تفسير إنجيل لوقا


 

الإصحاح الأول في كتاب الميلاد

الإصحاح الثاني في كتاب الميلاد

الإصحاح الثالث في كتاب الميلاد

الإصحاح الرابع

الآيات (1-13):               في كتاب الميلاد فصل التجربة

 

الآيات (14-22): "ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل وخرج خبر عنه في جميع الكورة المحيطة. وكان يعلم في مجامعهم ممجداً من الجميع. وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ. فدفع إليه سفر أشعياء النبي ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه. روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية. وأكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه. فأبتدأ يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم. وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه ويقولون أليس هذا ابن يوسف."

رجع يسوع بقوة الروح= الجسد كان ضعيفاً، ولكن الروح كان قوياً. ومن منهج المسيح نفهم كيف نصبح أقوياء [1] صوم وصلاة كما صام المسيح هذه الأربعين يوماً [2] رفض إقتراحات إبليس [3] قطعاً يسبق كل هذا المعمودية. ومن المؤكد سننتصر لأن غلبة المسيح على الشيطان كانت لحسابنا.

خرج خبرٌ عنه في جميع الكورة المحيطة= بدأ السيد معجزاته وتعاليمه في كفرناحوم، وخرجت أخباره لكل منطقة الجليل، مما أثار غيرة أهل الناصرة، فالناصرة هي وطنه، وآخذوه على ذلك (23:4).

ممجداً من الجميع= لقد إنبهروا بتعاليمه ومعجزاته، ولكن وياللعجب فبعد قليل نجدهم يثورون ضده ويحاولون قتله (29:4)، فهم لا يريدون أن يسمعوا كلمات تأنيب، هم يريدون المعجزات ولكن لا يريدون التعاليم التي تقود للحياة، يريدون شفاء الأجساد ولكن لا يريدون شفاء الأرواح. ولاحظ كبريائهم فما أعثرهم فيه أنه من أصل بسيط أليس هذا إبن يوسف فهم في كبريائهم يريدون أن من يعلمهم يكون إبن ملوك. وسنرى سبباً آخر بعد ذلك لثورتهم أن السيد أشار لاستحقاق الأمم للشفاء (26:4،27) وهم كانوا يشعرون أنهم أبناء الله أمّا الأمم فكانوا يسمونهم كلاباً.

إن إنتقالهم هكذا من الإعجاب بالمسيح إلى محاولة قتله ليشير أنهم فقدوا الحس والبصيرة (تث28:32-33). (آية16): وقام ليقرأ= كان الشعب يجتمع في المجامع للصلاة ولسماع الكتاب المقدس والوعظ والتعليم. وكان من الممكن أن يُدعى للقراءة والوعظ أي شخص يمكنه أن يتكلم، وهذا إستغله رُسُل المسيحية فعلموا من خلال المجامع اليهودية المنتشرة في العالم كله عن المسيح. والمجامع بدأ إنشاؤها بعد السبي. وكانوا يجتمعون أيام السبت والإثنين والخميس. وكانت هناك قراءات محددة لكل يوم. (بنظام القطمارس القبطي حالياً). فكان يقرأ جزء من ناموس موسى أي التوراة وجزء من الأنبياء (أع14:13-16). حسب عادته= إذاً فالمسيح كان قد تعود حضور المجامع في المكان الذي يوجد به. وبالرجوع للآية (15):- نجد أن المسيح قد ظهر في مجامع اليهود كواعظ مشهور. وقام ليقرأ= كانت العادة أن يقرأوا الكتاب وهم وقوف، ويجلسون عند الوعظ والتعليم (نح5:8). ومن كان يريد أن يتكلم ويعظ يقف، لذلك وقف السيد.

(آية17): كانت القراءة من أسفار النبوات في هذا اليوم مأخوذة من سفر إشعياء (أش1:61،2). وكان هذا بتدبير إلهي فليس هناك مكان للصدف في تدبيرات الله، وكان النص يتحدث عن المسيح.

(آيات 18-20): وطوى السفر= بعد أن قرأ وأكرز بسنة الرب المقبولة ولم يُكِمل باقي الآية من سفر إشعياء، والتكملة هي "وبيوم إنتقام لإلهنا" لكن المسيح في مجيئه الأول أتى ليخلص لا لينتقم، لذلك طوى السفر تعني أن الوقت ليس هو وقت الإنتقام. هو جاء ليُمْسَحْ من الروح القدس يوم الأردن ويخصص كرئيس كهنة يقدم ذبيحة نفسه ليخلص المساكين، المطحونين في عبودية لإبليس، جاء كطبيب سماوي ليشفي المنكسري القلوب. وليكرز بسنة الرب المقبولة= هي سنة اليوبيل التي تأتي كل 50سنة وكان يتم فيها تحرير العبيد وتحرير الأرض، وهذا رمز لما سيقدمه المسيح بصليبه للبشرية، فهو أتى ليهب المؤمنين الحرية الروحية، ويعيد للبشر ما فقدوه من ميراث البر وملكوت السموات. وليعيد لنا البصيرة الروحية. إذاً سنة اليوبيل، السنة المقبولة، هي مجيئه الأول، أما "يوم إنتقام إلهنا" فهذه إشارة لمجيئه الثاني كديان للأرض كلها. والمسيح في كلامه أشار صراحة أنه هو المقصود بهذه النبوة. وكان يتكلم بقوة وسلطان جذبا السامعين إليه، ولكن ياللأسف فكبريائهم قد أعمى عيونهم فلم يعرفوه ولم يؤمنوا.. لماذا؟ لأنه إبن يوسف النجار البسيط.

 

الآيات (23-30): "فقال لهم على كل حال تقولون لي هذا المثل أيها الطبيب أشفي نفسك كم سمعنا انه جرى في كفرناحوم فافعل ذلك هنا أيضاً في وطنك. وقال الحق أقول لكم انه ليس نبي مقبولاً في وطنه. وبالحق أقول لكم أن أرامل كثيرة كن في إسرائيل في أيام ايليا حين أغلقت السماء مدة ثلاث سنين وستة اشهر لما كان جوع عظيم في الأرض كلها. ولم يرسل ايليا إلى واحدة منها إلا إلى امرأة أرملة إلى صرفة صيدا. وبرص كثيرون كانوا في إسرائيل في زمان اليشع النبي ولم يطهر واحد منهم إلا نعمان السرياني. فامتلأ غضباً جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا. فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى اسفل. أما هو فجاز في وسطهم ومضى."

هم تساءلوا لماذا لم يبدأ المسيح معجزاته في بلده الناصرة ولماذا بدأ في كفرناحوم. والمسيح عرف ما يجول في ذهنهم فهو الله فاحص القلوب والكلى، فقال لهم تقولون لي هذا المثل، أيها الطبيب إشف نفسك= أي إذا كنت طبيباً وقادر أن تشفي أهل كفرناحوم، كان الأولى بك أن تشفي أهلك في الناصرة (= نفسك). وبهذا تثبت نفسك كطبيب شافي ولست إبن يوسف النجار فقط (طبعاً المثل يقال أصلاً إذا أصاب الطبيب أي مرض). وكان رد المسيح عليهم وعلى تساؤلاتهم أنه لم يصنع آيات في وسطهم لأنهم لا يستحقون.. الحق أقول لكم ليس نبي مقبولاً في وطنه= (هذا مثل شائع عندهم). فالمشكلة أنكم لا تقبلونني ولا تؤمنون بي، بل كل ما تفكرون فيه بساطة عائلتي وأن أبي نجار. وأيضاً فالمثل يشير لأنهم رافضين للمسيح كما رفض أباؤهم الأنبياء وقتلوهم، وذلك بسب الحسد، فأهل النبي إذ يعرفون أهله وبيته وسيرته يستكثرون عليه أن يصير نبياً، إذ يحسبونه كواحد منهم أو أقل. فرؤية إنسان كثيراً يفرغ المهابة من حول شخصه. وهذا حقيقي دائماً فالحسد يجعل كل واحد، لا يحتمل تفوق جاره الذي يعرفه ويظن أنه الأجدر بهذه الكرامة.

بل أن السيد أشار أن موقفه هذا تكرر من قبل مع إيليا وإليشع إذ تمتعه بمعجزاتهم الأمم وليس أبناء وطنهم الذين لا يستحقون، بل كان الله يؤدبهم. وهنا نفهم أسلوب الله، أن الله يمنع نعمه وبركاته عمن لا يستحقها. وطبعاً فقصتي إيليا وإليشع، إشارة واضحة لقبول الأمم ورفض اليهود فيما بعد لصلبهم المسيح. ولكن المعنى القريب هو إستحقاق كفرناحوم للمعجزات لإيمانهم وعدم إستحقاق أهل الناصرة لعدم إيمانهم. ولكن إشارة المسيح لإستحقاق الأمم أكثر من اليهود لمعجزات إيليا وإليشع، أثارت اليهود الحاضرين لكبريائهم وقاموا بمحاولة لقتل المسيح. إلاّ أن المسيح لم تكن ساعته قد جاءت بعد فجاز في وسطهم وتركهم، فلا سلطان لأحد عليه (يو11:19)، بل هو يضع ذاته من نفسه حين يريد (يو17:10،18) إذاً هو جاز وسطهم بسلطان لاهوته. وهنا السيد إستغل مقاومة أهل بلده له ليعلن قبوله لكل البشرية.

الآيات (31-37):              في كتابنا هذا (مر21:1-28)

الآيات (38-41):              في كتاب إنجيل متى (مت14:8-17)

الآيات (42-44):              كتابنا هذا (مر35:2-39)


 

الإصحاح الخامس

الآيات (1-11):               في كتاب إنجيل متى (مت18:4-22 وما بعده)

الآيات (12-16):              في كتاب إنجيل متى (مت2:8-4 وما بعده)

الآيات (17-26):              في كتاب إنجيل متى (مت1:9-8)

الآيات (27-32):              في كتاب إنجيل متى (مت9:9-13)

الآيات (33-39):              في كتاب إنجيل متى (مت14:9-17)


 

الإصحاح السادس

الآيات (1-5):                 في كتاب إنجيل متى (مت1:12-8)

الآيات (6-11):               في كتاب إنجيل متى (مت9:12-14)

الآيات (12-16):              في كتاب إنجيل متى (مت1:10-4)

الآيات (17-26):              في كتاب إنجيل متى (مت1:5-12 وما بعده)

الآيات (27-36):              في كتاب إنجيل متى (مت43:5-48 وما بعده)

الآيات (37-42):              في كتاب إنجيل متى (مت1:7-5 وما بعده)

الآيات (43-46):              في كتاب إنجيل متى (مت15:7-20 وما بعده)

الآيات (47-49):              في كتاب إنجيل متى (مت24:7-27)


 

الإصحاح السابع

الآيات (1-10):               في كتاب إنجيل متى (مت5:8-13)

الآيات (11-17):              (إقامة إبن أرملة نايين)

 

الآيات (11-17): "وفي اليوم التالي ذهب إلى مدينة تدعى نايين وذهب معه كثيرون من تلاميذه وجمع كثير. فلما اقترب إلى باب المدينة إذا ميت محمول ابن وحيد لأمه وهي أرملة ومعها جمع كثير من المدينة. فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكي. ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون فقال أيها الشاب لك أقول قم. فجلس الميت وأبتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه. فاخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه. وخرج هذا الخبر عنه في كل اليهودية وفي جميع الكورة المحيطة."

1)  لا تبكي= قبل أن يلمس الرب النعش لمس قلب الأم قائلاً لها لا تبكي. ولا تبكي هذه لو قالها أي إنسان لأم فقدت وحيدها فهي لن تعزيها، أمّا لو سمعتها من المسيح نفسه لدخل العزاء إلى قلبها. فالناس معزون متعبون غير قادرين على تعزية أحد. لكن الله وحده هو الذي يحول النار التي في القلب إلى برودة.

2)  هذه المعجزة تختلف عن إقامة إبنة يايرس وإقامة لعازر، فهنا نجد أن المسيح هو الذي يبادر بصنع المعجزة دون أن يسأله أحد ليعلن أنه أتى ليعطي حياة للبشر، فهو ليس قادر على أن يقيم من الموت الجسدي فقط، بل هو قادر أن يقيمنا من موت الخطية (يو25:5). ومن يقوم من موت الخطية تكون له حياة أبدية. هذه المعجزة تشير تماماً لما عمله المسيح، فهو أتى ليعطي للبشرية حياة دون أن يسأله أحد. فمن كان يتصور من البشر أن هناك حل لمشكلة الموت.

3)    إيليا وإليشع وغيرهم ممن أقاموا أموات، أقاموهم بالصلاة لله أما المسيح فكان يعطي أمراً دون أن يصلي.

4)  الأرملة تشير للبشرية التي صارت كأرملة بفقدها نعمة الله ولذة العشرة مع الله. أما الشاب الميت فيشير لكل نفس وقد أفقدتها الخطية حياتها فصارت ميتة.

5)  هناك أموات كثيرين ماتوا أيام السيد المسيح ولم يقمهم، فالسيد لا يهتم بأن يقيم الأجساد لتموت ثانية، بل هو يريد أن يعلن أنه يريد قيامتنا من موت الخطية لحياة أبدية، وإقامته لهذا الشاب خير دليل على إمكانية حدوث هذه القيامة الأبدية.

6)  الثلاث معجزات التي أقام فيها السيد أموات، تشير لثلاث درجات الخطية (راجع معجزة إقامة إبنة يايرس في كتاب إنجيل متى)

7)  لمس السيد للنعش يظهر أن جسد المسيح المتحد بلاهوته قادر أن يعطي حياة لمن يتلامس معه، فهو له سلطان على محو الموت والفساد "من يأكلني يحيا بي" (يو57:6). وبنفس المفهوم حين تفل المسيح ولمس لسان الأصم فهو كان ينقل له حياة، وحين تفل ليلمس عين الأعمى (مر33:7+ مر23:8+ يو6:9). من هنا نفهم أن جسد المسيح كان له تأثير في خلاص الإنسان، وهذا لإتحاده باللاهوت. ونرى تطبيقاً لهذا قول السيد المسيح عن سر الإفخارستيا "من يأكلني يحيا بي" ففي جسده حياة.

8)    كان مع السيد المسيح كثيرون رأوا هذه المعجزة. والسيد قصد هذا لتثبيت إيمانهم.

الآيات (18-23):              في كتاب إنجيل متى (مت1:11-6)

الآيات (24-28)               في كتاب إنجيل متى (مت7:11-11)

الآيات (29-35)               في كتاب إنجيل متى (مت16:11-19)

الآيات (36-50)               (المرأة الخاطئة)

 

الآيات (36-50): "و سأله واحد من الفريسيين أن يأكل معه فدخل بيت الفريسي واتكأ. وإذا امرأة في المدينة كانت خاطئة إذ علمت انه متكئ في بيت الفريسي جاءت بقارورة طيب. ووقفت عند قدميه من ورائه باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب. فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك تكلم في نفسه قائلاً لو كان هذا نبيا لعلم من هذه الإمرأة التي تلمسه وما هي أنها خاطئة. فأجاب يسوع وقال له يا سمعان عندي شيء أقوله لك فقال قل يا معلم. كان لمداين مديونان على الواحد خمس مئة دينار وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا فقل أيهما يكون اكثر حبا له. فأجاب سمعان وقال أظن الذي سامحه بالأكثر فقال له بالصواب حكمت. ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان أتنظر هذه المرأة أني دخلت بيتك وماء لأجل رجلي لم تعط وأما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها. قبلة لم تقبلني وأما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي. بزيت لم تدهن رأسي وأما هي فقد دهنت بالطيب رجلي. من أجل ذلك أقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً والذي يغفر له قليل يحب قليلاً. ثم قال لها مغفورة لك خطاياك. فابتدأ المتكئون معه يقولون في أنفسهم من هذا الذي يغفر خطايا أيضاً. فقال للمرأة إيمانك قد خلصك اذهبي بسلام."

1)  الآية السابقة مباشرة الحكمة تبررت من جميع بنيها، نجد تطبيقها المباشر في هذه القصة، فها هي المرأة الخاطئة ولكنها كانت حكيمة، فهي أتت للمسيح معترفة بخطاياها في إنكسار نفس، دون إعتراض أو كبرياء أو عجرفة، فحصلت على الخلاص.

2)    هناك من يخلط بين هذه القصة وبين ساكبة الطيب في (مت6:26-13). ولكن هناك فروق.

 

 

مـــت26

لـــو7

المضيف:
المرأة:
اعتراض الحاضرون:
الزمن:
المكان:

 

سمعان الأبرص

مريم القديسة

ثمن الطيب أولى به الفقراء

في نهاية حياة المسيح

بيت عنيا قرب أورشليم

سمعان الفريسي

امرأة خاطئة

اقتراب الخاطئة من المسيح

في بداية خدمة المسيح

في الجليل

وبالتالي نستنتج أنهما قصتان مختلفتان تماماً ولاحظ أن إسم سمعان كان منتشراً وفي متى26 سكبت مريم القديسة أخت لعازر التي إختارت النصيب الصالح الطيب حباً في يسوع. وفي (لو7) تسكب هذه المرأة الطيب طلباً للغفران وإعترافاً بخطاياها. وهي إمرأة سيرتها سيئة في المدينة.

3)  كانت أبواب اليهود مفتوحة بداعي الكرم، وخصوصاً في مناسبة كهذه. لذلك دخلت هذه المرأة، هي كانت قد سمعت أن المسيح يقبل الخطاة ويغفر لهم فأتت وكلها أمل في الغفران وبدء حياة جديدة بلا إثم. ووقفت هذه المرأة وراء السيد وسكبت الطيب على رجليه ولما لم يمنعها أو يرفض ما عملته، وربما نظر لها نظرة قبول، وهي تعرف عدم استحقاقها بكت عند قدميه فبلت قدميه وهو متكئ، ولما سقطت دموعها على قدميه خجلت فمسحتهما بشعرها (ولاحظ أن شعر المرأة مجدها 1كو15:11) فهي بهذا تضع كل مجدها وكرامتها تحت قدمي المسيح. (ملحوظة: هم كانوا يخلعون النعال إذا إتكأوا للطعام).

4)  وماء لرجلي لم تعطي= كان من عادة اليهود أن المضيف ليظهر إحترامه لضيفه، وتقديره له، أن يغسل قدميه ويمسح رأسه بالدهن الطيب الرائحة (زيت مضاف له روائح طيبة). فسمعان تكلف مالاً كثيراً في الوليمة ولكنه لم يعط لضيفه من مشاعره، ربما خوفاً من بقية الفريسيين لئلا ينتقدوه وربما شعر أنه يكفي أن يقيم وليمة للمسيح المرفوض من الجميع. هو بهذا شعر أنه صاحب فضل على المسيح، والمسيح يكفيه هذا. ومن يشعر بهذا سريعاً ما يُدين المسيح، وهذا ما حدث "لو كان هذا نبياً، لعلم من هذه..).. (من يداين المسيح سريعاً ما يدينه). وهذا ما حدث لنا فنحن إذا شعرنا أننا أصحاب فضل على الله حينما نصلي ونصوم، فسريعاً ما ندينه إذا حدثت لنا أي تجربة قائلين.. لماذا يا رب تفعل ذلك.. كأن الله قد أخطأ. لذلك ينبه المسيح "لا تعرف شمالك ما تعمله يمينك" فاليمين هو عمل البر من صلاة وصوم..الخ. والشمال هو الافتخار بهذا والشعور بأننا أصحاب فضل. وتعليم رب المجد "إن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون، فمن يشعر أنه عبد بطال غير مستحق لشئ، إذا جاءته تجربة يقول. هذا بسبب خطيتي، لكنه لا يدين الله.

5)  لقد إقتحمت هذه المرأة مجلس السيد المسيح ولكنه قبلها، إذا قد أتت بتوبة صادقة. وهو يقبل كل من يأتي بتوبة صادقة غافراً له. لقد صارت هذه المرأة نموذجاً لكثيرين، تعلموا منها وأتوا للسيد المسيح فغفر لهم.

6)  هذه المرأة تعطي درساً لكل منَّا وهو.. أن الطريق الشرعي المقبول لكي نقترب من المسيح ونكون مقبولين.. هو أن نأتي معترفين بخطايانا معترفين بعدم إستحقاقنا (راجع قصة الفريسي والعشار). بل أن المسيح في إشتياق لمثل هذه النفوس التائبة المعترفة الباكية، التي تشعر بإحتياجها إليه كرب غافر. ومهما كانت خطايانا فرحمة الله أعظم. فهذه المرأة بحسب الناموس تستحق الرجم لكن مراحم الله خلصتها.

7)  هذا الفريسي دعا المسيح إلى بيته، لا إلى قلبه، ولكن المرأة الخاطئة إقتحمت البيت بدالة المحبة. الفريسي يمثل النفس التي تتخفى وراء المظاهر الخارجية دون الأعماق، أما المرأة فتمثل النفس الجادة في خلاصها فتهتم باللقاء الخفي مع العريس السماوي. وربما كان هذا الفريسي يريد أن يرى آية من آيات الرب التي سمع عنها أو هو رأي أن مستقبل هذا المعلم مشرق وأراد أن يستفيد منه، عموماً فإرتباطنا بالمسيح بسبب أغراض ومطامع مادية يضيع منّا الخلاص. أمّا لو أتينا له كخطاة مثل هذه المرأة سننال الخلاص.

8)  طريقة الجلوس أثناء الطعام: كانوا يجلسون حول موائد ذات أرجل قصيرة، وكانوا يجلسون على أرائك أي مقاعد أرضية مستندين على المائدة، وأرجلهم إلى خلف، وخالعين نعالهم، لذلك أتت تلك المرأة من خلف السيد وسكبت الطيب عند قدميه، وطالما مسحت قدميه بشعرها، فمن المقصود أنها كانت في وضع أقرب للسجود.

9)  قول الكتاب "وإذا امرأة في المدينة كانت خاطئة" هذا القول يشير لأن سمعتها كانت سيئة ومنتشرة في كل المدينة. ولكن واضح أنها تابت، ودموعها خير شاهد لذلك، ودموعها، دموع التوبة عند المسيح هي أثمن من أي قارورة طيب.

10)  شك الفريسي في أن المسيح ليس بنبي لأن من يلمس زانية يتنجس، ولكن من يلمس المسيح يتقدس والسيد أظهر له أنه أعظم من نبي، فالنبي لا يعلم ما في القلوب، لكن السيد المسيح أجاب علناً على تساؤلات سمعان التي في قلبه. والسيد المسيح أظهر للفريسي أن هذه المرأة أعظم منه حباً. فالفريسي [1] لم يقم بواجبات المضيف من غسل الأرجل فكانوا يلبسون صنادل فتتسخ أرجلهم من التراب. [2] الدهن بالزيت لإنعاش الضيف. [3] التقبيل (أي إبداء مشاعر المحبة). (ملحوظة: الزيت يحتوي على عطور للإنعاش).

 والمرأة [1] غسلت قدمي السيد ومسحتهما بشعرها [2] دهنت قدميه بالطيب [3] قبلت قدميه. وما سبب هذا العطاء؟ الحب الذي ملأ قلبها. وما سبب هذا الحب؟ شعورها بغفران السيد لها، ولاحظ أنها ما كانت ستشعر بحب السيد وغفرانه إلاّ لو كانت قد إنفتحت عيناها على خطاياها، بل وعلى محبته وغفرانه لها. والسؤال كيف أدركت هذا الحب؟ لا نعرف. فالله له طرقه الخاصة التي تختلف من إنسان لإنسان. وهو أعطى لها من محبته (ربما في هذا اليوم أو قبل هذا اليوم فصارت تسير وراءه) ما جعلها تفهم أنه غفر لها فأحبته. أما الفريسي المعجب بنفسه، فهو يرى أنه كامل بلا خطية وبالتالي فهو لا يحتاج لغفران، ولذلك فمحبته محدودة. ولاحظ أن محبة المرأة كانت أيضاً لإيمانها بأن المسيح غفر، وله سلطان أن يغفر= إيمانك قد خلصك.

11)  إننا نحتاج لقضاء أوقات طويلة في الصلاة ودراسة الكتاب المقدس فهذا يفتح أعيننا [1] لنعرف شخص المسيح [2] لنعرف نجاسة قلوبنا وكم غفر المسيح لنا، وكيف قبلنا ونحن هكذا. وإذا إنفتحت أعيننا ورأيناه وعرفنا ما فعله لأجلنا سيمتلئ القلب حباً له. ولكن هذا الفريسي كانت عينه مغلقة، فهو شعر أنه أعطى المسيح ولم يأخذ شيئاً من المسح، فلم يحب المسيح.

12)      لم يكن لهما ما يوفيان= هذا يعني عجز البشر عن إيفاء الله ما عليهم من دين الخطية، زادت خطاياه أم قلت.

13)      إذهبي بسلام= هذه ليست مثل "مع السلامة" ولكن المسيح يهبها سلاماً عجيباً.

14)  لأهمية هذا الجزء تصليه الكنيسة يومياً في صلاة نصف الليل، لأننا نرى فيه الطريق الصحيح للإقتراب من المسيح لننال الغفران والسلام وننعم بمحبته، ألا وهو الإنسحاق أمام الله طالبين الرحمة والغفران.


 

الإصحاح الثامن

الآيات (1-3): "وعلى أثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله ومعه الإثنا عشر. وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين. ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس وسوسنة وآخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن."

هنا نرى المسيح يوسع خدمته لكل مكان ممكن أن يصل إليه، وقد إتخذ مدينة كفرناحوم مركزاً له يبدأ منها رحلاته للكرازة. يكرز ويبشر بملكوت الله= السيد بوجوده وسط الناس، كان هذا هو ملكوت الله، وبوجوده في قلوبنا، يكون ملكوت الله في داخلنا (لو21:17) أما يوحنا المعمدان فكان يكرز أنه قد إقترب ملكوت السموات (مت1:3) ولاحظ أن المسيح كان يتبعه بعض النساء، وبهذا فالمسيح بدأ مفهوماً جديداً على اليهود، إذ كان اليهود يصلون يومياً "أشكرك يا رب لأنك لم تخلقني عبداً ولا امرأة.."، فكانوا يحتقرون النساء والأطفال. وهكذا كان الأمم يحتقرون النساء. ولكننا هنا نجد المسيح يُكِرم النساء، بل صرن مسئولات عن الصرف، أي المصروفات المادية التي تحتاجها الكرازة. ولاحظ أن المسيح وتلاميذه كانوا فقراء، بل لم يكن معه ما يدفعه للجزية (مت24:17)، ولكننا نرى أن الله يدبر الأموال التي تحتاجها الخدمة. وعموماً فخادم الكلمة يجب أن من يسمعونه يشتركون في سد إحتياجاته. المسيح قدَّم لهن الشفاء، أي هو قدم لهن الروحيات فليس بكثير أن يقدمن الماديات (1كو11:9) العطاء المادي للخدمة يظهر المحبة، هو فرصة لإظهار الحب لله. يكرز= تشير للتعليم. يبشر= تشير لإذاعة الأخبار السارة بأن هناك أفراح سماوية بعد أحزان هذا العالم.. بينما الكرازة قد تشمل اللوم والتوبيخ على الخطية. هنا نرى إتضاع المسيح فمن أشبع الجمع بخمس خبزات، تنفق عليه بعض     من النساء.

الآيات (4-8،11-15):        في كتاب إنجيل متى (مت1:13-9،18-23)

الآيات (9،10):                في كتاب إنجيل متى (مت10:13-17)

الآيات (16-18):              في كتابنا هذا (مر21:4-25)

الآيات (19-21):              في كتاب إنجيل متى (مت46:12-50)

الآيات (22-25):              في كتاب إنجيل متى (مت23:8-27)

الآيات (26-39):              في كتاب إنجيل متى (مت28:8-34)

الآيات (40-56):              في كتاب إنجيل متى (مت18:9-26)


 

الإصحاح التاسع

الآيات (1-6):                         في كتاب إنجيل متى (مت9:10-15)

الآيات (7-9):                         في كتاب إنجيل متى (مت1:14-12)

الآيات (10-17):              في كتاب إنجيل متى (مت13:14-23)

الآيات (18-21):              في كتاب إنجيل متى (مت13:16-20)

الآيات (22-27):              في كتاب إنجيل متى (مت21:16-28)

آية (27):                      في كتاب إنجيل متى (مت28:16)

الآيات (28-36):              في كتاب إنجيل متى (مت1:17-8)

الآيات (37-43):              في كتاب إنجيل متى (مت14:17-21)

الآيات (43-45):              في كتاب إنجيل متى (مت22:17،23)

الآيات (46-48):              في كتاب إنجيل متى (مت1:18-5)

الآيات (49،50):              في كتاب إنجيل متى (مت6:18،7 وما بعده)

 

الآيات (51-56): "وحين تمت الأيام لإرتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلى أورشليم. وأرسل أمام وجهه رسلاً فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يعدوا له. فلم يقبلوه لأن وجهه كان متجها نحو أورشليم. فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضاً. فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص فمضوا إلى قرية أخرى."

حين تمت الأيام لإرتفاعه= إنتهى زمن التعليم وصنع المعجزات وأتى وقت الصليب. وكلمة تمت تشير أن كل شئ يسير وفق خطة إلهية أزلية، فلا مجال للصدفة في الأحداث. إرتفاعه= تشير لإرتفاعه على الصليب، وتشير أيضاً لصعوده إلى السماء. فهذا التعبير إرتفاع إستخدم مع إيليا عند إرتفاعه إلى السماء.

ثبت وجهه= تعبير عبري يعني العزيمة القوية أمام صعوبات قائمة (حز2:6+ أر10:21+ خر14:33). فالمسيح قصد أن يتوجه إلى أورشليم وهو عالم بأن أعدائه يتآمرون عليه وأنه هناك سيحاكم ويصلب ويموت، ولكنه قد جاء لهذه الساعة ليخلص البشر. والسيد إذ كان متوجهاً لأورشليم كان لابد له أن يمر بالسامرة فإنتهزها فرصة ليكرز ويبشر أهلها، فأرسل تلاميذه يعدون له، لكن أهل السامرة لعدائهم لليهود رفضوه إذ كان متجهاً لأورشليم أي لأنه يهودي ومعروف العداوة بين السامريين واليهود. (السامريون هم خليط من اليهود الذين تبقوا في أرض العشر أسباط أي مملكة إسرائيل الشمالية بعد أن أخذ ملك أشور معظم اليهود إلى أشور.. مع النازحين من بلاد بابل وأشور في ذلك الوقت.. لذلك كانت عبادة السامريين هي خليط من اليهودية والوثنية. كانوا لا يعترفون سوى بأسفار موسى الخمسة، ولا يعترفون بأورشليم كمدينة مقدسة ولا بالهيكل فيها، إنما يعتبرون أن جبل جرزيم الذي في أرضهم هو الجبل المقدس.. لذلك إحتقر اليهود السامريين، وكره السامريون اليهود) وكان من العسير أن يمر يهودي في أرض السامرة خصوصاً لو كان متجهاً لأورشليم، والسبب أن السامريون كانوا يعتدون عليه ويضربونه.

وأمام هذا الرفض يطلب يعقوب ويوحنا ناراً تنزل وتحرق وتفني، لذلك أسماهم المسيح بوانرجس أي إبني الرعد (مر17:3). وربما لغيرتهما الشديدة وحماسهما. ولكن هذه الغيرة التي تطلب الإنتقام إذ تقدست في المسيح صارت غيرة مقدسة لمجد الله، ولخدمة إسمه.

لستما تعلمان من أي روح أنتما= أي أنتم قد تغافلتم عن ماهية الروح الذي فيكم، والذي أريده لكم، والذي يقود للسلام والوداعة والمحبة وعدم مقاومة الشر بالشر، والرغبة في خلاص الأشرار وليس روح النقمة والإفناء. أما روح الإنتقام والإفناء فهي من عدو الخير وليس من روح الله القدوس الذي يسكب المحبة في قلوبنا.

الآيات (57-62):              في كتاب إنجيل متى (مت18:8-22)


 

الإصحاح العاشر

الآيات (1-11):               راجع تفسير إنجيل متى (مت37:9-16:10)

في إنجيل متى نجد تعليمات السيد للإثني عشر قبل إرساليتهم وفي إنجيل لوقا هنا في هذه الآيات نجد تعليماته للسبعين رسولاً وهي متشابهة. والسيد المسيح أرسل الإثني عشر ليكرزوا في الجليل ثم أرسل السبعين ليكرزوا في اليهودية، وكان إرسال السبعين قبل صلب السيد بستة أشهر ولاحظ قوله أرسلهم.. إلى كل مدينة= في هذا رمز لأنه سيرسلهم بعد ذلك للعالم أجمع أي للأمم. والسيد إختار الإثني عشر بحسب عدد أسباط إسرائيل وإختار السبعين بحسب عدد شعوب العالم والتي ورد ذكرها في (تك10). وبهذا تشير الإرساليتين للكرازة وسط اليهود ووسط الأمم. إرسالية الإثني عشر تشير للكرازة وسط اليهود وإرسالية السبعين تشير للكرازة وسط الأمم.

ولاحظ قول الكتاب أرسلهم إلى.. حيث هو كان مزمعاً أن يأتي= وذلك ليعدوا الناس لسماع السيد وقبوله. والسيد كان بعد أن ترك الجليل نهائياً متجهاً لأورشليم، كان سيمر في بيرية، وسكانها أمميون وهذا يؤكد أن إرسالية السبعين تشير للكرازة وسط الأمم. ولذلك قال لهم السيد أقيموا في ذلك البيت آكلين وشاربين مما عندهم= فاليهودي يشعر أنه يتنجس من طعام الأمم ولكن السيد هنا يفتح أذهانهم أنه جاء للكل.

ويقال أن لوقا كان أحد السبعين رسولاً.

ولاحظ أن متى إذ يكتب لليهود لم يشر لإرسالية السبعين. أما لوقا الذي يكتب للأمم فأشار لهم.

 

آية (1): "وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضاً وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعاً أن يأتي."

وبعد ذلك= بعد تركه الجليل نهائياً وبعد الأحداث في إصحاح (9). سبعين رسولاً آخرين= غير الإثني عشر السابق إرسالهم (لو1:9) وهؤلاء كانوا كأساقفة. اثنين اثنين= ليشددا بعضهم البعض (جا9:4،10+ مر7:6) وهؤلاء أقيم منهم كهنة وشمامسة لكن لم يكن لهم درجة الأسقفية.

 

آية (2): "فقال لهم أن الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده."

فأطلبوا من رب الحصاد= فإختيار الخدام يأتي بالصلاة أولاً.

 

آية (3): "اذهبوا ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب."

حملان بين ذئاب= هي نبوة مسبقة بالإضطهادات التي ستواجههم ولكن قوله ها أنا أرسلكم يجعله هو المسئول عنهم وهو الذي سيحميهم، ويحول لهم الذئاب لحملان.

 

آية (4): "لا تحملوا كيساً ولا مزوداً ولا أحذية ولا تسلموا على أحد في الطريق."

ولا تسلموا على أحد في الطريق= حتى لا يرتبك الكارز بالمجاملات الكثيرة بلا هدف روحي، ويحفظ قلبه وفكره منحصرين في الله، كثير من أولاد الله يسيرون في الشارع مرددين مزاميرهم أو صلاة يسوع "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ". وقطعاً لا يمكننا أن نفهم هذا حرفياً وإلاّ تخاصمنا مع الناس، وإنعدم الود بيننا وبين الناس. ولكن المقصود هو عدم تضييع الوقت في المجاملات والأحاديث التافهة غير البناءة. الكيس= لحمل النقود. المزود= لحمل الطعام. المقصود أن الله هو الذي سيدبر كل إحتياجاتهم، فيعتمدوا عليه وليس على الماديات.

 

آية (6): "فإن كان هناك ابن السلام يحل سلامكم عليه وإلا فيرجع إليكم."

فإن كان هناك ابن السلام= فالرسول حين يلقي السلام فهو يعطي من عند الله سلاماً يملأ القلب فعلاً، ولكن الإنسان الشرير والمقاوم لا يقبل هذا السلام. وإذا لم يكن هناك من يقبل يعود هذا السلام وهذه البركة للرسول الذي قالها، ويمتلئ هو سلاماً.

 

الآيات (7،8): "وأقيموا في ذلك البيت آكلين وشاربين مما عندهم لأن الفاعل مستحق أجرته لا تنتقلوا من بيت إلى بيت. وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم فكلوا مما يقدم لكم."

في المسيحية لن نعود لنقول هناك طعام نجس وطعام طاهر. هنا المسيح يوسع أذهانهم ويشفيها من اليهودية الضيقة= كلوا مما يقدم لكم. وإكتفوا بما يقدم لكم. لا تنتقلوا من بيت إلى بيت= سعياً وراء طعام أفضل. والتركيز في الخدمة.

 

آية (9): "واشفوا المرضى الذين فيها وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله."

اشفوا المرضى= المسيح عضد تلاميذه بالمعجزات لتأكيد بشارتهم.

 

الآيات (10،11): "وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا. حتى الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم ولكن اعلموا هذا أنه قد اقترب منكم ملكوت الله."

اخرجوا إلى شوارعها= إعلنوا لكل الناس. الغبار= لم نأخذ منكم شيئاً حتى الغبار نتركه لكم. لكن إعلموا أن ملكوت السموات إقترب منكم ورفضتموه.

 

الآيات (12-16):              في إنجيل متى (20:11-24)

 

الآيات (17-20): "فرجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء. ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء. ولكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السماوات."

فرح الرسل إذ رأوا الشيطان ينهار أمام الإنسان خلال كرازتهم بالملكوت، والسيد هنا يؤكد أن إنهيار الشيطان بالصليب. لكن ما يفرحنا ليس إنهيار الشيطان أو صنع المعجزات بل في أن نتمتع بالملكوت السماوي خلال الحياة الفاضلة التي ننالها بنعمة الله. بهذا تكتب أسماؤنا في ملكوت السموات، أما إخراج الشياطين فهي موهبة قد يعطيها الله لشخص أو لا يعطيها. بل أن هناك أشرار حصلوا على هذه الموهبة، ألم يتمتع يهوذا الإسخريوطي بهذه المواهب ثم هلك. ونلاحظ هنا أن السيد المسيح أشفق على تلاميذه ورسله أن فرحة النجاح بالخدمة تنسيهم الإهتمام بخلاص نفوسهم. فالفرح بالنجاح فيه شئ من عبادة النفس، لكن الفرح بالخلاص فيه عبادة لله والشكر له.

الدرس المستفاد هنا أن لا نفرح بالمواهب، بل بأن نتمتع بثمار الروح القدس فالموهبة لا تبرر صاحبها إن لم يتب ويحيا مع الله. رأيت الشيطان ساقطاً= لقد نال الشيطان سلطاناً على الإنسان خلال الإرتداد، هذا السلطان قد فقدُه بالصليب، ولكن يكون للشيطان سلطان على كل من يترك المسيح ويرتد للخطية، ثم يعود الشيطان ويفقد سلطانه على هذا الشخص إن رجع هذا الشخص بالتوبة إلى الله. وقول السيد رأيت= جاءت بصيغة الماضي لأن هذا سيتم حتماً. فسقوط الشيطان يعني سقوطه من مركز السيادة والقوة على الإنسان وهي رؤية تشمل ما بعد الصليب. البرق= فإبليس كان مخلوقاً نورانياً، أضاء لحظة من الزمان، وبخطيته فقد نوره وإستحال ظلاماً، فهو كان نوراً لفترة وجيزة ثم صار ظلاماً. والبرق لا ثبات له فهو ينير للحظة ثم يأتي ظلام وهكذا إبليس. أما المسيح فيقال عنه أنه في نوره كالشمس (رؤ16:1) أي نور ثابت، وهكذا الملائكة وهكذا نحن حين نكون في السماء (1يو2:3 + في21:3).

والكنيسة المقدسة أخذت هذه الآية ووضعتها في صلاة الشكر التي نصليها دائماً، فنحن نشكر الله الذي أعطانا السلطان أن ندوس كل قوة العدو. ولكن للأسف فهناك بعض المؤمنين ذوي الإيمان المهتز والضعيف، مازالوا يصدقون أن هناك حسد وأعمال.. الخ كيف والمسيح أعطى المؤمنين سلطان أن ندوس كل هذا؟!

الحيات= مكر وخداع وإنقضاض وسم مميت والعقارب= شر مستتر مع سرعة إختفاء.

الآيات (21-24):              في كتاب إنجيل متى (مت25:11-30)

الآيات (23،24)               في كتاب إنجيل متى (مت29:11،30 وما بعده)

تهلل= سمعنا عدة مرات أن يسوع بكى. وهنا نسمع للمرة الوحيدة أنه تهلل. فهو لهذا أتى ليخضع الشيطان تحت أقدام عبيده وهذا قد حدث. وقال أحمدك أيها الآب= هذا حديث داخل الذات الإلهية مثلما يتحاور الإنسان مع نفسه داخل عقله. تهلل بالروح= فهو ليس تهليل جسدي كما نتهلل بالملذات العالمية. بل هو تهليل روحي لخلاص البشر.

 

الآيات (25-29)               (سؤال الناموسي)

الآيات (25-29): "وإذا ناموسي قام يجربه قائلاً يا معلم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية. فقال له ما هو مكتوب في الناموس كيف تقرأ. فأجاب وقال تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك. فقال له بالصواب أجبت إفعل هذا فتحيا. وأما هو فإذ أراد أن يبرر نفسه قال ليسوع ومن هو قريبي؟"

الناموسيون يتخصصون في ناموس موسى أي كتب موسى الخمسة، أمّا الكتبة فيهتمون بالكتاب كله. وهذا الناموسي في أدب مصطنع= قام ليس إحتراماً إنما بخبث لكي يجربه= فهو تصوًّر أن المسيح سيهاجم الناموس وبهذا يوقعه. ولاحظ أن هذا عمل الشياطين، فهم يجربون الإنسان ليوقعوه في فخ.

كيف تقرأ= لو كان هذا الناموسي يقرأ بروح الصلاة لطلب فهم كلمات الله، لكان الروح القدس قد أرشده لإحتياجه للمسيح الذي تنبأت عنه النبوات. لكن هذا الناموسي كان يقرأ ليزداد معرفة فينتفخ على الناس. ونحن كيف نقرأ؟ هل للمعلومات فقط، أم لمعرفة المسيح الذي يشفي طبيعتنا. إفعل هذا فتحيا= في سؤال مماثل، حينما سألوا المسيح "ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله.. أجاب يسوع.. أن تؤمنوا بالذي أرسله (يو28:6،29) وبهذا نفهم أن المسيح لن يعلن وصايا جديدة، هو لم يأتي ليعلن وصايا جديدة، بل إذ رأى الإنسان عاجزاً عن تنفيذ وصايا الناموس أتى المسيح ليعطينا طبيعة جديدة بها نحفظ الناموس، ولكن هذا لمن يؤمن أولاً. وبدونه لا نقدر أن نفعل شئ (يو5:15+ رو3:8،4). وكأن قول المسيح للناموسي يعني.. إن كنت تستطيع بدوني أن تنفذ الناموس فنفذه، ولكنك لن تقدر أن تنفذه وحدك، وها أنت تحيا كناموسي ولكنك بسؤالك تكشف فشلك في أن تعرف طريق الحياة الأبدية الذي هو أنا. ولقد عبر التلاميذ صراحة عن صعوبة حفظ وصايا الناموس (أع10:15). والناموسي سأل سؤال آخر ليبرر نفسه= إذ أن إجابة المسيح أحرجته أمام الناس، إذا أظهرته أمامهم غير عارف بالناموس، فكيف وهو ناموسي معلم للناموس يسأل سؤالاً بسيطاً واضحاً كهذا، وهل هو لا يحفظ الوصايا. ولاحظ رقة المسيح في إجابته إذ يعرف أن هذا الناموسي يجربه، لكنه يشجعه قائلاً بالصواب أجبت لعله يجذبه للإيمان. تحب الرب إلهك من قلبك= القلب هو مركز الشعور والقرار والعواطف والكيان. لذلك حينما يطلب الله "يا ابني إعطنى قلبك" المقصود أن تكون لله بالكلية، لا ينقسم قلبك بين الله والعالم. ومن كل نفسك= النفس هي مركز العواطف (كالحزن والقلق والفرح..) والغرائز كالشهوات. والإنسان الجسداني يشتهي الجسدانيات أمّا الروحاني فهو يشتهي الحياة مع الله "إلى إسمك وإلى ذكرك شهوة النفس. بنفسي إشتهيتك في الليل" (إش8:26،9). وبولس الرسول يقول "لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح". فالقلب الذي إتخذ قراراً بإختيار الله يفرح بالله ويتذوق الله، وهنا تبدأ النفس تشتهي لذة العشرة مع الله.

ومن كل قدرتك= القدرة هي الإرادة للعمل، فنحن نجد شهوات في النفس لتتلذذ بالله، ولكن قد يكون الجسد بلا همة، ومتكاسلاً عن الصلاة وعن حياة التسبيح. هنا المطلوب التغصب أي الجهاد لنتلذذ بالله ومن كل فكرك= يا ترى ماذا يشغل الفكر؟ هل نهتم بالماديات والغنى أو بهموم هذا العالم، أم نلهج في كلمات الله ومن يفعل يفرح بالله (مز111:119،148،97،103). وكانت هذه وصية الله لشعبه (تث6:6-9).

والسؤال هل كان شعب العهد القديم قادراً على هذا؟ بلاشك كان هناك إستثناءات مثل داود المملوء من الروح القدس. ولكن الشعب العادي ما كان قادراً على هذا الحب لله. فالمحبة هي ثمرة من ثمار الروح القدس (غل22:5) وهذه هي عطية العهد الجديد لكل مُعَمَّدْ ممسوح بالميرون. والروح هو الذي يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5). من هو قريبي= هو السؤال الذي يبرر به هذا الناموسي جهله بالناموس ولكن السيد إستغل السؤال بمثل السامري الصالح.

 

الآيات (30-37)               (مثل السامري الصالح)

الآيات (30-37): "فأجاب يسوع وقال إنسان كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت. فعرض أن كاهناً نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله. وكذلك لاوي أيضاً إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامرياً مسافراً جاء إليه ولما رآه تحنن. فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتاً وخمراً واركبه على دابته وآتى به إلى فندق واعتنى به. وفي الغد لما مضى اخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق وقال له اعتن به ومهما أنفقت اكثر فعند رجوعي أوفيك. فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريباً للذي وقع بين اللصوص. فقال الذي صنع معه الرحمة فقال له يسوع اذهب أنت أيضاً واصنع هكذا"

المعنى الأساسي للمثل هو أن قريبي هو كل إنسان يحتاج لمعونة، حتى لو كانت هناك عداوة بيني وبينه. ولاحظ أن كل خدمة نقدمها هي محسوبة لنا، فالله لا ينسى من يقدم كأس ماء. ولاحظ أن ليس هناك ما يسمى الصدفة في أن يجد الكاهن واللاوي والسامري هذا الإنسان الجريح. فالصدف في حياتنا الأرضية إنما هي توفيقات السماء. وقد خسر الكاهن واللاوي هذه الفرصة التي من السماء ليقوما بهذه الخدمة، وكسبها هذا السامري الصالح. ولكن القصة لها معنى رمزي:

إنسان= هو رمز لآدم وللبشرية كلها.

نازلاً من أورشليم= بسبب الخطية نزل آدم من أورشليم أي الجنة أو الفردوس الذي أعده له الله، وأورشليم تعني سلام الله ورؤيته. هي مكان السلام مع الله والحياة مع الله.

إلى أريحا= ترمز لأرض الشقاء الذي نزل إليها آدم. فأريحا مدينة اللعنة (يش26:6) وترمز للأرض الملعونة بسبب الخطية (تك17:3). هي مكان يمثل العالم وشهواته.

لصوص= هم القوى العدوانية ضد الإنسان أي إبليس وجنوده وإغراءاته. وإبليس دائماً يترقب أي نفس تخرج خارجاً عن أسوار أورشليم (أي الكنيسة فيهاجمها إذ هي بلا حماية، إبليس لص يريد أن يسرق أولاد الله.

فعروه= نزع الفضائل عن الإنسان وفضحه. وجعله بلا طهارة ولا كرامة ولا حكمة. أي فقد صورته الإلهية.

جرحوه= هي أثار الخطايا المدمرة للإنسان روحياً ونفسياً وجسدياً.

الطريق من أورشليم إلى أريحا هو طريق مملوء بالصخور ويختبئ اللصوص فيه (18ميلاً) ويمر بصحراء، حتى أنه لقب بالطريق الدموي. وأريحا تقع في وادٍ لذلك فهي منخفضة عن أورشليم (بحوالي 1000متر). وكان يقيم فيها 12.000كاهن ولاوي من خدام الهيكل.

بين حي وميت= هو حي جسدياً ولكن لفترة قصيرة سيموت بعدها حتماً. وحتى في خلال هذه الفترة فهو ميت روحياً بسبب الخطية لإنفصاله عن الله. فكل من ينفصل عن الله يموت.

الكاهن واللاوي= الكاهن رمز للناموس واللاوي رمز للنبوات وكلاهما عجزاً أن يعطيا شفاء وحياة للبشرية، هما شخَّصا الداء فقط، لكن لا يمكنهما أن يضمدا جراحات البشرية، ولا يمكنهما أن يعطونا طبيعة جديدة، أو يعيدوننا للطبيعة الأصلية التي على صورة الله.

جازا مقابله= هما وقفا أمام الإنسان الجريح ولكنهما كانا عاجزين عن شفائه، والمعنى أنهما كانا مرحلة من المراحل التي جاز فيها الإنسان في إنتظار أن يأتي المسيح.. السامري الصالح.

سامرياً مسافراً= المسيح كان في الأرض لمدة مؤقتة، ولكنه من السماء وسيعود للسماء، فكأنه كان مسافراً غريباً. والإنسان الذي سقط وجُرِحَ كان أيضاً مسافراً من أورشليم. فأولاد الله أيضاً هم غرباء عن هذا العالم، وسيعودون لأورشليم السماوية. وكلمة سامري تعني حارس فهي رمز للمسيح الذي أشفق على البشرية.

الخمر والزيت= الخمر بما فيها من كحول تستخدم لقتل الميكروبات والزيت يعزل الجرح عن الجو الملوث، يعمل كفاصل ويلين الجروح. والخمر رمز للدم والزيت رمز للروح القدس. وعمل المعمودية هو قتل الخطية كما يقتل الخمر الميكروبات. والروح القدس في سر الميرون يعطي نعمة وقوة لنا حتى ننعزل عن هذا العالم فلا نهلك، ويكون هذا بأن يعطينا طبيعة جديدة رافضة للخطية، وتمنعنا من أن نخطئ بعد ذلك. إذاً هناك قتل للخطية وهذا إشارة لغفرانها، وهناك قوة تحفظنا من السقوط (رو14:6). والخمر مؤلم للجرح والزيت ملطف له. وهكذا الروح القدس يعالجنا ببعض من إحسانات الله وأيضاً ببعض التجارب.

أركبه على دابته= الدابة هي جسدنا، فالدابة تشير للشهوة الجسدية وحقيقة فإن المسيح بدمه أو خمره وبروحه أو زيته شفى طبيعتنا ولكننا مازلنا في الجسد نعاني من شهواته (غل17:5). لكن لنا سلطان عليها بنعمة المسيح.

فندق= هو الكنيسة التي تستقبل الناس وتشفيهم بالمسيح الذي فيها لذلك قال= وإعتني به.

ترك دينارين= رقم 2 يشير للتجسد فهو الذي جعل الاثنين واحداًَ والمسيح أعطانا جسده نتحد به، وهذا سر حياة الكنيسة. وترك لنا المسيح الكتاب المقدس بعهديه (2) نتغذى بهما، وبهما نتعرف عليه.

صاحب الفندق= هو إشارة للكهنوت وللخدام في كل كنيسة ووظيفتهم إستقبال المؤمنين فيها وأن يعطمونهم بكلمة الله ليشفوا.

فعند رجوعي= فالمسيح سيأتي ثانية في مجيئه الثاني.

أوفيك= على الخادم أن يعمل في خدمة أولاد الله والمسيح سيجازيه.

إذهب أنت أيضاً وإفعل هكذا= أي تشبه أيها الناموسي بهذا السامري في العمل بمقتضى شريعة الحب. ولكن لاحظ إجابة الناموسي فهو تحاشى أن يقول السامري بل قال الذي صنع معه الرحمة. فاليهود لا يحتملون التعايش مع السامريين وهم لم يحتملوا المسيح ورفضوه وقالوا عنه أنه سامري وهذه عند اليهود هي نوع من السباب (يو48:8). ولكن مثل السامري الصالح يشير لمحبة الناس جميعاً بدون تمييز، لكن هذا الناموسي لم يفهمه.

 

الآيات (38-42)               (مريم ومرثا)

الآيات (38-42): "وفيما هم سائرون دخل قرية فقبلته امرأة اسمها مرثا في بيتها. وكانت لهذه أخت تدعى مريم التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه. وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة فوقفت وقالت يا رب أما تبالي بأن أختي قد تركتني اخدم وحدي فقل لها أن تعينني. فأجاب يسوع وقال لها مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحد فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها"

في الآيات السابقة شبَّه المسيح نفسه بالسامري المرفوض. وهنا صورة عكسية= فقبلته امرأة فمريم جلست عند قدميه، ومرثا خدمته. فهناك من يرفضونه. لكن هناك من يحبونه.

مثل السامري الصالح يشير للخدمة والعطاء في محبة، وقصة مريم التي جلست عند قدمي المسيح تكمل الصورة، فنحن لن نستطيع أن نخدم في محبة متشبهين بالسامري الصالح ما لم تكن لنا هذه الجلسة الهادئة والخلوة اليومية مع المسيح، نشبع به ونتشبه به فنستطيع أن نقوم بخدمتنا كسامريين صالحين نشبه مسيحنا السامري الصالح.

المسيح في إجابته على مرثا المرتبكة لم يقل لها "إمتنعي عن العمل" وإلاّ لما الناس جوعاً، وهلك المخدومين من عدم الخدمة، لكن المسيح يشرح لها أننا نحتاج بالدرجة الأولى إلى الجلوس عند قدميه نشبع به ونعرفه فنمتلئ سلامً ويزول إرتباكنا فالواحد الذي نحتاجه هو المسيح، أمّا باقي الأشياء فهي فانية وسوف تنتهي بإنتهاء الجسد (الأكل والشرب..) فعلينا أن لا نرتبك بسببها كما إرتبكت مرثا، ونسيت أن تجلس عند قدمي المسيح. للأسف هذا حال الكثيرين في هذه الأيام، فهم مرتبكين بأمور هذه الحياة، لا يذهبون لكنيسة إلاّ فيما ندر، لا وقت لديهم للصلاة ولا للكتاب المقدس. بل هذا حال كثير من الخدام، كل وقتهم في الخدمة، دون خلوة فردية يشبعون بها من المسيح، ولكن بهذا تتحول الخدمة إلى اجتماعيات.

والمسيح لم يَلُمْ مرثا على خدمتها بل لإرتباكها في أمور كثيرة تاركة كلمة الحياة الأبدية، إذاً هو ينبه على أهمية الشعور بالحاجة لكلمة الحياة الأبدية= الحاجة إلى واحد أي إلى شخص المسيح ومعرفته، وليس الاهتمام الزائد بالجسديات وفي نفس الوقت فعلي الخادم أن يعرف أنه لا يكفي أن يجلس يتأمل ويدرس ويصلي، ويهمل خدمته. ما يريده المسيح هو التعقل. لا نترك هذا ولا نهمل ذاك. المسيح يريدنا أن تكون لنا خلوتنا ولكن ليس على حساب الخدمة، ويكون لنا خدمتنا ولكن ليس على حساب خلوتنا. أي المطلوب التوازن.

في آية (38): سائرون= ذاهبون إلى أورشليم. قرية= هي بيت عنيا وهي بالقرب من أروشليم. في بيتها= هي بيت لعازر ومريم ومرثا.

وفي آية (42): لن ينزع منها= فمحبة المسيح تدوم وتثبت في قلب الإنسان، هنا على الأرض وهناك في السماء. أما الأطعمة أو الجسدانيات أو الماديات عموماً فهي إلى زوال، إما نتركها ونمضي بالموت أو تزول هي عنا.


 

الإصحاح الحادي عشر

الآيات (1-4):                 في كتاب إنجيل متى (مت9:6-15)

في آية (1): إذ كان يصلي= المسيح كإنسان كامل كان يحتاج للصلاة. وكنائب عن البشرية يرفع صلاة عنا. وليقدم لنا نموذجاً. والتلاميذ حينما رأوه يصلي بحرارة إشتهوا أن يصلوا مثله، فسألوه أن يعلمهم الصلاة.

 

الآيات (5-8): "ثم قال لهم من منكم يكون له صديق ويمضي إليه نصف الليل ويقول له يا صديق أقرضني ثلاثة أرغفة. لأن صديقاً لي جاءني من سفر وليس لي ما اقدم له. فيجيب ذلك من داخل ويقول لا تزعجني الباب مغلق الآن وأولادي معي في الفراش لا اقدر أن أقوم وأعطيك. أقول لكم وأن كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه فانه من اجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج."

في الآيات السابقة قدم السيد نفسه نموذجاً حياً للصلاة مما دفع تلاميذه أن يسألوه علمنا أن نصلي. فعلمهم الصلاة الربانية ثم ها هو هنا يعلمهم اللجاجة. ليس لأنه يستجيب لكثرة الكلام وإنما حين نطيل صلواتنا، فنحن نطيل فترة صلتنا بالله، وندخل معه في صلة حقيقية، ومع الوقت تتحول الصلاة إلى عبادة ملتهبة بالروح، فيها لا نكف عن الصلاة، بل نظل في صلة مع الله حتى ونحن في أعمالنا، وفي الشارع وفي كل مكان. صلوا بلا إنقطاع (1تس17:5). والصلاة بلجاجة تحمل معنى الإيمان والثقة في إستجابة الله، أمّا ترك الصلاة بيأس فيحمل معنى عدم الثقة في الله وهذا ممّا يحزن الله. ونلاحظ في مثل السيد المسيح أن هذا الإنسان حقق غرضه من إنسان مثله تتنازعه عوامل الأثرة والكسل، أفلا نستطيع أن نحقق أغراضنا من الله كلي المحبة والقدرة بلجاجتنا مثل هذا الإنسان، بصلاتنا نحن أيضاً بلجاجة. ولكننا يجب أن نعلم أن الله كثيراً ما يؤجل الإستجابة بسبب عدم إستعدادنا لقبول البركة. ولنعلم أن الصلاة بلجاجة وإيمان تعطينا هذا الإستعداد، بل تغير طبيعتنا تماماً.

مثال: رسام يقوم برسم صورة لأحد الأشخاص على لوحة. فإذا جلس الشخص أمام الرسام لحظات ثم قام، ليأتي بعد أيام ويجلس لحظات ويقوم، لن يستطيع هذا الرسام رسم اللوحة. ولكن على الشخص أن يطيل وقفته أمام الرسام حتى ترسم الصورة. والرسام هو الروح القدس، وهو يرسم فينا صورة المسيح، ولكنه يحتاج لوقت نقف فيه أمام الله، ليتمكن من رسم هذه الصورة فينا (غل19:4) إذاً لنقف أمام الله في مثابرة حتى تتغير طبيعتنا.

والمسيح هنا يقدم نفسه كصديق= من منكم يكون له صديق= وهذا يشرح لنا أن طلبتنا منه يجب أن تكون بدالة فهو صديق. بل الله هو أب نصرخ له قائلين يا أبانا.. فما مقدار الدالة والثقة التي يجب أن نصلي بها. وهناك شرك آخر هو الإحساس بالعوز، وهذا ما تعبر عنه اللجاجة. ونلاحظ في المثل أن الطالب يطلب لأجل آخر جاء ليزوره، وهذا يعلمنا أن نصلي لأجل الآخرين.. هذه هي المحبة في المسيحية.

ولاحظ أن المسيح يصعب الأمر (نصف الليل والصديق نائم/ لا تزعجني/ الباب مغلق الآن/ أولادي في الفراش/ لا أقدر) ليشرح أنه في بعض الأحيان تتأخر الإستجابة، وحتى نزيد من لجاجتنا في الصلاة، ويرتفع مستوى الصلاة وحرارة اللجاجة إلى المستوى الذي يساوي إستجابة الصلاة.

نصف الليل= نصف الليل إعلان عن وقت الضيقة، ولمن نذهب في ضيقتنا؟ لو ذهبنا لصديق بشري في منتصف الليل لكان هذا إزعاجاً ولكن أبونا السماوي لا ينعس ولا ينام، ويقول "إدعني وقت الضيق" وداود كان يسبحه في نصف الليل (مز62:119). ونصف الليل أيضاً تعبير عن حالة كسل وفتور أو خطية وإبتعاد، فالليل يشير لكل هذا. ولكن من يدرك وضعه هذا، عليه أن يلجأ لله صارخاً شاعراً بالعوز والإحتياج، ولكن مصلياً برجاء ودالة، بثقة وإصرار ومن المؤكد فالله سيستجيب. قد يتأخر الله، حتى نشعر بعظم العطية التي سنأخذها لكنه سيستجيب. ثلاث خبزات= [1] فالله يشبعنا نفساً وجسداً وروحاً. [2] رقم 3 إشارة للثالوث فنحن نشبع بمعرفتنا وعلاقتنا بالثالوث. فالروح يثبتنا في الابن، والإبن يحملنا لأحضان الآب. [3] الخبز يشير لجسد المسيح، ورقم 3 يشير للقيامة، فنحن نشبع بجسد المسيح القائم من الأموات.

يأتي بعد هذا المثل إسألوا تعطوا والمقصود إسألوا بلجاجة وثقة.

الآيات (9-13):               في كتاب إنجيل متى (مت7:7-12)

الآيات (14-23):              في كتاب إنجيل متى (مت22:12-37)

الآيات (24-26):              في كتاب إنجيل متى (مت43:12-45)

الآيات (27،28):              في كتاب إنجيل متى (مت43:12-45وما بعده)

الآيات (29-32):              في كتاب إنجيل متى (مت38:12-42)

الآيات (33-36):              راجع هذا الكتاب (مر21:4-25)

                                وراجع كتاب إنجيل متى (22:6،23)

 

الآيات (33-36): "ليس أحد يوقد سراجاً ويضعه في خفية ولا تحت المكيال بل على المنارة لكي ينظر الداخلون النور. سراج الجسد هو العين فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً ومتى كانت عينك شريرة فجسدك يكون مظلماً. انظر إذاً لئلا يكون النور الذي فيك ظلمة. فان كان جسدك كله نيراً ليس فيه جزء مظلم يكون نيراً كله كما حينما يضيء لك السراج بلمعانه."

مثل السراج جاء من قبل في (لو16:8) في حديث السيد المسيح عن أمثال ملكوت الله، فلماذا يكرر هنا ثانية؟ لاحظ أنه يأتي مباشرة بعد طلب اليهود (الجيل الشرير) آية. والسيد وصفهم بالجيل الشرير بسبب مقاومتهم. وما سر مقاومتهم والمسيح نوراً ظاهراً أمامهم؟ أن عينهم ليست بسيطة. فالعين البسيطة هي التي لها هدف واحد هو أن تعرف الرب وتعاين الرب، وتطلب مجد الرب. فملكة التيمن كان لها هدف واحد، هو أن ترى مجد سليمان وحكمته فرأت، وأهل نينوى كان هدفهم إرضاء الله فقبلت توبتهم. أمّا هؤلاء اليهود فلا يطلبون معرفة المسيح ولا يطلبون مجد الله، بل هم يطلبون مجد أنفسهم (يو44:5). فعيونهم ليست بسيطة ومن عينه بسيطة يستريح المسيح فيه ويظهر له ذاته فيكون جسده نيراً. من يفتح أعين قلبه للنور السماوي يخلص كما فعل أهل نينوى وملكة التيمن وعين القلب تظلم بعدم الإيمان والخطية. أي لو إمتلأ قلب الإنسان بالبغضة وحب الذات والكبرياء والحقد والحسد فإنه يُحرم من سكنى المسيح، النور الحقيقي في داخله، فيصير النور الذي فيه ظلاماً، ومع هذا يُمسى الإنسان حكيماً في عيني نفسه وهو لا يدري أنه في ظلمة. ليس أحد يوقد سراجاً ويضعه في خفية= هذا إشارة لأن تعاليم المسيح وأعماله وآياته كانت أمام الجميع، فماذا يطلبون آية؟ السبب أنهم صاروا ظلمة ولا يفهمون بينما هم يدَّعون الفهم والحكمة. يقصد المسيح أن الجهالة بالنور لا تكون بسبب المصباح بل بسبب العين العمياء. فملكة التيمن جاءت تتلمس حكمة سليمان وهؤلاء العميان لا يدركون أن أمامهم أقنوم الحكمة. من يريد بإخلاص أن يعرف سيعطيه المسيح أن يعرف. فالمجوس وجدوا المسيح، أما هيرودس والكهنة فلم يجدوه لسبب حسدهم له. وحسدهم أعمى عيونهم فلم يروا النور.

بل على المنارة= المنارة عالية وإذا وضع فوقها النور سيراه كل أحد والمسيح السماوي نوره يشع في كل مكان ولكل أحد لكنهم هم عميان. والمسيح سيعطي تلاميذه أيضاً أن يكونوا نوراً للعالم.

(آية36): فإن كان جسدك كله نيراً ليس فيه جزء مظلم= هذه تعني إن كان داخلك نيراً، مستنيراً بنور المسيح، وأنت لا تترك مجالاً لنفسك للسقوط في الخطية. يكون نيراً كله= حينئذ يشع نورك للخارج، سيكون نورك ظاهراً للجميع كما من مصباح= كما حينما يضئ لك السراج بلمعانه.

سراج الجسد هو العين= أي ما يجعل جسدك منيراً كسراج أو مظلماً هو عينك أي.. ماذا تريد، ما هو هدفك؟ هل هو المسيح أم العالم. أنظر لئلا يكون النور الذي فيك ظلمة= أي حاذر من أن تكون إرادتك التي جعلها الله في سلطانك، إذ خلقك حراً، مظلمة حين تختار العالم، أو كما حدث مع الكهنة وهيرودس.

 

الآيات (37-54)               راجع تفسير (مت23) في كتاب الآلام والقيامة

الآيات (37-54): "وفيما هو يتكلم سأله فريسي أن يتغدى عنده فدخل وإتكأ. وأما الفريسي فلما رأى ذلك تعجب انه لم يغتسل أولاً قبل الغداء. فقال له الرب انتم الآن أيها الفريسيون تنقون خارج الكأس والقصعة وأما باطنكم فمملوء اختطافاً وخبثاً. يا أغبياء أليس الذي صنع الخارج صنع الداخل أيضاً. بل أعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شيء يكون نقياً لكم. ولكن ويل لكم أيها الفريسيون لأنكم تعشرون النعنع والسذاب وكل بقل وتتجاوزون عن الحق ومحبة الله كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. ويل لكم أيها الفريسيون لأنكم تحبون المجلس الأول في المجامع والتحيات في الأسواق. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم مثل القبور المختفية والذين يمشون عليها لا يعلمون. فأجاب واحد من الناموسيين وقال له يا معلم حين تقول هذا تشتمنا نحن ايضا. فقال وويل لكم انتم ايها الناموسيون لانكم تحملون الناس أحمالاً عسرة الحمل وأنتم لا تمسون الأحمال بإحدى أصابعكم. ويل لكم لأنكم تبنون قبور الأنبياء وآباؤكم قتلوهم. إذا تشهدون وترضون بأعمال آبائكم لأنهم هم قتلوهم وأنتم تبنون قبورهم. لذلك أيضاً قالت حكمة الله أني أرسل إليهم أنبياء ورسلاً فيقتلون منهم ويطردون. لكي يطلب من هذا الجيل دم جميع الأنبياء المهرق منذ إنشاء العالم. من دم هابيل إلى دم زكريا الذي اهلك بين المذبح والبيت نعم أقول لكم أنه يطلب من هذا الجيل. ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم. وفيما هو يكلمهم بهذا أبتدأ الكتبة والفريسيون يحنقون جداً ويصادرونه على أمور كثيرة. وهم يراقبونه طالبين أن يصطادوا شيئاً من فمه لكي يشتكوا عليه."

دعا هذا الفريسي السيد المسيح، غالباً ليس عن محبة، بل لأنه أراد أن يوقع به ويتصيد أي خطأ عليه. والسيد لم يغتسل عمداً لا لأن الإغتسال خطأ ولكنه أراد أن يعطي درساً لهذا الفريسي ومن معه بأن المهم هو الطهارة الباطنية وليس الخارجية، بينما أن تطهير الخارج دون الداخل لهو حماقة. لقد ظن هذا الفريسي أن عدم الإغتسال خطية كبرى ودليل على عدم الطهارة الباطنية، لكن في حقيقة الأمر كان داخله عداء وحقد ورياء وعدم محبة لهذا الضيف الذي أتى به إلى منزله،بل هو يريد أن يوقع به. ولاحظ أن ناموس موسى لا توجد به وصية واحدة عن الإغتسال قبل الأكل، فالمسيح لم يكسر الناموس. الذي صنع الخارج صنع الداخل أيضاً= إن الله حقاً يهتم بنظافة الخارج لأنه خلقه، فهو قطعاً يهتم بطهارة القلب الذي خلقه أيضاً، ويهتم بأن يكون خالياً من الشر والرياء والحقد حتى تجاه الضيف الذي تستضيفه.

ولاحظ أن اليهود كانوا يغسلون الآنية من الخارج وليس الداخل، فالغسيل ليس للتنظيف بل للطهارة الطقسية (كانوا يخافون أن تكون قد تلامست مع نجس مثل شخص أممي مثلاً). وهذا فيه نوع من الغباء، فكيف يطهرون خارج الآنية ويتركون داخلها الذي سيأكلون فيه أو يشربون منه. المهم أنهم يمارسون نفس الشئ مع أنفسهم إذ هم يغتسلون من الخارج وقلوبهم مملوءة شراً. هم بهذا قد إهتموا برأي الناس فيهم (فالناس يرون الظاهر) ولم يهتموا برأي الله فيهم (فالله وحده يرى الداخل). وهذا هو الرياء. القصعة= الطبق. أعطوا صدقة= هم محبين للأموال، ولكن من يعطي يصبح قلبه نقياً من الطمع والجشع وحب الظهور (إن أعطى خفية). فمن يعمل خيراً ينقيه الله. وقول المسيح هذا كان حلاً لمشكلة الفريسيين الذين يهتمون بأنفسهم في كبرياء. والسيد يطلب منهم هنا الإهتمام بالآخرين فتمتلئ قلوبهم محبة. تعشرون النعنع والسذاب.. وتتجاوزون عن الحق ومحبة الله= النباتات التي يشير إليها السيد هي التي تزرع في البيوت، وهم يعشرونها ليظهروا أمام الناس أنهم مدققين في الناموس، أمّا باطن القلب والذي من المفروض أن يمتلئ حقاً ومحبة لله فلا يهتمون به. ولاحظ أن إهتمامهم بالعشور كان ليشجعوا الشعب على دفع العشور وهم يستفيدون من ذلك.

(آية43): أما في المسيحية فمن أراد أن يكون عظيماً يكون هم الأصغر (لو48:9) وعبداً (مت27:20). المسيح أخلى ذاته فهل نقبل أن نتواضع، ولنلاحظ أن الكبرياء هو سقطة الشيطان (أش13:14،14). والفريسيون كانوا قد إفتتنوا بمحبة المجد من الناس وإحتقروا الفقراء والمساكين والضعفاء.

(آية44): القبور المختفية= كان من يلمس قبراً يتنجس سبعة أيام لذلك وضعوا علامات على القبور حتى لا يلمسها المارة. وهؤلاء الفريسيون المملوئين شراً ورياء هم مثل قبور بلا علامات، لأن داخلهم نجاسة ولكنهم يتظاهرون بالطهارة.

(آية45): في آية (44) قال ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون. والناموسيون هم كتبة مشتغلين بالناموس. فطبعاً الكلام كان موجه لهم أيضاً. وهذا الناموسي ثار لكرامته عوضاً عن أن يفكر فيما قيل ويفكر في كيف يتوب.

(آية46): كانوا يعطون أنفسهم حلاً من ممارسة ما يطلبونه من الناس. ولنفس السبب هاجمهم بولس الرسول (رو17:2-23).

الآيات (47-49): المسيح يوبخهم على أنهم يبنون ويزينون قبور الأنبياء الذين قتلهم أبائهم ورفضوا تعاليمهم. وهم بسيرتهم وأعمالهم وشرورهم يثبتون أنهم متفقون مع آبائهم قتلة الأنبياء أكثر من إتفاقهم مع الأنبياء في أعمالهم الصالحة. وهذا ظهر في إتفاقهم الآن ضد المسيح (آيات 53،54). ثم ظهر في مؤامرة الصليب، ثم رجم إسطفانوس، فهم مستمرين في نفس أعمال أبائهم. لذلك أيضاً قالت حكمة الله إنى أرسل= الله أرسل لهم الأنبياء والرسل لكي إذا سمعوهم يخلصوا لكنهم قاموا عليهم وقتلوهم، فدم هؤلاء الأنبياء سيشهد عليهم. لكن الله سيتبرر إذا حاكمه أحد هؤلاء، فالله سبق وأنذر، ولم يتركهم دون شاهد.

آية (50): يطلب من هذا الجيل دم جميع= ما كان يطلب منهم إن كانوا قد تابوا أو آمنوا بالمسيح، ولكن هذا الجيل أكمل خطية الآباء بصلبهم للمسيح.

(آية51): زكريا هو إبن برخيا (مت35:23+ 2أي20:24-22) حيث يذكر أنه زكريا إبن يهوياداع. وغالباً فزكريا كان أبوه هو برخيا الذي مات مبكراً فنسب إلى جده يهوياداع، وهذا منطقي فعمر يهوياداع كان 130سنة. راجع باقي التفسير في كتاب آلام وقيامة السيد المسيح. ويقال أن زكريا هو أبو يوحنا المعمدان، الذي قتله الجند بعدما وضع الطفل يوحنا على المذبح قائلاً، من حيث أخذته (المذبح) أعيده، فخطفه ملاك الرب وذهب به للبرية وكان ذلك إبان قتل أطفال بيت لحم.

(آية52): جرت العادة أن يعطي كل ناموسي مفتاحاً عند تعيينه وفرزه للخدمة وذلك عند الثلاثين من عمره دلالة أنه ملزم بفتح كنوز المعرفة والحكمة الإلهية للشعب. وكان هؤلاء الدارسين للناموس يعرفون النبوات التي تشهد للمسيح وأخفوها عن الشعب. وضللوا الشعب (بينما كان هناك من فهم موعد مجيء المسيح مثل حنة وإنتظرت المسيح في الهيكل) فهؤلاء الناموسيون لم يدخلوا إلى الإيمان ومنعوا الشعب بينما أن معهم مفتاح معرفة وفهم النبوات.

(آية53) يصادرونه= هي كلمة قضائية بمعنى أن السلطات تصادر الشخص معنوياً لاسيما عند إستخدام الأحكام العرفية. والمفهوم مقاطعته ومنعه من إبداء رأيه والإعتراض عليه.

(آية54): يشتكوا عليه= لرؤساء اليهود على أنه مجدف، أو مقاوم للرومان وهذا بدلاً من أن يتوبوا.


 

الإصحاح الثاني عشر

الآيات (1-12):               في كتاب إنجيل متى (مت16:10-42 وما بعده)

آية (10):                      في كتاب إنجيل متى (مت22:12-37 وما بعده)

 

الآيات (13-21):

الآيات (13-21): "وقال له واحد من الجمع يا معلم قل لأخي أن يقاسمني الميراث. فقال له يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مقسماً. وقال لهم انظروا وتحفظوا من الطمع فأنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله. وضرب لهم مثلا قائلاً إنسان غني أخصبت كورته. ففكر في نفسه قائلاً ماذا أعمل لأن ليس لي موضع اجمع فيه أثماري. وقال اعمل هذا اهدم مخازني وابني اعظم واجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. وأقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة استريحي وكلي واشربي وافرحي. فقال له الله يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي أعددتها لمن تكون. هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنياً لله."

في الآيات السابقة كان المسيح يكلمهم عن الكرازة بلا خوف والضيقات التي ستأتي. فإرتفع صوت شخص يشتكي أخيه الذي ظلمه في الميراث. ويظهر هنا التناقض، فلو فهم هذا الشخص كلام المسيح الذي يعني أنه في هذا العالم سيكون ضيق مستمر، ولكن الروح القدس يساندنا وفي النهاية من يثبت يعترف به المسيح، لإحتقر هذا الشخص الماديات كلها فماذا ستنفعه أمواله وقت الإضطهاد والاستشهاد، وماذا سيخسر هذا حينما يقف مُعْتَرَفَاً به أمام الله. المسيح واضح هنا أنه يريد رفع مستوى تفكيرنا إلى السماويات، وإيماننا بأننا غرباء في هذه الأرض. لذلك ينبه أن الطمع هو أخطر عدو يقابل المسيحي، لذلك أسماه بولس الرسول عبادة أوثان (كو5:3). لأن الطماع ينسى إنتمائه للسماء ويظن أنه سيعيش للأبد على الأرض (هذا هو معنى المثل الذي قاله هنا السيد المسيح). لنثق أن المال لا يعطي سلاماً، الله هو الذي يعطيه. والسيد المسيح رفض أن يأخذ دور السلطة الزمنية أي القضاة وصمم على أن يكون دوره روحياً. هو تحاشى أن يضع قوانين أرضية بل هو السماوي، أتى من السماء ليرفعنا للسماويات، هو يريد أن يحل المشاكل بإصلاح الداخل، ومنع الطمع المفسد للحياة السماوية. ولاحظ فإن المسيح لا يدين الغني بل الطمع. والطمع هو الشعور الدائم بعدم الإكتفاء والنهم للأرضيات والماديات، والإنشغال بالماديات عن الروحيات، وعدم الإهتمام بأن يكون للشخص كنز سماوي.

يا معلم قل لأخي= كان وظيفة معلمي اليهود أن يتدخلوا لحل هذه المشاكل.

مثل الغني الغبي: هل خطأ أن يفكر إنسان أن يقيم مخازن؟ قطعاً هذا ليس خطأ، فما هو إذاً خطأ هذا الغني الذي جعله غبياً؟

1)  هو كان يفكر في الحاضر فقط والمستقبل على أنه سيعيش دائماً وربما للأبد. ولم يفكر أنه في هذه الليلة ستؤخذ نفسه. فعلينا أن نعمل بجد ولكن لا ننسى أننا هنا غرباء، قد نترك العالم في أي لحظة.

2)  إذا فهمنا أنه يمكن لنا أن نترك العالم في أي لحظة، فما الذي أعددناه للسماء. هذا الغني كل ما فكر فيه كان يخص حياته على الأرض، فأين هي كنوزه التي في السماء (أي أين صلاته وأصوامه وصدقاته..).

3)  عطايا الله له حسبها تخصه وحده= أثماري غلاتي خيراتي فهو نسب الخير لنفسه ولم يذكر أن الله أعطاه الكثير فيشكر الله وليعطي هو من ليس لهم، فنحن وكلاء على ما عندنا.

4)  أنظر ما يفكر فيه يا نفسي كلي واشربي وإفرحي= فكل ما يفكر فيه هو ما يشبع الحيوانات أيضاً، ولكن أين نصيب الروح.

5)  لكِ خيرات يا نفسي= هو إعتبر أن الخيرات هي الماديات فقط وتناسي أن الخيرات الحقيقية هي الفضائل فهذه توصلنا للسماء أما الأموال فهذه يمكن توجيهها لتكون خيراً ويمكن توجيهها لتكون شراً.

6)  هو إفترض أن غناه سيكون سبباً في راحته، مع أنه أصبح هماً ثقيلاً عليه وشاغلاً يشغل باله ويملأه قلقاً. لقد ظن أنه يملك المال لكن المال هو الذي إمتلكه. أمّا الراحة الحقيقية هي في المسيح. غنياً لله= أي يكون غناه هذا لمجد الله وليس لراحته هو شخصياً.

7)  يقول يا نفسي لكِ خيرات كثيرة، موضوعة لسنين كثيرة= ولم يخطر على باله أي اعتبار أن كل شئ هو ملك لله، وأننا وكلاء على ما بين أيدينا. وأن الله سيحاسب كلٌ منا حسب ما سوف يتصرف في أمواله. ولاحظ قوله سنين كثيرة، هو لا يفكر أنه يمكن أن ينتقل في أي لحظة. هذا الإنسان ربط نفسه بالأرضيات وبالتالي فهو لا يصلح للسماويات. فمن يصلح للسماويات هو من عاش في الأرض سماوياً غريباً عن الأرض.

8)    حينما زادت خيراته فكر في زيادة مخازنه بدلاً من أن يفكر في إحتياج الفقراء لهذه الزيادات.

 

الآيات (22-31):              في كتاب إنجيل متى (مت25:6-34) وما بعده)

 

الآيات (32-48):

الآيات (32-48): "لا تخف أيها القطيع الصغير لان أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت. بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة اعملوا لكم أكياساً لا تفنى وكنزاً لا ينفد في السماوات حيث لا يقرب سارق ولا يبلي سوس. لأنه حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضاً. لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسرجكم موقدة. وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت. طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين الحق أقول لكم انه يتمنطق ويتكئهم ويتقدم ويخدمهم. وأن أتي في الهزيع الثاني أو أتي في الهزيع الثالث ووجدهم هكذا فطوبى لأولئك العبيد. وإنما اعلموا هذا انه لو عرف رب البيت في أي ساعة يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب. فكونوا انتم إذا مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان. فقال له بطرس يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضاً. فقال الرب فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم العلوفة في حينها. طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. بالحق أقول لكم أنه يقيمه على جميع أمواله. ولكن إن قال ذلك العبد في قلبه سيدي يبطئ قدومه فيبتدئ يضرب الغلمان والجواري ويأكل ويشرب ويسكر. يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها فيقطعه ويجعل نصيبه مع الخائنين. وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيضرب كثيراً. ولكن الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات يضرب قليلاً فكل من أعطى كثيراً يطلب منه كثير ومن يودعونه كثيراً يطالبونه بأكثر."

في الآيات السابقة دعوة السيد لأولاده ألا يقلقوا فالله يعول أولاده ويهتم بهم.

لا تخف= من الغد أو من قلة الغذاء والكساء، فإن كان الله قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت فهل يبخل عليكم بالجسديات.

القطيع الصغير= فالمدعوون كثيرون والمنتخبون قليلون، الذين يخلصون هم قليلون. وفي أول لقاء مع تلاميذه أعطاهم الرب صيداً وفيراً بلا عدد (لو5) وفي آخر لقاء أعطاهم 153سمكة هم القطيع الصغير. وفي مثل عرس إبن الملك كان المدعوون كثيرين، ولكن عاد وأخرج من ليس عليهم ثياب العرس. وهم قطيع صغير لقلة عددهم وسط عالم كبير وأعداء كثيرين أشداء. وهم قطيع صغير لقلة إمكانياتهم البشرية.

لأن أباكم= ربما هم بلا حول ولا قوة في العالم، لكن أنظر لأبيهم الذي سر بهم، وماذا أعد لهم؟ الملكوت. ولاحظ أن عدد المؤمنين في القطيع الصغير معروف عدده لا يهلك منه أحد/ بل هو معدود واحداً فواحداً (رمزياً هم 153 وهم 100خروف لو ضل أحدهم يذهب الراعي ليفتش عليه حتى يجده). فهو راعي وهو أب. بيعوا ما لكم= من آمن وصدَّق أن الله أعد له الملكوت سيبيع بسهولة الأرضيات، ويعطي صدقة فيكنز له كنزاً سماوياً حيث يثق أنه ذاهب هو ينقل بهذا أمواله إلى بنك السماء حيث هو ذاهب. ومن هذه الآية نفهم إستحالة الجمع بين كنزين إذ لا يمكن أن يتوزع القلب بين إثنين الله والمال. بهذا يتوقف المسيح عن الكلام في الماديات وينتقل للروحيات. وقوله بيعوا لا تعني أن نبيع كل شئ ونفتقر بل أن نتوقف عن التعلق بها أو الإعتماد عليها. أن نفهم بقلوبنا تفاهتها، فلنا أب سماوي هو يعولنا. أكياساً لا تفني= الإتكال على الله هو كمن له كيس لا يفنى ما فيه من نقود. فالله مصدر لا نهائي لكل ما يحتاجه أولاده. ولكن هذا لمن إهتم أن يكون له كنز في السموات= أي تكون حياته سماوية وتكون أمواله لخدمة المحتاجين.

لتكن أحقاءكم ممنطقة= ثياب الشرقيين طويلة، وإذا لم يتمنطقوا تعوقهم ثيابهم عن العمل والرحيل لأنها تشتبك بأقدامهم. إذاً المعنى الروحي أن لا يرتبك المؤمن بالمعوقات العالمية التي تعوقه عن الخدمة وعن إنتظار الرب بفرح، ويكون هذا بضبط النفس عن الإسترسال في الشهوات والإنغماس في ملذات الدنيا، والإهتمام بحياة الفضيلة والأعمال الصالحة. إذاً هي إعتبار الجسد ميت عن ملذات العالم والخطية (كو5:3) (جهاد سلبي) وعمل أعمال بر وخدمة (جهاد إيجابي). فمن باع العالم أي لم يعد يهتم به يسهل عليه تركه.

قصة: حينما أتت ساعة الموت من شخص مريض طريح الفراش، كان ينام على وسادة، وجدوه يحتضن وسادته بعنف، وحاولوا أخذ الوسادة منه ليجعلوه ينام عليها ويستريح، فكان يرفض بشدة محتضناً وسادته حتى مات، ولما مات فتحوا الوسادة، فوجدوه قد أخفى ثروته فيها. هذا كان رافضاً للموت متعلقاً بثروته. فكل من تعلق بالعالم لا يريد أن يتركه.

أحقاؤكم= مفردها حُق وهو حُق الفخذ الذي يُرْبَطْ حزام الوسط فوقه فيشد قامة الإنسان ويرفع ملابسه فوق الأرض ويجعله بهذا مستعداً للمشئ والرحيل.

سرجكم موقدة= يحتاج الإنسان في الليل لسراج موقد يسير به في الظلام. لئلا يصيب الإنسان ما أصاب العذارى الجاهلات. وهذا إشارة لضرورة الإمتلاء من الروح القدس وسط ليل هذا العالم. وهذا يكون بطلب الروح القدس بلجاجة في الصلاة. فيمتلئ الإنسان ويحل المسيح (النور) في قلبه. فينير هو أيضاً.

ينتظرون سيدهم متى يرجع= إشارة للمجيء الثاني، أو ساعة الإنتقال. ساهرين= ساهر على أن يكون مصباحه مملوءاً بالزيت كالعذارى الحكيمات وساهر على أولاده وبيته، والخادم ساهر على كنيسته حتى لا يخطف عدو الخير أحد أولاده، ساهراً أن يؤدي خدمته بأمانة. وكل إنسان يكون ساهراً على أن تكون عبادته بأمانة، والساهر يأخذه رب المجد للمجد. وقد يكون العبيد إشارة لطاقات الإنسان (الجسدية والروحية) التي ينبغي أن تكون في خدمة السيد المسيح.

يتمنطق.. ويخدمهم= لا ولائم في السماء ولكن المعنى هو لا شئ من البركات والمجد في السماء لن ينعم به المسيح علينا. هو يتمنطق ليخدم الذين سبقوا وتمنطقوا في العالم. وهو يمنطق حقويه إستعداداً للدينونة وفيها يكرم الساهرين، ويحكم على الأشرار. وعربون هذا هو الفرح والسلام اللذان يحيا فيهما أولاد الله الآن على الأرض.

ولكن قوله يتمنطق ويخدمهم هو إعلان عن محبة المسيح وإشتياقه الشديد أن يرى أولاده معه في السماء وفي المجد، فمن أكرمه على الأرض سيكرمه المسيح في السماء "أنا أكرم الذين يكرمونني" (1صم30:2)

الهزيع الثاني أو..= اليهود يقسمون الليل إلى أربعة هُزع. ويقسمون عْمر الإنسان لأربعة أقسام (الطفولى/ الشباب/ الرجولة/ الشيخوخة) وأشار هنا إلى الليل الذي يشير لفترة وجودنا على الأرض. ولكنه أشار لثلاثة هُزُعْ فقط. وقد يكون الهزيع الرابع هو:

1.    الطفولة= فالطفل غير مسئول عن تصرفاته ولا يعاقب على خطاياه فيها.

2.    الشيخوخة= حتى لا نؤخر توبتنا لسن الشيخوخة "أذكر خالقك أيام شبابك" (جا1:12)

والمعنى هو الاهتمام بالسهر وسط ليل هذا العالم. وهو يشبه أن الموت يأتي كلص فجأة دون إنتظار. لذلك على الإنسان أن يسهر أي يكون مستعداً في كل وقت بتوبة مستمرة.

وكان رد السيد على سؤال بطرس ألنا تقول هذا.. أم للجميع. أن ما قيل كان يخص كل خادم وكل راعي يقيمه السيد ليخدم شعبه. بل أن هذا المثل يمتد لكل من أعطاه السيد وزنة يخدمه بها. فالغني الغبي أعطاه الله وزنة هي المال الوفير، وكان هناك حوله جوعي، فهو كوكيل على هذه الأموال لم يكن أميناً على هذه الوكالة وهكذا. والسيد يطوب كل من كان أميناً في وزنته (آية43).

العلوفة= هي كمية الأكل المخصصة لكل واحد والمعنى الغذاء الروحي اللازم والمناسب لكل واحد. وسؤال بطرس غالباً لأنه فهم من أقوال المسيح الكرامة التي ستنال الخادم الساهر، فسأل ليتأكد بالأكثر. وبمقارنة النص هنا بما ورد في نظيره في إنجيل (مت42:24-45) نجد فرقين:

متى (يكتب لليهود)

لوقا (يكتب للأمم)

1.    أقامه

2.    طعام

يقيمه

علوفة

فيقول لليهود أقامه فلطالما أرسل الله لليهود أنبياء، أما للأمم فهو مزمع أن يقيم لهم رعاة. ولليهود أرسل الله لهم طعاماً فهم أبناء وقد أرسل لهم ناموس ونبوات. أمّا للأمم فيشير لطعامهم بقوله علوفة، فهم كانوا بلا إله غارقين في شهواتهم كالبهائم.

يضرب الغلمان ويأكل ويشرب= هو إهتم بملذاته، وأعثر أولاد الله ومنعهم أو صدهم عن الشبع بكلمة الله، في قسوته عليهم لم يكن صورة للمسيح فصدهم عن معرفة المسيح والشبع به.

يقيمه على جميع أمواله= يوحده فيه كعروس مع عريسها ويعطيه مجداً، لا مجداً أرضياً بل سماوياً. أي يعطيه الملك الأبدي.

تطبيق عام على كلمات الرب= على كل واحد منّا أن يكون أميناً في وزناته أميناً على جسده وصحته وأعضائه وعواطفه وغرائزه وعمله وخدمته التي أستأمنه الله عليها، ليكن كل ما سلمنا الله إياه هو أمانة بين أيدينا، نشبع حياتنا بطعام الروح حتى لا تهلك.

ونرى في كلام السيد أن مسئولية كل إنسان ستكون بحسب معرفته، ولكن هذا ليس مبرراً أن نهمل المعرفة، فقلة المعرفة قد تسبب الهلاك بل هي من المؤكد ستسبب الهلاك "هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو6:4)

وهنا نرى أن من لا يعلم يعاقب أيضاً، فهو أهمل في أن يعرف. فمن يعرف ويهمل يضرب كثيراً، ومن لا يعرف لأنه لم يطلب المعرفة يضرب قليلاً. كلاهما يضرب أي يهلك.

سيدي يبطئ قدومه= من يتصور أن ساعة موته بعيدة فيجري وراء شهوات العالم. يقطعه= ينهي حياته.

 

الآيات (49-53):              في كتاب إنجيل متى (مت37:10-39 وما بعده)

الآيات (54-59):              راجع كتاب إنجيل متى (1:16-3)

                                راجع كتاب إنجيل متى (25:5،26)

الآيات (54-59): "ثم قال أيضاً للجموع إذا رأيتم السحاب تطلع من المغارب فللوقت تقولون انه يأتي مطر فيكون هكذا. وإذا رأيتم ريح الجنوب تهب تقولون أنه سيكون حر فيكون. يا مراؤون تعرفون أن تميزوا وجه الأرض والسماء وأما هذا الزمان فكيف لا تميزونه. ولماذا لا تحكمون بالحق من قبل نفوسكم. حينما تذهب مع خصمك إلى الحاكم ابذل الجهد وأنت في الطريق لتتخلص منه لئلا يجرك إلى القاضي ويسلمك القاضي إلى الحاكم فيلقيك الحاكم في السجن. أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير."

هنا يؤنب السيد من له حكمة زمنية بها يعرف علامات الجو، ومتى ستمطر السماء، ومتى يكون الجو صحواً. وفي نفس الوقت لا يميز الوقت المقبول للتوبة والإيمان والتصالح مع الله. وبنفس المفهوم يؤنب السيد الذين يسعون لمعرفة زمان مجيئه الثاني الذي سيكون للدينونة ويتركون معرفة قيمة الزمان الحاضر، وهو زمان المصالحة وإمكانية التوبة والخلاص. والرب واقف على الباب يقرع، هو زمان ترحيب الله بكل تائب. أما في مجيئه الثاني سيغلق باب التوبة والمراحم.

والأمطار= ترمز للنعم السمائية. وريح الجنوب حارة ترمز للحرارة الروحية التي يعطيها الروح القدس للتائب. وهذا ما تم بالمسيح وفدائه.

أما هذا الزمان فكيف لا تميزونه= هذا القول للفريسيين هو عتاب أنهم لم يميزوا أن الذي أمامهم هو المسيح بعد كل ما سمعوه من أقواله ورأوه من أعماله وهذا راجع لكبريائهم وريائهم. وهذا القول لنا لننتهز الفرصة، فرصة هذه الحياة للتوبة والتصالح مع الله، وخطورة إهمال ذلك.

ولاحظ أن هذا الكلام يأتي بعد نبوة المسيح عن الإضطهاد القادم حتماً فهو جاء ليلقي ناراً وإنقساماً (آيات49-53). وهذه الإضطهادات لن يحتملها سوى التائبين والمتصالحين مع الله، فهؤلاء سيتمتعون بالتعزية التي بها يحتملون الآلام. أمّا الفاترين، أو المنغمسين في الخطية ورافضي التوبة، حينما تأتي الآلام سيتركون المسيح لأنهم لم ولن يستطيعوا أن يميزوه= لماذا لا تحكمون بالحق من قبل نفوسكم= إمتداداً لعدم التمييز لا يُحاسب الإنسان نفسه فيقدم توبة، ويرفض الخضوع للحق الإلهي ويتمادى في الخطية مبرراً نفسه أما من يحيا حياة التوبة سيقتني المسيح داخله فيميز الحق، وهؤلاء الفريسيين مملوئين رياء وحسد لذلك لا يستطيعون أن يميزوا الحق، والمنغمسين في خطاياهم أيضاً لن يستطيعوا تمييز المسيح، لذلك سيتركونه إذا جاءت آلام وإضطهادات.

وبعد أن وبخ المخلص السامعين على عدم تمييزهم للأزمنة وعدم إنتهازهم فرصة عهد النعمة لإتمام التوبة، أخذ يبين لهم الخطر العظيم الذي ينجم عن ذلك، فشبه الخاطئ برجل أخذه خصمه للقاضي ليحاكمه. هذا الخصم هو ناموس الله ووصاياه العادلة وقد يكون الخصم هو صوت تبكيت الروح القدس، وهو يطلب إستيفاء حقوقه كاملة والقاضي هو الديان العادل الذي يجلس للقضاء يوم الدين، والطريق هو فرصة هذا العمر. والحاكم هو من يلقي في السجن أي الملائكة التي تضع النفس في مكان العذاب الأبدي. والتخلص من العمر. والحاكم هو من يلقي في السجن أي الملائكة التي تضع النفس في مكان العذاب الأبدي. والتخلص من الخصم هو التصالح معه قبل الوصول إلى كرسي القضاء. أي نطلب العفو والمغفرة ونقدم توبة لله قبل إنتقالنا للعالم الآخر. وإلا سنوضع في السجن حتى نوفي آخر فلس (أصغر عملة إشارة لأصغر خطية). وكيف نوفي ما علينا ونحن في العذاب الأبدي، فإن لم يبررنا دم المسيح فسنظل هناك للأبد، فلا شئ يفوق دم المسيح قادر أن يبرر.


 

الإصحاح الثالث عشر

الآيات (1-5): "وكان حاضراً في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. فأجاب يسوع وقال لهم أتظنون أن هؤلاء الجليليين كانوا خطاة اكثر من كل الجليليين لأنهم كابدوا مثل هذا. كلا أقول لكم بل أن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. أو أولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين اكثر من جميع الناس الساكنين في أورشليم. كلا أقول لكم بل أن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون."

سمع اليهود تأنيب السيد لهم في الآيات السابقة فبادروه بهذا السؤال. وربما يكون هدف السؤال:

1)    ربما كانوا يصرفون نظره إلى مصيبة قتل الجليليين ليكف عن هجومه عليهم.

2)    إذ أشار المسيح للحاكم والقاضي في مثله الأخير إشتكوا له من ظلم بيلاطس.

3)    ربما أرادوا أن يوقعوا بالمسيح، فإن هو هاجم بيلاطس إشتكوه له وإن هو وافق بيلاطس لصار معادياً للشعب.

4)  مشكلة الألم هي مشكلة واجهت البشر في كل مكان وزمان، والسؤال هنا، لماذا يتألم هؤلاء ويموتوا وهم يعملون خيراً أي يقدمون ذبائح.

5)    ربما تصوروا أن المسيح هو الملك الآتي، فهم يشتكون له ظلم بيلاطس.

واليهود كان لهم رأي أن من يكابد ألماً فهو بالضرورة شرير، وهذا قد إتضح في حديث أيوب مع أصدقائه. والمسيح هنا ينكر هذا الفكر بل يزيد على الحادثة التي ذكروها أي قتل بيلاطس للجليليين، حادثة أخرى تمت بوقوع برج على 18شخصاً فقتلهم. فالحادثة التي أشاروا هم إليها تمت بيد بشرية هي يد بيلاطس، والحادثة الثانية تمت بيد إلهية مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل. ورد السيد نلاحظ فيه:

1.  أنه لم يقدم تفسير لهذه الحادثة أو تلك، فالله غير مطالب بأن يقدم لنا تفسير عن كل حادثة. فالطبيب الماهر لا يشرح لمريضه تفاصيل العملية الجراحية التي سيقوم بها، يكفي المريض ثقته في طبيبه، ويكفينا كأولاد الله أن نعلم أننا في يد الله، وإذا سمح بأي حدث سيكون للخير، فالله صانع خيرات، وليس هناك عند أولاد الله ما يسمونه كوارث، فما نسميه كوارث سيكون علة دخولنا للسماء، المهم أننا لا نطالب الله بتقديم تفسير عن كل ما يسمح به، ثقة منّا في أنه صانع خيرات.

2.  أن النوازل والكوارث التي تصيب البشر سواء يهود أو جليليين أو أي من الشعوب في كل زمان ومكان على السواء، سواء هي بفعل إنسان أو كارثة طبيعية ليست بدليل على أن من نزلت بهم كانوا أشر من غيرهم، وأن الموت الزمني رمز للموت الروحي، وأن كل نازلة ما هي إلاّ إنذار بالهلاك المعد للباقين إن لم يتفادوه بالتوبة. إذاً هذه الحادثة يجب إعتبارها كإنذار، بل وكل حادثة مماثلة عوضاً عن أن نحكم على المصاب بأنه خاطئ.

3.  علينا أن لا نحكم على أن الآخرين مخطئين بالضرورة إن وقعوا تحت الآلام، وأن نقول أن الأصحاء والأغنياء هم أبرار بالضرورة وإلاّ لما تألم المسيح نفسه وصُلِب وهو البار.. وإلاّ لما ذهب لعازر للسماء، والغني إلى الجحيم. ولكن الخطية هي علة الهلاك الأبدي وليس الزمني.

4.  علينا أن لا نحكم على أحد، وعلينا أن لا نهتم بخطايا الآخرين، بل بخطايانا نحن، ونقدم عنها توبة ولذلك يكرر المسيح مرتين في هذه الآيات إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون.

5.  المسيح إعتبر أن هذه الآلام هي مجرد إنذار، وإن لم يقدم السامعين توبة سيهلكون. وهذا ما حدث، ففي سنة 70م أهلك تيطس أورشليم.

·    هؤلاء الجليليين كانوا ثواراً رافضين لملك قيصر، رافضين أن يقدموا ذبائح لسلامة قيصر وسلامة الدولة الرومانية، وكانوا أتباع ثائر إسمه يهوذا الجليلي، فقتلهم بيلاطس وهم يقدمون ذبائحهم في الهيكل (أع7:5) ويرى بعض الدارسين أن ما عمله بيلاطس هنا كان سبب العداء بينه وبين هيرودس، فهؤلاء الجليليين كانوا من رعاياه.

6.  قد يسمح الله ببعض الضيقات ويكون ذلك ليدفعنا للتوبة، فإن لم نفهم ونتب، تكون هذه الضيقات رمزاً لضيقتنا وهلاكنا الأبدي.

 

الآيات (6-9):         (التينة غير المثمرة)

الآيات (6-9): "وقال هذا المثل كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه فأتى يطلب فيها ثمراً ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاثة سنين آتي اطلب ثمراً في هذه التينة ولم أجد اقطعها لماذا تبطل الأرض أيضاً. فأجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها واضع زبلاً. فإن صنعت ثمراً وإلا ففيما بعد تقطعها."

في الكلام السابق رأينا أهمية التوبة وإلاّ نهلك، وهنا السيد يشير لأن الله يبطئ في الدينونة على الخطاة ليعطيهم فرصة للتوبة. واحد= هو الله. ما هي هذه التينة وما هي الكرمة؟ وما هي الثلاث سنين؟

1- ترمز التينة لشعب اليهود. والثلاث سنين هي ثلاث حقب زمنية أ) من إبراهيم لداود ب) من داود إلى السبي ج) من السبي للمسيح. وهذا بحسب تقسيم (مت إصحاح 1). والله أعطى لليهود شريعته وأرسل لهم الأنبياء وأقام لهم كهنوتاً لعلهم يثمرون ولكن بلا جدوى. الثمر= أعمال الخير. والكرمة هي الكنيسة، وكان لابد من قطع التينة غير المثمرة فوجودها بطقوسها الناموسية سيعطل الكرمة (الإعتماد على الختان وطهارة الجسد يعطل عمل النعمة غل1:5-6). وقد رأينا في الأسبوع الأخير للمسيح في أورشليم أنه يلعن التينة غير المثمرة فتجف رمزاً لما سيحدث للأمة اليهودية. ولكن الله بمراحمه سيظل يتعهد هذه التينة ويضع زبلاً فهناك بقية ستؤمن، ومن يؤمن سيثمر، ومن لن يؤمن سيهلك.

2- ترمز التينة لكل كنيسة وسط الكرمة أي الكنيسة في كل العالم، والله يطلب الثمر من كل كنيسة، والكنيسة التي بلا ثمر سيقطعها الله (رؤ5:2)

3- ترمز التينة لكل نفس بشرية لمؤمن وسط الكرمة أي الكنيسة والله يتعهد كل نفس وكل كنيسة بمواهبه ونعمته وطول أناته ولكنه يطالب بالثمر. ولا ثمر بدون توبة.

4- لماذا سميت تينة؟ بينما الكنيسة تسمى كرمة. التينة تشير لما عمله آدم بأن ستر نفسه بأوراق تين (تك7:3)، وهذه محاولة خادعة. فالخطية في الداخل، بينما محاولة النفس هي محاولة خارجية محكوم عليها بالفشل، هذا ما نسميه الرياء، فالنفس تدَّعي الطهارة لكنها ليست ملتحفة ولابسة الرب يسوع برها وسترها، بل هي ترتدي أعمال بر مظهرية تدعى بها القداسة، أما كنيسة الله فهي الكرمة التي تلبس الرب يسوع برها، وهذا هو ما يفرحه، خمر كنيسته أي كرمته (نش1:5+ 2:8+ 2:1). فالخمر رمز للفرح. فالله يفرح بكنيسته التي بررها.

الكرام= هو المسيح الذي يشفع في كنيسته شفاعة كفارية أو هم رعاة الكنيسة الذين يشفعون بصلواتهم في الكنيسة وعن كل نفس.

الزبل= هو السماد المعطي للشجرة ويرمز للطعام الروحي الذي يعطيه الله لأولاده ليساعدهم على الإثمار.

أنقب حولها= ينقب تعني حفر الأرض لقلع الحشائش الضارة وهذه إشارة للتجارب التي يسمح بها الله لتنقية أولاده (مجاعة الإبن الضال). وبعد المسيح وبالذات بعد خراب أورشليم ترك الرب أمة اليهود في نجاسة وفي عار حتى الآن= والزبل يشير للحالة المتردية المزرية التي عاش فيها اليهود ألفي سنة ربما يتوبون. فالزبل هو روث الحيوانات ويؤخذ إشارة لنجاسة اليهود إذ صلبوا المسيح. وبالنسبة للنفس البشرية التي يعطيها الله فرصة ثانية للتوبة عليها أن تجلس على الرماد حاسبة كل الأشياء نفاية كما قال بولس الرسول (أي8:2 + في8:3) فكلمة أنقب حولها تشير لخراب أورشليم، وتشير للتجارب التي يسمح بها الله لتحيط بأولاده لعلهم يتوبون. إذاً الله حين يترك نفس ويعطيها فرصة أخرى يساعدها [1] بسماد أي يقويها بطعام روحي على أن تنسحق [2] بعض التجارب لتساعدها على الإنسحاق (انقب حولها). أتركها هذه السنة أيضاً= هي الفرصة التي يعطيها الله للخطاة ليتوبوا قبل أن ينفذ حكمه العادل فيهم "أعطيتها زماناً لكي تتوب" (رؤ21:2) والله ترك الأمة اليهودية 40سنة تقريباً بعد صلبه قبل أن يخربها ومازال يترك اليهود حتى يؤمن البقية.

لماذا تبطل الأرض أيضاً= هي بلا ثمر ولكنه تمتص فوائد الأرض فتعطلها، أو هي تأخذ مكاناً كان يمكن أن تزرع فيه شجرة مثمرة، لقد قطعت الأمة اليهودية لتخرج مكانها الكنيسة.

 

الآيات (10-17):              (شفاء امرأة منحنية)

الآيات (10-17): "وكان يعلم في أحد المجامع في السبت وإذا امرأة كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة وكانت منحنية ولم تقدر أن تنتصب البتة. فلما رآها يسوع دعاها وقال لها يا امرأة انك محلولة من ضعفك. ووضع عليها يديه ففي الحال استقامت ومجدت الله. فأجاب رئيس المجمع وهو مغتاظ لأن يسوع أبرأ في السبت وقال للجمع هي ستة أيام ينبغي فيها العمل ففي هذه ائتوا واستشفوا وليس في يوم السبت. فأجابه الرب وقال يا مرائي ألا يحل كل واحد في السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضي به ويسقيه. وهذه وهي ابنة إبراهيم قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة أما كان ينبغي أن تحل من هذا الرباط في يوم السبت. وإذ قال هذا اخجل جميع الذين كانوا يعاندونه وفرح كل الجمع بجميع الأعمال المجيدة الكائنة منه."

في موضوع الشفاء في السبت راجع (مت1:12-13) كتاب متى (مت1:12-8) + (مت9:12-14)

لقد كان الرب يسوع يقصد أن يقوم بمعجزات الشفاء في السبت لأنه يريد أن يعطي راحة للمتألمين والمرضى في السبت، والسبت هو راحة، هو أراد أن يظهر معنى راحة السبت. فالسبت هو إشارة للراحة الأبدية حيث الشفاء النهائي لكل أمراض النفس والجسد والروح.

يا مرائي= الرب يسوع هنا يفضح رياء الرجل، فالحقيقة أنه حسد يسوع على محبة الناس له وشهرته، وأن الناس تلتف حوله، ويستتر وراء حفظ شريعة السبت. وأصدر رئيس المجمع هذا أمراً للشعب أن لا يأتوا للإستشفاء يوم السبت، وهو بهذا يوبخ يسوع بطريقة غير مباشرة. ولو أنصف هذا المسكين لفهم أنه لا يمكن لناقض الناموس أن يعمل هذه المعجزة. وكان التلمود اليهودي يسمح للرجل أن يستقي الماء من البئر للحيوان العطشان يوم السبت على أن لا يحمل الماء للحيوان بل يجر الحيوان للماء. فإن كانت الوصية أن يريحوا البهائم يوم السبت فالأولى أن يريح الرب يسوع المرضى يوم السبت.

 

الآيات (18-19):              في كتاب إنجيل متى (مت31:13-32)

 

الآيات (20،21):              في كتاب إنجيل متى (مت33:13)

 

الآيات (22-30):              في كتاب إنجيل متى (مت13:7،14،22،23، مت30:19)

الآيات (22-30): "واجتاز في مدن وقرى يعلم ويسافر نحو أورشليم. فقال له واحد يا سيد أقليل هم الذين يخلصون فقال لهم. اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق فإني أقول لكم أن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون. من بعدما يكون رب البيت قد قام واغلق الباب وابتدأتم تقفون خارجاً وتقرعون الباب قائلين يا رب يا رب افتح لنا يجيب ويقول لكم لا أعرفكم من أين انتم. حينئذ تبتدئون تقولون أكلنا قدامك وشربنا وعلمت في شوارعنا. فيقول أقول لكم لا أعرفكم من أين انتم تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان متى رأيتم إبراهيم واسحق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله وانتم مطروحون خارجاً. ويأتون من المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب ويتكئون في ملكوت الله. وهوذا آخرون يكونون أولين وأولون يكونون آخرين."

الباب الضيق= قول مستعار من العرف الذي كان متبعاً في الأعراس في ذلك الوقت، فقد كانت الأعراس تقام ليلاً، وكانت البيوت تزين بالمصابيح، ويدخلها المدعوون من باب صغير يغلق عقب دخولهم جميعاً. ثم يتمتعون بالأفراح والأنوار، أما الذين يُرفضون فكان لا يفتح لهم الباب مهما قرعوا ويستمروا في الظلمة الخارجية. والسيد هنا يعلن هلاك المتهاونين الذين لا يدخلون من الباب الضيق أي لا يحتملوا الضيقات المتعلقة بالحياة المقدسة ويبين خلاص المجاهدين الذي يحتملونها. والباب الضيق معناه أن نتخلى عن الشهوات الجسدية، ونقبل الإضطهاد لأجل إسم المسيح. والباب الضيق ضيق في بدايته على الأرض، ولكنه في الداخل مملوء تعزيات والنهاية مجد أبدي. وإجابة رب المجد لا تهتم بعدد الذين يخلصون بل بكيفية الخلاص. فهو لم يجيب على سؤال "أقليل هم الذين يخلصون". بل أجابه كيف يخلص الناس.. أي بالدخول من الباب الضيق وهذا يعني الجهاد والتخلي عن الملذات الزمنية. والباب الضيق هو حفظ أوامر الإنجيل والثبات على الإيمان مهما كانت الشدائد. الباب الضيق هو طريق الصليب. ولاحظ في آية (22) قوله وإجتاز.. ويسافر نحو أورشليم= وهذا هو السفر الأخير حيث سيصلب هناك وبهذا نفهم أنه إختار الطريق الضيق، طريق الصليب. وأغلق الباب= بعد أن أدخل القديسين بعد الدينونة، أو بنهاية الحياة الآن. تقفون خارجاً وتقرعون= بعد أن رأوا المجد المعد يشتاقون للدخول. لا أعرفكم= ليس بمعنى أنه يجهلهم بل هم غير مستحقين أن يكونوا في معرفته. أكلنا قدامك وشربنا= هناك من يظن أن مجرد التناول من الجسد والدم يخلصه. من أين أنتم= هؤلاء ليسوا من الله، وهم لم يحبوا الله، بل أحبوا العالم. علمت في شوارعنا= لكن تعاليمه ذهب صرخة في وادٍ فهم لم يقبلوا أن ينفذوها. ويأتون من المشارق ومن المغارب= إشارة لقبول الأمم في الكنيسة. آخِرون يكونون أولين= الأمم الوثنيين صاروا أولين في ملكوت الله. ,

أولون يكونون آخِرين= اليهود أبناء الله أولاً صاروا مرفوضين لرفضهم المسيح. وكم من أشخاص نظن نحن أننا أفضل منهم الآن وسنجدهم يسبقوننا في الملكوت.

 

الآيات (31-35): "في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لأن هيرودس يريد أن يقتلك. فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا اخرج شياطين واشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث اكمل. بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم. يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خراباً والحق أقول لكم أنكم لا ترونني حتى يأتي وقت تقولون فيه مبارك الآتي باسم الرب."

إذ تحدث السيد عن الباب الضيق، يأتي لوقا بهذه القصة ليشير أن المسيح بإرادته يدخل من الباب الضيق ويذهب للصليب في أورشليم تقدم بعض الفريسيين= هؤلاء لم يأتوا ليحذروا الرب حباً فيه، بل هم خافوا على مكاسبهم المادية إذ رأوا الجموع قد إلتفت حوله، هم أرادوا أن يخيفوه ليترك المكان. ولقد صوروا له هيرودس كأسد سيفتك به= يريد أن يقتلك أمّا السيد فرآه لا يزيد عن كونه ثعلباً ماكراً لكنه غير قادر أن يؤذي، فلا سلطان لأحد أن يؤذي سوى بسماح من الله (يو10:19،11). وهيرودس هو أنتيباس (راجع المقدمات) الذي قتل يوحنا المعمدان وحاكم المسيح. ها أنا أخرج شياطين وأشفي.. اليوم وغداً= اليوم وغداً هو إصطلاح يهودي دارج بمعنى فترة قصيرة محدودة. والمعنى أن هناك يوم محدد للصلب، وأيامي صارت محدودة على الأرض ولن يستطيع هيرودس أن يزيدها أو ينقصها. ولكن أنا لي عمل جئت لأعمله أخرج شياطين وأشفي= فالسيد هنا يعلن إصراره على مواصلة خدمته وعمله غير عابئ بأي آلام تقع عليه من هيرودس أو غيره. هو ملك سماوي يعمل لبنيان النفوس فيطرد الشياطين ويشفي، مقدماً للموت نفسه برضاه، وهم عالمٌ بساعته وبمكان صلبه أنه في أورشليم. وقوله ينبغي= أنني سأتمم عملي بكامل حريتي، وسأذهب للصلب بكامل حريتي. في اليوم الثالث أُكَمَّلْ= المسيح سيكمل بالآلام (عب10:2) أي هو سيشابهنا، ويصير مشابهاً لنا في كل شئ بإحتماله الآلام. فالآلام قد صارت من نصيب البشر، والموت أيضاً بسبب الخطية، وحقاً فالمسيح بلا خطية، ولكنه صار حاملاً لخطايانا، وبالتالي معرضاً للآلام التي نتحملها، وبهذا شابهنا في كل شئ حتى تحمل الآلام والموت.

أمّا بالنسبة لنا فالله يسمح ببعض الآلام لنَكْمُل ونكف عن الخطية (1بط1:4) فإن كان المسيح قد تَكَمَّلَ بالآلام، أفلا نحتمل الآلام لكي نَكْمًلْ. وقوله في اليوم الثالث قد يكون تابعاً لقوله اليوم وغداً كتعبير دارج عن أن المدة التي يقضيها على الأرض محددة، وقد تكون نبوة بقيامته في اليوم الثالث حيث يكمل كل شئ، ونقوم معه.

لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم= هذه لا يمكن تفسيرها حرفياً فأرمياء قتلوه في مصر مثلاً ودانيال مات في بابل. ولكن بمقارنة هذه الآية بما بعدها نفهم:

1.    أن المسيح يحدد مكان صلبه بأنه في أورشليم.

2.  أورشليم وصلت لدرجة خطيرة من القسوة حتى أصبحت لا تطيق رجال الله. والمسيح أعلى من الأنبياء. ولكنه يقول نبي إشارة لكل رجال الله.

3.    لقد قتلت أورشليم الكثير من الأنبياء، وإضطهدت الباقين.

4.    مع كل قسوة أورشليم، فالمسيح في محبته أتى ليموت عن أورشليم.

إذاً المعنى أن أغلب الأنبياء قتلهم أهل أورشليم القساة القلوب وهذا ما سيعملونه بي.

 

(آيات34،35): هنا المسيح يصور نفسه في محبته التي ظهرت عبر العصور من نحو أورشليم، وإرساله الأنبياء والرسل ليجمع أولادها ويظللهم بمحبته الإلهية. ولكنهم رفضوا كل هذه المحاولات وقتلوا هؤلاء الأنبياء. كم مرة أردت.. ولم تريدوا= فعدم إرادتي يمكن أن يعطل إرادة الله من ناحية خلاص نفسي، فالله يريد أن الجميع يخلصون (1تي4:2) والعجيب أن بولس يقول الله هو العامل فيكم أن تريدوا (في13:2) أي يحفز وينشط إرادتنا. ولكنه لا يجبرنا على شئ رغماً عنا. لذلك قال القديس أغسطينوس (الله الذي خلقني بدوني لا يقدر أن يخلصني بدوني) يا أورشليم يا أورشليم= التكرار فيه رنة حزن فهي حين ترفضه ستهلك. هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً= البيت يشير للهيكل ويشير لأورشليم نفسها وكلاهما خَرِب تماماً سنة 70م على يد تيطس. إنكم لا ترونني= بعد أن أصلب لن ترونني إلاّ حينما آتي للدينونة. حتى تقولون مبارك الآتي باسم الرب= هذه نبوة برجوع إسرائيل في آخر الآيام، ويشير بولس الرسول لنفس المعنى (رو25:11،26،30،31) ويشير زكريا لنفس الشئ (زك10:12+ هو5:3).


 

الإصحاح الرابع عشر

الآيات (1-6):                 (إبراء المستسق)

الآيات (1-6): "وإذ جاء إلى بيت أحد رؤساء الفريسيين في السبت ليأكل خبزاً كانوا يراقبونه. وإذا إنسان مستسق كان قدامه. فأجاب يسوع وكلم الناموسيين والفريسيين قائلاً هل يحل الإبراء في السبت. فسكتوا فامسكه وأبرأه وأطلقه. ثم أجابهم وقال من منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالاً في يوم السبت. فلم يقدروا أن يجيبوه عن ذلك."

دعا هذا الفريسي السيد المسيح لوليمة، وكانوا يعدون أطعمة فاخرة يوم الجمعة ليأكلوها يوم السبت. كانوا يراقبونه= إذاً الدعوة ليست عن محبة بل كانوا يتوقون أن يتصيدوا عليه أي خطأ، لأن السيد كثيراً ما وبخهم بالإضافة لحسدهم ضده. وغالباً فهم أتوا بهذا المريض يوم سبت وهم يعرفون شفقة المسيح وحنانه على المرضى وأنه سيشفيه يوم سبت. مرض الإستسقاء= هو تراكم الماء بين الأمعاء وغشاء البطن فتنتفخ البطن فالجسم لا يستفيد بالماء بل يختزنه بلا فائدة.

الشفاء في السبت= راجع (لو10:13-17) + كتاب متى (مت1:12-8+ مت9:12-14)

عدم إجابتهم على سؤال السيد المسيح= فسكتوا= يفضح خبث نيتهم، فهم ينتظرون أن يقوم المسيح بعمل الشفاء ليشتكوا عليه. فأمسكه= إشارة لعمل المسيح بتجسده ليمسك نسل إبراهيم الهاربين منه (عب16:2). وأبرأه= فدمه غفر خطايانا (1يو7:1). [1] هو يريد إبراء وشفاء البشر [2] ويريد تصحيح مفهوم هؤلاء عن السبت. فالسبت للعبادة وعمل الخير وليس كما يفهمونه أن يجلسوا بلا عمل. وأطلقه= المسيح حررنا من

سلطان إبليس (يو36:8).

هذا المريض يرمز للبشرية التي إنتفخت من شرب مياه العالم وإستعبدت للشياطين. فمريض الإستسقاء كلما شرب يشعر بالعطش (أر13:2+ يو13:4) وخطوات الشفاء التي إتبعها المسيح مع هذا المريض هي نفس الخطوات التي إتبعها مع البشر في شفائهم وتحريرهم= أمسكه/ أبرأه/ أطلقه.

 

الآيات (7-11): "وقال للمدعوين مثلاً وهو يلاحظ كيف اختاروا المتكأت الأولى قائلا لهم. متى دعيت من أحد إلى عرس فلا تتكئ في المتكأ الأول لعل اكرم منك يكون قد دعي منه. فيأتي الذي دعاك وإياه ويقول لك أعطي مكاناً لهذا فحينئذ تبتدئ بخجل تأخذ الموضع الأخير. بل متى دعيت فاذهب واتكئ في الموضع الأخير حتى إذا جاء الذي دعاك يقول لك يا صديق ارتفع إلى فوق حينئذ يكون لك مجد أمام المتكئين معك. لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع."

ربما لاحظ السيد المسيح في هذه الوليمة تسابق الفريسيين على الجلوس بكبرياء في أماكن الصدارة فالروح اليهودية روح متعجرفة تجري وراء الكرامات بطريقة غير لائقة، ومن يفعل هذا يصير مكروهاً وموضع سخرية. والمسيح يعلمنا أن نصير مثله متضعين، نختار المكان الأخير، ألم يتضع هو ويصير عبداً فلنتشبه به لنوجد معه خلال روح الإتضاع. لا بشعور النقص ولا عن تغصب، بل لنلتقي بالمسيح ونشترك مه في المكان أو المتكأ الأخير. حين نأخذ المتكأ الأخير سنجد المسيح هناك، فتشعر بوجوده بجانبك ويفرحك.

ولكن إن تصارعنا للجلوس في مكان الكرامة، أي المتكأ الأول لن نجد المسيح في هذا المكان، أي لن نشعر بفرحة الشركة معه. (يع9:1،10+ مز17:51+ أش15:57+ مت29:11+ 1بط5:5+ أم19:17). وعموماً فالنفس التي تثبتت عينيها على الملكوت لا تعود تطيق كرامات الدنيا.

تطبيق روحي: الرب يسوع هو صاحب العرس، وهو يدعونا لكنيسته، فمن يختار أن يحيا في إتضاع سيرفعه في مجده، ويملأه هنا من روحه. المسيح يريدنا أن نعتبر أنفسنا غير كفؤ للمتكأ الأول بل للأخير، ويرفعنا هو. لأن كل من يرفع نفسه يتضع= أحسن مثال لذلك الشيطان نفسه (أش11:14-15) ومن يضع نفسه يرتفع= هذا ما حدث مع المسيح نفسه (في7:2-9).

 

الآيات (12-14): "وقال أيضاً للذي دعاه إذا صنعت غذاء أو عشاء فلا تدع أصدقاءك ولا اخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء لئلا يدعوك هم أيضاً فتكون لك مكافأة. بل إذا صنعت ضيافة فادع المساكين الجدع العرج العمي. فيكون لك الطوبى إذ ليس لهم حتى يكافؤك لأنك تكافئ في قيامة الأبرار."

إكرام المساكين له مكافأته لأن المسيح يضع نفسه مكان المسكين والفقير والمريض والمحتاج (مت31:25-46). ويا ليتنا لا نضطرب حينما لا يُرد لنا اللطف باللطف، لأننا إن تقبلنا من الناس لا ننال ما هو أكثر، أما إذا لم يُرد لنا من البشر فالله يرده لنا.

الجُدْع= هم الذين بلا ذراع أو بلا ذراعين.

علينا أن نفكر أن لا نعطي لنأخذ (وليمة بوليمة)، بل مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ. ولكن ليس معنى كلام المسيح أنه يمنع ولائم المحبة بين الناس.

 

الآيات (15-24): "فلما سمع ذلك واحد من المتكئين قال له طوبى لمن يأكل خبزاً في ملكوت الله. فقال له إنسان صنع عشاء عظيماً ودعا كثيرين. وأرسل عبده في ساعة العشاء ليقول للمدعوين تعالوا لأن كل شيء قد اعد. فابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون قال له الأول أني اشتريت حقلاً وأنا مضطر أن اخرج وأنظره أسألك أن تعفيني. وقال آخر أني اشتريت خمسة أزواج بقر وأنا ماض لامتحنها أسألك أن تعفيني. وقال آخر أني تزوجت بامرأة فلذلك لا اقدر أن أجيء. فأتى ذلك العبد واخبر سيده بذلك حينئذ غضب رب البيت وقال لعبده اخرج عاجلاً إلى شوارع المدينة وأزقتها وادخل إلى هنا المساكين والجدع والعرج والعمي. فقال العبد يا سيد قد صار كما أمرت ويوجد أيضاً مكان. فقال السيد للعبد اخرج إلى الطرق والسياجات والزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتي. لأني أقول لكم انه ليس واحد من أولئك الرجال المدعوين يذوق عشائي."

كانت آخر كلمات السيد لأنك تكافئ في قيامة الأبرار (آية14). ولاحظ هذا أحد المتكئين، أن السيد يتكلم عن ما بعد القيامة. وكان من الفريسيين بالتأكيد الذي يؤمنون بالقيامة وليس من الصدوقيين الذين ينكرونها. وكان فكر الفريسيين عن القيامة أن المسيح سيأتي ليملك على الأرض وسيقيم لهم وليمة عظيمة يقدم فيها لضيوفه خبزاً أسموه خبز الملكوت، وأنواعاً فاخرة من الأطعمة المصنوعة من لحوم البهائم والأسماك والطيور ولا سيما لحم الثور العظيم المسمى بهيموث المذكور في (أي15:40). ومن لحم طير عظيم يشبه الجمل في الجسم ويسقيهم خمراً معتقة منذ بدء الخليقة ويطعمهم فاكهة لذيذة من أثمار الفردوس. فقول الرجل خبزاً في ملكوت الله= هو إشارة لهذا المفهوم. وكان رد المسيح على هذا الشخص يعني أن حرمان بعض الناس من دخول الملكوت ليس ناتجاً عن عدم دعوة الله لهم، لكن هو ناتج عن عدم قبولهم دعوة الله. وأن الذين سيحظون بالدخول إلى ملكوت الله هم أبعد الناس عن فكر الناس، فالذين يدخلون هم المساكين والجدع والعرج والعمي. فإذا كان هؤلاء هم بنو الملكوت أفلا تدعونهم أنتم في ولائمكم. أصحاب العهود رفضوا الدخول مثل الفريسيين والكهنة، وسبقهم المساكين، شعب الله اليهودي أغلبه رفض وسبقهم الأمم للدخول.

إنسان صنع عشاء= الإنسان هو الله الآب. دعا= الله يريد أن الجميع يخلصون. عشاء عظيماً= هو وليمة سمائية، ليست طعاماً وشراباً، بل سعادة سماوية يذوق المدعوون بعض أطايبها الروحية كعربون هنا على الأرض من مائدة الإفخارستيا هو صنع هذا العشاء بموت إبنه على الصليب. ويسميها عشاء إذ تعطي في آخر العمر، فلا سعادة تفوقها. ودعا كثيرين= الدعوة وجهت أولاً لليهود ولما رفضوها وجهت للأمم. وأرسل عبده= هو المسيح الذي أخذ صورة عبد. لأن كل شئ قد أعد= لقد تم الفداء والتصالح، وإنفتحت أبواب السماء للإنسان بعد أن غفر المسيح خطايا البشر بدمه. وحصل البشر على التبني. إبتدأ الجميع= أغلب اليهود رفضوا المسيح، ولكن قلة آمنت به مثل نيقوديموس. يستعفون= يختلقون الأعذار، لإنغماسهم في الزمنيات والشهوات، وإنحدار الفكر نحو الأمور المادية. وكم مرة دعانا الله للتوبة وإعتذرنا. وكم مرة دعينا للكنيسة وإعتذرنا. ولاحظ أن الله أرسل أنبيائه للشعب اليهودي يدعوهم وأخيراً أرسل إبنه. ولاحظ الأعذار التي قيلت، فهي إنما تعبر عن أنهم منغمسين في الدنيا، لقد ألهتهم الدنيا عن خلاص أنفسهم، أموالهم ومقتنياتهم صارت شغلهم الشاغل وإبتعدوا عن الله، وإنشغلوا بالأسباب الدنيوية عن خلاص نفوسهم.

الأول: نجده يصطنع الضرورة= أنا مضطر= هذا لم يشتري الأرض بل باع نفسه للأرض، هو صار أرضي ونسى أنه غريب على الأرض، وإنهمك في الأرضيات.

الثاني: يقول أنا ماضٍ= هو تمسك بإرادته العنيدة ورأيه الخاص، ولاحظ أن عذره غير منطقي، فمن يشتري بقر يمتحنه قبل الشراء وليس بعده. وإمتحان البقر يتم صباحاً وليس وقت العشاء.

الثالث: المتزوج حديثاً يعفيه الناموس من الخروج للحرب وليس عن خلاص نفسه وهل هذا عذر، فلماذا لا يأتي هو وعروسه معه ليقدس الله هذه الرابطة الجديدة.

قد يشير هؤلاء الثلاثة لرفض اليهود للمسيح بسبب إهتمامهم بالأرضيات وجمع الأموال وحسدهم للمسيح لإلتفاف الناس حوله، وعنادهم. لكنهم مازالوا يشيروا لكل واحد منّا. من الذين يهملون دعوة المسيح لهم للخلاص. وأمام رفض اليهود أصحاب الملكوت دعوة المسيح، وجه المسيح دعوته للمساكين والجدع والعرج والعمي= وهؤلاء يشيرون للخطاة والمنبوذين من إسرائيل كالعشارين، ويشيرون للأمم الذين كانوا مرفوضين فقبلهم الله في ملكوته. الطرق والسياجات= إشارة أيضاً للأمم في كل مكان (أع6:18). حتى يمتلئ بيتي= إشارة لكثرة المؤمنين (رؤ9:7). المساكين= الأمم إذ ليس لهم كنوز الكتاب المقدس التي كانت لليهود. الجدع والعرج= الأمم إذ ليس لهم القدرة على الحركة أو العمل الروحي. العمي= الأمم إذ ليس لهم أي بصيرة روحية داخلية. الطرق والسياجات= الأمم إذ كانوا خارج بيت الله. خارج الحظيرة. الزمهم بالدخول= البعيدين عن الله كالأمم يحتاجون لقوة تدفعهم إذ هم غير فاهمين، وهي ليست قوة قهر بل قوة إقناع (أر7:20). يذوقون عشائي= عشاء عرس الخروف (رؤ7:19-9) ولاحظ قوله في (آية22) يوجد أيضاً مكان= فالخلاص مقدم للجميع، لكل من يقبل.

 

الآيات (25-27):              في كتاب إنجيل متى (مت37:10-39)

الآيات (25-27): "وكان جموع كثيرة سائرين معه فالتفت وقال لهم. أن كان أحد يأتي إلى ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده واخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً. ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً."

في الآيات السابقة كلمنا عن أن الله يدعو الجميع للملكوت وإبتداء من هنا نسمع شروط الدخول للملكوت. وفي هذه الآيات نسمع أول شرط وهو محبة الله أكثر من أي أحد والشرط الثاني هو حمل الصليب فلن يقدر على حمل الصليب إلا من أحب الله حتى أكثر من نفسه.

 

الآيات (28-35): "ومن منكم وهو يريد أن يبني برجاً لا يجلس أولاً ويحسب النفقة هل عنده ما يلزم لكماله. لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به. قائلين هذا الإنسان أبتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل. وأي ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب لا يجلس أولاً ويتشاور هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف الذي يأتي عليه بعشرين ألفاً. وإلا فما دام ذلك بعيداً يرسل سفارة ويسأل ما هو للصلح. فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً. الملح جيد ولكن إذا فسد الملح فبماذا يصلح. لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجاً من له أذنان للسمع فليسمع."

هنا نرى شرطاً ثالثاً لدخول الملكوت ألا وهو دفع النفقة. فمن أراد أن يتبع يسوع سيكون عليه نفقة وهي التضحية بكل ما في العالم حتى العلاقات الأسرية العادية، إن كانت ستعطلنا عن حب يسوع، وقبول حمل الصليب حباً في يسوع (وهذا موضوع الآيات السابقة 25-27). ومن يتبع يسوع سيبني برجاً من الفضائل، البرج يشير لحياته السمائية والإرتفاع يشير للنمو في الفضائل، والإبتعاد عن الملذات الدنيوية. فالبرج هو حياة في السمائيات (كو1:3). والإبتعاد عن ملذات العالم هو النفقة وهو صليب إختياري "أقمع جسدي وأستعبده" (1كو27:9). المسيح بمثل البرج لا يريد تثبيط الهمم من ناحية الخلاص، فهو يريد أن جميع الناس يخلصون، إنما يريد أن يشرح أن من يتبعه عليه أن لا ينشغل أو يرتبك بالأمور الدنيوية (فالحاجة إلى واحد لو42:10) لأن مثل هذا سريعاً ما يرتد "ديماس تركني إذ أحب العالم الحاضر" (2تي10:4) ويكون بهذا عثرة وسخرية. ولكن المسيح هنا يواجهنا بالحقائق التي ستواجهنا لنستطيع أن نكمل برج الفضائل. لا مانع أن نشعر بضعفنا فقوته في الضعف تكمل.. وإن لم يبني الرب البيت فباطلاً تعب البنائين، ولكن علينا أن نثابر ونجاهد إلى النهاية حتى تعمل معنا النعمة، أي نرضى بحمل صليبنا في تسليم. (الصليب الإختياري مثل قمع الجسد أو تجربة يسمح بها الله). والبرج في علوه يكون قادراً على إكتشاف الأعداء من بعيد. ومن لا يقبل حمل الصليب لا تعمل فيه قوته، بل وتهزأ به الشياطين. فلن يقدر أن يكمل سوى من يقبل حمل الصليب، ويرضى بحمل الأتعاب والآلام. نرى في البرج الحياة السمائية، فكلما إرتفعنا نرى السماويات وندرك لذة العشرة مع الله، ونتعرف على أسراره الفائقة، ويصير برجاً حصيناً ضد العدو. ولكن كلما إرتفع البرج، يهتاج الشياطن فيثير حرباً ضدنا. فكل ما يبني برجاً عليه أن يتوقع أن يأتي عليه الملك الآخر ويحاربه، والملك الآخر هو إبليس إله هذا الدهر ورئيس هذا العالم، وذلك لحسده فهو لا يتوقف عن محاربته لنا بكل طرق الخداع. وهو في حربه يريد أن يقتنص الكل لمملكته، مملكة الظلمة. ولاحظ أن المسيح في مثله يقول عني وعنك أي ملك= فإرتباطنا بملك الملوك يجعلنا ملوكاً (رؤ6:1) أي أصحاب سلطان روحي، نغلب بالمسيح (رؤ2:6). ويكون لنا إكليل وفي (أف12:6) نرى صورة هذا الصراع مع قوات الشر الروحية. وحربنا ستكون ضد شهواتنا التي سيثيرها عدو الخير، وستكون ضد محبة العالم، وستكون ضد إرتباطنا مع الأهل، إذا كان سيفسد محبتنا للمسيح (مثال: من يتخاصم مع الله بسبب مرض أو موت قريب له، هذا أحب قريبه أكثر من المسيح).

نخرج للحرب ولنا 10.000= 10 (حفظ الوصايا)، 1000 (الفكر السماوي) أي حربنا ستكون بإلتزامنا بالوصايا حباً في المسيح (يو21:14) وبأن نحيا نطلب ما هو فوق لأن مسيحنا هو فوق (كو1:3+ أف6:2) أما عدو الخير فيأتي بـ 20.000 فهو يحارب بضربات يمينية (بر ذاتي) وضربات يسارية (شهوات) وهذه وتلك= 20. وهو يحاربنا في السماويات (1000) التي نحيا فيها، أي حتى يخرجنا منها (أف12:6)

وقد يكون رقم 20= 2×10 ورقم 2 يشير للإنقسام والإختلاف. فالله خلق العالم في وحدة، وبعد الخطية حدث الإنقسام فالإختلاف مع الوصايا قد يشير له رقم 20. على أن المسيح بتجسده عاد ووحد الكنيسة فيه، وصار رقم 2 يشير للتجسد لأنه جعل الإثنين واحداً (أف14:2) ونلاحظ أن قوة العدو 20.000 أكبر من قوتنا 10.000 ولكن لا ننسى أن من إلتزم بالوصايا وعاش السماويات يحارب يسوع فيه فيغلب.

يرسل سفارة ويسأل ما هو للصلح= أي يعود لأهله ولشهواته. وفي آية (33) نرى شرطاً آخر للملكوت ألا وهو ترك الأموال، أي عدم الإتكال عليها وأن ننفق منها على المحتاج.

(أيات 34،35) راجع كتاب إنجيل متى (مت11:18-14 وما بعده). ومعنى كلام السيد، أنه على المؤمن أن يقبل بحمل صليبه ويبني برجاً، ولا يكتفي بالقشور بل يدخل للعمق، مثل هذا سيكون ملحاً يصلح الفساد الذي في العالم، أمّا الذي يرتد ويتصالح مع إبليس فهذا سيكون ملحاً فاسداً لا يصلح سوى لمزبلة. من له أذنان= أي أن كلامي موجه لمن كانت نفسه تواقة لسماع تعليمي وله إستعداد أن يعمل بها.

السيد المسيح بعد أن دعا الكل للملكوت، قال أن هناك شروط وهناك نفقة. فمن يقبل بهذه النفقة سيكون ملحاً في الأرض، وله مكانه في السماء. ومن لا يقبل بالنفقة سيصير ملحاً فاسداً في الأرض، يداس من الناس. ولا نصيب له في الملكوت السماوي.


 

الإصحاح الخامس عشر

الآيات (1-7):                 (الخروف الضال)

الآيات (1-7): "وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه. فتذمر الفريسيون والكتبة قائلين هذا يقبل خطاة ويأكل معهم. فكلمهم بهذا المثل قائلاً. أي إنسان منكم له مئة خروف وأضاع واحدا منها ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده. وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحاً. ويأتي إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران قائلاً لهم افرحوا معي لأني وجدت خروفي الضال. أقول لكم أنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة."

راجع تفسير (مت12:18،13) في كتاب إنجيل متى

في هذا الإصحاح نرى ثلاثة أمثلة تشير لإلهنا العجيب في محبته وطلبه للخطاة، وبحثه عن المفقودين، وأحضانه المفتوحة لجميع التائبين الضالين والذين يعودون إليه، وشوقه نحو كل نفس والثلاثة أمثال يمثلون حال الخطاة المختلفين. ويعطيها لنا المسيح لنشفق على الخطاة والبعيدين. ونرى إهتمام المسيح بكل نفس.

الخروف الضال= يمثل الإنسان الخاطئ في غباوته. ونرى في المثل الراعي الصالح.

الدرهم المفقود= يمثل الإنسان الخاطئ في عدم شعوره بحالة الضياع التي وصل إليها.

وفي كلنا الحالتين نرى محبة الله التي تسعي في طلبنا.

الإين الضال= يمثل الإنسان الخاطئ في شروده عن خالقه بكامل إرادته ومعرفته.

في آية (1) نرى الخطاة شعروا بحاجتهم لهذا المخلص السماوي الذي يغفر الخطايا ويقبل الخطاة= يدنون منه ليسمعوه. وهنا نرى محبة الله التي تفتح صدرها للخاطئ مهما عمل وتقبله. فتذمر الفريسيين= نقد الفريسيين هنا يأتي عن جهالة (فكبريائهم جعلهم يحتقرون الخطاة) وليس عن قصد المقاومة. (المطلوب هو تجنب الخطاة حتى لا نصير مثلهم وليس إحتقارهم). لذلك يعلمهم المسيح بأمثلة ويشرح لهم بمحبة ودون تأنيب كيف أنه يهتم بالخطاة والعشارين، وأن النفس البشرية لها قيمة عظيمة عند الله والله يبتهج بهدايتها. هذا التذمر هو نفس تذمر الأخ الأكبر للإبن الضال. التسعة والتسعين باراً= هم:

1)    الملائكة الذين لم يسقطوا وهم لا يخطئون.

2)    القديسين في المجد وهؤلاء لا يعودوا يخطئوا.

3)    القديسين على الأرض الذين لم يفقدوا نعمة المعمودية.

يضعه على منكبيه= تعني أن الخروف كان مجهداً من ضلاله ونال منه الإعياء لذلك يحمله الراعي الصالح (المسيح) وتعني أن المسيح حمل طبيعتنا البشرية وحمل خطايانا. هنا نرى المسيح يحمل هذا الخروف ولم يوبخه. بل يرفعه ليعينه على ترك طريقه الخاطئ القديم.

يدعو الأصدقاء والجيران= هذا فرح السمائيين بعودة الخروف الضال (آية10) أفرحوا معي= ولم يقل إفرحوا مع الخروف الضال، لأن خلاصنا هو فرحه.

 

الآيات (8-10):               (الدرهم المفقود)

الآيات (8-10): "أو أية امرأة لها عشرة دراهم إن أضاعت درهماً واحداً ألا توقد سراجاً وتكنس البيت وتفتش باجتهاد حتى تجده. وإذا وجدته تدعو الصديقات والجارات قائلة افرحن معي لأني وجدت الدرهم الذي أضعته. هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب."

مثل الراعي الصالح رأينا فيه المسيح الراعي الصالح يتجسد ليبحث عن كل ضال. لا ليعنف. بل بالحب يبحث عن كل نفس ليضمها إلى صدره ويحملها على كتفيه. وهنا فالمرأة تمثل الكنيسة عروس المسيح وواجبها أن تفتش عن كل مفقود. والدراهم هم الوديعة التي أودعها الله للكنيسة. وكل درهم يشير للطبيعة الإنسانية التي طبع عليه صورة الملك السمائي (كما يطبع على العملة صورة قيصر). وضياع الدرهم يشير لضياع صورة الملك السمائي من الإنسان. والسراج= الذي توقده المرأة هو إشارة لتجسد المسيح فهو نور اللاهوت في إناء الجسد، تجسد لأن الإنسان أخطأ فضاع. وهذا هو دور الكنيسة أن تظهر شخص المسيح ونوره لشعبها. وكنس البيت هو إشارة لحث الناس على التوبة. والتفتيش بإجتهاد= هو إفتقاد الناس. والصديقات والجارات= هم الملائكة الذين لا يخطئون. وعمل الكنيسة وخدمتها مع كل نفس هو لكي تستعيد النفس صورة المسيح الملك (غل19:4).

 

الآيات (11-32):              (الدرهم المفقود)

الآيات (11-32): "وقال إنسان كان له ابنان. فقال أصغرهما لأبيه يا أبي اعطني القسم الذي يصيبني من المال فقسم لهما معيشته. وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن الأصغر كل شيء وسافر إلى كورة بعيدة وهناك بذر ماله بعيش مسرف. فلما انفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدأ يحتاج. فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكورة فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملا بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يعطه أحد. فرجع إلى نفسه وقال كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا اهلك جوعاً. أقوم واذهب إلى أبي وأقول له يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك. ولست مستحقاً بعد أن ادعى لك ابنا اجعلني كأحد أجراك. فقام وجاء إلى أبيه وإذ كان لم يزل بعيدا رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله. فقال له الابن يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن ادعى لك ابناً. فقال الأب لعبيده اخرجوا الحلة الأولى والبسوه واجعلوا خاتماً في يده وحذاء في رجليه. وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح. لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد فابتدأوا يفرحون. وكان ابنه الأكبر في الحقل فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت آلات طرب ورقصاً. فدعا واحداً من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا. فقال له أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالما. فغضب ولم يرد أن يدخل فخرج أبوه يطلب إليه. فأجاب وقال لأبيه ها أنا أخدمك سنين هذا عددها وقط لم أتجاوز وصيتك وجدياً لم تعطني قط لأفرح مع أصدقائي. ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمن. فقال له يا بني أنت معي في كل حين وكل ما لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر لأن أخاك هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد."

هذا المثل من أروع الأمثلة التي تشير لقبول الله للخاطئ، وكم جذب هذا المثل الكثيرين من الخطاة لأحضان الله. نرى في هذا المثل تردي حال الخاطئ الذي ترك بيت أبيه (الكنيسة) وترك أبيه (الله) فإنحدر إلى حد الهوان والنجاسة وخراب كل شئ حوله. ثم نرى توبته وفرحة أبيه المشتاق لعودته. في هذا المثل نكتشف موقف الله من الخاطئ بإعتباره إبناً له ضل الطريق، أما موقف الفريسيين بقلوبهم الخالية من المحبة، والمتعجرفة فيعبر عنه موقف الإبن الأكبر. وكأن المثل يرد على الفريسيين بأنه ليس فقط يأكل مع العشارين والخطاة، بل هو يريد أن يقيم لهم وليمة لو رجعوا وتابوا. هنا نرى محبة الآب السماوي الشديدة للخاطئ التائب.

بين السامرية والإبن الضال:-

الله له طرقه المتعددة لجذب كل نفس. فالمسامرية لم تعرف الله ولا سمعت عنه هذه يذهب لها المسيح ويجلس معها ويتحاور حتى يجذبها للإيمان به فتخلص. أما الإبن الضال فهذا قد عاش في بيت أبيه مستمتعاً بمحبته وأبوته وأطايبه، والشبع في بيته، وبعد كل هذا إختار أن يترك حضن أبيه وبيت أبيه، هذا لا يذهب له المسيح ليحاوره (فما الجديد الذي سيقوله له فهو يعرف كل شئ عن بيت أبيه) بل يحاصره بالتجارب والضيقات (المجاعة والأكل مع الخنازير) حتى يقارن بين حاله بعيداً عن أبيه وبين حاله في بيت أبيه فيشتاق للرجوع. وإذا رجع نراه يستقبله بالأحضان والقبلات ولا يعاتب ولا يجرح مشاعره.

لا نحكم على إنسان في منتصف الطريق:-

فالإبن الضال لم تكن نهايته المعيشة مع الخنازير، لكنه عاد. بينما الإبن الأكبر تذمر بعد أن كان يظهر أنه في طاعة كاملة لأبيه. لذلك يقول بولس الرسول أنظروا إلى نهاية سيرتهم (عب7:13) فالعبرة بالنهاية. لذلك علينا أن لا ندين أحد، فالله وحده يعلم ما في القلوب، ومدى إستعداد كل واحد، ونهاية طريق كل واحد.

الإبنان يشيران للبشرية:-

الإبن الأصغر يشير للأمم تركوا الله في البداية وعاشوا في نجاسة بل بددوا عطايا الله (كرامتهم وصورتهم السمائية ومواهبهم) في عبادة الأوثان وفي شهواتهم. ولكنهم عادوا في نهاية الأيام. ويشير للعشارين والزناة وكل خاطئ. والإبن الأكبر يشير لليهود، فهم كانوا بكراً في معرفة الله، قبلوا المواعيد الإلهية وكان لهم الناموس والنبوات. لكنهم خلال حسدهم للمسيح ثم للكنيسة وقفوا خارج الإيمان (خارج البيت) جاحدين الله وناقدين محبته للأمم.

ويشير للفريسيين المتكبرين الرافضين لدخول المسيح بيوت الخطاة ولقبوله لهم. ويشير لكل من عاش مع الله في بيته طالما كانت مادياته جيدة لكنه يغضب على الله إذا تأثرت مادياته بل يترك الله وبيته. مثل هذا مرتبط بالله شكلاً دون حب.

الأب= يشير لله الآب. إعطني القسم الذي يصيبني من المال= هذا يشير لكل المواهب والوزنات التي أعطاها الله لنا. وسافر إلى كورة بعيدة= طلب الخطية هو بعد عن الله بالقلب والمشاعر. وإنغماسه في ملذات الخطية، يبحث عن كل ما يرضي شهواته، وكلما إنغمس في الخطية إبتعد عن الله. بذر كل شئ= كل نعمة وموهبة سبق وأخذها من الله تضيع منه، هذا أضاع كل طاقاته في أمور العالم وشهواته. حدث جوع شديد= هو جوع النفس التي إبتعدت عن الله، فملذات العالم غير قادرة أن تشبع، هي تشبع الجسد، ولكن الإنسان روح وجسد. والروح لا تشبع سوى بقربها من الله. والله له وسائله لجذب النفس للتوبة. فكما جذب يونان للرجوع إليه بواسطة هياج البحر، وحوت يبتلعه، جذب هذا الإبن الضال بهذه المجاعة. عموماً فأي نفس تبتعد عن الله لابد وستشعر بهذه المجاعة والفراغ الداخلي لأن الإنسان مخلوق على صورة الله، فلن تشبع النفس إلا بقربها منه. فمضى وإلتصق بواحد= هو الشيطان، فمن يهرب من الله ويبتعد عنه يتلقفه الشيطان مباشرة. فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازير= الخنازير عند اليهود تعني النجاسة. والمعنى أن الشيطان إستعبد هذا الإنسان في خدمة شقاوة الخطية ومرارتها وإنحطاطها. هو ترك خدمة أبيه الخفيفة ونيره الهين ليبيع نفسه لإبليس، يشقى تحت نيره الثقيل والنجس، وتاه في العالم (حقول إبليس) بعيداً عن الله، وعن بيت الله. يملأ بطنه من الخرنوب= هو إشارة لملذات العالم وشهواته التي يملأ بها الخاطئ بطنه. فالخاطئ كل همه إشباع بطنه وشهواته "آلهتهم بطنهم" (في19:3). هذا الخرنوب يملأ البطن ولكنه بلا فائدة غذائية، أي هو لا يشبع= من يشرب من هذا الماء يعطش (يو13:4). والخرنوب هو طعام الخنازير. فلم يعطه أحد= لا يستطيع أحد أن يشبع النفس سوى الله. بل بعد أن يقع الخاطئ في براثن الشيطان يحرمه حتى من اللذات الجسدية التي كان يغريه بها سابقاً، فهو يتلذذ بعذاب الإنسان وآلامه. فرجع إلى نفسه= هذه هي نقطة التحول حين يهدأ الإنسان ويفكر في حاله أيام كان فيها مع الله، وحاله وهو بعيد عن الله. هنا نرى أن خطة الله في سماحه بالمجاعة قد أتت بالفائدة المرجوة منها. وكلمة رجع إلى نفسه هي نفسها التوبة أو أول خطوة في التوبة، فكلمة توبة تعني تغيير الفكر. هذه الخطوة هي الخطوة الأولى لرجوعه إلى أبيه، لقد أعمل عقله وضميره وليس شهواته، كان في نوم وإستيقظ. ولاحظ أن التائب يحتاج لظروف خارجية تجعله يسرع بتقديم التوبة مثل المجاعة وهذه يسمح بها الله، ويحتاج لإقناع وتبكيت الروح القدس الذي يبكت مع إعطاء رجاء بأن الله فاتح أحضانه مستعد لقبول التائب. وهذا العمل (الظروف الخارجية) أو إقناع الروح القدس داخلياً هو عمل الله لذلك يصرخ أرمياء توبني فأتوب (أر18:31 + يو8:16 + أر7:20). الأجير= إشارة لمن يحيا بروح العبودية، يعمل ليس عن حب بل طمعاً في أجر ولكن حتى من يحيا في بيت الله بروح العبودية ولا يفارقه، حتى هذا يشبعه الله. يفضل عنه الخبز= إشارة لوفرة الشبع (روحياً ونفسياً وجسدياً). أقوم وأذهب إلى أبي= هذه تُحسب للإبن الضال (الإبن الشاطر) إذ لم يؤجل توبته، ورجوعه، بل قام فوراً. وكم من أناس أجلوا توبتهم للغد ولم يأتي الغد وهلكوا (مثل فيلكس الوالي أع24:24،25). إجعلني كأحد أجراك= لاحظ أنه شاعر بعدم الإستحقاق إذ كان قد أخذ نصيبه من قبل وبدده، لكن الآب في محبته لم يسمح له بأن يقول هذه العبارة (آية21). فقام وجاء إلي أبيه= هو نفذ التوبة فوراً ولاحظ محبة الآب وقبوله. تحنن.. ركض.. وقع على عنقه وقبله بالرغم من قذارته. هذه القبلات الأبوية كعلامة للمغفرة إشتهتها عروس النشيد (2:1) وتشتهيها كل نفس. ولاحظ كلمات الإعتراف أخطأت، لقد إنتهت الكبرياء. أخطأت إلى السماء= هو تعبير عبري. والله يعرف كل شئ ولكنه ينتظر هذا الإعتراف. رجوع الأب لإبنه هو تطبيق لقول الكتاب "إرجعوا إلىّ أرجع إليكم" (زك3:1 + يع8:4). وإذا كان لم يزل بعيداً= مع أول خطوة للخاطئ التائب يقترب الله عدة خطوات. فهذا الضال كان مازال في عريه ونجاسته وخزيه، لكن إذا قرر العودة، أشعره الله بقبوله، وبقبلات الصفح والمحبة ليشجعه. الحلة الأولى= رداء البر الذي حصلنا عليه في المعمودية أولاً، لذلك تسمى التوبة= معمودية ثانية. خاتماً في يديه= علامة عودته للبنوة والسلطان على الحصول على المواهب الإلهية ثانية (فالخاتم يستخدم في ختم أوراق صرف النقود). حذاءً في رجليه= قارن مع حازين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام (أف15:6) فكلمة الإنجيل تنقي وتحفظ "سراج لرجلي كلامك" فعبيد الأب (كهنوت الكنيسة الذي قبل الإعتراف وأعلن الغفران الإلهي بفم الكنيسة، ويعطي التعليم لكل نفس بكلمات الله) عملهم هو التعليم، تعليم كلمة الله التي [1] ترشد في أثناء السير [2] تحفظ القدم من وعورة الطريق. قدموا العجل المسمن= إشارة لتقديم المسيح نفسه ذبيحة على الصليب وذبيحة يومية في سر الإفخارستيا. وهو مسمن فهو دسم الحياة الروحية. فنأكل= هذه علامة إتحادنا مع المسيح في سر الإفخارستيا. ونفرح= فرح المسيح هو في عودة الخاطئ وإتحاده به بعد إنفصال. وهنا الفرح سيكون في السماء كلها (لو10:15)= فإبتدأوا يفرحون. إبني هذا كان ميتاً فعاش= الخطية هي الموت (رؤ1:3+ يو25:5+ أف1:2+ أف14:5). وبهذا نفهم أن الموت الجسدي ما هو إلاّ إنتقال لحياة أفضل، طالما كان المنتقل يحيا حياة التوبة. الإبن الأكبر= هذا هو ما قيل عنه كم من أجير لأبي" (آية17) فهو إبن له كل الميراث، ولكنه يتخاصم مع أبيه بسبب جِدْيْ. ومازال هناك حتى الآن في الكنيسة من لهم روح العبيد هذه، ويتخاصمون مع الله بسبب أنهم يشعرون بأن الله حرمهم من (مال/ ترقية/ صحة/..الخ). ويقولون نفس الشئ لم أتجاوز وصيتك وهذا شعور كثيرين إذ تصيبهم تجربة فيقولون لماذا ونحن لا نخطئ (بر ذاتي) ويقولون أيضاً ها أنا أخدمك= ويقول هؤلاء نحن الذين صمنا وصلينا وكنا نذهب للكنيسة. قد حرمنا الله من كذا وكذا هؤلاء يظنون أنهم أصحاب فضل على الله، هم يصومون ويصلون لا عن حب بل طلباً لمكافأة. لا كبنين بل كعبيد، وهؤلاء يمتنعون عن الذهاب للكنيسة (مثل هذا الإبن الأكبر) في تجاربهم= فغضب ولم يُرِد أن يدخل والإبن الأكبر يرمز للكتبة والفريسيين الذين رفضوا قبول المسيح للعشارين والخطاة، واليهود عموماً الذين رفضوا قبول الأمم. ولاحظ قوله إبنك هذا= علامة على الإحتقار (إحتقار الفريسيين للعشارين والخطاة). خرج أبوه= محبة الله جعلته يطلب خلاص نفوس حتى هؤلاء المتكبرين. كل ما لي فهو لك= الله أعد نصيباً ومجداً لنا في السماء، فإن كنا نؤمن بهذا ونصدقه، هل نتخاصم مع الله، إذا حُرِمنا من أي نصيب أرضي، هذا يعادل غباوة الإبن الاكبر الذي يقارن بين جدي، وكل أملاك الأب ومجده! سمع صوت آلات طرب= هو صوت السمائيين بالخاطئ الذي تاب، وصوت فرحة الكنيسة الأرضية بالغفران والفداء الذي حصلت عليه.

نلاحظ أن الإبن الأصغر كان مرتداً وهو خارج البيت مستسلماً لشهواته ولكن الإبن الأكبر كان مرتداً وهو داخل البيت وظهر هذا في تركه البيت وغضبه وعدم إشتراكه في الوليمة ورفضه دخول البيت. وهو كان مرتداً مع أنه داخل البيت لأنه عاش بروح العبيد أخدمك. ينتظر الأجر، بل أنكر فضل أبيه= لم تعطني جدياً. وهو عاش بروح البر الذاتي (خطية الفريسيين)= قط لم أتجاوز وصيتك. ومع هذا لاحظ محبة أبيه له وكلماته الرقيقة له، فهو يريد أن الجميع يخلصون.

 

رؤية أخرى لمثل الإبن الضال

 § الله خلق الإنسان ليعمل [1] في الأرض (تك5:2 + تك15:2). وهذا يناظر عملنا اليوم في أعمالنا وأشغالنا [2] نعمل لمجد إسمه خصوصاً بعد أن صرنا في المسيح (أف10:2). والإنسان يُقَيَّم بقيمة عمله.

 § ما هو مقدار النجاح الذي ننجح به في أعمالنا؟ لكل واحد مواهبه (ذكاؤه/ قوته/ عمله/ خبراته..) ولكن كل هذا يقع في حيز المحدود. ولكن إتصالنا بالله، إذا كنا على إتصال بالله، فهذا ينقلنا إلى حيز اللا محدود. (مثل بطارية موصلة على مصدر شحن غير محدود، إن فصلتها ستعمل لمدة محددة ثم تنتهي شحنتها وتموت).

 § خلق الله آدم، وكان آدم على إتصال بالله فكان سيعيش للأبد ولكنه بسبب الخطية إنفصل عن الله، فوقع في حيز المحدود فمات.

 § الإنسان المتصل بالله، يكون له شركة مع الروح القدس، منها يستمد قدرات لا نهائية، (2كو14:13+ زك6:4) لذلك تصلي الكنيسة في أوشية المسافرين وتقول "إشترك يا رب مع عبيدك في كل عمل صالح"

 § إحساس الإنسان بذاته وقدراته يفصله عن المصدر اللانهائي لكل شئ، فمهما كانت قدرات إنسان فهو لا يستطيع أن يقول "أستطيع كل شئ.. مع بولس الرسول.. ولكن يكمل في المسيح الذي يقويني" (في13:4) لذلك فالطالب الذي يمتنع عن الكنيسة، هو معتمد على ذاته منفصل عن الله.

 § الإبن الضال أخذ مواهِبَهُ وسافر إلى كورة بعيدة فخسر المصدر اللانهائي بإتصاله بأبيه، ومن المؤكد أن أمواله ومواهبه ستنفذ ويدخل في مجاعة.

   §   رجوعه إلى أبيه أعاده لحالة الإتصال مع الله (الحلة الأولى) الله برره حين رجع إليه.

   §   الخاتم= عاد نتيجة إتصاله يستمد على شئ من المصدر اللانهائي، ليحصل على مواهب ثانية إذ قد تبرر.

   §   حذاءً في رجليه= ليخرج للعمل المكلف به (أف10:2) (المواهب التي حصل عليها هي للخدمة).

   §   العجل المسمن هو التناول والإتحاد مع الله ليكون نجاح العمل لا نهائي. نجاح غير محدود فالله يعمل معه.


 

الإصحاح السادس عشر

الآيات (1-13):               (مثل وكيل الظلم)

الآيات (1-13): "وقال أيضاً لتلاميذه كان إنسان غني له وكيل فوشي به إليه بأنه يبذر أمواله. فدعاه وقال له ما هذا الذي اسمع عنك أعط حساب وكالتك لأنك لا تقدر أن تكون وكيلاً بعد. فقال الوكيل في نفسه ماذا افعل لأن سيدي يأخذ مني الوكالة لست أستطيع أن أنقب واستحي أن استعطي. قد علمت ماذا افعل حتى إذا عزلت عن الوكالة يقبلوني في بيوتهم. فدعا كل واحد من مديوني سيده وقال للأول كم عليك لسيدي. فقال مئة بث زيت فقال خذ صكك واجلس عاجلاً واكتب خمسين. ثم قال لآخر وأنت كم عليك فقال مئة كر قمح فقال له خذ صكك واكتب ثمانين. فمدح السيد وكيل الظلم إذ بحكمة فعل لأن أبناء هذا الدهر احكم من أبناء النور في جيلهم. وأنا أقول لكم اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية. الأمين في القليل أمين أيضاً في الكثير والظالم في القليل ظالم أيضاً في الكثير. فان لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق. وأن لم تكونوا أمناء في ما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم. لا يقدر خادم أن يخدم سيدين لأنه أما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر لا تقدرون أن تخدموا الله والمال."

رأينا في الإصحاح السابق إشتياق الله لرجوع كل خاطئ، هنا يشرح السيد أن كل خاطئ يلزمه أن يتصرف بحكمة ليغتصب الملكوت. وأن الحياة العتيدة هي ثمرة ونتيجة للحياة الحاضرة. والله أعطانا وزنات كالمال مثلاً يمكننا أن نستخدمه بأنانية، ويمكننا أن نستخدمه بحكمة فنغتصب الملكوت. ونفس المفهوم نجده في مثل لعازر والغني في نفس الإصحاح.

وكيل الظلم= سماه السيد هكذا فهو كان يبذر أموال سيده وثانياً فهو حينما عرف أن سيده سيطرده غير الصكوك وبهذا تسبب في خسارة ثانية لسَيِّده. والسيد قطعاً لا يمدحه على هذا، بل يمدحه لأنه فكر في مستقبله، فهو قد إشتري أصدقاء (هم المديونين لسيده)، وهؤلاء يمكن أن يستفيد منهم بعد طرده من وكالة سيده. وهو إشتراهم بالمال الذي كان بين يديه، الذي إستأمنه سيده عليه. هذا الوكيل يشير لمن بدد المواهب والوزنات التي أعطاها الله له على شهواته.

مال الظلم= هو المال الذي بين أيدينا، لكن لماذا أسماه السيد هكذا؟

1)  هو مال من هذا العالم الظالم الشرير، مهما حصلنا عليه بالحلال.

2)  توزيع الأموال ظالم في هذا العالم، فكم من إنسان لا يعمل ويملك الكثير، وهناك من يكد ويجتهد ولا يملك شيئاً.

3)  هو مال ظلم لأنه يجعل الناس تعبده تاركة الله، وهو إذا إبتغاه أحد ضل عن الإيمان، وهو سيد قاسٍ يستعبد الناس.

4)  هو خادع يوهم الناس بالسعادة ولكنه لا يعطيها.

5) الأصل أن كل الأموال هي لله وأنا وكيل عليها، فإذا أعتبرتها ملكاً لي، أصرف منها على ملذاتي فقط، فأنا بهذا أصبح مبذراً في أموال الله، وأصير بهذا وكيل ظلم، ولكن إن تصرفت فيها بطريقة ترضى الله فتتحول إلى أموال مقدسة. فهو مال ظلم لأننا ننسب ما لله لنا، أي نغتصب حق الله.

 

كيف نرضي الله بأموالنا؟

هناك فقراء ومحتاجين، هؤلاء هم مديوني السيد. وكل هؤلاء ليس لديهم ما يأكلونه وما يلبسونه، فلنصرف على هؤلاء فيشهدون لنا في السماء، أليس هؤلاء هم إخوة الرب. وبهذا صاروا أصدقاء لنا. وبهذا صارت أموالنا سماوية، وصار لنا كنزاً في السماويات ينفعنا حين نغادر هذا العالم. هذه هي الحكمة المطلوبة منّا أن يكون لنا أصدقاء سماويين نشتريهم بالأموال التي بين أيدينا عوضاً عن أن نبددها على ملذاتنا وشهواتنا في عالم سنتركه إن آجلاً أو عاجلاً. إنسان غني= هو الله صاحب كل المواهب، يعطي لكل منا موهبة (1بط10:4). وكيل= الله يعطي كل منا مواهب وأموال وسيطلب حساباً عن كل ما أعطانا. يبذر أمواله= نفس ما قيل عن الإبن الضال (13:15). إعط حساب وكالتك= هذا ما سنسمعه يوم الدينونة. لا تقدر أن تكون وكيلاً بعد= أي ستترك هذه الحياة. قال الوكيل في نفسه= هذه مثل ما قيل عن الإبن الضال "فرجع إلى نفسه". ماذا أفعل= لقد صحا الوكيل من غفلته، وبدأ يفكر في إصلاح حاله. أنقب= أسرق وقد تعني حفر الأرض للزراعة. أستعطي= أتسول. وهذا الوكيل لن يستطيع أن يعمل كعامل زراعة أو يتسول أو يسرق. ولنلاحظ أنه في يوم الدينونة لن يصلح أن نسرق أو نجاهد ونعمل فلا عمل يصلح هناك أو نستعطي من القديسين، فالعذارى الحكيمات لم يعطين للجاهلات شيئاً من زيتهن. بث= 40لتر. كر= 350كجم تقريباً. كم عليك= هو يعلم ولكنه يسأل المديون حتى يشعره بأنه يسدي له معروف. أبناء هذا الدهر= هم المتعلقون بأمور الدنيا ولا نصيب لهم في الأبدية (أولاد العالم). أبناء النور= هم أبناء الإيمان الذين يسيرون في نور الكتاب ولهم الأبدية (أولاد الله). المظال الأبدية= عبارة مستعارة من الأعياد اليهودية مقصود بها دار الخلود. إذاً المسيح في هذا المثل لا يقصد تطبيقه من كل الجوانب، فقطعاً هو لا يريدنا أن نسرق، ولكن هو يريد أن نحول أموالنا لتصير لنا رصيد سماوي. أن تكون لنا النظرة المستقبلية وليس النظرة المحدودة بهذا العالم.

أبناء هذا الدهر أحكم= هم دائماً يفكرون في الغد، ويستثمرون أموالهم لتكون ضماناً لمستقبلهم، فهل نفكر في مستقبلنا الأبدي كأبناء نور وبهذا نصير حكماء، ولا تضيع فرصتنا في السماء. ونستطيع تطبيق المثل ليس فقط على الأموال بل على الوقت والصحة والتعليم والذكاء.. وكل ما أعطاه الله لنا، فهناك من لديه وقت فراغ.. فماذا يعمل به، هي يتسكع في الطرقات والنوادي، أم هو يضيع وقته في خدمة الكنيسة فيصير له شفيع الكنيسة صديقاً سماوي. وهناك من أعطاه الله صحة، ففي ماذا يصرف صحته؟ هناك من يستغل صحته في إفتقاد المرضى والمساكين والبعيدين عن الله.. وهكذا.

 

(آية10): القليل هو مال الظلم هو الثروة الزمنية. والأمين في القليل= هو من لا يبدد ماله على ملذات الدنيا وشهواته، بل يعطيه للمحتاج. أمين أيضاً في الكثير= أي العطايا الروحية. فالأمين مع الناس سيكون أميناً مع الله. لذلك يعطيه الله بغنى من هباته الإلهية ما يزين نفسه وتعطيه جمالاً ربانياً، نكون متشبهين بالله، ومن كان أميناً مع الله على الأرض في مال الظلم يستأمنه الله على الكثير الذي هو المجد الأبدي.

 

(آية11): هنا يتضح أن مال الظلم هو القليل في الآية السابقة. ولاحظ أن السيد الرب يضع في مقابله كلمة الحق، وذلك لأن المال باطل، فهو غير حقيقي، هو موجود اليوم، وغير موجود غداً، ولا تستطيع أن تأخذه معك إلى العالم الآخر، بينما العطايا السماوية والفضائل، هذه تستمر معنا في السماء.

 

(آية12): ما هو للغير= الغير هم الفقراء، فإن لم نكن أمناء معهم فيما بين أيدينا من مال الظلم، فالله لن يعطينا ما هو لنا من البركة والسلام والفرح والرجاء.. أما لو أعطيت ما عندك للفقراء سكب الله عليك من غني مجده.

 

(آية13): هنا يضع السيد حداً فاصلاً بين قبول تبعيته والإرتباط بمحبة المال. الله ليس ضد الغنى، فإبراهيم وإسحق ويعقوب كانوا أغنياء، والله لم يكن ضدهم، بل الله ضد عبادة المال، أي يصير المال هدفاً وإلهاً يُعبَدْ، أو أداة للملذات والترف الزائد بينما الفقراء في جوع وحرمان. وعبادة المال تعني أن يظن الإنسان أن المال فيه ضماناً للمستقبل. فالله وحده القادر على ذلك.

 

الآيات (14،15): "و كان الفريسيون أيضاً يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به. فقال لهم انتم الذين تبررون أنفسكم قدام الناس ولكن الله يعرف قلوبكم أن المستعلي عند الناس هو رجس قدام الله."

طبعاً من يحب المال لن يعجبه كلام السيد المسيح الذي قاله. الله يعرف قلوبكم= لن تستطيعوا أن تخدعوا الله كما تخدعون الناس إذ هم يتظاهرون بالبر والقداسة وهم عبيد المال.

المستعلى عند الناس هو رجس عند الله= ما ترونه أنتم أنه حسنٌ كالمال هو رجس عند الله. والتقوى الظاهرية التي هي صالحة في نظركم هي رجس عند الله (فهم يصومون ويصلون ليراهم الناس وهذا في نظر الله رياء ورجس) ومحبتهم للمال بالطبيعة ساقتهم للكبرياء فكلما إزدادت أموالهم تكبروا بزيادة، فإذا أضيف إلى محبة المال برهم الذاتي، يزداد كبريائهم وكل مستعلى متكبر هو رجس عند الله.

 

آية16:         راجع كتاب إنجيل متى (مت12:11،13)

آية17:                 راجع كتاب إنجيل متى (مت18:5)

آية18:                 راجع كتاب إنجيل متى (مت1:19-12)

هذه الآيات سبق شرحها ولكن ما مناسبة ذكرها هنا الآن؟

كان الفريسيون يعظمون ناموس العهد القديم، والمسيح هنا يشرح أن هذا الناموس كان لتهيئة الناس لنظام أكمل، والمعمدان أيضاً جاء ليعد الطريق لهذا النظام الجديد. الناموس والأنبياء إلى يوحنا= تعاليم العهد القديم كانت حتى يوحنا. من ذلك الوقت= أي بعد يوحنا المعمدان ويعني بشارة المسيح= يبشر بملكوت الله. إذا الناموس كان وقتياً، ولكن الناموس لا يمكن أن يبطل فهو رمز للخيرات العتيدة وظلها، وهو شاهد بنبواته ورموزه للمسيح، وهدف الناموس والنبوات هو المسيح، وهو يعلن إحتياجنا المستمر للمسيح. وكان ظهور المعمدان إيذاناً بظهور المسيح، وها قد أتى المسيح وها ملكوت الله أمامكم، الذي شهد عنه ناموسكم وشهد عنه المعمدان لكنكم عميان، لقد أدرك العشارون والخطاة هذا الملكوت وها هم يتزاحمون للدخول لهذا الملكوت، كل منهم يبذل جهده ويحتمل الصعاب ويغصب نفسه في سبيل هذا الملكوت الذي صار واضحاً لهم، والذي بدأ المسيح يبشر به، وكل ما يبذل جهداً ويغصب نفسه (بالإمتناع عن خطاياه القديمة وتركها) يفعل هذا عن طيب خاطر عالماً أنه سيفوز بأمجاد لا تقاس بجانب تلك المصاعب والمشقات.

زوال السماء.. أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس= أصغر تعليم في الناموس لن يتغير. فيلزم الخضوع للناموس وليس كما فعل أبائهم. ففي كلام السيد عن الطلاق كان يشرح لهم أنهم بحسب تعاليم شيوخهم أباحوا الطلاق لأتفه الأسباب فبعض أبائهم سمحوا بالطلاق لو الزوجة كان طعامها سيئاً، وهم يدعون أنهم يكرمون الناموس ولكنهم بإباحتهم الطلاق فهم قد حرضوا الناس على الزنا، وخالفوا الناموس (راجع ملا10:2-16) فقوله هنا أن الله يكره الطلاق فكيف سمحوا لأنفسهم بإباحته. خصوصاً أن ما جمعه هو الله. فالله هو الذي شرع الزواج "يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته" (تك24:2)

معنى كلام السيد هنا أنه، أنتم أيها الفريسيون تتهمونني بأنني ضد الناموس. والعكس هو الصحيح. فأنتم الذين كسرتم الناموس. أما أنا فكصاحب وواضع الناموس لا أكسره.

 

الآيات (19-31):              (مثل لعازر والغني)

الآيات (19-31): "كان إنسان غني وكان يلبس الأرجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفها. وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروباً بالقروح. ويشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني بل كانت الكلاب تأتى وتلحس قروحه. فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ومات الغني أيضاً ودفن. فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى وقال يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب. فقال إبراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا والآن هو يتعزى وأنت تتعذب. وفوق هذا كله بيننا وبينكم هوة عظيمة قد أثبتت حتى أن الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون إلينا. فقال أسألك إذاً يا آبت أن ترسله إلى بيت أبي. لأن لي خمسة اخوة حتى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا. قال له إبراهيم عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم. فقال لا يا أبي إبراهيم بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. فقال له إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون."

هنا صورة أخرى لنهاية إنسان أساء إستخدام أمواله. فهو أنفق أمواله فيما لا يفيد (الأرجوان والبز والتنعم مترفهاً) كل يوم= استمراره في شهواته. ولعازر (الله يعين= هذا معنى إسمه، فالله يعين من ليس له أحد يعينه) المسكين لا يجد سوى الفتات الذي يُلقي عند الباب، ولا أحد يعتني بقروحه بل تلحسها الكلاب. ولاحظ النهاية فيقال عن الغني أنه مات ودُفِن، أي نهايته التراب، أمّا لعازر فقد حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم. في لحظة لم يَعُدْ الغني يرى كل مشتهياته. وفي لحظة ترك لعازر المسكين كل آلامه وتمتع بحمل الملائكة له، وتمتع بحضن إبراهيم في السماء وللأبد. أمّا إسم الغني فلم يُذكر لعدم أهميته.

وحملته الملائكة= فالملائكة الذين يفرحون بتوبتنا (لو10:15) يأتون لإستقبالنا ولكي يحملونا إلى السماء. وبنفس المفهوم تصلي الكنيسة في صلاة الغروب قائلة للعذراء "وعند مفارقة نفسي من جسدي إحضري عندي" فالقديسين يأتون ليستقبلوا نفوس الأبرار ويصعدوا معهم إلى السماء. رفع عينيه= فهو في مكان سفلي أما لعازر ففي مكان مرتفع سامٍ (معنوياً). كان إنسان غني.. وكان مسكين إسمه لعازر= في الحياة يذكر إسم الغني أولاً. لكن السيد لا يذكر إسمه فهو كان وكيل ظلم غير حكيم فمات المسكين.. ومات الغني= في الموت ذُكِرَ إسم لعازر أولاً فهو ذهب للسماء. لقد تغيرت أماكن الكرامة والإحتقار في السماء.

هناك رأيين في مثل الغني ولعازر:-

1-   أنها قصة حقيقية بدليل ذكر السيد لإسم الفقير.

2- أنها قصة رمزية، وإسم لعازر هو رمزي بمعنى أن الله يعين المساكين، ويعني أن المسيح يعرف الفقراء بالإسم فهم إخوته.

ونلاحظ أن السيد المسيح لم يذكر أي خطايا للغني سوى أنه عاش لنفسه وأهمل الفقير الذي على بابه. فالغني ليست خطيته ولكنه قسوته.

ونلاحظ أن الفقر ليس سبباً كافياً لدخول السماء، فالفقير الذي يجدف على الله، أو الذي يتذمر لاعناً فقره والزمن الذي جعله فقيراً، أو الفقير الذي يشتهي الغني ويحسد الأغنياء.. هؤلاء لن يدخلوا السماء. لكن لعازر يرمز لمن يحتمل آلامه بشكر والله يعينه عليها.

آلام لعازر

1- فقيراً جداً           2- ضعيف جسدياً ومن ضعفه هو غير قادر على طرد الكلاب (يقال أن ما عملته الكلاب كان يخفف آلامه)   3- لا أحد يعوله              4- عدم إكتراث الغني به بالرغم من ترفه الشديد.

5- مقارنة حاله بحال الغني 6- أكله من الفتات الملقي.

لكنه بالرغم من هذا لم يشتكي ولم يتذمر ولم يجدف على الله لذلك أستحق أن تحمله الملائكة للسماء.

حضن إبراهيم= كناية عن راحة المطوبين، في نفس مكان إبراهيم، مكان الشرف والبنوة.

·        كان ملاكاً واحداً قادراً على حمله، ولكن جاءت ملائكة تعبيراً عن فرحتها به.

·        بعد خروج النفس مباشرة تدخل إمّا للفردوس أو للجحيم ونلاحظ:

1-   ذلك يحدث بعد الخروج مباشرة (وليس بعد صلاة يوم الثالث).

2-   هناك مكانين فقط (الفردوس والجحيم) وليس هناك ما يسمى المطهر.

3-   تعرف النفس مصيرها بعد الخروج. ولكن المجد والعقاب في اليوم الأخير.

·   ليبل طرف إصبعه= هذا دليل على العذاب، ولكن لا يمكننا فهم طبيعة العذاب تماماً، فنحن لا ندرى ما هو الحال الذي ستكون أجسادنا عليه حينئذ ولاحظ أن من كان يأكل الفتات، هو الآن في نعيم، ومن كان في نعيم لا يجد قطرة ماء. وأخيراً صار الغني شحاذاً.

·        هوة عظيمة= هذه تعني أن أحكام الله عادلة ونهائية لن تتغير وللأبد.

·        إستوفيت خيراتك في حياتك= إن كنت قد فعلت أي عمل صالح فلقد أخذت أجرك أثناء حياتك على الأرض.

·   أسألك يا أبتِ أن ترسله= هذه موجهة لمن ينكرون الشفاعة، فإن كان الغني الشرير في الجحيم يتشفع في أهله في الأرض، وهو الذي كان بلا محبة في حياته. فهل ينكرون هذا على الملائكة والقديسون المملوئين حباً والذين يفرحون بتوبتنا.

·   نستنتج من المثل أن النفوس تعرف بعضها فالغني عرف لعازر، بل عرف إبراهيم الذي لم يراه على الأرض. والنفس تتذكر ما كان على الأرض.

·   إقامة ميت لن تكون سبباً في توبة أحد، فالمسيح أقام لعازر واليهود فكروا في قتله. لكن الكتاب المقدس له قوة تأثير على النفوس أكثر من إقامة ميت= موسى والأنبياء. وفي الكتاب المقدس ما يكفي ليقودنا للخلاص دون معجزات.


 

الإصحاح السابع عشر

الآيات (1-6):                 راجع كتاب إنجيل متى (مت6:18،7)

                                راجع كتاب إنجيل متى (مت15:18،21،22)

 

آيات (1،2): "وقال لتلاميذه لا يمكن إلا أن تأتي العثرات ولكن ويل للذي تأتي بواسطته. خير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار."

العالم الذي نحيا فيه هو عالم شرير، وقد وضع في الشرير. ولابد سيأتي ضيق على المؤمنين وهرطقات، وكتب وأفلام وصور خليعة معثرة وأصدقاء أردياء ومسكرات ومخدرات، وخصومات ومنازعات (2تي1:3-5). بل هناك عثرات من الخدام والكهنة، فأخطاء هؤلاء معثرة جداً. والله ليس هو سبب هذه الضيقات والعثرات، ولكنه هو يعلم أنه لابد وستأتي. وللناس الحرية أن يقبلوها أو يرفضوها. وقول السيد هنا ويلٌ= هو إنذار لكل من تسول له نفسه أن يفعل هذا. هؤلاء الصغار= يقصد الرسل والتلاميذ، والمؤمنين البسطاء المتضعين، أو قليلي المعرفة. يطوق عنقه بحجر رحي= هي عقوبة يونانية رومانية. والمسيح لا يدعو للإنتحار قطعاً، بل يدعو للتوبة، ولكن معنى الآية، أن عذاب الغرق لثواني أما عذاب الجحيم فأبدي.

 

آية (3): "احترزوا لأنفسكم وأن أخطأ إليك أخوك فوبخه وأن تاب فأغفر له."

إحترزوا لأنفسكم= من أن [1] تتعثروا [2] من أن تعثروا أحداً. وأشهر عثرة هي عدم الغفران لذلك يقول= إن أخطأ إليك أخوك فوبخه= وفي (مت23:5،24) يقول للمخطئ لا تقدم قربانك على المذبح قبل أن تذهب وتصطلح مع أخيك، وبجمع الآيتين نجد السيد يوجه الخصمين للصلح.

 

آية (4): "وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم ورجع إليك سبع مرات في اليوم قائلاً أنا تائب فأغفر له."

التلمود كان يعلم بالغفران 3 مرات، وهنا يطلب السيد 7مرات، وفي (مت21:18-22) يطلب الغفران 70×7 ورقم 7 هو رقم كامل وبذلك يكون المعنى الغفران الكامل الدائم.

وإن كان السيد يطالبنا بأن نفعل هذا فهو بالتأكيد سيغفر لنا بنفس الشروط. هذا يفتح باب الرجاء للتائبين.

 

آيات (5،6): "فقال الرسل للرب زد إيماننا. فقال الرب لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعي وإنغرسي في البحر فتطيعكم."

أدرك الرسل أن ما يطلبه السيد هو فوق حدود الطبيعة الإنسانية فقالوا= زد إيماننا= أي طلبوا معونة إلهية للتنفيذ، أو طلبوا قلباً جديداً وطبيعة جديدة قادرة على الغفران، والطبيعة الجديدة تأتي أولاً بالإيمان ثم بعمل النعمة. والله هو الذي يزيد الإيمان. وبولس الرسول يمدح أهل تسالونيكي إذ أن إيمانهم ينمو (2تس3:1). والله له وسائله الخاصة ليزيد إيماننا، فتارة يعطينا من نعمه وبركاته الكثير، وتارة يسمح ببعض التجارب والتأديبات، وعلينا أن نشكر الله على عطاياه فلا ننشغل بالعطية عن العاطي، وعلينا أن نشكر في الضيقات ولا نتذمر. (كو7:2) فنحن نتفاضل في الإيمان بالشكر وكلما شكرنا ولم نتذمر تنفتح عيوننا الداخلية ونرى يد الله فيزداد إيماننا فالله يعطي أولاً الإيمان، فهو عطية من الله، ويكون أولاً صغيراً مثل حبة خردل، ومع الشكر وعدم التذمر تنقلع شجرة الجميز= أي الشك الجاثم على قلوبنا أو الخطية المتعمقة في القلب. فالإيمان هو خبرة معاشة مع الله فيها نتلامس معه يومياً فينمو إيماننا. وقيل أن شجرة الجميز ترمز للشيطان الذي يلقي بذار الشك في قلوبنا، فكلما يزداد إيماننا نأمره بأن يبتعد ويُرمي في البحر، كما حدث مع قطيع الخنازير. حبة الخردل= بذرة صغيرة تستخدم كتوابل، وحينما تنمو تكون شجرة بطول 3.5متر. وجذورها ثابتة وقوية. واليهود يقولون حبة خردل للإشارة للأشياء الصغيرة جداً.

 

الآيات (7-10): "ومن منكم له عبد يحرث أو يرعى يقول له إذا دخل من الحقل تقدم سريعاً واتكئ. بل ألا يقول له اعدد ما أتعشى به وتمنطق واخدمني حتى أكل واشرب وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت. فهل لذلك العبد فضل لأنه فعل ما أمر به لا أظن. كذلك انتم أيضاً متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا أننا عبيد بطالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا."

السيد المسيح علمنا أن نصلي لله قائلين يا أبانا الذي.. وهو يكلم التلاميذ قائلاً لهم يا أولادي (يو33:13). ويقول لا أعود أسميكم عبيداً.. لكني قد سميتكم أحباء (يو15:15). ويقول الكتاب "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله (يو12:1). فلماذا يعود السيد المسيح هنا ويطالبنا أن نكون عبيداً؟ أولاً: نحن عبيد فهو قد إشترانا بدمه لكن طبيعة الإنسان تشتهي المجد الباطل وتميل إليه، ألم يسقط آدم وحواء إذ أرادا أن يصيروا مثل الله. والتلاميذ بعد هذه الفترة الطويلة مع المسيح إشتهوا أن يكون أحدهما عن يمينه وعن يساره (مت21:20). وتشاجر التلاميذ من منهم أعظم (مت1:18 + مر34:9) بل حتى الليلة التي أسْلِمَ السيد فيها تشاجروا على من هو أعظم (لو24:22). ولو تصرف كل إنسان على أنه إبن الله وبهذا ينتفخ سنسقط في الكبرياء ونضيع ونبحث عن الكرامات التي نستحقها كأبناء لله..!! ولكن السيد في هذا الدرس كان يريد منّا أن لا نبحث عن أي أمجاد أو كرامات في هذا الزمان الذي نتعرض فيه لخطورة السقوط في الكبرياء، فليسمينا الله أحباء وبنين، ولكن علينا أن نصنع كل واجباتنا، ونقوم بخدمتنا بأمانة، ونعبد الله بأمانة، ولكن نقول، نحن عبيد قمنا بواجبنا، ولا نطلب أمجاد في المقابل ولا كرامات ولا عطايا في مقابل خدمتنا، ولا مكافآت زمنية سواء ماديات أو مواهب روحية، علينا أن نعيش بهذه الروح، روح الإتضاع والإنسحاق والشعور بأننا لا نستحق شئ، لنردد مع بطرس "أخرج يا رب من سفينتي فأنا رجل خاطئ" (لو8:5) (ليس المقصود أن يخرج الرب فعلاً، لكن هي عبارة تشير لعدم إستحقاق بطرس لوجود الرب في سفينته، وذلك لأنه أدرك أنه خاطئ) فهل نحن بلا خطية؟ حاشا.. إذاً فنحن خطاة لا نستحق شئ. وربما أتت هذه الآيات بعد حديث الرب عن المغفرة والإيمان. فهل لو رأينا إيماننا قد إزداد، أو أصبحنا بنعمته قادرين على الغفران فهل تأخذنا نشوة التفاخر والتعظم؟! هنا نفهم نصيحة المسيح، أنه "يجب علينا أن نكون كعبد رجع من عمله، فعليه ألاّ ينتظر الراحة بل يكمل خدمة سيده" ونحن علينا ألاّ نكف عن الخدمة، وألاّ نطلب الراحة واللذة في هذا الزمان الحاضر. بل لا نطلب شكراً من أحد بل لا ننسب لأنفسنا فعل الخير، فكل خير فعلناه، الله هو الذي أعطانا أن نفعله، فلماذا ننسب لأنفسنا ما صنعته نعمة الله (يع16:1،17+ 1كو7:4+ 1كو10:15) بل كوننا أبناء فهذا أصلاً من نعمته وليس فضلاً منا. ونحن خارج نعمته ما نحن سوى عبيد بطالون= أي لم نوفه حقه، ولن نوفه مهما عملنا. فنحن مدينون له بحياتنا أولاً ثم بكل ما بين أيدينا، ثم بفدائه، وبحصولنا على البنوة.

·        وإن كان من يفعل كل ما أُمِرَ به هو عبد بطال فماذا نكون نحن المقصرين فيما طُلِبَ منّا؟!

·        هذا هو السبب الذي جعل بولس الرسول يعتبر نفسه مديون للكل (رو14:1)

تمنطق وإخدمني= إشارة للجهاد طوال العمر. بعد ذلك تأكل وتشرب= إشارة للحياة الأبدية والشبع في الملكوت. دخل من الحقل= العمل في العالم. أعدد ما أتعشى به= بعد العودة للمنزل علينا أن نفرح الله بعبادتنا.

 

الآيات (11-19):              (شفاء العشرة برص)

الآيات (11-19): "وفي ذهابه إلى أورشليم اجتاز في وسط السامرة والجليل. وفيما هو داخل إلى قرية استقبله عشرة رجال برص فوقفوا من بعيد. ورفعوا صوتاً قائلين يا يسوع يا معلم ارحمنا. فنظر وقال لهم اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة ففيما هم منطلقون طهروا. فواحد منهم لما رأى انه شفي رجع يمجد الله بصوت عظيم. وخر على وجهه عند رجليه شاكراً له وكان سامرياً. فأجاب يسوع وقال أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة. ألم يوجد من يرجع ليعطي مجداً لله غير هذا الغريب الجنس. ثم قال له قم وامض إيمانك خلصك."

نرى هنا الرب يسوع هو الذي يطهر نفوسنا من برص الخطية، وأنه بينما هو يشفي ويخلص يفرح بمن يعود له شاكراً. ولكن هل يحتاج المسيح لأن نشكره؟! المسيح لا يحتاج منى أي شئ. العطاء والمحبة من طبعه. ولكن أن أشكر الله فهذا يعطي لي فرصة أن أستمتع بمحبة الله، القلب الشاكر يُمَكِّنْ الله من أن يتعامل معه ويعزيه ويفرحه، وهذا عكس القلب المتذمر الذي يغلق الباب أمام الله، فلا يستطيع الله أن يتعامل معه. لذلك تعلمنا الكنيسة المقدسة أن نبدأ كل صلواتنا بالشكر، حتى في الأحزان، فالله صانع خيرات، وحتى ما نعتبره ضيقة أو تجربة أو شدة فهو للخير (رو28:8 + 1كو22:3) لذلك علينا أن نشكر دائماً وفي كل حال. فمن يشكر في الضيقة، كما قلنا ثقة منه في الله، وإيمان بأن الله لا يستطيع أن يصنع سوى الخير حتى لو لم نفهم الآن ما يصنعه ولكننا سنفهم فيما بعد (يو7:13)، مثل هذا القلب يستطيع أن يتعامل الله معه ويملأه تعزية وسط الضيقة. لذلك يطلب المسيح أن نتعلم الشكر في العطايا الحلوة والصحة، وإذا تعلمنا هذا سنستطيع أن نشكره في الضيقات وبهذا تكون صلتنا مستمرة معه. الجحود تجاه الله، وتجاه الناس ناشئ عن خطايانا التي تسببت في قسوة قلوبنا. فهناك من يشتكي حاله بمرارة إستدراراً لعطف الناس ولكنه لا يشكر أبداً. وهناك من هو غير راضٍ عن نصيبه في الحياة، ويقارن بين حاله وحال غيره ويتذمر إذ يرى نفسه أقل من ناحية الخيرات المادية فيتذمر ولا يشكر أبداً.

لذلك علمتنا الكنيسة أن نبدأ كل صلواتنا بالشكر وهذا يجعل القلب أداة طيعة في يد الله يسهل على الله التعامل معها.

تشبيه= يشبه القلب بقطعة من الشمع، إذا تعرضت للحرارة تسيل وتلين ويسهل تشكيلها، ولو بردت تتكسر لو حاولت أن تعيد تشكيلها. وهكذا قلب الإنسان. فالقلب الشاكر الذي تعود على الشكر يلين في يد الله، ويستطيع الله أن يعطيه الكثير من نعمته، مثل هذا الأبرص الذي عاد شاكراً، فهو قد حصل بالإضافة إلى شفائه الجسدي، على الخلاص= إيمانك خلصك أما الجاحد والمتذمر فهذا يحزن الله، لا لأن الله كان يحتاج لشكره بل لأنه كان يود لو أعطاه المزيد من نعمته. فالعبادة الحقة هي أن نشكر الله دائماً. وسؤال السيد فأين التسعة= هو إبداء الأسف والحزن على الجحود، وكما قلنا فالسيد كان يود أن يعطيهم كلهم المزيد، وهم قد حرموا أنفسهم (كل عطية بلا شكر هي بلا زيادة) (مارإسحق).

نقطة أخرى خطيرة: فالله يعطينا كثيراً من الخيرات الزمنية (أموال/ صحة..) وكثيراً ما ننشغل بالعطية ونترك العاطي، وهذا يحرمنا من الحصول على البركات الروحية. ولكن من ينشغل قلبه بشكر وتسبيح الله على الخيرات الزمنية التي يعطيها له، يحصل على المزيد من الخيرات الروحية، والخلاص والحياة الأبدية. فوقفوا من بعيد= حسب الشريعة فهم لا يخالطوا الناس، فالبرص نجاسة ومن يتلامس معهم يتنجس. فكانوا يعزلونهم، إشارة لضرورة عزل الخطية، فمن يتلامس معها يتنجس (البرص رمز للخطية).

يا معلم إرحمنا= صراخهم يدل على إيمانهم بالمسيح. بل أن إيمانهم إتضح أيضاً في أن المعلم أمرهم بالذهاب للكهنة وهم مازالوا بُرصاً ولقد طهروا في الطريق. فهم آمنوا بقوته ولم يعترضوا على الذهاب للكهنة قبل أن يشفوا. هذا دليل ثقتهم في كلمة السيد. ولكن عاب التسعة عدم الشكر فحرموا من المزيد.

ولقد طلب منهم السيد الذهاب للكهنة: [1] فالسيد ما جاء لينقض الناموس بل ليكمله [2] هو يعطي للكهنة دليلاً مادياً على قدرته على الإبراء والتطهير، الأمر الذي يعجز عنه الناموس لعلهم يؤمنون به [3] في هذا التصرف يعطي للسيد الدرس للأجيال أن تخضع للكنيسة [4] كانوا يعلمون أن البرص شفاءه من عند الله فقط، فكون أن المسيح قد شفاهم فهذا إعلان عن لاهوته.

·   الذي عاد للمسيح هو [1] أبرص + [2] سامري (محتقر). وهذا تطبيق للمثل الذي قاله السيد "من يسامحه بالأكثر يحبه أكثر"

 

الآيات (20-37):              (متى يأتي ملكوت الله)

الآيات (20،21): "ولما سأله الفريسيون متى يأتي ملكوت الله أجابهم وقال لا يأتي ملكوت الله بمراقبة. ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لأن ها ملكوت الله داخلكم."

علامات المجيء الثاني  راجع كتاب الآلام والقيامة (مت17:24،18،23،27،28،37-41)

ولما سأله الفريسيون: متى يأتي ملكوت الله= الفريسيون ظنوا أن الملكوت هو ملكوت أرضي وليس سماوي. وربما كان سؤالهم بسخرية بمعنى "أين هذا الملكوت الذي تحدثنا عنه، فهم كانوا ينتظرون حكم العالم بفارغ الصبر ولكنهم ها هم يراقبون الموقف ولم يجدوا المسيح يعبئ جيوشاً ولا توجد مظاهر أبهة ومواكب ملوكية، هم لا يرون أي علامات خارجية لعيونهم. لا يأتي ملكوت الله بمراقبة= هو لا يأتي مقترناً بعلامات خارجية، بل في هدوء وبغير جلبة، ولا يُرى سوى نتائجه، ولا يراه سوى من كان مستعداً لمجيئه كسمعان الشيخ. علامته غير ظاهرة للعيان فلا يستطيع أحد أن يقول هوذا هنا أو هوذا هناك= أي هنا في السامرة أو هناك في أورشليم فهو ملكوت روحي يقوم في قلوب الناس= ها ملكوت الله داخلكم= يملك فيه الله على القلب، ويسيطر على الفكر والميول والمقاصد والعواطف. وهذا الملكوت لا يأتي بمراقبة بل يكون ظهوره فجأة. ومن علامته داخل القلب الفرح وحب الله بشدة ونسيان الدنيا وما فيها. إذاً هو يظهر في الداخل وليس في الخارج. ولكن قول السيد للفريسيين في داخلكم لا يعني أنهم وصلوا لهذه الدرجات ولكنه يعني لا تفتشوا عن الملكوت في الخارج، ولكن إبحثوا عن هذه العلامات في الداخل، وهذا لا يأتي إلاّ لو قبلتم هذا الملكوت. ولكنه لا يأتي إلاّ [1] بالإيمان بي أولاً [2] التوبة عن أعمالكم الشريرة [3] المعمودية حتى تولدوا من فوق. إذاً معنى كلام السيد لهم "إن ملكوت الله في متناول أيديكم لكنكم لغباوتكم وعنادكم لا ترونه" وسؤال الفريسيين هنا للأسف، مازال هو السؤال الذي يشغل بال كثير من الطوائف والكثير من الناس وهو.. متى يأتي المسيح.. والمسيح يقول لا تنشغلوا بهذا بل إنشغلوا بأن تبحثوا هل ملكوت الله بدأ في داخلكم.

 

آية (22): "وقال لتلاميذه ستأتي أيام فيها تشتهون أن تروا يوماً واحداً من أيام ابن الإنسان ولا ترون."

هذه نبوة عن الضيقات التي ستواجه التلاميذ، والتي ستكون الضيقات التي يرونها الآن من الفريسيين بجانبها هي كلا شئ. السيد هنا لا يريد أن يرعبهم بل يهيئهم لإحتمال نفقات الإيمان، ويظهر لهم أنه عالم بكل شئ فيزداد إيمانهم به إذا حدثت هذه الآلام فعلاً (يو29:14). وهذا موجه لنا ولكل جيل ألاّ نضطرب إذ نعلم أن هناك ضيقات ستسبق مجيئه. تشتهون أن تروا يوماً= تشتهون وجودي معكم لأعزيكم وأشددكم.

 

آيات (23،24): "ويقولون لكم هوذا ههنا أو هوذا هناك لا تذهبوا ولا تتبعوا. لأنه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء يضيء إلى ناحية تحت السماء كذلك يكون أيضاً ابن الإنسان في يومه."

علامة أخرى ظهور مضلين وخداعات كثيرة، والتضليل أكثر خطورة من الإضطهادات، ولكن السيد يحذر من أن نستجيب لأي بدعة يصاحبها معجزات شفاء أو غيره، فضد المسيح سيصنع آيات عجيبة (رؤ14:13،15). ولكن مجيء المسيح سيكون بغتة وكالبرق، وليس عن إنتظار ويراه كل العالم، وليس كمجيئه الأول لا يُرى سوى في مكان واحد، وسيكون في عظمة ونور كنور البرق، وليس في مظهر متواضع وسيعرفه الجميع، ولن يكون هناك حاجة لمن يبشر به. ولكن لاحظ أنه يقول كبرق بينما أن يوحنا الرائي شاهده مثل الشمس التي تضئ في قوتها، وسيكون هو نور وشمس أورشليم السمائية (رؤ16:1+ رؤ5:22). فلماذا يقول هنا برق؟ لأن مجده سيظهر للقديسين بصورة دائمة، ولكنه يظهر فجأة وبطريقة مرعبة للأشرار، لا يرون بعدها مجده بل ظلمة (مت30:25).

 

آية (25): "ولكن ينبغي أولاً أن يتألم كثيراً ويرفض من هذا الجيل."

قبل أن نتكلم عن المجد وهذا لن يكون في أيامكم دعنا نتكلم عما سوف ترونه بعد أيام قليلة أي آلام وصلب إبن الإنسان، فصليب إبن الإنسان هو الطريق لمجده. وهكذا عليكم أنتم أن تقبلوا الصليب حتى يكون لكم مجداً معي.

 

الآيات (26-30): "وكما كان في أيام نوح كذلك يكون أيضاً في أيام ابن الإنسان. كانوا يأكلون ويشربون ويزوجون ويتزوجون إلى اليوم الذي فيه دخل نوح الفلك وجاء الطوفان واهلك الجميع. كذلك أيضاً كما كان في أيام لوط كانوا يأكلون ويشربون ويشترون ويبيعون ويغرسون ويبنون. ولكن اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم أمطر ناراً وكبريتاً من السماء فأهلك الجميع. هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهر ابن الإنسان."

هذه تشير لأن يوم الدينونة يأتي فجأة، فلا ينبغي أن نهمل العلامات كما أهمل قوم نوح علامة بناء الفلك، الذي كان نوح يبنيه. ولا نتعلق بشرور وملذات العالم، كما تعلقت امرأة لوط فهلكت. ولنلاحظ أن الأكل والشرب والزواج ليس خطية، لكن الإنغماس في ملذات العالم هو الذي يؤدي للهلاك. إنشغال الشخص حتى بعمله عن خلاصه هو الذي يؤدي للهلاك.

 

آيات (31،32): "في ذلك اليوم من كان على السطح وأمتعته في البيت فلا ينزل ليأخذها والذي في الحقل كذلك لا يرجع إلى الوراء. اذكروا امرأة لوط."

المعنى:

1.    من إرتفع وسما روحياً= السطح لا ينزل باحثاً عن ملذات الدنيا، بل يبقى مرتفعاً منتظراً العريس في مجيئه الثاني.

2.    من إنطلق إلى حقل الخدمة ليعمل لحساب مملكة الله لا يرتد تاركاً خدمته باحثاً عن الزمنيات.

3.  من يخرج من سدوم لا ينظر إلى الوراء كامرأة لوط، التي رجع قلبها للوراء فصارت عمود ملح. أي لا تستخفوا بإنذاراتي هذه. أي في أيام النهاية علينا أن لا ننشغل بمقتنيات هذا العالم فالكل مصيره الفناء، بل نوجه أنظارنا للسماء من حيث يأتي المسيح.

 

آية (33): "من طلب أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلكها يحييها."

من طلب أن يخلص نفسه= سيزداد الضيق في الأيام الأخيرة وستأتي عصور إستشهاد، فمن ينكر المسيح ليخلص نفسه فهو سيهلكها ومن أهلكها= قبل الموت رافضاً أن يترك إيمانه يحييها وهذه الآية تفهم أيضاً بأن من يحيا منغمساً في ملذات العالم ورفاهيته ويظن بذلك أنه يخلص نفسه فهو يهلكها. ومن أهلكها= بأن يقدم جسده ذبيحة حية (رو1:12) وصلب أهواءه مع شهواته (غل20:2 + غل24:5) فمثل هذا يحييها+ (كو5:3).

 

الآيات (34-36): "أقول لكم أنه في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد فيؤخذ الواحد ويترك الآخر. تكون اثنتان تطحنان معا فتؤخذ الواحدة وتترك الأخرى. يكون اثنان في الحقل فيؤخذ الواحد ويترك الآخر."

يؤخذ.. في تلك الليلة

يسمى السيد يوم مجيئه أنه ليلة، فهي مظلمة علامة إنتشار الخطية والفساد، وإنتشار مملكة ضد المسيح وإنجذاب كثيرين وراءه في ضلال وتسمى ليلة لكثرة الضيق الذي سيعاني منه أولاد الله (مت21:24،29،12). وفي الآية الأخيرة نسمع عن كثرة الإثم. ويأتي هذا اليوم فجأة ويؤخذ البعض للمجد ويُترك الآخرين في الليل والظلام الذي إختاروه لأنفسهم.

هو يوم ينفصل الزوج عن زوجته= على فراش واحد= يؤخذ أحدهما للمجد ويترك الآخر في الظلمة الخارجية= الليل. ألم يظهر المسيح مثل البرق. فهناك يختطف البعض ليتمتعوا بنوره للأبد ولا يكون لهم ليل ثانية (رؤ5:22) وهناك من يبقي في الظلمة للأبد.

وهو يوم يتصل فيه القديس المختطف مع القديسين السماويين، حيث يفرحون ويسبحون للأبد. فهو يوم إنفصال= يؤخذ الواحد ويترك الآخر. وهو يوم إتصال، كما حملت الملائكة نفس لعازر إلى حضن إبراهيم.

 

 

على فراش واحد، أو على حجر رحي أو الحقل.

 

عِشْرة العُمر           عشرة العمل      عشرة الخدمة

فعشرة القديسين في زواج أو عمل أو خدمة ليست كافية لكي نختطف معهم إلى المجد. إن لم يبدأ الملكوت في داخلنا الآن. فالدينونة شخصية، كلٌ على حدة. والإختطاف للمجد (1تس17:4) يعتمد على علاقة كل مؤمن بالله على حدة. فهي علاقة سرية لا علاقة لها بحياتنا اليومية. والذين يذهبون للمجد أو الدينونة، لا علاقة لدينونتهم وأين يذهبون بحياتهم على الأرض. فالفراش يشير للذين في رفاهية (فبعضهم يذهب للمجد وبعضهم يهلك) والذين على حجر رحى يشيرون لمن هم في عبودية أو فقر أو يعملون أعمال شاقة، فبعضهم يذهب للمجد وبعضهم يهلك. والذين في الحقل أي يخدمون الله، فخدمتهم لله ليست شرطاً ليذهبوا للمجد فالله وحده هو الذي يعلم حقيقة القلب.

 

آية (37): "فأجابوا وقالوا له أين يا رب فقال لهم حيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور."

إجتماع النسور حول الجثة= حين يصبح اليهود بسبب خطاياهم أمواتاً (فالخطية= موت).. "إبني هذا كان ميتاً فعاش" ويكونون بلا أمل في توبة أو إصلاح= يكونون كجثة. حينئذ يهجم عليهم الرومان (ورمز الرومان النسر على أعلامهم)، فالرومان هنا هم منفذو الدينونة، وهذا حدث سنة 70م بيد تيطس وجنوده.

وهو سيتكرر ثانية في النهاية حين يأتي ضد المسيح ويجتمع حوله الأشرار، ويكونون كجثة بسبب خطاياهم سيأتي عليهم منفذو الدينونة وقتها ويهجمون عليهم كالنسور.

الخلاصة: الله لا يسمح بهذا الخراب وهذه الضربات الرهيبة إلاّ إذا وصلت الحالة لموت كامل بلا أمل في توبة= جثة.

ومعنى هذه الآية أن السيد المسيح يعطي علامة النهاية بأنه تجتمع جيوش حول أورشليم الخاطئة. وهذه الآية تنطبق مرتين.

1)    سنة 70م حين إجتمعت الجيوش الرومانية حول أورشليم ودمرتها.

2)    في نهاية الأزمة حين تجتمع جيوش حول أورشليم الموجود بها ضد المسيح.


 

الإصحاح الثامن عشر

الآيات (1-8):                 (مثل الأرملة وقاضي الظلم)

الآيات (1-8): "وقال لهم أيضاً مثلاً في أنه ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل. قائلاً كان في مدينة قاض لا يخاف الله ولا يهاب إنساناً. وكان في تلك المدينة أرملة وكانت تأتى إليه قائلة انصفني من خصمي. وكان لا يشاء إلى زمان ولكن بعد ذلك قال في نفسه وإن كنت لا أخاف الله ولا أهاب إنساناً. فإني لأجل أن هذه الأرملة تزعجني انصفها لئلا تأتى دائما فتقمعني. وقال الرب اسمعوا ما يقول قاضي الظلم. أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارا وليلا وهو متمهل عليهم. أقول لكم انه ينصفهم سريعاً ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض."

بعد أن أعطى السيد علامات مجيئه الثاني، وأن هناك ضيق شديد سيصاحب هذه الأيام. نجده هنا يشرح الطريق الذي ينبغي أن نسلكه، وهذا الطريق هو الصلاة بلا ملل= ينبغي أن يُصلَّى في كل حين ولا يُمَلَّ= هذا هو السهر المطلوب. ما معنى الصلاة كل حين؟ وما معنى صلوا بلا إنقطاع (1تس17:5)؟ لاحظ فهناك 7صلوات أجبية، وعند الشروع في عمل يجب أن نصلي، في أوقات الفرح أو في أوقات الحزن يجب أن نصلي، في الضيق أو التجارب، في الشكوك أو الإضطهادات يجب أن نلجأ لله. هناك من يردد صلاة يسوع بقلبه بعد أن بدأ بلسانه، وهناك من يردد مزاميره متأملاً فيها. هذه الصلة وهذا الإتصال بالله يحمينا من كل محاولات إبليس ضدنا. إبليس إن وَجَدَ إنساناً في حالة صلاة لا يستطيع معه شئ. والصلاة هي التي تعطينا تعزية وقت الضيق، وتعطينا ثباتاً وقت الفرح، حتى لا ننجرف وراء أهوائنا وننسى الله.

أرملة= أي في حالة ضعف فقد فقدت سندها وأضحت عرضة للجور والمعنى أن نصلي ونحن شاعرين بضعف حالنا وأنه لا قوة لنا ولا سند سوى الله. وإن كان القاضي الظالم قد إستجاب لها فكم بالأولى الله القاضي العادل أبي الأنوار، ولكن لنتعلم من هذه الأرملة إصرارها في الطلب ولجاجتها.

إنصفني من خصمي= خصمها هو إبليس وشهوات جسدنا والعالم (رو23:7). والله سينصفنا ويجعلنا ندوسه لو كنا في حالة صلة مع الله مستمرة بالصلاة. فتقمعني= هي نفس كلمة أقمع جسدي وأستعبده (1كو27:9). والقمع هو الضرب بقبضة اليد تحت العين. والصورة إستعارية تشبيهية بطبيعة الحال، وكأنما القاضي يقول لئلاَّ تأتي علىًّ بتوسلاتها مرة بعد مرة، وهذا بالنسبة له كأنه قمع.

وهو متمهل عليهم.. ينصفهم سريعاً= متمهل عكس سريعاً. ولكن هذا بالمفهوم البشري الزمني. فالإنسان إذ يريد حل مشكلته الآن، يريد حلها الآن وليس بعد ساعة. والله يستجيب في الوقت المناسب. لذلك يتصور الإنسان أن الله متمهل إذ يطيل أناته، ولكن الله إستجاب الصلاة منذ بدايتها. الله لا زمني، وهو أصدر أحكامه أزلياً وحكمه ثابت. فلنصلي والإستجابة ستأتي ولكنها ستأتي في الوقت المناسب، وحتى تأتي الإستجابة يملأنا الله عزاء وسلاماً وراحة حتى وإن لم تحل المشكلة زمنياً. الله يستجيب في الوقت الذي يراه مناسباً (2بط9:3+ 2بط15:3). وقد يتركنا فترة نتنقى فيها كالذهب في البوتقة وحوله النيران، وهو يستجيب حين نتنقي وليس قبل ذلك. والمسيح هنا يكشف عن أهمية الإلحاح في الصلاة، ليس لأن الله قاضي ظالم لا يسمع من أول مرة، ولكن [1] حتى نتعزى فنصبر [2] لكي نتنقى [3] الله يستجيب في الوقت المناسب، ونحن محتاجين للصلاة لنشعر بوجود الله جانبنا [4] مسرة الله أن يسمع إلحاح شعبه وهذا يعلن عن إيمانهم. فهم يصلون بثقة ودليل ذلك إلحاحهم وهذا دليل على إيمانهم. ولكن الإيمان معرض لأن ينطفئ. وكثرة الصلاة تقوي الإيمان. فلكي لا يضعف الإيمان وقت التجربة علينا أن نصلي بلا ملل "إسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (لو46:22) والتجربة هنا هي ترك الإيمان + (لو31:22،32) [5] في الوقت المناسب يعطينا الله أكثر مما طلبنا وأكثر ممّا نظن أو نفتكر أو نطلب (أف20:3). ولكن ضعف المحبة لله تجعلنا نتشكك في إستجابة الله لنا.

·   لاحظ أن السيد قال هذا بعد أن أعلن عن علامات مجيئه، وأن الخطايا ستزداد على الأرض "لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (مت12:24)

وهنا يقول متى جاء إبن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض لذلك يوصي السيد بأن نصلي دائماً بلا ملل فالأعداء كثيرين فهناك أعداء خارجين وشياطين، وأضداد للمسيح كثيرين، وهناك في داخلنا شهواتنا وخطايانا. والسيد يعلن أن من يسقط كثيرين وتبرد محبتهم، حتى يكاد الإيمان أن يختفي.. إذاً فلنصلي ولنذكر أن الله يستجيب دائماً لصلوات أولاده ولكن هناك ثلاث طرق للإستجابة: [1] يستجيب فوراً [2] يستجيب بعد وقت وفي الوقت المناسب [3] لا يستجيب لطلبتنا فهي ليست في صالحنا (كما رفض طلبة بولس حينما طلب الشفاء).

 

الآيات (9-14):                       (الفريسي والعشار

الآيات (9-14): "وقال لقوم واثقين بأنفسهم انهم أبرار ويحتقرون الآخرين هذا المثل. إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصليا واحد فريسي والآخر عشار. أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع واعشر كل ما اقتنيه. وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلاً اللهم ارحمني أنا الخاطئ. أقول لكم أن هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع."

في الآيات السابقة رأينا أهمية الصلاة بلا ملل وبلجاجة، وهنا نرى شرطاً آخر لتكون صلواتنا مقبولة، وهو أن نصلي ونحن شاعرين أننا لا نستحق شيئاً، نشغر بخطايانا أنها السبب في أننا لا نستحق شيئاً. الشعور بأننا خطاة لا نستحق شيئاً، ونقف لا نطلب شئ سوى مراحم الله "اللهم إرحمني أنا الخاطئ" هو الطريق المقبول للحصول على مراحم الله. وهذا هو نفس الدرس الذي أخذناه من قصة المرأة الخاطئة التي بللت قدمي السيد بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها فهي قد حصلت على الخلاص وعلى غفران خطاياها بينما لم يحصل الفريسي الذي إستضاف الرب في بيته عليهما، فمن يقترب من المسيح شاعراً بإحتياجه للمسيح ليغفر ويرحم، شاعراً بخطاياه التي تجعله غير مستحق لشئ، صارخاً طالباً الرحمة، فهذا يخلص (لو36:7-50) ومن صلاة هذا العشار تعلمت الكنيسة صلاة يسوع التي نرددها "يا ربي يسوع المسيح إرحمني أنا الخاطئ" وأيضاً في كل صلوات الكنيسة نردد صلاة "يا رب إرحم". نرى في هذا المثل أن كل من يتكل على بره يسقط ومن يتكل على بر المسيح شاعراً بخطاياه يتبرر. من يتكل على بره يرى في نفسه كل الحسنات ولا يرى في غيره سوى السيئات (رؤ17:3-19).

علينا أن نحمل روح الإتضاع فينا، أي [1] نشعر بأننا لا شئ بسبب خطايانا [2] نشعر بأننا بالمسيح فقط تغفر خطايانا فنشكره ونسبحه العمر كله. ولاحظ قبول العشار مع أنه خاطئ ولكنه متضع شاعر بخطيته، وعدم قبول الفريسي مع أنه يدفع عشوره ويصوم مرتين، فقد كان الفريسيون يصومون يومي الإثنين والخميس. لقد إنتزعت من العشار شروره، إذ إنتزعت عنه أم كل الشرور، أي المجد الباطل والكبرياء. فالمتكبر يسهل وقوعه في إدانة الآخرين بل في أي خطية. ونلاحظ أن صلاة الفريسي كانت تدور حول محور واحد وهو الذات. فكانت صلاته عن نفسه وعنها وإليها فكلمة أنا هي محور صلاته، حتى شكره لله كانت تهنئة لنفسه على بره وأنه أفضل من الآخرين. فلننظر لأنفسنا أننا آخر الكل ولو كنا قد بلغنا قمة الفضيلة. فالكبرياء قادر أن يسقط حتى السمائيين، بينما أن الإتضاع يرفع من هاوية الخطايا. ولاحظ أنه ربما كان الفريسي حين صلَّى كان محقاً فيما قاله وأنه لم يكذب، ولكن الله لا يريد أن نذكره بفضائلنا فهو يعرفها بل لنذكر له خطايانا لكي يرحمنا. لاحظ قول الرب لملاك كنيسة أفسس "أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك.." (رؤ2:2،3) أي لا داعي أن تذكرني بأعمالك فأنا أعرفها. لا داعي أن نقف أمام الله ونضع الأكاليل على رؤوسنا، بل ننتظر الحكم من الله، بل نردد مع داود "خطيتي أمامي في كل حين" ومن يذكر خطاياه ويتضع ينساها له الله.

 

الآيات (15:18-17):         في كتاب إنجيل متى (مت13:19-15)

الآيات (18:18-27):         في كتاب إنجيل متى (مت16:19-26)

الآيات (28:18-30):         في كتاب إنجيل متى (مت27:19-30)

الآيات (31:18-34):         في كتاب إنجيل متى (مت17:20-19)

الآيات (35:18-43):         في كتاب إنجيل متى (مت29:20-34)


 

الإصحاح التاسع عشر

 

الآيات (1-10):               (زكا رئيس العشارين)

الآيات (1-10): "ثم دخل واجتاز في أريحا. وإذا رجل اسمه زكا وهو رئيس للعشارين وكان غنيا. وطلب أن يرى يسوع من هو ولم يقدر من الجمع لأنه كان قصير القامة. فركض متقدماً وصعد إلى جميزة لكي يراه لأنه كان مزمعاً أن يمر من هناك. فلما جاء يسوع إلى المكان نظر إلى فوق فرآه وقال له يا زكا أسرع وانزل لأنه ينبغي أن امكث اليوم في بيتك. فأسرع ونزل وقبله فرحاً. فلما رأى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين وان كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف. فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضاً ابن إبراهيم. لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك."

العشارون هم طائفة الجباة وكانوا يستوفون أكثر من الجزية المقررة ويأخذونها لأنفسهم (لو13:3). ولذلك كرههم اليهود وأسموهم لصوصاً. ولذلك تبرم اليهود إذ قبل السيد دخول بيت زكا. والرب دخل بيت زكا دون أن يسأله فهو عارف بما في القلوب.

في الآيات السابقة ترك الرب الأعمى يصرخ فترة، بعدها إستجاب وشفاه، وهنا نجده يطلب هو بنفسه أن يدخل بيت زكا. فالرب يدخل بيتي، أو يدخل قلبي ويتمم الشفاء حين يرى القلب مستعداً. فهذا الأعمى لم يكن مستعداً بعد للشفاء، والصراخ جعله مستعداً، ولما رآه السيد مستعد تدخل وشفاه. أمّا زكا ففي إنسحاقه وفي إشتياقه لرؤية السيد كان مستعداً. فدخل يسوع بيته. هنا نرى جزاء قبول يسوع في حياتنا، وجزاء إشتياقنا له، بينما نحن شاعرين بعدم الإستحقاق، هنا يدخل يسوع قلوبنا فتصير سماء، ويغفر لنا خطايانا ونفوز بالخلاص، فهل نشتاق لخلاص يسوع مثل زكا. يقول الرب "إن عطش أحد فليقبل إلىّ ويشرب.. وتجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو37:7-39).

ربما قصر قامة زكا تشير لأن إيمانه كان ضعيفاً، ولكنه بإشتياقه صار مضيفاً للرب، وبتوبته صار مسكنه قصراً سمائياً يدخله الرب، لقد مُنِحَ زكا مجداً عظيماً.

تأمل: كثيرون وُلِدوا بعاهات خَلْقية، مثل زكا الذي كان قصير القامة، وهم يشتكون بسببها، ولكن ألا ترى أن عاهة زكا كانت سبباً في خلاصه. إذاً علينا أن نفهم أن الله لا يخطئ وإذا كان شيئاً ينقصنا، كان هذا سبباً لخلاصنا، وهذا ما حدث للأعمى.

قصة زكا العشار فتحت باب الرجاء والأمل لكل خاطئ، حين يعود بالتوبة مشتاقاً للمسيح، يدخل المسيح إلى قلبه، ويقبله ويغفر خطاياه.

·   ولاحظ أن زكا تكلف الكثير، فهو في مركزه كرئيس للعشارين كان من غير اللائق أن يتسلق جميزة كما يفعل الأطفال (هذا ما نسميه الجهاد، وفي المقابل فلنرى النعمة التي حصل عليها).

·        دخول الرب بيت زكا الخاطئ يمثل دخول المسيح إلى جسد بشريتنا وحمله لطبيعتنا نحن الخطاة ليقدس طبيعتنا أبدياً.

·        كانت هناك معوقات كثيرة تحول بين زكا والمسيح:

1)    خطيته: إذ يُحسب العشارين في نفس صفوف الزواني (مت31:21)

2)    كراهية المجتمع له.

3)    مركزه كرئيس قد يتأثر بما فعله، من تسلقه لجميزة.

4)    قصر قامته، ومثل هذه العاهة تجعل الإنسان يتقوقع حول نفسه، مفضلاً الإبتعاد عن المجتمع.

ولكن إيمان زكا إنتصر على كل ذلك، وإشتياقه، وقلبه التائب أعطوه الخلاص. فبالإيمان الحي العملي نغلب كل ضعف فينا ونرتفع فوق الظروف لنلتقي بربنا يسوع فنخلص.

يا زكا أسرع= زكا تعني النقي المتبرر فالمسيح سامحه عن خطاياه. عبارة يا زكا أسرع هذه مثل "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة". فالمسيح في كليهما إستخدم الأسماء ليشير لمعاني خاصة.

·   شجرة الجميز ثمارها رخيصة وتشير للأمور الزمنية التافهة، ولا يمكن أن نعاين المسيح ما لم نسمو فوق الأمور الزمنية.

أسرع وإنزل= كم مرة صعد في غناه وكبريائه، والآن عليه أن يتعلم أن ينزل ويتضع ويتخلى عن أمواله. ولاحظ تجاوب زكا فهو أسرع ونزل، فالتأجيل قد يضيع فرصة الخلاص، فالمسيح لم يذهب لأريحا ثانية التي يعيش فيها زكا (1:19).

·   أعطي نصف أموالي= [أمّا دفع أربعة أضعاف فكان هذا إجراء من أقصى العقوبات التي كان يفرضها القانون على لص (خر1:22+ 2صم6:12)، وزكا فرض على نفسه هذه العقوبة (راجع أيضاً عد7:5+ لا1:6-5)] صار له القلب الرحيم غير المستعبد للمادة بمجرد أن دخل يسوع بيته. ولاحظ أنه مستعد لدفع نصف أمواله، مع أن الشريعة الموسوية لا تطلب من المختلس سوى الخمس زيادة على ما إختلسه. اليوم حصل خلاص لهذا البيت= حينما يتقدس أحد أفراد الأسرة يصير سبب بركة لكل البيت. وهذا لا يمنع أنه في حالة إيمان شخص قد يقف في وجهه كل بيته "أعداء الإنسان أهل بيته" لكن المؤمن يكون بركة لأهل بيته إن كان عندهم إستعداد (1كو14:7). هو أيضاً إبن لإبراهيم= السيد الرب بهذا يعزو خلاص زكا لتشبهه بإبراهيم في إيمانه وقداسته وبره. وكما ترك إبراهيم كل ممتلكاته في أور ترك زكا هنا نصف ممتلكاته. وفيها تذكير للفريسيين الرافضين أنه أخ لهم.

·        نور المسيح وبره أضاءا بيت زكا وقلبه ولم يحتاج المسيح أن يوجه له كلمة عتاب أو توبيخ.

·   المسيح لم يمر من هذا الطريق صدفة، ولم ينظر للشجرة صدفة، إنما هو كان يعرف أن في هذا المكان خروف ضال يريد أن يرده فذهب إليه. فزكا بحث عن المسيح والمسيح بحث عن زكا.

·   ما فعله زكا هنا هو نفس ما قاله بولس الرسول (في8:3). فما إستمر يجمعه العمر كله من أموال صار كنفاية يريد الإستغناء عنها إذ تمتع بمعرفة الرب يسوع. فحينما وجد زكا اللؤلؤة كثيرة الثمن (المسيح) باع بقية اللآلئ (أمواله) التي ظل عمره يجمعها (مت46:13).

 

الآيات (11-27):              (مثل الأمناء)

الآيات (11-27): "وإذ كانوا يسمعون هذا عاد فقال مثلاً لأنه كان قريباً من أورشليم وكانوا يظنون أن ملكوت الله عتيد أن يظهر في الحال. فقال إنسان شريف الجنس ذهب إلى كورة بعيدة ليأخذ لنفسه ملكاً ويرجع. فدعا عشرة عبيد له وأعطاهم عشرة أمناء وقال لهم تاجروا حتى آتى. وأما أهل مدينته فكانوا يبغضونه فأرسلوا وراءه سفارة قائلين لا نريد أن هذا يملك علينا. ولما رجع بعدما اخذ الملك أمر أن يدعى إليه أولئك العبيد الذين أعطاهم الفضة ليعرف بما تاجر كل واحد. فجاء الأول قائلاً يا سيد مناك ربح عشرة أمناء. فقال له نعما أيها العبد الصالح لأنك كنت أميناً في القليل فليكن لك سلطان على عشر مدن. ثم جاء الثاني قائلاً يا سيد مناك عمل خمسة أمناء. فقال لهذا أيضاً وكن أنت على خمس مدن. ثم جاء آخر قائلاً يا سيد هوذا مناك الذي كان عندي موضوعاً في منديل. لأني كنت أخاف منك إذ أنت إنسان صارم تأخذ ما لم تضع وتحصد ما لم تزرع. فقال له من فمك أدينك أيها العبد الشرير عرفت أني إنسان صارم اخذ ما لم أضع واحصد ما لم ازرع. فلماذا لم تضع فضتي على مائدة الصيارفة فكنت متى جئت استوفيها مع ربا. ثم قال للحاضرين خذوا منه المنا وأعطوه للذي عنده العشرة الأمناء. فقالوا له يا سيد عنده عشرة أمناء. لأني أقول لكم أن كل من له يعطى ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه. أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن املك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي."

هنا السيد المسيح قد إقترب من أورشليم وبالتالي بقيت بضعة أيام قبل الصليب وبالتالي قبل أن يغادر الأرض بالجسد ويذهب ليجلس عن يمين الآب. والآيات الآتية مباشرة هي عن دخوله أورشليم يوم أحد الشعانين. وكأن هذه الأقوال هي نبواته الأخيرة وتعاليمه الأخيرة فما معنى المثل:

1- هم ظنوا أنه متوجه لأورشليم ليبدأ الملكوت حالاً، ولكنه يشير إلى أنه ذاهب إلى كورة بعيدة (السماء). وبعد مدة سيأتي ليحكم ويدين. وبالتالي فالملكوت ليس وشيكاً.

2- المسيح سيذهب ويترك تلاميذه والمؤمنين به، وهو يترك لكل واحد منّا وزنات ومواهب يتاجر بها، لحساب مجد إسمه. وكل منّا حصل على نصيبه من المواهب (1بط10:4). وعلينا أن نستمر في الخدمة حتى يأتي.

3- اليهود سيرفضونه= لا نريد أن هذا يملك علينا. وبالتالي فلا يجب أن يتصوروا أن هناك ملكوت أرضي "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله"

4- بعد مدة لم يحددها السيد (فلا داعي أن نحاول تحديدها نحن) سيأتي في مجده ليدين [1] الذين رفضوه= إذبحوهم قدامي. [2] ليحاسب كل منّا عما فعله بوزناته (أمنائه).

5- هذه التجارة التي نقوم بها الآن في الأمناء (المواهب هي بعينها تأسيس الملكوت على الأرض. وفي هذا تأنيب لتلاميذه إذ هم إنشغلوا بالملك الأرضي والأمجاد، والمسيح ينبههم أنه لا أمجاد هنا بل خدمة.

 

مثل الأمناء (لو11:19-27) ومثل الوزنات (مت14:25-29)

هناك خلافات بين المثلين فهي ليسا مثلٌ واحد، ولو أنهما متشابهان.

1.    في مثل الوزنات نرى كل واحد قد أخذ نصيباً غير الآخر، أمّا هنا فكل العبيد قد أخذوا مَناً واحداً.

2.    مثل الأَمْناء قاله السيد وهو متجه لأورشليم، ومثل الوزنات قاله السيد وهو في أورشليم. والتكرار للأهمية.

ولكن الإختلاف له معنى: ففي مثل الوزنات يشير لأن كل واحد يأخذ مواهب غير الآخر، والله لن يطالبك بأكثر مما أعطاه لك، المهم أن تكون أميناً، فمن أخذ الخمسة ربح خمسة وزنات وهكذا من أخذ الوزنتين حينما أتي بوزنتين سمع نفس المديح عينه. لأن كلاهما كان أميناً. والله لن يطالب أحد بما هو فوق طاقته. أمّا في مثل الأمناء فيقول أن الكل أخذ مقداراً متساوياً (مناً)، ولكن هناك من ربح أكثر فإستحق أكثر، وهذا لأنه جاهد أكثر، فمن يتعب أكثر يأخذ أكثر. وما يجب أن نفهمه أنه علينا بألا نحزن لأن مواهبنا أقل، المهم أن نكون أمناء ونجاهد بقدر طاقتنا، ومن يستخدم مواهبه لمجد الله سيجازيه الله. كانوا يظنون أن ملكوت الله سيظهر في الحال= كانوا يظنون أن السيد سيملك ويؤسس ملكوته بعد أن يدخل أورشليم مباشرة.

إنسان شريف الجنس= هو المسيح نفسه فهو من السماء وذاهب للسماء وهو ليس فقط شريف الجنس، بل هو الوحيد الجنس (الإله المتجسد) إبن الله بالطبيعة.

ذهب إلى كورة بعيدة= سيصعد للسماء ولن يؤسس ملكاً أرضياً.

دعا عشرة عبيد= هم كل المؤمنين، فكل له موهبته (1بط10:4+ 1كو8:12-11) (مثلما كان هناك عشر عذارى)

·   هذا المثل مستوحى مما كان يحدث أيام المسيح، فكان الأمراء الوطنيون ملزمون بأن يذهبوا إلى روما ليحصلوا على رتب الترقي من قيصر. وحدث هذا مع هيرودس وأرخيلاوس. وفي حالة أرخيلاوس أرسل شعبه سفارة (أي مندوبين وسفراء عن الشعب) إلى قيصر شاكين لقيصر أعماله الوحشية ورافضين ملكه. وحينما رجع أرخيلاوس من روما إنتقم منهم بالذبح (وهذا كان حكم المسيح على صالبيه ورافضي ملكه بخراب أورشليم، هذا هو الحكم المؤقت قبل الدينونة)

ليأخذ لنفسه مُلكاً= هذا إعلان نبوي عن جلوس الرب في السماء إستعداداً لتأسيس ملكوته ولتجثوا له كل ركبة (في6:2-11)

المنا= عملة يونانية تساوي أجر ثلاثة شهور.

وأما أهل مدينته= هنا يتكلم عن اليهود خاصته الذين أتي منهم بالجسد وهم الذين كان لهم الوعد. إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله (يو11:1)

لا نريد أن هذا يملك علينا= كلمة هذا كلمة تحقير، وللآن فاليهود يشتمون المسيح، وكأن هذه العبارة هي إحتجاج ورفض لشخص المسيح المتواضع.

أرسلوا وراءه سفارة= تحمل معنى رفضهم المستمر للمسيح حتى بعد ما صعد، ورفضهم وإضطهادهم لتلاميذه ورسله. سفارة= سفراء أي اليهود الذين إضطهدوا المسيحيين.

ولما رجع= حين يأتي في مجده، في مجيئه الثاني. وفيما يلي يظهر محاسبة 3عبيد فقط كعينات فقط.

مناك ربح= هذا يشير لتواضع هذا الإنسان فلم يقل أنا ربحت، إذ هو يعلم أن النجاح والبركة كانت من عند الله وليست من عنده هو. والمنا هو إشارة للمواهب والوزنات التي أعطاها لنا الله.

ربح عشرة أمناء= هي النفوس التي ربحها لحساب الملكوت، والفضائل التي ظهرت في حياته.

أميناً في القليل= لأ

المتاجرة بالموهبة.

ربح خمسة أمناء= هي نفوس أيضاً.

وهذا إشارة لأنه كلما زاد الجهاد زادت الثمار، وزادت المكافأة ونقول الجهاد هو الذي زاد، فنحن نلاحظ أن النعمة التي حصل عليها كليهما، أي عطية الله كانت متساوية= المنا.

سلطان على عشر مدن.. على خمس مدن= هذا تعبير عن المجد، فهو يتفاوت من شخص لآخر بحسب جهاده. ومن المستحيل فهم ما هو السلطان على مدن، فنحن لا يمكننا أن نتصور ما سنأخذه، ونحصل عليه من مجد في السماء "فهو ما لم تره عين ولم تسمع به أذن وما لم يخطر على بال إنسان" (1كو9:2). وفي مثل الوزنات سمعنا القول "أدخل إلى فرح سيدك" (مت21:25،23). وفي هذا الكفاية فهو سلطان على فرح ومجد أبدي وكلٌ سيتمجد ويفرح بحسب جهاده على الأرض، فنجم يمتاز عن نجم في المجدد (1كو41:15). مناك موضوع في منديل= إشارة لمن عطل موهبته وأخفاها، هو كمن خاف على صحته فإمتنع عن الخدمة وعن الصوم. أو خاف على أمواله فلم يعطها إلى محتاج يربحه للمسيح. وواضح أن هذا العبد الكسلان عديم الإكتراث بشأن مجد الملك وأرباحه وذلك لعدم أمانته، أو عدم محبته، أو عدم تصديقه أن السيد راجع. حقاً هو لم يضيع المنا على نفسه ولكنه ظن أن في حبسه فيه الكفاية إذ لم يضيعه.

وهناك من هو أسوأ من هذا العبد مثل من يضيع مواهبه في الشر. فمثلاً من يضيع صحته في المخدرات أو المسكرات أو الخطايا المتعددة هو أسوأ من هذا العبد، أو من أعطاه الله أموالاً فضيعها على شهواته وملذاته فهذا أسوأ من هذا العبد.

أخاف منك لأنك إنسان صارم= الإنسان عندما تميل إرادته الشريرة لشئ شرير سيجد الأفكار التي تبرر له هذا الشئ، فهو فكر أن ما أعطاه له سيده هو فخ لا نعمة، وخاف (أو هو يبرر موقفه بهذا) من قسوة سيده، أو لماذا يتعب هو ويستفيد سيده. هو هنا إتهم سيده بالظلم ستراً لذنبه، بل إتهم سيده بأنه يطمع في أكثر ممّا له= تحصد ما لم تزرع أي تأمرني بالعمل وتأخذ الربح.

مثال: خادم يشعر أنه مقصر في خدمته، فبدلاً من أن يهتم بأن يكون أميناً في خدمته نجده يترك الخدمة، هذا يقول مع هذا العبد "خفت منك لأنك صارم" وذلك بأن يترك المسئولية، ولكن ليذكر هذا الخادم أن الله أعطاه موهبة وطالبه بأن يربح بها، فهروبه يدينه ولن يعفيه من المسئولية. فالرد على مثل هذا الإدعاء.. طالما عرف أن سيده إنسان صارم، فلماذا لم تضع فضتي على مائدة الصيارفة. والمعنى لو كان سيدك ظالماً فعلاً لكنت تخاف منه وتتاجر وتربح له. ومائدة الصيارفة هي أقل الأعمال مجهوداً، ولكنها تربح. والمقصود لماذا لم تقم بأي عمل لأجل مجد إسمي، فمثلاً لماذا لم تصلي من أجل الناس ومن أجل المحتاجين، لماذا لم تضع عشورك في الكنيسة وهذا أقل شئ. والحقيقة أن الله لا يطلب سوى ما زرعه، فإتهام هذا العبد ظالم (أش2:5). ونجد أن الله يعطي ما لهذا العبد الشرير للأكثر أمانة فكل من له يُعطى= الذي عنده القدرة على المتاجرة والربح يُعطى المزيد، من كان أميناً وله الرغبة أن يخدم ويعمل يأخذ أكثر. وفي السماء له مجد أعظم. ومن ليس لهُ= الذي كان غير أميناً فتؤخذ منه مواهبه وتضاف للأمين وأمّا أعدائي.. وإذبحوهم= المسيح هنا يصدر الحكم على أورشليم قبل أن يدخلها. ولقد ذبحهم تيطس فعلاً سنة 70م. إن الذين يساقون إلى الذبح هو الذين كتبوا بأيديهم مصيرهم. ولنرى كم الوزنات والأمناء التي أعطاها الله لليهود (أنبياء/ كهنوت/ هيكل/ معجزات/ إنتصارات إعجازية على أعدائهم/ ناموس/ شريعة/ أرض مقدسة/ وصايا لو نفذوها لعاشوا في سعادة/ مملكة آمنة/ خيرات مادية أرض تفيض لبناً وعسلاً..) فماذا فعلوا؟ هؤلاء لم يضعوا مناهم في منديل، بل ضيعوا كل ما أخذوه وأخيراً صلبوا المسيح. لقد صاروا في وحشية، وكما ذبحوا المسيح في وحشية صارت في طبعهم، قاموا في حماقتهم، إذ قد فقدوا كل حكمة، بقتل الضباط الرومان إنتظاراً لأن الله يرسل لهم المسيا ينقذهم، إذاً فحماقتهم ووحشيتهم التي تعاملوا بها مع المسيح، تعاملوا بها مع ضباط روما، لكن المسيح غفر لهم على الصليب، أما روما فذبحتهم بحسب ما يستحقوا.

بهذا المثل ينهي السيد المسيح تعاليمه بخصوص الملكوت الذي أتى ليؤسسه:

1.    هناك أجر ومكافأة لكل من يجتهد في هذا الملكوت الأرضي ويربح نفوساً للمسيح.

2.    الأجر والمكافأة بحسب الجهاد.

3.    من يهمل في تجارته يرفض.

من يعادي المسيح ولا يقبله يهلك (يذبح).

الصفحة الرئيسية