رسالة غلاطية
كنيسة السيدة العذراء بالفجالة
غل1:1: ” بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الاموات ”.
من أول آية يؤكد بولس أن إرساليته من الله حتى يثبت صدق تعاليمه عن الخلاص بالإيمان بدون أعمال الناموس. وبولس يؤكد عل صدق إرساليته ليس عن إفتخار بل لأنه لو ثبت أن الله أرسله وهو يتكلم به وفيه فكلامه صدق وبذلك يثبت كذب تعاليم الإخوة الكذبة.
لا من الناس: يقصد بالناس البشرية كلها، فهو لم يُدعى بفكر إنسان، فلو إن رسالته من الناس لكانت تحتمل الخطأ. لكن دعوته سمائية، إذاً هى لا تحتمل الخطأ.
ولا بإنسان: لم يكن هناك وسيط فى دعوته، ولا حتى أرسله الإثنى عشر لأن الإثنى عشر ظلوا على عوايدهم وكانوا يصلون فى الهيكل (أع46:2، 1:3). بل نرى أن بولس يقول إن المسيح يحيا فيه، وبه يحيا ويكرز ويتكلم (غل20:2 + 2كو20:5) بل أنه لم يعد له فكر شخصى (1كو16:2) فالمسيح الذى فيه يلقنه ما يقول وما يفعل وما يعلم به. بولس فهم أن المسيحية هى أن يموت عن العالم فيحيا المسيح فيه. ومع كل هذا نرى دور الكنيسة فى إرسالية شاول، فهو اعتمد على يد حنانيا وعلّمه حنانيا الأوليات (أع6:9، 18،7) ثم وضعوا عليه اليد ثانية لينال نعمة الكهنوت والرسولية (أع2:13، 3). فمع أن الله هو الذى أفرزه وعلّمه، فلقد احتاج بولس للكهنوت الذى فى الكنيسة، فالله هو الذى وضع نظام الكهنوت فى الكنيسة، ولذلك هو لا يخالفه.
بل بيسوع المسيح والله الآب: فى (أع2:13) نرى أن الذى قال إفرزوا لى شاول هو الروح القدس، وهنا نرى أن الذى دعاه هما الابن والآب. ولاحظ أنه ذكر الابن قبل الآب. وفى (غل3:1) نجده يضع الآب قبل الابن، وهكذا فى (مت19:28). والذى قابله فى الطريق إلى دمشق كان المسيح. من كل هذا نرى وحدانية الثالوث والمساواة بين الأقانيم، ونلاحظ أنه لم يقل بيسوع المسيح والله، فهذا يعنى أن يسوع المسيح ليس هو الله. ولكن نفهم من قوله بيسوع المسيح والله الآب الوحدة بين الآب والإبن. فمشيئة الآب هى مشيئة الابن. ولماذا يذكر الرسول الآب؟ لأن الآب أرسل الرسول ليشهد للمسيح ويبشر به. والله الآب دعا بولس الرسول بواسطة ابنه الذى ظهر له فى الطريق . فالله الآب يدعو لخدمة المسيح والتعرف عليه.
الذى أقامه من الأموات: هذه الكلمات تشير لعمل المسيح معنا، فالمسيح حين مات متنا معه فى المعمودية فتبرأنا من الخطية، وحينما قام قمنا معه فى قيامته فصرنا أولادًا لله الآب فى المسيح. بولس هنا يشهد أن المسيح الذى أرسله هو الذى رآه فى طريقه إلى دمشق قائمًا من بين الأموات. هو يركز هنا على هذه القيامة التى صرنا بها أبناء لله الآب. هذا هو التبرير الذى ليس من الناموس. ولأن هذه الرسالة هدفها إثبات التبرير بالنعمة وليس بأعمال الناموس، هذه النعمة حصلنا عليها بالقيامة من الأموات، قيامة المسيح، وبالإيمان والمعمودية صرنا نقوم مع المسيح. لذلك فمن أول آية فى الرسالة يشير للقيامة من الأموات التى حصل بواسطتها التبرير. فالرسول يدخل فى الموضوع من الآية الأولى .
غل2:1: ” وجميع الاخوة الذين معي إلى كنائس غلاطية ”.
بولس فى غضبه قال إلى كنائس غلاطية دون أن يصفهم بالأحباء أو بالقديسين كما تعود فى باقى رسائله، بل وبلا أى كلمة مديح. جميع الأخوة: هو ذكر جميع الإخوة هنا ليشير أن جميعهم متفقين معه فى الإيمان الذى يكرز به.
غل3:1: ” نعمة لكم وسلام من الله الآب ومن ربنا يسوع المسيح ”.
الرسول يعطيهم البركة الرسولية ويطلب لهم ملء النعمة كقوة صادرة من المسيح لكل من يؤمن، وهذه النعمة تحفظ المؤمن من الهرطقات. ويطلب لهم السلام الذى يحفظهم من الإنزعاج والتشويش الذى يثيره الإخوة الكذبة. وهم بإرتدادهم عن النعمة يفقدون السلام مع الله. فمن له النعمة يكون له السلام. وسلام الإنسان مع الله علامة على رفع حالة الغضب الإلهى عن الإنسان كمتعد على الله. والنعمة هى عطية الله المجانية، ومن يريد أن يعود للناموس يسقط من النعمة (غل21:2 +4:5). من الله الآب ومن ربنا يسوع: فالله الآب أكمل لنا نعمة الخلاص بالمسيح الابن. الآب يريد لنا الخلاص، والابن يحوّل هذه الإرادة إلى عمل.
وغل4:1: ” الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا”.
هنا بولس يذكر أهل غلاطية بأن خطاياهم غُفرت بالفداء وليس بالختان أو أعمال الناموس، وراجع ما قاله فى (غل21:2 + 4:5) فهو مكمل لهذه الآية.
وهذه الآية حين تأتى بعد آية 3 نفهم من هذا أن موت المسيح ليغفر خطايانا كان هو السبب فى حصولنا على النعمة والسلام.
لينقذنا من الحاضر الشرير: هذا نفس ما قاله السيد المسيح " لست أسأل أن تأخذهم من العالم يل أن تحفظهم من الشرير... أيها الآب إحفظهم فى إسمك" (يو11:17، 15) ونلاحظ أن العالم نفسه ليس شرًا ولكن المشكلة فى الاستخدام الخاطئ للعالم، فالأشجار ليست شرًا، ولكن الشر فيمن أخذ خشب الأشجار وصنع منها تماثيل ليعبدها. فالعالم إذًا ليس شرًا ينبغى علينا أن نتركه، لكن الرسول يطلب من الله أن ينقذنا من المبادئ الفاسدة والأفعال الآثمة التى فى العالم. نحن قد غُفرت خطايانا بالمعمودية ولكننا نظل نعيش فى العالم معرضين لحروب وخداعات ولا غنى لنا عن معونة المسيح حتى لا نهلك (2كو3:11+ أف12:6 + 1يو19:5) والله فى محبته لا يطفئ فتيلة مدخنة، فهو يدرك أولاده بنعمته ليحفظهم، وإن تهاونوا كأهل غلاطية يرسل لهم خدامه الأمناء مثل بولس الرسول، وإذا أصر المؤمن على أن يبتعد عن الله قد يسمح الله بتجربة تعيده إلى صوابه (كما فعل مع الابن الضال إذ سمح له بمجاعة)، ولو فشلت كل هذه الوسائل يترك الله الإنسان لمصيره.
حسب إرادة الله وأبينا: فالله يريد أن الجميع يخلصون (1تى4:2) لذلك دبر الفداء، وبالفداء حصلنا على البنوة التى لم نكتسبها بالناموس، فلماذا العودة للناموس. الله وأبينا: هذه تعنى الله الذى هو أيضاً أبينا.
غل5:1 : ” الذي له المجد الى ابد الابدين. آمين” .
بولس إذ تحدث وشعر بعمل المسيح لأجله يسبحه بهذه التسبحة.
غل6:1: ” إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعًا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر”.
فى الآيات (6ـ9) نجد الرسول يشير إلى موضوع رسالته دون أى كلمة مديح لهم، بل بدأ بتقريعهم مباشرةً وذلك يعبر عن انزعاجه وغضبه (غل20:4).
تنتقلون: استخدمت هذه الكلمة فى نقل المواريث. وكان هذا ممنوعًا فى العهد القديم، فالله صاحب الأرض، وهو أعطاها لهم كأمانة، فليس من حقهم بيعها والمعنى الروحى أننا لنا نصيب فى ميراث السماء وعلينا ألاّ نبيعه بشهوة أو لذة خاطئة فهذا ثمن رخيص. وتعنى أيضًا ألاّ نغيّر ما ورثناه من عقائد. أسلمها الله للكنيسة. عن الذى دعاكم: الذى دعاهم هو الله الآب نفسه، وبهذا فهم يتحولون عن الله نفسه (1كو9:1 + غل 16،15:1).
بنعمة المسيح: نعمة المسيح هى قوة، فكيف ارتد الذين دعاهم الله ولهم هذه النعمة؟! أولاً لأنهم استهانوا بما حصلوا عليه ولم يتمسكوا به وذلك تحت إغراء الحية فى شخص الإخوة الكذبة، فتسرب سم الحية من أفواه الإخوة الكذبة إليهم. ولكن نجد المسيح لا يترك أولاده فهو بنعمته أرسل لهم بولس الرسول بهذه الرسالة. والمسيح بنعمته قادر أن يستعيد لهم نور الروح القدس المنطفئ فى قلوبهم ليعيدهم إلى حظيرة النعمة. ومن يتمسك بالنعمة التى فيه ويقاوم صوت العدو لا تقدر قوة فى الدنيا أن تزعزعه.
إلى إنجيل آخر: أى بشارة أخرى أو تعليم آخر.
غل7:1: ” ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح ”.
ليس هو آخر: هم انتقلوا من بشارة النعمة المجانية إلى بشارة لها الخلفية المسيحية ولكن عمادها الختان وعوائد الناموس، وهذه ألغاها إنجيل المسيح. ونلاحظ أن لفظ "آخر" فى آية 6 فى اليونانية مختلف عن آية 7 ففى آية 6 "آخر" تعنى من نوع مختلف تمامًا (مثل إنجيل المسيح وناموس موسى)، أما فى آية 7 "آخر" تعنى إنجيل ثان قد يكون من نفس النوع أو المضمون (مثل إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا مثلاً). وبهذا يقصد الرسول بولس أنهم تحوّلوا إلى إنجيل آخر مختلف فى المضمون. لأن الناموس يلغى النعمة. وبالتالى فهم تحوّلوا إلى لا شئ، أى لا إنجيل بالمرة. ونلاحظ أن كل ما دعا إليه الإخوة الكذبة هو الإحتفاظ بالختان والسبت، وهذا سبب كل هذا الغضب لبولس وأسمى بشارتهم إنجيل آخر، فماذا عن الطوائف التى تغيّر أساسات التعليم المسيحى، إن من يسمح بأقل إنحراف عما تسلمناه يفتح الباب لأكبر إنحراف. يزعجونكم: يريدون تغيير الإنجيل بالقوة أو بالحيلة أو التشكيك.
غل8:1: ” ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما”.
أناثيما: باطل أو محروم. وفى الحروب اليهودية كانوا يقتلون من حَرَمَه الله ويحرقون كل ماله. إذًا أناثيما تعنى ملعونًا وخاسرًا لحياته الأبدية. وفى (رؤ18:22، 19) من يزيد أو ينقص كلمات الله يصير محرومًا بهذا المعنى. وبشارة الإخوة الكذبة باطلة وتؤدى إلى حرمان المؤمنين وسقوطهم من نعمة المسيح التى دُعوا إليها.
نحن أو ملاك: هم قالوا إن بطرس ويعقوب أى الإثنى عشر يقولون بعكس ما تقول... فقال ولو حتى ”ملاك من السماء” قال بعكس ما أقوله فليكن محرومًا فما أقوله هو ما تسلمته من الرب مباشرة، والرب هو خالق الملائكة. وقوله ملاك من السماء تمييزًا عن كهنة الكنائس الذين يسمون ملائكة أيضًا (راجع سفر الرؤيا ص 3،2،1). بولس يريد هنا أن يقول بنوع من المبالغة إنه حتى لو ملاك من السماء قال غير ما قلته، وليس فقط الإثنى عشر، فليكن محرومًا. فليس المهم مَنْ الذى يبشر بل نوع البشارة التى نسمعها. والمبالغة التى استخدمها هنا، استخدمها أيضًا فى (رو38:8). وبولس هنا لا يمجد نفسه فهو أدخل نفسه فى دائرة الحرمان لو علَّم بغير ما سبق وقاله لهم ويقوله لهم أيضًا فى هذه الرسالة .
غل9:1 : ” كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضًا إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما”.
التكرار للأهمية. ونلاحظ أن أى تغيير فى العقيدة يتسبب فى الحرمان .
غل10:1: ” أفأستعطف الآن الناس أم الله أم أطلب أن أرضي الناس فلو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح”.
يقصد بولس هنا أنه مسوق من الله ليقول هذا التعليم، وأيضًا هذا الكلام العنيف. هو ينفذ وصايا سيده ويرضيه، ولا يهتم إن كان هذا الكلام يرضيهم أم لا. بل ولا يهتم فى كلماته بأن يرضى الإخوة الكذبة أو يرضى اليهود حتى وإن صمموا على قتله وغالباً فقد روجَ الإخوة الكذبة إشاعة ضد بولس أنه يداهن البشر لأجل منفعته أو ليرضى جماعة ما. وبولس يرد هنا أنه لو كان يخدعهم لما استطاع أن يخدع الله، أما لو أراد أن يرضى الناس. لكان الأصلح له أن يبقى مع اليهود مضطهدًا للكنيسة، أو بعد أن صار مسيحيًا أن يرضى المتهودين، وبهذا يرضى اليهود أيضًا ويرضى الرومان الذين يعترفون باليهودية كدين رسمى فى الدولة. أما الآن فهو يعرض نفسه لغضب الرومان واليهود والمتهودين.
غل1: 12،11: ” وأعرّفكم أيها الاخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان. لأني لم أقبله من عند إنسان و لا عُلِّمته. بل بإعلان يسوع المسيح."
يبدأ هنا بولس الرسول فى سرد جزء من حياته الشخصية لنرى أنه استلم هذا الإنجيل من الله مباشرة. والإنجيل الذى استلمه يتلخص فى أن المؤمن يخلص بفداء المسيح بالنعمة وليس بأعمال الناموس. والله اختاره من بطن أمه خاصة لنشر هذا الإنجيل. وهو لم يستلم ما يعلّم به من الرسل، فالرسل مازالوا يمارسون الصلوات فى الهيكل ويمارسون الختان، بل أن يعقوب نصح بولس الرسول أن يحلق شعره...
غل13:1: ” فإنكم سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية إني كنت أضطهد كنيسة الله بافراط وأتلفها”.
هنا نرى بولس الرسول قبل أن تفعل فيه النعمة فعلها. واعتراف الرسول العلنى هنا يريد به إثبات عمل النعمة فيه.
غل14:1 : ” وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي”.
نرى هنا أن بولس الرسول يشير إلى أن تعمقه فى الديانة اليهودية أدى إلى وحشيته ضد كنيسة الله فلماذا يريدون الإرتداد لليهودية؟
ولكن هل اليهودية والتعمق فيها تقود للوحشية، كيف وهى ديانة إلهية؟!
هنا نلاحظ دقة تعبيرات بولس الرسول فهو يقول:
إذ كنت أوفر غيرة فى تقليدات أبائى: ومن هنا نفهم أن الدين اليهودى فى حد ذاته لا يؤدى للوحشية فهو من كلمات الله نفسه، وكلمات الله لا تؤدى للوحشية ولكن نرى أن ما قاده للوحشية:
1ـ تقليدات الآباء: فهو استلم الغيرة الجاهلة والتعصب المجنون من آبائه، وما أوصلهم لهذا هو البر الذاتى والأنا. فالمتعصب دائمًا يتعصب لنفسه وليس لله. والمتعصب يصل للتوحش.
2ـ الغيرة وهى التعصب المجنون دون فهم وهذا ما أسماه فى (رو2:10) أنها غيرة ليست حسب المعرفة. هذه هى التى أدت لهذه الوحشية. ولكن لو كان بولس تعمق فى اليهودية بتواضع لصاحبته نعمة الله ولصار مثل الاثنى عشر. ولكن الغيرة مع التعصب والكبرياء والذات تصل بالإنسان للضلال. وهذا هو الفارق بين سمعان الغيور (لو15:6) ويهوذا الجليلى (أع37:5). لذلك قال بولس الرسول: " حسنةٌ هى الغيرة فى الحسنى" (غل18:4). ونفهم أن بولس فى غيرته اليهودية ما كانت قوة فى الدنيا قادرة على إقناعه، وإنما إقناعه تم بنعمة إلهية وقوة فائقة. ولقد انتشله الله كشعلة منتشلة من النار (زك2:3) وجعلته النعمة خليقة جديدة (2كو17:5).
إذًا ما قاد بولس للوحشية ليست الديانة اليهودية بل تفسيرات وتعاليم آباء اليهود الخاطئة والتى شوهت الديانة اليهودية، وهذا ما هاجمه السيد المسيح أيضًا (مت1:15ـ9 + 16:23ـ22).
غل15:1: ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن امي ودعاني بنعمته.
أفرزنى: كلمة فريسى تعنى مفرزًا للناموس، فكانت مسرته السابقة أن يكون مفرزاً للناموس. ولكن مسرة الله دعته ليكون مُفرزًا للإنجيل. ولكى نفهم أن النعمة مجانية، نرى بولس يشرح هذا، بأن الله دعاه وهو مازال فى بطن أمه دون أن تكون له أعمال مثل التى يدعون للعودة إليها كالختان وأعمال الناموس.
الرسول يريد أن يقول: أنتم تقولون إن الخلاص بالختان وأعمال الناموس والله أفرزنى واختارنى بدونها وأنا مازلت فى بطن أمى. وبولس لم يخترع شيئاً جديداً إذ قال هذا. فأرمياء سبق وقال نفس الشىء( 5:1)
غل16:1: أن يعلن ابنه فىَّ لأبشر به بين الأمم، للوقت لم استشر لحمًا ودمًا.
دعوة بولس الرسول هى من الله (1كو1:9 + 8:15 + أع14:22، 18).
وحين آمن بولس وعرف المسيح، صار المسيح حياته، وصار له فكر المسيح، صار المسيح يحيا فيه (غل20:2+ فى21:1 + 1كو16:2). وبهذا كانت تعاليم بولس ليست من كتب وقراءات أو من مصادر خارجية بل من المسيح الذى يحيا فيه: يعلن ابنه فىَ لأبشر به: المسيح الذى فى بولس أنار عقله وقلبه فتكلم باختبار حى. المسيح هو كلمة الله، فحينما سكن الله فى بولس سكنت كلمة الله فيه. هو اختبر الابن متحدثًا فيه. هو لا يقدم شيئًا عن المسيح بل يقدم المسيح ذاته (غل1:3). لأبشر بين الأمم: فالله دعاه وأعطاه هذه الرؤيا لينفذ خطة معينة، وليتمم عملاً هو بشارة الأمم. والله يضع لكل منا خطة ويطلب منا عملاً معيناً خلقنا لأجله أف 10:2
لم أستشر لحماً ولا دمًا: لم أسأل الرسل الإثنى عشر، ولم أستشر حتى نفسى ورغائبى. فحتى لو كانت رغبتى ضد دعوة المسيح لما إستجبت لرغبتى. فيونان مثلاً تشاور مع نفسه ورفض دعوة الله. ونحن علينا أن ننفذ وصايا الله دون حتى أن نفكر أو نتشاور مع أنفسنا .
غل17:1: و لا صعدت الى اورشليم الى الرسل الذين قبلي بل انطلقت الى العربية ثم رجعت ايضا الى دمشق.
من إستلم إرسالبته من الله لا يحتاج أن يستشر أحداً وقوله هذا ليس فيه شبهة كبرياء. بل هو لتأكيد أن إرساليته من الله. ولو كان قد سأل الرسل لكان فى شك مما قاله له الله ويريد أن يتأكد . هو يقول هذا ليقطع الطريق على المعلمين الكذبة الذين يشككون فى صدق إرساليته.
انطلقت إلى العربية: العربية هى شرق بلاد الشام أى سوريا، فبعد ظهور الرب لبولس فى الطريق احتاج لمزيد من الوجود فى حضرة الرب لمراجعة الحياة برمتها، أى ما عرفه وتعلمه كيهودى من الكتاب المقدس وما استلمه حديثاً من الرب. والروح القدس كان يرشده. وهذه هى الخلوة المطلوبة لكل واحد منا، ولذلك يوصى بولس تلميذه تيموثاوس بالتعليم. فى هذه الخلوة وسط ضجيج العالم نسمع صوت الروح القدس يعلمنا ويكلمنا عن المسيح (يو14:16) وهذا لا يمكن سماع صوته إلاّ فى الهدوء، كما سمع إيليا صوت الله فى الهدوء (1مل12:19) وليس وسط الأسواق (نش2:3). إن ما نسمعه فى الخلوة الهادئة من صوت الروح القدس هو الذى ينطبع فى قلوبنا ويؤثر فينا فعلاً. مثال: لقد قرأنا مئات المرات قول الكتاب: " لا تخف" ونعرف عددها فى الكتاب وإنه 365 مرة بعدد أيام السنة، فهل فعلاً نحن لا نخاف؟! لكن إذا سمعنا صوت الروح فى الداخل خلال خلوتنا اليومية لانتزع الخوف من داخلنا ولشعرنا بسلام عجيب.
ذهب بولس للعربية ليتزود بالروح ويسمع صوت الروح، يعلّمه كنوزًا جددًا وعتقاء. قبل أن ينطلق للكرازة، محتملاً آلامًا فى سبيل الرب. وغالبًا فهو قد كرز هناك، وكانت كرازته عظيمة بدليل غضب الحارث والى دمشق عليه ولكنه لتواضعه لم يحكى لنا عن نجاحاته فى العربية.
ثم رجعت أيضاً إلى دمشق: وهناك كان الحارث الذى سمع بأخبار كرازته فنصب له كمينًا ليقتص منه ولكنه هرب من السور فى سلٍ (أع25:9ـ30 + 2كو32:11، 33).
غل18:1: ” ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يومًا”.
إذًا نفهم أن بولس قضى 3 سنوات يكرز بالمسيح دون أن يذهب للرسل فهو إذًا لم يستلم إرساليته منهم. لأتعرف: لا ليتعلم منه أو ليضيف شيئًا لإيمانه. بل هو أراد أن يتعرف ويتباحث مع من هو عمود الكنيسة، هذا الذى سمع عنه كثيرًا، فيتعزوا ويفرحوا معًا بعمل الله فى الكنيسة. وهو قد ذهب إلى بطرس فى محبة متحملاً مشقات السفر. إذًا نزاعه معه بعد ذلك لم يكن بدافع شخصى بل لحماية الإيمان. ولقد ترك بولس الرسول أورشليم بعد ذلك إثر رؤيا (أع17:22ـ21). فالله لا يريد له البقاء فى أورشليم بل أن ينطلق للأمم.
غل19:1: ” ولكنني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب”.
أخا الرب: من زوجة سابقة ليوسف أو ابن خالة أو ابن عم.
غل20:1: ” والذي أكتب به إليكم هوذا قدام الله إني لست أكذب فيه”.
هو يؤكد أقواله أمام الله حتى لا يتهمه أحد بالكذب. قدام الله: إن بولس دائمًا يشعر أنه فى حضرة الله (رو8:1، 9).
غل21:1 : و بعد ذلك جئت الى اقاليم سورية و كيليكية.
الله دعا بولس الرسول سنة 36م ثم قضى 3 سنوات فى العربية. ثم زار أورشليم سنة 38 م ولم يرى فيها سوى بطرس ويعقوب. ثم ذهب لسوريا وكيليكية فى شمال البحر المتوسط (شمال شرق)، وطرسوس هى عاصمة كيليكية .
غل22:1، 23: ولكنني كنت غير معروف بالوجه عند كنائس اليهودية التي في المسيح.
غير أنهم كانوا يسمعون أن الذي كان يضطهدنا قبلاً يبشر الآن بالايمان الذي كان قبلاً يتلفه.
بولس كان غيرمعروفًا بالوجه لكنهم كانوا يسمعون عنه، كيف أنه كان مضطهداً للمسيحية ثم تحوّل إلى كارز لها، لكنهم لم يعرفوه أو يسمعوه ككارز. هم أشاعوا عنه أنه علّم فى اليهودية بضرورة الختان، وهنا ينفى أنه علّم أصلاً فى اليهودية.. معنى كلامه هنا: من أين أتيتم بهذا الكلام وهذه الإشاعات .
غل24:1: فكانوا يمجدون الله في
لم يقل أعجبوا بىَ، بل مجدوا الله لعمله فىَّ، أى أعطوا المجد لله لأنه غيّر بولس كل هذا التغيير (ملحوظة: حينما نمجد الخادم نجعله ينتفخ. إذًا فلنمجد الله الذى يعمل فى الخادم). فى هذه الآيات يثبت بولس أنه لم يكن هناك عداء بينه وبين مسيحيى الختان فى كنائس أورشليم واليهودية.
غل1:2: ”ثم بعد أربع عشرة سنة صعدت أيضا إلى أورشليم مع برنابا آخذًا معي تيطس أيضًا”.
ثم بعد أربع عشرة سنة: غالبًا من تاريخ رؤياه وإيمانه بالمسيحية.
صعدت أيضاً إلى أورشليم: هذه الزيارة تقابل ما ورد فى أع 15 (مجمع أورشليم).
مجمع أورشليم:
كان بسبب الشرط الذى وضعه المتهودون بضرورة الالتزام بالناموس بالنسبة للأمم الداخلة للمسيحية كشرط للخلاص. ولقد صعد بولس وبرنابا لمشاورة الرسل فى الأمر وليكن هناك رأى واحد لكل الكنيسة. ونسمع قول بطرس فى المجمع عن الأمم " وطهر بالإيمان قلوبهم" (أع9:15). وبهذا نفهم أن الإيمان صار شرط الخلاص دون أعمال الناموس. والخلاص هو أن نصير خليقة جديدة (غل15:6) على شكل المسيح (غل19:4). والروح القدس هو الذى يعطى هذا التغيير فنصير خليقة جديدة. وهنا نقول:
1ـ قالت بعض الطوائف إن الله فى محبته سيخلص الجميع دون شرط الإيمان وهذا إلغاء لعمل المسيح، فلن نتطهر ونصبح خليقة جديدة دون إيمان. ويكفى أن نقول إن هناك عشرات الآيات التى تثبت أنه لا خلاص إلا بالإيمان ونذكر فقط آخر آية فى هذا الإصحاح " لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب" (غل21:2). وأهمية الإيمان هى أن الخلاص سيكون بأن يكون لى طبيعة جديدة، تموت فىَّ الطبيعة العتيقة وتقوم طبيعة جديدة، على شكل المسيح. فكيف يعمل فىَ الروح القدس كل هذا دون أن أصدق وأؤمن بعمل المسيح الفدائى، ودون أن أريد هذا، أن أموت مع المسيح وأقوم.
إن لم أؤمن بموت المسيح عنى فكيف أشتاق أن أموت معه، وإن لم أؤمن بقيامته فكيف أقوم معه. وإن لم أموت معه وأقوم معه فكيف تأتى لى الطبيعة الجديدة وإن لم تكن لى طبيعة جديدة فلا خلاص.
2ـ وهناك طوائف أخرى تركز على أن الخلاص هو الغفران بالدم. وكأن الخلاص اختُصر أمره على غفران الخطية بالدم. هذا خطأ، فالخلاص هو بأن المسيح يحيا فىَّ (غل20:2) وهذا لن يأتى إلا بأن أصلب نفسى، شهواتى وأهوائى (غل24:5) فحتى أقول إن المسيح يحيا فىَّ يجب أن أقول أيضًا " مع المسيح صلبت" وهذا هو الجهاد. فلا خلاص بدون جهاد.
الطبيعة الجديدة إذًا تأتى بعمل الروح القدس فىَ الذى سيظل يعمل فىَ العمر كله حتى تموت الطبيعة القديمة وتقوم الجديدة، على أن أجاهد أنا بأن أقف أمام الخطية كميت (كو5:3) والروح القدس يعين (رو13:8).
برنابا: هو زميل بولس فى كل زياراته لأورشليم. نال هو وبولس يمين الشركة لخدمة الأمم (أع2:13). وبرنابا كان من مواطنى قبرص (أع36:4) وكان زميلاً للرسل فى الأيام الأولى للكنيسة. وهو خال مرقس الرسول، أى أخو مريم صاحبة العلّية التى ظل الرسل يجتمعون فيها، وفيها صنع الرب العشاء الأخير. وبرنابا هذا صار أسقفًا لقبرص.
تيطس: يونانى أممى (غل3:2)، صار أسقفًا على كريت، وكتب له بولس رسالة. وكون تيطس غير المختون مع بولس فى مجمع أورشليم، وقبول التلاميذ له، فذلك علامة على قبول التلاميذ للأمم دون ختان. هنا الكنيسة جمعت بين برنابا اليهودى وتيطس الأممى، وجمعهم الروح القدس الذى طهر بالإيمان قلوبهم.
غل2:2: ” وإنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاُ”.
إعلان: هى دعوة إلهية خاصة لبولس أن يصعد إلى أورشليم، إلى الرسل الاثنى عشر عارضًا عليهم تعاليمه بعدم أهمية الختان والعوائد اليهودية وبولس يركز أنه صعد بإعلان وليس من تلقاء نفسه، فلو كان قد صعد من تلقاء نفسه لكان هذا يعنى أنه فى شك مما يعلم به طوال 14 سنة. ولكن أعلن له الروح أن يصعد حتى يتضح أمام الجميع أن بولس مع الاثنى عشر لهم روح واحدة وتعليم واحد وفكر واحد، بل أن صعود بولس للاثنى عشر شجع أهل غلاطية على أن يتخلوا عن العوائد اليهودية، خصوصًا حينما سمعوا عن نجاح مهمة بولس فى مجمع أورشليم. فأهل غلاطية حينما سمعوا أن هناك اتفاقًا بين بولس والاثنى عشر زال عنهم كل شك.
باطلاً: بولس واثق مما يبشر به. ولكن فى محبة هو يهتم بوحدة الرأى مع باقى الرسل حتى لا يعتبروه قد سعى باطلاً، أو يترك أهل غلاطية الإيمان إذ تشككوا فى صحة تعاليم بولس، فيكون سعى بولس باطلاً، إذا ترك تلاميذه الإيمان. فلقد انتشرت الإشاعة أن بولس ليس رسولاً قانونياً مثل الاثنى عشر. لكن بسبب المجمع ظهرت وحدانية الرأى، ولم يضع تلاميذ بولس. المعتبرين: وليس لبقية المؤمنين، لأن بقية المؤمنين هم متعصبين للتهود. ومازال إيمان هؤلاء من مسيحيى الختان ضعيفًا. ولذلك تشاور بولس مع المعتبرين فى السر.
غل3:2: ” لكن لم يضطر ولا تيطس الذي كان معي و هو يوناني أن يختتن”.
إذا كان مجمع أورشليم قد قبل أمميًا ولم يختنوه، فإن هذا أعظم تأييد لبولس. وهنا يظهر ثبات مبدأ بولس الرسول على عدم أهمية الختان للخلاص. ويبدو أن هناك تعارضًا بين موقف بولس الرسول هنا وموقفه من تيموثاوس الذى ختنه (أع1:16ـ3). ولكن هناك فروق فى الموقفين:
1ـ تيموثاوس أباه يونانى لكن أمه يهودية (2تى5:1). واليهود يعتبرون أن من أمه يهودية هو يهودى. وهذا أثار مسيحيى الختان أن أباه اليونانى رفض أن يتبع ناموس أمه اليهودية ويختن الصبى فى صغره.
2ـ تيموثاوس سيخدم وسط هؤلاء اليهود ويبشرهم، فلكى لا يعثر بولس الرسول الإخوة الضعفاء ختنه ليصير لليهود كيهودى، وهو ختنه ليرضيهم ويجتذبهم لكن لم يُعَلِم أن الختان ضرورة للخلاص.
3ـ تيطس يونانى أبًا وأمًا ومجال خدمته وسط الأمم فلماذا الختان، هنا لو قبل بولس أن يختنه لكان بذلك يرضى الإخوة الكذبة الذين يقولون إن الختان شرط للخلاص .
غل4:2: ” ولكن بسبب الاخوة الكذبة المدخلين خفية الذين دخلوا اختلاسًا ليتجسسوا حريتنا التي لنا في المسيح كي يستعبدونا”.
أى أن بولس صعد للتلاميذ الاثنى عشر بسبب الإخوة الكذبة الذين قالوا باختلاف تعاليم بولس عن تعاليم الاثنى عشر. فحين يظهر اتفاق بولس مع الأعمدة يخزى الإخوة الكذبة. وهذا ما حدث إذ أعطوه يمين الشركة (غل9:2+ أع 5:15، 7، 10). ولقد سمح التلاميذ الاثنى عشر بالختان. ولكن الإخوة الكذبة قالوا إن التلاميذ أوصوا بالختان كشرط للخلاص وهذا كذب. والرسل سمحوا بهذا وسط العالم اليهودى حيث كان الناموس متغلغلاً. ولكن الإخوة الكذبة أرادوا نشر هذا وسط العالم الأممى ولقد تأثر الغلاطيون فعلاً بتعاليمهم. وهناك فارق بين أن أوصى بشئ وأن أسمح به أو أقبل بشئ أو أغض الطرف عنه بسبب الضعف.
مدخلين خفية: أدخلهم اليهود أو المتهودين سراً دون دعوة ودون علانية.
ليتجسسوا: يتجسسوا تعاليم بولس التى ألغى فيها الختان، ثم يثيروا الدنيا ضده كهادم للناموس ومخالف لشريعة موسى.
كى يستعبدونا: أى لنعود إلى العوائد اليهودية وهذا فيه استعباد وطاعة للإخوة الكذبة عوضاً عن طاعة الإنجيل. حريتنا = هى حرية من عوائد الناموس كالختان والتطهيرات. وفى إصحاح (5) خاف الرسول أن يفهموا الحرية أنها تحرر من الأخلاقيات ووصايا الناموس الأخلاقية فنبه لهذا.
غل5:2: ” الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة ليبقى عندكم حق الانجيل”.
بالخضوع: إذًا هم لا يسعون للحوار بل لإخضاع بولس الرسول لأرائهم.
حق الإنجيل: الإيمان الصحيح المسلم مرة للقديسين (يه3) وهنا يقصد به بولس الرسول، أن الخلاص هو بفداء المسيح دون أعمال الناموس، وذلك للجميع، لكل من يؤمن، اليهود أو اليونانيين.
غل6:2: ” وأما المعتبرون أنهم شيء مهما كانوا لا فرق عندي. الله لا يأخذ بوجه إنسان فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا علي بشيء”.
هذا ليس كبرياء من بولس بل تأكيد على أن دعوته إلهية وتأكيد على رسوليته وأنه لا يشك فيما يعلِّم به، وأن الرسل لم يزيدوا على ما يؤمن به وما يكرز به شيئًا، بالإضافة إلى أن بولس مهتم بأن يظهر أنه لا يقل عن باقى الرسل (فالمسيح أرسله شخصيًا) وذلك ليرد على الإخوة الكذبة.
مهما كانوا: مهما كان عظم شأن التلاميذ لم يكونوا ليغيّروا شيئًا من عقيدتى. لأننى تسلمت عقيدتى هذه من المسيح. حقًا هم أعمدة ولهم علاقة خاصة بالمسيح، لكن إن علّموا بضرورة الختان للخلاص فسيعطون حسابًا أمام المسيح عن هذا الخطأ: فالله لا يأخذ بوجه إنسان: أى بمركزه.
غل7:2: ” بل بالعكس إذ رأوا إني اؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان”.
بل بالعكس: تشير للإيجابية المطلقة فى قبول التلاميذ لبولس.
اؤتمنت على إنجيل الغرلة: إنجيل الغرلة يعنى أن الخلاص لكل من يؤمن من الأمم حتى وهم فى غرلتهم أى بلا ختان.
انجيل الختان: هو البشارة بالخلاص لليهود الذين اختتنوا وهم صغار. والآية تشير لان الله هو الذى استأمن بولس على البشارة للأمم.
غل8:2: ” فإن الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل فيَّ أيضا للأمم”.
الله هو الذى يعمل فى كل خدامه ليدعو الكل للخلاص فهذه هى إرادته، أن الجميع يخلصون (1تى4:2)، فالمسيح أتى ليخلص الجميع يهودًا وأممًا.
غل9:2: ” إذ عَلِمَ بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأما هم فللختان”.
يتضح هنا التوافق الصريح بينهم، وأنهم قسموا العمل فيما بينهم. ووضع اسم يعقوب أولاً فلأنه أخو الرب.
غل10:2: ” غير أن نذكر الفقراء. و هذا عينه كنت اعتنيت أن أفعله”.
حتى فى موضوع الجمع للفقراء، كان بولس قد بدأه حتى بدون أن يشير بهذا الاثنى عشر، أى أن توجيه الله له هو نفسه ما وجه به الله الاثنى عشر. ونلاحظ أنهم قسموا الكرازة فيما بينهم، ولكن المحبة والتعاون لا ينقسم، فعلى الأمم أن يساعدوا الختان والعكس صحيح. وهذه الآية تشير لوحدة الكنيسة. ولقد حدثت مجاعة من قبل فى أورشليم وجمع بولس الرسول تبرعات كنائس الأمم وأعطاها لفقراء أورشليم، وهذا قد فتح قلب مسيحيى الختان على الأمم.
غل11:2: ” ولكن لما أتى بطرس إلى إنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملومًا”.
ربما كان ذهاب بطرس الرسول إلى إنطاكية بعد أن أخرجه الملاك من السجن، إذ يقول الكتاب " وذهب إلى موضع آخر" (أع17:12)، وهناك رأى آخر هو مصر ثم عاد منها إلى إنطاكية.
غل12:2: ” لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفًا من الذين هم من الختان”.
وقد يقصد بالأكل، التناول من جسد الرب ودمه أو الطعام العادى. وكان بطرس لما ذهب الى إنطاكية قد عمّد الأمم وتناول معهم (سواء من سر الإفخارستيا أو الطعام العادى). وسمع بهذا مسيحيى الختان فذهبوا ليعقوب مستائين، لأن اليهود كانوا لا يأكلون مع الأمم لأنهم يعتبرون هذا نجاسة، ويعقوب أرسل بعثة لتحرى الأمر إرضاءً لهولاء. وأمام هؤلاء من أفراد بعثة يعقوب افرز بطرس نفسه وأكل مع الختان فقط. ربما لأجل خوفه منهم أو لئلا يتعثروا وتتعطل الكرازة. ويقول فم الذهب إنه فعل هذا عامدًا ليعطى بولس فرصة أن يعلن رأيه بوضوح ويكون هذا درسا للجميع، وكأنه يأخذ الدرس معهم. وحين يُلام بطرس أمام الجميع يسكت الجميع، ولا يحدث شر فى الكنيسة إذ يشعر الأمم باحتقار الختان لهم فها هو بولس الذى من الختان ينتصر لهم ويدافع عنهم. وكان هذا بحكمة من بطرس حتى لا يتعثر الختان حين يرون بطرس يترك الناموس فجأة. وراجع صفحة 5 فى المقدمة عن الخلاف بين بطرس وبولس.
غل13:2: ” وراءى معه باقي اليهود أيضًا حتى أن برنابا أيضًا انقاد إلى ريائهم”.
راءى: سلك سلوكًا يرضى به الآخرين عن غير إقتناع منه. وبولس حزن بسبب هذا التصرف لأنه سيعثر الأمم وبالذات الذين آمنوا على يدى برنابا، وقوله راءى فهذا لأن برنابا مقتنع بقبول الأمم وهو الذى بشرهم.
غل14:2: ” لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل قلت لبطرس قدام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميًا لا يهوديًا فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا”.
حق الانجيل: المقصود به التعليم الصحيح والإيمان الصحيح الذى تسلمته الكنيسة من المسيح ورسله. وهنا هو خلاص الأمم بالإيمان دون أعمال الناموس. ولنعلم أن من يحيد عن إيمان الكنيسة وعقيدتها فهو يحيد عن الحق.
قدام الجميع: لأن خطأ بطرس وبرنابا كان سبب عثرة للأمم وسيضر الكنيسة كلها.
وأنت يهودى تعيش أمميًا: كان بطرس بعد رؤياه بخصوص كرنيليوس، قد قبل الأمم فى الإيمان، وأهمل الفروض الناموسية كالختان وخلافه (فصار كالأمم فى تركه الناموس) وهذا بالرغم من أنه وُلد يهوديًا وعاش فترة طويلة تحت الناموس (أع15:10، 28).
فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا: الأمم بطبيعتهم أحرار من الناموس (ناموس موسى) فلماذا العودة للوراء وإٍلزامهم أن يتهودوا أولاً ويُلزموا بالناموس. فبطرس بهذا يناقض الصوت الذى سمعه بخصوص قبول الأمم.
غل15:2: ” نحن بالطبيعة يهود ولسنا من الأمم خطاة”.
كان اليهود يحتقرون الأمم لوثنيتهم وأخلاقياتهم المتدنية ولذلك أسموهم كلاب، فالكلب نجس عند اليهودى. أما بولس اليهودى فكان يرى نفسه أنه بار وبلا لوم بحسب الناموس (فى3:3ـ6) إذ أنه كان يلتزم بالناموس خارجيًا، أى يلتزم بقوانينه لكن الضمير كان ملوثاً.
غل16:2: ” إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح آمنا نحن أيضًا بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما”.
لقد اختبر بولس أن أعمال الناموس لم تبرره، أى تنقيه داخليًا أو تمنع وحشيته ضد الكنيسة. ولكنه تبرر حين آمن بالمسيح. لقد شعر بولس بعد أن اختبر بر المسيح، أنه كان يعيش فى الخطية، بينما كان يظن أنه بار بحسب الناموس، فالبر المسيحى رفعه لمستوى القداسة ونقاوة الضمير (عب14:9) التى لا يمكن الوصول إليها سوى بالنعمة. وإٍذا كان هذا حال اليهودى، فكم بالأولى الأمم الذين هم خطاة (الكل محتاج للتبرير بالمسيح رو22:3ـ25).
بولس فى الآيتين 15، 16 يقول لبطرس: ماذا اٍنتفعت بيهوديتك وكنت تعتبر نفسك بارًا اٍذ كنت ملتزمًا خارجيًا بكل وصايا الناموس (سواء أنت أو أنا) لقد اختبرنا فشلنا فى أن نتبرر حقًا بالناموس. لقد كنت أنت يا بطرس وأنا بولس أبرارًا بحسب الناموس، ولكن كل منا كان أدرى بالفساد الذى فى داخله. أما فى ظل النعمة، فلقد اختبرنا التبرير الحقيقى بالمسيح. فلماذا يا بطرس تريد أن تلزم الأمم بأن يسلكوا فى طريق اختبرنا فشله. ولقد إقتبس بولس فكرة عدم تبرير إنسان أمام الله حتى بالناموس من (مز2:143). ونحن الآن كمسيحيين علينا أن نستفيد من هذا الكلام ونفهم أن ممارسة الطقوس دون أن تكون لنا حياة عميقة مع الله، فهذا لن يفيد.
غل17:2: ” فإن كنا ونحن طالبون أن نتبرر في المسيح نوجد نحن أنفسنا أيضًا خطاة أفالمسيح خادم للخطية حاشا”.
اليهودى أو الأممى الذى اعترف بخطيته برره المسيح، فمن يعود بعد ذلك إلى أعمال الناموس بعد قبوله الإيمان بالمسيح يعنى أنه وجد أن الإيمان بالمسيح لم يكفيه لأن يتبرر أو أن الإيمان بالمسيح عاجز عن تبريره: نوجد أنفسنا خطاة: خطاة لأن المسيح وحده لم يستطع أن يطهرنا وإننا فى احتياج لناموس موسى لنتطهر من خطايانا.
أفالمسيح خادم للخطية:
1ـ تعنى أن الإيمان بالمسيح لم يستطع سوى أن يظهر له أنه خاطئ ومحتاج للناموس وتبرير الناموس.
2ـ إذا كان نسياننا للناموس لأجل المسيح لا يبررنا بل يديننا، إذًا فإيماننا بالمسيح سيكون سبباً لدينونتنا ويكون المسيح هو السبب فى خطيتنا ودينونتنا......لماذا؟
3ـ المسيح هو الذى ألغى أحكام الناموس إذ قال " من آمن واعتمد خلص" (مر16:16)، وقال أيضًا " الذى يؤمن به لا يدان" (يو18:3)، وقال " من آمن بى ولو مات فسيحيا" (يو25:11). وفى كل هذا لا إشارة للناموس، فهل قادنا المسيح لأن نخطئ ونؤمن به تاركين الناموس، وهل أخطأ المسيح إذ لم يشر للناموس كطريق للخلاص، إنما تكلم فقط عن الإيمان به.
ويقول بولس إن من يفعل هذا لن ينفعه المسيح شيئًا (غل4:5) وأنه قد سقط من النعمة. فمن لا يثق فى المسيح كمخلص وحيد فهو لا يؤمن به. ومن لا يؤمن به لن يرضيه (عب6:11). ومن لا يرضيه لن يحصل على نعمته.
غل18:2: ” فاني إن كنت أبني أيضًا هذا الذي قد هدمته فإني أظهر نفسي متعديًا”.
حين آمنوا بالمسيح وتبرروا بالإيمان، هم هدموا العوائد الناموسية وبعودتهم الآن لها يحسبون أنهم بهدمهم للعوائد الناموسية قد أخطأوا إذ تعدوا على الناموس سابقاً. ويُفهم من هذه الآية أيضًا أن المسيحى الذى يفعل هذا ويرتد للناموس يكون قد جحد الإيمان المسيحى الذى أبطل فرائض الناموس.
غل19:2: ” إني مت بالناموس للناموس لأحيا لله”.
لأنى مت بالناموس: لقد حكم اليهود على المسيح بالصلب بحسب الناموس، إذ حسبوه ضالاً ومضل (مت63:27)، وأنه قد جدف ومستوجب الموت (مت65:26، 66). ونحن حسب الناموس خطاة مستوجبين الموت. لكن المسيح وضع لنا سر المعمودية لنموت معه. فنحن نموت مع المسيح فى المعمودية لنكمل قوانين الناموس.
فنحن نموت بالناموس أى بحسب حكم الناموس الذى حُكِمَ به على المسيح.
للناموس: الناموس يستطيع أن يحكم بالموت على الأحياء، لكنه بلا سلطان على الأموات. فإذا كنا قد متنا مع المسيح فالناموس لا سلطان له علينا. نحن فى المعمودية متنا وقمنا مع المسيح. نحيا بالمسيح. الناموس بلا قوة ضدنا. فمن يرجع للناموس الآن ماذا يريد؟ هل يريد أن يحكم الناموس عليه بالموت ثانية. ولنلاحظ أن الناموس يقف عاجزاً عن الحكم على الأموات، وحقًا نحن متنا فى المعمودية، ولكننا نظل أموات والناموس عاجز عن الحكم علينا إذا جاهدنا أن نظل أموات عن الخطية (رو11:6 + كو5:3) لذلك نجد بولس الرسول هنا يقول " مع المسيح صلبت.." (آية20) فهو يقدم جسده ذبيحة حية (رو1:12)، ويصلب أهواءه وشهواته (غل24:5) حتى يحيا المسيح فيه، ويظل الناموس عاجزًا عن الحكم عليه بالموت ثانية. لأحيا لله: ولكن أى نوع من الحياة. هذا يشرحه فى (آية20). ونفهم منها أن الحياة هى حياة المسيح فيه. وقارن مع (فى21:1). ويحيا المسيح فيه ويصير هو نبع حياته وأفكاره وأقواله وأعماله. بل تصير أعضاؤه هى أعضاء للمسيح الذى يحيا فيه (1كو15:6).
غل20:2: ” مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي”.
مع المسيح صلبت: المسيح صُلب لأجلى وأنا صُلبت معه. من يقول هذا هو من صلب الأهواء مع الشهوات (24:5) وصُلب للعالم والعالم له (14:6) أى يقف كميت مصلوب أمام الأهواء والشهوات. وكلمة صُلبت فى هذه الآية جاءت فى اليونانية فى صورة فعل استمرار، فحياتنا المصلوبة عن العالم حياة مستمرة . ومن يحيا هكذا يكون المسيح حياته: فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَ: فأنا أصلب نفسى (أهوائى وشهواتى) لا لكى أموت بل لأقوم مع المسيح. فالمسيح قام ليعطينى حياته لأحيا بها إلى الأبد مهتمًا بالسماويات لا الأرضيات، فحياتى الجديدة هى حياة المسيح السماوى. وهذا تم بالمعمودية ولكنه يتجدد ويستمر فىَّ بإيمانى وجهادى أن أقف أمام الخطية كميت. والروح القدس يسكن فىَّ لأن المسيح ثابت فىَّ (هذا ما حدث فى المعمودية رو5:6) والمسيح يثبت فىَّ ويحيا فىَّ بالروح القدس المحيى (2كو21:1). هناك من يدخل فى الرهبنة ليصلب نفسه عن العالم. وهناك من يعيش فى العالم حارمًا نفسه من ملذاته ليصلب نفسه عن العالم. ومن لا يفعل هذا ولا ذاك يساعده المسيح بصليب من عنده (تجربة) ليحيا فيه لذلك علينا أن نفرح فى التجارب (يع2:1)، فهى طريق لحياة المسيح فينا.
فما أحياه الآن فى الجسد: أى لا داعى للموت حقيقة ولا داعى للانسحاب من هذا العالم، إنما بالإيمان نشترك مع المسيح فى صلبه وقيامته، فنموت عن الإنسان العتيق ونحيا لله فى المسيح، ونحن ما زلنا فى الجسد.
أحياه فى الإيمان: المسيح يحل بالإيمان فى قلوبنا (أف17:3) فنحن لا نرى بعيوننا الجسدية هذا الحلول، ولا حياة المسيح فينا، وسنستمر فى شكلنا الحالى. ولكن بالإيمان يحيا المسيح فىَّ ويستعمل أعضائى كأعضاء له، كآلات بر تعمل لمجد اسمه.
الذى أحبنى وأسلم نفسه لأجلى: هنا نرى العلاقة الشخصية التى تربط بولس بالمسيح. هذه مثل " أنا لحبيبى وحبيبى لى" (نش3:6). وهذه العلاقة الخاصة هى التى يطلبها السيد المسيح حين يطلب أن من يريد أن يصلى عليه أن يدخل إلى مخدعه ليصلى، فهى علاقة خاصة.
غل21:2: ” لست أبطل نعمة الله لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذًا مات بلا سبب”.
لست أبطل نعمة الله: يريد أن يقول الرسول أنا لن أعمل مثلكم يا أهل غلاطية، ولن أوافقكم على ما تقولونه إن الختان أو أعمال الناموس شرط للخلاص. هل أعود للناموس الذى يحكم علىَّ بالموت وأترك النعمة التى أماتت فىَّ الإنسان العتيق (أى قتلت الخطية وأبطلتها) وأعطتنى بالحب حياة المسيح. فمن يعود ويقول إن أعماله أو أعمال الناموس تخلصه فهو يبطل عمل النعمة. وإن كانت أعمال الناموس كافية للخلاص فلماذا مات المسيح إذًا: إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب: هذه الآية الأخيرة رد على من يقول إنه لا داعى للإيمان حتى يخلص الإنسان. فإذا كان الخلاص لكل إنسان حتى بدون إيمان فالمسيح مات بلا سبب.
غل1:3 ” أيها الغلاطيون الأغبياء من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسِمَ يسوع المسيح بينكم مصلوبًا”.
أيها الغلاطيون الأغبياء= (راجع تفسير الأغبياء فى الصفحة الأولى من المقدمة)، والسيد المسيح حين قال: " من قال لأخيه يا أحمق..." كان هذا بعد قوله: " من يغضب على أخيه باطلاً.."، وباطلاً تعنى أن تهين شخصًا لأسباب دنيوية كأن يهينك مثلاً. وبولس لم يغضب عليهم ويصفهم بالأغبياء باطلاً أى لأسباب شخصية، بل كان له سبب وجيه، هو خوفه على خلاص نفوسهم. حزن بولس وغضبه يرجعان لسرعة اٍرتداد الغلاطيون للعبودية بعد أن تعب معهم وأراهم طريق النعمة وطريق الحرية وطريق الإيمان، بسبب الاخوة الكذبة. رقاكم: الرقية هنا هى السحر، أى من كتب لكم تعويذة أو سحرًا، فارتدادهم كان سريعًا بدرجة عجيبة كأن عقلهم فى غيبوبة لذلك أسماهم بالأغبياء. فهم قد عميت عيونهم كأنها بسحر شيطانى، فلم يعودوا يميزون الحق من الباطل. وذهبى الفم يقول إن الرُقية هنا ناتجة ليس عن سحر حقيقى، بل هى ناتجة عن حسد الاخوة الكذبة بمفهوم العين الشريرة الحاسدة، وهم حسدوهم على الحرية التى هم فيها، فأرادوا أن يزعزعوهم عن الحق الذى هم فيه. الشيطان أغواهم لكى لا يطيعوا الحق.
قد رُسِم: فيها تصوير لقدرة بولس الرسول على شرح عمل المسيح كأنه قدم لهم لوحة مرسومة، فهو أوضح لهم كل صفات المسيح، قوته ومحبته وتواضعه... وأوضح صفة تميز شخص المسيح وتبرز الصفات السابقة كلها هى صليبه (1كو23:1، 2:2) وهذه الصفة هى التى أثرت فى الغلاطيين وألهبت قلوبهم بحب المسيح. ونلاحظ أنه ليس من المهم أن نعرف شكل المسيح جسديًا، فعين الإيمان ترى بوضوح أكثر من عين الجسد. فبعين الاٍيمان نرى المسيح مصلوبًا بحب وبذل عجيب عنا وهذا لا تراه عين الجسد. فاليهود رأوه بعيونهم الجسدية مصلوباًً ولم يروا حبه، رأوه بالجسد وصلبوه.. رأوه ولم يؤمنوا به ولم يحبوه. وحتى تكون لنا العيون الداخلية التى نرى بها الله والأذان التى تميز صوته، وحتى نتذوق حلاوة عشرته، هذا يستلزم نقاوة القلب ويستلزم القداسة (مت8:5+عب14:12) .
غل2:3: ” أريد أن أتعلم منكم هذا فقط أباعمال الناموس أخذتم الروح أم بخبر الإيمان”.
هذه سخرية من بولس الرسول عليهم. هذه مثل مدرس أجابهُ تلميذ بإجابة خاطئة جدًا فسخر منه قائلاً: " علمنى من أين أتيت بهذه المعلومات الخطيرة ". فهم آمنوا وحل عليهم الروح القدس وابتدأ يعمل فيهم بقوته أعمال إعجازية عجيبة وأعطاهم مواهب ألسنة وشفاء. وهم قد اختبروا كل هذا، فكيف بعد ذلك يصدقون الاخوة الكذبة أن أعمال الناموس لازمة للخلاص.
غل3:3 : ” أهكذا أنتم أغبياء أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد”.
عمل الروح القدس فينا هو أنه يهدم الإنسان العتيق الذى فينا ويبنى الإنسان الجديد الذى هو على صورة المسيح. وهذا قطعًا لمن آمن واعتمد وحل عليه الروح القدس وكانت له إرادة التغيير التى تظهر فى جهاده " كم مرة أردت.. ولم تريدوا" (مت37:23) وكلما مات فينا الإنسان العتيق وقام الانسان الجديد نَكمُل. وهذا معنى نَكمُل بالروح.
ومن يعمل ما عمله الغلاطيون يكون بلا حكمة : أغبياء: فهم بعدما حصلوا على الروح القدس باعتباره القوة التى تغير طبيعتنا لنصير خليقة جديدة وجدهم الرسول عادوا لأعمال الجسد من ختان وتطهيرات ناموس ليكملوا. ويسميها الرسول هنا ممارسات جسد لأن فرائض الناموس تعتمد على ممارسات ظاهرية وخارجية، ولا تمس أعماق الحياة الباطنية، ولذلك قال عنها أنها لا تستطيع إلا أن تطهر الجسد عب 13:9. هنا الرسول يتعجب منهم كيف يعودون لأعمال الجسد بعد أن إختبروا عمل الروح فيهم. ولاحظ أنه يستعمل كلمة الجسد، فالجسد ضعيف وله شهواته الخاطئة إشارة لضعف الطرق التى إرتدوا إليها.
غل4:3: ” أهذا المقدار احتملتم عبثًا إن كان عبثًا”.
هم حين آمنوا تحملوا اضطهادات وأتعاب حتى بلغوا الإيمان الصحيح. وذلك من الوثنيين واليهود والإخوة الكذبة الذين يزعجونهم، فهل ما تحملوه كان عبثاً أى بلا سبب. إن كان عبثًا: أى هو ليس عبثاً قطعاً. أى لماذا احتملتم ما احتملتوه من آلام، هل أخطأتم حين آمنتم، بل أنتم تخطئون الآن بارتدادكم.
غل5:3: ” فالذي يمنحكم الروح و يعمل قوات فيكم أباعمال الناموس أم بخبر الإيمان”.
فالذى يمنحكم الروح: الله هو الذى يمنح الروح : ويعمل قوات فيهم. وهو يعمل هذا، أى أن الله منحهم الروح وبدأ الروح يعمل قوات فيهم بعد إيمانهم، فلم يسمع أن يهودى فى ظل الناموس كان يعمل قوات، وهم كأمم لم يعرفوا القوات (المعجزات والمواهب الروحية ) قبل إيمانهم. فبولس هنا يلجأ للمنطق. وكأنه يقول… قارنوا بين حالكم الآن وحالكم قبل الإيمان. الآن لكم مواهب وتعملون معجزات، وهذا بالإيمان بدون ناموس، واليهود أمامكم لم يكن لديهم القدرة على عمل قوات فى ظل ناموسهم، فلماذا تعودون للناموس، فبماذا سيفيدكم الناموس. وفى هذه الآية نراهم يعملون معجزات وفى الآية السابقة نراهم يحتملون الآلام لأجل المسيح، وهذه درجة أعلى روحياً.
غل6:3: ” كما آمن إبراهيم بالله فحسب له برًا”
بعد أن قدم الرسول أدلة من اختبارهم الشخصى ها هو يقدم أدلة من الكتاب، وهو هنا يقدم شخصية من الكتاب يمجدها الجميع وهو إبراهيم الذى قيل عنه آمن بالله فحسب له براً تك 6:15 (ترجمة سبعينية). وهذا التبرير حصل عليه إبراهيم قبل أن يختتن بحوالى 15 سنة. فالأمر فى الختان كان فى تك14:17 بل أن إبراهيم قيل عنه أنه تبرر قبل ناموس موسى بحوالى 400 سنة. إذًا إبراهيم قد تبرر دون ناموس ودون ختان.
غل7:3: ” اعلموا إًذًا أن الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو إبراهيم”.
كيف يصير الغلاطيون أبناءً لإبراهيم وهم لم يعرفوه؟ البنوة التى يتكلم عنها الرسول هنا ليست البنوة الجسدية، بل بنوة فيها يتشابه الابن بأبيه ليس تشابه جسدى ولكن فى الصفات. فهم بإيمانهم شابهوا إبراهيم فى إيمانه، فليس من المهم أن يجرى فى عروقهم دماء إبراهيم، بل أن يجرى فى قلوبهم إيمان إبراهيم. وهكذا كل مؤمن هو ابن لإبراهيم.
غل8:3: ” والكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع الأمم”.
فيك تتبارك جميع الأمم: قيل فى تك3:12 تتبارك فيك جميع قبائل الأرض. وقيل فى تك18:18 " ويتبارك به جميع أمم الأرض". لقد عاش الأمم فى ظلام دامس ولم تنقذهم فلسفاتهم من الخطايا ومن ألامهم. والناموس كشف لليهود عن خطاياهم ولكنه لم يخلصهم منها. لذلك صار الكل أممًا ويهودًا فى احتياج إلى مخلص الذى هو المسيح. ولو كان بالناموس خلاص لبشر الله إبراهيم بالناموس. ولكن الله بشر إبراهيم أنه سيأتى من نسله من سيكون سبب بركة لكل العالم " ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض" (تك18:22).
بشر: كلمة يبشر تشير لخبر مفرح. وقوله "لجميع الأمم" يشير إلى علم الله السابق أن الأمم سيدخلون فى الإيمان، فهو هنا قال جميع قبائل الأرض وجميع الأمم، فهو بهذا أدخل الوثنيون مع اليهود فى البركة وفى الموعد، وأنهم بإيمانهم سيصيروا أبناء لإبراهيم. ونلاحظ كون أن إبراهيم يتبرر بالإيمان وأن فى نسله تتبارك الأمم، بهذا يكون الناموس مجرد مرحلة مؤقتة.
آغل9:3، 10: ” إذًا الذين هم من الإيمان يتباركون مع إبراهيم المؤمن. لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة لأنه مكتوب: ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به”.
هنا نجد الرسول يرسم لهم طريق للبركة وطريق للعنة. فطريق البركة هو الطريق الذى سلكه إبراهيم فتبرر وباركه الله. وكان كل هذا لأنه آمن، أما طريق الناموس فهو يقود للعنة إذ يقول الناموس إن كل من لا يلتزم بالناموس هو ملعون (تث26:27). وهنا سؤال لكل واحد فيهم... هل فيكم من استطاع أن يلتزم بكل بنود ووصايا الناموس، لذلك من يرجع للناموس يجد أن الناموس يحكم عليه باللعنة. وهل كان لإبراهيم خطايا؟ قطعًا كان له خطايا. ولكن نوعية إيمان إبراهيم جعلت الله يبرره بالرغم من خطاياه. والسؤال هنا لأهل غلاطية أى طريق تختارون البركة أو اللعنة.. الإيمان أم الناموس؟!.
وإيمان إبراهيم كان يتلخص فى أن الله قادر أن يخرج حياة من الموت، فالله قادر أن يعطيه نسل من مستودع ميت، والله قادر أن يقيم له إسحق بعد أن يقدمه ذبيحة. لذلك كانت العلامة التى أعطاها الله لإبراهيم فيصبح بها فى عهد مع الله ولا يُقطع من شعب الله، أى تكون له حياة، هى علامة الختان. ولماذا الختان بالذات؟ لأن الختان فيه إشارة لنوعية إيمان إبراهيم. فالختان هو قطع جزء من الجسم وتركه ليموت، وبهذا يحيا الإنسان، فهو حياة بعد موت وهذا هو إيمان إبراهيم. ولذلك قال عنه بولس إنه ختم لبر الإيمان (رو11:4 وراجع تك9:17ـ14 وقارن تك4:17 مع رو17:4)، وهل إيماننا بالمسيح فقط يبررنا؟ راجع المقدمة لترى أن الإيمان هو المدخل لطريق التبرير. ولكن علينا أن نجاهد ونحيا حياة التوبة وبهذا نثبت فى المسيح، ومن هو ثابت فى المسيح يحسب كاملاً، فالمسيح جاء ليكمل الناموس عنى، يكمل الناموس الذى لم يستطيع أحد أن يكمله. وحياة التوبة هى أن نجاهد لنحيا كأموات أمام الخطية (رو11:6+ كو5:3) ومن يخطئ عن ضعف يسرع بالتوبة والاعتراف (1يو8:1، 9) وبهذا نظل ثابتين فى المسيح. ختامًا نقول إن الختان كان إظهارًا لنوعية إيمان إبراهيم ولكنه ليس شرطًا للخلاص بدليل أن إبراهيم نفسه تبرر قبل أن يختن. وإيمان إبراهيم كان فى أن الله قادر أن يخرج حياة من الموت. ومن يؤمن بالمسيح القادر أن يعطيه حياة إن مات عن الخطية يتبرر (ليس المقصود أن يحيا الإنسان بلا خطية تمامًا بل أن يجاهد وإن سقط عن ضعف يتوب).
غل11:3: ” ولكن أن ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر لأن البار بالإيمان يحيا”.
نجد الرسول هنا يلتقط آية من سفر حبقوق هى أن " البار بالإيمان يحيا" ويستشهد بها بأن الإيمان هو طريق الحياة. وهذه الآية من (حب4:2)، وقالها حبقوق بقصد أن المؤمن بالله سينجو من الهلاك الآتى بيد بابل. قطعًا لو استطاع إنسان أن يلتزم بالناموس بالكامل سيحيا ولن يهلك ولأنه لا يوجد هذا الإنسان، دبر الله أن يكون الإيمان بالمسيح هو طريق التبرير وطريق الحياة.
غل12:3: ” ولكن الناموس ليس من الإيمان بل الإنسان الذي يفعلها سيحيا بها”.
قيل عن الناموس إن الإنسان الذى يفعلها يحيا بها (لا5:18). لكن الناموس هذا يشمل وصايا أخلاقية كما يشمل أعمال تطهير وخلافه كالختان... إذًا نقطة البدء فى الناموس هى الأعمال.
الناموس ليس من الإيمان: فى المسيحية نقطة البدء هى الإيمان، ومن يؤمن بالمسيح، فالمسيح يعينه فى كل شئ، بل بدونه لا نقدر على شئ (يو5:15 + فى13:4). لذلك الناموس ليس من الإيمان، هو مختلف عنه تمامًا. لأن الناموس **يركز على أن أعمل أنا الأعمال**. أما الإيمان بالمسيح فيعطينى أن المسيح يحيا فىّ فتكون لى أعمال بر أعملها بالمسيح الذى فىَّ، هى أعمال نابعة عن النعمة والتى تأتى كثمرة للإيمان، ودليل على وجوده وفاعليته. ولكن وضع الله الناموس ليعلم الإنسان الطاعة والخضوع لله وكره الخطية والنجاسة، وكل الطقوس والممارسات الشكلية فى الناموس كانت رمزًا للمسيح لذلك نسمع فى آية 24 أن الناموس مؤدبنا إلى المسيح. ولم يستطيع أحد أن يلتزم بالناموس، لكن بالمسيح استطعنا ذلك (رو 3:8، 4).
غل13:3: ” المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة”.
فى (غل10:3 + تث26:27) نرى أن من لا يلتزم بكل الناموس يكون تحت اللعنة. وفى (غل12:3+لا5:18) من يفعلها يحيا بها. وهذا ثبت استحالته. لذا صار الكل تحت اللعنة. وهذا ما اعترف به الرسل فى أع 10:15. والمسيح افتدانا من هذه اللعنة لما حمل خطايانا فى جسده ومات تحت اللعنة على الخشبة (تث22:21و23) وبنفس المفهوم قيل إنه صار خطية لأجلنا (2كو21:5). فالكهنة اليهود حكموا على المسيح بأنه مخالف للناموس أى خاطئ وأوقعوا عليه لعنة الناموس وحكموا بموته معلقًا على خشبة رمزًا للعنة والعار. والمسيح رضى بالحكم ولم يعترض فهو الحكم الصادر على البشرية التى يحملها فى جسده معتبرًا جسده ذبيحة خطية. واللعنة هى لعنة الله نفسه التى تأكل بنار متقدة المضادين ولقد قبلها المسيح فى نفسه إذ صار هو لعنة وقبل أن تشتعل فيه نار الغيرة الإلهية لتحمل لعنتنا.
ويقول البابا أثناسيوس الرسولى إن القول بأن المسيح صار لعنة وصار خطية يشير إلى أنه قَبِلَ اللعنة والخطية (صار المنظر على الصليب، والمسيح خاطئ مدان فهو حمل لعنتنا وحمل خطيتنا ليميتها بموته) وذلك كقولنا صار جسدًا (يو14:1) فهذا لا يشير لتحوله إلى جسد بل أنه لبس جسدًا (اتخذ له جسدًا) مع احتفاظه بلاهوته بلا تحول ولا تغيير. وهكذا هو صار له منظر الخطية واللعنة مع احتفاظه ببره وقداسته. وهو حمل خطيتنا لنأخذ نحن بره .
وقوله صار خطية يوسع دائرة تحمل المسيح لخطايا البشرية لتتعدى الزمان والمكان بمعنى أنه صار كفارة أبدية. وهو لحمله خطايا كل البشر صار لعنة بحسب الناموس وصار خطية (1بط24:2) وبموته قتل الخطية لينقذنا منها.
فدانا: قارن مع (1بط18:1ـ20) فهى فدية على مستوى الذبيحة للكفارة + أع28:20 + إش1:43، 3، 4، 14، 25 +6:44، 22ـ24، فالرب اشترانا لنفسه لمحبته. ويمكن أن نقول عن إنه صار خطية وصار لعنة أن المسيح ظهر فى شكل جسد الخطية ومات بجسده ميتة ملعونة ناموسيًا أى الصلب.
غل14:3: ” لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح”.
وكأن لعنة الناموس ظلت حاجزة بين بركة إبراهيم والنسل الموعود له بالبركة (أى الأمم كلها). وكان لا يمكن للبركة أن تصل لنا إلا بعد أن حمل المسيح اللعنة . وبعد أن حملها حلت على المؤمنين (أولاد إبراهيم بالإيمان) أعظم بركة أى الروح القدس الذى نناله بالإيمان. لقد صار موعد الروح بالإيمان لمن يؤمن بالمسيح عوضًا عن موعد سيناء بالناموس. ولقد صار الإيمان بالمسيح سببًا فى رفع اللعنة عنا. فالصليب أزال اللعنة والإيمان أعطانا التبرير وكلما نجاهد لنسلك فى البر تغمرنا نعمة الروح. لقد كان الناموس هو الخطوة الأولى للتعرف على الله. ثم صار الإيمان هو واسطة نوال موعد الروح.
غل15:3: ” أيها الاخوة بحسب الإنسان أقول ليس أحد يبطل عهدًا قد تمكن ولو من إنسان أو يزيد عليه”.
أيها الإخوة: سبق وقال لهم يا أغبياء للتوبيخ وهنا يشجعهم بقوله لهم إخوة. فمن الحكمة أن يقسوا مرة عليهم، ومرة أخرى يعاملهم برفق ليجتذبهم. وهنا يلجأ بولس الرسول لمنطق واضح جدًا. أنه إذا وعد إنسان إنسان آخر بشئ لا أجرؤ أنا أو غيرى أن نغير وعد هذا الرجل ونضيف شروطًا أخرى عليه. فما بالك بوعد الله لإبراهيم، فالله تعهد لإبراهيم فكيف يجرؤ الإخوة الكذبة على نقض عهد الله بالزيادة أو بالنقصان، فهم يريدوا أن يضيفوا ناموس موسى لوعد الله لإبراهيم؟
1 ـ إبراهيم يتبرر بالإيمان... راجع آية6... تك6:15
2 ـ فيك تتبارك كل الأمم...راجع آية 8 ... تك3:12
وكانت هذه الوعود لمجرد إيمان إبراهيم فمن من حقه أن يضيف شيئًا آخر كالختان أو الناموس الذين أتوا بعد وعد الله بسنوات طويلة. بولس يريد أن يقول لأهل غلاطية، إن الله وضع شرط الخلاص والتبرير بالإيمان. إذًا عليهم أن لا يضيفوا شيئًا آخر على ما قاله الله لإبراهيم. ونلاحظ أن الناموس أتى بعد الوعد بحوالى430 سنة ولم يذكر فى الوعد شئ عن حفظ أعمال الناموس، بل ذكر فيه الإيمان، فإذا ما أضيف شئ أى حفظ الناموس لوعد الله يُساء إلى العهد الإلهى. فهل يغيّر الناموس الذى أتى بعد الوعد بـ430 سنة وعد الله لإبراهيم؟ قطعًا لا. ووعد الله لإبراهيم بأن يبارك الأمم فيه (تك3:12) شرطه أن يشبهوا أباهم إبراهيم ويؤمنوا مثله فيكونوا أولاده فى الإيمان (غل7:3 ،8). فمن يؤمن مثله يتبارك مثله.
بحسب الإنسان: أى سأستعمل تشبيهات بشرية.
غل16:3: ” وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول: وفي الأنسال، كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح”.
الكتاب تكلم عن البركة التى ستكون لأولاد إبراهيم الذين يشبهونه فى إيمانه. فما هى هذه البركة؟ هنا نسمع أنها نسل إبراهيم أى المسيح. ولاحظ بولس الرسول أن الكتاب قال " ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض" (تك18:22) ولاحظ أن نسلك جاءت بالمفرد. وهنا يقول أن الكتاب لم يَقُل " وفى الأنسال" حتى لا يقول اليهود إنهم هم الذين سيباركون العالم كأنسال إبراهيم بالجسد. وعود الله لإبراهيم بدأت فى تك3:12 ثم18:18 ثم18:22 وقارن مع رو13:4. وإبراهيم نال هذه البركة، أنه سيتبارك العالم كله فى واحد من نسله أى من أحفاده. والناموس لا يستطيع أن يلغى هذا الوعد الذى أخذه إبراهيم خصوصًا أنه جاء بعد 430 سنة من الوعد الذى كان فى حاران.
غل17:3: ” وإنما أقول هذا أن الناموس الذي صار بعد أربع مئة وثلاثين سنة لا ينسخ عهدًا قد سبق فتمكن من الله نحو المسيح حتى يبطل الموعد”.
430 سنة: هى مدة تاريخ الوعد الأول (تك2:12و3) حتى ناموس موسى .
من هذه الآية نفهم أن المدة التى قضاها بنى إسرائيل فى مصر لا تتعدى 215 سنة. فالوعد لإبراهيم كان وعمره 75 سنة. وإبراهيم ولد إسحق وعمره 100 سنة. إذًا المدة من الوعد حتى ولادة إسحق = 25 سنة. وإسحق ولد يعقوب وعمره 60 سنة. ويعقوب نزل مصر وعمره 130 سنه. فتكون المدة من الوعد حتى النزول لمصر هى =25+60+130=215 سنة. وبالتالى تكون مدة بقاء بنى إسرائيل فى مصر= 430-215=215 سنة. أما لماذا قال الله إن نسل إبراهيم سيتغرب 400 سنة تك 13:15 فذلك لأن مدة الـ400 سنة تشمل مدة بقاء إبراهيم وإسحق ويعقوب فى أرض فلسطين كغرباء دون أن يمتلكوها. ولاحظ أنه حين يقول 400 سنة فهو يبدأ فى حساب المدة من يوم أهان إسماعيل أخوه إسحق تك9:21 فكلمة يمزح تعنى فى اللغة الأصلية يسخر منه.هذا بالإضافة لأن إبراهيم وإسحق ويعقوب عاشوا فى الأرض التى وعدهم الله بها كغرباء فى خيام( إبراهيم إشتهر بأنه كان له خيمة ومذبح )ولم يمتلك فى أرض الميعاد سوى مقبرة مغارة المكفيلة إشارة لطبيعة حياتنا كغرباء فى هذا العالم
(عب 10،9:11) ولكن نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب هم الذين إمتلكوا الأرض بعد ذلك.
ووعود الله ثابتة للأبد، ووعد الله يتركز فى الإيمان بنسل إبراهيم الواحد والذى فيه تتبارك كل الأمم. وغلطة المتهودين أنهم حسبوا أن الناموس التأديبى قادر أن ينسخ: أى يلغى العهد المجانى لإبراهيم. هؤلاء تمسكوا بناموس يؤدب بالموت واللعنة كل من يتعدى عليه، ويبطلوا عهد الإيمان المجانى بالبركة. هؤلاء لم يفهموا أن الناموس (أى قانون) دائمًا للعقاب أما وعد الله لإبراهيم فيتضمن الميراث المجانى لمن يؤمن (رو17:8).
غل18:3: ” لإنه إن كانت الوراثة من الناموس، فلم تكن أيضًا من موعد. ولكن الله وهبها لإبراهيم بموعد”.
هذه الآية تعنى ببساطة أن هناك طريقين للوراثة:
1 ـ إما بأعمال الناموس. 2 ـ بوعد من الله.
والآن لنرَ ماذا سنرث؟
مجد أبدى وفرح أبدى، ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على بال إنسان. وأجسادنا يصير لها نفس مجد جسد المسيح فنصير مثله (1 كو9:2 + فى 21:3 +1 يو2:3). فإن فهمنا أن الميراث سيكون فى نظير أعمال، فما هو العمل الذى يوازى ما سيحصل عليه فى السماء.
الناموس يلزم الخاطئ بتقديم شاة أو غسل يديه، فهل هذه الأمجاد السمائية تناظر شاة. لقد تساءل هذا السؤال ميخا النبى فقال: " بم أتقدم إلى الرب... هل يسر الرب بألوف الكباش. بربوات أنهار زيت" (مى6:6، 7)، ويجيب ميخا عن ما الذى يفرح الرب: أن نصنع الحق ونحب الرحمة ونسلك بتواضع مع الله (مى8:6). إن الله لا يُسرّ بألوف الكباش لأنه قدم ابنه محرقة، ولن أقدم أنا زيتًا لله، فالله هو الذى سكب الروح القدس على الكنيسة وملأنا نعمة لتغير طبيعتنا، وبالطبيعة الجديدة نخلص. أعمالنا لن تخلصنا وإلا ما كان المسيح قد تجسد وصلب. ولكن حتى نمتلئ من النعمة علينا أن نجاهد وهذا ما قاله ميخا: " أن نصنع الحق ونحب الرحمة...".
إن من يتصور أنه يرث البركة بسبب الناموس فهو يلغى الوعد بالبركة الذى أعطاه الله لإبراهيم بالإيمان. وبنفس المنطق لا يصح أن أقف أمام الله وأقول: أنا صليت لك وصمت لك وخدمتك... فلماذا تسمح لى بكذا وكذا من التجارب. لا يصح أن نتفاخر بأعمالنا أمام الله فهذا هو البر الذاتى الذى تكلم عنه المسيح: " لا تعلم شمالك ما تفعله يمينك".
غل19:3: ” فلماذا الناموس قد زيد بسبب التعديات إلى أن يأتي النسل الذي قد وعد له مرتبًا بملائكة في يد وسيط”.
هنا يبدأ الرسول فى بحث جديد وهو إذا كان الوعد بالبركة مجانيًا بالإيمان فلماذا الناموس؟ ونفس السؤال أجاب عنه فى رسالة رومية (راجع المقدمة تحت عنوان عمل الروح القدس فى تجديد طبيعة الإنسان )
قد زيد: أى أضيف على الوعد بالإيمان. بسبب التعديات: بعد سقوط آدم تحجر قلب البشر وصاروا ينحدرون من مستوى إلى مستوى أحط وزادت التعديات. وبعد خروج بنى إسرائيل من مصر، خطط الله ليجعلهم شعبًا مقدسًا فكان أن أعطاهم الناموس عونًا ليسيطر على أخلاقهم الشرسة ويهذبهم. كان الناموس كلجام لهم ليضبطهم حتى لا ينفلتوا فى الشر بسبب عقوبات الناموس وتأديبه. والناموس عَرَفَ الخطية وأدخل الخاطئ تحت عقوبة الموت. وبولس هنا يشرح أن عمل الناموس كان إلى أن يأتى النسل الموعود به الذى ستكون به البركة لكل من يؤمن به. فالفداء وإرسال الروح القدس سيغير طبيعتنا كطريق للخلاص
مرتباً بملائكة فى يد وسيط: بولس يشرح هنا التقليد اليهودى أن الله أعطى الناموس لموسى كوسيط بينه وبين الشعب. وعين الله ملائكة خاصة ليسلموا موسى الناموس ويشرحوه له (أع 53:7 + عب 3،2:2). وربما هذا ما عناه موسى فى تث2:33. وهكذا كان ملاك مرافق ليوحنا فى رؤياه ليشرح له. وهذا الناموس تم تسليمه بيد ملائكة ولم يسلم لإسرائيل رأساً شأن وعد الله لإبراهيم، الذى إستلمه إبراهيم مباشرةً من الله. وكان موس وسيط بين الله والناس ليُذَكِر بالمسيح الوسيط بين الله والإنسان، المسيح الذى سيأتى فى ملء الزمان.
غل20:3: ” وأما الوسيط فلا يكون لواحد ولكن الله واحد”.
أما الوسيط فلا يكون لواحد: فى العهد القديم. الأمر إستلزم أن يكون هناك وسيط بين الله والناس وهو موسى. فالله يعطى الناموس للملائكة والملائكة تعطيه لموسى وموسى يعطيه للشعب. وقوله الوسيط لا يكون لواحد تعنى أنه طالما هناك وسيط، فهذا الوسيط يكون بين طرفين والطرفين هنا هما الله والشعب. ولكن الله واحد: أما فى العهد الجديد فلم يكن هناك وسيط بين طرفين، بل أن الله تجسد وإتحد بالطبيعة البشرية.
الرسول يريد أن يقول هل تريدون أن ترتدوا من هذا الوضع الذى صرتم فيه واحد مع المسيح، إتحدتم به. والمسيح هو الله، لتعودوا للناموس ويكون هناك وسيط بينكم وبين الله. ونلاحظ قول بولس الرسول " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح" (1تى5:2). استشعر الإنسان فى العهد القديم غضب الله، فطلب أيوب وسيطًا بينه وبين الله فقال " ليس بيننا مصالح يضع يديه على كلينا، ليرفع عنى عصاه ولا يبغتنى رعبه، إذاً أتكلم ولا أخافه" (أى33:9 ـ35). فهو اشتهى وجود مصالح بين الله وبينه ليرفع الله غضبه عنه. وكمرحلة أولى نجد الله يرسل موسى كوسيط بينه وبين البشر، وناموس موسى كان معاهدة بين الله والشعب اليهودى. ويظل الاتفاق سارى المفعول طالما ينفذ كلا الطرفين بنوده بكل دقائقه وحذا فيره. ولكن الشعب اليهودى لم يلتزم ولذلك ثبت بطلان وعدم نفع الناموس الذى كان وسيطه موسى.وفى العهد الجديد كان الوسيط بين الله والإنسان هو الله يسوع المسيح. إذاً لا وسيط آخر بل الله الواحد لذلك ارتفع مستوى العهد الجديد عن العهد القديم الذى استلزم وسيطاً من البشر ومن الملائكة، وفى العهد الجديد لا يوجد طرفى تعاهد، بل يوجد واحد هو الله معطى الوعد، والله الذى اتحد بالطبيعة البشرية، فالله المعطى هو كل شئ وهو الوسيط. والإنسان قابل العطية هو لا شئ. لم يعد هناك طرفان بينهما وسيط، فالله المسيح أخذ جسداً وتأنس واتحد بالبشرية. الله صار هو كل شئ، لم يعد يظهر فى الصورة سوى الله، فالإنسان مهما كان هو لا شئ أمام الله. وهذا هو ما سنصل إليه فى اليوم الأخير حين يكون الله الكل فى الكل (1كو28:15). والكل سيكون خاضع لله. وبهذا المفهوم أيضًا يكون وعد الله لإبراهيم أعلى درجة من وعد الله للشعب بالناموس، إذ لم يكن وسيط بين الله وإبراهيم.
ولأن الله الذى اتحد بالبشر واحد، فهو سيجمع اليهود والأمم لأنه إله الجميع يهود وأمم.
غل21:3: ” فهل الناموس ضد مواعيد الله حاشا لأنه لو أعطي ناموس قادر أن يحيي لكان بالحقيقة البر بالناموس”.
فهل الناموس ضد مواعيد الله... هذا سؤال يسأله بولس. لأنه لو أعطى ناموس قادر أن يحيى لكان البر بالناموس... هذا شرح للسؤال وإجابة هذا السؤال نجدها فى آية 22.
والجزء الثانى من الآية هو نفسه تكرار للآية 21:2 " لأنه إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذاً مات بلا سبب". هنا بولس يتساءل. إذا كان وعد الله له كل هذه البركات، والناموس صار سبب لعنة لمن يخالف وصاياه، ولم يوجد من استطاع الالتزام بكل الناموس. فهل الناموس ضد مواعيد الله. ويسترسل بولس ليقول، إننى أسأل هذا السؤال لأنه لو وُجِدَ ناموس يقدر أن يعطى حياة وبر ـ والله يريد أن يعطينا حياة وأن يبررنا ـ لكان الله أعطانا هذا الناموس. فى نظر الرسول أن الناموس مقدس والوصية مقدسة (رو12:7). ولكنه لم يستطع أن يكمل وعد الله لإبراهيم. فالناموس حكم بالموت واللعنة بينما وعد الله بركة وحياة. ولو كان هناك ناموس يعطى حياة لوفر الله على نفسه مشقة الصليب. الناموس لا يقاوم مواعيد الله فكلاهما مصدرهما الله ولكن هذا كنور الشمس (الوعد) وذاك كنور شمعة (الناموس) ومع هذا أفرز الناموس قديسين وأنبياء أطهار، وكان الشعب اليهودى أفضل بمراحل ممن حوله، وهذا دليل على نجاح الناموس. ولكن من استفاد من الناموس هو من لم يبحث عن بره الذاتى وانتفخ. أما فى العهد الجديد فأنا أستطيع تنفيذ الوصايا بالمسيح الذى فىَ. فهل أنتفخ وأتفاخر بنجاح مصدره المسيح الذى فىَ. المسيحى الحقيقى يزداد تواضعاً كلما ازداد بره. فبر المسيحى راجع لأن المسيح يحيا فيه. والمسيح الذى يحيا فى المسيحى هو مسيح متواضع .
غل22:3: ” لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون”.
الكتاب: الأنبياء وبقية الكتاب المقدس (العهد القديم)
أغلق: أقنع. إذًا الكتاب المقدس بنبواته ووصاياه أقنع الكل أمم ويهود. إن الكل زاغ وفسد ويحتاج لمخلص من السماء هو المسيح.
ونسمع فى (رو9:3ـ18) أوصاف فظيعة عن البشر كما يصفهم الناموس، فهذه الأوصاف كلها مأخوذة من الكتاب المقدس. وملخص نبوات الأنبياء أن البشر فى حالة خطية فظيعة، لكن يشير الأنبياء كلهم أن هناك مخلص سوف يأتى لينقذ البشرية. وبهذا فالكتاب أقنع البشر بفسادهم وجعلهم فى وضع انتظار للمخلص الآتى. هذا بالإضافة لأن الناموس بتأديباته وعقوباته كان كمؤدب للشعب اليهودى. وبهذه الآية يجيب الرسول على سؤاله فى آية 21 أن الناموس كان:
1) مؤدب 2) ليعطى البشر أن يكونوا فى حالة انتظار وترقب لمجئ المخلص. ولكن لا يوجد ناموس يعطى حياة. وحتى الآن فإن النعمة لا تعمل فى إنسان ما لم يدرك أنه خاطئ وفى حاجة للمسيح ليبرره، أما من يشعر أنه غير محتاج للمسيح يتقيأه المسيح (رؤ16:3و17). إذًا الناموس ليس ضدًا للإيمان بل هو يقود إليه. إذًا كل خاطئ الآن ليس ثابتًا فى المسيح والمسيح لا يحيا فيه، هو خاضع للناموس وعليه لعنة الناموس. وحينما يدرك بالناموس خطيته يبحث عن المسيح.
إيمان يسوع المسيح: تصديق يسوع المسيح أنه ابن الله وعمله للخلاص. وهذا عين ما عمله إبراهيم حين آمن بالله أى صدَّق الله فتثبتت له المواعيد. وهكذا بالإيمان نال جميع الأمم فى المسيح يسوع موعد الله لإبراهيم فتباركت فيه كل أمم الأرض حسب وعد الله : للذين يؤمنون
غل23:3: ” ولكن قبلما جاء الإيمان كنا محروسين تحت الناموس مغلقًا علينا إلى الإيمان العتيد أن يعلن” .
محروسين: تعنى محبوسين كمن فى سجن بأوامره ونواهيه. مغلقًا علينا: فى الحبس. فى الآية السابقة سمعنا أنه قد أغلق علينا تحت الخطية أى صار الكل مقتنعًا بأنه خاطئ نجس يستحق الموت، والكل فى انتظار الموت. وهنا نجد الكل مغلق عليه بأوامر ونواهى الناموس، بأن هذا حلال وهذا حرام، كنا كمن فى سجن الناموس. والناموس أيضًا يحكم بالموت على من يخالف وصاياه وأوامره وطقوسه أما الوضع فى المسيحية أننا قد تحررنا من أعمال الناموس وصرنا نطيع وصايا الكتاب بحرية وبدون خوف أو كبت، وذلك بسبب حياة المسيح فينا. فالمسيح حررنى من طقوس الناموس وأعطانى أن أسلك بحسب وصاياه بقوة يعطيها هو لى. أما فى ظل الناموس، كانت طبيعتى هى الطبيعة القديمة المتمردة، وهذه احتاجت لمروض أو مؤدب يقول لها هذا حرام وهذا حلال، ويخيفها بعقوباته. مثال: من ثمار الروح القدس المحبة (غل22:5). فمن هو مملوء بالمحبة لن يحتاج لوصية "لا تقتل". ومن ثمار الروح التعفف، ومن له هذه لن يشتهى شهوة خاطئة ولن يحتاج لوصية "لا تزن".
غل24:3: ” إذًا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان”.
مؤدبنا: الكلمة المستخدمة هنا تعنى العبد المكلف بتربية طفل ابن البيت أى الذى يرافق الابن الحر أينما صار ليعلمه كيف يتحرك ويتصرف وكيف يسلك حسنًا، وله أن يستخدم العصا فى التهذيب كوصية أبيه حتى لا يستخدم الابن حريته فى الباطل. وهذا الوضع يستمر حتى ينضج الابن.
لكى نتبرر بالإيمان: بالإيمان بالمسيح نتبرر بالإيمان، أى تتغير طبيعتنا فنستطيع أن نسلك فى البر ونعمل أعمال بر بحريتنا. والفرق بين الناموس والإيمان بالمسيح، هو أن الناموس هو مثل القانون الجنائى لا يستطيع سوى أن يحاكم القاتل، لكنه لا يستطيع أن يصل لضميره الداخلى ليمنعه أن يشتهى موت عدوه. ولن يستطيع الوصول لداخل القلب والفكر إلا الروح القدس. ووصية مثل لا تشتهى لا يمكن تنفيذها إلا بالروح القدس.
غل25:3: ” ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب”.
هنا يؤكد إستحالة الجمع بين العبودية وحرية البنين التى حصلوا عليها بالإيمان. من يرجع للناموس إذًا يكون مثل الرجل الناضج الذى يحن لضرب العصا الذى ذاقه فى الطفولة، ولكن لنلاحظ أن الناموس ليس متعارضًا مع النعمة بل هو كان ممهدًا لها، ويقود لها وهو عاملاً معها. ولكن عليه أن لا يشدنا للوراء فنكون كمن إرتد من نور الشمس لنور الشمعة.
غل26:3: ” إنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع”.
الأصل اليونانى لأنكم جميعاً أبناء الله فى المسيح يسوع: وفى تعنى أننا صرنا أبناء بالإتحاد بالمسيح، وهذا يتم بالمعمودية (رو5:6). ونستمر بهذا الإتحاد فى حياة التوبة والجهاد. جميعًا: يهود وأمم فالمسيح فدى الكل ولاحظ أنه فى الآيات السابقة كان يقول " كنا، مؤدبنا.." فالناموس كان لليهود وهو منهم. وهو فى هذه الآية يقول " لأنكم ".. يقصد أيها الأمم، أنتم لم يكن لكم ناموس موسى فيما مضى، هو كان لنا نحن اليهود، فمالكم وماله.
غل27:3: ” لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح”.
إعتمدتم بالمسيح: = صحتها اعتمدتم فى المسيح. فنحن متنا مع المسيح وقمنا معه كخليقة جديدة قد تبررت وتقدست (رو 1:6-11 +2 كو17:5 +1 كو11:6).
لبستم المسيح: صار المسيح يحيا فينا وتكون أعضائنا أعضاء له يستخدمها كآلات بر. يعطينا بره ويستر عيوبنا وتكون لنا فضائله. المُعمَّد فى المسيح مات عن إنسانه العتيق ولبس إنسانًا جديدًا شكل المسيح، لذلك نكون صورة المسيح.
خلع الإنسان العتيق: موت مع المسيح فى المعمودية ولبس المسيح تعبير عن القيامة بجسد مبرر يسلك ببر المسيح لذلك يلبس المُعمّد ثوبًا أبيض. ولكن ليحيا المسيح فىّ، علىّ أن أقبل الصليب (غل20:2). والمعمودية هى سر لأن الروح القدس يُجرى فينا موتًا حقيقيًا وقيامة حقيقية.
غل28:3: ” ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع”.
كما رأينا فى الآية السابقة، ففى المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه لابسين صورته، ولذلك فكل من دخل المعمودية يهودى أو يونانى. عبد أو حر. رجل أم أنثى، الكل مات، والكل قام بشكل المسيح. وإذا كنا كلنا شكل المسيح فلا فرق بين واحد وآخر (غل19:4). وبولس هنا يركز على أقوال اليهود ويقتبس من كتاب الصلوات الصباحية لهم حين يصلون شاكرين الله أنه لم يخلقهم أمميين ولا عبيد ولا نساء، فهذه تحسب أصل النجاسة. ونلاحظ أن فى الكنيسة لا فرق بين سيد وعبد، فمثلاً فليمون السيد وأنسيمس عبده كلاهما صارا أساقفة. ويكفى المرأة كرامة أن العذراء كانت امرأة.
غل29:3: ” فإن كنتم للمسيح فأنتم إذًا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة”.
الوعد لإبراهيم أن تتبارك فى نسله (المسيح)، كل الأمم (نحن) صار لنا بالإيمان، فإبراهيم حصل على الوعد بالإيمان، ونحن نحصل عليه بالإيمان. والميراث السماوى صار لنا لا بالختان بل بالثبات فى المسيح بالإيمان والمعمودية.
غل1:4 ” وإنما أقول ما دام الوارث قاصرًا لا يفرق شيئًا عن العبد مع كونه صاحب الجميع” .
بولس يستخدم وسائل متعددة ليثبت لهم أن الناموس والختان كانا لمرحلة مؤقتة. وهنا يقول إن الطفل والعبد لا يستطيعان أن يتصرفا فى ثروة صاحب البيت وبهذا يقول لهم إن إرتدادهم للناموس شبيه بهذا الموقف، فإنسان الناموس وعدم نضجه الروحى يشبه بالطفل. وفى عدم تمتعه بالحرية يشبه بالعبد. أما المسيحى بنضجه الروحى وتمتعه بالحرية فهو يكون لائقًا بالميراث. فالناموس يمثل الوصى على الولد القاصر حتى لا يمد يده على الميراث قبل أن يصل إلى حالة الإدراك الكافى، والوصى يعتنى بالممتلكات ويحرسها، أما القاصر فلا حرية له فى التصرف فيها. وفى هذا تأنيب لهم أنهم بارتدادهم للناموس يصيروا كمن يعود لمرحلة الطفولة أو يصير عبدًا فاقدًا لحريته.
غل2:4: ” بل هو تحت أوصياء ووكلاء إلى الوقت المؤجل من أبيه”.
الوصى هو المتولى القانونى على الطفل القاصر ويكون مسئولاً أمام القانون عن الأموال الموروثة. والوكيل هو المُعيَن من البيت أو العائلة ليرى أمور حياته وصحته وتعليمه ويكون بمثابة أبيه. والناموس بأحكام وصاياه يمثل الوصى، وبتعاليمه [من ختان وغسلات وعدم لمس ميت لئلا يتنجس وعدم أكل أشياء معينة...] يمثل الوكيل، وعمله ذلك مؤقت إلى أن يأتى ناموس الحرية. ونفهم الآن فى ظل ناموس الحرية أن الختان رمز للمعمودية، والموت يساوى الخطية، فالتلامس مع ميت رمز لمن يذهب لكى يتذوق ويتلامس مع الخطية فيموت... وهكذا.
وفى مرحلة الطفولة (فى ظل الناموس) كان الإنسان لا يستطيع أن يفهم سوى الماديات، وميراث الأرض والعمر الطويل والصحة.. هكذا كانت وعود العهد القديم للأبرار. أما فى مرحلة النضج فصرنا نفهم الأمجاد السماوية ولا نهتم بالميراث الأرضى ولا الصحة (بولس كان عليل الصحة) ولا العمر الطويل (الشهيدين أبانوب وقرياقص). وصرنا نفهم أن التجارب هى طريق السماء، والإعداد للسماء.
الوقت المؤجل: أسماه بولس ملء الزمان آية 4. حين يأتى المسيح ليعطينا الحرية. هو الوقت الذى كان الله يعلم أن الإنسان سيكون ناضجًا ويستطيع فيه أن يترك مرحلة الطفولة، وبالتالى يمنحه الله هذه الحرية. ولاحظ تعليم بولس عن الحرية "كل الأشياء تحل لى. لكن ليس كل الأشياء توافق" وعلى أن يكون ما أختاره يبنى علاقتى بالله، وعلى أن لا يتسلط علىَ شئ (1كو12:6، 23:10) هذا تعليم يصلح للناضجين.
غل3:4: ” هكذا نحن أيضًا لما كنا قاصرين كنا مستعبدين تحت أركان العالم”.
قبل المسيح كان اليهود قاصرون تحت عبودية الناموس (غل10،9:4) وكان الأمم مستعبدين تحت أركان العالم (غل8:4). والمسيح حرر الجميع من عبوديتهم، هل بعد ما أصبحوا سادة للبيت يعودون ليصبحوا عبيدًا للناموس. وفى هذه الآية الشاملة (3:4) يشمل أركان العالم وأركان الناموس فى كلمة واحدة أسماها أركان العالم، ثم فصلها فى آيات 8، 9، 10.
أركان: كلمة باليونانية تعنى أشياء مرصوصة بجوار بعضها مثل الحروف الأبجدية (أ،ب،ت…) وأحسن مثال لهذه الكلمة المكعبات المرسوم عليها حروف اللغة الأبجدية ليكون منها الطفل كلمة مفهومة. والأبجدية هى أول ما يتعلم الطفل لذلك صارت كلمة أركان باليونانية تعبر عن الشئ البدائى أو البدائيات أو المبادئ الأولية (عب12:5). وننتهى بذلك أن أركان اليهود هى إشارة لمطاليب الناموس البدائية روحياً وأركان العالم الوثنى هى خرافات الوثنيين مثل التفاؤل والتشاؤم وإسترضاء الآلهة بالذبائح.
غل4:4: ” ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس”.
ملء الزمان: هو ما أسماه سابقًا الوقت المؤجل (آية 2) من أبى الولد الوريث لكى تفك وصايته ، هو الوقت الذى رآه الله مناسباً من كل الوجوه لكى يأتى المسيح. أرسل الله ابنه: عبارة يفهم منها بوضوح أن المسيح كان موجوداً قبل أن يولد من العذراء.
من امرأة: أى ليست ولادة طبيعية. فالمسيح ليس من نسل رجل بل من عذراء.
تحت الناموس: طالما وُلِدَ من امرأة يهودية فهو بالضرورة يكون خاضعًا للناموس. ولكن الناموس لم يحكم عليه ويسوده فهو بلا خطية فلم يُلعَن من الناموس. والمسيح التزم بكل طقوس الناموس كالتطهيرات والختان.
غل5:4: ” ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني”.
ليفتدى: يشترى لنفسه بثمن هو جسده ودمه، وبذلك دفع كل الديون التى علينا. وأنهى لعنة الناموس وأخرجنا من رباطات الخطية والموت وبهذا نلنا التبنى والحرية من الناموس. حالة التبنى ننالها كعطية بمقتضى الوعد القديم لأبينا إبراهيم. التبنى: فى المعمودية نموت مع المسيح فتغفر خطايانا. ونقوم متحدين مع المسيح الابن فنصير أبناء. وهذا يتم بناءاً على الفداء الذى فيه مات المسيح وقام.
تحت الناموس: المسيح إفتدى اليهود الذين هم تحت الناموس وإفتدى الأمم أيضًا الذين بلا ناموس وأحرار منه. ولكن بولس يقول هنا ذلك إشارة للغلاطيين الذين كانوا أمماً، وصاروا فى المسيحية أبناء مباشرةً، ويريدون الآن أن يعودوا للناموس. اليهود كانوا تحت لعنة الناموس إذ لم يستطيعوا الإلتزام به. والمسيح حررهم من لعنته. وأنتم أيها الغلاطيون كنتم أصلاً أحراراً من لعنة الناموس، إذ لم يكن الناموس لكم، فماذا تريدون، أتريدون الدخول إلى لعنة الناموس؟ !!
غل6:4: ” ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب”.
من آمن وقبل الفداء صار ابنًا وحرًا من الناموس والخطية. وحل عليه الروح القدس نتيجة إتحاده بالإبن. وصار الروح القدس الذى فى داخلنا يشهد بهذه البنوة، فصرنا نصلى للآب بقولنا يا أبا الآب كما كان المسيح يقولها تمامًا (مر36:14). فنحن صرنا أبناء للآب بالتبعية أى بإتحادنا بالمسيح الابن. واللفظ يا أبا هى صرخة الطفل لأباه ومازالت تنطق هكذا بالعربية. ولفظ يا أبا هو عبرانى أرامى ولفظ باتير (الأب) يونانى. والمعنى أن الله صار أبًا للجميع يهود وأمم.
صارخًا: الروح يصرخ ويقول لى أصرخ قائلاً أنت أبى. هو يعطينى شعور بالبنوة لله. ولنلاحظ أننا معرضين فى كل لحظة بحروب من إبليس ليوقع بيننا وبين الله، ويشككنا فى محبته وأبوته، مثل مرض أحد أحبائنا أو موته، أو فى تجربة تحدث لى أو مرض يصيبنى شخصيًا فيأتى الشيطان ويصور لى أن هذا ناتج عن عدم محبة الله لنا أو ناتج عن قسوته أو أن الله يكرهنا. وهنا يصرخ الروح القدس فى داخلنا قائلاً... أبداً لا تصدق. الله يحبك. أنت إبن محبوب لله. ثق أن هذة التجربة هى طريقك للسماء، لو لم تكن طريقك للسماء ما سمح بها الله. اثبت أنت ابن. هل يترك أب ابنه. أذكر قول المسيح "هل يطلب إبن من أبيه رغيف فيعطيه حجر، هل يطلب سمكة فيعطيه حية". نسمع صوت إبليس يوقع بيننا وبين الله، إن هذه التجربة هى عقرب فيصرخ الروح القدس داخلنا، أنت ابن، هل يعطى أب لابنه عقرب أو حية. هذة سمكة. هذة التجربة طريقك للسماء. هى لصالحك. هذا هو صراخ المصالحة مع الله (2كو18:5، 19).
وإذا سلكت فى طريق الخطية يصرخ الروح القدس فى داخلى. أنت ابن لله. أنت تنتمى للسماء. هل يصح أن تفعل ما تفعله. هل تقبل أن تكون سبب فى التجديف على اسم أبيك السماوى وهذا ما يسمى تبكيت الروح القدس على خطية.
والروح القدس يصرخ فى قلب الخادم أن لا يتكاسل فهو إبن الله. وأن المخدومين إخوته وعليه أن يفتقدهم فهم جميعاً أبناء الآب السماوى. وهو يصرخ فينا ليدفعنا لنصلى ونسبح لنتذوق الأحضان الأبويه. وهذا يسمى تبكيت الروح القدس على بر.
ولو تكاسلت وإعتذرت بأن الشيطان أقوى منى وسبب هذه السقطات يصرخ فى داخلى بأن الشيطان قد دين، وأن المسيح صرخ للآب قائلاً أيها الآب إحفظهم فى اسمك (يو11:17) فهل يعود الآب ويترك إبنه لسلطان إبليس، خصوصاً أن إبليس مدان. وهذا ما يسمى تبكيت على دينونة (يو8:16).
والروح القدس يحكى لى عمن هو المسيح فأحبه. ويحكى لى عن المجد المعد فأشتهيه. فيقول لى كل هذا لك فأنت إبن. فأصرخ لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا (يو14:16+ 1كو 9:2-12+ فى 23:1).
والروح القدس هو الذى يعطينى الشعور بالبنوة، وبدالة البنوه ويقول لى أطلب بثقة من الله. أنت ابن.
غل7:4: ” إذًا لست بعد عبدًا بل ابنًا وإن كنت ابنًا فوارث لله بالمسيح”.
(رو17:8) : " فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً ورثة الله ووارثون مع المسيح"
(عب2:1): ابنه الذى جعله وارثاً لكل شىء.
ما معنى أن المسيح يرث؟ هل كان المسيح ابن الله بلا مجد وصار له المجد؟
إذا تكلمنا عن لاهوت المسيح فهو لم يفقد مجده لحظة واحدة ولا طرفة عين. وإذا تكلمنا عن جسده، فهو وُلِدَ بجسد عادى كجسدنا تمامًا. هذا الجسد صار له كل المجد حينما جلس عن يمين الآب. وكان هذا لحسابنا فكل من اتحد به، واستمر ثابتًا فيه سيصير له المجد كميراث " أنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى" (يو22:17)+ من يغلب (أى يظل ثابتًا فى المسيح " أعطيه أن يجلس معى فى عرشى" (رؤ21:3). لذلك يقول السيد المسيح اثبتوا فىّ وأنا فيكم (يو4:15). فمن يظل ثابتًا فى المسيح فما يحصل عليه المسيح سأحصل عليه أنا. الله الذى أعطى لإبراهيم الوعد ها هو ينفذ وعده ويعطى الميراث لأبناء إبراهيم بالإيمان.
غل8:4: ” لكن حينئذ إذ كنتم لا تعرفون الله استعبدتم للذين ليسوا بالطبيعة آلهة”.
هذا الكلام موجه للغلاطيين الذين عبدوا الأوثان قبل إيمانهم بالمسيح، ولم يعرفوا الله الحق. الله هو الحق، ومن لا يعرف الله لا يعرف الحق، وهكذا تتزيف له كل الحقائق، ومثل هذا الإنسان يصدق الشيطان الكذاب. ومن يعرف الحق يتحرر ومن يتبع الشيطان يستعبد. والله أرسل المسيح وهو الطريق والحق والحياة لنعرف الحق (يو32:8).
إذ كنتم لا تعرفون الله استعبدتم: ما الذى جعل إنسان مؤمن يذهب لأماكن خطية فيستعبد لها؟ إنه لم يعرف الله ولم يتذوق حلاوة عشرة الله. وما الذى يجعلنا نهرب من الصلاة والأصوام والقداسات؟ إننا لم نعرف الله أى لم نتذوق حلاوة عشرة الله. حقاً " هلك شعبى من عدم المعرفة" (هو6:4).
غل9:4: ” وأما الآن إذ عرفتم الله بل بالحري عُرفتم من الله فكيف ترجعون أيضًا إلى الأركان الضعيفة الفقيرة التي تريدون أن تستعبدوا لها من جديد”.
الله أعلن نفسه فى شخص المسيح، ومن آمن [المسيح وعرفه فقد عرف الآب أيضاً " من رأنى فقد رأى الآب" (يو9:14+ يو18:1).
عَرَفتم الله: "لا أحد يعرف الآب إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له" (مت 27:11). عُرِفتم من الله: وكأن الرسول بعد أن قال عرفتم الله تدارك فقال بل عرفتم من الله . فأنا لن أستطيع أن أعرف الله وأسرار الله من نفسى بل أن الله هو الذى يعرفنا نفسه (فأنا لن أستطيع إقتحام قصر الملك لأعرفه وأشاهد قصره، بل هو يدعونى إن أحبنى) إذاً المبادرة من الله . فنحن ليس لنا القدرة الذاتية على معرفة الله. ولكن قوله عُرِفتم تعنى أن الله يعرف من يستحق أن يكشف له نفسه ويكشف له أسراره. وكونه عرفنا نفسه أو كوننا عرفناه فهذا يعنى أنه حسبنا من أخصائه بل من أبنائه.
الأركان الضعيفة: الرسول يتعجب كيف بعد أن عرفوا الله فى شخص إبنه يعودون للختان وخلافه من ذبائح وتطهيرات، أو يعود الأممى لذبائح أوثانه. وهى ضعيفة إذ هى غير قادرة على تطهير الضمائر. وهى فقيرة إذ لا قوة فيها. وهذه الآية تنطبق علينا. إذ كيف بعد أن عرفنا الله وكشف الله لنا عن محبته وعن الأمجاد التى أعدها لنا، نرتد لشهواتنا السابقة التى ليس فيها شبع حقيقى ولا فرح حقيقى ولا تملأ القلب سلام. الشهوات الحسية هى أركان ضعيفة فقيرة فهى تعطى لذات حسية للحظات. أما الله فيعطى سلاماً يملأ القلب العمر كله، سلام يفوق كل عقل (فى7:4). هذا ما جعل الله يتساءل ويعاتب شعبه أنهم تركوه هو ينبوع الماء الحقيقى الحى وذهبوا ينقروا لأنفسهم آبار مشققة لا تضبط ماء (إر13:2).
غل10:4: ” أتحفظون أيامًا وشهورًا وأوقاتا وسنين”.
يتكلم هنا عن مواسم الفصح والأصوام اليهودية، والسنين كسنة اليوبيل.
غل11:4: ” أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثًا”.
يخاف بولس أن تغويهم الحية بمكرها (أى إبليس) (2كو3:11). ويضيع تعبه فيهم. وكلمة أخاف تحمل معنى التشجيع والإهتمام والحب.
غل12:4: ” أتضرع إليكم أيها الاخوة كونوا كما أنا لأني أنا أيضًا كما أنتم لم تظلموني شيئًا”.
فى الآيات 12ـ20 يلجأ الرسول لوسيلة جديدة عاطفية ليثنيهم عن نيتهم فى إتباع الختان، فهو يذكرهم بالمحبة التى كانت له عندهم. ومن هذه الآيات يمكننا أن نعرف الشوكة التى كانت فى جسده. الرسول لم يقصد أن يتكلم عن نفسه ولكنه يريد أن يقول لهم "لقد بشرتكم وأنا فى منتهى الألم والضعف، ولقد أحببتمونى. فلماذا تشكوا فىَ وفى تعاليمى الآن.
أيها الإخوة: يكرر الرسول كلمة الإخوة هنا ليتودد لهم. وهو يتودد لهم بمشاعر أبوية بعد أن إستخدم الشدة معهم. يقول لهم أنا أحبكم فيا ليتكم تحبوننى كما أحببتكم ولا تصدقوا الإشاعات المغرضة عنى. أو يا ليتكم تحبوننى كما أحببتمونى من قبل. كونوا كما أنا: أنا كنت يهودياً وبعد أن عرفت المسيح تركت عوائد الناموس فكونوا مثلى فى هذا. لأننى أنا أيضاً كما أنتم: فهو أصلاً بلا ناموس، وفى هذا صار بولس مثلهم تاركاً للناموس.
لم تظلمونى شيئًا: أى ليس هناك مشاكل شخصية بيننا.
غل13:4: ” ولكنكم تعلمون إني بضعف الجسد بشرتكم في الأول”.
كان بولس حاملاً فى جسده تجربة مرة إعتبرها ضربة من الشيطان ولكن قطعًا بسماح من الله، ولكن بالرغم من ضعفه كان الله عاملاً فيه بروحه بقوة (زك6:4). وقالوا عن مرضه آلام فى العين وقالوا إنه ملاريا. وقالوا صديد فى جسمه. ولاحظ أن بولس لم يستطيع شفاء نفسه بالرغم أنه كان يشفى الآخرين.
غل14:4: ” وتجربتي التي في جسدي لم تزدروا بها ولا كرهتموها بل كملاك من الله قبلتموني كالمسيح يسوع” .
كان لبولس مرض له رائحة كريهة لكنهم لم يزدروا بها (أع12:19). هنا نراهم يأخذون خرق من على جسد بولس. فقيل كان فى جسده قروح.
غل15:4: ” فماذا كان إذًا تطويبكم لأني أشهد لكم أنه لو أمكن لقلعتم عيونكم وأعطيتموني”.
فهم بعض المفسرين أن بولس كانت عينيه مريضة لقوله هنا: لو أمكن لقلعتم عيونكم وأعطيتمونى: وما يؤيد هذا أنه كان يكتب بحروف كبيرة (إذ أنه غير قادر على الكتابة بوضوح) (غل11:6).
تطويبكم: لقد فرحوا بمجئ بولس لهم وأحبوه وطوبوا أنفسهم على ذلك أى حسبوا أنفسهم سعداء إذ تعرفوا على بولس وآمنوا بما أتى به إليهم. وفى هذا عتاب لهم إذ هم نسوا محبتهم لبولس وسعادتهم السابقة لهم بل تركوا تعاليمه مصدقين تعاليم الاخوة الكذبة.
غل16:4: ” أفقد صرت إذًا عدوًا لكم لأني أصدق لكم”.
الاخوة الكذبة أزعجوا الغلاطيون بتعاليمهم. وبولس يقول أنه هو الأصدق
عدوًا: قطعًا من يكذب فهو عدو وليس صديق.
غل17:4: ” يغارون لكم ليس حسنًا بل يريدون أن يصدوكم لكي تغاروا لهم”.
هنا بولس يكشف مكر وخداع الإخوة الكذبة فهم فى غش يدعون الأمانة. وهو هنا يقول إنهم يدعون الغيرة والإهتمام بالغلاطيين.
ليس حسناً: أى ليس بنية صادقة. يصدوكم: يبعدونكم عن الإيمان الصحيح.
لكى تغاروا لهم: أى تنحازوا لهم. فليس مهمًا فى نظر الاخوة الكذبة أن يغير الغلاطيون لله بل أن يستحوذوا هم على غيرتهم تعمل لحسابهم وأهدافهم. وأن تكون الغيرة لله فهذا شئ حسن أما الغيرة للأشخاص فليست حسنة، خصوصًا إذا كانت عن خداع. هؤلاء الإخوة الكذبة أرادوا أن يحولوا الغلاطيين لمجرد تابعين لهم.
غل18:4: ” حسنة هي الغيرة في الحسنى كل حين وليس حين حضوري عندكم فقط”.
هنا ينبه بولس الغلاطيين إنهم كانوا يغيرون للمسيح حين كان بولس الرسول موجودًا بينهم، وبولس رأى أن هذا خطر لأن هذا يعتبر تعلق بشخص بولس وليس بالمسيح. وبولس كان حريصًا على الغيرة لله فقط.
غل19:4: ” يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم”.
أتمخض: يشبه بولس آلامه التى عانى منها فى كرازته لأهل غلاطية بألم الولادة للأم، وذلك حتى يلد أولادًا لهم صورة المسيح. وبولس الرسول هنا يقول أنا كنت لكم كأم ولدتكم بآلام شديدة. ولنرى صورة لآلام بولس فى كرازته (راجع 2كو 11). وبالذات فبولس واجه آلامًا شديدة فى غلاطية، فهم رجموه فى لسترة (ولسترة فى إقليم غلاطية) وجروه خارج المدينة ظانين أنه مات، ولكنه عوفى بل عاد ودخل المدينة ثانية أع 19:14ـ21. ونحن نحصل على صورة المسيح فينا أولاً بالإيمان ثم بالمعمودية ثم بأن نحيا كأموات عن الخطية، بل كمصلوبين أمام العالم، فيحيا المسيح فينا (غل20:2). وعلينا أن نتغذى على كلمة الإنجيل لتنموا بداخلنا البذرة التى حصلنا عليها بالمعمودية (1بط23:1) وهذا لا يتم فى لحظة بل طوال حياتنا (2كو16:4+ كو10:3).
غل20:4: ” ولكني كنت أريد أن أكون حاضرًا عندكم الآن وأغيّر صوتي لأني متحير فيكم”.
هنا يعلن الرسول ضيقه من سلوك شعب غلاطية. أغيّر صوتى: قد تعنى أبكى لأستعطفكم. وقد تعنى أصرخ وأهدد وأتوعد كأب يربى أولاده. وغالبًا فهى تعنى الاثنين، مرة يستعطف، ومرة يهدد.
الآيات 21-31:
هنا يلجأ الرسول لتشبيه جديد. ويستخدم صورة زوجتى إبراهيم سارة الحرة وهاجر العبدة. سارة الحرة تنجب ابنًا بحسب وعد الله، ابنًا يعطيه الله حياة من موت. وهاجر الجارية تنجب ابنًا بطريقة طبيعية مثل كل الناس. والرسول يقارن بين عهد النعمة والحرية بيسوع المسيح وبين عهد الناموس الذى أخذوه فى سيناء. وشبه بولس عهد سيناء بهاجرعبدة سارة التى ولدت إسماعيل. وهذا العهد هو عهد العبودية. ويقارن مع إسحق إبن الموعد الذى هو ليس إبناً بحسب الطبيعة. وكان فى حياة إبراهيم عهدان، عهد الختان الذى أخذه فى حياة إسماعيل وبوجود هاجر العبدة. وعهد الموعد الذى سيقيمه الله فى نسله. وكما عبر إبراهيم على عهد الختان رمز العبودية بسبب إسماعيل وهاجر إل عهد الموعد رمز الحرية بسبب إسحق وسارة. هكذا عبر شعب الله من عهد العبودية فى سيناء وهو عهد الختانة والناموس إلى عهد الحرية بالمسيح النسل الموعود.
✥ فسيناء المصرية وهاجر المصرية (ومصر تذكرهم بالعبودية) وإسماعيل رموز لعهد الناموس (والناموس أخذوه فى سيناء المصرية). كل هذا إشارة للعبودية والختان.
✥ إسحق ابن الوعد، ولد فى أرض الموعد، أرض الحرية وهو ابن سارة الحرة ، هو رمز للمسيح الموعود به، وإسحق أيضًا يرمز لعهد النعمة .
✥ أورشليم ترمز لأورشليم السماوية وللكنيسة الآن.
✥ سارة الحرة ترمز للعهد الجديد وللكنيسة التى حررها المسيح .
✥ هاجر العبدة تشير لأورشليم الحاضرة أيام بولس الرسول، والمستعبدة للناموس وللرومان (وهذا ما يريد الإخوة الكذبة ردهم إليهم).
غل21:4: ” قولوا لي أنتم الذين تريدون أن تكونوا تحت الناموس ألستم تسمعون الناموس”.
بولس هنا يؤنب الغلاطيون، إذاً إنهم حين قرأوا الناموس وقفوا عند حدود الفروض الناموسية، ولم يدركوا أن الناموس يتكلم عن المسيح. فكانوا مثل تلميذى عمواس محتاجين لمن يشرح لهم عن المسيح.
ألستم تسمعون الناموس: هذه مثل تضلون إذ لا تعرفون الكتب (مت42:21 + مت29:22 + لو26:24، 27). الرسول يريد أن يقول للغلاطيين "هل تفهمون ما تقرأونه فى الناموس".
غل22:4، 23: ” فإنه مكتوب إنه كان لإبراهيم ابنان واحد من الجارية والآخر من الحرة. لكن الذي من الجارية وُلِدَ حسب الجسد وأما الذي من الحرة فبالموعد”.
لقد كان اليهود يفتخرون بأنهم أولاد إبراهيم بحسب الجسد. وهنا بولس يظهر لهم أن إسماعيل أيضًا ابن الجارية هو ابنًا لإبراهيم حسب الجسد. أما إسحق فله ميزة أنه ليس حسب الجسد بل حسب الوعد، لذلك ليس غريبًا أن ندعى أولاد إبراهيم رغمًا عن عدم التصاقنا به جسديًا. وكما تأخرت سارة فى الولادة تأخر الأمم فى الإيمان، وتأخرت الكنيسة فى الولادة عن بداية الشعب اليهودى. وهذا هو الوعد أنه كما خرج إسحق من مستودع سارة الميت هكذا خرج الأمم المؤمنين الذين صاروا أحياءً بإيمانهم من مستودع الأمم الوثنى الميت. وهنا سؤال للمتهودين أو اليهود.. من يفتخر بأنه ابن لإبراهيم بالجسد فهو نظير إسماعيل. وأما نحن المسيحيين نفتخر بأننا أولاد لإبراهيم بالإيمان. نحن صرنا أبناء بحسب الموعد نظير إسحق.
غل24:4: ” وكل ذلك رمز لأن هاتين هما العهدان أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية الذي هو هاجر”.
هاجر جارية وعبدة تشير لعبودية مَنْ فى العهد القديم. وكان من نسل إبراهيم العبيد الذين أتوا من جارية. وذلك رمز لأن كل نسل إبراهيم بالجسد هم عبيد تحت الناموس، فأولاد إبراهيم ليس كلهم متساوون فى المقام. وهاجر العبدة المصرية صارت رمز للناموس الذى كان فى سيناء والذى ولد أولادًا يعيشون فى عبودية : الوالد للعبودية
غل25:4: ” إن هاجر جبل سيناء في العربية ولكنه يقابل أورشليم الحاضرة فإنها مستعبدة مع بنيها”.
أطلق بولس على عبودية شعب إسرائيل فى سيناء للناموس إصطلاح هاجر. وهذا ينطبق على اليهود والمتهودين وأورشليم اليهودية أيام بولس.
غل26:4: ” وأما أورشليم العليا التي هي أمنا جميعا فهي حرة”.
أورشليم العليا: هى الكنيسة الآن، أولاد المعمودية وامتدادها بعد ذلك فى السماء. وهى عليا فى مقابل أورشليم الحالية المستعبدة. وهى عليا لأن المسيح قال ينبغى أن تولدوا من فوق (يو7:3)، وهى عليا لأننا نحيا فى السماويات (أف6:2) وسيرتنا هى فى السماوات (فى20:3). ولذلك يسأل الكاهن فى القداس أين هى عقولكم ونرد هى عند الرب. وأورشليم العليا سننطلق إليها فى النهاية (يو2:14 و3). هى مدينة السلام، مركز العلى، وطننا السماوى (رؤ2:21، 3، 9-27،11). وكلمة أورشليم حرفياً تعنى رؤية السلام. ففى مقابل هاجر سيناء التى ولدت عبيدًا، نجد أورشليم العليا التى نُولد منها جميعًا يهودًا وأممًا كأبناء أحرار.
غل27:4: ” إنه مكتوب افرحي أيتها العاقر التي لم تلد اهتفي واصرخي أيتها التي لم تتمخض فإن أولاد الموحشة أكثر من التي لها زوج”.
يستعير بولس الرسول هنا من (إش1:54) حيث يخاطب أورشليم فى حالتها الأولى قبل السبى وكأنها أم مخصبة لها بعل، أما حالتها أثناء السبى فهى كأم مهجورة بلا زوج ولا بنين فأولادها ذهبوا إلى السبى. ثم يخاطبها بعد عودتها من السبى وهى مسرورة بعودة بنيها. ولكن الآية تشير حقيقةً إلى كنيسة الأمم التى كانت بلا عريس ولا أبناء لله ثم صارت عروسة له وأم ولودة تلد أولادًا لله، أولادها من اليهود والأمم المؤمنين فى كل العالم. فالآية نسبيًا على أورشليم، لأن أورشليم قبل السبى كانت تلد ولم تكن عاقرة. ولكن الآية تشير كليًا إلى الكنيسة. وقارن مع (إش 1:60ـ5، 10ـ13). ثم يصور صورة كنيسة المسيح آخر الأيام (إش18:60ـ 20). التى لها زوج: يقصد كنيسة اليهود وزوجها كان الناموس.
غل28:4: وأما نحن أيها الاخوة فنظير اسحق أولاد الموعد”.
إسحق يشير لأولاد الموعد أى كنيسة المسيح، المواطنون السمائيون شركاء الميراث. ونحن نحصل على البنوية لله بحسب وعد الله الذى نسمعه من فم الكاهن فى العماد.
غل29:4: ” ولكن كما كان حينئذ الذي وُلِدَ حسب الجسد يضطهد الذي حسب الروح هكذا الآن أيضًا”.
قيل فى سفر التكوين إن إسماعيل كان يمزح مع إسحق ولكنه لم يكن مزاح برئ. فكلمة يمزح المستخدمة فى الكتاب تشير للإستهزاء والسخرية. ونلاحظ أن أولاد الله غرباء فى الأرض مضطهدين فيها. وكل غريب يكون مكروه كمتطفل. ولكن من يرفض الآلام على الأرض فهو يرفض نصيبه السمائى. وبولس يقول هكذا الآن أيضًا: فاليهود الذين ما زالوا فى عبودية الناموس (نظير إسماعيل المولود من عبدة) مازالوا يضطهدون المسيحيين الذين هم نظير إسحق الحر ابن الوعد. وكم عانى بولس الرسول فى كل مكان من إضطهاد اليهود له.
غل30:4: ” لكن ماذا يقول الكتاب أطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة”.
سارة قالت " هذا لا يرث مع ابنى" وكأن الله يُؤَمن على كلام سارة والرسول يلتقط هذا ويقول إن ابن ناموس العبودية أى اليهود أو المتهودين لن يرثوا مع الأحرار أى الكنيسة فابن الجارية لا يرث مع ابن الحرة وابن ناموس العبودية لا يرث فى بركات المسيح وميراثه السماوى. وهذه نهاية المضطهدين الذين عاشوا لا يهتمون سوى بميراث الأرض ويضطهدوا أولاد الله، فلا ميراث سماوى لهم. أما من تألم مع المسيح على الأرض فنصيبه فى السماء. هنا بولس يحذرهم أن يكون نصيبهم الطرد كهاجر وإسماعيل بسبب استمرارهم فى التمسك والإلتزام بالناموس كعبيد فهم طالما يريدون أن يعيشوا كعبيد فلا ميراث سماوى لهم.
غل31:4: ” إذًا أيها الاخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة”.
يريد الرسول أن يقول فلنكن أولاد المسيح وليس أولاد الناموس لنرث الله مع المسيح. وإسحق رمز للحرية لذلك علق بولس فى الآية التالية (1:5) على الحرية الحقيقة . فالآية (1:5) هى الخاتمة المنطقية للأصحاح الرابع.
أنهى الرسول الإصحاح الرابع بأننا أحرار ولئلا يسئ أحد فهم الحرية بدأ هنا فى هذا الإصحاح يحدثنا عن الحرية التى حررنا بها المسيح (يو36:8) فالحرية التى لنا ليست كما يتحدث عنها العالم أى هى ليست حرية إباحية يطلق فيها الإنسان العنان لشهواته. بل نحن نتكلم عن إنسان مؤمن مات مع المسيح عن العالم، صار مصلوبًا عن العالم والعالم مصلوبًا له. لا يستعبده شئ فى هذا العالم (غل 14:6). ونحن بحريتنا نتشابه مع مخلصنا فى بذل حياتنا عن العالم. الحرية الحقيقية هى فى قيادة الروح القدس لحياتنا فيجذبنا لنتحرر من الأرضيات ونحيا فى السماويات. إذا تحدثنا عن الحرية التى قصدها بولس الرسول فهى حرية من الالتزام الحرفى بطقس الناموس ولكنها ليست خروجًا عن ناموس المسيح ولا عن ناموس موسى الأخلاقى كالوصايا العشر مثلاً.
الحرية
أساء الناس فهم الحرية دائمًا. فحاول أن تقول لإنسان خاطئ: كف عن خطيتك (مثال حاول أن تنصح مدخن أن يكف عن التدخين) فستجد الإجابة المكررة من الجميع: أنا حر. وهكذا أجاب اليهود على المسيح حينما حدثهم عن الحرية وقالوا لم نستعبد لأحد قط (يو32:8ـ36) ولاحظ أنه فى هذا الوقت كان اليهود مستعبدين للرومان. وهكذا كل خاطئ يتصور أنه يمارس خطيته بحرية ولا يدرى أنه مستعبد لها.
والله أعطانا الوصايا ليحمينا من أن نُستعبد لغيره، فنُذل. حين يطلب الله أن نعبده ولا نعبد سواه فى الوصية الأولى من الوصايا العشر، كان هذا ليس لأن الله فى حاجة لعبوديتى أو لعبادتى، ولكن الله كأب يخاف على أن أعبد غيره فيذلنى هذا الآخر. سواء صنم أو شيطان أو لذة...
والفلاسفة الملحدين فهموا أن الوصايا هى تحكم من الله واستعباد الله لنا.
فقال بعضهم:
* الله فى برج عاجى لا يشعر بحاجات الإنسان.
* الله خلق الإنسان ليستعبده ويذله وأن حرية الإنسان لا تأتى إلا بالإنفلات من الله والتخلص منه، لذلك ناضلوا ضد فكرة وجود الله. ولاحظ أن الإلحاد غير الوثنية. فالوثنية هى عبادة أصنام أما الإلحاد فهو رفض فكرة وجود إله أصلاً. هؤلاء اعتبروا أن الله يقيد حريتهم فرفضوه. وقالوا الإنسان موجود بقدر ما هو حر.
* قالوا أبانا الذى فى السموات إبق هناك (أى لا نريدك إلهاً لنا).
* قالوا لنترك السماء للملائكة والعصافير (فهم يريدون الأرض).
* نيتشة أعلن موت الله وأعلن الكنائس قبوراً له (ليصير هو إلهًا).
* قالوا إنهم برفضهم لله يحققون ملء إنسانيتهم.
ونرد عليهم
1 ـ الله خلقنا على صورته أحرارًا، فالله يريد أن نختاره بحريتنا ونحبه بحريتنا ولا نحبه كعبيد. لذلك قال: " لا أعود أسميكم عبيد بل أحباء" وإذا كان الله أعطانا الحرية فلماذا يأخذها ثانية.
2 ـ الله الذى يسمى نفسه أب وأخ وصديق وعريس... هل يريد أن يذلنا.
3 ـ كيف يستعبد الله الإنسان ويذله. وهو الذى أذل نفسه بتجسده وصلبه بل ترك العبيد يلطمونه. هو غسل أرجل تلاميذه ومازال واقف على الباب يقرع ينتظر من يفتح له، باحثاً عن الدرهم المفقود.
4 ـ بالحرية التى أعطاها الله الإنسان:
أ) رفضه الفلاسفة ب) أهانه الملحدين
ج) صلبه لليهود د) خالفنا وصاياه جميعاً.
5 ـ يقال إن الأكثر حبًا أكثر ضعفًا. والله محبة فهو إذًا أكثر حبًا. الإله الذى يتهمونه بأنه يستعبد البشر يقول: " حَولِى عنى عينيك فإنهما قد غلبتانى" ولذلك نجد الله يقف كمهزوم أمام يعقوب.
6 ـ رفضهم للوصايا هو رفض مريض لروشتة طبيبه.
7 ـ هم ظنوا الصلوات والأصوام عبودية. ولكن من جربها شعر بلذة الله وبقوة لا نهائية تسانده.
8ـ هم يريدون تحقيق ملء إنسانيتهم، والله يريد أن يؤلهنا " ألم أقل إنكم آلهة" فالله يريد أن يخرجنا من ذاتيتنا وقفصنا البشرى لنتحد به ونلتصق بألوهيته ونصير شركاء الطبيعة الإلهية.
9 ـ أقصى ما يحلم به هؤلاء هو أن يعيشوا فى لذاتهم الحسية بحرية كالحيوانات وتنتهى حياتهم بالموت مثلهم بلا حياة بعد الموت. أما الله فيخطط لنا لحياة أبدية ومجد أبدى وفرح أبدى.
10 ـ باختصار هم يهاجمون ويرفضون إلهًا ليس هو إلهنا الذى نعرفه.
لماذا الوصايا ؟
الله خلق آدم حرًا. وأعطاه وصية حتى لا يفقد حريته. ولما أخطأ وسقط خسر كثيرًا ومات. ولكن الله أعطاه بعض الوصايا حتى يعيش بقدر الإمكان فى سعادة الفترة التى سيعيشها على الأرض. إذًا هذه الوصايا ليست لصالح الله، فالله لن يزداد قداسة لو نفذنا الوصايا ولن يقل لو لم ننفذها. إنما هى لصالح الإنسان.
آدم فى الجنة كان كمريض بالإيدز (نقص المناعة) الموجود فى غرفة معقمة. وطالما هو فى الغرفة المعقمة ممكن أن يعيش ولا يموت. وقول الله له لا تخطئ، كقولنا لمريض الإيدز، لا تخرج من الغرفة المعقمة لئلا تموت. وحينما أخطأ آدم خرج من الجنة وهذه تساوى خروج مريض الإيدز من الحضّانة. حينئذ يأتى الطبيب ويقول لمريض الإيدز طالما خرجت، فخذ هذه الوصايا لتحيا أطول فرصة ممكنة فى صحة: " لا تمتد يدك إلى شئ ملوث، إغسل المأكولات أولاً..."، وهكذا فعل الله إذ أعطانا الوصايا، ففائدة الوصايا هى أن نحيا سعداء وبلا عبودية وبلا مذلة. هى لصالحنا وليست لمصلحة الله. لذلك فالله فى حزقيال20 حين أراد أن يظهر محبته لشعبه، قال لهم أنا قد أعطيتكم الوصايا تحيون بها (حز11:20).
فالخطية تستعبد الإنسان. وحينما تذوق آدم من الشجرة وتلذذ بها انفصل عن الله. وهذا ما نبه له الله ألا يتذوق من الشجرة، ولم يستمع وبنفس المنطق يعطى الله الوصايا ليقول لنا: " آدم خالف الوصية فخرج من الجنة وعاش فى آلام الأرض، وأنتم لا تخالفون وصاياى فتتألموا" والله هو الذى خلقنا ويعرف أننا جسد + نفس + روح. أما هؤلاء الفلاسفة فلا يروا سوى الجسد، فأرادوا أن يعطوا هذا الجسد كل ملذاته وشهواته ظنًا منهم أن هذا هو طريق السعادة للإنسان وملء إنسانيته. لكن الله الذى يعرف كخالق لنا أن هناك روح لا تشبع وترتاح سوى بطريق آخر غير اللذات الحسية، أعطانا الوصايا التى من يتبعها تشبع روحه فيجد راحة وسلام وفرح.
ونلاحظ أن البلاد الإسكندنافية بها أعلى نسبة من الانتحار والأمراض النفسية مع إنها بلاد بلا مشاكل مادية، والسبب أنهم أشبعوا الجسد فقط بالملذات ولم يشبعوا الروح، التى لا تشبع ولا ترتاح إلا بالقرب من الله وهذا لا يأتى إلاّ بتنفيذ الوصايا، التى أعطاها الله للإنسان كطريق للفرح. وقارن مع السواح الذين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتلذذون بملذات العالم لكنهم فى منتهى الفرح. لأن الروح حين تشبع تشبع النفس ويشبع الجسد. والعكس غير صحيح.
العبودية لله تحرر
يعقوب ويهوذا أخو الرب حينما كتبا رسالتيهما فى الكتاب المقدس لم يفتخرا بكونهما إخوة للرب يسوع، بل بكونهما عبيدًا له . فالقرابة الجسدية لا تفيد. لكنهما اكتشفا أن العبودية لله فيها كل البركة والحرية. لسبب بسيط أن الله خلقنا على صورته أحرارًا، فالله لا يريد عبيدًا. بل خلقنا أحرارًا وبحريتنا إما نقبل الله إلهًا نعبده أو نرفضه. والله يحترم حريتنا هذه، فمن رفضه لا يرغمه الله على شئ. والدليل بلايين البشر الذين رفضوا الله ووصاياه والله لم يتخل عنهم بل كان يطعمهم ويعولهم ويشرق بشمسه عليهم. أما العبودية لآخر (شيطان، شهوة، خطية، لذة) فهى تستعبد الإنسان، ولا يستطيع بسهولة الفكاك من هذه العبودية. والإنسان قبل المسيح استُعبد للشيطان وللخطية. وجاء المسيح ليحررنا (يو32:8ـ36) ويطلب منا أن لا نعود للخطية فنُستعبد. فطالما نحن عبيدًا لله، فنحن أبناء لله، نعيش فى بيت الله. فى بيت أبينا. نعيش فى فرح وفى ملء البركة. أما من يرفض كالابن الضال فهو يخرج من بيت أبيه إلى المجاعة فى الخارج وإلى العبودية. وللآن فهناك من يفهم الحرية خطأ، وأن الحرية هى فى ممارسة الخطية، فيستعبد لها ويُحرم من بركات الله له. أما الابن الذى يحيا يعبد الله طائعًا وصاياه فيبقى فى بيت أبيه مستمتعًا بالأحضان الإلهية الأبوية، لا يعود يخاف من شئ فهو فى يد أبوه الإله القوى، لا يخاف إنسان ولا يخاف من الغد ولا يخاف على رزقه سيتحرر من همومه ويعيش فى حرية. من يستعبد نفسه لله، لن يعود يهتم بالناس بل بأن يرضى الله، فلن يُستعبد لإنسان ولن يهتم بتقدير أحد. بل سيتحرر من العواطف البشرية. فهو قد أحب الله الذى شعر بأحضانه الأبوية أكثر من الناس وأكثر من أقربائه. سيحب الله أكثر من أبيه وأمه... من يستعبد نفسه لله سيفتح الله عينيه على أمجاد السماء فلا يعود يشتهى شيئًا فى الأرض. لذلك قال أغسطينوس: " جلست على قمة العالم عندما صرت لا أشتهى شيئًا فى العالم". وهذا هو سر قوة المسيحية أن نرتبط بالمسيح إلهنا بقوة حب ترفعنا للسماء وتحررنا من الأرضيات ونشعر بالحرية الحقيقية، أى أن نتحرر من كل ما يجذبنا للأرضيات ويجعلنا نلتصق بها، لا يعود لشئ سلطان علينا. هذا ليس معناه أن نترك أعمالنا وبيوتنا. بل ابن البيت يأكل ويشرب ويلعب وهو مستمتع بمحبة وأحضان أبيه. ونحن نعيش ونعمل ونتزوج ونحيا حياة طبيعية ولكن القلب لله، يعبد الله، ويستمتع بمحبة أبيه وأحضانه. وهذه دعوة لكل إنسان. ومن يذهب لله ليعبده يجرى الله نحوه بالأحضان.
تعرفون الحق والحق يحرركم: (يو32:8)
طريق الحرية الحقيقية هو معرفة الحق. والمسيح هو الحق " أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو6:14). والآب هو الحق، والسماء حق. أما الأرض بكل ما فيها فهى باطل الأباطيل (سفر الجامعة). والأرض بكل ملذاتها ومجدها هى باطل الأباطيل، هى قبض الريح، هى سراب نسعى وراءه ولا ندرك شيئًا سوى أن نُستعبد لشهواتها العمر كله. أما من يتذوق معرفة الله الحق ويتذوق لذة السمائيات فيكون كمن وجد لؤلؤة كثيرة الثمن هى (الحق) فمضى وباع باقى اللآلئ (محبة العالم) وباع أى صارت بلا قيمة عنده. أصبح لا يجرى ورائها ولا يهتم بها. لكننا لن نتحرر من محبة العالم ولذاته ما لم نتذوق أولاً حلاوة المسيح أى نعرف الحق. وهذا هو جهاد المؤمن أن يجاهد فى صلاته (يتغصب على الصلاة مت 12:11) ويومًا وراء يوم سيكتشف المسيح. وهكذا فى دراسته للكتاب المقدس سيكتشف المسيح (الحق) ويتحرر من عبودية العالم.
الروح والجسد
الله خلق الإنسان طاهرًا. وبعد السقوط صار هناك انفتاح على الشر، صار فى الإنسان، إنسان داخلى عتيق، أى طبيعة تميل وتشتهى الشر. وبعد المعمودية تنكمش وتموت هذه الطبيعة (لكن لنا سلطان بحريتنا أن نقيمها ثانية) وتولد فينا طبيعة جديدة، إنسان داخلى جديد منفتح على السماء يشتهى الله. وبحريتنا نحكم على إحدى الطبيعتين (أو الإنسانين) الداخليين بالموت وعلى الآخرى بالحياة. فمن يحيا ميتًا أمام الخطية مصليًا مسبحًا دارسًا للكتاب المقدس فهو يميت إنسانه العتيق ويحيى وينمى إنسانه الداخلى الجديد والعكس فمن يهمل وسائط النعمة ويجرى وراء شهواته فهو ينشط ويحيى الإنسان العتيق وكأنه يحكم على الإنسان الداخلى الجديد بالإنكماش والموت.
إنسان مولود بحسب إنسان وُلِدَ فى المعموديه إنسان أهمل جهاده
الطبيعه من أبيه وأمه من الماء والروح وسعى وراء شهواته
وبولس الذى يتكلم هنا عن الحرية يقول طالما إنك حر فاختار طريق الروح أى أن تجاهد لينمو الإنسان الداخلى الجديد وينتعش الإنسان العتيق. والإنسان الداخلى سواء هذا أو ذاك هو الذى سيقود أعضاء جسدك (رو16:6) فإن قادها الإنسان العتيق صارت آلات إثم. ولو قادها الإنسان الجديد صارت آلات بر. ونسمع هنا قول الرسول " اسلكوا بالروح". والروح هنا ليس هو الروح الإنسانى بل هو الروح القدس. والروح القدس يقود الإنسان الداخلى الجديد. والروح الإنسانى ليس بالضرورة أن يكون طاهرًا. فالمتكبر إنسان روحه متكبرة والشيطان نفسه روح. ويقول الرسول " لا تكملوا شهوة الجسد". والرسول بهذا لا يهاجم الجسد بل الإنسان الداخلى المنفتح على الشر (العتيق).ونسمع فى (غل17:5) أن هذان يقاوم أحدهما الآخر أى الروح والجسد فالروح القدس يعمل مع الإنسان الداخلى الجديد (هذا إن كنت أنا أجاهد وأحافظ على الإنسان الداخلى حيًا منتعشًا ناميًا بالصلوات ودراسة كلمة الله وممارسة وسائط النعمة عمومًا) فيجذب الإنسان ليحيا فى السماويات والعكس فإن أهمل الإنسان وسائط النعمة يضمر الإنسان الداخلى الجديد وينتعش الإنسان العتيق جاذبًا الإنسان للأرضيات. وأحسن تشبيه لهذا الوضع هو المنطاد (بالون يحتوى على غاز خفيف يجذب إلى فوق) ومثبت بالبالون سلة يركب فيها إنسان لتحمله إلى فوق. ويوجد بالسلة أكياس رمل، وتربط السلة بأربطة تمنعها من الطيران. وإذا شاء الإنسان أن يطير يقطع الأربطة ويلقى بأكياس الرمل فيطير البالون. هنا لو تذوق هذا المسافر حلاوة السماء سيلقى بالمزيد من أكياس الرمل بحريته ليرتفع أعلى وأعلى. والرباطات التى تربط البالون بالأرض هى الخطايا والشهوات الخاطئة، وقطع الأربطة هى التوبة. وأكياس الرمل هى اللذات المحللة كالطعام والشراب. وإلقاء أكياس الرمل هو الصوم والزهد والتقشف وهذا لن نمارسه بلذة، ما لم نتذوق طعم السماويات. الروح يجذب لأعلى بأن يقنعنا أن نلقى بأكياس الرمل أى نزهد فى ملذات الدنيا. ثما كلما عشنا فى السماويات وتذوقنا حلاوتها، نزداد فى أصوامنا وزهدنا بحريتنا وهذا ما قاله السيد المسيح من ضيع حياته لأجلى يجدها (مت39:10) .
الرسول بعد أن تكلم عن الحرية طلب منا أننا بحريتنا نختار طريق الروح أى نهتم ببناء الإنسان الداخلى الجديد تاركين شهوات الجسد لنحيا فى السماويات. ويكون لنا ثمار الروح (22:5، 23). وهذا يكون بأن نصلب شهواتنا وأهوائنا (نحكم بالموت على الجسد أو الإنسان العتيق 24:5) أما من يعمل للجسد أى يستخدم حريته لإرضاء ملذاته الجسدية الشهوانية فهو يحكم بالموت على إنسانه الداخلى الجديد وينعش العتيق وهذا العتيق أعماله فظيعة سجلها الرسول هنا فى (غل19:5ـ21).
كيف نحيا فى السماويات؟
نجاهد أى نغصب أنفسنا أن نسمع وننفذ الوصايا (مت12:11). فيسكن عندنا الآب والابن (يو23:14) ولا نقاوم الروح، فنمتلئ منه، خصوصًا إذا سبحنا وصلينا... وبذلك يسكن عندنا الثالوث. فنصير سماء. وحين نصير سماء ونتذوق حلاوتها يزداد زهدنا فى الأرضيات (نلقى بأكياس الرمل من المنطاد) بحريتنا. فنزداد إحساسًا بالسمائيات إذ نرتفع أكثر وأكثر وبهذا نفهم ترابط الإصحاح. فهو يكلمنا عن الحرية، ثم يشرح معنى الحرية الحقيقية وأن الحرية ليست فرصة للاندفاع وراء شهوات الجسد. فالجسد فى صراع مع الروح وحينما نُغَلِب الروح على الجسد تكون لنا ثمار الروح . الحرية أيضًا يجب أن نفهمها أننا نحيا فى دوائر متماسة، فالله لن يتركنى أعتدى على حرية غيرى. أنا حر الحركة داخل دائرتى لا أتعداها إلى دائرة الآخر
ا
وهذا مثل لاعب الكرة. هو بحريته يعطى الكرة لمن يشاء، ولكن هناك حدود له. فلو ضرب لاعب آخر يعاقب أى أن حريته مقيدة. ولولا أن حريتنا مقيدة سنفسد خطة الله ونعتدى على حياة الآخرين. والله حدد حريتنا لأننا يمكن أن نخطئ، أما الله فحريته مطلقة فهو لا يخطئ. إذًا الله لا يذلنا إذ يعطينا وصايا نعيش بها فهذه لكى نعيش فى فرح ولكى لا نهلك. وإن قال إنسان أنا حر ولم يطع الوصايا فهو كمريض قال أنا حر وترك الدواء الذى وصفه الطبيب. فمن يترك وصايا الله سيحيا فى حزن. والكنيسة لا تذلنا إذ تضع لنا وصايا وصلوات طويلة وأصوامًا طويلة هى تشجعنا بأن نلقى أكياس الرمل، تشجعنا أن نتذوق السمائيات فنلقى نحن بأكياس الرمل بعد ذلك بحريتنا أى نزداد زهداً وتقشفًا.
مفهوم الحرية فى غل 5
1 ـ هى حرية من الخطية. فالخطية تستعبد الإنسان.
2 ـ حرية من وثنيتهم القديمة حتى لا يرتدوا إليها.
3 ـ حرية من أعمال الناموس وعوائده مثل الختان والنجاسات والمأكولات النجسة (لا11) والتطهيرات والذبائح وعدم لمس الميت...
4 ـ حرية من تقليد الآباء اليهود. الذين منعوا السير يوم السبت سوى لمسافة محددة وقال آباءهم إن الله لا يسير مسافة أطول من قامته يوم السبت. والآن فى إسرائيل يأتى الرجل بعامل فلسطينى ليضئ له النور ويطفئه يوم السبت فهو لا يعمل يوم السبت حتى فى إنارة وإطفاء منزله.
غل1:5 : ” فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية”.
نير: هى اسم للخشبة التى تربط حيوانين يجران حِملاً. والمقصود لا ترتبطوا بخطية أو بأحكام الناموس فتكون لكم كنير. هو وصف صعب لمن يتعبد لوصايا وأحكام ثقيلة بدون فائدة، ويكون كالبهيمة التى تحمل النير على رقبتها وتجر ثقلاً هائلاً دون أن تفهم أو تدرى عنه شيئًا. والرسول يريد أن يقول إن المسيح حررنا من ثقل الناموس فلماذا نعود لعبوديته. هم لم يستفيدوا من خبراتهم السابقة إذ تحرروا بإيمانهم من أوثانهم وها هم ينتقلون إلى عبودية أخرى للناموس. وفى المقابل يقول السيد المسيح إحملوا نيرى فهو خفيف (مت30،29:11) فهو (أى المسيح) الذى يحمله حقيقة (يو5:15). والمقصود بنير المسيح أى وصاياه. ومن يحاول أن ينفذها سيجدها سهلة التنفيذ لأن المسيح هو الذى يحمل معنا. أما الذى يقف خارجًا ويقول هى صعبة التنفيذ لن يقدر على شئ. لن يقدر أن لم يبادر ويحاول التنفيذ.
مثال: لو قلت لك احمل رجل ثقيل جدًا واقف فى الماء، ستقول لا يمكننى حمله. ولكن لو حاولت ستجده خفيفًا جدًا. لأن قوة دفع الماء هى التى تحمله.
الحرية التى حررنا بها المسيح: هى حرية من كل خطية ومن الناموس (يو34:8 ـ36). فالمسيح فى هذه الآيات يشير لأنه فك العبيد من نير عبوديتهم ليصيروا أبناء. وهذه لا يقدر عليها سوى المسيح الذى يمنحنا روح البنوة.
فاثبتوا: معناها قفوا بجدية وحزم. مادام المسيح قد حرركم فقفوا بثبات فى هذه الحرية. ولو علّمكم الاخوة الكذبة أن ترتدوا، عليكم أن تثبتوا فى الحرية التى حرركم بها المسيح، ولا ترتدوا للاستعباد لا لخطية ولا للناموس. وقوله اثبتوا فيه إشارة لتذبذبهم. والثبوت فى الحرية هو الثبوت فى الإيمان بالمسيح. لأن المسيح هو الحق، والحق هو الذى يحرر. والروح القدس هو الذى يعرفنا المسيح ويخبرنا عنه فنعرف الحق فنتحرر (يو14:16 + يو6:14 + يو32:8-36).
غل2:5: ” ها أنا بولس أقول لكم إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئًا”.
أنا بولس: الذى له سلطان من المسيح، وتعليمه من المسيح. بالإضافة إلى أنه هو الذى بشرهم، وعرفوا المسيح بواسطته. وأحبهم وأحبوه. ولمحبته لهم التى اختبروها، ها هو يخبرهم بالصالح لهم. إن إختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئًا: من يذهب ليختتن ظنًا منه أن الختان طريق للخلاص، فهو لا يؤمن بالمسيح مخلصًا وأن فيه الكفاية. هو لا يثق فى كفاية دم المسيح للخلاص. ومن لا يؤمن لا يتبرر، ومن يؤمن بالمسيح أى أن يثق فيه ينال من المسيح خلاصًا وبرًا ومعونة ونعمة بلا حدود. أما من يختتن خوفًا من الناموس فهو لا يثق فى قوة النعمة لذلك فهو يفقد فعلها فى حياته بل يضع نفسه تحت حكم الناموس.
غل3:5: ” لكن أشهد أيضًا لكل إنسان مختتن أنه ملتزم أن يعمل بكل الناموس”.
أيضًا: عائدة على الآية السابقة. والختان هو المدخل لكل الناموس اليهودى، هو علامة الدخول لليهودية ومن ثم الإلتزام بالناموس. فمن اختتن يلزمه تقديم ذبائح دموية. ومن التزم بالناموس عليه أن يكمله وإلا صار ملعونًا (غل10:3) وأين فى هذا العالم من استطاع الالتزام بكل ما فى الناموس من وصايا. ومن ارتد للناموس ليتبرر فهو يرتد عن المسيح لأنه إن كان الناموس يبرر، فالمسيح مات بلا سبب (21:2). فالذى استعبد نفسه تاركًا حرية المسيح يجب ألا يسلك فيما بعد كإنسان حر بل كعبد ملتزم بكل قوانين الناموس. أما البر الذى بالمسيح فهو أنه أى المسيح أُسلِمَ من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا (رو25:4).
غل4:5: ” قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس سقطتم من النعمة”.
تبطلتم عن المسيح. سقطتم من النعمة: إذ ذهبوا لمصدر آخر غير المسيح ليتبرروا بطلت العلاقة مع المسيح، فمن يرجع ليحيا تحت لعنة الناموس يسقط من عمل النعمة، فماذا يبقى له حينئذ إلا الغضب لأن الناموس يقف عاجزًا والنعمة تتخلى تمامًا. الناموس ليس لديه قوة والمرتد قد ترك المسيح ونعمته، ولم يعد للنعمة عمل معهم. كل هذه الخسارة تحدث فى حالتين:
1) عندما يتكل المؤمن على أحد غير المسيح أى الناموس فى حالة غلاطية أوعلى بره الذاتى فيفتخر بأعماله (لذلك تعلمنا الكنيسة فى معظم مردات القداس أن نقول يارب ارحم. أى ليس لنا يا رب أن نطلب، إذ نحن غير مستحقين فنحن عبيد بطالون. ولا نطلب سوى مراحمك).
2) أن يرتد المؤمن لطريق الشر، فلا شركة للنور مع الظلمة.
عمومًا الإرتداد لأعمال الناموس يفقدنا النعمة، لأن النعمة الشرط الأول لها هو الإيمان. وبدون إيمان لا يمكن إرضاء الله (عب6:11) الإيمان هو المدخل لكل البركات الإلهية (انظر المقدمة).
غل5:5: ” فإننا بالروح من الإيمان نتوقع رجاء بر”.
المدخل هو الإيمان بعمل فداء المسيح، وتأتى المعمودية بعد ذلك، وفيها أموت مع المسيح وأقوم معه. ثم الميرون أى حلول الروح القدس. كل هذا لخصه الرسول هنا فقال فإننا بالروح من الإيمان: فبدون إيمان كمدخل لن يحل علينا الروح القدس. والروح القدس يعمل على تغيير شكلى لشكل المسيح (كمثال فنان يحول قطعة رخام إلى تمثال جميل) هذا هو الخلاص. والقوة التى تغير طبيعتى هى النعمة التى تجعلنى أموت مع المسيح وأقوم معه بطبيعة جديدة. والإيمان هو تسليم نفس لتموت الطبيعة القديمة، هى قبولى أن أموت عن العالم (هى تسليم قطعة الرخام للمثّال). هى تسليم نفس للروح القدس، أصابع الله لتعمل فىَ. وكلما عمل فىّ الروح القدس أقترب من صورة المسيح، الصورة السماوية، الخليقة الجديدة التى يريدنى الله عليها وكلما اقترب من هذه الصورة يدخل فىَ رجاء، رجاء بر: أمل أن الله إذا بدأ عمل يكمله، فالله سيعطينى طالما بدأ معى أن أتبرر وأصلح للمجد السماوى المعد. وبدون هذا الرجاء، فنحن ينقصنا فضيلة مسيحية أساسية (1كو13:13) بعد كل هذا نسأل أين دور الختان فى كل هذا. فالختان لا يعطى رجاء بر. أما الذى يؤمن يعطيه الروح القدس رجاء بر. ونلاحظ فى هذه الآية وآية6 ثلاثية بولس الرسول عن الإيمان والرجاء والمحبة. ونلاحظ هنا ارتباط الإيمان بالرجاء. فالإيمان هو الثقة بما يرجى (عب1:11. وقارن مع 1كو13:13 +عب10:6ـ12 + عب22:10ـ24).
غل6:5: ” إنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة”.
كانت الختانة هى علامة العلاقة مع الله فى العهد القديم. والناموس وضع للتهذيب. أما فى العهد الجديد فقد صارت هناك علاقة مباشرة مع الله لا تعتمد على الجسد ولا النسب، بل على العلاقة القلبية مع الله، ولا يمكن أن توجد علاقة قلبية قوية مع الله إلا بالثقة فيه أى الإيمان به بأنه إله قوى قادر على حمايتى وخلاصى، هو يحبنى وهو صانع خيرات، ويدبر كل الأمور للخير. بهذا نرتبط بالله برباط سماوى، فكل ما يدبره للخير والخير هو خلاصنا ووصولنا للسماء فكل ما يسمح به هو طريقنا للسماء. إذن الفرق الحقيقى بين الناس ليس فى الختان أو الغرلة بل فى الإيمان. والختان لم ينفع اليهود إذ وهم مختونين صلبوا المسيح. والإيمان كما قلنا هو الطريق للخليقة الجديدة التى بها نخلص لذلك كرر الرسول نفس الآية فى (غل15:6) ولكنه فى الأخيرة أشار للخليقة الجديدة.
الإيمان العامل بالمحبة: الإيمان ليس فكرة أو أقوال تصدر من الفم، ليس هو أن أؤمن بأن الله هو واحد مثلث الأقانيم، فهذا النوع من الإيمان تعرفه الشياطين (يع 19:2) إنما الإيمان هو الإيمان الحى، فيه أؤمن بأن الله محبة، وكل ما يسمح به هو للخير، مهما حدث من أمور صعبة لا يهتز إيمانى به ولا ثقتى فيه، ولا تهتز محبتى له، فأنا أحبه أكثر من أبى وأمى.. هذا الإيمان العامل بالمحبة يجعلنى أموت عن العالم وأترك شهواته وخطاياه، فأنا أحب الله أكثر من كل العالم. هذا الإيمان يجعلنى أقف للصلاة وجسدى منهك، فكيف لا أقف لأتكلم مع من أحبه. هذا الإيمان يدعونى أن أقدم خدمات لكل الناس باذلاً نفسى بمحبة فهو إيمان عامل بمحبة. أما الإيمان بدون أعمال فهو إيمان ميت (يع20:2). الإيمان العامل بمحبة هو شكل محبة الله الباذلة التى ظهرت على الصليب. إيمان عامل بمحبة تجعلنى أطيع وصايا الله لأننى أحبه (يو21:14، 23) وفى هذه الآية تأنيب للغلاطيين، كأن الرسول يقول لهم " لو أحببتم المسيح لما حدث لكم هذا الإرتداد". والإيمان يأتى أولاً ثم الحب، فنحن يمكن أن نؤمن أن المسيح قد جاء دون أن نحبه والعكس ليس صحيحًا.
غل7:5: ” كنتم تسعون حسنًا فمن صدكم حتى لا تطاوعوا للحق”.
تسعون: بمعنى السباق والجرى، والمقصود هو جهاد للامتلاء من الروح وجهاد فى سبيل الملكوت بفرح. فمن صدكم: أى من عوقكم عن همتكم والحقيقة أن من صدهم هو دخول عقيدة خاطئة هى الاهتمام بأعمال الناموس. والعقائد الخاطئة تقلل أو توقف عمل النعمة، لذلك فنشاط الغلاطيين تعوَّق. بولس كان يسمع أخبارًا عن تقدمهم فى الإيمان إلى أن وصلت بعثة الإخوة الكذبة. الحق: الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3) وهو أيضًا كلمات الكتاب المقدس.
غل8:5: ” هذه المطاوعة ليست من الذي دعاكم”.
المطاوعة: بمعنى الثقة. ومطاوعة الإقتناع هذه ليست من الذى دعاكم: أى ليست من الله.
غل9:5: ” خميرة صغيرة تخمر العجين كله”.
هذا مثل سائد استخدمه الرسول فى (1كو6:5) والخميرة الصغيرة هى عامل الفساد الذى يبدو صغيرًا فى البداية ولكنه فى النهاية يسيطر ويفسد الكل (1كو33:15 + مت 6:16) وبولس هنا يطلب أن ينقى الغلاطيون أنفسهم من أى تعاليم يهودية مثل الختان وخلافه. وهكذا نحن كمسيحيين علينا أن ننقى أنفسنا من أى عقيدة مخالفة لعقيدتنا. وننقى حياتنا من أى خطية مهما بدت صغيرة. وها نحن نرى مثالاًً فبولس يهتم كل هذا الاهتمام بمنع الختان مع إنه شئ بسيط ولكن الإهمال فى الشئ البسيط سيؤدى لإهمال الإيمان كله.
غل10:5: ” ولكنني أثق بكم في الرب أنكم لا تفتكرون شيئًا آخر ولكن الذي يزعجكم سيحمل الدينونة أي من كان”.
أثق بكم فى الرب: هى كلمة تشجيع لهم. وهى أن الله سيحفظهم من هؤلاء المعلمين الكذبة. ولكن لاحظ أنه لم يقل أثق فى الله أنه... فالروح القدس يعمل مع من يريد. لو الروح القدس يعمل وحده لحوَّل العالم كله إلى قديسين. ولكن قول الرسول أثق بكم يُظهِر أن لهم دور فى الموضوع. ولو فشلوا فالعيب عيبهم وليس عيب الروح القدس. والله لا يعيننا ما لم نقم بواجبنا.
ونرى أن نهاية الإخوة الكذبة هى الدينونة (2كو15:11+عب27:10). وأسلوب بولس فى هذه الآية نجده أيضًا فى (رو14:15-16 + فل21+ 2تس4:3).
غل11:5: ” وأما أنا أيها الاخوة فإن كنت بعد أكرز بالختان فلماذا اضطهد بعد إذًا عثرة الصليب قد بطلت”.
يبدو أن الإخوة الكذبة أشاعوا كذبًا أن بولس كان يكرز بالختان فى أماكن أخرى. وهنا يرد بقوله إن كنت أكرز بالختان مع كرازتى بالصليب لما إضطهدنى اليهود والمتهودين، ولإنتهت عثرة الصليب، فاليهود لا يعثرون فى الصليب بقدر التخلى عن عوائد الآباء. فهم ما كانوا يعثرون بالصليب أى يرفضون الصليب لو إلتزمت بجانب كرازتى بالصليب، بوصايا الآباء. ولكن عثرة الصليب لليهود أن بالصليب وحده الخلاص دون أعمال الناموس. ولاحظ قوله أكرز بالختان: فهو لم يقل أمارس الختان فهو قد مارس الختان مع تيموثاوس.
غل12:5: ” يا ليت الذين يقلقونكم يقطعون أيضًا”.
يَقْطَعون: هذه الكلمة لها عدة تفسيرات:
1 ـ يقطعون أنفسهم من شركة الكنيسة والسماء. يقطعون أنفسهم بأنفسهم وذلك بعد أن حُكِمَ عليهم بالدينونة.
2 ـ كان بعض كهنة غلاطية الوثنيين (واسمهم كهنة سيبيل) يقطعون أعضاءهم التناسلية (الخصيتين) إعتقادًا منهم أن هذا يعتبر تماديًا فى التقوى، وأنهم بهذا يتطهرون ويتبررون. وإلتقط بولس هذه العادة من غلاطية وقارن بينها وبين الختان، لأن المتهودين كانوا يعتقدون أنهم يتبررون بالختان. وبولس يهزأ هنا بالمتهودين ويقول لهم يا ليتكم تتمادوا وتتشبهوا بكهنة الأوثان وتقطعوا لا الغرلة فقط بل كل أعضاءكم التناسلية لكى تتبرروا.
3 ـ ربما عنى بولس قطع الأعضاء التى تعثرهم، كعيونهم وأياديهم ويشوهوا أجسادهم بتطبيق حرفى جاهل لما قاله السيد المسيح " إن عينك تعثرك فاقلعها، وإن كانت يدك تعثرك فاقطعها، فليقطعوا أياديهم حتى لا تمتد للسرقة، وليقلعوا عيونهم حتى لا يشتهوا ولا ينظروا بشهوة...
هذه السخرية من أناس لا يريدون أن يفهموا أن طريق التبرير هو النعمة.فبالنعمة يصير الإنسان خاضعاً لناموس المسيح ومتمماً له بفرح بكونه إبناً يسكنه الروح ويتقوى به. فالروح يعين ضعفاتنا. الختان الآن للمسيحى هو ختان القلب بالروح (رو29:2) أى القلب تموت فيه محبة الخطية بعمل النعمة (راجع عمل النعمة فى المقدمة). وراجع قول بولس أيضاً "فإن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون (رو13:8). ففى المسيحية نحن لسنا وحدنا، لا نعتمد على ذراعنا، بل نحن نعمل والروح القدس يعين. الروح القدس يقتل محبة الخطية فينا ويعطينا أن نعمل أعمال بر بفرح.
غل13:5: ” فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الاخوة غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا”.
يبدأ الرسول هنا الجزء التعليمى وهو مرتبط بالجزء العقائدى. ولقد دار الجزء العقيدى حول التحرر من الناموس، إذ حررنا المسيح الذى آمنا به لذلك أصبح الموضوع العملى الآن هو كيف نستخدم الحرية التى حررنا بها المسيح ملتزمين بالسلوك الأدبى والأخلاقى. وكأن الرسول يريد أن يقول لا تفهموا الحرية خطأ، فلا تتركوا أنفسكم لشهواتكم، بل بحريتكم إنقادوا للروح لتتذوقوا السمائيات. لقد رفع المسيح عنا نير الناموس فلا تكن هذه فرصة لنرفس بل لنجرى للأمام. وكيف نجرى للأمام؟ هذا بأن نخدم بمحبة فلنخلع نير الناموس ونضع نير الحب للمسيح وللآخرين وهذا ألذ وأخف لأن المسيح يحمله معنا. الناموس الأدبى يلزمنا بالمحبة ويخضعنا تحت قيادة الروح للسلوك حسب الروح وليس حسب الجسد " لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل فى القداسة" (1تس7:4) والله حين يدعو الآن فى عهد النعمة فهو يعطى قوة من الروح القدس الذى حل فينا لتساندنا. أما فى العهد القديم فكان الشعب يمتنع عن الخطية فى كبت خوفاً من العقوبات كالرجم. أما فى العهد الجديد فلقد وهبنا الله القداسة (1تس13:3، 3:4).
بل بالمحبة إخدموا بعضكم بعضا: قارن مع (رو8:13) " لا تكونوا مديونين لأحد بشئ غير أن تحبوا بعضكم بعضًا" ويصد الرسول أن الإنسان المسيحى شاعر بأنه أخذ الكثير من المسيح وهو غير مستحق، ويتساءل كيف أرد الجميل لله؟ لا يوجد طريق سوى أن أحب أولاد الله وأخدمهم، ألم يصلب المسيح لأجلهم، إذًا هو يحبهم، وطالما هو يحبهم فلأخدمهم. لذلك يقول بولس أنه مديون لليونانيين والبرابرة، للحكماء والجهلاء (رو14:1). ومعلمنا يوحنا يقول أن من يحب ينتقل من الموت إلى الحياة (1يو14:3) والمحبة فى المسيحية إرتفعت عن الناموس فصارت " أحبوا أعدائكم " بدلاً من " تحب قريبك كنفسك" وقارن مع (يو25:17، 26+1يو 7:4-12).
غل14:5: ” إن كل الناموس في كلمة واحدة يكمل تحب قريبك كنفسك”.
هنا ملخص للناموس أى محبة القريب. ومحبة الآخرين لا تأتى إلا من محبة الله أولاً. هنا توجيه لطيف للغلاطيين، فإن كانوا مصرين على العبودية فبدلاً من عبودية الناموس فلتكن عبودية المحبة. فالمحبة أسمى وصايا الناموس.
غل15:5: ” فاذا كنتم تنهشون و تاكلون بعضكم بعضا فانظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضًا”.
بعد أن كلمهم عن المحبة يشير لحالتهم التى وصلوا لها من انقسامات ونزاع والرسول يطلب منهم أن يكفوا عن الشجار والنزاع حتى لا يفنوا أنفسهم. وهو يشير للأحقاد التى صارت بينهم حتى صاروا كالكلاب التى تنهش بعضها. وهذا يتفق مع قول يوحنا الرسول فى (1يو15:3) " كل من يبغض أخيه فهو قاتل نفس" تنهشون: أى إشباع شهوة الغضب فى أبشع صورة لها. والإنقسامات تبدد حياتنا الجسدية والروحية : لئلا تفنوا بعضكم بعضاً . ولكن ما الذى أوصلهم لتلك الحالة من قلة المحبة؟ الإجابة ببساطة، الإيمان الخطأ والعقيدة الخاطئة تتسبب فى فساد الحياة الروحية، فهناك علاقة أكيدة بين العقيدة والروحيات. لقد دخلت لهم عقيدة عاجزة معتمدة على الشكليات، فمن يعتقد أن الختان وغسيل الأرجل والأيادى يطهر سيهمل صلواته وجهاده وسعيه (آية 7) وبالتالى تكف النعمة عن أن تعمل فيه، هنا تختفى المحبة وتظهر الأحقاد. وهذا هو حال كل منا إذا إكتفينا بممارسة الطقوس كشكليات دون أن ندخل إلى العمق.
غل16:5: ” وإنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد”.
المقصود اسلكوا بالروح فلن تكملوا شهوة الجسد: الروح القدس يدعونى أن أطيع الوصية، فلو سلكت بالروح أى أطعت صوت الروح القدس سأكتشف أن هناك فى داخلى قوة تعيننى على أن أنفذ الوصية. وبهذا تظهر فاعلية الروح القدس، فى أنه يعطينى قوة أن لا أكمل شهوة الجسد، أى الروح يعين الجسد فلا يكمل شهوته (رو26:8 + اف 8:2).
مثال: إن أخطأ فيك أحد ستتحرك داخلك شهوة الإنتقام وسيصاحبها غيظ شديد واهتياج. ولو إتخذت قراراً نابعاً من طاعتك لصوت الروح فى داخلك أن تسامح وقلت للمخطئ "الله يسامحك أنا لا أريد منك شيئاً" ستجد السلام يملأ قلبك ولن تحاول أن تنتقم وتضرب وبهذا لن تكمل شهوة الجسد. ولكن علينا بالصلاة لننال هذه النعمة وأيضاً صلب أهوائنا وشهواتنا حتى لا نعيش حسب الجسد معترفين دائماً بخطايانا، فالروح يسكن عند المنسحقين ويعين من يصلب شهواته (إش15:57 + غل24:5 + رو1:12 + كو5:3 + رو11:6ـ14+ رو13:8ـ16. إذًا من يسلك بالروح فهو تلقائيًا لن يكمل شهوة الجسد. والروح هو الروح القدس. وكما قلنا فى مقدمة الإصحاح أن هناك إنسان داخلى جديد يولد فى المعمودية والروح القدس يعمل دائماً على أن ينميه. وطالما أن هذا الإنسان الداخلى فى حالة نمو وصحة روحية فهو يستجيب لصوت الروح القدس، هو يميزه ويسمعه وقادر أن يتجاوب معه وهذا هو السلوك بالروح . لكن هل كل واحد يستطيع أن يسمع صوت الروح القدس؟ قطعاً لا. لأن هناك من أطفأ الروح . أما المملوء من الروح فيستطيع أن يسمع ويتجاوب .
الامتلاء بالروح: راجع (أف18:5ـ21) فالامتلاء من الروح هو نعمة لكن لا توجد نعمة بدون جهاد. وفى هذه الآيات نجد الجهاد المطلوب وهو الصلاة والتسبيح والشكر والخضوع. أى المطلوب هو الإتصال المستمر بالله. والسيد المسيح وضع شرط طلب الروح القدس (لو13:11) وبولس يقول صلوا بلا إنقطاع (1تس17:5). إذًا لنسمع صوت الروح القدس يجب أن نكون مملوئين. والمملوء سيسلك بالروح. وكلما إستجبنا لصوت الروح القدس نزداد إمتلاءً والعكس فمن يقاوم صوت الروح القدس يطفئه ويقاوم أى يعاند دعوة الروح القدس الذى يبكت يو 8:16.
والسؤال الآن … ماذا نعمل الآن إلى أن نمتلئ من الروح... كيف نسلك بالروح:
1) لنتشبه بالمسيح. إسأل نفسك فى كل موقف... لو كان المسيح مكانى ماذا كان سيفعل
2) أطع الوصايا التى تسمعها فى الكتاب المقدس.
غل17:5: ” إن الجسد يشتهي ضد الروح و الروح ضد الجسد و هذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون”.
الجسد: قسمت الفلسفة الأفلاطونية الإنسان إلى قسمين:
أ) الجسد وقالوا عنه إنه القسم الحيوانى فى الإنسان.
ب) العقل وقالوا عنه إنه القسم الإنسانى فى الإنسان.
أما المسيحية فهى لا تهاجم الجسد أو تحط من شأنه.
أ) لأن الله خلقه والله لا يخلق شيئاً نجساً.
ب) المسيح اتخذ له جسداً، والمسيح لا يمكن أن يفعل هذا لو الجسد شئ نجس.
ج) نجد فى الكتاب المقدس أن عظام أليشع أقامت ميت. بل هناك كثير من أجساد القديسين والشهداء نجدها فى حالة سليمة.
فلماذا يهاجم بولس الرسول الجسد، أو ما هو الجسد فى أقوال بولس الرسول؟
الرسول يقصد بالجسد، الاٍنسان العتيق الذى فينا أى الاٍرادة المنحرفة أو الطبيعة المنفتحة على الشر، أو الذهن الأرضى الفاسد والمنحرف والمستهتر. ونحن قد ولدنا بحسب الجسد من أمها تنا بهذا الاٍنسان العتيق.
الروح: ليست هى الروح الإنسانية، دائمًا الروح مقدسة، فالشيطان روح. وهناك خطايا كالكبرياء، تنسسب للروح. ولكن الروح مقصود به الإنسان الداخلى الجديد المولود فى المعمودية (2كو16:4) وهو مخلوق بحسب الله فى المسيح. وهذا مدعو للحياة الأبدية. وهو يشتهى الطهارة ليحصل على السماء، وليحيا فى السماويات ويتذوق حلاوتها. وهذا الإنسان الداخلى يقوده الروح القدس، ويرتقى بالروح وينمو يومًا فيومًا بقدر ما يغتذى على كلمة الله فى الإنجيل وبالصلاة والتسبيح وممارسة أسرار الكنيسة. وشهوة هذا الإنسان هو الله (مز2:84،1:42) ويشتهى السماء (فى23:1).
الجسد يشتهى ضد الروح: الجسد المقصود به القوة الى تقاوم كل ما هو صالح، الجسد لا يلد إلا الخطية ويجذب الإنسان للشهوات الأرضية والملذات الحسية، هو يجذب لأسفل. أما الروح فهو عمل الروح القدس مع الإنسان الداخلى الجديد ويجذب الإنسان فيشتهى السمائيات. الروح يجذب الإنسان ليصلى والجسد يجذبه لينام وينشغل بكل الملذات الأرضية تاركاً الصلاة، بحجة النوم أو التعب أو أى شئ . المهم أن لا نصلى كلاهما يقاوم أحدهما الآخر: هذا الصراع بين الجسد والروح سيظل قائماً طالما نحن فى الجسد الترابى الذى يشتهى ما فى الأرض حتماً. وبقدر ما ينمو الإنسان الداخلى الجديد يتقهقر الإنسان العتيق. لأن الجديد ينمو على أساس التخلى عما للقديم من تسلط ووجود وقوة. والإنسان المؤمن المعمد حر فى تغذية أى منهما وجعل أحدهما ينمو. فمن يجاهد حاسباً نفسه ميتاً عن الخطية مجاهداً فى صلاته وتسابيحه ينمو إنسانه الداخلى ويضمر إنسانه العتيق. وهذا قد بدأ فى المعمودية. ولكن كل نعمة نحصل عليها إما أن نجاهد لتنمو فينا هذه النعمة أو نتكاسل فنفقدها. ومن يتكاسل تاركاً جهاده ساعياً وراء شهواته يضمر إنسانه الجديد وينمو إنسانه العتيق. وأى منهما سواء الإنسان العتيق أو الإنسان الجديد قادر فى حالة وجوده نامياً منتعشاً على أن يستخدم أعضاءنا، إما كآلات بر، أو كآلات إثم. فلو كنا نسلك بالروح وإنساننا الداخلى نامياً، فهذا يستخدم أعضاءنا كآلات بر فبعيوننا نرى خليقة الله وبألسنتنا نسبحه وبأيدينا نرفعها للصلاة وبأرجلنا نسعى للسلام والخدمة والكرازة. وهنا يكون لنا ثمار الروح (غل22:5، 23). ولكن هذه لمن صلبوا الأهواء مع الشهوات غل 24:5. أما لو سلكنا بحسب الجسد، فإنساننا العتيق سيستخدم أعضاء جسدنا كآلات إثم وستكون أعمال الجسد فظيعة (غل19:5، 20) .
هذا الصراع بين الروح والجسد هو الصراع بين حالتين عقليتين تتصارعان معًا، ولنسميهما الخير والشر، هما صراع بين صوت الروح القدس فينا يدعونى للسماويات وصوت شهواتى الجسدية تدعونى للأرضيات، هو صراع مستمر بين الطبيعة الجسدية الساقطة بغرائزها الطبيعية التى تستخدم الجسم كأداة وبين الروح القدس الذى يستخدم الجسم أيضًا كأداة. والإنسان له حرية الإرادة فى الإنحياز لأيهما. والإنسان الروحانى الذى تذوق السمائيات يتخلى عن شهواته الجسدية وتكفيه لقمة يسند بها جسده. وهذه درجات عبر عنها يوحنا الرائى حين قال
1) كنت فى الروح وهنا درجة أعلى هى 2) صرت فى الروح (رؤ10:1+رؤ 2:4).
بولس هنا كان يتكلم عن الحرية، وكأنه يقول بحريتكم اسلكوا هذا الطريق الروحى وتذوقوا لذاته، ولأن الجسد نهايته التراب أما الإنسان الداخلى الجديد لو كان نامياً ، فهذا نهايته السماء موطنه الموعود (2كو1:5، 6).
تفعلون ما لا تريدون: الإرادة منقسمة بين إرادة حسنة لطاعة صوت الله وإرادة شريرة لطاعة شهوة الجسد. فإن إنحاز الإنسان وأطاع شهوة الجسد فإنه يعمل الشر ضد صوت الله الذى يدعوه للخير وهو كان يريده جزئياً فهو يسمع صوت الروح القدس الذى كان يحاول إقناعه (إر7:20) ومن ينحاز للروح القدس (ولكن هذا يحتاج لأن يتغصب الإنسان (مت12:11) وهذا نسميه جهاداً) يجد معونة جبارة وينال رضى الله والحياة الأبدية. أما من ينحاز لشهوة جسده فهو يحزن الروح القدس بل يطفئه ويكون مصيره الدينونة.
غل18:5: ” ولكن إذا انقدتم بالروح فلستم تحت الناموس”.
لستم تحت الناموس: من ينقادون بروح الله تنطفئ فيهم كل الرغبات الشريرة. وبذلك لا يحتاجون لضبط الناموس إذ هم تجاوزوا إمكانياته تماماً. فالذذى لا يغضب لا يحتاج لوصية لا تقتل. والذى لا ينظر ليشتهى لا يحتاج لوصية لا تزن. ومن يسمع صوت الروح القدس داخله لن يحتاج لمن يوجهه من الخارج. وهذه الآية هى نفسها بالضبط (23:5) " ضد أمثال هذه ليس ناموس" أى من له ثمار الروح القدس هذه المذكورة فى 22، 23 قطعًا لا يحتاج لناموس.
غل19:5:” وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة”.
أعمال الجسد هى ثمار الطبيعة الفاسدة، ينفذها الجسد أو الجسم.
ظاهرة: أى معروفة، فمن يسلك فى هذه الخطايا فهو يسلك بالجسد.
زنى: هو إلتصاق محرم بإمرأة، والزنى يبدأ بالنظرة للشهوة.
نجاسة: هى خطية أوسع معنى تشمل الشذوذ الجنسى والإنحلال الخلقى.
دعارة: تجارة الجنس
عهارة: إظهار الجسد عارياً
غل20:5: ” عبادة الأوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة”.
عبادة الأوثان: تشمل الطمع وعبادة المال
عداوة: هى إثارة العداوات بين الناس.
خصام: محبة الشجار والنزاع
سخط: انفجار بالغضب بلا تعقل.
غيرة: ليست الغيرة المقدسة لحساب مجد الله بل حسد الآخرين أو نقمة عليهم.
تخرب: هو إتجاه مشاكس مسوق بقوة شيطانية.
بدعة: هرطقة وهى التى تقود للشقاق فالمنشق هو مبتدع.
غل21:5: ” حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه التي أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضًا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله”.
حسد: روح حقد لا تحتمل أن ترى نجاح إنسان.
بطر: عربدة وهى نوع من الفرح المفرط نتيجة شرب الخمر.
غل22:5: ” وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان”.
راجععمل الروح القدس فى تجديد طبيعة الإنسان فى المقدمة.
وهذه الثمار لا توجد منفردة فلا محبة بدون فرح وسلام.. وهكذا. هذه الثمار تأتى من تفاعل الروح القدس (المشبه بأنهار ماء يو 38:7، 39) مع الجسد المأخوذ من تراب الأرض. فالماء مع التراب يعطى ثماراً صالحة. أما من يحزن الروح ويطفئه فيكون بلا ثمر. وهنا تظهر طبيعة الجسد المنحرفة أى أعمال الجسد آيات 19، 20. ومن ثمارهم تعرفونهم كما يقول السيد المسيح (مت16:7ـ20) وثمار الروح غير مواهب الروح التى يعطيها الروح لمنفعة الخدمة (1كو4:12، 7-11، 30).
المحبة: هى أول ثمار الروح . فلأنها أول إستعلانات إنسكاب الروح فى القلب (رو5:5). وهى محبة لله أولاً ثم لكل إنسان حتى الأعداء (رو 38:8، 39).
فرح: المحبة تملأ القلب بفرح حقيقى لا ينزع.
سلام: هو صفة مميزة للعهد الجديد. يشمل نفس صحيحة مزدهرة فى إنسجام داخلى وهدوء الفكر والضمير والنفس بسبب النعمة. ونحن حصلنا على السلام يوم ولد المسيح ملك السلام. وفى تسبحة الملائكة إقترن السلام بالمسرة أى الفرح وراجع (فى4:4-7 + يو 1:14، 27).
طول أناة : وهذه صفة خاصة بالله (خر5:34-7) وطول الأناة تعنى التمهل (لو7:18، 8).
لطف: وهى أيضًا صفة لله (رو4:2).
صلاح: تعنى السخاء والجود وهى ضد الحسد والغيرة.
إيمان: أى الثقة فى الله وهى أساس لما نأخذه من بر.
غل23:5:- وداعة تعفف ضد امثال هذه ليس ناموس.
وداعة: هى القدرة على عدم الغضب أمام تعدى الآخرين الشديد وهذه صفة للمسيح (مت29:11). تعفف: تعنى النفس الشبعانة بالمسيح فلا تريد معه شيئًا. والمسيح قادر أن يشبعنا روحياً ونفسياً وجسدياً فالسواح فى البرية لم يكونوا يشتهون طعامًا فاخرًا فهم فى تعففهم شبعانين. هذه الصفة، تجعل النفس تحيد عن الشر بطبيعتها.
ضد أمثال هذه ليس ناموس: هى نفس آية 18 (راجع شرح الآية)
من له الثمار فهو مملوء من الروح، فمن الطبيعى أنه يسمع لصوت الروح وهو لا يقاومه، وبالتالى فهو غير محتاج لصوت خارجى، فهو له الآذان التى تسمع صوت الروح القدس. مثل هذا لا يحتاج لناموس ضده. فالحصان الوديع غير محتاج للجام. الناموس وضع لمن لهم قلب حجر، أما من صار لهم قلب لحم (أى مملوء محبة لله) فلا يحتاجون لناموس يملى عليهم وصايا.
غل24:5: ” ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات”.
من هم الذين لهم ثمار الروح؟ هم الذين صلبوا أهوائهم وشهواتهم لذلك يطلب بولس الرسول أن نقدم أجسادنا ذبيجة حية (رو1:12). ويقول مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَ (غل20:2) وحين يحيا فىَ المسيح وأثبت فيه أمتلئ من الروح فتكون لى ثمار الروح. الذى يصلب أهواءه هو الذى باع نفسه للمسيح وصار عبداً له، وصلب نفسه مع المسيح، وقبلت هذا فى جسدى بالمعمودية. ولكن ما حصلنا عليه فى المعمودية ينبغى أن نحافظ عليه بأن نقف أمام العالم كمصلوبين لنتمتع بحياة المسيح القائم فى (كو5:3، 6). والروح يساعدنا على هذا (رو13:8ـ16). ولذلك نجد بولس بالرغم من كل ما هو فيه من ألم يقول أقمع جسدى وأستعبده (1كو24:9ـ27).
الأهواء: هى الميول الظاهرة. الشهوات: هى المفاعيل الخفية فى الجسد والتى تحرك الأهواء والجسد كله. ولو كانت منحرفة تصير الأهواء منحرفة.
غل25:5: ” إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضًا بحسب الروح”.
نعيش بالروح: حياة الجسد الجديد الذى أخذناه بالمعمودية هى بالروح القدس الذى حل فينا. هذه هى هبة المسيح التى بها نفتخر (رو2:5).
نسلك بالروح: هذا إلتزام أدبى أن نلتصق بالروح ونقتدى بالمسيح فى كل خطوة. الروح صار مصدر حياتنا فليتنا نتركه يقود الطريق ونسلك خاضعين لقيادته وتوجيهه. وإن كانت حياتنا منضبطة بالروح سيكون لنا ثمار الروح.
الرسول فى هذه الآية يريد أن يقول… الإمكانية موجودة داخلك فالروح حل فيك. إذاً اسلك بالروح لتمتلئ بالثمار.
غل26:5: ” لا نكن معجبين نغاضب بعضنًا بعضًا ونحسد بعضنًا بعضًا”.
معجبين: يعجب الإنسان بذاته فى كبرياء. وهذه دخلت لهم من المتهودين، فهذه طباع اليهود. بولس شعر أن المتهودين نقلوا لأهل غلاطية عيوبهم. نغاضب بعضنا: الكلمة تشير للإثارة والإستفزاز ومن هو معجب بنفسه لن يقبل الآخر وسرعان ما سيتغاضب معه.
آية 1:- ايها الاخوة ان انسبق انسان فاخذ في زلة ما فاصلحوا انتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرا الى نفسك لئلا تجرب انت ايضا.
الآيات 1-5 هما تفسير لقول السيد المسيح "لا تدينوا لكى لا تدانوا " فماذا يكون موقفنا من الذى يخطئ.
إنسبق = ولا يقول إرتكب. فقوله إنسبق أى كأنه قد حُمِل إلى هذا الفعل (هذه محاولة من الرسول أن نجد عذراً للمخطئ) أو غُلِب على أمره. والرسول يقول هذا حتى لا يقسو أحد على المخطئ. أُخِذ = أى فجأته التجربة وكان إغراؤها قوياً. ولم يكن مبيتاً النية على فعل ما فعله.
زلة = يهون من شأن الخطية فيسميها زلة حتى لا يقسوا عليه.
فأصلحوا = ولم يقل حاكموا ليحثهم على اللطف ليردوه ويعيدوه مؤمناً صالحاً. فيسمى الخطية زلة (كما نقول زلة لسان أى غلطة غير مقصودة). وماذا يكون موقفنا؟ فى محبة نحاول الإصلاح. أنتم الروحيين = الذين يقودكم الروح القدس، حاولوا بمحبتكم أن تعيدوا هذا الخاطئ. واضح هنا الفارق بين الناموس الذى يدين المخطئ والمسيحية التى تفتح قلبها له حتى يرجع ويتوب. قطعاً إن أخطأ أحد لن نقول على الخطأ أنه صواب حتى لا ندينه، بل لابد أن ندين الخطأ ونسمى الأشياء بأسمائها. ولكن المفهوم هنا أننا لا ندين المخطئ ونقفل أمامه كل الأبواب، بل نحاول فى محبة إيجاد عذر له. ندين الموقف ولا ندين الإنسان.
لئلا تجرب أنت أيضًا= هنا يحذر المعالج من الإحساس بالأفضلية والغرور، فهذا يدفعه للعنف مع المخطئ، ويدفعه للكبرياء إذ يشعر أنه الأفضل من المخطئ إذ أنه لم يخطئ مثله. والكبرياء بداية السقوط ومدخل للخطايا. وأول الخطايا التى يسقط فيها هذا المتكبر هى نفس السقطة التى أدان عليها المخطئ والذى حاول أن يقسو على المخطئ بسببها. فالتجربة سرعان ما تنتقل للمتكبر. والله يسمح بهذا حتى يتضع المتكبر.
آية 2:- احملوا بعضكم اثقال بعض و هكذا تمموا ناموس المسيح.
مستحيل أن نحيا بلا سقطات لذلك يحثنا الرسول أن نحمل أثقال إخوتنا. ومن يفعل هذا يتمم ناموس المسيح أى المحبة. وتطبيقاً لهذه الآية قال بولس "إن كان طعام يعثر أخى فلن آكل لحماً إلى الأبد 1 كو 28:11". إذاً فلنحمل أخطاء الإخوة ونتحملها ولا نشهر بالمخطئ. ومن يقرر أن يفعل ذلك يجد المسيح هو الذى يحمل عنه ، ونير المسيح هين. وعلى الغضوب أن يتحمل الكسلان ولا يفضح أحد أخاه المخطئ.
آية 3:- انه ان ظن احد انه شيء و هو ليس شيئا فانه يغش نفسه.
هذا تحذير لمن تدخله الكبرياء وفى الحقيقة هو لا شئ عند الله 2 كو 18:10 + رؤ 1:3. وهذه غلطة شهيرة نقع فيها، أن يظن الإنسان فى نفسه أنه ليس مثله، هو كامل لا يخطئ بينما رأى الله فيه غير ذلك.
يغش نفسه = يخدع نفسه وهو ليس شيئًا= لأن الميزة التى فيه هى عطية من الله، والله ساتر عليه، فلم تكن هناك فرصة أمامه لكى يخطئ، ولو رفع الله ستره عنه لأخطأ أكثر من الباقين. فنحن مولودين بالخطية، والله هو الذى يستر علينا حتى لا نخطئ، ويعمل فينا ويحاول معنا أن نسلك فى البر. إذاً علىَ أن لا أنسب شيئاً صالحاً لنفسى . فالله وحده هو الذى يعلم الحقيقة، وأنه لا شئ صالح فىَ من نفسى.
آية 4:- و لكن ليمتحن كل واحد عمله و حينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط لا من جهة غيره.
كل واحد مسئول عن عمله هو وليس عن عمل غيره. لذلك فليفحص كل واحد نفسه فى نور الإنجيل. ويدين نفسه وينتقد نفسه، ولا يدين الآخرين فلا تشغل بالك بالآخرين، فالله لن يدينك على خطايا غيرك.
يكون له الفخر = فى الإنجليزية الإبتهاج بدلاً من الفخر. فإذا وجد الإنسان أنه فعل شيئاً صالحاً فليفرح أن الرب فعل به هذا أو أن الرب ستر عليه فلم يخطئ، ويعطى المجد للرب 2 كو 17:10 + رو 17:15، 18 .فلا أفتخر بنفسى بل بالرب، ولا أعمل عملاً لمجد نفسى بل لمجد الرب. هذا الكلام موجه للغلاطيين الذين تعلموا من المتهودين الإفتخار بالنفس ونقد الآخرين، فهم مثلاً يفتخرون بالمختون ويهزأون بغير المختون. ونلاحظ أن من يدين نفسه له أمل أن يصلح نفسه. لكن من يدين الآخرين لن يستفيد شيئاً.
آية 5:- ان كل واحد سيحمل حمل نفسه.
كل واحد سيحمل حمل نفسه فى يوم الرب رو 12:14، 13 + 2 كو 10:5
آية 6:- و لكن ليشارك الذي يتعلم الكلمة المعلم في جميع الخيرات.
حينما يدفع الشعب عشوره للكنيسه، تجد الكنيسة إحتياجاتها، وخدامها يجدون ما يأكلونه (1 كو 14:9). والله يعطى الشعب من خيراته، وعلى الشعب أن يهتم بالخدام.
آية 7:- لا تضلوا الله لا يشمخ عليه فان الذي يزرعه الانسان اياه يحصد ايضا.
لا تضلوا = لا تخطئوا الهدف. لا يشمخ عليه = الكلمة تعنى لا يمكر عليه ولا يستطيع أحد أن يخدع الله بمكر أو يستهزئ به أو يغيظه. وهذه الآية تتبع السابقة. فلا يظن من يريد أن يكنز أمواله رافضاَ أن يدفع عشوره أن الله سيبارك له. ويتسع معنى الآية لمن يحيا فى كبرياء مزهواً بمعارفه وتفهم أيضاً أنه لن يمكنك أن تخدع الله فتحصل على بركات الله وأنت تحيا فى الخطية. الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد = فمن يزرع بالشح فبالشح أيضاً يحصد 2 كو 6:9، 7. ومن يزرع كبرياء لا يحصد سوى المرار.
آية 8:- ان من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادا و من يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة ابدية.
من يزرع لجسده = يخدم لكرامة جسده، أو يجمع الأموال ويبخل على الله وعلى الكنيسة، ومن يستغل مركزه فى إذلال الآخرين ، أو من يسعى وراء إرضاء شهواته وملذاته فينمى الإنسان العتيق وبهذا يضمر الإنسان الداخلى الجديد. من يعمل هذا يحصد تخلى النعمة عنه ويخسر ملكوت الله سيحصد أعمال الجسد غل 19:5-21 وبالتالى لن يجد سوى الحزن والألم.
من يزرع للروح = يصلى ويسبح ويدرس كلمة الله، ويمارس وسائط النعمة يحصد ثمار الروح (غل 23،22:5) بالإضافة لحصوله على الحياة الأبدية. فمن يزرع بالبركات فبالبركات يحصد 2 كو 6:9. ومن يزرع صدقات سيحصد بركة فى الأرض وكنزاً سماوياً ومجداً أبدياً
آية 9:- فلا نفشل في عمل الخير لاننا سنحصد في وقته ان كنا لا نكل.
فلا نفشل = مهما كانت الإضطهادات والآلام التى نواجهها فلا يجب أن نشعر بيأس لأن الروح يؤازر وهو الذى يعمل الأعمال. وفى هذه الآية يطلب عمل الخير لكل إنسان وليس للخدام فقط. سنحصد فى وقته = هنا بولس يشددهم بأنهم هنا يحصلون على العربون، هنا على الأرض. وفى اليوم الأخير الأكاليل.
آية 10:- فاذا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع و لا سيما لاهل الايمان.
الله لا ييأس من خلاص الإنسان. وعلى خدام الله ألا ييأسوا. وقارن مع يع 17:4 فالتقصير فى عمل الخير خطية .
آية 11:- انظروا ما اكبر الاحرف التي كتبتها اليكم بيدي.
هنا رأيان:- الأول أن بولس كتب الرسالة كلها بيده. والثانى أنه كتب الجزء الأخير فقط بيده. ولأن عينيه ضعيفتان مريضتان كانت الكلمات التى كتبها بأحرف كبيرة. بينما كان فى باقى رسائله يملى الرسالة لمن يكتبها رو 22:16. وربما كتب بيده جملة أو إثنتان ليتأكدوا أن الرسالة منه شخصياً فهم يعرفون خطه 1 كو 21:16 + كو 18:4 + 2 تس 17:3، 18. وهو صمم أن يكتب هنا الرسالة كلها أو جزءاً كبيراً لإهتمامه بما جاء بها.
آية 12:- جميع الذين يريدون ان يعملوا منظرا حسنا في الجسد هؤلاء يلزمونكم ان تختتنوا لئلا يضطهدوا لاجل صليب المسيح فقط.
كان المعلمين الكذبة من المتهودين مسيحيين بالإسم، فهم خائفين من اليهود المتعصبين. ويقول العلماء أن اليهود المتنصرين ظلوا خاضعين لليهود حتى نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات. وكان اليهود المتعصبين يقولون أن من يصادق أممياً غير مختون فهو خائن لأمته. لذلك فإن المسيحيين من الختان (أصلهم يهود) أو المتهودين أو الإخوة الكذبة أرادوا أن يختتن الغلاطيين حتى لا يضطهدهم اليهود بسبب إنتمائهم للمسيحية وللصليب، بل هم بهذا سيقنعون اليهود أنهم بتعاليمهم أدخلوا الغلاطيين الأمم للختان ولليهودية. فبينما كان بولس يبحث عن العمق الروحى كان هؤلاء يبحثون عن شكل الجسد، ويبحثون عن إرضاء اليهود، فهم يخافون من أذى اليهود لكن بولس لن يؤذى أحد.
آية 13:- لان الذين يختتنون هم لا يحفظون الناموس بل يريدون ان تختتنوا انتم لكي يفتخروا في جسدكم.
كان المتهودين أنفسهم مهملين لوصايا الناموس، فهم مثلاً لا يقدمون ذبائح. لكنهم مهتمين بختان الغلاطيين. فهم يريدون حل مشكلتهم مع اليهود.
آية 14:- و اما من جهتي فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي و انا للعالم.
بينما كان المتهودون يفتخرون بختان الغلاطيين كان بولس يفتخر بصليب المسيح. ولنذكر أن الصليب كان لعنة وهو للعبيد فقط، بل كانت كلمة الصليب كلمة تشاؤم عند اليونانيين والرومان بل واليهود وبهذا نفهم صعوبة قول بولس الرسول أنه يفتخر بالصليب.
صلب العالم لى وأنا للعالم = أى هو كمصلوب قد مات فى نظر العالم مثل المسيح، وصار العالم ميتاً بالنسبة له، أى أدرك أنه باطل زائل بكل ما فيه من مجد. مثال لهذه الآية، فلك نوح. فنوح داخل الفلك يعلم أن كل ما فى خارج الفلك سيهلك بالطوفان، فالعالم مات بالنسبة له. وهو نفسه داخل الفلك ميت عن كل ملذات العالم خارجه، بل كل الناس سخروا من دخوله هذا الفلك ولكن دخوله الفلك وموته عن العالم وموت العالم له نجاه من الهلاك.
مثال آخر، ففى ليلة رأس السنة تعود الناس على الإحتفالات الصاخبة وتعود أبناء الله على الذهاب للكنيسة، يبدأون عامهم الجديد مع الله ليبارك لهم فى هذه السنه الجديدة ، وأبناء الله داخل الكنيسة يرون هؤلاء السكارى كأنهم أموات، وهؤلاء المحتفلين بالأكل والسكر يرون من يذهب للكنيسة فى هذه الليلة دون أن يحتفل مثلهم أنه قد حكم على نفسه بالموت.
مثال آخر راهب صلب نفسه بحياته فى تقشف فى البرية وخاطئ يحيا فى ملذاته. وما الذى يجعلنا نصلب أنفسنا؟ المسيح المصلوب حينما نراه على صليبه نقول لأنفسنا.. وهل نحيا نحن فىملذات العالم.
نفتخر بالصليب = فبالصليب صار المسيح يحيا فىّ، فصار لى شبع هنا على الأرض، وخلاص أبدى وحياة أبدية.
آية 15:- انه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئا و لا الغرلة بل الخليقة الجديدة.
إذن المهم أن نكون فى المسيح فنحيا، ومن هو فى المسيح فهو خليقة جديدة 2 كو 17:5. وهذه الخليقة الجديدة موطنها السماء. خليقة قامت مع المسيح من الأموات وتعيش بالروح فى إيمان عامل بالمحبة. فالختان لن يخلص اليهود والغرلة لن تخلص الأمم. بل سيَخْلُص من هو خليقة جديدة فى المسيح. وهذه يعملها الروح القدس فينا بناء على ما عمله المسيح بفدائه على الصليب.
آية 16:- فكل الذين يسلكون بحسب هذا القانون عليهم سلام و رحمة و على اسرائيل الله.
القانون هو المبدأ الثابت. ومن يسلك بحسب هذا القانون. أى المؤمنون المسيحيون الذين يحصلون على الخلاص بكونهم صاروا خليقة جديدة ولم ينخدعوا بالختان فإختتنوا كطريق للخلاص.هؤلاء عليهم سلام
إسرائيل الله = هى كنيسة المسيح فى كل العالم شاملة اليهود والأمم، هى إمتداد لإسرائيل القديم فى كل العالم. وإضافة إسم الله لشئ تعنى الشئ العظيم. فقولنا جبل الله أى الجبل العظيم الضخم. وقولنا جيش الله أى الجيش العظيم الضخم. إذاً إسرائيل الله هم المؤمنون المسيحيون فى كل العالم. أما إسرائيل بحسب الجسد فقد سقطوا من النعمة.
آية 17:- في ما بعد لا يجلب احد علي اتعابا لاني حامل في جسدي سمات الرب يسوع.
لقد إستكفى بولس من الغلاطيين أتعاباً لإقناعهم، وهو الآن لا يقبل مزيداً من غبائهم فهم بسلوكهم أهاجوا عليه أتعابه.
سمات = 1) هى لغوياً تعنى آثار الكى للوشم. فالعبد كان سيده يصنع فى جسده علامات بالكى بالنار لتؤكد ملكيته له فلا يهرب وإذا هرب يجده. وبهذا القول فبولس يعلن عبوديته بفرح للمسيح محتملاً كل ألم فى جسده من أجل المسيح. معتبراً الآلام التى عانى منها فى جسده سمات (أمراضه مثلاً).
2 )بينما هم يفتخرون بعلامة الختان فى أجسامهم نجد بولس يفتخر بسمات الرب يسوع فى جسده من آثار السياط والرجم والضرب بالعصى.
3) هى نياشين ملوكية يحملها لبسالته فى الحرب كجندى للرب يسوع المسيح. الرسول فى هذه الآية يريد أن يقول "كفانى ما فىَ من آلام، كفانى لا أريد أن أحتمل ألاماً أخرى بسببكم.
آية 18:- نعمة ربنا يسوع المسيح مع روحكم ايها الاخوة امين
مع روحكم = ليفرق بين الجسد والروح، أى من يسلك حسب الجسد لن تؤازره النعمة. وهذه فيها تقريع لأهل غلاطية الذين إنحازوا للجسد.
والنعمة هى قوة يهبها الله مجاناً دون إستحقاق منا، هى طاقة إلهية ديناميكية، ولكنها لا تعطى للمتكاسل بل لمن يجاهد ويريد أن يسلك بالروح