم بينكم حسب قانوننا بزيادة = يتعظم الرسول أى يُمْدَح من شعب كورنثوس إذا نما إيمانهم. فكلما ينمو إيمانهم سيدركون فضل الرسول عليهم، وأنه كرسول حقيقى بلغ بهم إلى الهدف الذى كان الله يريده فيهم. ولاحظ أن هذا الكلام ليس ضد التواضع، ففى حالة بولس هنا يكون التواضع بزيادة تصرفاً خاطئاً لأن الرسل الكذبة سيستغلون هذه الكلمات المتواضعة لإثبات عدم قانونية رسوليته.

 

آية 16 :- لنبشر الى ما وراءكم لا لنفتخر بالامور المعدة في قانون غيرنا.

إلى ما ورائكم = الأماكن التي لم يصل إليها الإنجيل بعد أى غرب اليونان مثل إيطاليا وأسبانيا، هذه الأماكن التى لم يصل إليها كارز بعد. لا لنفتخر بالأمور المعدة فى قانون غيرنا = فنحن لا نريد أن نذهب إلى أماكن وصل إليها آخرون وتعبوا فيها فنفتخر بما تعبوا هم فيه. وكان هذا مبدأ للرسول (رو 15 : 20). ولكن هدفه دائماً كان أن تصل رسالة الإنجيل لكل إنسان فى العالم (رو 15 :

21)

 

 

آية 17 :- واما من افتخر فليفتخر بالرب.

ولكن إذا كنا نتكلم عن أتعابنا الخاصة التى سيباركها الرب. وهذه الأتعاب وكذلك نجاح الخدمة، لا يملؤنا بالفخر كأن هذا النجاح ينسب إلى جهدنا وعملنا. بل على العكس نحن نفتخر بتواضعنا وننسب كل شئ إلى الرب، فالخادم عليه أن يتذكر أن نجاح خدمته لا يرد إليه، ولكن يرد إلى الرب الذى إستخدمه فى هذا العمل وأعطاه مواهبه.

 

آية 18 :- لانه ليس من مدح نفسه هو المزكى بل من يمدحه الرب

وليس ما يُرضى الله أن يمتلئ الخادم بالغرور ويمدح نفسه وينسب نجاح الخدمة إليه إنما الله يمدح ويزكى، أى يرضى ويبارك ذلك الإنسان الذى يعمل بتواضع معلناً أن فضل القوة ليس منه بل من الله

يمدحه الرب = يبارك عمله وينجح خدمته ورسالته ويكافئه على مجهوده


 

الإصحاح الحادى عشر

آية 1 : - ليتكم تحتملون غباوتي قليلا بل انتم محتملي.

بولس أعلن أنه لا يريد أن يمدح نفسه، لكن الظروف أرغمته علي ذلك للدفاع عن صدق إرساليته. والإفتخار بدون داعٍ هو جهل وغباء، ولكن ما أجبر الرسول علي هذا هو داعٍ قوي آلا وهو غيرته عليهم لئلا يفسدهم الرسل الكذبة، وهو يريدهم عروس نقية للمسيح، فكأنه وعد المسيح بهم حين بشرهم. فبولس يعلم أنه ليس من الصواب أن يتكلم عن نفسه ولكنه مضطر. ويقول عن نفسه حين يفتخر بنفسه أنه غبي، وفي هذا درس لنا حتى لا نفتخر بأنفسنا أبداً، وأيضاً هو إتهام ضمني للرسل الكذبة بأنهم أغبياء إذ هم يفتخرون بأنفسهم. بل أنتم محتمليَّ = أنا واثق أنكم ستحتملون كلماتي.

 

آية 2 : - فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح.

أغار عليكم غيرة الله = قبل أن يتكلم الرسول عن أتعابه نراه هنا يظهر محبته فما يدفعه لإحتمال كل هذه الآلام محبته لله ولكنيسة الله وقوله غيرة الله= تعني أنا أحبكم بغيرة شديدة تماماً كمحبة الله، والغيرة البشرية أنانية ولكن الغيرة الإلهية نقية. فهو إذاً لا يهدف لشيء إلاّ مصلحتهم، هو خائف أن تفقد الكنيسة ما حصلت عليه من بركات. وفي التعبيرات اليهودية حين يُضاف لفظ الله لكلمة ما فهذا يعني الضخامة، فقوله غيرة الله تعني غيرة شديدة جداً. وأيضاً قد يعني تعبير غيرة الله أن مصدر هذه الغيرة هو الله الذي وضع محبتكم في قلبي. فأنا أغار عليكم ليس من أجل نفسي بل من أجل المسيح لأنني خطبتكم له وأريد أن أقدمكم إليه كعذراء عفيفة نقية طاهرة السيرة، بعيدين عن كل ضلال أو خداع أو خطيئة. وما يحطم عذراويتنا أي محبة غريبة لخطية ننخدع بها كما إنخدعت حواء. وطالما أن المسيح هو رجل واحد فهو يريدكم كعروس أن تكونوا متحدين في الإيمان والمحبة. بولس هنا يُظهر نفسه كواسطة بينهم وبين المسيح، هو يريد أن يظهرهم في أجمل صورة كخاطبة تريد أن تظهر العروس في أحلي صورة للعريس حتى لا تخجل منها. وتشبيه علاقة المسيح بالكنيسة كأنها علاقة عريس بعروسته. إستخدمها الرسول في (أف 5 : 23 – 32). وبعد الخطبة يأتي العرس، وكمال الإتحاد بين العريس وعروسته سيكون في السماء. راجع (رؤ 21 : 2) أورشليم الجديدة... مهيأة كعروس مزينة لرجلها.

 

آية 3 : - ولكنني اخاف انه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد اذهانكم عن البساطة التي في المسيح.

الكنيسة حواء الجديدة مخطوبة لآدم الأخير أي المسيح (1 كو 15 : 45). وعلى حواء الجديدة أن تحترس من سماع صوت إبليس (الحية) كما فعلت الحية مع حواء الأولي، فأفقدتها بساطتها وحرمتها هي وأولادها من الإتحاد بالله. البساطة = هي النقاوة وعدم الغش. البساطة التي في المسيح = أي فكر واحد مكرس للمسيح ومتجه له وحده، وعمل الحية هو توجيه فكر العروسة أي حواء الثانية (الكنيسة أو النفس البشرية) عن النظر لعريسها المسيح فتفقد طهارة القلب ونقاوته التي يجب أن تكون لنا تجاه المسيح، وتفقد التعاليم السليمة النقية الطاهرة والإيمان القويم الذي يجب أن يكون لدى المؤمنين نحو المسيح، الإيمان الذي لا تشوبه الحكمة العالمية الكاذبة (وهذا ما يعمله الرسل الكذبة معهم) بل يكون مستنيراً بنعمة الله.

 

آية 4 : - فانه ان كان الاتي يكرز بيسوع اخر لم نكرز به او كنتم تاخذون روحا اخر لم تاخذوه او انجيلا اخر لم تقبلوه فحسنا كنتم تحتملون.

إن كان الآتي = إن أتاكم أحد ليعلمكم ويقدم لكم مسيحاً آخر غير المسيح الذي

قدمناه لكم، وهذا لا يمكن فلا يوجد سوى مسيح واحد. والرسول هنا يقصد المعلمين الكذبة. والمعني أن إعتباركم للرسل الكذبة أكثر منا هو في غير محله لأنهم لم يعلموكم أكثر مما تعلمتم منا. ولو أنهم علموكم في المسيح تعليماً أوفي وأحسن من تعليمنا، أو أنفع من تعليمنا، أو قبلتم على يدهم من مواهب الروح القدس، مواهب أفضل من التي قبلتموها على يدنا، أو لو أنهم شرحوا لكم الإنجيل شرحاً أوضح من شرحنا، لحق لكم أن تفضلوهم علينا، وأن تحتملوهم في تعظيمهم أنفسهم علينا وإستغلالهم لكم مادياً. ولكن لا أرى شيئاً من ذلك. وانتم لم تروا منهم سوي كلمات إدعاء وكبرياء، بل إن تعاليمهم مغشوشة ومشوشة.

 

آية 5 : - لاني احسب اني لم انقص شيئا عن فائقي الرسل.

في هذه الآية كما في أيات أخرى يحاول الرسول أن يدعم مركزه وأحقيته في الخدمة كرسول للمسيح، ويبين أنه لا ينقص شيئاً عن الرسل وخاصة عن هؤلاء المعتبرين أعمدة = فائقي الرسل = ويقصد بطرس ويعقوب ويوحنا، فهؤلاء ليسوا بأكثر أثراً في الكرازة من بولس الرسول. لذلك فعلى أهل كورنثوس أن لا يرفضوا رسالته وكرازته.

 

آية 6 : - وان كنت عاميا في الكلام فلست في العلم بل نحن في كل شيء ظاهرون لكم بين الجميع.

الرسل الكذبة إتهموا بولس بأنه لا يجيد الخطابة مثل الخطباء اليونانيين وبولس يقبل هذه التهمة أنه عامي في الكلام = فربما كان بولس ليس خطيباً مفوهاً يملك موهبة الخطابة، أو هو كان لا يفضل إستخدام هذا الأسلوب في الوعظ، ويفضل إستخدام اللغة البسيطة في محبة. وهو يعني أنه وإن كان غير فصيح لكنه من ناحية أخرى ليس عامياً في المعرفة والعلم = في كل شيء ظاهرون = إنكم لمستم ما أقوله سواء في تعاليمنا أو أعمالنا، فهذه كلها كانت ظاهرة واضحة وليس فيها خفاء. وهذا يعني ضمناً أن الرسول يريد أن يقول أن الرسل الكذبة وإن كان لهم فصاحة في الكلام، إلاّ أنها مظاهر جوفاء.

 

آية 7 : - ام اخطات خطية اذ اذللت نفسي كي ترتفعوا انتم لاني بشرتكم مجانا بانجيل الله.

أذللت نفسي = 1) بمحبته وسلوكه بوداعة بينهم 2) لم يطلب منهم أي مطالب مادية يعيش بها، بل عمل خياماً (أي في صناعة الخيام) ليعيش. وهم حولوا حتى هذا إلى مصدر تحقير لهُ = لأني بشرتكم مجاناً = فالرسل الكذبة قالوا أنه اقل من باقي الرسل الذين تلتزم الكنائس بنفقاتهم. إن بعض الناس لا يقدرون ما يأخذونه مجاناً. والرسول يقول أنه أذل نفسه ليرتفعوا هم، فشابه بهذا المسيح (يرتفعوا أي يؤمنوا فصاروا أولاد الله) فهل يا ترى أنا أخطأت بعملي هذا، أي تواضعي وإنكاري لذاتي. ولاحظ أنه في تلك الأيام كان الخطباء اليونانيون عرضة للشك إذا لم يطلبوا أجراً. وربما كان بولس لا يطلب أجراً حتى يكون حراً في مقاومة المخطئين منهم.

 

آيات 8، 9 : - سلبت كنائس اخرى اخذا اجرة لاجل خدمتكم واذ كنت حاضرا عندكم واحتجت لم اثقل على احد. لان احتياجي سده الاخوة الذين اتوا من مكدونية وفي كل شيء حفظت نفسي غير ثقيل عليكم وساحفظها

و من أجل ألا أثقل عليكم كنت استكمل حاجات الجسد الضرورية من كنائس أخرى مثل كنيسة فيلبى (في 4 : 15، 16). وذلك لأجل نَفَعكم الروحي. وفي هذا تلميح أنه قبل من أهل فيلبى إذ أصلحوا أنفسهم، وقد يقبل من أهل كورنثوس إن أصلحوا أنفسهم هم أيضاً.

 

آية 10 : - حق المسيح في ان هذا الافتخار لا يسد عني في اقاليم اخائية.

هذا الإفتخار لا يُسد عنى = لا أحد سوف يمنعني عن هذا الإفتخار. حق المسيح في = أنا لدىَّ الحقيقة التي أعطاها لي المسيح. وأنا ثابت في الحق الذي هو ليس خارجاً عنى، بل هو ساكن فيَّ لأن المسيح فيَّ، والمسيح هو الحق. ومعنى الآية أنني سوف أستمر في إعلان الحق الذي فيَّ في كل إخائية، ولن يمنعني أحد بأن أفتخر بأنني أقدم هذه الخدمة مجاناً، حتى لا أثقل على أحد.

 

آية 11 : - لماذا الاني لا احبكم الله يعلم.

أرجو ألا تفهموا عدم قبولي المساعدة منكم على أنه نقص في محبتي لكم.

 

آية 12 : - ولكن ما افعله سافعله لاقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن ايضا في ما يفتخرون به.

هذه الآية لها تفسيران : -

الأول : - هؤلاء الرسل الكذبة يُعَلَّمون ولكنهم يستغلونكم جداً، فلو أخذت منكم سيقولون، وماذا عملناه من خطاً فنحن نأخذ مثل بولس، وأنا أريد أن أقطع عليهم الطريق فلا أكون مثلهم، أنا أريد أن تصل إليكم كلمة الله وبلا أجر.

الثاني : - الرسل الكذبة كانوا لا يأخذون أجراً، وكانوا يريدون أن يتفاخروا على بولس ويتهمونه بالمادية والطمع إذا أخذ أجراً، فقطع بولس عليهم الطريق. ويبدو أن التفسير الأول هو الأقرب للصحة لأنه في آية 20 يشير لأن هؤلاء المعلمين الكذبة يأكلونهم أي يستغلونهم، ويستعبدونهم.

 

آية 13 : - لان مثل هؤلاء هم رسل كذبة فعلة ماكرون مغيرون شكلهم الى شبه رسل المسيح.

هؤلاء ليسوا رُسُلاً حقيقيون بل يتكلمون بالغش والخداع والكذب ويعملون بالمكر والدهاء فيظهرون كما لو كانوا رُسُلاً حقيقيون. هؤلاء يستغلوا كل فرصة للتشكيك في رسولية بولس الرسول ليشوهوا الحق.

 

 

آية 14 :- ولا عجب لان الشيطان نفسه يغير شكله الى شبه ملاك نور.

الإنسان من السهل عليه أن يغير شكله، ويتظاهر، بل أن الشيطان هكذا أيضاً يستطيع أن يغير شكله

 

آية 15 :- فليس عظيما ان كان خدامه ايضا يغيرون شكلهم كخدام للبر الذين نهايتهم تكون حسب اعمالهم.

إن كان إبليس يغير شكله فخدامه يصنعون هكذا أيضاً ويظهرون كخدام للبر = وخدمة البر تقال عن خدمة العهد الجديد في مقابل خدمة الدينونة التي تقال عن خدمة العهد القديم. حسب اعمالهم = نهاية الرسل الكذبة ستكون باطلة كما أن أعمالهم كانت باطلة

 

آية 16 :- اقول ايضا لا يظن احد اني غبي والا فاقبلوني ولو كغبي لافتخر انا ايضا قليلا.

من يفتخر بنفسه يكون غبياً وأنتم ألزمتموني أن أسلك هكذا. فبولس يحاول إثبات صدق رسوليته ففي هذا إثبات لصدق تعاليمه.

 

آية 17 :- الذي اتكلم به لست اتكلم به بحسب الرب بل كانه في غباوة في جسارة الافتخار هذه.

كأنه في غباوة = كما يحسبها الناس إذا تكلم أحد عن نفسه، ولكن بولس هنا يتكلم كوضع استثنائي. وفى هذا فهو يقطع الطريق على الرسل الكذبة حتى لا يفتخروا هم أيضاً بأنفسهم. لست أتكلم بحسب الرب = أي الرب لا يريدنا أن نفتخر بأنفسنا أو بما نعمله، ولكن فلنلاحظ أن بولس وهو فى دائرة الروح ووحي الروح القدس يتكلم بهدف إثبات صدق رسوليته وبالتالي تعاليمه وذلك ليخلص على كل حال قوماً. والروح القدس يعطى دروس بما قاله بولس، فمما قاله يتعلم الخدام إلى أي مدى عليهم أن يتحملوا صليب الخدمة.

 

آية 18 :- بما ان كثيرين يفتخرون حسب الجسد افتخر انا ايضا.

يفتخرون حسب الجسد = أي يفتخرون بالبنوة الجسدية لإبراهيم أو بالختان كعلامة في الجسد إثباتاً لأنهم من شعب الله، أو بأعمالهم الجسدية.

 

آية 19 :- فانكم بسرور تحتملون الاغبياء اذ انتم عقلاء.

هذا كلام مملوء بالمرارة منهم وفيه تهكم = إذ أنتم عقلاء = والمعنى أنا سأفتخر وأنتم سوف تحتملون هذا الفخر لأنكم وأنتم عقلاء يجب أن تحتملوا غباوة الأغبياء، أي تحتملوا افتخاري الذي هو فى نظركم غباوة، كما إحتملتم هؤلاء الرسل الكذبة إذ إفتخروا بأنفسهم ونادوا بضرورة التهود والختان... الخ

 

آية 20 :- لأنكم تحتملون ان كان احد يستعبدكم ان كان احد ياكلكم ان كان احد ياخذكم ان كان احد يرتفع ان كان احد يضربكم على وجوهكم.

عليكم أن تحتملوا غباوتي (آية 19) كما تحتملون المعاملة السيئة من الذي يستعبدكم = بان يعيدكم لأحكام الناموس الذي تحررتم منه. والذي يأكلكم أي يستغلكم مادياً بطلباته الكثيرة والذي يأخذكم = أي يسلب ما لديكم من أموال إغتصاباً أو بالعنف. والذي يرتفع = أي يضع نفسه كسيد لكم ويتفاخر عليكم ببنوته الجسدية لإبراهيم ويمدح نفسه لأنه من شعب الله المختار الذين لهم المواعيد والعهود. والذي يضربكم على وجوهكم = المعنى المجازى يعنى يذلكم ويهينكم فاليهود يعتبرون الأمم كلاب. وقد تعنى الضرب فعلاً بإدعاء الغيرة الإلهية على حق الله.

 

آية 21 :- على سبيل الهوان اقول كيف اننا كنا ضعفاء ولكن الذي يجترئ فيه احد اقول في غباوة انا ايضا اجترئ فيه.

على سبيل الهوان = TO OUR SHAME. إنه من المخجل أن أتكلم عن ضعفاتي، ولكن احتملوني على إفتراض أن الضعف الذي يعيرونني به هو أمر حقيقي، فأنا لم أستغلكم ولا أهنتكم، ولا مارست سلطاني ضدكم مثلهم، بل كنت كمن هو ضعيف بينكم. ومع ذلك فما يستطيعون أن يفتخروا به أستطيع أن أفتخر أنا أيضاً بمثله، فأنا لست أقل منهم، أنتم ألزمتموني أن أفتخر. ولكننا نجد الرسول هنا يفتخر بضعفاته هذه، فهم بل العالم كله يفتخر بالقوة والمراكز، أما أولاد الله صاروا يفتخرون بالآلام التي يحتملونها لأجل المسيح (أع 5 : 41). ولذلك نفهم قوله على سبيل الهوان أقول = أنه سيتكلم عن ضعفاته التي يعتبرها العالم شيئاً مخجلاً مهيناً، لكن الرسول يفتخر بها فهي شركة في صليب المسيح. العالم يظن أن ضعف أولاد الله علامة تخلى الله عنهم، أما أولاد الله فيفتخرون بهذا الضعف فهو شركة صليب مع المسيح ومن ثم فهو شركة مجد معه. لذلك نسمع بولس الرسول في (2كو 12 : 9، 10) يعلن إفتخاره بالضعفات

 

آية 22 :- اهم عبرانيون فانا ايضا اهم اسرائليون فانا ايضا اهم نسل ابراهيم فانا ايضا.

عبرانيون = يتكلمون العبرانية، وبولس كان يتكلم العبرانية مع أنه مولود في طرسوس. اسرائيليون = من شعب الله المختار، مختونون في اليوم الثامن.

 

آية 23 :- اهم خدام المسيح اقول كمختل العقل فانا افضل في الاتعاب اكثر في الضربات اوفر في السجون اكثر في الميتات مرارا كثيرة.

كمختل العقل = من يفتخر بنفسه ويعتبر نفسه أفضل من الباقين يكون هكذا فبولس لا يحب أن يعمل هذا ولكنه ملزم لإثبات صدق رسوليته. هم ألزموه.

في الأتعاب = كثير الترحال من بلد إلى بلد. في الميتات = كان من شدة الضرب يصل لدرجة الموت تقريباً. ولكن الله كان يقيمه.

 

آية 24 :- من اليهود خمس مرات قبلت اربعين جلدة الا واحدة.

أقصى عقوبة للجلد 40 جلدة، واليهود لأنهم خافوا أن تزداد عن 40 فيكسروا الناموس لو أخطأوا العد، كانوا ينقصونها لتصبح 39 جلدة.

 

آية 25 :- ثلاث مرات ضربت بالعصي مرة رجمت ثلاث مرات انكسرت بي السفينة ليلا ونهارا قضيت في العمق.

ليلاً ونهاراً = أي قضى يوماً كاملاً في المياه وحفظه الله. في العمق أي متعلقاً بألواح السفينة الغارقة. هذه الأتعاب تعنى كرازة الرسول المستمرة

 

آية 26 :- باسفار مرارا كثيرة باخطار سيول باخطار لصوص باخطار من جنسي باخطار من الامم باخطار في المدينة باخطار في البرية باخطار في البحر باخطار من اخوة كذبة.

سفر أعمال الرسل مملوء من الأهوال التي لاقاها الرسول على يد اليهود والوثنيين، وكيف كان اليهود والإخوة الكذبة يحركون الوثنيون ضده. بأسفار= للكرازة. لصوص = كان قطاع الطرق منتشرون في كل مكان. من جنسي = أي اليهود الذين إعتبروه كأخطر مرتد ودبروا مؤامرات لقتله. في المدينة = فقد حدثت فتن ضده في أورشليم وأفسس ودمشق

 

آية 27 :- في تعب وكد في اسهار مرارا كثيرة في جوع وعطش في اصوام مرارا كثيرة في برد وعري.

في جوع وعطش = خلال أسفاره. أسهار = كان يصلى ويعظ فيها

 

آية 28 :- عدا ما هو دون ذلك التراكم علي كل يوم الاهتمام بجميع الكنائس.

بجانب أتعابه كان عليه الإهتمام بكل الكنائس التي بشرها من الجانب الروحي والعقيدي والسلوكي.

 

آية 29 :- من يضعف وانا لا اضعف من يعثر وانا لا التهب.

وأنا لا أضعف = هو شعور بشرى حينما يسمع عن ضعفات الآخرين ولكن الله سريعاً ما يعوضه بقوة من عنده. هو شعور فيه تذبل نفس الخادم إشفاقاً على من ضَعُفَ وخشية عليه. فالخادم الحقيقي يشارك وجدانياً من يضعف ويسقط، وإن تألموا يتألم لألامهم. من يعثر = يرتد عن الطريق الصحيح وأنا لا ألتهب = أشعر كأن اللهيب إندلع في صدري. هنا نرى متاعب الخادم الحقيقي.

 

آية 30 :- ان كان يجب الافتخار فسافتخر بامور ضعفي.

ما إعتبره الناس ضعفاً وحقارة تسبب الخجل، أي الألام والتجارب التي وقعت عليه وقاسى منها، وهذه لم يحتمل مثلها الرسل الكذبة. هذه الضعفات أظهرت عمل الله فيه بالرغم من ضعفه، وهذا يدل على سمو فضله وكونه رسولاً حقيقياً، إذ أن الله يعمل فيه وليس بقوته الخاصة. ولاحظ أنه يفتخر بآلامه ولم يفتخر بالمعجزات التي صنعها ولا بمواهبه.

 

آية 31 :- الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي هو مبارك الى الابد يعلم اني لست اكذب.

هنا يثبت كلامه الماضي والآتي بأن يشهد الله الآب أنه لا يكذب ليصدقوه.

 

أية 32، 33 :- في دمشق والي الحارث الملك كان يحرس مدينة الدمشقيين يريد ان يمسكني. فتدليت من طاقة في زنبيل من السور ونجوت من يديه

راجع (أع 9 : 9 – 25). ونجد هنا تطبيق لما قاله في آية 30 أنه يفتخر بأمور ضعفه، فها هو يهرب في سل من على السور، ولم يكن له قوة إعجازية يواجه بها جنود الحارث، ولكن تظهر هنا عناية الله التي أنقذته، فالله يريده أن يكرز ويبشر. والرسول يضع هذه الحادثة هنا في آخر سلسلة ألامه، إذ هي أول إضطهاد وقع ضده. والحارث هو ملك البتراء العربية. وكان هيرودس أنتيباس متزوجاً من إبنة الحارث وتركها ليخلو له الجو مع هيروديا، فحاربه الحارث وهزمه سنة 36 م في حرب دُمِّرَ فيها جيش هيرودس. وإنتهز الحارث فرصة صداقته مع كاليجولا الإمبراطور الروماني ليضم دمشق إلى ولايته. وأقام الحارث على دمشق والياً من قبله، وهذا الوالى عَلِمَ أن اليهود كانوا يريدون القبض على بولس فأراد الوالي أن يقبض هو عليه ليرضيهم، لكن بولس الرسول هرب منه في سلٍ من على السور.


 

الإصحاح الثانى عشر

آية 1 :- انه لا يوافقني ان افتخر فاني اتي الى مناظر الرب واعلاناته.

الرسول تحدث عن ألامه قبل الإعلانات والرؤى = مناظر الرب التي رآها. فإن الإعلانات لا تزكيه، إنما تزكيه أتعاب المحبة، وهو يتحدث عن هذه الرؤى لكي يخجل مقاوميه ويثبت صدق رسوليته فيخلص المؤمنين من الكذبة الذين يدعون رسوليتهم مشككين في رسولية بولس. لا يوافقني أن أفتخر = إنه لا يريحني أن أفعل ذلك وأتكلم عن نفسي

 

آية 2 :- اعرف انسانا في المسيح قبل اربع عشرة سنة افي الجسد لست اعلم ام خارج الجسد لست اعلم الله يعلم اختطف هذا الى السماء الثالثة.

أعرف إنساناً = هو يتكلم عن نفسه وبروح الإتضاع يقول أعرف إنساناً قبل أربعة عشر سنة = إذاً هو كتم الرؤيا طيلة هذه المدة إلى أن إضطرته الظروف. أفي الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم = كان الرسول في حالة علاقة شديدة وفى إتحاد قوى مع المسيح. إن الرسول إذن لم يعرف الكيفية التي تم بها هذا الإختطاف، أي كيف كانت علاقة روحه بجسده عندما تم هذا الإختطاف. فهل كانت روحه في جسده، أم كانت خارجة عن جسده. على أن عبارات الرسول تكشف أيضاً علي أنه من الممكن أن يحدث الإختطاف أيضاً بالجسد. وربما لو خطفت الروح فقط لكان الجسد في حالة غيبوبة

0 والإنسان هو روح وجسد. والجسد يشتهى ضد الروح.. (غل 5 : 17)

0 والإنسان حر أن يسلك وراء شهوات جسده ضد صوت الروح القدس ودعوته فيتحول إلى إنسان حسداني حيواني ومثل هذا نهايته الموت. أو أن يسلك وراء صوت الروح القدس فيتحول إلى إنسان روحاني نهايته الحياة الأبديه

0 ويوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني.. (1كو 15 : 44)

0 أم لستم تعلمون أن من إلتصق بزانية هو جسد واحد.. وأما من إلتصق بالرب فهو روح واحد... (1كو 6 : 16، 17)

0 فالإنسان المؤمن حر في أن يرتقى السلم الروحي، مستجيباً للروح القدس، وبهذا يصير روح واحد مع الرب. يصير الإنسان كأنه روح بلا جسد، هذا ما يسميه الرسول جسم روحاني. أو أن ينحدر الإنسان وراء شهواته وينقاد إلى الزنى وبهذا يصبح جسد واحد مع زانية. يصير هذا الإنسان كأنه جسد بلا روح، وهذا ما يسميه الرسول بالجسم الحيواني.

0 والإرتقاء على السلم الروحاني درجات، فكلما مات الجسد عن العالم ارتفعت الدرجة الروحية، وكلما ارتفعت الدرجة الروحية، صار الوعي الروحي والإدراك الروحي على درجة أعلى. ويبدو أن هذا ما يقصده الرسول يوحنا اللاهوتي حين وضع أمامنا درجتين الأولى أسماها كنت في الروح (رؤ 1 : 10) وبهذه الدرجة أستلم الرسائل السبع من السيد المسيح. والثانية أسماها صرت في الروح (رؤ 4 : 2) وفى هذه الدرجة رأى يوحنا عرش الله.

0 وفى درجة من هذه الدرجات العالية رأى بولس السماء الثالثة.

0 الإنسان الروحاني يفنى جسده ويضرم الروح الذي فيه (1كو9 :27 +2تى1:6)

0 والإنسان الحيواني يطفئ الروح الذي فيه سائراً وراء شهواته (1تس 5 : 19)

السماء الثالثة = فالسماء الأولى هي سماء السحب والعصافير. والسماء الثانية هي سماء الكواكب. والسماء الثالثة هي الفردوس أي السماء الروحية. وهناك من قال أن السماء الأولى هي السماء في المعنى الطبيعي لهذه الكلمة والسماء الثانية هي السماء في المعنى الديني الذي يقابل الحياة الأرضية. وأن السماء الثالثة هي الفردوس حيث تنتظر أرواح المنتقلين في فرح. وفي هذه السماء الثالثة يكشف الله مجده وإليها قد إختطف بولس الرسول. ولكن مجد الله الذي يظهر لهم هو مجد نسبى أقل كثيراً من المجد الأبدي. والله قد إختطف بولس الرسول للفردوس حتى لا يشعر أنه أقل من الرسل الذين رأوا المسيح بالجسد وهو على الأرض قبل صعوده.

 

آية 3 :- واعرف هذا الانسان افي الجسد ام خارج الجسد لست اعلم الله يعلم.

هذه الآية تكرار للسابقة. ولكن قوله أعرف يشير لأنه يتكلم عن نفسه.

 

آية 4 :- انه اختطف الى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لانسان ان يتكلم بها.

الفردوس = هي كلمة فارسية تعنى حديقة إستخدمت لجنة عدن في السبعينية. وفى المسيحية هي المكان الذي يستعيد فيه المسيحي أفراح جنة عدن بعد الموت. وفى هذه الآية أسماه الفردوس وسبق أن اسماه السماء الثالثة في آية 2. والفردوس الأرضي حيث عاش آدم وحواء كان رمزاً لسعادة السماء حيث ما لم تره عين ولم تسمع به أذن.. وفى الفردوس تنتظر الأرواح حتى يوم القيامة العامة، الفردوس هو مسكن الأرواح المطوبة المؤقت إلى أن تلبس الأرواح الأجساد الممجدة وتدخل أورشليم السماوية في المجد النهائي يوم القيامة العامة بعد المجيء الثانى.

كلمات لا ينطق بها = كلمات لا تستطيع أن تعبر عنها لغة بشرية ولا يفهمها ذهن بشرى. فاللغة البشرية عاجزة عن أن تُعَبَّرْ عن السماويات والذهن غير قادر على الفهم. لا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها = فهي كلمات مقدسة، وحالتنا الآن ونحن في جسد الخطية لا تسمح لنا بأن ننطق بها، وهى خاصة بعلاقة النفس مع الله، وهذه علاقة خاصة لا يسوغ أن نتكلم بها.

 

آية 5 :- من جهة هذا افتخر ولكن من جهة نفسي لا افتخر الا بضعفاتي.

من جهة هذا أفتخر = أنا أفتخر ليس بنفسي ولكن بما أنعم الله به علىَّ. أمّا من جهة نفسي لا أفتخر إلا بضعفاتى = فبولس لا يفتخر بالإنسان العادى الطبيعي. ولكنه يفتخر بالإنسان الذي هو في المسيح. ويفتخر بضعفاته لأنه في ضعفه يظهر عمل الله وهو يريد أن يفتخر بالله.

 

آية 6 :- فاني ان اردت ان افتخر لا اكون غبيا لاني أقول الحق ولكني أتحاشى لئلا يظن احد من جهتي فوق ما يراني أو يسمع مني.

إن أردت أن أفتخر فسأجد ما أفتخر به من نجاح للخدمة إلى معجزات وصلت لإقامة ميت، بل حسبه الناس في عدة أماكن إلهاً كما حدث في لسترة ومالطة. فهو ليس مخطئاً لو أفتخر = لا أكون غبياً. ولكنه لا يفضل هذا الأسلوب، لأنه يعرف أن النجاح هو من عند الله، وحتى لا ينظر إليه أحد أكثر مما ينظر هو إلى نفسه، أنه أداة ضعيفة في يد الله القادر.

لأني أقول الحق = أي أن الأعمال والمعجزات التي قام بها قد حدثت فعلاً ولكن كان هذا نتيجة لعمل الله في، والرسول لا يريد أن يفهم أحد أن الأعمال هي أعماله هو. بل هي أعمال الله. إذاً هو صمت حتى لا يعظمه أحد. وتكلم حتى لا يحطم أحد عمله الرسولي.

 

آية 7 :- ولئلا ارتفع بفرط الاعلانات اعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا ارتفع.

ترتبط كثرة الإعلانات بالضيق حتى لا يسقط الرسول في الكبرياء. إذن الضيقات هنا تعتبر حارس لهُ حتى لا يغتر بنفسه وربما هذه الشوكة كانت :-

1) ضعف في بصره، فكان لا يكتب رسائله بنفسه بل يمليها (رو 16 : 22 + غل 4 : 15 + غل 6 : 11). وفى بعض الأحيان يكتب السلام بيده في آخر الرسالة (2تس 3 : 17)

2) قروح في جسده (أع 19 : 11، 12 + غل 4 : 14).

3) ربما هي الاضطهادات المستمرة التي أثارها ضده الشيطان في كل مكان.

ونرى أن بولس أسلم زاني كورنثوس للشيطان (1كو 5 : 5) وبولس نفسه سمح الله للشيطان أن يلطمه. بهذا نفهم فائدتين للتجارب :-

1) التنقية من خطية معينة... كما في حالة زانى كورنثوس وحالة أيوب

2) الحماية من السقوط.... كما في حالة بولس

ليلطمنى = وردت في صيغة المضارع إشارة إلى أن عملية اللطم كانت تحدث على الدوام ولاحظ أن الرسول أشار إلى الرؤيا التي رآها ولكنه لم يدخل في تفاصيلها، بل في تواضعه لم يقل رأيت ولكن قال أعرف إنساناً. وسريعاً ما تحول للشوكة التي في جسده ولم يطيل الحديث عن المناظر والإعلانات.

 

آية 8 :- من جهة هذا تضرعت الى الرب ثلاث مرات ان يفارقني.

الله لا يستجيب لما نطلبه مباشرة، بل لما هو فيه الخير لنا، فقد نطلب ما هو ضد خيرنا، كما طلب بولس هنا. حقاً كل ما نطلبه في الصلاة مؤمنين نناله (مر 11 : 24) ولكن علينا أن نضع بجانب هذه الآية آية أخرى هي " إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا " (1يو 5 : 14) فشفاء بولس كان ضد مشيئة الله، لأن شفاءه لن يساعده على خلاص نفسه، لذلك لم يستجب له الله. ولذلك سمعنا قول الكتاب " والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم (لو 9 : 11). فهناك مرضى محتاجون للشفاء، لأن الشفاء سيكون الوسيلة التي بها يرجعون إلى الله ويعرفونه فيخلصوا، وهناك مرضى محتاجين للمرض ليتنقوا مثل أيوب، فيخلصوا، وهناك مرضى محتاجين للمرض حتى لا يسقطوا مثل بولس إذاً لنصلى من أجل المرضى ليشفيهم الله، ولكن إن لم يعطى الرب الشفاء فليس معنى هذا أن الله لم يستجيب لنا، بل أن هذا المرض يكون لصالح المريض. وإن أراد الرب أن يأخذ المريض بعد صلواتنا وأصوامنا، فليس معنى هذا أن الله لم يستجيب، بل سيستجيب بأن يُنَيِحْ نفسه في الفردوس ويعطينا روح الصبر والعزاء. ونلاحظ أن بولس كانوا يأخذون المناديل والمآزر من على جسده فتشفى الأمراض، لكن لم يستطع هو أن يشفى نفسه، بل لم يستطع أيضاً أن يشفى بعض تلاميذه المرضى مثل تروفيموس (2تى 4 : 20) وأبفرودتس (فى 2 : 27) والرب يسوع نفسه صلى لكي ترفع عنه الكأس. ولكن لنتعلم الصلاة النموذجية من الرب يسوع إذ قال " ولكن لتكن لا بحسب مشيئتي بل بحسب مشيئتك " إذاً لنصلى من القلب " لتكن مشيئتك ". والله يحقق دائماً طلباتنا بشروط :

1)     أن تكون الطلبة مفيدة لنا ولنلاحظ أن معرفتنا ضئيلة جداً.

2)     أن تكون لمجد إسمه. وليس كل شفاء فيه فائدة لنا كما رأينا، وليس كل شفاء فيه مجد إسم الله.

3)     أن تكون الطلبة بإيمان

 

 

 

آية 9 :- فقال لي تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح.

نعمة الله تبدو أكثر فيمن يشعر بضعفه وبحاجته إلى هذه النعمة، لذلك فبولس يفتخر بضعفاته لتحل فيه قوة المسيح وتعمل في خدمته وكرازته. الله يعمل فيمن يشعر أنه وحده عاجز عن أن يخدم. وهذا هو معنى أن قوة الله تكمل في ضعف البشر، أي تستطيع أن تعمل في الإنسان الذي يشعر بضعفه. ولذلك فالله لم يرفع الشوكة عن بولس الرسول لكنه زاده نعمة وطلب منه الإحتمال. ولنلاحظ أن القوة البشرية والحكمة البشرية يفسدان عمل الله.

أمثلة :-

1)  المسيح على الصليب كان في وضع ضعف شديد. وتصور أنه أتى بملائكة أنزلوه من على الصليب وقتلوا اليهود والرومان.. ماذا كان سيحدث ؟ ببساطة كانت قصة الفداء قد فشلت. ولكننا رأينا مبدأ جديد على الصليب. قوة الله الجبارة تعمل خلال ضعف المسيح الشديد وتهزم إبليس والموت وتخلص البشر.

2)  تصور أن بولس الرسول كانت له قوة جسدية جبارة، وحين يهاجمه اليهود كان يضربهم وينتقم منهم. هل كان كل هؤلاء المؤمنين آمنوا على يديه، أم كانوا قد حسبوه إنساناً قوياً جباراً وكانوا قد نفروا منه وإبتعدوا عنه.

3)  القديسة دميانة في عذاباتها ثم في شفائها كانت سبباً في إيمان المئات بل وإستشهادهم، هل لو كان للقديسة دميانة قوة أماتت الوالي فور أن ابتدأت ألامها. هل كان كل هؤلاء قد آمنوا.

إن الله له خطة حكيمة ولو تدخلت بحكمتي أو بقوتي سأفسد خطة الله. بل أن الإنسان القوى سيغتر بقوته ويتكبر فيحرم من قوة الله وعمله. تَصَّور معي رسام يستخدم فرشاة ليرسم بها لوحة. ما هو الوضع الأمثل للفرشاة ؟ قطعاً أنها لا يكون لها رأى، بل حينما يضعها الرسام في اللون الأحمر تتلون بهذا اللون وهكذا. ولكن تصور أن الرسام حينما أتى ليضع الفرشاة في اللون الأحمر إستدارت من نفسها وتلونت باللون الأخضر، حسب رأيها !! إنها بهذا ستفسد اللوحة. ولهذا فبولس يفتخر بضعفه فهو يعلم أنه بقدر ما هو ضعيف ولا يتدخل فى خطة الله بقدر ما تنجح خطة الله وينجح عمل الله.

 

آية 10 :- لذلك اسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لاجل المسيح لاني حينما انا ضعيف فحينئذ انا قوي.

حينما شعر الرسول بضعفه وإحتياجه لقوة المسيح، أعطاه المسيح قوة، بل كان الرسول يشعر بلذة حين يحس بالضعفات والضيقات العظيمة التي تقابله في الخدمة، فالضيقات تقابله من الخارج ولكن في الداخل يشعر بقوة عظيمة. هو كان في ضيقاته يُسر لأنه اصبح يعرف ان الله لا بد وسيعمل.

 

آية 11 :- قد صرت غبيا وانا افتخر انتم الزمتموني لانه كان ينبغي ان امدح منكم اذ لم انقص شيئا عن فائقي الرسل وان كنت لست شيئا.

وبهذا الإفتخار صرت غبياً في نظركم، وأنا نفسي لا أحب أن أفتخر بشيء إلاّ بضعفاتى، لكنكم ألزمتموني. وكان يجب عليكم أن تقدروني ولا تلزموني بأن أفتخر، خصوصاً بعد أن خدمتكم كل هذه الخدمة، كل هذه المدة، وبعد أن تغيرتم من وثنيين خطاة إلى قديسين لهم مواهب. وبهذا فأنا لست أقل من سائر الرسل. إن كنت لست شيئاً = أنا لست شيئاً بدون المسيح.

 

آية 12 :- ان علامات الرسول صنعت بينكم في كل صبر بايات وعجائب وقوات.

إن جميع الأدلة والبراهين التي تحتاجون إليها كي تثقوا أن الذي يكلمكم وقد علمكم هو رسول كباقي الرسل، كل هذه الأدلة قد تمت لي بينكم. فخدمتي كانت بعجائب وقوات تدل على أحقيتي في الرسولية. ولاحظ أنه قال ُصنِعَتْ ولم يقل صنعتها فالله صنعها به. في صبر = يتكلم هنا عن إحتماله كل ألام الخدمة

 

آية 13 :- لانه ما هو الذي نقصتم عن سائر الكنائس الا اني انا لم اثقل عليكم سامحوني بهذا الظلم.

لأنه ما هو ذلك الشيء الذي قبلتموه أنتم أقل من الكنائس الأخرى، إلاّ أن يكون ذلك الشيء هو أنى لم أحاول أن أثقل عليكم باحتياجاتي ومطالبي المادية، فإذا كنتم تعتبروني قد ظلمتكم بهذا فسامحوني. وهذه الآية فيها تأنيب شديد لهم.

 

آية 14 :- هوذا المرة الثالثة انا مستعد ان اتي اليكم ولا اثقل عليكم لاني لست اطلب ما هو لكم بل اياكم لانه لا ينبغي ان الاولاد يذخرون للوالدين بل الوالدون للاولاد.

سآتي إليكم محتفظاً بمبدئي، أنه لا أثقل عليكم، فأنتم كأولادي لا أريد سوى خلاص

نفوسكم. ولا أنتظر منكم نفعاً مادياً.

 

 

آية 15 :- واما انا فبكل سرور انفق وانفق لاجل انفسكم وان كنت كلما احبكم اكثر احب اقل.

بل أنا مستعد أن أُنْفِقْ ما لدىَّ من أموال عليكم، بل أنا على إستعداد أن أُنْفَقْ = وهذه تعنى إستعداده أن يضحى بحياته ويبذل ذاته حتى الموت لأجلهم ولأجل خلاص نفوسهم. ومع كل هذه المحبة لم يقابل أهل كورنثوس الرسول إلاّ بفتور. إذن على الخادم أن لا يتوقع الكثير من مخدوميه، لكن مع ذلك عليه أن يبذل نفسه عنهم، فالرسول هنا نجده مستعد أن يُنْفِقْ وأن يُنْفَقْ لأجلهم وهو يعلم نقص محبتهم لهُ.

 

آية 16 :- فيلكن انا لم اثقل عليكم لكن اذ كنت محتالا اخذتكم بمكر.

فليكن = ليكن ما يكون من أقوال المعلمين الكذبة عنى، فأنا لم أثقل على أحد، ولكن بمكر = المعلمين الكذبة قالوا أنه إجتذبهم بمكر، فليكن فأنا لم أجتذبكم إلىَّ ولم أثقل عليكم بل إجتذبتكم للمسيح.

 

آية 17 :- هل طمعت فيكم باحد من الذين ارسلتهم اليكم.

هل طمع فيكم أحد ممن أرسلتهم إليكم، أو طلبوا هم لأجلى أموالاً.

 

آية 18 :- طلبت الى تيطس وارسلت معه الاخ هل طمع فيكم تيطس اما سلكنا بذات الروح الواحد اما بذات الخطوات الواحدة.

هل سلب تيطس أو الأخ المرسل معه أموالكم لحسابه أو لحسابي.

 

آية 19 :- اتظنون ايضا اننا نحتج لكم امام الله في المسيح نتكلم ولكن الكل ايها الاحباء لاجل بنيانكم.

وأنا إذ كنت أتكلم لكم على هذا النحو فلست أقصد بكلماتي أن أحتج لديكم أي أحاول أن أبرر نفسي أمامكم وألتمس الأعذار. فليس لديكم ما تحكمون به عليَّ. أمام الله في المسيح نتكلم = فأنا أتكلم أمام الله، والله شاهد علىَّ، وأنا مسوق وملهم من السيد الرب المسيح. وكل كلامي لنفعكم = لأجل بنيانكم

 

آية 20 :- لاني اخاف اذا جئت ان لا اجدكم كما اريد واوجد منكم كما لا تريدون ان توجد خصومات ومحاسدات وسخطات وتحزبات ومذمات ونميمات وتكبرات وتشويشات.

أنا أكتب لكم هذا لأني أخشى عندما أجئ أن لا أراكم كما أرجو. وكما كنت أنتظر منكم كأولاد مؤمنين لهم حياة توبة وقد أصلحوا أمورهم. بل يجد في وسطهم خصومات ومحاسدات.. وتكبرات = من يأخذه روح الغرور والفخر وأوجد منكم كما لا تريدون = أي أكون مضطراُ أن أوبخ وأعاقب.

 

آية 21 :- ان يذلني الهي عندكم اذا جئت ايضا وانوح على كثيرين من الذين اخطاوا من قبل ولم يتوبوا عن النجاسة والزنى والعهارة التي فعلوها

 أن يذلني = الرسول كأب لهم ولدهم في الإيمان سيشعر بمذلة لو وَجَدَ أنهم يسلكون في خطايا سبق وذكرها، إذ بهذا ستكون خدمته بلا نفع وبلا ثمر، فخطايا الأولاد تسبب عاراً لأبيهم. أخطأوا من قبل = في خطايا زنى ووثنية ونجاسة إن الخادم حينما يشعر أن أولاده في حالة روحية متأخرة يشعر بذل، والعكس فهو يفرح بقوة أولاده الروحية فهو كأب لهم (غل 4 : 19) يريد أن يفتخر بهم.


 

الإصحاح الثالث عشر

 

آية 1 : - هذه المرة الثالثة اتي اليكم على فم شاهدين وثلاثة تقوم كل كلمة.

هذه لها عدة تفسيرات. وفي (تث 19 : 15) يلزم وجود أكثر من شاهد عند القضاء.

1 – سآتي إليكم هذه المرة الثالثة لتتأكد الكلمة وتثبت. وتكون زياراتي الثلاث لكم كشهود ثلاث ضدكم.

2 – قد يكون الشاهدين هم رسالتيه الأولى والثانية. والشاهد الثالث هو زيارته القادمة لهم. والرأي الثالث هو الأقرب للصحة.

3 – حين يذهب الرسول في زيارته الثالثة فهو سيذهب لمحاكمتهم، والمحاكمة تحتاج لشهود. وبولس سيعاقب الخطاة بشهادة شاهدين أو ثلاثة بحسب الشريعة ولن يحكم عليهم وحده دون شهود. وربما الشاهدان هما تيموثاوس وسوستانيس.

 

آية 2 : - قد سبقت فقلت واسبق فاقول كما وانا حاضر المرة الثانية وانا غائب الان اكتب للذين اخطاوا من قبل ولجميع الباقين اني اذا جئت ايضا لا اشفق.

و لقد سبقت في رحلتي الثانية أنى قلت ما أقوله الآن قبل رحلتي الثالثة إليكم، فأوجه كلامي للذين قد أدينوا كخطاة في رحلتي السابقة، وكذلك أوجه كلامي للباقين الذين يخطئون وأقول أنني عندما أجئ إليكم للمرة الثالثة أنى سوف أتكلم وأعاملكم بشدة لكل من يخطئ ولن أشفق. هنا نرى أهمية وجود عقوبات كَنَسِّيْة للخطاة.

 

آية 3 : - إذ انتم تطلبون برهان المسيح المتكلم في الذي ليس ضعيفا لكم بل قوي فيكم.

هم يقولون له بأي صفة وبأي سلطان تحاكمنا ؟ وكان رد بولس أنه : -

1 – من المسيح المتكلم فيَّ= فمن يقاوم بولس يقاوم المسيح الذي فيه.

2 – الذي ليس ضعيفاً لكم = لقد سبقوا ورأوا عقوبته للزاني، هم رأوا قوته في كرازته وأعماله وعقوبته للخطاة، كل هذا أظهر قوة المسيح الذي في بولس.

3 – بل قوي فيكم = القوة لم تظهر في بولس فقط، بل ظهرت فيهم، فلقد تغيروا تغييراً كاملاً وصاروا قديسين لهم مواهب بعد إيمانهم وذلك بتعاليم بولس. فهل بعد كل ذلك يكون بولس ضعيف وبلا سلطان.

 

آية 4 : - لانه وان كان قد صلب من ضعف لكنه حي بقوة الله فنحن ايضا ضعفاء فيه لكننا سنحيا معه بقوة الله من جهتكم.

ولو أن المسيح إتخذ صورة بشرية وصُلِبَ ومات في صورة ضعف، إلاّ أنه كان في منتهى القوة. كان حي بقوة لاهوته، بل حتى عندما كان في القبر كان لاهوته متحداً بناسوته. هو حي بطبيعته فهو الله نفسه الظاهر في الجسد، بل هو مصدر الحياة. بل صار الصليب علامة قوة مرعبة للشياطين. إذن لا تحكموا حسب المظاهر، فنحن في صورة ضعف كمسيحنا = ضعفاء فيه = ما حدث للمسيح يحدث لنا فنحن نظهر في ضعف وسط العالم الذي يضطهدنا ونحيا كغرباء فى هذا العالم، لكننا بالمسيح الذي فينا أقوياء بفضل قوة الله العاملة فينا. نحن مصلوبين مع مسيحنا لا نستعمل قوة جسدية، مضطهدين من العالم، العالم يرفضنا لأنه يرفض المسيح. لكن ما جرى على المسيح سيجرى علينا، وكما تمجد المسيح سنتمجد نحن أيضاً. من جهتكم = أنتم ترونني في مظهر ضعف وجسمي ضعيف، لكن قوة المسيح التي فيَّ ستظهر ضدكم وأعاقبكم، سأستعمل سلطاني الرسولى من نحوكم.

 

آية 5 : - جربوا انفسكم هل انتم في الايمان امتحنوا انفسكم ام لستم تعرفون انفسكم ان يسوع المسيح هو فيكم ان لم تكونوا مرفوضين.

جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان = هذا السؤال لابد أن يشغل بال كل منا. هل المسيح فينا أم لا وهذا يدل عليه أننا ثابتين في الإيمان واثقين في مسيحنا، بلا خوف. وقبل أن نضع الناس في الميزان فلنضع أنفسنا نحن في الميزان ومن يجد نفسه ذو إيمان مهتز فليطلب مثل الرجل الذي قال للمسيح " أعن عدم إيماني ". والرسول يريد أن يقول لهم.. بدلاً من أن تمتحنوننا وتُجربوننا امتحنوا أنفسكم وجربوا ذواتكم، هل أنتم في الإيمان، وإذا كنتم تسلكون في الإيمان، فإن المسيح يوجد فيكم، فإذا لم يكن المسيح يسكن فيكم فأنتم لستم في الإيمان بل خارجاً عنه مرفوضين من المسيح تبعاً لذلك. والرسول يقصد هنا الإيمان العملي، فالمؤمن لا يخاف " لا أخاف شراً لأنك معي " والمؤمن لا يشك، والمؤمن يضع ثقته في الله مفضلاً المر الذي يختاره الله عن الشهد الذي يختاره لنفسه، أي يحيا حياة التسليم الكامل. وهو يحيا شجاعاً مثل الشهداء. وهناك علامات أخرى

1)     شهادة الروح في داخلنا أننا أبناء

2)     ثمار الروح في الخارج التي يراها ويلمسها الناس

ومعنى كلام بولس أنه إذا كان المسيح فيكم ولكم ثمار ومواهب، فمن الذي عرفكم المسيح ؟ ألست أنا. أليس هذا إثباتاً لصدق رسوليتى. إن صدق رسوليتى تجدوه داخلكم. وإن كان المسيح فيكم، فكم بالأكثر يكون في معلمكم.

 

آية 6 :- لكنني ارجو انكم ستعرفون اننا نحن لسنا مرفوضين.

حينما سأستعمل سلطاني الرسولى ستتأكدون أنني لست مرفوضاً. بل حينما ستجدون المسيح فيكم ستتأكدون أنني لست مرفوضاً.

 

آية 7 :- واصلي الى الله انكم لا تعملون شيئا رديا ليس لكي نظهر نحن مزكين بل لكي تصنعوا انتم حسنا ونكون نحن كأننا مرفوضون.

هنا نرى قلب الرسول المملوء محبة لأبنائه فهو غير مهتم بإظهار سلطانه الرسولى

في العقاب = لكي نظهر نحن مزكين = إذ لنا سلطان. بل أن يكونوا هم

 قديسين لا يعملون شيئاً ردياً بل أن تصنعوا حسناً = فلا يحتاجوا لتأديب يظهر فيه سلطان بولس، بل يود بولس أن يظهر كمرفوض وبلا سلطان على أن يكونوا هم قديسين. هنا يظهر أن بولس لا يهتم بأن تسلب حقوقه كرسول بقدر ما يطمئن على نفوس رعيته.

 

آية 8 :- لاننا لا نستطيع شيئا ضد الحق بل لاجل الحق.

أي أنه لو سلكتم بالحق فلن أستطيع أن أعمل شيئاً ضدكم. فسلطاني الرسولى هو لعقاب من هو ضد الحق. بل لأجل الحق = ما نعمله المهم فيه هو إظهار الحق.

 

آية 9 :- لاننا نفرح حينما نكون نحن ضعفاء وانتم تكونون اقوياء وهذا ايضا نطلبه كمالكم.

نفرح حينما نكون نحن ضعفاء = نظهر كضعفاء بدون سلطان واضح بالإضافة لإحتمال ألام الكرازة = إن هذا يفرحني أن لا تكون هناك فرصة لإظهار سلطاني بسبب قداستكم. أنتم تكونون أقوياء = فالقوة الروحية تصاحب حياة التائب والخادم الحقيقي يطلب كمال أولاده = هذا نطلبه كما لكم

 

آية 10 :- لذلك اكتب بهذا وانا غائب لكي لا استعمل جزما وانا حاضر حسب السلطان الذي أعطاني اياه الرب للبنيان لا للهدم.

ومن أجل هذا فأنى أكتفي بهذه الأمور إليكم وأنا غائب عنكم حتى تتعظوا بها، وحتى لا أكون مضطراً عندما أجئ إليكم أن أستعمل سلطاني الرسولى في معاقبتكم، وهذا السلطان الذي أخذناه من الله لم نأخذه من أجل الهدم وإظهار القوة بل من أجل بنيانكم الروحي وتكميلكم في حياة الإيمان.

 

آية 11 :- اخيرا ايها الاخوة افرحوا اكملوا تعزوا اهتموا اهتماما واحدا عيشوا بالسلام واله المحبة والسلام سيكون معكم.

إفرحوا = الفرح الروحي المقدس سمة لحياة الإيمان. ولاحظ ان الإنتصار في التجربة ليس هو الخروج منها، بل في أن تستمر في حاله فرح أثناءها. لذلك فلنفرح حتى لو كنا في مرض أو سجن، فنحن في يد الله أينما كنا. لذلك نسمع بولس الرسول يدعو للفرح حتى وهو في السجن (في 4 : 4).

إكملوا = الرسول يطلب منهم ومنا أن نسعى ونعمل للنمو في طريق الكمال الروحي. فالحياة الروحية هي حياة تقدم ونمو وتدرج من مرتبة إلى مرتبة أعلى منها وهكذا إلى مالا نهاية... " كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل "

تعزوا = نحن في عالم ضيقات، والضيقات تحاصرنا من كل جانب لكن علينا أن نطلب الإمتلاء من الروح القدس المعزى ليعزينا وسط ضيقاتنا

إهتموا إهتماماً واحداً = الرسول يهتم بأن يكون للكنيسة الفكر الواحد (في 2 : 2) فنكون كأسرة واحدة متحابة بلا إنشقاق ولا إنقسام ولا تحزب ولا خصام

عيشوا بالسلام = كرسوا حياتكم لأجل سلام الكل. ومن يعيش بالسلام يكون الله معه = سيكون معكم. ومن يعيشوا في إنشقاقات وخصام لن يكون الله معهم

 

آية 12 :- سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة.

الرسول يحثهم على أن يكون بينهم ود ومحبة وسلام بلا رياء. ومن هنا فإن الكنيسة وضعت في بداية القداس " قبلوا بعضكم بعضاً " فلا عبادة مقبولة دون أن نكون في سلام ومحبة. قبلة مقدسة = بلا خداع ولا فساد

 

آية 13 :- يسلم عليكم جميع القديسين.

جميع القديسين = أي مؤمني مكدونية (فليبي وتسالونيكى)

 

آية 14 :- نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم امين

هنا نرى البركة الرسولية الختامية والتي صارت هي البركة التي يبارك الكاهن الشعب بها بعد إختتام كل قداس أو إجتماع. ونلاحظ أن نعمة المسيح التي ظهرت في صليبه جعلتنا نتعرف على محبة الله الآب وبالتالي نكون في شركة مع باقي المؤمنين، هذه الشركة يعطيها الروح القدس.

نحن بدون المسيح ما كنا قادرين على أن نحظى بمحبة الآب، وبإتحادنا بالمسيح الإبن صرنا أبناء بالتبعية تنسكب فينا محبة الآب التي كانت تنسكب في الإبن المحبوب (أف 1 : 6). والروح القدس هو روح المحبة الذي يسكب هذه المحبة في قلوب كل المؤمنين (رو 5 : 5). وبالتالي يشترك كل المؤمنين في محبة واحدة لله ولبعضهم البعض. وهناك أيضاً شركة بين المؤمنين وبين الروح القدس في المواهب والعطايا، بل الروح القدس صار يشترك مع المؤمنين في كل عمل صالح " أوشية المسافرين.. إشترك يا رب مع عبيدك في كل عمل صالح ". الله الثالوث هو مصدر كل نعمة وحب وشركة لنا

 

الصفحة الرئيسية